بقلم الأستاذ مصطفى التراب
الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط

مقدمة:
يشكل إحداث محاكم استئناف إدارية ببلادنا ، دعامة أخرى من دعائم بناء دولة الحق، ولبنة إضافية من لبنات ترسيخ وتكريس مبدأ المشروعية وسيادة القانون، في العلاقة التي تربط الإدارة بالمواطنين أفرادا وجماعات، فبعد إحداث المحاكم الإدارية بمقتضى القانون رقم41-90 في عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي أعلن عن إنشاء هذه المحاكم في خطابه السامي ليوم 08 مايو 1990 وكذا عن إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان،

شاءت الإرادة السامية لوارث سره جلالة الملك محمد السادس في أن يسير على نفس النهج القويم والمنحى الحكيم لوالده المنعم ، حيث أعلن جلالته بمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15 دسمبر 1999 بأنه سيتم إحداث محاكم استئناف إدارية على أن يؤسس مستقبلا مجلس دولة يعلو قمة هرم القضاء الإداري، وهذا يؤكد على أن النظام القضائي المغربي في طريقه إلى الازدواجية التي ستؤدي حتما إلى استقلال القضاء الإداري عن زميله القضاء العادي.

ومن جهة اخرى يشكل إحداث محاكم استئناف إدارية بالمغرب نقلة نوعية، وطفرة إيجابية، ومحطة متميزة في المسار التاريخي لقضائنا عموما ولقضائنا الإداري على وجه الخصوص. إن هذا الحدث سيمكن المجلس الأعلى، الخروج من المرحلة الانتقالية التي دامت ما يربو عن 13 سنة ( أي ابتداء من تاريخ شهر مارس سنة 1994 الذي دخل فيه القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية حيز التطبيق) ،

حيث كانت الغرفة الإدارية بهذا المجلس تمارس عملها خلال تلك الفترة كمحكمة موضوع، وجهة استئنافية بالنسبة للأحكام التي كانت تستأنف لديها الصادرة عن المحاكم الإدارية، لتصبح بعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية، تمارس عملها الطبيعي كمحكمة قانون،

وتبت في طلبات النقض المقدمة أمامها ضد القرارات النهائية الصادرة عن هذه المحاكم – إلا ما استثني منها بمقتضى القانون- ، وهذه المرحلة ستكون هي الأخرى ظرفية في انتظار إحداث مجلس الدولة ببلادنا بعون الله وقوته- كما سبقت الإشارة إلى ذلك .- ويتبين من استقراء القانون رقم 80-03 المحدث لمحاكم استئناف إدارية،

أن المشرع مازال محتفظا ظاهريا بسمة وحدة القضاء الموحد، ويتجلى ذلك بالأساس، فيما تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية من المادة الأولى من أن أحكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 467-74-1 الصادر في 26 من شوال 1394 (11 نونبر 1974 ) المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، هي التي ” تسري على قضاة محاكم الاستئناف الإدارية “، كما ورد في المادة 15 من نفس القانون، بأن ” القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية هي التي تطبق امام محاكم الاستئناف الإدارية ” .

إلا أ نه يمكن القول من خلال مذكرة تقديم مشروع القانون رقم 80-03 من قبل الحكومة إلى البرلمان ، أن صيغة ونبرة الخطاب قد تغيرت بالمقارنة مع مذكرة تقديم القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية ، بحيث أصبحت هذه الصيغة وهذه النبرة، توحي بشكل صريح لا مفترض،

بأن ازدواجية القضاء آتية لامحالة على الرغم من الظهور في هذه المرحلة بمظهرالتشبث بوحدة القضاء ، بحيث ورد في المذكرة المشار إليها ما يلي : ” إلى حين الأخذ بمبدأ الازدواجية بإحداث مجلس دولة إلى جانب المجلس الأعلى وفق التوجيهات الملكية السامية …فإن المشروع حافظ مرحليا على مبدأ وحدة القضاء ” ، في حين يتبين من الاطلاع على ما جاء في جواب السيد وزير العدل – آنذاك – أثناء مناقشة القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية، بأن الإتجاه كان يسير سابقا نحو الحفاظ بصفة مطلقة على وحدة القضاء مع خلق محاكم متخصصة، حيث جاء في تدخله « … بأن المحاكم الإدارية تعتبر محاكم عادية مندرجة في التنظيم القضائي للمملكة مع تخصصها في المادة الإدارية… »

بعد هذه المقدمة، سنتناول بالدراسة والتحليل لأهم االقواعد التنظيمية والأحكام المسطرية والإجرائية التي أتى بها قانون80-03المحدث لمحاكم استئناف إدارية، وهي كاتالي:

تأليف محكمة الاستئناف الإدارية وتنظيمها:
تنص المادة الثانية من القانون المذكور على ما يلي : ” تتكون محكمة الاستئناف الإدارية من رئيس أول ورؤساء غرف ومستشارين وكتابة ضبط “.

ويلاحظ أن هذا التأليف الذي خص به المشرع محاكم الاستئناف الإدارية، يخالف من جهة ما تم التنصيص عليه بالنسبة لتأليف محاكم الاستئناف العادية (غير المصنفة) ، حيث ورد في الفصل 6 من قانون التنظيم القضائي للمملكة بأن هذه المحاكم ” تتألف من رئيس أول وقضاة.. ” ، ومن جهة أخرى فإنه يطابق تأليف محاكم الاستئناف العادية (المصنفة) التي تتميز بكون رؤسائها الأولين يصنفون في الدرجة الاستثنائية التي تعادل درجة رئيس غرفة بالمجلس الأعلى، ويصنف رؤساء غرفها في الدرجة الأولى التي تعادل درجة مستشار بالمجلس المذكور، وهذا يؤكد على ان المشرع أراد أن يكون مستوى قضاة محاكم الاستئناف الإدارية على درجة كبيرة من الكفاءة والتجربة والممارسة الميدانية .

مؤسسة المفوض الملكي:
لم يدخل المشرع مؤسسة المفوض الملكي في التأليف الهيكلي للمحكمة وإنما أدخلها في تشكيلة هيئة الحكم، بحيث أنه بعد ان نص على طريقة تعيينه في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية المبينة أعلاه، اشار في المادة 3 إلى وجوب حضور المفوض الملكي بالجلسة، وأن صيغة الوجوب التي وردت في المادة المذكورة، توضح بأن هذه القاعدة آمرة ومن النظام العام، وأن الإخلال بها، يجعل تشكيلة الهيئة الحاكمة باطلة والقرارات الصادرة عنها باطلة ايضا.

والشيء الجديد الذي أتى به قانون 80-03 هو أن المفوض الملكي بمحكمة الاستئناف الإدارية يدلي بمستنتجاته مكتوبة إلا أنه يمكنه توضيحها شفهيا أثناء الجلسة، بحيث أن هذه الإلزامية أصبحت تنصب أساسا على الآراء المكتوبة، أما الآراء الشفهية فتبقى مسألة اختيارية بالنسبة إليه، وهذا شيء محمود أتى به المشرع، بحيث أن كثرة القضايا المعروضة بالجلسة، تجعل من الصعب على المفوض الملكي، تقديم مرافعة شفهية في كل قضية على حدة يبدي فيها آراءه التي غالبا ما تكون مطابقة لمستنتجاته الواردة في تقريره الكتابي.

ويستنتج من ذلك أن المشرع كان حكيما لما تراجع عن الصيغة التي جاءت بها الفقرة الثالثة من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية التي ورد فيها ما يلي : ” يعرض المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق آراءه المكتوبة والشفهية على هيئة الحكم …” بحيث أن هذه الصيغة تفيد الإلزام على اعتبار أن الفقرة المذكورة تبتدئ بفعل مضارع ” يعرض ” الذي يفيد الوجوب- في المجال التشريعي- .

فتطبيق هذا النص في بداية عمل المحاكم الإدارية، كان يجد فيه المفوضون الملكيون صعوبة كبيرة جدا في تقديم وعرض آرائهم الشفهية في كل قضية، خصوصا وأنه بتوالي الجلسات، أصبحت القضايا تتكاثر شيئا فشيئا مما اضطرهم في الأخير إلى الاقتصار في المرافعة الشفهية على القضايا التي تبرز فقط نقط قانونية هامة، أما بالنسبة للقضايا الأخرى، فإنهم يقتصرون عند إعطائهم الكلمة في الجلسة على تأكيد ما ورد في مستنتجاتهم الكتابية.

كما أن هناك شيئا جديدا اتى به قانون80-03 بالنسبة لمؤسسة المفوض الملكي، وهو أنه أورد في الفقرة الأخيرة من المادة 3 العبارة التالية: ” لايشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في المداولات” ، وأن هذه العبارة جاءت واضحة وصريحة ولا تثير أي التباس او غموض بالمقارنة مع ما كان عليه الشأن بالنسبة للقانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي نصت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة منه على ما يلي : ” لايشارك المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق في إصدار الحكم” بحيث لم يكن يعرف المقصود بهذا المنع هل يتعلق بحضور المداولة أم بحضور الجلسة التي يتم فيها النطق بالأحكام؟

وأن هذا الاضطراب في التفسير والتطبيق العملي لهذا النص، جعل من بعض المفوضين الملكيين بالمحاكم الإدارية في البداية يفضلون عدم حضور الجلسة أثناء النطق بالأحكام اعتقادا منهم أن المشرع منعهم من ذلك باستعماله لعبارة عدم المشاركة في ” إصدار الحكم “.

لذا فإن مشرع قانون 80-03 كان حكيما حينما وضح هذه النقطة بشكل جلي أزالت كل التباس في فهم عبارة ” إصدار الحكم ” بحيث أنه استعاض عنها بعبارة ” المداولة ” ، وبالتالي فإن المفوض الملكي محظور عليه المشاركة في المداولة أما حضوره في الجلسة ضمن تشكيلة هيئة الحكم، فهو إلزامي سواء كانت هذه الجلسة مخصصة لمناقشة القضايا المدرجة أو للنطق بالأحكام الصادرة فيها، إلا أننا نعتقد بأنه لا موجب لمنع المفوض الملكي من المشاركة في المداولة مادام لا يمثل أي طرف وليس من حقه الطعن في الأحكام، وأن دوره يقتصر على الدفاع عن القانون والحق، وهو دور يمكن أن يمارسه ايضا حتى عند المشاركة في المداولة لو أن المشرع سمح له بذلك.

البيانات التي يجب أن يتضمنها المقال الاستئنافي:
باستقرائنا للمادة 15 من القانون رقم 80-03 المحدث لمحاكم استئناف إدارية، يتضح بأن القواعد المسطرية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وفي القانون رقم 41- 90 هي الواجبة التطبيق أمام تلك المحاكم- ما لم ينص قانون على خلاف ذلك-. وهذا يؤكد على أن البيانات التي يجب أن يتضمنها المقال الاستئنافي المقدم أمام محكمة الاستئناف الإدارية هي نفسها المنصوص عليها في الفصل 142 من ق.م.م والتي من بينها ” موطن أو محل إقامة كل من المستأنف أو المستأنف عليه ” .

وهناك ملاحظة أساسية لا بد من إثارتها بمناسبة التطرق لهذه النقطة القانونية، وهي أن المشرع أعطى الخيار في هذا الفصل للمستأنف في أن يبين في مقاله الاستئنافي إما الموطن الحقيقي للأطراف ( المستأنف والمستأنف عليه) وإما موطنهم أو موطن أحدهم المختار، بحيث أنه قد لا يذكر المدعي موطنه الحقيقي في المقال الافتتاحي للدعوى ،

ويكتفي بالقول أنه يجعل محل المخابرة معه بمكتب محاميه الذي رفع الدعوى باسمه، فيكون المدعى عليه حينئذ عند الطعن بالاستئناف في الحكم الذي صدر ضده مضطرا إلى تضمين الموطن المختار للمستأنف عليه ( المدعي في المرحلة الابتدائية) في المقال الاستئنافي وهو مكتب محاميه، ويكون المقال من هذه الناحية مستوفيا للشرط الشكلي المنصوص عليه في الفصل 142 المذكور مادامت البيانات المطلوبة الواردة فيه قد تم تضمينها به.

لكن الإشكال القانوني سيطرح بحدة عند تقديم نفس المستأنف لعريضة الطعن بالنقض، ذلك أن الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية يوجب الإشارة في مقال الطعن من ضمن البيانات الأساسية، إلى الموطن الحقيقي للأطراف تحت طائلة عدم القبول، بحيث أن حق الخيار الذي كان للمستأنف عند تقديمه المقال الاستئنافي وهو بيان إمـا الموطن الحقيـقي أو المختـار للأطراف،

أصبح لا يتوفر عليه طالب النقض عند تقديمه للعريضة أمام المجلس الأعلى، ويكون مآل طلب النقض الذي تقدم به نفس الطرف المستأنف هو عدم القبول إذا لم يشر فيه إلى الموطن الحقيقي للمطلوب في النقض على الرغم من أنه لا يتوفر عليه مادام هذا الأخير لم يشر إليه في المقال الافتتاحي بصفته الطرف المدعي وإنما أشار فقط إلى موطنه المختار.

وقد صدرت عدة قرارات متواترة عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قضت فيها بعدم قبول الاستئناف لعدم بيان المستأنف للموطن الحقيقي للمستأنف عليه استنادا إلى الفصل 355 من ق.م.م منها القرار عدد 291 الصادر بتاريخ 05/04/2006في الملف رقم 3667/4/2/2003 وكذا القرار عدد 15 الصادر بتاريخ 18/01/2006 في الملف رقم 1896/4/3/2004.

وبما أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أصبحت بعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية تنظر في طلبات الطعن بالنقض الموجهة ضد القرارات النهائية الصادرة عن هذه المحاكم، فإنها ستواصل تطبيق نفس المقتضى المنصوص عليه في الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية، وفي ذلك إجحاف بحقوق طالب النقض وضياع لها لمجرد أنه لا يتوفر على الموطن الحقيقي للمطلوب في النقض الذي هو المدعي في الأصل الذي اكتفى عن قصد أو عن غير قصد بذكر موطنه المختار في مقاله الافتتاحي دون بيان موطنه الحقيقي مادام الفصل 32 وكذا الفصل 142 من نفس القانون يسمحان له بذلك.

ومن أجل إيجاد حل نهائي ناجع وبسيط لهذه الإشكالية القانونية التي كانت السبب في ضياع عديد من الحقوق- كما سبق الذكر-، نقترح إدخال تعديل على الفصل 355 من قانون المسطرة المدنية وذلك بحذف وجوب بيان الموطن الحقيقي للأطراف في مقال الطعن بالنقض، والاكتفاء فيه ضمن البيانات بذكر موطن أو محل إقامتهم، وذلك حتى تكون مقتضيات هذا الفصل منسجمة مع كل من الفصل 32 المتعلق بالبيانات التي يجب أن يتضمنها المقال الافتتاحي للدعوى، وكذا مع الفصل 142 المتعلق بالبيانات التي يجب أن يتضمنها المقال الاستئنافي.

اختصاص محاكم الاستئناف الإدارية:
أوردت المادة الخامسة من القانون رقم 80-03 قاعدة عامة تتعلق باختصاص محاكم الاستئناف الإدارية، وهي أن هذه المحاكم” تختص بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الإدارية وأوامر رؤسائها ” وجاء في نهاية صياغة هذه المادة العبارة التالية : “ ماعدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة” مما يدل على أن القاعدة المذكورة ليست مطلقة وإنما ترد عليها بعض الاستثناءات سواء في القانون المذكور نفسه، أو في قوانين أخرى متفرقة.
لذا فإننا سنبين نطاق الاختصاص الموكول إلى هذه المحاكم كقاعدة عامة، ثم نورد بعض الاستثناءات التي تخرج عن نطاق هذا الاختصاص من خلال رصد بعض الحالات المنصوص عليها في القانون.

أولا: القاعدة العامة : إن الأصل حسب المادة المذكورة، هو أن جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية وكذا الأوامر الصادرة عن رؤسائها قابلة للطعن بالاستئناف امام محاكم الاستئناف الإدارية، وهذا الإطلاق الذي أتى به المشرع في هذه المادة، لم يكن كذلك عند تقديم مشروع القانون إلى البرلمان، بحيث كانت صياغة المادة الخامسة كالتالي:”

تختص محاكم الاستئناف الإدارية في استئناف أحكام المحاكم الإدارية وأوامر رؤسائها ما عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة، أما الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في المنازعات الانتخابية، وكذا فيما أحيل عليها من أجل تقدير شرعية القرارات الإدارية فيتم استئنافها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى” ، إلا أن هذه المادة قد تم تعديلها من قبل أحد الفرق البرلمانية فحذف منها كل ما استثني من الأحكام غير القابلة للاستئناف ومن بينها تلك الصادرة في المنازعات الانتخابية المذكورة، وقد تم تبرير ذلك من أن هذا الاستثناء يتعارض مع “المكتسبات وأهداف الإصلاح” .

إلا انه يلاحظ مع ذلك بأن المشرع استثنى في المادة 16 من القانون 80-03 من الطعن بالنقض القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية في موضوع المنازعات الانتخابية وكذا في تقدير شرعية القرارات الإدارية، فبعد أن كان المشروع يستثني الأحكام الصادرة في المواد المذكورة من إمكانية الطعن فيها بالاستئناف، جعلها في المقابل قابلة للطعن فيها بالنقض، بينما في ظل القانون الذي تمت المصادقة عليه، أصبحت إمكانية الطعن بالاستئناف ممكنة بالنسبة للأحكام الصادرة في تلك المواد، وغير ممكنة فيما يخص ممارسة حق الطعن بالنقض، وفي اعتقادنا فإن المشرع كان على صواب عند سنه لهذه القاعدة الإجرائية،

نظرا للطبيعة الخاصة للمنازعات الانتخابية على الخصوص التي تقتضي الفصل فيها بسرعة وبدون تعقيب عليها بعد النظر فيها استئنافيا، فقابليتها للنقض سيؤدي حتما إلى تأخير الحسم في هذه المنازعات ليس من حيث المدة التي يمكن أن يستغرقها النظر في القضية امام المجلس الأعلى، وإنما من حيث أن هذه الجهة القضائية أصبحت محكمة قانون حتى بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة في المادة الإدارية، وبالتالي يمكن عند نقض قرار استئنافي صدر في منازعة انتخابية، إحالة الملف إما إلى نفس المحكمة المصدرة لهذا القرار أو إلى محكمة أخرى، فيتم البت في القضية من جديد ثم يطعن في القرار مرة اخرى بالنقض، وهذا سيؤدي إلى بقاء المنازعة الانتخابية معلقة دون الحسم فيها، أو أنها ستصبح غير ذات موضوع بعد انتهاء فترة الولاية الانتخابية.

لذا فإذا كان ما أورده المشرع في المادة 16المبينة أعلاه من حيث عدم قابلية القرارات الصادرة في المواد المذكورة للطعن بالنقض له ما يبرره من الناحية القانونية- حسب ما تم توضيحه – فإن له ما يبرره أيضا من الناحية الواقعية، ذلك أن هذا المقتضى سيحد من لجاج ولدد أطراف الخصومة في المنازعة الانتخابية حينما سيتم الحسم فيها استئنافيا.

ثانيا: الاستثناءات الواردة على القاعدة العامة المتعلقة باختصاص محاكم الاستئناف الإدارية:

ليست كل أحكام المحاكم الإدارية والأوامر الصادرة عن رؤسائها قابلة للاستئناف أمام محاكم الاستئناف

الإدارية، بل هناك استثناءات واردة على هذه القاعدة نجملها فيما يلي:

أ- الأحكام الصادرة في موضوع الاختصاص النوعي :

حينما يتم الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام محكمة إدارية أو عادية ويتم البت في هذا الدفع بحكم مستقل، فإن هذا الأخير يقبل الاستئناف امام المجلس الأعلى وليس أمام محكمة الاستئناف الإدارية، وذلك عملا بمقتضيات المادة 12 من القانون رقم 80-03 التي نصت على ” إبقاء مقتضيات المادة 13من القانون رقم 41-90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية سارية المفعول في شأن استئناف الأحكام الصادرة في موضوع الاختصاص النوعي..”

وفي اعتقادنا أن المشرع كان حكيما حينما أبقى الاختصاص للمجلس الأعلى للنظر كجهة استئنافية في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية أو المحاكم الابتدائية المتعلقة بالاختصاص النوعي، وذلك لضرورة وجود جهة قضائية واحدة تحسم في نقطة الاختصاص النوعي، وتوحد العمل القضائي بخصوصه، وهي مرحليا المجلس الأعلى في انتظار محكمة التنازع بعد إحداث مجلس الدولة مستقبلا،

بحيث لو منح هذا الاختصاص لمحاكم الاستئناف الإدارية ، فإن ذلك سيفضي حتما إلى تعارض الاتجاهات فيما بينها الذي لا يمكنه ان يخدم مصلحة القضاء الإداري المتمثلة في ضرورة محافظته على مصداقيته ونجاعته ، كما لا يمكنه أن يخدم مصلحة المتقاضين الذين لا تستقيم أوضاعهم ومراكزهم القانونية أمام وجود هذا التعارض.

وما دمنا نتحدث عن هذه النقطة المتعلقة بالاختصاص النوعي، فإن إشكالا قانونيا يمكن ان يطرح من الناحية العملية على الرغم من أن المجلس الأعلى هو المختص بالنظر في استئناف الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع، فقد يحصل أن يتم الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمام المحكمة الإدارية، وأن هذه الأخيرة بدلا من أن تبت فيه بحكم مستقل قامت بضمه إلى الجوهر،

فيضطر الطرف صاحب المصلحة إلى الطعن في الحكم القطعي أمام محكمة الاستئناف الإدارية ويثير من ضمن أسباب الاستئناف عدم اختصاص المحكمة الإدارية للبت في الطلب بالإضافة إلى الأسباب الأخرى المتعلقة بالموضوع، فهل لمحكمة الاستئناف الصلاحية للجواب عن هذا السبب والقول بالتالي باختصاص المحكمة المصدرة للحكم المستأنف أو عدم اختصاصها للنظر في موضوع الدعوى؟ جوابا عن هذا التساؤل،

نرى أن محكمة الاستئناف الإدارية ملزمة بالجواب عن جميع اسباب الاستئناف ومن ضمنها السبب المتعلق بعدم الاختصاص النوعي، ولا يستقيم قرارها إذا استبعدت الجواب عن هذا السبب بدعوى أن المجلس الأعلى هو المختص بالنظر في الاستئناف المتعلق بهذه النقطة، لأن عدم جوابها عن سبب من اسباب الاستئناف يفضي حتما إلى نقض القرار لنقصان التعليل المنزل منزلة انعدامه.

ومن جهة أخرى فإنه من الناحية العملية لا يمكن تصور مناقشة محكمة الاستئناف لأسباب ذات العلاقة بجوهر النزاع دون أن تحسم في موضوع الاختصاص الذي أثير كنقطة نزاعية، وإذا كانت المحكمة الإدارية غير مختصة فعلا بالنظر في الدعوى، فإن محكمة الاستئناف الإدارية تكون ملزمة بإلغاء الحكم المستأنف والتصريح تصديا بعدم الاختصاص النوعي لا أن تنظر في موضوع الدعوى رغم أن الاختصاص لا ينعقد للقضاء الإداري.

ولكن قد يعمد المستأنف إلى استئناف الشق من الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أمام المجلس الأعلى ( وهذا من حقه)، والشق الثاني المتعلق بالموضوع، أمام محكمة الاستئناف الإدارية، فهنا تكون هذه الأخيرة ملزمة بإيقاف البت في الملف إلى أن ينظر المجلس الأعلى في الاستئناف المعروض أمامه.

ب- الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات بالإذن في الحيازة :طبقا للمادة 32 من القانون رقم 81 . 7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، فإن هذه الأوامر لا تكون قابلة للطعن فيها بالاستئناف، وإنما تكون قابلة للطعن بالنقض ما دام لا يوجد أي مقتضى قانوني سواء في القانون المذكور نفسه أو في القانون رقم 80-03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية يستثنيها من هذا الطعن.

إلا أنه فيما يتعلق بالأوامر الصادرة عن نفس الجهة القاضية برفض أو عدم قبول طلب الإذن في الحيازة الذي يتقدم به نازع الملكية ، فهي قابلة للطعن بالاستئناف بالمفهوم المخالف للنص ما دامت الأوامر غير القابلة لهذا الطعن هي الصادرة بالإذن في الحيازة، بمعنى أن المنع من ممارسة هذا الطعن يخص المنزوعة ملكيته عندما يستجاب لطلب نازع الملكية ولا يخص هذا الأخير في حالة عدم الاستجابة لطلبه.

مؤسسة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية:
بالإضافة إلى المهام الإدارية والولائية الموكولة إلى الرئيس الأول، أسند المشرع لهذا الأخير مهاما قضائية صرفة تتجلى فيما يلي:

أ – القضاء الاستعجالي: نصت المادة 6 من القانون رقم 03-80 على ما يلي:

” يمارس الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات إذا كان النزاع معروضا عليها ” ، ويتبين من استقراء هذا المادة، أن المشرع سوى بخصوص هذا الاختصاص، بين الرئيس الأول للمحكمة المذكورة، وبين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف العادية وهو الاختصاص المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، مع فارق بسيط فقط وهو أن المادة 6 المبينة أعلاه، أتت بشيء جديد وهو أنها أعطت للرئيس الأول إمكانية إسناد مهام قاضي المستعجلات لنائبه،

بينما الفقرة الثالثة من الفصل المذكور لم تمنح الرئيس الأول لمحكمة الاستناف العادية هذه الإمكانية، مما أدى إلى احتدام النقاش الفقهي والقضائي حول هذه النقطة بين قائل باحتكار الرئيس الأول لهذا الاختصاص دون إمكانية اسناده لنائبه تمشيا مع التطبيق الحرفي للنص، وبين قائل بإمكانية وقانونية هذه النيابة استنادا إلى أن هناك موانع وطوارئ قد تحدث وتحول دون ممارسة الرئيس الأول بنفسه لمهامه القضائية لفترات قد تطول أو تقصر إما بسبب رخص مرضية او إدارية إلى غير ذلك… مما يكون من غير المستساغ تعطيل النظر في القضايا الاستعجالية المحالة إليه إلى حين إزالة المانع أو الطارئ.

ونتمنى أن يتدخل المشرع لملء هذا الفراغ التشريعي وذلك بإدخال تعديل على الفقرة الثالثة من قانون المسطرة المدنية حتى تعود منسجمة مع مقتضيات المادة 6 من القانون رقم80-03 المشار إليها أعلاه، وذلك بالتنصيص على إمكانية النيابة عن الرئيس الأول (لمحكمة الاستئناف العادية) في القيام بمهام قاضي المستعجلات.

ومن جهة أخرى فإن المادة السادسة المذكورة، بإسنادها مهام قاضي المستعجلات للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية( أو نائبه ) ، قد عملت على حل إشكالية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، وذلك بتحديدها الجهة القضائية على وجه الدقة والوضوح التي يمكن اللجوء إليها كقضاء استعجالي حينما يكون النزاع معروضا أمام تلك المحكمة، في حين أنه قبل إحداث محاكم الاستئناف الإدارية،

كان الاعتقاد السائد عند البعض، أن رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى يمارس مهام قاضي المستعجلات عندما يكون النزاع معروضا أمام هذا المجلس وذلك اسنادا إلى المادة 46 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية التي نصت على مزاولة رئيس الغرفة المذكور والمستشار المقرر المعين من قبله للصلاحيات الموكولة إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والمستشار المقرر بها بمقتضى الفصول من 329 إلى الفصل 336 من ق.م.م.

إلا أن هذا الفهم لا يستقيم بمفهوم المادة 46 نفسها التي تحدثت فقط عن الصلاحيات المخولة إلى الرئيس الأول فيما يتعلق بتعيين المستشار المقرر، وبصلاحيات هذا الأخير فيما يتعلق بمسطرة التحقيق في القضية وتجهيز الملف إلى حين إصدار الأمر بالتخلي،

بحيث أن هذه الصلاحيات هي التي نقلت بمقتضى المادة المذكورة إلى رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، والمستشار المقرر به، وليس مهام قاضي المستعجلات.

وقد صدرت عدة قرارات عن المجلس الأعلى( الغرفة الإدارية) تنفي عن رئيس الغرفة الإدارية صفة قاضي المستعجلات منها القرار القاضي بما يلي:

” لا يوجد أي نص في قانون المسطرة المدنية أو في القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية ينقل اختصاص قاضي المستعجلات إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى أو إلى رئيس الغرفة الإدارية به، مما يجعل الطلب الرامي إلى الترخيص للطالب في الحصول على نسخة تنفيذية ثانية طبقا للفصل 435 من ق.م.م المقدم مباشرة أمام المجلس الأعلى غير مقبول.”

لذا فإن رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات هو الذي كانت له الصلاحية بمقتضى القانون قبل إحداث محاكم الاستئناف الإدارية، بممارسة مهام قاضي المستعجلات سواء كان النزاع معروضا أمام المجلس الأعلى أم لا ، أما بعد إحداث هذه المحاكم فإن المادة 6 المذكورة أعلاه عملت على إسناد هذا الاختصاص إلى الرئيس الأول وذلك في المرحلة التي يكون فيها النزاع معروضا على محكمته، بينما يبقى رئيس المحكمة الإدارية يمارس هذه المهام في غير هذه الحالة.

واستنادا إلى ذلك، أضحى البت في الصعوبة في التنفيذ، من اختصاص الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات حينما يكون النزاع في الموضوع معروضا على هذه المحكمة، إما بسبب الطعن بالاستئناف ضد حكم صادر عن محكمة إدارية، أو بالتعرض على قرار استئنافي غيابي، أو بطلب إعادة النظر في قرار اسنئافي نهائي، أو بتعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد نفس القرار، وذلك طبقا للمادة 6 من القانون رقم80-03 المشار إليها أعلاه،

بينما يبقى رئيس المحكمة الإدارية بنفس الصفة مختصا بالبت في هذه الصعوبة إذا كان النزاع في الموضوع غير معروض على محكمة الاسئناف الإدارية، أو أن هذا النزاع سبق أن تم الفصل فيه من طرف هذه المحكمة بمقتضى قرار نهائي ولو طعن في هذا الأخير بالنقض، كما يبقى الاختصاص موكولا له بصفته الولائية للنظر في عوارض التنفيذ – بمقتضى محضر يحال إليه- التي يثيرها عون التنفيذ أو الأطراف اعتبارا لكون رئيس المحكمة هو الجهة المشرفة على إجراءات التنفيذ طبقا للفصل 436 من ق.م.

ب- المساعدة القضائية : من بين الاختصاصات الموكولة إلى مؤسسة الرئيس الأول أيضا حسب المادة 7 من القانون رقم80-03 هو منح المساعدة القضائية لطالبها طبقا للشروط المنصوص عليها في المرسوم الملكي الصادر بتاريخ فاتح نوفمبر 1966 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية، إلا أنه في نظرنا سيكون من الناذر طلب المساعدة

القضائية في المرحلة الاستئنافية لعدة أسباب نذكرمنها ما يلي :
– إن طلبات الاستئناف معفاة أصلا من أداء الرسوم القضائية طبقا للفقرة الثانية من المادة 10 من قانون رقم 80-03 وبالتالي لا حاجة للطالب في طلب هذه المساعدة إلا من أجل تنصيب محام.

– إن منح المساعدة القضائية للطالب في المرحلة الابتدائية بمقتضى قرار صادر عن رئيس المحكمة الإدارية يسري أثره حتى بالنسبة للاستئناف الذي رفع ضد المستفيد من هذه الممساعدة، أو في حالة تقديمه لاستئناف فرعي أو عرضي.

إلا أن قرار المساعدة القضائية لا يسري أثره على الاستئناف الأصلي المقدم من طرف المستفيد من هذا القرار، وفي هذه الحالة يمكنه من جديد تقديم طلب المساعدة القضائية أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية من أجل الاستفادة من تنصيب محام يتولى تقديم الاستئناف المذكور لفائدته.

– إن تقديم طلب المساعدة القضائية في المرحلة الاستئنافية، يفيد بأن الطالب لم يكن يتوفر عليها في المرحلة الابتدائية، بحيث من المؤكد أنه يكون قد أدى الرسوم القضائية عن مقاله الافتتاحي – إذا كان النزاع يتعلق بالقضاء الشامل- ونصب محاميا للدفاع عنه، وبالتالي كيف يمكن تصور أن هذا الطالب أصبح في حالة عوز عند تقديم الاستئناف، وأن إمكانياته أصبحت لا تسمح له بتنصيب محام حتى يمكنه تقديم طلب للمساعدة القضائية في هذه المرحلة ؟

ولكن تبقى مع ذلك هذه الملاحظات، مجرد تصورات لتطبيق نص قانوني لم يتبلور بعد على أرض الواقع، اعتبارا لحداثة القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، الذي يحتاج إلى وقت كاف في التطبيق العملي للإحاطة بمزاياه ونقائصه.

والشيء الجديد الذي أتى به قانون 80-03 بخصوص المساعدة القضائية، هو أن المشرع حدد بدقة الجهة التي يستأنف لديها القرار الصادرعن رئيس المحكمة الإدارية برفض منح المساعدة القضائية، وهي محكمة الاسئناف الإدارية، التي تبت في الاستئناف بغرفة المشورة وذلك طبقا للمادة 8 من القانون المذكور، كما حسم في طبيعة هذا القرار وهي الطبيعة القضائية، ويكون المشرع بذلك، قد ملأ الفراغ التشريعي الذي كان القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية يعاني منه بسبب عدم تحديده للجهة الاستئنافية،

ولا للأجل الذي يمكن تقديم الاستئناف خلاله ، فكانت عدة تساؤلات تطرح نتيجة لهذا القصور التشريعي، منها:

هل قرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية هو قرار نهائي أم ابتدائي ؟ وإن كان هذا القرار قابلا للاستئناف فأمام أي جهة يستأنف لديها؟

هل أمام مكتب المساعدة القضائية بالمجلس الأعلى طبقا للمسطرة العادية المنصوص عليها في الفصل 11 من مرسوم فاتح نوفمبر 1966؟ أم أمام الغرفة الإدارية ؟

كل هذه الإشكالات والتساؤلات قد تم وضع حد لها بإحداث محاكم استئناف إدارية التي أصبح من اختصاصها كما قلنا النظر في استئناف قرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية،

ولكن بقي مع ذلك تساؤل مطروح المتعلق بقرار رفض منح المساعدة القضائية الصادر عن الرئيس الأول فهل هو قرار نهائي؟ أم قابل للاستئناف؟ وإذا كان الأمر كذلك فأمام أي جهة؟ وداخل أي أجل؟

في اعتقادنا أن القرار الصادر عن الرئيس الأول برفض منح المساعدة القضائية هو قرار قضائي نهائي غير قابل للاستئناف ولهذا السبب لم يتطرق المشرع لهذه النقطة.

استئناف الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري:

من الأمور الجديدة التي اتى بها قانون رقم 80-03 ( المادة 13 منه ) هو جعل استئناف الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري ليس لها أثر واقف، وهذا في رأينا أمر إيجابي، وهو إعطاء هذه الأحكام القوة التنفيذية، رغم الطعن فيها بالاستئناف نظرا لما تتسم به وضعية المدعي ( طالب إيقاف تنفيذ قرار إداري) من ضرر لا يمكن تداركه في المستقبل، والذي من شأن استمراره استحالة إرجاع الحالة إلى ماكانت عليه وبالتالي التأثير في المركز القانوني لصاحب الحق بشكل مباشر، فضلا عن جدية دعوى الإلغاء التي استشفها قضاة الموضوع من خلال تفحصهم لمستنداتها والتي توحي بأن القرار المطعون فيه تنتفي فيه المشروعية وهو مرشح بالتالي للإلغاء.

وتظهر إيجابية هذا المقتضى القانوني أيضا في كون الأحكام الصادرة بإيقاف تنفيذ قرار إداري، تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، على الرغم من عدم التنصيص فيها على شمولها به، نظرا لكون القانون نفسه هو الذي منحها الأثر النافذ وجعل الاستئناف غير مؤثر في تنفيذها غير القابل للإيقاف بحكم طبيعتها وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 147 من قانون المسطرة المدنية.

وإذا كان الاستئناف لا يؤثر في نفاذ الأحكام الصادرة بوقف تنفيذ قرار إداري، فإن المشرع في المقابل و في إطار تكريسه للتوازن المنشود القائم بين المصلحة العامة ومصلحة الأفراد، أوجب أن يتم البت في هذا الاستئناف ( المتعلق بوقف تنفيذ قرار إداري) داخل أجل 60 يوما يبتدئ من تاريخ توصل كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالملف، ونظن أن هذا الأجل يعتبر كافيا للبت في الاستئناف المذكور، ما دام هذا الطعن لا ينصب على المنازعة الموضوعية المتعلقة بدعوى الإلغاء، وإنما فقط على تقدير ما إذا كان الحكم المستأنف القاضي بوقف تنفيذ القرار الإداري له ما يبرره من الناحيتين الواقعية والقانونية أم لا .

أوجه الطعن في القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية :
الأصل أن القرارت الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية، تقبل كتلك الصادرة عن زميلاتها محاكم الاستئناف العادية جميع أوجه الطعن التي يمكن أن تقدم في مواجهتها ، إلا أن هناك استثناءات أتى بها القانون رقم 80-03 جعلت بعض القرارات الصادرة في مواضيع معينة نظرا لطبيعتها غير قابلة للطعن.

فمن بين الطعون التي تقبلها القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الإدارية:

أولا- التعرض : تنص المادة 14 من القانون رقم 80-03 على ما يلي: ” القرارات الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية تقبل التعرض” ، ويلاحظ أن هذه المادة من مشروع هذا القانون المقدم من طرف الحكومة قبل تعديله من قبل البرلمان كانت تنص على ما يلي : ” القرارات الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية لا تقبل التعرض ” بحيث تم حذف حرف النفي ” لا” فقط من صياغة النص لتصبح تلك القرارات قابلة للتعرض. وفي اعتقادنا، أن الاتجاه الذي سار عليه المشروع قبل تعديله من حيث عدم قابلية القرارات الغيابية للتعرض،

كان حكيما لأنه أراد أن يرسخ بعض القواعد الإجرائية تكون خاصة بالقضاء الإداري تهييئا لدخول نظامنا القضائي مسار الازدواجية، نظرا للطبيعة الخاصة لهذا القضاء، الذي من المفروض أن يتعامل معه الأطراف وخصوصا منهم الإدارة، بإيجابية وهو الجواب على عريضة الاستئناف، وليس بسلبية وهو الإحجام عن هذا الجواب، كما أن المشروع، كان يتوقع من خلال منعه الطعن بالتعرض، سرعة الحسم في النزاع، وإضفاء القوة التنفيذية على القرارات المذكورة بمجرد صدورها، واكتسابها لقوة الشيء المقضي به حتى يمكن لصاحب الحق، مباشرة إجراءات التنفيذ لصالحه.

فلمصلحة من تم تعديل المادة 14 ؟ فإذا كان ذلك لفائدة الإدارة ، فإن القاعدة الإجرائية يجب أن تحقق التوازن بين أطراف النزاع، فما دام من حق الإدارة أن تطلب إيقاف تنفيذ القرارات والأحكام النهائية الصادرة في المادة الإدارية أمام المجلس الأعلى طبقا للفصل361 من ق.م.م وذلك استثناء من القاعدة العامة، وهي عدم قابلية القرارات والأحكام النهائية لإيقاف التنفيذ، فإنه يكون من حقها أن تطلب إيقاف تنفيذ القرار الغيابي الصادر في مواجهتها،

وفي المقابل يكون من حق من صدر هذا القرار لفائدته المطالبة بتنفيذه، أما إقرار حق الطعن بالتعرض لفائدة الإدارة سيخل بهذا التوازن، إذ سيؤدي إلى تعمد الإدارة عدم الجواب على عريضة الاستئناف وبعد صدور القرار الغيابي في مواجهتها، تطعن فيه بالتعرض، وفي حالة تأييد القرار الغيابي، تطلب إيقاف تنفيذه طبقا للفصل 361 المذكورأعلاه مما سيؤدي إلى تطويل مسلسل البت في النزاع الذي قد ترى فيه الإدارة مصلحة فيه.

أما إذا كان تعديل المادة 14 من المشروع تم لفائدة المواطن، فهو تعديل- في نظرنا- يضر هذا الأخير أكثر مما ينفعه، لأن صدور قرار غيابي في مواجهته قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الصادر لفائدته يمكن – لو لم تعدل المادة المذكورة – أن يطعن فيه صاحب المصلحة(المواطن) بالنقض ويتصدى المجلس الأعلى للفصل في النزاع إن كان الأمر يتعلق بدعوى إلغاء ، أو يحيل القضية في حالة نقض القرار إلى المحكمة المصدرة له إذا كان الأمر يتعلق بدعوى القضاء الشامل، وهذا سيفضي إلى اختصار وقت هذا المواطن وضمانا لحقوقه وتقليص في أمد البت في النزاع، فضلا عن اختزال وقت المحكمة وجهدها ، لأن البت في التعرض على القرار الغيابي، هو بت في الاستئناف مرتين بملفين إثنين وبإجراءات مكررة .

ثانيا: الطعن بالنقض: لقد أتى القانون رقم 80-03 بقاعدة عامة تتعلق بالطعن بالنقض ضد القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية، كما أتى بمقتضيات استثنائية تنص على عدم قابلية بعض تلك القرارات لهذا الطعن.

أ- بالنسبة للقاعدة العامة: فإن جميع القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية قابلة للطعن فيها بالنقض وذلك طبق للمادة 16 من القانون المذكور، وهو الشيء الجديد الذي أتى به هذا القانون، فهذا الطعن لم يكن منصوصا عليه في القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية، بحيث أن المادة 45 من هذا القانون، كانت تمنح الاختصاص للمجلس الأعلى( الغرفة الإدارية) كمحكمة موضوع لا كمحكمة قانون، بالنظر كدرجة ثانية في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، مما جعل المجلس الأعلى لا يقبل الطعن بالنقض ضد القرارات التي تصدرها الغرفة الإدارية كجهة استئنافية، لأنه لا توجد غرفة بالمجلس الأعلى تعلو على الغرفة الإدارية،

حتى يمكن الطعن بالنقض في مواجهة القرارات التي تصدرها، ومن جهة ثانية لكون الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية، قد حدد على سبيل الحصر الحالات التي يمكن الطعن من خلالها في القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى والتي ليس من ضمنها الطعن بالنقض في القرارات التي تصدرها الغرفة الإدارية كجهة استئنافية بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية.

ويلاحظ أن المشرع من خلال المادة 19 من القانون رقم 80-03 قد سار مع المجلس الأعلى في هذا التوجه بالنسبة للقضايا التي مازالت الغرفة الإدارية لم تبت فيها بعد دخول القانون المذكور حيز التطبيق، حيث نصت المادة المذكورة على ما يلي: “يبقى البت من اختصاص المجلس الأعلى بوصفه جهة استئنافية في القضايا المسجلة أمامه قبل دخول هذا القانون حيز التننفيذ، وتكون القرارات الصادرة في هذا الشأن غير قابلة للطعن بالنقض.”

ويمكن بسط الملاحظات التالية على صياغة المادة 16 من القانون رقم 80-03 وهي كالتالي:

لقد نصت المادة المذكورة على أن القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية هي التي تكون قابلة للطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى، إلا أن هذه المادة أغفلت الأوامر الاستعجالية التي يصدرها الرؤساء الأولون لهذه المحاكم حينما يكون النزاع معروضا أمامها وذلك طبقا للمادة 6 من القانون المذكور، فهذه الأوامر قابلة للطعن بالنقض مادامت قد صدرت بصفة انتهائية ومع ذلك لم ترد في صياغة المادة المذكورة.

بالنسبة للأمر الذي يصدره رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات القاضي بالإذن في الحيازة فهو يصدر بصفة انتهائية ولا يقبل الطعن فيه بالاستئناف بصريح الفصل 32 من القانون رقم81-7 إلا أنه يقبل الطعن بالنقض مادام لا يوجد أي نص يستثنيه من هذا الطعن، وبالتالي فإنه ليست القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية وحدها هي القابلة للطعن بالنقض، وإنما الأحكام الانتهائية بصفة عامة سواء صدرت عن المحاكم الإدارية أو عن محاكم الاستئناف الإدارية .

هناك إشكالية قانونية لم تنص المادة 16 أو 18 على إيجاد حل لها وهي المتعلقة بالاستئنافات المتعددة، وذلك حينما يسأنف أحد الأطراف المدعى عليها الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قبل دخول القانون رقم80-03 حيز التطبيق، فيحال الملف برمته إلى المجلس الأعلى،

للنظر في الاستئناف المذكور، ثم يتقدم طرف آخر من المدعى عليهم باستئناف آخر ضد نفس الحكم بعد دخول القانون المذكور حيز التطبيق، فيفتح له ملف بمحكمة الاستئناف الإدارية ما دام الاختصاص للبت في الاستئناف أصبح موكولا لها، وهذا سيؤدي إلى صعوبة عملية لأن الملف المتضمن للمستندات بما فيها المقال الافتتاحي والوثائق المدلى بها من قبل الأطراف يكون قد أحيل برمته إلى المجلس الأعلى، وحتى إذا تم التغلب على هذه الصعوبة وذلك بأخذ صور مطابقة للأصل من هذه الوثائق والمستندات ويتم ضمها إلى الملف المفتوح بمحكمة الاستئناف الإدارية،

فإن هذه الأخيرة يمكن أن تصدر قرارا متعارضا مع القرار الذي أصدره أو قد يصدره المجلس الأعلى فيما بعد، ولو افترضنا أن محكمة الاستئناف الإدارية تقرر إيقاف البت في الاستئناف المعروض عليها إلى أن يبت المجلس الأعلى في الاستئناف المعروض عليه، فإن ذلك سوف لن يحل المشكل المتعلق بالمساواة بين الأطراف، ذلك أن الطرف الذي استأنف الحكم أمام المجلس الأعلى، لا يكون له حق الطعن بالنقض في القرار الذي سيصدره هذا الأخير، في حين أن الطرف الذي استأنف نفس الحكم أمام محكمة الاستئناف الإدارية، يكون له حق الطعن بالنقض في القرار الاستئنافي الذي سيصدر، مما كان على المشرع التنصيص في إحدى المادتين 16 أو 19 على جعل الاستئنافات المقدمة ضد نفس الحكم بعد دخول القانون رقم 80-03 حيز التطبيق تلحق بالاستئناف الأول الذي أحيل إلى المجلس الأعلى قبل دخول هذا القانون حيز التطبيق.

لكن هذه الإشكاليات يمكن مع ذلك التغلب عليها فيما بعد، وذلك عن طريق إيجاد حلول قضائية وعملية لها.

ب – بالنسبة للاستثناءات: لقد أوردت المادة 16 بعض الاستثناءات على القاعدة العامة المذكورة، وهي عدم قابلية القرارات الصادرة في المنازعات الانتخابية ، وكذا في تقدير شرعية القرارات الإدارية للطعن بالنقض، وهي استثناءات لها ما يبررها حسب ما بيناه سابقا بالنسبة للمنازعات الانتخابية، أما بالنسبة لتقدير الشرعية،

أو ما عبر عنه في المادة 44 من القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الإدارية بفحص شرعية القرارات الإدارية، فإن المشرع قد أحسن صنعا حينما جعل القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية المتعلقة بهذا النوع من المنازعات غير قابلة للطعن فيها بالنقض، لأن القضية المعروضة على محكمة عادية (غير زجرية) والتي يتوقف البت فيها على الحسم في النزاع الجدي العارض المتعلق بتقدير شرعية قرار إداري ،

يتطلب من المحكمة المذكورة، تأجيل النظر في هذه القضية مع إحالة تقدير شرعية القرار الإداري إلى المحكمة الإدارية أو المجلس الأعلى حسب الاختصاص الموكول إلى إحدى هاتين الجهتين القضائيتين ، وأن القضية المذكورة لا يمكن تأجيلها أكثر من اللازم حفاظا على حقوق الأطراف، وهذا ما جعل المشرع عن حق وحكمة يستثني القرار الاستئنافي البات في تقدير شرعية قرار إداري، غير قابل للطعن بالنقض.

ثالثا- الطعن بإعادة النظر: بعد إحداث محاكم استئناف إدارية طبقا للقانون المذكور، أصبح المجال متسعا للطعن في القرارات الصادرة عن هذه المحاكم بإعادة النظر إذا توافرت الحالات المنصوص عليها في الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية شأنها في ذلك شأن القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف العادية، أما حينما كانت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تنظر كجهة استئنافية في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، فإن الطعن بإعادة النظر في القرارات الصادرة عنها، كانت تخضعها لمقتضيات الفصل 379 وهي المتعلقة بإعادة النظر في قرارات المجلس الأعلى، وليس للفصل 402 من نفس القانون على الرغم من أن الغرفة الإدارية، كانت تبت في الاستئناف كمحكمة موضوع،

وهو اتجاه نراه صائبا لأن هذه الغرفة هي من بين الغرف التي يتألف منها المجلس الأعلى، وقراراتها تعتبر صادرة عن هذا الأخير، وبالتالي فإن المقتضيات الواردة في الفصل 379 هي الواجبة التطبيق بخصوص الطعن بإعادة النظر، وفي هذا المعنى صدر قرار عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى( كجهة استئنافية) ورد فيه ما يلي: ” حيث إنه بمقتضى الفصلين 375 و379 من قانون المسطرة المدنية، فإن الحالة التي يمكن فيها الطعن في قرارات المجلس الأعلى بإعادة النظر هي عـدم الجواب بالمرة على دفع بعدم القبول أو عدم الجواب على وسيلـة أو جزء منها، أما مناقشة تعليلات المجلس الأعلى ومجادلته فيها فلا تدخل في حالة انعدام التعليل وبذلك تبقى الوسيلة غير مقبولة “

رابعا- تعرض الغير الخارج عن الخصومة: بعد إحداث محاكم استئناف إدارية، أصبح من حق الأغيار الذين لم يكونوا ممثلين في الدعوى، الطعن في القرارات الصادرة عن هذه المحاكم إذا مست تلك القرارات بحقوقهم وذلك طبقا للفصل 303 وما يليه من قانون المسطرة المدنية، وكذا المادة 15 من القانون رقم 80-03 المحدث لهذ المحاكم التي تحيل إلى القانون المذكور(ق.م.م) سواء كانت المنازعة تدخل في إطار قضاء الإلغاء أو في إطار القضاء الشام