هل يمكن اعتبار الاستقالة المكرهة فصلاً تعسفياً ؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

الاستقالة عمل إرادي قانوني يتقدم بها العامل إلى صاحب العمل، فيها يعلن عن رغبته في ترك العمل بصورة نهائية.

وتعد الاستقالة أحد أسباب إنهاء عقد العمل استناداً ونص المادة (43) من قانون العمل العماني ويجري نصها بالآتي: “ينتهي عقد العمل المتفق عليه في أي من الحالات الآتية:..4- الاستقالة أو الفصل أو ترك العمل طبقاً لأحكام هذا القانون ….”.

والاستقالة وإن كانت من جانب واحد، فإنها تصرف إرادي قانوني يجب أن يكون هذا التصرف خالياً من أي عيب من عيوب الإرادة ومنها موضوع مقالتنا هذه “عيب الإكراه” بكافة أشكاله وأنواعه أدبياً كان أم مادياً، ومهما كان أثره للعامل طالما كان تأثيره ووقعه على العامل جلياً واضحاً.

وعلى هذا فإن توافر حالة من الحالات ـ التي ستحيط بها مقالتنا هذه ـ تعد استقالة مكرهة تدخل في نطاق مفهوم ما يسمى “بالفصل التعسفي” يضطر بسببها العامل إلى تقديم استقالته نتيجة قيام صاحب العمل بتصرفات ـ وإن كانت ضمنية ـ إلا أنها تدفع العامل إلى ترك العمل، فيبدو ظاهرا أن هذا الأخير هو من ترك العمل بإرادته.

وعلى هذا فإن جانبا من الفقه أخذ ـ ونحن نؤيده ـ بالمفهوم الموسع للفصل التعسفي بحيث يستوعب الحالات التعسفية التي قد يأتيها صاحب العمل ويمارسها تجاه العامل.

ومن جانب آخر يرى البعض من الفقه أن الإستقالة قد تكون صريحة، حين يتقدم بها العامل لصاحب العمل يعلن فيها رغبته بترك العمل، وقد تكون ضمنية تستقى من انقطاع العامل عن العمل ـ ونحن لا نميل لهذا الرأي ـ لسببين هما،

الأول أن: الإستقالة مكتوبة استناداً ونص المادة (37) من القانون ذاته والتي يجري نصها بالآتي: “إذا كان العقد غير محدد المدة جاز لكل من الطرفين إنهاؤه بعد إعلان الطرف الآخر كتابة …” ليتناغم ذلك ونص المادة (21) من القانون ذاته والتي يجري نصها بالآتي: “يجب أن يكون عقد العمل ثابتاً بالكتابة ومحرراً باللغة العربية …”

والسبب الثاني: أن المشرع العماني حدد الحالات التي تجيز للعامل ترك العمل قبل نهاية مدة العقد مع احتفاظه بكامل حقوقه، وهذه الحالات منصوص عليها في المادة (41) ـ لا يتسع المجال هنا بيانها ـ.

وهنا نأمل من المشرع في قانون العمل الجديد أن يمنح العامل مدة زمنية معينة ـ ولتكن سبعة أيام ـ بحيث يحق لهذا الأخير أن يعدل خلال تلك المدة عن رغبته في الإستقالة حيث إن هذه المدة بمضيها يتأكد لصاحب العمل أن قرار العامل كان مدروساً ولم يكن نتيجة ردة فعل معينة.

ويسير القضاء العماني ـ من خلال المبادئ التي أرساها ـ على هذا النهج، حيث يعتبر إكراه العامل على الإستقالة بمثابة فصل تعسفي.

وفي مبدأ آخر يؤكد القضاء أن استفزاز العامل من رب العمل وذلك بسحب ملف من يده بقوة أمام المراجعين .. يعد تعدياً وعملاً مستفزاً.

ولا ندعي الإحاطة بجميع حالات الإكراه التي تعيب الإرادة ومن ثم تندرج ضمن نطاق مايعرف بالفصل التعسفي، فهي تتعدد وتتلون بما لا يمكن حصرها، لذا فإن ما نورده هي أمثلة في اعتقادنا أكثر شيوعاً وأوفر حظاً للإثبات أمام القضاء متى تطلب الأمر ذلك وهي:

الحالة الأولى: تكليف العامل بعمل غير المتفق عليه
تنص المادة (25) من القانون على أنه: “لا يجوز لصاحب العمل أن يخرج على نصوص العقد أو أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك وبصفة مؤقتة ومع هذا يجوز أن يكلف العامل بعمل غير المتفق عليه إذا كان ذلك العمل لا يختلف عن العمل الأصلي اختلافاً جوهرياً”.

من هنا يلاحظ القارئ أنه كقاعدة عامة الأمر محظور على صاحب العمل أن يخرج على نصوص العقد من حيث طبيعة العمل وساعاته .. إلا أن المشرع واستثناء من هذه القاعدة أجاز لصاحب العمل تكليف العامل بعمل مغاير للعمل المرسوم له في العقد متى كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك والضرورة تقدر بحالتها.

الحالة الثانية: نقل العامل لمركز أقل ميزة
استناداً ونص المادة (25) سالفة الذكر أيضاً أجازت ـ كاستثناء ـ لصاحب العمل الخروج على نصوص العقد وتكليف العامل بعمل مغاير عن المتفق عليه في العقد، ولكن بشرط ألا يختلف العمل الجديد عن العمل الأصلي اختلافاً جوهرياً.

ويؤكد القضاء العماني هذا الأمر ويقره في الطعن رقم (147/2005) عمالي عليا، بجلسة 3/1/2006 كمبدأ مفاده ” من المقرر أن عرض رب العمل مركزاً أقل ميزة على العامل هو بمثابة فصل تعسفي ..”.

والأمثلة على ذلك عديدة كأن يتم تعيين العامل في منصب مدير عام للشركة ثم يهمش شيئاً فشيئاً بعدها ينقل إلى مستشار للمدير العام وبميزات أقل بكثير.

الحالة الثالثة: التأخر في دفع الأجور
المشرع العماني اعتنى كثيراً بالأجر، بدلالة المادة (51) من القانون: “تؤدى الأجور في أحد أيام العمل.. وفي جميع الأحوال يتعين أداء الأجر خلال (7) أيام من نهاية المدة التي يستحق عنها..”.

هذه الحالة لا تشمل تأخر صاحب العمل عن دفع أجور عماله لظروف إقتصادية مفاجئة ولمرات محدودة جداً.. فهذا الأمر بعيد عن دائرة الاستفزاز وإنما المقصود بها أن تتكرر حالات التأخر في دفع الرواتب بصورة ملحوظة، بحيث توحي للعامل بوهم بقصد استفزازه في عمله. وتكون أسباب التأخير في الوقت ذاته أسباباً واهية لا تدعمها وقائع حقيقية، فقط من أجل إكراه العامل إلى تقديم استقالته مما يعد في مجمله فصلاً تعسفياً.

* نائب العميد للشؤون الأكاديمية
كلية الزهراء للبنات