محاضرات هامة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية / الجزء الاول

قد لا يختلف اثنان في أن التعارض بين مصالح الناس موجود منذ القدم ، لذلك تجدهم يرفضون الامتثال للحق ، وهو وضع أدى إلى وجود المنازعات فيما بينهم في جميع الأزمنة والأمكنة، ومع ذلك فإنهم لم يهتدوا إلى وسيلة واحدة لحلها.

ففي العهد الفطري، لجأ الفرد إلى القوة للحصول على حقه، مستعينا بأسرته وعشيرته، غير أن نظام القصاص المتخذ كوسيلة خلال هذه الحقبة التاريخية لاسترداد الحق ، قد شكل تهديدا للحد الأدنى من الأمان، والذي لا غنى للإنسان عنه.

لذلك وتحت دافع الحاجة إليه، اهتدى الإنسان إلى فض المنازعات القائمة بين طرفين عن طريق شخص ثالث ، فنشأ التحكيم ، ومع ذلك فانه لم يحقق العدل لكونه اختياري، فضلا عن كون الحكم المعين من الطرفين، لم يكن يستند حال تصديه للفصل في النزاع لأي قانون ، وبحكم تلك النواقص، فان فعالية التحكيم في إنهاء تلك المنازعات، ظلت محدودة منذ تلك العصور القديمة والى غاية الآن.

وعلى الرغم من أن الضرورة، قد دعت ومع نشوء الدولة، إلى إنشاء السلطة القضائية، التي أصبحت تحتكر مجال فض المنازعات بين الناس، فان ذلك لم يكن في حد ذاته كافيا، لقيام سلطة قضائية وافية كفيلة بحماية حقوق الناس، بل تطلبت الضرورة وجود نظام قانوني، تمثل في القواعد التي تقرر الحقوق والالتزامات ، المترتبة على مختلف المعاملات القانونية للأفراد ، بحيث تحرم الفرد من اقتضاء حقه بنفسه، وتفرض عليه اللجوء إلى القضاء لحماية هذه الحقوق، فتطلبت الضرورة وجود قواعد تنظم عمل القضاء ، فتم اللجوء إلى سن تشريعات تحدد كيفية إنشاء المحاكم ، وتعيين من يعمل فيها من قضاة ومعاونين، وتنظيم شكل عملهم الذي ينتهي بصدور حكم ، وتوضيح كيفية وطرق مراقبة هذا الحكم، وهي كلها قواعد توصف بأنها إجرائية.

إن هذه القواعد في التشريع الجزائري، تعرف باسم قانون الإجراءات المدنية،وهو تشريع احتوى على 478 مادة ، موزعة على تسعة كتب ، تناولت الاختصاص النوعي والمحلي للمحاكـم والمجالس القضائية، والمحكمة العليا ، وإجراءات رفع الدعوى، والتحقيق فيها، وإدارة الجلسات والأحكام أمام كل منها، وتحديد مختلف طرق الطعـن العادية منها وغير العاديـة، كمـا تنـاولـت الإجراءات المتبعة في المادة الإدارية، إلى جانب الأحكام المتعلقة بتدابير الاستعجال، وأوامر الأداء، والقضاء المستعجل، وتنازع الاختصاص ، ومخاصمة ورد القضاة ، وعوارض الخصومة ، وتنفيذ الأحكام، وتحديد الإجراءات المتعلقة ببعض المواد الخاصة، كدعوى الحيازة ، والعرض والإيداع واليمين والحجز والتحكيم ، فضلا عن بعض الأحكام العامة ، وهو نص قد خضع لعدة تعديلات، انتهت بإصدار القانون محل الدراسة الذي أصبح يتألف من 1065 مادة،سيهتم هذا البحث بدراستها.

الفصل الأول:

مدخل لدراسة قانون الإجراءات المدنية والإدارية

بتطور وظيفة الدولة واحتكارها للقضاء ، دعت الحاجة إلى وضع تشريعات، ترمي إلى ضبط تلك الحقوق والحريات من جهة، وتحديد طرق وكيفية حمايتها، وبيان الجهات المعنية بذلك من جهة أخرى، وهذه هي التشريعات التي تعنى بها دراسة قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وثمة ثلاث مسائل أساسية، تتمثل في التعريف بهذا القانون، وبطبيعة وسريان قواعده من حيث الزمان والمكان ، قد يشكل الإلمام بها ، مدخلا لدراسته.

المبحث الأول:

مفهوم قانون الإجراءات المدنية والإدارية

ثمة فهم خاطيء، ينصرف إلى حصر مفهوم هذا القانون، في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دون النصوص التشريعية المتعلقة بسير مرفق القضاء ، وتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم، وكيفية التحاق معاوني القضاء بمهنهم وضماناتهم وتأديبهم، لذلك ولأجل تحديد مفهوم هذا القانون لابد من التعريف به، وتحديد مباحثه وأقسامه وتسميته.

المطلب الأول:

تعريف وأقسام قانون الإجراءات المدنية والإدارية

تتعدد أقسام هذا القانون، بتعدد مضمون تشريعاته المختلفة ذات الصلة.

أولا:التعريف بقانون الإجراءات المدنية والإدارية:

أ)في التشريع:

لم يضع له قانون الاجراءات المدنية والادارية أي تعريف لهذا القانون، على غرار التشريعات المماثلة لدى الدول الأخرى، التي أغفلت بدورها وضع أي تعريف له.

ب)في الفقه:

لم يتمكن الفقه من وضع تعريف دقيق له، عند استثناء بعض المحاولات التي ذهبت إلى تعريفه على أنه:(مجموعة القواعد التي تحكم تنظيم وسير القضاء من أجل ضمان حماية حقوق الأشخاص)

وهو تعريف ضيق، لاقتصاره على القواعد المنظمة لسير القضاء، دون القواعد الإجرائية الأخرى المتعلقة بالدعوى والخصومة، لذلك يمكن تعريفه بأنه: (مجموعة القواعد المنظمة لمرفق القضاء، وللإجراءات الواجب اتخاذها عند اللجوء إليه، لضمان وحماية حقوق الأشخاص الطبيعية والمعنوية).

وهذا تعريف يتناول قواعد إنشاء المحاكم ، وتوزيع الاختصاص فيما بينها، وكيفية تعيين القضاة، ومعاوني القضاء، ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم، وتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها عند اللجوء إلى القضاء، ووسائل الدفاع وطرق الإثبات وكيفية الفصل في المنازعات، وكيفية الاستفادة من القرارات الصادرة لحماية الحقوق والمراكز القانونية للأشخاص الطبيعية منها والمعنوية.

ثانيا:أقسام قانون الإجراءات المدنية والإدارية

لم ترد القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بل جاءت في نصوص مستقلة عنه، فيما أن هذا القانون، قد تعرض لمسألة الاختصاص النوعي والمحلي لكل جهة قضائية، ورفع الدعوى ، وقيام الخصومة، إصدار الحكم ، وطرق الطعن فيه وتنفيذه.

**التنظيم القضائي:

تتناول نصوصه التشريعية، مباديء هذا التنظيم، وإنشاء المحاكم ودرجاتها، وأقسامها، وكيفية تشكيلها، وسير عملها، وشروط وكيفية تعيين أعضائها، وتحديد حقوقهم وواجباتهم، وكذلك الحال بالنسبة للمعاونين لهم من محامين ومحضرين قضائيين وخبراء وموثقين ومترجمين ومحافظي البيع بالمزاد العلني وكتبة، من حيث شروط التحاق كل منهم بمهنهم، وحقوقهم وواجباتهم.

**الاختصاص القضائي:

تم توزيع الاختصاص بين مختلف الجهات القضائية، بنصوص تشريعية، بعضها وارد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والبعض منها وارد في نصوص أخرى، كالمتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وسيرها، أو المحاكم الإدارية، او مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.

** الدعوى:

يتناول هذا القسم مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الدعوى، بوصفها الوسيلة التي منحها المشرع لكل صاحب حق للمطالبة بالحماية القانونية عن طريق القضاء، حيث البعض منها يتعلق بشروط قبول الدعوى، الخاصة منها والعامة أكانت سلبية أم ايجابية، وبعضها يتعلق بقواعد استعمال الدعوى وأنواعها.

** الخصومة:

ثمة مجموعة من القواعد الإجرائية، تتضمن تحديد شكل الأعمال التي يقوم بها أطراف الدعوى أو المحكمة، وذلك ابتداء من شكل الطلب القضائي المقدم للمحكمة، وإجراءات التبليغ الرسمي له لانعقاد الخصومة، فإجراءات سيرها ، والعوارض التي قد تطرأ عليها.

**الحكم وطرق الطعن:

ثمة قواعد واردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية تتعلق بالحكم وطرق الطعن فيه، تجيز لكل من يدعي وأن الحكم الصادر في حقه مشوبا بعيب من العيوب، وهي تتعلق بالمعارضة والاستئناف، واعتراض الغير الخارج عن الخصومة، والتماس إعادة النظر، والطعن بالنقض ، وتصحيح الأخطاء المادية، والطعن بالتفسير، والطعن لصالح القانون.

** طرق التنفيذ:

يتناول هذا المبحث الإجراءات الواجبة الإتباع لتنفيذ كل سند تنفيذي، أكان حكما أو أمرا أو قرارا قضائيا، صادر عن جهة وطنية أو أجنبية، أو كان عقدا أو أي سند تنفيذي آخر.

المطلب الثاني:

تسمية قانون الإجراءات المدنية والإدارية

ثمة اختلاف في تشريعات الدول حوا تسمية القانون الاجرائي، مما دعا الفقه القانوني إلى اقتراح تسميات له.

أولا:التسميات التشريعية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية:

يمكن التمييز بين التسميات التشريعية والفقهية:

أ)التسميات التشريعية لهذا القانون:

1) مضمون هذه التسميات:

يسمى في مصر(قانون المرافعات المدنية والتجارية)، وفي سوريا ولبنان(قانون أصول المحاكمات المدنية)،وفي السودان(قانون القضاء المدني)،وفي المغرب( المسطرة المدنية)، وفي تونس

(مجلة الإجراءات المدنية والتجارية)، وفي بلجيكا(القانون القضائي)، وفي فرنسا وايطاليا والجزائر

(قانون الإجراءات المدنية)، لتضاف إلى اسمه في الجزائر بعد التعديل عبارة (الإدارية).

ولعل اختلاف هذه التسميات، يرجع بالدرجة الأولى إلى مضمون هذا الفرع القانوني لدى كل دولة على حدة:

** في مصر:

أفرد المشرع قانونا خاصا لمجلس شورى الدولة، يشتمل على الإجراءات المتبعة أمام جهات القضاء الإداري، وأفرد قانون المرافعات المدنية والتجارية لتنظيم الإجراءات القضائية أمام القضاء العادي، يشتمل على القواعد المتعلقة بتوزيع الاختصاص، ورفع الدعوى، باستثناء قواعد الإثبات التي جاءت في قانون خاص، لذلك تبقى تلك التسمية غير معبرة عن القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي.

** في لبنان:

أما المشرع اللبناني فقد أدرج قواعد الإثبات في الكتاب الثالث من قانون أصول المحاكمات.

** في الجزائر:

تم إدراج معظم قواعد الإثبات في القانون المدني وفيالتشريعات الموضوعية المماثلة، وأخضع جميع الخصومات القائمة أمام الجهات القضائية إدارية كانت أم عادية إلى قواعد هذا القانون، كما جاءت القواعد المتعلقة بتنظيم السلطة القضائية في نصوص خاصة، لذلك فتسمية هذا القانون تتوقف على ضيق واتساع مضمونه، وهي تبقى في جميع الأحوال قاصرة في التعبير عن مختلف قواعده.

2) الانتقادات الموجهة للتسميات التشريعية لهذا القانون

حظيت مختلف هذه التسميات بانتقادات شديدة:

**بالنسبة لعبارة المرافعات:

لعبارة المرافعات معنى ضيق،لأنها لا تشمل كل المسائل التي يتناولها هذا القانون،لأن

مضمونها – على الأقل من الناحية اللغوية- إنما يعبر فقط عما يدلي به الخصوم ووكلائهم من أقوال شفوية وكتابية في الدعوى المعروضة أمام القضاء، وليس هذا هو المعنى الذي يعبر عنه هذا القانون، ذلك أنه وحتى لو أخذنا هذه العبارة بمدلولها الإجرائي- وهو ما يستفاد من التعبير الفرنسي- فان مدلولها سيظل قاصرا عن استيعاب مختلف قواعد هذا القانون، التي وان عدت قواعد شكلية بالدرجة الأولى، فإنها مع ذلك تستبعد قواعده الموضوعية المتعلقة بالتنظيم القضائي والدعو

** بالنسبة لعبارة المحاكمة:

تم استعمال هذه العبارة في القانونين السوري واللبناني، قد لا يتوقف مدلولها عن المحاكمات المدنية والتجارية، بل يمتد ليشمل ميع أنواع المحاكمات، كالمتعلقة بتطبيق القانون الجزائي.
** بالنسبة لعبارة الاجراءات:
وردت هذه العبارة في التشريع: الفرنسي والإيطالي والجزائري ، فانها لم تسلم من النقد ، لأن مدلول عبارة الإجراءات، يظل قاصرا على القواعد الشكلية المتبعة في عرض المنازعات على القضاء، وبذلك فإنها لا تستوعب القواعد الإجرائية الأخرى، الموجودة في التشريعات الموضوعية، كالمتعلقة بإجراءات إبرام عقود الشركات المدنية والتجارية، وإجراءات إبرام عقد الزواج مثلا.

ثانيا: التسميات الفقهية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية:
ثمة فرق بين التسميات المقترحة في الفقه الغربي والفقه العربي:
أ) التسميات المقترحة لهذا القانون في الفقه الغربي:
ذهب الفقه إلى اقتراح بعض التسميات، ومن هـؤلاء أن:
1) الفقيه (موريل):
اقترح استبدال عبارة قانون المرافعات، بعبارة القانون القضائي المدني، لأنها أصدق في التعبير عن حقيقة ما يحتويه هذا الفرع القانوني على حد تعليله.
2) الفقيه (سوليس) و(موريل):
اتفقا في اقتراح تسمية: (droit judiciaire prive)، لأن عبارة قانون المرافعات، على حد ما ذهبا إليه، لا تعني سوى بيان جزاء الإخلال بالحقوق التي يقررها القانون المدني، أو أي فرع آخر من فروع القانون الخاص.
ب) التسميات المقترحة لهذا القانون في الفقه العربي:
اقترح جانب من الفقه العربي، تسمية هذا الفرع من القانون، باسم قانون القضاء المدني، وهي التسمية الواردة في التشريع السوداني، أو تسمية القانون القضائي الخاص،وهي تسميات لم تخل من النقد من عدة أوجه:
1) أن مدلولها يعبر فقط على نشاط القضاء المدني، دون القضاء الجنائي والقضاء الإداري،
وهو أمر لا يصح في الواقع، إلا بالنسبة للقضاء الجنائي، لأن القضاء الإداري – على الأقل في
الجزائر- يخضع بدوره لقواعد هذا القانون.
2) أن عموم تلك العبارة، يبقى شاملا لجميع القوانين التي يطبقها القضاء المدني، سواء ما تعلق منها بتقرير الحقوق ، أي القواعد الموضوعية: كقواعد القانون المدني، أو ما تعلق منها بالحماية القضائية لهذه الحقوق، أي القواعد الشكلية، وهذه هي التي يتناولها هذا القانون، الذي تعمل الدراسات الفقهية على إيجاد تسمية له تعبر عن مضمونه.

المبحث الثاني:
خصائص وطبيعة قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية

لم يتفق حول طبيعة قواعدهذا القانون، فيما إذا كانت تعد من قبيل القانون الخاص، أم من قبيل القانون العام، وذلك تحت تأثير المذهبين الفردي والجماعي.

المطلب الاول:
خصائص قانون الإجراءات المدنية والإدارية

تتصف قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية بأنها قواعد شكلية، وآمرة لتعلقها بالنظام العام ، ومصحوبة بجزاء يوقع عند الإخلال بها.

أولا: قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو قانون شكلي:

أ) مضمون خاصية الشكل في القانون الاجرائي:
تتناول القوانين إما بيان حقوق الأشخاص فتحدد كيفية إنشائها وانقضائها، وإما بيان الوسيلة الإجرائية المقررة لحماية تلك الحقوق عن طريق القضاء، والأولى توصف بأنها قواعد موضوعية لصلتها بأصل الحق، أما الثانية فتوصف بأنها قواعد شكلية لانعدام صلتها بأصل الحق أولا، ولأنها تلزم الأفراد بإتباع أوضاع معينة، إن أرادوا التمتع بالحماية القضائية للحق ثانيا.
لذلك نجد مبدأ الرضائية هو المبدأ المسيطر في ظل القوانين الموضوعية المحددة للحقوق، فيما أن مبدأ الشكلية هو المبدأ الذي يؤدي مهمته باستمرار، في القوانين المنظمة لوسيلة الحصول على هذه الحقوق عن طريق القضاء، فيما يعرف بقانون الإجراءات المدنية والإدارية في بلادنا.

ب) تقييم خاصية الشكل في القانون الاجرائي:
أن القول بخضوع قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية برمتها إلى مبدأ الشكل،وخضوع قواعد القوانين الموضوعية للمبدأ الرضائي، هو قول غير دقيق من عدة أوجه:
1) أن بعض قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد تمس بأصل الحق، كالقواعد المنظمة لبعض إجراءات الإثبات كالتحقيق، او المتعلقة بحالات اعتبار الخصومة كأن لم تكن، وسائر القواعد التي تقرر انقضاء الخصومة على الرغم من عدم صدور حكم في موضوعها.
2) أن ثمة قواعد شكلية في المقابل وردت في بعض التشريعات الموضوعية، كالقواعد المتعلقة
بشكلية التصرفات القانونية الواردة على العقار، والقواعد المتعلقة برفض تجديد الإيجار التجاري.
3) أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، هو قانون يطال كل القواعد الشكلية سواء تلك المنصوص عليها ببنوده، أو المنصوص عليها بأي قانون موضوعي آخر وفقا لمبدأ الشكل.

ثانيا: قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو قانون آمر لتعلقه بالنظام العام:

أ) مضمون خاصية تعلق القانون الاجرائي بالنظام العام:
يميز الفقه بين القواعد القانونية الآمرة، والقواعد المكملة، الأولى ترمي الى تحقيق مصلحة عامة، فيما الثانية ترمي الى تحقيق مصلحة خاصة، لذلك فالأولى تمس النظام العام عكس الثانية، لذلك يتوجب أن يخضع للأولى جميع أفراد المجتمع، فلا يجوز الاتفاق على عكسها، فيما يكون لهم ذلك بالنسبة للثانية.
وترتيبا على تلك الفروق، فالقاضي يكون ملزما بتقرير بطلان الإجراء المخالف للقاعدة الآمرة، سواء من تلقاء نفسه، أو استجابة لدفع من الخصوم، في الوقت الذي لا يكون له ذلك بالنسبة للقاعدة المكملة، إلا بناء على دفع ممن له الحق في التمسك بها.

ب) تقييم خاصية تعلق القانون الاجرائي بالنظام العام
يبقى الرأي الفقهي القائل، بأن جميع قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، إنما هي قواعد آمرة، لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، لا يستقيم وحقيقة تلك القواعد القانونية من عدة اوجه:

1) أنه وعلى الرغم من أن معظم قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية تتعلق بالنظام العام، فبعضها الآخر غير كذلك، حيث قواعد الاختصاص النوعي، ذات صلة بتنظيم سلطة القضاء ، يقصد منها تحقيق العدالة، وفي ذلك تحقيق للمصلحة العامة للمجتمع، وهي بذلك تعد قواعد آمرة، أما قواعد الاختصاص المحلي، ليست من النظام العام، لأنها قد وضعت لمراعاة التيسير بالمتقاضين تحقيقا لمصالحهم الخاصة.

2) أن قواعد إجراءات المرافعات، بعضها آمر متى كان الإجراء الذي تناولته القاعدة متصلا بالمباديء الأساسية في التقاضي، كمبدأ كتابية الخصومة، ومبدأ المواجهة بين الخصوم، وبعضها الآخر مكمل، كتلك التي تتناول تمثيل الخصم بمحام أمام محكمة الدرجة الاولى مثلا.

ثالثا:قانون الإجراءات المدنية والإدارية هو قانون جزائي:

أ) مضمون خاصية الجزاء في القانون الاجرائي:
على الرغم من أن القوانين الموضوعية، عادة ما ترمي إلى تقرير الحقوق أو تعديلها أو زوالها، فان قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يهدف إلى رسم السبل الواجب اتخاذها، لترتيب الجزاء الإجرائي الذي قررته قواعده متى تمت مخالفتها.
لذلك فان كانت قواعد القانون المدني، هي التي انشغلت بتحديد أركان العقد، وبتعيين الجزاء المترتب على تخلفها، فان قانون الإجراءات المدنية والإدارية، هو القانون الذي يحدد لصاحب المصلحة، تقرير الجزاء المترتب عن مخالفة قواعد كيفية اللجوء إلى القضاء، للحصول على الحماية.
ب) تقييم خاصية الجزاء في القانون الاجرائي:
1) أن خاصية الجزاء، لم تنفرد بها قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية فحسب، بل أن جميع القوانين تشترك معه فيها.
2) أن القاعدة القانونية، عادة ما توصف بأنها عامة ومجردة ومصحوبة بجزاء، وهي العناصر التي تتميز بها عن غيرها من القواعد المشابهة لها، مثلما هو عليه الحال بالنسبة لقواعد الأخلاق.

المطلب الثاني:
طبيعة قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية وعلاقته بالقوانين الأخرى:

نتعرض بداية الى طبيعة قانون الاجراءات المدنية، قبل بيان علاقته بالقوانين الاخرى.

أولا: طبيعة قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية:
ثمة اختلاف بين الفقه التقليدي والفقه الحديث بخصوص طبيعة قواعد القانون الاجرائي.

أ) طبيعة قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية في ظل الفقه التقليدي:
نعرض أولا مضمون هذا الاتجاه، فالنتائج المترتبة عنه ثم نتولى تقديره.

1) مضمون هذا الرأي:
يرى أنصار هذا الاتجاه ، المعبر عن النزعة الفردية ، بأن قواعد هذا القانون، تندرج ضمن قواعد القانون الخاص، وحجتهم في ذلك، أنه قانون منظم لوسائل الحماية المقررة للحقوق الفردية، ومن هذا المنطلق تمت تسمية قواعده من طرف المشرع الفرنسي، بتسمية الإجراءات المدنية والتجارية، وذلك من دون أن تكون تلك العبارة مسبوقة بعبارة قانون، في إيحاء من المشرع على أن قواعده، إنما هي قواعد تابعة للقانونين المدني والتجاري، المنظمين لعلاقات الأفراد وبعضهم البعض.

2) النتائج المترتبة عنه:
ثمة عدة نتائج تترتب عن الاخذ بهذا الرأي:
– اعتبار الخصومة القضائية حقا خاصا بالخصوم، فهم وحدهم الذين تكون لهم السيطرة عليها، لأنهم هم الذين يملكون الحق في وقفها وانقطاعها وتركها وإعادة السير فيها.
– أن موقف القاضي منها لا يتجاوز دور الحكم، إذ يقتصر على مراقبة سيرها، وإعلان نتيجتها التي تتقرر بالحكم لأحدهما دون أي تدخل منه، مادامت تجري ضمن الحدود الشكلية التي رسمها لها المشرع.
– أن الطرف الذي يصدر الحكم لفائدته، هو صاحب الحق في طلب تنفيذه جبرا، كما يكون له الحق في التنازل عن طلب التنفيذ، وذلك من دون أي تدخل من القاضي.

3) تقدير هذا الاتجاه:
مع انطواء هذه النتائج على شيء من الصحة فإنها تظل نسبية من جانبين:
– أن مسألة طلب التنفيذ الجبري، وان كانت تعني بالدرجة الأولى من صدر الحكم لفائدته،
فإنها قد لا تكون في المقابل متوقفة على إرادته وحده، بل أن القاضي قد يلزمه أحيانا بتنفيذ ذلك الحكم، كالحالة الواردة بالمادة 530 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، التي أجازت للقاضي أن يحدد أجلا للمحكوم لفائدته في دعوى الحيازة لتنفيذ حكمه، وبانقضائه يقبل دعوى الملكية.
– أن الأخذ بهذا الاتجاه على إطلاقه، قد يؤدي إلى رهن سلطــة القاضي في القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق، بغرض الوصول إلى الحقيقة في أيدي الخصوم، وهي مسألة لا تستقيم وحق الدولة في الانفراد بسلطة الحكم، التي تشكل مظهرا من مظاهر سيادتها حتى بالنسبة للدول ذات النظم الليبرالية، لذلك نجد بأن هذا الاتجاه قد عرف شيئا من الانحصار، تحت ضغط الأفكار الجديدة التي جاء بها المذهب الجماعي.

ب) طبيعة قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية في ظل الفقه الحديث:
على غرار عرضنا لوجهة نظر الفقه التقليدي نتولى عرض وجهة نظر الفقه الحديث من خلال نفس المنهج.

1) مضمون هذا الراي:
ذهب الفقه الحديث المتأثر بالنزعة الجماعية، إلى اعتبار هذا القانون فرعا من فروع القانون العام، لأنه يهدف في نظره إلى تنظيم وإدارة السير الحسن لمرفق القضاء، والذي لا خلاف في أن مختلف النصوص التشريعية المتعلقة به، إنما هي نصوص تابعة للقانون العام.

2) النتائج المترتبة عنه:
تترتب عن الاخذ بهذا الراي عدة نتائج:
– اعتبار الخصومة القضائية مجرد وسيلة من الوسائل التي اعتمدتها الدولة في تحقيق العدالة داخل المجتمع، وبالتبعية فقواعد هذا القانون انما هي تابعة للقانون العام.
– أن قواعد هذا القانون منحت للقاضي دورا ايجابيا في إدارة الخصومة، منذ بدايتها إلى غاية الحكم فيها، حيث يكون له على سبيل المثال، اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق:كالأمر بالحضور الشخصي للأطراف، وسماع الشهود مثلا، وبذلك فهي كلها قواعد تنتمي للقانون العام.
– إذا كانت النظم الاجتماعية في الدول المعاصرة، تقوم تارة على المذهب الفردي، وتارة أخرى على المذهب الجماعي، فمن باب المنطق أن تكون قواعد هذا الفرع القانوني، تابعة تارة للقانون الخاص ، وتارة أخرى للقانون العام ، وفقا لطبيعة النظام الاجتماعي.

3) تقدير هذا الاتجاه:
– أن تشريعات الدول المتعلقة بالتنظيم القضائي، وبإجراءات الحماية القضائية، لم تأخذ
بتلك المسألة على إطلاقها،ذلك أن القانون الإجرائي ولو جاء متاثرا بالتوجهات الاشتراكية، وان قواعده تمنح للقاضي دورا بارزا في إدارة الخصومة، فإنها في المقابل قد تمنح هذا الدور للخصوم ا فإجراءات التحقيق للوصول لكشف الحقيقة، تتم إما بناء على طلب الخصوم، وإما بأمر من القاضي.
– ان هذا القانون وعلى الرغم من كونه قانونا شكليا ، يفترض أن تتميز قواعده بالصفة الآمرة ، يترتب على مخالفتها البطلان، فانه قد احتوى على قواعد غير متسمة بتلك الميزات، منها القواعد المتعلقة بالاختصاص المحلى، وبالتالي فلا منازع بأن قواعد تابعة للقانون الخاص.
– أن باقي قواعد هذا القانون، تظل تتميز بطبيعتها الشكلية الآمرة، التي يترتب على مخالفتها البطلان، مثل قواعد الاختصاص النوعي ، وبعض القواعد المتعلقة بقبول الدعوى، شأن الصفة والأهلية والمصلحة وغيرها-على الأقل- بالنسبة لقانون الإجراءات المدنية والادارية في الجزائر، مما دعا جانب من الفقه، إلى اعتباره قانونا خاصا أو مختلطا ، بدعوى وأن البعض من قواعده تنتمي للقانون العام، وبعضها الآخر ينتمي إلى القانون الخاص.
– أنه وعلى الرغم من انطواء هذه النظرة على جانب من الصحة، فمعيار الغاية من القانون هو الذي يمكن على أساسه تصنيف أي قانون، فيما إذا كان عاما أو خاصا ، وبحسبه فقواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، إنما هي قواعد ترمي إلى تنظيم وسائل الحماية القضائية للحقوق ، وبالتالي فإنها تعد ذات طبيعة إجرائية بحتة، حتى ولو كانت واردة في التشريعات الموضوعية.

ثانيا: علاقة قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالقوانين الأخرى:

قد تأتي قواعد القانون الإجرائي ضمن بعض التشريعات الموصوفة بأنها موضوعية، لذلك فان أهمية التفرقة بين القواعد الموضوعية، والقواعد الشكلية تصبح من الضرورة بمكان.

أ) ضابط التفرقة بين القواعد الإجرائية والقواعد الموضوعية:
ثمة ضابطان -على الأقل- يمكن الاعتداد بهما للتفرقة بين قواعد القانون الموضوعي وقواعد القانون الاجرائي.

1) معيار طبيعة القاعدة القانونية:
يشكل المعيار العام المستمد من طبيعة القاعدة القانونية، فيما إذا كانت تتناول الحق ، أو تتناول وسيلة حمايته، أحد الضوابط المعتمدة في الفقه، للتمييز بين قواعد القانون الإجرائي وقواعد القانون الموضوعي، ومع ذلك فانه لا يمكن الاعتداد بهذا المعيار، للقول وأن القانون لا يعتبر إجرائيا، إذا كان يمس الموضوع، وذلك لجملة من الأسباب:

**بالنسبة لقواعد تنظيم طرق الطعن:
أن البعض من قواعد القانون الإجرائي في حد ذاتها قد تمس الموضوع، ومنها القواعد المتعلقة بتنظيم طرق الطعن في الأحكام القضائية، لذلك فما يعد في حكم القانون الإجرائي، هي النصوص التي ترسم إجراءات اللجوء إلى القضاء بوجه عام، بصرف النظر عن القانون الذي توجد فيه.

**بالنسبة لقواعد القانون الدولي الحاص:
أنه وان كان من المتيسر على فقه قانون المرافعات تحديد هذه القواعد، فان فقه القانون الدولي الخاص، قد يتعذر عليه إعمال ذلك المعيار، للتمييز بين القواعد الموضوعية والقواعد الإجرائية لسبب بسيط، يكمن في كون القاعدة الأساسية التي يقوم عليها هذا القانون، تتمثل في أن القانون المنظم لقانون المرافعات للفصل في المنازعات التي يحكمها، هو قانون القاضي المعروض عليه النزاع، وبذلك فقواعده قد تتعلق بالموضوع وقد تتعلق بالإجراءات،كما أنها قد تتعلق بالموضوع وبالإجراءات في نفس الوقت.

**بالنسبة للقواعد المتعلقة باعمال السيادة:
أن جميع القواعد المتعلقة بتحريم اللجوء إلى القضاء في أحوال، شأن القواعد المتعلقة بأعمال السيادة وبأعضاء السلك الدبلوماسي، هي قواعد ماسة بالوسيلة التي يحمي بها صاحب الحق حقه، وهي على هذا الأساس تعد قواعد إجرائية، وفي ذات الوقت فإنها تخاطب جميع الجهات القضائية، وتحظر عليها ممارسة اختصاصها بشأن الحقوق التي تضمنت النص عليها، فتنشيء دفعا بعدم الاختصاص المتعلق بالوظيفة القضائية، وهي بهذا المعنى تعد قواعد موضوعية.

**بالنسبة للقواعد المنظمة لشروط الدعوى:

أن القواعد المنظمة لشروط قبول الدعاوى، هي قواعد متصلة بأصل الحق من جهة، ومقيدة للوسيلة التي رسمها المشرع لصاحب الحق لحماية حقه من جهة أخرى، فشرط المصلحة الوارد بالمادة 13(ق.ا.م.ا)، لا يتصل بإجراءات التقاضي، بل يعد متصلا بأصل الحق، على تقدير أن المصلحة القانونية، تتمثل في وجود الحق في رفع الدعوى ، فيما أن المصلحة الشخصية المباشرة المسماة الصفة، تتمثل في نسبة الحق إلى رافع الدعوى، وبهذه المفاهيم فشرط المصلحة يعد ماسا بأصل الحق، لذلك فالقاعدة المنظمة له، تعد قاعدة موضوعية، مع أنها واردة في قانون الإجراءات المدنية والادارية.
**بالنسبة للقواعد المنظمة للمواعيد:
أن القواعد المتعلقة بمواعيد رفع بعض الدعاوى، كالمواعيد المقررة لرفع دعاوى الحيازة ،إنما هي قواعد متصلة بالإجراءات، مع أنها قد تكون موجودة في قانون موضوعي(القانون المدني).

2) معيار الغاية:
يشكل معيار الغاية، أحد الضوابط الفقهية، للتمييز بين قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية وغيرها من القواعد الموضوعية، لأن غاية قواعد هذا القانون، إنما تنحصر مهمتها في مجرد رسم السبل الواجب اتخاذها، والأوضاع التي تلزم مراعاتها ، عند اللجوء إلى القضاء ،كما ترشد القضاء إلى الكيفية التي يستعين بها ، للفصل في الخصومات المعروضة عليه، وهي قواعد لا يمكنها أن تمس بأصل الحق ، إلا بصورة غير مباشرة .

ب) أهمية التفرقة بين القواعد الإجرائية والقواعد الموضوعية
تبدو أهمية هذه التفرقة من ثلاثة أوجـه:
الأول: يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق في مجال القانون الدولي الخاص،حيث العمل جار بالقاعدة القائلة: بأن القانون الذي ينظم قواعد المرافعات، هو قانون القاضي المعروض عليه النزاع،خلافا للقواعد الموضوعية التي قد لا تخضع لذلك المبدأ، فالمادة 12 من القانون المدني، نصت على أن قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت إبرام عقد الزواج، هو القانون الذي يسري على الآثار الشخصية والمالية التي يرتبها عقد الزواج، وقانون الزوج وقت إبرام عقد الزواج، قد يكون شكليا وقد يكون موضوعيا، وهو في الحالتين قد لا يكون قانون القاضي المعروض عليه النزاع.
الثاني: يتعلق بمسألة تنازع القوانين من حيث الزمان، لأن القاعدة العامة في قوانيـن المرافعات الجديدة، إنما تنصرف إلى سريانها على مختلف الدعاوى التي لم يكن قد تم الفصل فيها، أو على ما تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بهذه القوانين.
الثالث: يتعلق بمسألة التحكيم، حيث المحكم قد يعفى من تطبيق القواعد الإجرائية، وذلك خلافا للقواعد الموضوعية التي يبقى ملزما بها، حيث المادة 1043 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، قد منحت الحرية في تحديد قواعد الإجراءات الوجب اتباعها في الخصومة التحكيمية، وذلك إما من قبل الأطراف، وإما من قبل هيئة التحكيم، وبذلك فالمشرع هنا لم ينص على أن قواعد قانون الإجراءات المدنية والادارية، هي التي تطبق عند إجراء التحكيم في الجزائر.
وخلافا لذلك فالمادة 1040 من نفس القانون فنص على أن اتفاقية التحكيم، تعتبر صحيحة من حيث الموضوع ، متى أبرمت وفقا للقواعد الواردة إما في القانون الذي اختاره الأطراف، وإما في القانون المنظم لموضوع النزاع، وفي جميع هذه الحالات فالقواعد الموضوعية التي يتم اختيارها هي قواعد قائمة، يصبح المحكم بعد اختيارها من قبل الأطراف ملزما بتطبيقها، وهذا في الوقت الذي نجد فيه المادة 5/1.أ.من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 قد نصت على أن قانون البلد الذي صدر فيه الحكم، هو القانون الواجب التطبيق.

المبحث الثالث:
سريان قانون الإجراءات المدنية والإدارية

ثمة جملة من المسائل القانونية، تتعلق بمبدأ عدم الرجعية، والأثر الفوري للقانون الجديد.

المطلب الأول:
سريان قانون الإجراءات المدنية والإدارية من حيث الزمان

تخضع جميع القواعد القانونية، أكانت شكلية أم موضوعية، لقاعدة عدم سريانها بأثر رجعي وفقا للمبدأ المكرس بالمادة 02 من القانون المدني كأصل عام، واستثناء من ذلك فقواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد يكون لها أثرا رجعيا، فتطبق على الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم في ظل القوانين القديمة، وتبرير ذلك يكمن في كون قواعد هذا القانون، وبعكس قواعد القوانين الموضوعية يكون لها أثرا فوريا، وفقا لمتطلبات المادة 07 من القانون المدني،وهو ما دعا بعض الفقهاء الفرنسيين إلى القول بأن لهذه القوانين أثرا رجعيا.

أولا: الأثر المستمر للقانون القديم:
يصادف مبدأ عدم رجعية القوانين الجديدة، مشكلات عملية متعددة ، بالنسبة للدعاوى التي تم الفصل فيها، وبالنسبة للإجراءات التي تمت في تلك الدعاوى،وبالنسبة للمهل القانونية، المنقضية قبل العمل بالقانون الجديد.

أ) بالنسبة للدعاوى المحكوم فيها:

1) مبدأ خضوع الدعوى للقانون القديم:
تبقى الدعاوى التي تم الفصل فيها بحكم خاضعة للقانون القديم، لأن الحكم في موضوعها، هو حكم تنتهي به الخصومة القضائية، قبل العمل بالقانون الجديد، وبالتالي فلا يسري عليها.

2) بالنسبة للاجراءات المتخذة والمكتملة:
لا يتوقف اعمال القاعدة المتقدمة عند الدعاوى المفصول فيها، بل يمتد للإجراءات التي اتخذت واكتملت بصورة صحيحة، قبل صدور القانون الجديد، لأن صحتها لا تتأثر بالأحكام التي يستحدثها القانون الجديد.

3) بالنسبة للمواعيد التي بدات وانقضت:
أن المهل القانونية التي تكون قد بدأت وانقضت، قبل صدور القانون الجديد تظل مرتبة لكافة آثارها القانونية، ولا تتأثر بالأحكام الجديدة، التي جاء بها القانون الجديد، سواء تعلقت بإلغاء تلك المهل أو تعديلها.

4) بالنسبة لقاعدة عدم الرجعية:
أن تطبيق قاعدة عدم الرجعية بالنسبة لتنفيذ الأحكام، تتوقف على قابلية الحكم للتنفيذ الجبري، أو قابليته للنفاذ المعجل بقوة القانون، أو عدم قابليته لذلك ، فمتى كان الحكم قابلا للتنفيذ وفقا للقانون القديم، فانه يبقى متمتعا بتلك القوة التنفيذية، حتى ولو نص القانون الجديد على عدم قابليته للتنفيذ، ويبقى العكس صحيحا.

ب) بالنسبة للدعاوى المؤجلة للنطق بالحكم:

1) بالنسبة للدعاوى المهياة للفصل فيها:
يتوقف تطبيق القانون القديم هنا على الدعوى المؤجلة للنطق بالحكم فيها، لأن جميع الإجراءات التي تمت فيها، سواء من حيث نظرها ، أو من حيث إثباتها قد اكتملت، وتم الإعلان عن إقفال باب المرافعة فيها، وإدراجها في المداولة في ظل القانون القديم، وبذلك فان الحكم فيها يظل خاضعا لهذا القانون القديم.

2) :بالنسبة للدعاوى غير المهياة للفصل فيها:
يبقى خضوع مثل هذه الدعاوى للقانون القديم، مرهونا بقيام بعض الشروط تتمثل في:
– أن يكون التأجيل للنطق بالحكم تم في ظل القانون القديم،وذلك قبل نفاذ القانون الجديد.
– أن تكون المواعيد المحددة لملاحظات الخصوم الختامية،قد انقضت قبل نفاذ القانون الجديد.
– أن يتم تقديم تلك الملاحظات في ظل القانون القديم.

ج) بالنسبة للإجراءات التي تمت في الدعوى:

تطبيقا لقاعدة عدم رجعية القانون الإجرائي، يميل الفقه القانوني إلى أن كل إجراء يكون قد تم في ظل قانون معين، فانه يأخذ الحكم الذي أوجبه هذا القانون بالصحة أو بالبطلان، ويظل خاضعا لأحكامه ، سواء كان هذا الإجراء مسبوقا بإجراء آخر، أو بميعاد من المواعيد القانونية، أو أن ثمة إجراء آخر يجب أن يتخلله أو أن يكون لاحقا له، لأن العبرة تكمن في ترتيب الإجراء لأثره في ظل القانون الذي أقره.

د) بالنسبـــة للجــــزاءات:

يقتضي تطبيق مبدأ عدم رجعية القانون الإجرائي، وجوب توقيع الجزاء المقرر في القاعدة الإجرائية، وقت ارتكاب المخالفة، وهذا الحكم يعد بمثابة شرط أساسي لتوقيع الجزاء، لأنه من مقتضيات المنطق القانوني، لأن الخصم في الدعوى المخالف للإجراء، يجب أن يكون على بينة من الجزاء الذي يترتب على اقترافه لتلك المخالفة، وقت إقدامه على ارتكابها، وليس الجزاء الوارد في القانون الجديد الذي لم يكن يتوقعه وقتها.

ثانيا: السريان الفوري لقانون الإجراءات المدنية والإدارية:

أ) المبدأ العام:

طبقا للمادة 07 من القانون المدني ، فالنصوص الجديدة المتعلقة بالإجراءات تطبق حالا، وهو ما نعبر عنه بالسريان الفوري للقانون الإجرائي،ولم يستثن من تطبيق هذه القاعدة سوى النصوص المتعلقة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه فيما يخص المدة السابقة ، لأنها تظل خاضعة للنصوص القديمة، لذلك فأحكامه تطبق على الدعاوى القائمة أمام المحاكم، وعلى الإجراءات التي لم تكتمل بعد وقت نفاذه ، كما يطبق على الدعاوى التي لم ترفع ، وعلى الإجراءات التي لم تتخذ بعد.

ب) بالنسبة:لقواعـد تعديـل الاختصـاص:

1) اقتصار التطبيق على الدعاوى المؤجلة:
قد يعدل القانون الجديد قاعدة من قواعد الاختصاص، فيمنع جهة قضائية أو محكمة من نظر دعوى معينة، ويمنح الاختصاص بشأنها إلى جهة من الجهات القضائية، وهنا تكون قواعد هذا القانون واجبة التطبيق الفوري على جميع الدعاوى القائمة، أي تلك التي لم يصدر فيها حكما منهيا للخصومة القضائية القائمة بشأنها، أو على الأقل كل الدعاوى القضائية، التي لم تقفل فيها باب المرافعة بعد،لأن الدعاوى التي تكون هذه المرافعة فيها قد أقفلت، إنما تكون قد رتبت للخصوم حقا
مكتسبا في أن تنظر دعواهم أمام تلك الجهة القضائية دون غيرها.

2) وجوب احالة الدعوى:
يترتب عن الأثر الفوري للقانون الجديد المعدل للاختصاص، إحالة الدعوى من المحكمة
المعروضة أمامها، إلى المحكمة الجديدة التي صارت هي المختصة بنظرها وفقا لقواعد القانون الجديد، بصفة إدارية من قبل المحكمة التي صارت غير مختصة، او بطلب من الخصوم.
أما بالنسبة لمضمون الإحالة، تنفيذا للقانون الجديد، فانه يعد شاملا للدعوى برمتها، وبحسبه فانه يعتد بكل الإجراءات الصحيحة وغير الصحيحة التي تمت فيها ، أي الاعتداد بكل آثارها القانونية وبالأحكام الفرعية التي صدرت فيها من قبل المحكمة الأصلية التي لم تعد مختصة بنظرها.

3) التطبيق النسبي لقواعد الاحالة:
يبقى تطبيق قواعد الاحالة نسبيا، لأن صدور قانون جديد يمنع جهة من الجهات القضائية من نظر دعوى، ويمنح الاختصاص بشأنها لجهة إدارية أو هيئة خاصة، أو يمنع تلك الجهة الإدارية أو الهيئة الخاصة من نظر الدعوى، ويمنحها لجهة من الجهات القضائية، إنما هو قانون يكون فوري النفاذ حتى بالنسبة للقضايا التي تكون فيها باب المرافعة قد أقفلت، ولم يصدر الحكم فيها بعد، لأن مثل هذا القانون، وان كان يمس بالحقوق المكتسبة للخصوم ، فانه يمس في ذات الوقت بالاختصاص النوعي، وهو من النظام العام، لذلك تكون لهذه الأخيرة أسبقية التطبيق عن الأولى، لأن المحكمة المعروضة عليها الدعوى، لم تعد تملك الاختصاص، بل صارت تملك عوضا عن ذلك، الحكم بعدم قبول الدعوى، من حيث كون رافعها لم يعد يتمتع بسلطة اللجوء إليها للمطالبة بالحماية القانونية.

ج) قواعد تعديل المهل القانونية:

1) بالنسبة لقواعد تعديل المهل القائمة زيادة ونقصانا:
تظل المهل القانونية التي تكون قد بدأت وانقضت قبل صدور القانون الجديد مرتبة لكافة آثارها القانونية وفقا لأحكامه، ولا تتأثر بالأحكام الجديدة التي جاء بها القانون الجديد، وذلك احتراما لمبدأ سيادة القانون، لكن الأمر يختلف بالنسبة للقوانين المعدلة للمهل القائمة بالزيادة أو بالنقصان، أو الملغية لها، أو المستحدثة لمهل جديدة.
ذلك أنه ومن المستقر عليه في الفقه، أن العبرة في تحديد المهل القانونية، إنما تكون بالقانون الساري المفعول عند بداية هذه المهل، وعلى هذا الأساس فمتى صدر حكم قضائي في ظل سريان قانون قديم ، ينص على أن سريان ميعاد الطعن فيه يبدأ من تاريخ صدوره، فمهلة الطعن هنا تبقى خاضعة لهذا القانون القديم، حتى ولو صدر قانون جديد أثناء سريان تلك المهلة، قد عدل فيها بالزيادة أو بالنقصان، أو جعل سريانها يبدأ من تاريخ آخر، كأن يكون تاريخ تبليغ الحكم ، وليس تاريخ صدوره.
غير أن العمل بهذه القاعدة، لا يطبق إلا بالنسبة للقوانين الجديدة ، التي تعدل المهل القانونية
بالزيادة أو بالنقصان، وذلك خلافا للقوانين التي تقضي بإلغاء المهل القائمة، فلا يعتد في هذه الحالة
بالقانون القديم، متى انقضت المهلة المحددة في ظله أيا كان نوعها، بل أن النص الجديد يرتب كافة آثاره القانونية.
كما أن العمل بالقاعدة المعدلة للمهل، لا تطبق على القوانين التي تجعل بداية الميعاد من إجراء غير الإجراء المنصوص عليه في القانون القديم، لأن العبرة هنا تتوقف على التمييز بين ماذا كانت المهلة قد جرت في ظل القانون القديم، أم أنها لم تجر:
الحالة الأولى: التي تكون فيها المهلة قد جرت في ظل القانون القديم، فإنها تظل خاضعة له، ولا يسري عليها القانون الجديد.
الحالة الثانية: التي تكون فيها المهلة لم تجر في ظل القانون القديم ، فالمهلة التي جاء بها القانون الجديد هي التي تسري ابتداء من الإجراء الذي جاء به هذا القانون، وذلك بشرط اتخاذ الإجراء في ظل سريانه.

2) بالنسبة للقواعد المستحدثة لاثار جديدة:
ان العمل بالقاعدة المعدلة للمهل القانونية، لا تطبق على القوانين الجديدة، التي تقضي باستحداث آثار جديدة عند احترام أو فوات المهل القانونية الواردة في القانون القديم، ذلك أنه وان كان الطعن بالنقض في الأحكام النهائية مثلا، يتم وطبقا للمادة235 من قانون الاجراءات المدنية وهي تقابل المادة 354من قانون الإجراءات المدنية والادارية خلال مهلة شهرين من تاريخ تبليغ الحكم او القرار المطعون فيه، فانه يتم في الأحكام الصادرة بالوفاة، استنادا للمادة 32 من الأمر رقم 06/01 المؤرخ في 27/02/2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية،خلال مهلة شهر واحد ابتداء من تاريخ النطق بالحكم، تحت طائلة صيرورته باتا مرتبا لكافة آثاره القانونية.
وتطبيق مثل هذه القاعدة يبقى محصورا في القواعد المعدلة لمهل المرافعات ومهل السقوط التي تتخلل الإجراءات، والتي ينص القانون القديم على وجوب احترامها، وذلك خلافا للمهل القانونية المتعلقة بالتقادم المسقط بالقانون المدني منها، فان قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية لا تطبق عليها ، بل تبقى خاضعة لأحكام القانون المدني، أو القانون الموضوعي الذي جاء بها.

د) السريان الفوري لقواعد تعديل طرق الطعن:

1) وضع المسألة في الفقه الفرنسي:
انقسم الفقه في فرنسا، منـذ01/01/1807تاريخ نفـاذ قانـون الإجـراءات المدنية الفرنسي الى ثلاث اتجاهات ، حول تحديد القانون الواجب التطبيق، بشأن قابلية أو عدم قابلية الحكم الصادر في الدعوى للطعن فيه، فيما إذا كان القانون النافذ بتاريخ تقديم الطلب القضائي، أو وقت صدور الحكم ، أو وقت سريان مواعيد الطعن.
الراي الاول:ذهب دعاته إلى الأخذ بالقانون النافذ عند تقديم الطلب القضائي، تعليلا منهم على أن
الحقوق الإجرائية للخصوم، إنما تتحدد من تاريخ تقديم ذلك الطلب إلى الجهة القضائية
المعنية، وهي مسألة تمكن المدعي من تفادي الأضرار الناجمة عن بطء إجراءات التقاضي، عند تطبيق أي قانون آخر، غير القانون النافذ بتاريخ تقديم الطلب القضائي إلى المحكمة.
الراي الثاني: ذهب أنصاره إلى الاعتداد بالقانون النافذ وقت صدور الحكم، لأن قابلية أو عدم قابلية الحكم للطعن فيه، إنما هي عبارة عن وصف ملازم للحكم ، يمنحه القانون النافذ له وقت صدوره، وبالتالي فلا يصح أن يوصف بالوصف المخالف الذي منحه القانون الجديد لحكم مماثل.
الراي الثالث:ذهب إلى الاعتداد بالقانون النافذ وقت سريان ميعاد الطعن في الحكم، بدعوى وأن حقوق الخصوم لا تتخذ صورتها القطعية ، ولا يمكنهم اكتساب الوضع القانوني الذي منحه إياهم ذلك القانون ، إلا اعتبارا من الميعاد المقرر للطعن في الحكم.

) تقدير هذه الاتجاهات الفقهية:

1) ان قابلية أو عدم قابلية الحكم للتنفيذ، وان كانت بالفعل عبارة عن وصف ملازم للحكم منذ تاريخ صدوره، فإن مواعيد الطعن فيه، تظل مرهونة بالقانون النافذ وقت النطق به.
2) أنه وعلى الرغم من أن الحكم القابل للتنفيذ، يوصف بأنه حكم تحضيري أو نهائي أو ابتدائي مشمول بالنفاذ المعجل ، وأن الحكم غير القابل للتنفيذ يوصف بأنه حكم تمهيدي أو ابتدائي فقط، فهي كلها أوصاف قد لا تتفق مع الوصف الذي يمنحه القانون الجديد لهذا الحكم أو ذاك، كوصف حكم في ظل القانون القديم بأنه ابتدائي ، ووصفه في ظل القانون الجديد بأنه نهائي، والعكس صحيح، مما يؤدي إلى التعارض بين الوصفين الواردين في القانونين القديم والجديد.
3) أن المركز الإجرائي للخصوم، لا يتوقـف تحديـده على الوصف المـلازم للحكم، بشأن قابليته أو عدم قابليته للطعن فيه، بل أنه يبقى غير مكتمل، إلا إذا أصبح الحكم قطعيا غير قابل لأي طريق من طرق الطعن ، وهو ما لا يتقرر له إلا بتبليغه وانقضاء المواعيد المحددة للطعن فيه في ظل القانون النافذ وقت صدوره.
هـ) سريان قواعد تنظيم شروط قبول الدعوى وإجراءات الإثبات:
ثمة فرق بين القواعد المنظمة لشروط قبول الدعوى، والقواعد المنظمة لإجراءات الإثبات، حيث الأولى متصلة اتصالا مباشرا بالقواعد الإجرائية، فيما أن الثانية قد تتصل بهذه الأخيرة، وقد تتصل بالقواعد الموضوعية.
1) سريان القواعد المنظمة لشروط قبول الدعوى:
تقوم القواعد المنظمة لشروط قبول الدعوى على مبدأ عام، يفيد أنه متى رفعت الدعوى على وجه صحيح في ظل قانون نافذ، فلا يؤثر فيها أي تعديل قد يطرأ على شروط قبولها بتشريع لاحق.
2) سريان القواعد المنظمة لإجراءات الإثبات:
يفرق الفقه القانوني عادة في مسائل الإثبات، بين القواعد المتعلقة بطرق الإثبات، والأحوال
التي يجيز فيها القانون الإثبات بهذا الطريق أو ذاك، وكذلك الحال بالنسبة للشروط الواجب توافرها
أو انعدامها لقبول الإثبات بهذه الوسيلة أو تلك، وتحديد القوة المستمدة من وسيلة الإثبات المتمسك بها من جهة، وبين القواعد الإجرائية الواجب مراعاتها، عند التمسك بإعمال أية وسيلة من وسائل الإثبات المختلفة من جهة أخرى، حيث القواعد الأولى تعد قواعد موضوعية، وبذلك فإنها تخضع للقانون الذي أنشئت في ظله وسيلة الإثبات، لأنها تمس بأصل الحق، فيما أن الثانية تعد قواعد إجرائية، من حيث كونها جاءت لتنظيم إجراءات الإثبات، وهي في معظمها ماسة بالنظام العام ، لأنها متصلة بنظام التقاضي، وعلى هذا الأساس فهي قواعد يجرى تطبيقها من وقت العمل بها، على جميع الدعاوى القائمة أمام القضاء.

المطلب الثاني:
سريان قانون الإجراءات المدنية من حيث المكان

لا تثار مسألة سريان قانون الإجراءات المدنية والادارية من حيث المكان، إلا فيما يتعلق بالمنازعات المتصلة بالقانون الدولي الخاص، لتحديد الاختصاص الدولي لمحاكم دولة، إزاء الاختصاص الدولي لمحاكم دولة أخرى، وتحديد القانون الادرائي الواجب الإتباع عند الفصل في المنازعة من جهة، وإجراءات تنفيذ الحكم الصادر فيها من جهة أخرى، وهي مسألة يقوم حلها على معيارين:

أولا: المعيار الاقليمي:
تقوم النصوص القانونية المتعلقة بهذه المسألة، على المبدأ العام السائد في فقه القانون الدولي الخاص، ومؤداه أن الولاية القضائية في الدولة، تقوم على أساس إقليمي، تتحدد دائرتها من خلال الربط بين المنازعة وولاية قضاء الدولة، وهي بهذا تأخذ بمعيار: موطن المدعى عليه، أو محل إقامته، أو موقع المال، أو محل مصدر الالتزام، أو محل تنفيذه.

ثانيا: المعيار الشخصي:
يعتد فقه القانون الدولي الخاص بمعيار شخصي، لبسط ولاية محاكم الدولة على المنازعة، يتمثل في النظر للمدعى عليه في الدعوى، فيما إذا حاملا لجنسية الدولة أم لا، وذلك بصرف النظر عما إذا كان محل إقامته أو موطنه بداخلها أم لا، لأن ولاية قضاء الدولة وان كانت إقليمية بالنظر للوطنيين والأجانب، فإنها تعد شخصية بالنسبة للوطنيين، من حيث كونهم يخضعون لولايتها، حتى ولو كانوا مقيمين داخل دولة أخرى، وهي احول نصت عليها المادتان41 و42 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث ينعقد الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية جوازيا، للنظر في المنازعات الرامية إلى تنفيذ الالتزامات المتعاقد عليها، التي يكون أحد أطرفها أجنبيا، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الالتزامات قد نشأت في الجزائر أو خارجها، وبصرف النظر أيضا عن مركز الأجنبي في الدعوى، فيما إذا كان مدعيا أو متدخلا أو مدعى عليه فيها.

الفصل الثاني:
قواعد التنظيم القضائي

قبل التعرض الى التنظيم القضائي في الجزائر، يتعين النظر في المباديء التي يقوم عليها

المبحث الاول:
المبادئ الأساسية للتنظيم القضائي

تقوم مختلف النظم القضائية على مبادئ أساسية متماثلة، تناولها المشرع الجزائري في المواد من 03 إلى 11 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي مباديء تتعلق اما بمرفق القضاء واما بالخصوم، واما بالخصومة القضائية.

المطلب الأول:
مبدأ حق اللجوء إلى القضاء:

أولا: السند القانوني اهذا المبدأ:

أ) السند القانوني الدولي:
يجد هذا المبدا سنده الدولي بالمادة 08 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على أن:(..من حق كل فرد.. أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون).

ب) السند الدستوري:
كما يجد هذا المبدأ سنده الدستوري في المادة 140/02 من دستور الجزائر لعام 1996، التي اعترفت بهذا الحق لكل شخص طبيعي أو اعتباري، وعلى قدم المساواة.

ج) السند التشريعي:
ويجد سنده التشريعي في المادة 03 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت على أن لكل شخص يدعي حقا أن يرفع دعوى أمام القضاء للحصول على ذلك الحق أو حمايته، وبحسبه فمستعمل هذا الحق، لا يسأل متى أخطأ في رفع الدعوى، اللهم إذا ثبت تعسفه في رفعها، فانه يسأل استثناء فيتعرض لعقوبة الغرامة، مع التعويض لجبر الأضرار التي تسبب فيها.

ثانيا: حق الأجنبي في اللجوء إلى القضاء الوطني:

أ) في التشريع الجزائري:
لقد كفل نص المادة 42 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، للأجانب حق التقاضي أمام المحاكم الجزائرية، بصفتهم مدعين أو متدخلين في النزاع، متى كان المدعى عليه جزائريا، كما أجاز نص المادة 41 من نفس القانون للجزائريين مقاضاة الاجانب بصفتهم مدعى عليهم، بخصوص الالتزامات المتعاقد عليها في الجزائر أو في بلد أجنبي.

ب) في بعض التشريعات الوطنية المقارنة:
كفلت تشريعات معظم الدول حق التقاضي للوطني والأجنبي دون تمييز، ومن ذلك أن نص المادة 21 من قانون اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (سابقا) المتعلق بالوضع القانوني للأجانب، الصادر بتاريخ 24/06/1981، قد نص على أنه:(يحق للمواطنين الأجانب في الاتحاد السوفيتي، اللجوء إلى المحاكم أو إلى هيئات رسمية أخرى، دفاعا عن ممتلكاتهم الخاصة وحقوقهم العائلية..).

ج) في بعض التشريعات الدولية المقارنة:
أن اتفاقية الرياض لعام 1989، قد نصت في المادة الثالثة منها على أنه:(لا يجوز بصفة خاصة، أن تفرض عليهم ( رعايا الدول العربية) أية ضمانات شخصية أو عينية بأي وجه كان لكونهم لا يحملون جنسية الطرف المتعاقد أو لعدم وجود موطن أو محل إقامة لهم داخل حدوده).
أن المادة 17 من اتفاقية لاهاي، المبرمة في 01/03/1954 التي نصت على أنه: (لا يجوز أن يطلب إلى مواطني إحدى الدول المتعاقدة أمام محاكم دولة أخرى، تقديم أية كفالة أو تأمين تحت أية تسمية لكونهم أجانب أو لعدم وجود موطن أو محل إقامة معتاد لهم على إقليم هذه الدولة..).
كما أن اتفاقية لاهاي المبرمة في 25/10/1980 المتعلقة بتسهيل اللجوء الدولي للقضاء، قد تبنت نفس المبدأ في المادة 14 منها.

وتبنته الاتفاقية المصرية الفرنسية المبرمة في 15/03/1982 المتعلقة بالتعاون القضائي، في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية، بموجب الفقرة الثانية من المادة الأولى منها.
أن بعض الاتفاقيات الثنائية للجزائر، قد تضمنت النص صراحة على إعفاء الرعايا الأجانب من دفع أية كفالة كالمادة 02 من اتفاقية التعاون القضائي بين الجزائر وليبيا الموقعة في مدينة بنغازي بليبيا في 08/07/1994، والمادة 02 من الاتفاقية الموقعة ببروكسيل في 12/06/1970 بين الجزائر وبلجيكا، بشأن التعاون القضائي المتبادل في الشؤون المدنية والتجارية، والمادة 01 من اتفاقية التعاون القضائي والعدلي في المواد المدنية والتجارية والعائلية والجزائية الموقعة بالجزائر في 07/02/1976 بين الجزائر والمجر.

المطلب الثاني:
مبـــــدأ المســــــاواة

يشكل مبدأ المساواة بين أطراف النزاع أمام المحكمةومن دون تمييز حجز الزاوية، في ظل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

أولا:السند القانوني لمبدأ المساواة:

أ) السند القانوني الدولي:
يجد هذا المبدا سنده الدولي بالمادة 01 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي المادة 02/01من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على أن:(تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه،وبكفالة هذه الحقوق لجميع الافراد الموجودين في اقليمها والداخلين
في ولايتها،دون أي تمييز بسبب العرق ..او غير ذلك من الاسباب).

ب) السند الدستوري:
كما يجد هذا المبدأ سنده الدستوري في المادة 29 من دستور الجزائر لعام 1996، التي نصت على أن كل المواطنين سواسية امام القانون.

ج) السند التشريعي:
ويجد سنده التشريعي في المادة 03/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت على استفادة الخصوم اثناء سير الخصومة من فرص متكافئة لعرض طلباتهم ووسائلدفاعهم.

ثانيا: مظهر مبدأ المساواة الحقيقية:

ينصرف هذا المفهوم الاجتماعي والاقتصادي لمبدأ المساواة، إلى التعبير عن إلغاء أي تفاوت اجتماعي بين المواطنين أمام ساحة القضاء، لذلك فمن مقتضياته توحيد الجهات القضائية المختصة، والتي لا ينبغي أن يختلف أو يتعدد اختصاصها بسبب موضوع الدعوى، أو بسبب صفة ومركز أطرافها، كما ينبغي ألا يتعدد التشريع الواجب التطبيق على الإجراءات المتعلقة بالمحاكمات المماثلة.

ومن مقتضيات هذا المبدأ أيضا، أن المعاملة بين أطراف الدعوى أمام القضاء، يجب أن تكون مماثلة عند القيام بأي إجراء من إجراءات الدعوى، ابتداء من قيدها والى غاية تنفيذ الحكم الصادر فيها، تحت طائلة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القضاء..
لذلك فان الدساتير التي صدرت في مختلف دول العالم ، قد كرست فكرة المساواة في الحقوق والواجبات كمبدأ دستوري، ومن ذلك الدساتير التي صدرت في الجزائر ابتداء بدستور1963 وانتهاء بدستور1996.

المطلب الثالث
مبدأ احتـرام حـق الدفـاع:

يعتبر الحق في الدفاع ، من أهم الحقوق التي اهتمت به القوانين الداخلية لمختلف الدول منذ العصور القديمة، لاسيما قوانين الإجراءات المدنية والجزائية ، من حيث كونها هي المعنية بالنص على مختلف الضمانات القضائية، التي تقررت لممارسة حق التقاضي، كما اهتمت به أيضا في وقت لاحق دساتير مختلف الدول، للتدليل أمام المجتمع الدولي، على أن نظام الدولة قائم على المشروعية.

أولا: سند مبدأ احترام حق الدفاع
على الرغم من أن سند مبدأ الحق في الدفاع ، في كل من القانونين الدولي والداخلي متعدد ومتنوع، إلى الحد الذي صار معه تعداد نصوصه ليس أمرا يسيرا، فالإشارة لأهمها قد يكون كافيا لإلقاء الضوء على سند هذا المبدأ.

أ) السند الدولي لكفالة حق الدفاع:
يجد هذا المبدأ سنده الدولي في المادتين 10 و11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة
14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، ثم توالت النصوص الأممية والإقليمية بشأنه وبشكل متزايد، مما أثر على مضمونه ضيقا واتساعا.
وإذا كانت ممارسات الدول الناجمة عن مصالحها المتعارضة ، قد أثبتت وجود تفسيرات متعددة لمضمونه، فالأمم المتحدة قد توجهت إلى اعتماد إعلان بشأن مجموعة المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، خلال المؤتمر السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المعقود في ميلانو بايطاليا من 26 اوث الى 6 سبتمبر 1985، وهي المبادئ التي قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتمادها بموجب قرارين لها، الأول بتاريخ 29/11/1985 تحت رقم 40/32، والثاني بتاريخ 13/12/1985 تحت رقم 40/146.

ب) السند الوطني لكفالة حق الدفاع:
لقد كفل دستور الجزائر لعام 1976 حق الدفاع في المادة 33 منه التي نصت على أن:(الدفاع الفردي أو عن طريق الجمعية عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية مضمون)، كما نصت المادة 151 منه على أن: (الحق في الدفاع معترف به، الحق في الدفاع مضمون في القضايا الجزائية).
وبالرجوع للقانون الإجرائي المطبق في المادة المدنية، نجد وأن المشرع، قد كفل حق الدفاع لكل شخص ، في مختلف مراحل الإجراءات القضائية، بنصوص قانونية صريحة وواضحة، فالمادة 12 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، نصت على أن رفع الدعوى يكون بعريضة مكتوبة إما من المدعي نفسه وإما من وكيله، وهي بهذا تكون قد تركت له حرية الاستعانة بمحام.

ثانيا: مضمون مبدأ احترام حق الدفاع
لعل مجموعة المبادئ المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلاه، قد تكون كافية لتحديد مضمون هذا الحق، لتعلقها بمقتضيات حق الدفاع الواجب ضمانه لأطراف الدعوى من جهة، وبحقوق الممارسين المهنيين من جهة أخرى، ومن تم فان تخلف أي منها، يترتب عنه الإخلال بهذا المضمون، سواء في ظل الظروف العادية، أو في ظل الظروف الطارئة وحالات الحرب.
ويتطلب إعمال حق كل شخص في الحصول على قضية عادلة ومنصفة، تمكينه من الدفاع عن نفسه أمام القضاء، وبموجب ذلك يكون للخصم الحق في أن يتولى الدفاع عن حقوقه بنفسه، أو يطلب المساعدة من محام يختاره بنفسه ، لحماية حقوقه وإثباتها، وذلك للدفاع عنه في جميع المراحل الإجرائية، لأية دعوى أكانت ذات طبيعة تأديبية أو مدنية أو جنائية، وهو بهذا المفهوم يتطلب ضمان جملة من الحقوق.

المطلب الرابع
علانيــة المحاكمــــة

يعد مبدأ علنية الجلسات، من أهم المبادئ المتفرعة عن الحق في محاكمة عادلة، وهو يقتضي
بأن يتم تحقيق جميع الدعاوى: المدنية منها والجزائية، في جلسات يسمح فيها بحضور كل شخص، مع وجود بعض الاستثناءات، لذلك سنتولى معالجة المبدأ العام، والاستثناءات الواردة عليه.

أولا:السند القانوني لهذا المبدأ:

أ) في القانون الدولي:
تم النص على كفالة هذا المبدا بالمادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وباالفقرة (د) من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي نصت على أن:(.. من حق كل فرد، لدى الفصل ..في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة ..)

ب) في الدسور:
تمت كفالة مبدا علنية المحاكمات بمقتضى المادة 144 من دستور الجزائر لعام 1996 حيث نصت على ان:(تعلل الاحكام القضائية، وينطق بها في جلسات علانية).

ج) في التشريع:
لقد كفل قانون الاجراءات المدنية والادارية هذا المبدا بموجب المادة 07 منه، حيث نصت على أن:( الجلسات علنية، مالم تمس العلنية بالنظام العام او الاداب العامة او حرمة الاسرة)

ثانيا: مضمون مبدأ العلنية

يعد مبدأ علنية الجلسات من أهم المبادئ القانونية، التي كفلتها القوانين الإجرائية المنظمة للمحاكمات المدنية، وهو مبدأ يقتضي ضمان حق كل شخص من الكافة في معرفة إجراءات المحاكمات، وذلك من دون تفرقة بين الأشخاص الذين لهم غريزة حب الاطلاع ، عما يدور في تلك المحاكمات، وبين الأشخاص الذين لهم مصلحة في أن يحاطوا علما بمقتضيات الدعوى.
لذلك فالهدف من مبدأ علنيـة المحاكمات، يتمثل في أن تكون إجراءات المحاكمـة منظورة وبعيدة عن السرية، تمكينا للرأي العام من ممارسة حق الرقابة بشأنها، لأن سرية المحاكمة من شأنها أن تشوب العدالة بالشك، وذلك فضلا عن التشكيك في حيدة القاضي ونزاهته، بما يفيد وأن العدالة يجب أن تعمل في الضوء وليس في الظلام.

ثالثا: الاستثناءات الواردة على مبدأ علنية الجلسات:

يتميز مبدأ علنية المحاكمات المدنية بمظهرين أساسيين:
الأول خارجي: ويعني إمكانية كل شخص حضور المحاكمات، والاطلاع على ما يدور فيها، ومن تم السماح له بأن ينقل أو ينشر وقائعها، عن طريق وسائل النشر المختلفة: السمعية منها والبصرية، وهو الذي ترد عليه بعض الاستثناءات، إما بقوة القانون وإما بأمر من القاضي، على النحو الوارد أدناه.
الثاني داخلي: ويقصد به علنية المناقشة أمام المحكمة، وهو لا يهم سوى أطراف الدعوى ووكلائهم فيها، وبذلك فهوغير قابل للخضوع لأي استثناء، سواء بنص في القانون أو بأمر من القاضي، لأنه يشكل جزءا لا يتجزأ من حقوق الدفاع، وأن كفالة مبدأ المواجهة بين أطراف الدعوى، لا يتحقق إلا من خلاله، ومن تم وجب على القاضي والأطراف احترامه.

أ) حالات السرية الواجبة بقوة القانون:
يقتضي المظهر الخارجي لمبدأ علنية الجلسات، نشر وقائعها عن طريق وسائل النشر المختلفة: السمعية منها والبصرية ، ومع ذلك فالمشرع قد يلجأ إلى حظر نشر ما يجري في بعضها من تحقيقات ومرافعات، لاسيما فيما يتعلق بدعاوى الأحداث، ودعاوى الأحوال الشخصية، وبعض الدعاوى الأخرى لاعتبارات النظام العام والآداب العامة.
حيث نصت المادة 36 من القانون رقم 90/07 المؤرخ في 03/04/1990 المتعلق بالإعلام، على حظر نشر أي خبر يعني الأطفال والمراهقين، أو يمس بحقوق المواطن وحرياته الدستورية، أو يمس بسمعة التحقيق والبحث الفضائي، ولا يمكن لناشر الخبر في مثل هذه الأحوال، أن يتـذرع بالسـر المهني على السلطة القضائية المختصة.

ب) نقد مبدأ علنية الجلسات:
على الرغم من أن مبدأ علنية الجلسات ، يلعب دورا بالغ الأهمية، في الرقابة على أعمال القضاء، فانه لم يسلم من النقد، من عدة أوجه:
الأول: أن مبدأ علنية الجلسات يضر بالخصم، لاسيما في الحالة التي يكون فيها متهما، من حيث كونه يؤثر على مصالحه الشخصية مع الغير، طالما أن إعماله يؤدي إلى الكشف عن بعض شؤونه الخاصة، التي يرغب في إبقائها طي الكتمان.
الثاني: أن الجمهور وان كان يتمتع بحق حضور الجلسات، فانه لا يملك القدرة على الرقابة الفعالة على أعمال القضاء، لأن معظم أفراد المجتمع، لا يتمتعون بالخبرة والكفاءة القانونية، التي تمكنهم من ممارسة تلك الرقابة، وبذلك فمبدأ العلنية ، لا يمكنه أن يؤدي إلى ضمان العدالة الجيدة.
الثالث: أن مبدأ العلنية قد يؤدي إلى تضليل الرأي العام، على اعتبار وأنه يسمح لوسائل الإعلام،كالصحف والإذاعة والتلفزيون من حضور الجلسات، ومن تم تتمكن من نشر تعليقات مغرضة أو وقائع مبتورة، وهي بذلك تحمل في طياتها تضليلا للرأي العام ، كما أنها قد تلجا إلى تشويه الوقائع، وقد يؤثر ذل على رأي القضاة وقناعاتهم الشخصية، لاسيما عند ما يتطلب الأمر النظر في الدعوى عدة جلسات.
لكنه ومع ذلك فان تلك الانتقادات تبقى قليلة الأهمية، بالنظر للفائدة الكبيرة للعدالة التي لا تتحقق إلا من خلال مبدأ العلنية لاعتبارات:
الأول: أن بعض الأضرار التي يمكن أن تلحق بالخصم في الدعوى، من مبدأ علنية الجلسات، تبقى مقبولة، كونها عبارة عن ضريبة للعدالة التي ينشدها، وبذلك فلا يعتد بتلك الأضرار.
الثاني: أن القول بنقص خبرة الأفراد وكفاءتهم القانونية، التي تؤهلهم من ممارسة الرقابة على القضاء
هو قول مردود عليه، لأن العدالة ما هي إلا مرآة للأخلاق الاجتماعية، وبذلك فالمجتمع يعتبر قادرا على التمييز بين ما هو ظلم وما هو عدل، بصرف النظر عن توفر الكفاءة والخبرة القانونية لبعض أو لكل أفراده من عدمها.
الثالث: أن الخشية من دور وسائل الإعلام في تضليل الرأي العام، والتأثير على قناعات القضاة، إنما هو أمر يمكن معالجته، من خلال حظر نشر ما يدور في بعض الجلسات، لاسيما قضايا الأحداث، وشؤون الأسرة، وبعض القضايا الجنائية والجنحية، وهو ما أخذت به معظم التشريعات في النظم المعاصرة، على النحو السالف بيانه.
الرابع: أن إقامة العدالة لا يتفق مع السرية التي تشكل مطية للتآمر، وبذلك فالعلنية تشكل خير ضمان لحسن سير العدالة من جهة، وحماية حقوق المتقاضين من جهة ثانية.

المطلب الخامس:

مبدأ التقاضي على درجتين:

تثير دراسة هذا المبدأ جملة من المسائل، تدور حول سنده ومفهومه، وبيان مزاياه ومآخذه.

أولا: السند القانوني لهذا المبدأ:

أ) في القانون الدولي:
تم النص على هذا المبدا في الفقة الخامسة من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على ان:( لكل شخص ادين بجريمة، حق اللجوء وفقا للقانون،الى محكمة اعلى كيما تعيد النظر في قرار ادانته وفي العقاب الذي حكم به عليه)

ب) في التشريع:
يجد مبدأ التقاضي على درجتين، سنده التشريعي بنص المادة 06 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت على أن المبدأ هو أن التقاضي يقوم على درجتين، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وبحسبه فالمبدأ العام في التشريع الجزائري، هو الأخذ بازدواج درجة التقاضي، لذلك فمحاكم الدرجة الأولى، تقضي في المنازعات المقدمة أمامها بأحكام ابتدائية قابلة للاستئناف أمام المجالس القضائية، وفقا للفقرة الأخيرة من المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
كما أن المحاكم الإدارية بدورها، تفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف أمام مجلس الدولة، في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو اجدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، طبقا لنص المادة 800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

ومن النتائج المترتبة عن الأخذ بهذا المبدأ، أن للمجلس القضائي أن يتصدى للفصل في المسائل غير المفصول فيها، بعد تصريحه بإلغاء حكم فاصل في دفوع شكلية قضى بإنهاء الخصومة، متى تبين له ولحسن سير العدالة، إعطاء حل نهائي للنزاع، وذلك بعد قيامه بإجراء تحقيق عند الاقتضاء، تطبيقا لنص المادة 346 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،كما أن القاضي الذي نظر القضية على مستوى محكمة الدرجة الأولى، لا يجوز له أن يشارك في تشكيلة المجلس القضائي التي تتولى الفصل في نفس الدعوى.

ثانيا: مفهوم مبدأ التقاضي على درجتين:
يقصد بمبدأ التقاضي على درجتين، أن الدعوى ترفع أولا أمام المحكمة، فتتولى الحكم فيها ابتداء، وتسمى المحكمة التي أصدرت هذا الحكم لأول مرة بمحكمة الدرجة الأولى، ثم يكون للمحكوم ضده الحق في التظلم من حكمها، عن طريق الطعن فيه بالاستئناف، إلى جهة قضائية عليا، تسمى المجلس القضائي في التشريع الجزائري، أو محكمة الاستئناف أو محكمة الدرجة الثانية في تشريعات أخرى، فيتم عرض النزاع أمام هذه الجهة القضائية من جديد، لتنظر القضية من حيث الوقائع والقانون معا، وتفصل فيها بحكم نهائي.

ثالثا: أهمية مبدأ التقاضي على درجتين:
تبرز أهمية مبدأ ازدواج درجة التقاضي، في كونه يشكل ضمانا أساسيا لمصالح المتقاضي، وللمصلحة العليا للعدالة، لذلك قيل بأن الإقرار بالاستئناف بوصفه طريقا للطعن، يلجأ إليه المتقاضي، الذي يعتقد أن الضرر قد حاق به، من جراء الحكم الصادر ضده على مستوى محكمة أول درجة، وهو يعتبره أهم ضمان لحقوقه، لذلك اعتبر هذا المبدأ من أهم المبادئ العامة في القانون الإجرائي، لأنه يشكل ضمانا من ضمانات حسن سير العدالة.

رابعا: مآخذ مبدأ التقاضي على درجتين وموقف المشرع الجزائري منه:
على الرغم من أهمية مبدأ التقاضي على درجتين، ووجاهة الاعتبارات التي يقوم عليها، فانه قد تعرض لانتقادات شديدة، يحتاج التعرض لها إلى بيان موقف المشرع الجزائري من هذا المبدأ.

أ) مآخذ مبدأ التقاضي على درجتين:
ثمة جانب من الفقه اعترض بشدة على مبدأ التقاضي على درجتين، من عدة أوجه:
1) بالنسبة لزيادة النفقات:
أن مبدأ التقاضي على درجتين، يؤدي إلى زيادة نفقات التقاضي، والبطء في الإجراءات، ومن تم إطالة أمد الخصومة، مع ما يترتب عن ذلك من إرهاق للخصوم.
2) بالنسبة لنوعية الحكم:
أن هذا المبدأ لا يؤدي إلى ضمان صدور حكم من محكمة الدرجة الثانية، يكون على نحو أفضل من حكم محكمة الدرجة الأولى، بل أن حكم هذه الأخيرة، قد يكون أكثر مطابقة للقانون.
3) بالنسبة للوقت:
أنه وان كان قضاة محكمة الدرجة الثانية أقرب إلى الصواب، فالحل الأفضل هو تقديم النزاع إلى هذه المحكمة مباشرة، بدلا من إضاعة الوقت وزيادة نفقات التقاضي أمام محكمة الدرجة الأولى.
لكنه ورغم وجاهة هذا الانتقادات، فما لاشك فيه بأن خطأ محكمة الدرجة الثانية، يكون
أقل احتمالا من خطأ محكمة الدرجة الأولى، لأنها تتشكل من قضاة أكثر عددا وخبرة، ثم أن النظر في النزاع من طرف محكمتين ومن درجتين مختلفتين، هو أمر يقلل من فرص الوقوع في الخطأ، مما يمكن المتقاضين من الوصول إلى مرحلة اليقين القانوني، بأن الأحكام القضائية الصادرة في النزاع ، هي أحكام مطابقة للحقيقة الواقعية.

ب) التطبيقات القضائية لمبدا التقاضي عللا درجتين:
وقد طبقت المحكمة العليا هذا المبدأ في العديد من المنازعات، نكتفي بالإشارة إلى قرارها الصادر بتاريخ 24/02/1990 تحت رقم63942 ، فصرحت بأن الطلبات الجديدة في الاستئناف، لا تقبل ما لم تكن خاصة بمقاصة، أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية، لذلك فطلب إيجار التسيير الحر قدم لأول مرة أمام المجلس، وأن قضاة الاستئناف، لما أيدوا هذا الطلب، واعتبروا أن العلاقة بين طرفي النزاع غير قانونية، يكونون قد خالفوا القانون.

المطلب السادس:
مبدأ استقلال السلطة القضائية:

كلما تعرض أي حق من الحقوق للاعتداء، إلا وبادر صاحبه إلى القضاء للمطالبة به، وهوما لم يتم إلا أمام محكمة مستقلة، لذلك نجد بأن مبدأ استقلال القضاء ، قد تم الاهتمام به في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وفي دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية.

أولا: مبدأ استقلال القضاء في المواثيق الدولية والإقليمية:

أ) في المواثيق الدولية:
تم النص عليه في المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وبموجبهما فلكل إنسان الحق وعلى قدم المساواة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة وحيادية نظرا منصفا وعلنيا.
كما أن المؤتمر العالمي لاستقلال القضاء، المنعقد في مدينة مونتريال بكندا سنة 1983، قد أصدر إعلانا عالميا حول استقلال القضاء، أكد فيه على حق كل إنسان، في أن تنظر قضيته من قبل المحاكم ، وفي أن تكون الأحكام الصادرة عنها ، قابلة للطعن أمام المحاكم العليا، كما نص على ضرورة استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ب) في المواثيق الاقليمية:
تمت كفالة هذا الحق بالمادة 06 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمادة 08 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1978، والمادة 07 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 09 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
كما أن البيان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن المجلس الإسلامي العالمي، المنعقد في
باريس عام 1981، قد أكد حق كل فرد، في أن يلجا إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه وتدفع عنه
ما لحقه من ضرر أو ظلم، وأوجب على الحاكم المسلم ، أن يقيم هذه السلطة ويوفر الضمانات الكفيلة بحيدتها واستقلالها.
اما إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، الصادر عن المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الخارجية، المنعقد في القاهرة في الفترة الممتدة مابين 31 اجويلية و4 أوث 1990فنص عليه في المادة 19 منه.

ثانيا: مبدأ استقلال القضاء في دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية:
إذا كان اختصاص السلطة القضائية، ينحصر بالدرجة الأولى في الحكم بمقتضى القانون في جميع المنازعات المرفوعة إليها، فان وصف القضاء بالسلطة، لم يكن محل إجماع في دساتير الدول وتشريعاتها الوطنية من جهة، وفي الفقه الدستوري والقانوني من جهة أخرى.

أ) موقف الدساتير والتشريعات الوطنية من المبدأ:
1) على المستوى الدستوري:
بالرجوع إلى الدستور الجزائري لعام 1996، نجده قد اعتبر القضاء سلطة عامة، بموجب المادة 138 منه، فنصت على أن:(السلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون)، وهو وصف قد لا يكرس مبدأ استقلال القضاء، لأن القضاء وعلى غرار ما هو سائد في الدول المعاصرة، قلما يكون مستقلا بمفهوم هذا المبدأ، لاسيما عن السلطة التنفيذية، التي وان كانت لا تتدخل للفصل في الخصومات القائمة أمام القضاء بصورة مباشرة، فان اللوائح التنظيمية التي تتخذها بين الفينة والأخرى، عادة ما تشكل تدخلا، يحول دون إعمال هذا المبدأ بصورة فعلية.
غير أنه ومع ذلك، فثمة دساتير لم تعط للسلطة القضائية أي وصف، ومن ذلك دستور الجزائر لعام 1963.
ويلاحظ بأن تعبير (السلطة القضائية)، الذي عمد المؤسس الدستوري إلى استخدامه، إنما يوحي بأن النظام الدستوري القائم لدى هذه الدول، إنما هو نظام ينظر إلى القضاء على أنه يشكل إحدى السلطات العامة في الدولة، شأنه في ذلك شأن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو بذلك يفترض أن يتمتع بالاستقلالية عنهما، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق مع باقي الأوصاف الأخرى.

2) على المستوى التشريعي:
أما على المستوى التشريعي، فالمادة الثانية من القانون العضوي رقم 98/01 المؤرخ في 30/05/1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله، قد نصت على أن: (مجلس الدولة هيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية، وهو تابع للسلطة القضائية، يضمن توحيد الاجتهاد القضائي الإداري في البلاد.. يتمتع مجلس الدولة حين ممارسة اختصاصاته القضائية بالاستقلالية).
كما أن المادة 07 من القانون العضوي رقم 4/11 المؤرخ في 06/09/2004 التضمن
القانون الأساسي للقضاء قد نصت على أنه:(على القاضي أن يلتزم في كل الظروف، بواجب التحفظ
واتقاء الشبهات والسلوكات الماسة بحياده واستقلاليته).

ب) تقدير مبدأ استقلال القضاء:
يميل الرأي الراجح في الفقه إلى القول، بأن القضاء يشكل إحدى السلطات العامة الثلاث في الدولة، ذلك أنه وعلى الرغـم مــن اختصاص السلطة التنفيذية بتنفيذ القانون، فان ذلك يتوقف على وجود أحكام قضائية بحق الأشخاص الذين خالفوا قواعد القانون، بما يعني وأن الأحكام القضائية، إنما تصدر في مرحلة لاحقة على إصدار السلطة التشريعية للقانون، وسابقة على قيام السلطة التنفيذية بتنفيذه، وبذلك فمرحلة إصدار الحكم من طرف السلطة القضائية، ليست جزء من مرحلة قيام السلطة التنفيذية بتنفيذ القانون.

المبحث الثاني:
ترتيــب ترتيب المحاكم بالنسبة للقضاء العادي

تنحصر هذه الجهات القضائية، في محاكم الدرجة الأولى، والمجالس القضائية، والمحكمة العليا.

المطلب الأول
محاكــم الدرجــة الأولى

تم إنشاء هذه الجهات القضائية، بالأمر رقم 65/278 المؤرخ في 16/11/1965 المتضمن التنظيم القضائي، وتم تحديد مقراتها بالأمر رقم 97/11 المؤرخ في 19/03/1997 المتضمن التقسيم القضائي ومع ذلك فهي تبقى في حاجة إلى تعريف وبيان كيفية تشكيلها وتنظيمها.

أولا: تعريف محاكم الدرجة الأولى:
عرفت المادة 32 من قانون الاجراءات المدنية والادارية، محاكم الدرجة الأولى بالقول: (المحكمة هي الجهة القضائية ذات الاختصاص العام وتتشكل من اقسام، ويمكن ان تتشكل من اقطاب متخصصة، وتفصل في جميع القضايا، لاسيما المدنية والتجارية والبحرية والاجتماعية والعقارية وقضايا شؤون الاسرة والتي تختص بها اقليميا..).

ثانيا: تنظيم محاكم الدرجة الأولى:
يقدر عدد المحاكم العاملة حاليا بحوالي: 194 محكمة، مع أن عددها وحسب الأمر رقم 97/11 والمرسوم التنفيذي رقم 98/03 هو: 214 محكمة، وهذه المحاكم الجديدة لم تنصب بعد، وكل منها حسب قرار وزير العدل الصادر بتاريخ 25/09/1990 المتضمن تحديد أقسام المحاكم، المعدل والمتمم بالقرار المؤرخ في 01/04/1994، وبالقرار المؤرخ في 14/06/1995، تتألف من ستة إلى عشرة أقسام.

أ) في المواد الجزائية: ثمة ثلاثة أقسام هي:

1) قسم الجنح:
يختص هذا القسم بالنظر في القضايا الجزائية، الموصوفة في قانون العقوبات ومختلف التشريعات العقابية الخاصة بأنها جنح إلى جانب المخالفات المرتبطة بها، والتي يكون مرتكبوها بالغون، كما تنظر في طلبات الادعاء المدني، المقدمة أمامها من الأطراف المتضررة من الجرم.
2) قسم المخالفات:
يختص هذا القسم بالنظر في القضايا الجزائية، الموصوفة أيضا في قانون العقوبات ومختلف التشريعات العقابية بأنها مخالفات، والمرتكبة كذلك أيضا من طرف بالغين، وتكون مختصة بالفصل في جميع الطلبات المقدمة من الأطراف المتضررة من الفعل محل الملاحقة الجزائية.
3) قسم الأحداث:
يختص هذا القسم بالنظر في المنازعات الجزائية، الموصوفة في قانون العقوبات وفي مختلف التشريعات العقابية الخاصة بأنها مخالفات أو جنح، والتي يكون مرتكبوها قصرا لم يبلغ سنهم بعد ثمانية عشر سنة، كما تفصل في طلبات الادعاء المدني، المقدمة أمامها من طرف أي متضرر.
أما الأفعال المرتكبة من طرف هؤلاء ، والموصوفة بأنها جنايات بموجب قانون العقوبات أو أي تشريع خاص، فقسم الأحداث المتواجد على مستوى محكمة مقر المجلس هو الذي يتولى الفصل فيها وفي الادعاء المدني المرتبط بها لفائدة أي طرف متضرر.

ب) في المواد المدنية: ثمة ثمانية أقسام هي:
1) القسم الاستعجالي:
يختص هذا القسم بالفصل في جميع المسائل الاستعجالية التي يخشى معها فوات الوقت، كطلب وقف أشغال البناء فوق أرض متنازع عليها، حماية للحق المتنازع عليه من الخطر الناجم عن استمرار البناء، في انتظار الفصل في موضوع النزاع القائم بشأنه، إعمالا للمادة 299 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
2) القسم المدني:
يختص هذا القسم بالفص في المنازعات المدنية القائمة بين أشخاص القانون الخاص ، شأن دعاوى المسؤولية العقدية أو التقصيرية القائمة على الخطأ الشخصي أو المفترض ، ودعاوى العقود المدنية من وكالة وقرض ووديعة وإيجار وغيرها متى كانت غير عقارية.
3) قسم شؤون الأسرة:
يتولى الفصل وبحكم المادة 423 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المنازعات المتعلقة بالخطبة والزواج والرجوع إلى البيت الزوجي، وانحلال الرابطة الزوجية وما يترتب عنها من توابع كمؤخر الصداق والتعويض عن الطلاق والعدة والنفقة والحضانة والزيارة، والأثاث، وكذلك إثبات الزواج والنسب، والكفالة والولاية وسقوطها، والحجر والغياب والفقدان والتقديم، وهو يمارس كل هذه الصلاحيات بوصفه قاضي موضوع.
كما أصبح رئيس هذا القسم ، يتمتع ببعض الصلاحيات المخولة لقاضي الاستعجال، فيجوز له اتخاذ أي تدبير استعجالي بخصوص النفقة والحضانة والزيارة والسكن ، إعمالا للمادة 57 مكرر من قانون الأسرة.
4) القسم الاجتماعي:
ينظر القسم الاجتماعي في مختلف منازعات العمل الفردية، لاسيما ما تعلق منها بإثبات عقود العمل والتكوين والتمهين، وتنفيذ وتعليق وإنهاء تلك العقود، ومنازعات انتخاب مندوبي العمال، وكل نزاع يترتب عن ممارسة حق الإضراب ، وأي اتفاق جماعي للعمل، إلى جانب منازعات الضمان الاجتماعي والتقاعد، طبقا للمادة 500 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
هذا وقد أصبح رئيس هذا القسم ، مخولا ببعض صلاحيات قاضي الاستعجال،فيكون له اتخاذ أي تدبير استعجالي وقتي أو تحفظي، يرمي إلى وقف كل تصرف من شأنه أن يعرقل حرية العمل، إعمالا للمادة 506 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
5) القسم العقاري:
يختص بحكم المواد511 إلى 517 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالفصل في المنازعات العقارية، كالمتعلقة بحق الملكية والحقوق العينية الأخرى، والتأمينات العينية، والحيازة والتقادم المكسب، وحق الانتفاع والاستعمال والاستغلال والسكن مثلا
وبحكم المادة 523 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فلرئيس هذا القسم صلاحية اتخاذ أي تدبير مستعجل، أو في الحالات المنصوص عليها قانونا، بأمر على ذيل عريضة، لا يتطلب المناقشة الوجاهية، يرمي إلى المحافظة على حقوق الأطراف إلى حين الفصل في دعوى الموضوع.
6) القسم البحري:
يتولى هذا القسم الفصل في المنازعات المترتبة عن عقود النقل البحري، سواء تعلقت بالبضائع أو بالأشخاص، بما يعني وأن لا ينشأ إلا على مستوى المحاكم التي توجد بدائرة اختصاصها الإقليمية موانئ بحرية، مثل محكمة:بني صاف، والغزوات، وارززيو، ووهران، ومستغانم، وتنس ، وشرشال، وتيبازة، ودلس، وسيدي أمحمد، وتيقزيرت، وبجاية، وجيجل، والطاهير، والقل، وسكيكدة، وعنابة، والقالة، وهو القسم الذي تم إنشاؤه على مستوى هذه المحاكم باستثناء محكمة الطاهير، بموجب المادة الخامسة مكرر1 من القرار الوزاري المؤرخ في 14/06/1995 المعدل والمتمم للقرار الوزاري المؤرخ في 25/09/1990.

7) القسم التجاري:
يختص هذا القسم بالنظر في جميع المنازعات التجارية، وعند الاقتضاء في المنازعات المسندة
للقسم البحري، التي تخضع للقانون التجاري، وللقانون البحري، وللنصوص التشريعية الخاصة ذات
الصلة بهما، باستثناء تلك التي تدخل ضمن صلاحيات الأقطاب المتخصـصـة، تطبيقا لنص المادتين
32 و531 من:ق.ا.م.ا.
ولرئيس هذا القسم بحكم المادة 536 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، صلاحية اتخاذ أي تدبير مستعجل مؤقت أو تحفظي، أو في الحالات المنصوص عليها قانونا، يرمي إلى المحافظة على الحقوق المتنازع عليها، إلى حين الفصل في دعوى الموضوع القائمة بشأنها.
8) الأقطاب المتخصصة:
ليست أقطاب المحاكم المتخصصة، سوى محاكم تم تمديد الاختصاص المحلي لها، ولوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها، للنظر في بعض القضايا الجزائية أو المدنية دون سواها، وهي أقطاب تم تحديدها بموجب المرسوم التنفيذي رقم:06/348 المؤرخ في 05/10/2006 المتضمن تمديد الاختصاص المحلي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق، وهي تثير مسألتان أساسيتان:
المسألة الأولى: تتعلق بتحديد المحاكم المعنية وهي أربعة محاكم:
*الأولى: محكمة سيدي امحمد:
يمتد الاختصاص المحلي لهذه المحكمة إلى المحاكم والمجالس القضائية لكل من: الجزائر، والشلف والأغواط، والبليدة، والبويرة، وتيزي وزو، والجلفة، والمدية، والمسيلة، وبومرداس، وتيبازة، وعين الدفلى، (لمادة 2 من المرسوم).
*الثانية: محكمة قسنطينة:
يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة قسنطينة، إلى المحاكم والمجالس القضائية لكل من: قسنطينة،
وأم البواقي، وباتنة، وبجاية، وبسكرة، وتبسة، وجيجل، وسطيف، وسكيكدة، وعنابة، وقالمة، وبرج
بوعريريج، والطارف، والوادي، وخنشلة، وسوق أهراس، وميله،(المادة 3 من المرسوم).
*الثالثة: محكمة ورقلة:
يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة ورقلة، إلى المحاكم والمجالس القضائية لكل من:ورقلة، وإدرار، وتامنغست، وايليزي، وتند وف، وغرداية.(المادة 4 من المرسوم).
*الرابعة: محكمة وهران:
يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة وهران، إلى المحكم والمجالس القضائية لكل من:وهران، وبشار،
وتلمسان وتيارت، وسعيدة، وسيدي بلعباس، ومستغانم، ومعسكر، والبيض، وتيسمسيلت، والنعامة، وعين تيموشنت، وغليزان،( المادة 5 من المرسوم).
المسألة الثانية: تتعلق باختصاص تلك المحاكم:
وبحسبه ذلك فهي تتولى الفصل دون سواها في العديد من المنازعات الجزائية أو المدنية:
* بالنسبة للمنازعات الجزائية:
تختص هذه المحاكم بالنظر في الجرائم المتعلقة: بالمتاجرة بالمخدرات، والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وجرائم تبييض الأموال، والإرهاب، والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف( المادة 1 من المرسوم).
*بالنسبة للمنازعات المدنية:
وفقا للمادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالأقطاب المتخصصة تتولى الفصل دون سواها في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية، والإفلاس والتسوية القضائية، والمنازعات المتعلقة بالبنوك، ومنازعات الملكية الفكرية، والمنازعات البحرية والنقل البحري والجوي، ومنازعات التأمينات، وفي انتظار إنشاء هذه الأقطاب فالقسم المدني للمحاكم الواقعة بمقر المجالس القضائية، هو الذي يبقى مخولا بنظر جميع تلك المنازعات.
ثالثا: تشكيل وسير محاكم الدرجة الأولى:
يمكن النظر إلى تشكيل وسير المحاكم من زاويتين: الأولى تتعلق بتشكيل المحاكم، والثانية تتعلق بتشكيل هيئة الحكم:
أ) تشكيل المحاكم:
بموجب القانون العضوي رقم 05/11 المؤرخ في 17/7/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي، فان المحاكم تتشكل من : رئيس المحكمة، ونائبه، وقضاة، وقاضي تحقيق أو أكثر، وقاضي الأحداث أو أكثر، ووكيل الجمهورية ، ووكلاء جمهورية مساعدين، وأمانة ضبط.
1) رئيس المحكمة:
يتولى رئيس المحكمة أو نائبه الأكثر أقدميه عند وجود أي مانـع لـدى الرئيس، الإشراف على السير الحسن للمحكمة، ولتحقيق هذا الغرض فانه يقوم وبعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية تقليص عدد الأقسام ، أو تقسيمها إلى فروع، وتوزيع القضاة الذين تتشكل منهم المحكمة على الأقسام والفروع حالة وجودها، بأمر منه يحدد فيه عدد وأيام انعقاد الجلسات، والقاضي المستخلف للمتغيب في أي قسم أو فرع، ويتولى إلى جانب ذلك وبمساعدة وكيل الجمهورية الإشراف على موظفي كتاب الضبط، كما يترأس القسم الذي يريد الالتحاق به، ويمكن له أن يترأس أي قسم وخلال أية جلسة من جلسات هذا القسم، وفضلا عن ذلك فهو المختص بالنظر في قضايا الاستعجال باستثناء تلك التي أنيطت لكل من قاضي شؤون الأسرة وقاضي القسم العقاري والاجتماعي والتجاري.

) قضاة الحكم:

يتولى قاضي أو قضاة الحكم الفصل في القضايا المجدولة ضمن القسم الذي يترأسه،سواء تعلق
الأمر بالموضوع أو بالاستعجال عند وجوده، بعد التداول في ملف الدعوى بصورة سرية وفقا للمادة 269 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وذلك من طرف القاضي الفرد نفسه، أو من طرفه هو والمساعدين أو المحلفين، أو من طرف القضاة المحترفين، أي بحضور قضاة التشكيلة التي شاركت في المرافعات، ومن دون حضور ممثل النيابة العامة والخصوم ومحاموهم وأمين الضبط، على أن يصدر
الحكم الفاصل في النزاع بأغلبية الأصوات،طبقا للمادة 270 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
3) قاضي التحقيق:
بموجـب المادة 39 من قانـون الإجراءات الجزائيـة المعدلـة بالقانـون رقم 01/08 المؤرخ في 26/06/2001، فقاضي التحقيق يعين بمرسوم رئاسي من بين قضاة المحكمة، وتنهى مهامه بنفس الأشكال، وهو يختص باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق، التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة، فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة، كما يتحرى عن أدلة الاتهام وأدلة النفي وفقا للمادة 68 من قانون الإجراءات الجزائية، وذلك بناء على طلب وكيل الجمهورية، أو بناء على أية شكوى مصحوبة بادعاء مدني قد وجهت إليه مباشرة وفقا للمادة 72 من نفس القانون.
4) وكيل الجمهورية:
يتمتع وكيل الجمهورية بوظيفتين: إدارية وقضائية، فبمقتضى الأولى أي الوظيفة الإدارية، يشرف على الشرطة القضائية وفقا للمادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، كما يشرف على المحضرين القضائيين طبقا للمادة الثالثة من القانون رقم 91/03 المؤرخ في 08/01/1991 المتضمن تنظيم مهنة المحضر، فضلا عن ملاحقته تنفيذ الأحكام الجزائية، إعمالا للمادة 29 من قانون الإجراءات الجزائية، والمادة 08 من الأمر رقم 72/02 المؤرخ في 10/02/1972 المتضمن تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين، كما يتولى مراقبة أمانات الضبط، لاسيما ما تعلق منها بأمانة ضبط صحيفة السوابق القضائية، تطبيقا للمادة 619 من قانون الإجراءات الجزائية ، ويتولى حماية أموال القصر وغيرها.
وبمقتضى الثانية أي الوظيفة القضائية، فانه يحضر جلسات القضايا المدنية، التي يكون فيها طرفا أصليا كقضايا شؤون الأسرة، وكذلك الحال بالنسبة للقضايا المتعلقة بالتفليس بالتقصير، أو التفليس بالتدليس ، أو دعاوى الجنسية، التي ترفع طبقا لقانون الأسرة، وللمواد 372 و375 من القانون التجاري، والمادة 38 من قانون الجنسية، أكان مدعيا أو مدعى عليه فيها.

5) أمين الضبط:
يعد أمين الضبط موظفا عموميا، يعاون القاضي في أداء مهامه، فيحضر معه جلسات المحكمة، وفي جميع الإجراءات التي يقوم بها هذا الأخير، ويتولى تحرير محضر بشأنها، يوقع منه ومن القاضي، ولتحقيق تلك الغاية فهو وبحكم المرسوم رقم 66/192 المؤرخ في 8 يونيو 1966، يتولى مسك سجل كتابة ضبط القسم الذي يعمل به، مرقم وموقع عليه، يسجل فيه كل جلسة، لاسيما ما تعلق بأوقات افتتاحها، ورفعها، وبيان ملخص عن القضايا المسجلة في القوائم ، وأسماء القضاة الحاضرين، وبيان ملخص عن الأحكام الصادرة، والقضاة المشاركين فيها
ب) تشكيل هيئات الحكم:
يختلف تشكيل هيئة الحكم حسب موضوع الدعوى من قسم لآخر ، وفي جميع الأحوال
فهيئة الحكم تنعقد إما بتشكيلة فردية أو جماعية:
1) انعقاد هيئة الحكم بقاض فرد:
تنعقد تشكيلة أقسام المحاكم الفاصلة في مواد: المخالفات، والجنح، وفي مادة شؤون الأسرة تحت رئاسة قاض فرد، وبحضور وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه، وبمساعدة أمين الضبط، فيما تنعقد هيئة الحكم الفاصلة في المواد: الاستعجالية، والمدنية، والعقارية، والبحرية من قاض فرد، وبمساعدة أمين الضبط.
2) انعقاد هيئة الحكم بتشكيلة جماعية:
تختلف هذه التشكيلة الجماعية باختلاف القسم المعني:
* بالنسبة لقسم الأحداث:
تنعقد هيئة الحكم الفاصلة في مواد الأحداث، سواء تعلق الأمر بقسمي المخالفات والجنح المتواجدين على مستوى كل محكمة، أو بقسم جنايات الأحداث المتواجد على مستوى محكمة مقر المجلس، بتشكيلة جماعية، تتألف من قاضي أحداث وبمساعدة محلفين اثنين، يتم اختيارهم من بين الأشخاص المهتمين بشؤون الأحداث وتخصصهم ودرايتهم بها.
*بالنسبة للقسم الاجتماعي:
طبقا لنـص المادة 7 وما يليها من القانـون 90/04 المؤرخ في 6/11/1990، المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، والمادة 502 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالمحكمة الفاصلة في المواد العمالية ، تتشكل من قاض فرد بصفته رئيسا ، يعاونه مساعدان من العمال، ومساعدان من المستخدمين، كما يجوز انعقادها بحضور مساعد واحد عن العمال ومساعد واحد من المستخدمين على الأقل.

* بالنسبة للقسم التجاري:
وفقا للمادة الأولى من المرسوم رقم 72/60 المؤرخ في 21/03/1972 المتعلق بسير المحاكم في المسائل التجارية، فالمحكمة الفاصلة في المواد التجارية، تتشكل من قاض فرد بصفته رئيسا لها، يعاونه مساعدان يتم اختيارهم من بين الأشخاص المهتمين والملمين بالمسائل التجارية.
*بالنسبة للأقطاب المتخصصة:
وفقا للمادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالأقطاب المتخصصة تفصل بتشكيلة جماعية تتألف من ثلاثة قضاة محترفين، إلى جانب وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه عند النظر في القضايا الجزائية وبمعاونة أمين الضبط بالنسبة للقضايا المدنية والجزائية على حد سواء.

المطلب الثاني:
المجالــس القضائيــة

تحتاج دراسة المجالس القضائية إلى التعريف بها، وبيان تنظيمها ، وكيفية تشكيلها.

أولا: التعريف بالمجالس القضائية:
بمقتضى المادة 34 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالمجلس القضائي هو:(الجهة القضائية المختصة بالفصل في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم في الدرجة الأولى، وفي جميع المواد حتى ولو كان وصفها خاطئا).
هذا ويلاحظ بأن هذا النص ، قد احتفظ بنفس التعريف الوارد بنص المادة الخامسة من قانون الإجراءات المدنية، الذي أتيحت الفرصة للمحكمة العليا تطبيقه في أكثر من مناسبة، وعرفت المجالس القضائية على أنها:(الجهة المختصة بنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى ولو وجد خطأ في وصفها).

ثانيا: تنظيم المجالس القضائية:
يقدر عدد المجالس القضائية، وفقا لقانون التنظيم القضائي رقم 84/13 المعدل والمتمم، بحوالي 36 مجلسا قضائيا، تم رفع عددها بالأمر رقم 97/11 والمرسوم رقم 98/63 إلى 48 مجلسا قضائيا،يتولى كل منها الفصل في القضايا المرفوعة إليه من المحاكم التابعة له، مع الملاحظة أن هذه المجالس القضائية الجديدة لم يتم تنصيبها بعد.
وفقا للقانون العضوي رقم 05/11، فالمجالس القضائية تتألف 10 غرف هي: الغرفة الجزائية، غرفة الاتهام، غرفة الأحداث، الغرفة المدنية، الغرفة الإستعجالية، غرفة شؤون الأسرة ، الغرفة الاجتماعية، الغرفة العقارية، الغرفة البحرية، الغرفة التجارية، الغرفة الإدارية، ويمكن لرئيس المجلس تقليصها أو تقسيمها إلى فروع.

1) الغرفة الجزائية:
تختص الغرفة الجزائية بالفصل في الطعون بالاستئناف المثارة أمامها، ضد الأحكام الصادرة من القسم الجزائي لمحاكم الدرجة الأولى في مواد الجنح، بما فيها تلك الصادرة عن الأقطاب المتخصصة، ومواد المخالفات التي صرحت حضوريا أو غيابيا بعقوبة الحبس التي تتجاوز خمسة أيام، أو عقوبة الغرامة التي تفوق مائة دينار، وذلك طبقا للمادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية.
2) غرفة الأحداث:
بمقتضى المادة 472 من قانون الإجراءات الجزائية يعين وزير العدل بموجب قرار مستشار أو أكثر من بين أعضاء المجلس القضائي، ليتولى مهام المستشار المنتدب لحماية الأحداث، كما تنشأ غرفة أحداث بكل مجلس قضائي ، تختص بالنظر في الطعون بالاستئناف، المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن قسم الأحداث بمحاكم الدرجة الأولى، الواقعة ضمن دائرة اختصاص المجلس القضائي، في مواد الجنح والجنايات، ويمتد هذا الاختصاص ليشمل كذلك أيضا، تلك الأحكام الصادرة عن قسم المخالفات، حينما يتعلق الأمر بالأحداث طبقا للمادة 466/03من قانون الإجراءات الجزائية.
3)غرفة الاتهام:
وفقا للمادة 176 من قانون الإجراءات الجزائية، تشكل في كل مجلس قضائي غرفة اتهام واحدة على الأقل، ويعين رئيسها ومستشاروها بقرار من وزير العدل ولمدة ثلاث سنوات، وقد سميت بهذه التسمية لأنها هي صاحبة الاختصاص المانع في توجيه الاتهام إلى المتابع في مواد الجنايات.
والى جانب تلك الصلاحيات فغرفة الاتهام باعتبارها هيئة تحقيق، فإنها تختص بالفصل في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قضاة التحقيق ، وقضاة التحقيق في مادة الأحداث، العاملين بدائرة اختصاصها الاقليميي.
يضاف إلى ذلك أن غرفة الاتهام ، تختص بالنظر في كل إخلال منسوب لضباط الشرطة القضائية أثناء تأديتهم لمهامهم، وفي طلبات البطلان المتعلقة بإجراءات التحقيق، والإفراج المؤقت، ورفع الرقابة القضائية وتنازع الاختصاص بين قضاة التحقيق، ورد الأشياء المحجوزة وغيرها.
4) محكمة الجنايات:
بمقتضى نص المادتين 248 و249 من قانون الإجراءات الجزائيـة، فمحكمة الجنايات هي الجهـة القضائية المختصة، بالفصل في الأفعال الموصوفة جنايات في قانون العقوبات وفي أي نص خاص ، وكذا جميع الجنح والمخالفات المرتبطة بها، والمحالة إليها بقرار من غرفة الاتهام، ولها بموجب ذلك كامل الولاية في الحكم جزائيا على الأشخاص البالغين، وحتى على القصر منهم الذين بلغوا من العمر ستة عشر سنة كاملة، بتاريخ ارتكابهم أفعالا إرهابية أو تخريبية، والمحالين إليها كذلك أيضا بقرار من غرفة الاتهام.
5) الغرف المدنية:
تتولى الغرف المدنية، والإستعجالية، وشؤون الأسرة، والاجتماعية، والعقارية، والبحرية، والتجارية الفصل في الطعون بالاستئناف، المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن الأقسام المماثلة لمحاكم الدرجة الأولى التابعة لدائرة اختصاص المجلس القضائي الإقليمية، وفي حالة عدم وجود هذه الغرف على مستوى المجلس القضائي فالغرفة المدنية هي التي تكون مختصة بالفصل في جميع الطعون المرفوعة ضد تلك الأحكام، وذلك طبقا للمادة 34 من:ق.ا.م.ا.
وطبقا للمادة 35 من نفس القانون ، فان تلك الغرفة تتولى الفصل في جميع الطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص بين القضاة، متى كان الأمر متعلقا بجهتين قضائيتين واقعتين في دائرة اختصاص المجلس القضائي، كما ينعقد هذا الأخير بغرفة مشورة برئاسة رئيس المجلس، وبمساعدة رئيسي غرفة، للفصل في طلبات الرد المرفوعة في مواجهة قضاة المحاكم التابعة لدائرة اختصاصه، طبقا للمادة 242 من نفس القانون.

ثالثا: تشكيل المجلس القضائي وهيئات الحكم:
ثمة فرق بين تشكيل المجالس القضائية، وتشكيل هيئة الحكم بالنسبة لكل غرفة من غرفها.

أ) تشكيل المجالس القضائية:
بمقتضى أحكام المرسوم رقم 66/161 المتعلق بسير المجالس القضائية والمحاكم، وأحكام القانون العضوي رقم 05/11 المؤرخ في 17/7/2005 المتعلق بالتنظيم القضائي،فان كل مجلس قضائي يتشكل من رئيس المجلس القضائي، ونائب له أو أكثر، ورؤساء غرف، ومستشارين، ونائب عام، ونواب عامين مساعدين، وأمانة ضبط.
وأمام عدم اختلاف الدور المنوط بكل من قضاة النيابة والحكم وأمانة الضبط على مستوى المجلس القضائي، عن الدور المنوط بهذه الأجهزة على مستوى محاكم الدرجة الأولى، وتجنبا للتكرار سوف نقتصر عن الإشارة إلى رئيس المجلس القضائي دون بقية الأجهزة الأخرى.

وبحسب ذلك فرئيس المجلس القضائي، هو الذي يتولى الإشراف على السير الحسن للمجلس القضائي ولمحاكم الدرجة الأولى التابعة له، من الناحيتين الإدارية والقضائية، ولتحقيق ذات الغرض، فانه يتولى وبعد استطلاع رأي النائب العام ، توزيع المستشارين على مختلف الغرف قبل شهرين على الأقل من العطلة القضائية، فيعمل كل مستشار بغرفة من الغرف، وقد يعمل في أكثر من غرفة واحدة مع إمكانية الاستعانة به لأداء مهام القضاء في غرفة أخرى ، غير الغرفة أو الغرف التي يعمل بها، كما يتولى رئيس المجلس القضائي الإشراف على مختلف مصالح أمانة ضبط المجلس القضائي بمساعدة النائب العام، ويتولى إلى جانب ذلك رئاسة الغرفة التي يريد الارتباط بها، وله أن يترأس أية غرفة من غرف المجلس القضائي المختلفة، وفي حالة حصول أي مانع لديه لأداء مهامه، فانه يستخلف بالمستشار الأكثر أقدمية، أو بنائب رئيس المجلس القضائي، أو بالقاضي الأكثر اقدمية بالنسبة لرؤساء الغرف، أو بالمستشار العميد طبقا للمادة 04 من المرسوم رقم66/161.

ب) تشكيل هيئة الحكم على مستوى المجالس القضائية:
تتشكل كل غرفة من غرف المجلس القضائي من 3 قضاة، اثنان منهم برتبة مستشار على
الأقل، على أن الثالث الذي يترأس التشكيلة، ينبغي أن تكون له رتبة رئيس غرفة، وذلك بمساعدة كاتب ضبط، و بحضور السيد النائب العام، وذلك فيما عدا تشكيلتان، تنفرد الأولى منهما بميزة كمية، فيما تنفرد الثانية بميزة نوعية:
الأولى: تتعلق بمحكمة الجنايات:
تتشكل هذه المحكمة من رئيس برتبة رئيس غرفة، ومن قاضيين برتبة مستشار بالمجلس القضائي، ومن محلفين اثنين يتم اختيارهما عن طريق القرعة، من بين 12 محلفا تم اختيارهما بنفس الطريقة من بين 36 مواطنا المشكلين للكشف السنوي للمحلفين، المعد من بين مواطني دائرة اختصاص محكمة الجنايات، طبقا للمواد258 و264 و265 من قانون الإجراءات الجزائية.
الثانية: تتعلق بغرفة المشورة:
وفقا للمادة 242 من قانون الإجراءات المدنية، فغرفة المشورة الفاصلة في طلبات رد قضاة
المحاكم التابعة للمجلس القضائي، تتشكل من رئيس المجلس القضائي بوصفه رئيسا، ومن قاضيين
برتبة رئيسي غرفة على الأقل، وبحضور النائب العام ، وأمين الضبط.

المطلب الثالث:
المحكمـــة العليـــا

قد يكون من المفيد التعريف بالمحكمة العليا، وبيان تنظيمها وتشكيلها.

أولا: التعريف بالمحكمة العليا:
ليست محكمة النقض أو المجلس الأعلى، كما يسميها قانون الإجراءات المدنية القديم، وقانون التقسيم القضائي، قبل تعديل تسميتها إلى المحكمة العليا،درجة ثالثة للتقاضي، فهي محكمة وحيدة مقرها الجزائر العاصمة، تم إنشاؤها بموجب القانون رقم 63/218، المتضمن إحداث المجلس الأعلى، وهي الجهة القضائية التي تم تحديد صلاحياتها وتنظيمها وسيرها ، بموجب القانون رقم 89/22، وهي لا تنظر المنازعات التي تم عرضها على القضاء لأول مرة ، كما هو حال محاكم الدرجة الأولى ، أو محاكم الاستئناف ، بل أنها محكمة طعن إزاء الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى ، ومحاكم الدرجة الثانية النهائية، وبذلك فهي ليست محكمة موضوع، بل محكمة قانون تجازي كل انتهاك له، وذلك طبقا لنص المادة 04 من نفس القانون.

ثانيا: تنظيم المحكمة العليا:
تتألف المحكمة العليا من ثمانية غرف هي : الغرفة المدنية وبها 3 أقسام، الغرفة العقارية وبها أربعة أقسام، وغرفة الأحوال الشخصية والمواريث وبها قسمان ، والغرفة التجارية والبحرية وبها قسمان ، والغرفة الاجتماعية وبها قسمان، والغرفة الجنائية وبها قسمان ، وغرفة الجنح والمخالفات وبها أربعة أقسام ، وغرفة العرائض وبها تشكيلتان.

أ) غرف المحكمة العليا في المادة الجزائية وهي:
1) الغرفة الجنائية:
تختص هذه الغرفة بالنظر في الطعون بالنقض، المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات، والمحاكم العسكرية وغرف الاتهام، كما تنظر في طلبات تسليم المجرمين المقدمة من دول أجنبية، وذلك تطبيقا لنص المواد 313 و495/أ و707 من قانون الإجراءات الجزائية.
2) غرفة الجنح والمخالفات:
تنظر هذه الغرفة في الطعون بالنقض، المرفوعة ضد الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم والمجالس القضائية في مواد الجنح والمخالفات، وذلك طبقا للمادة 495/ب من قانون الإجراءات الجزائية.

ب) غرف المحكمة العليا في المادة المدنية وهي:
1) الغرفة المدنية:
تتولى هذه الغرفة النظر في الطعون بالنقض ، المقدمة ضد الأحكام النهائية الصادرة عن
المحاكم والمجالس القضائية في المواد المدنية، طبقا للمادة231/01 من قانون الإجراءات المدنية القديم، والمادتين 349 و350 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
2) الغرفة العقارية:
أنشئت هذه الغرفة بمقتضى الأمر رقم 96/25 المؤرخ في 12/08/1996 المعدل والمتمم للقانون رقم 89/22 المؤرخ في 12/12/1989 المتعلق بصلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها وتسييرها ، وهي تختص بالفصل في الطعون بالنقض ، المرفوعة ضد الأحكام النهائية الصادرة في المادة العقارية عن المحاكم والمجالس القضائية.
3) غرفة الأحوال الشخصية والمواريث:
تتول غرفة الأحوال الشخصية والمواريث، الفصل في الطعون بالنقض، المقدمة أمامها ضد الأحكام والقرارات النهائية، الصادرة عن المحاكم والمجالس القضائية في مواد الأحوال الشخصية والمواريث.
4) الغرفة التجارية والبحرية:
تختص هذه الغرفة بالفصل في الطعون بالنقض، المرفوعة ضد الأحكام والقرارات النهائية الصادرة عن القسمين: التجاري والبحري بمحاكم الدرجة الأولى، أو عن الغرفتين: التجارية والبحرية بالمجالس القضائية.
5) الغرفة الاجتماعية:
تتولى هذه الغرفة الفصل في الطعون بالنقض المقدمة ضد الأحكام النهائية الصادرة عن المحاكم والمجالس القضائية في المادة العمالية.
6) غرفة العرائض:
تم إنشاء هذه الغرفة بموجب القانون رقم 89/22 المؤرخ في 12/12/1989 ، وتختص بفحص الطعون بالنقض ومدى جديتها وقابليتها للنظر، قبل إحالتها على الغرفة المختصة للحكم فيها، وهي غرفة قد وجدت في بعض النظم القضائية المقارنة، منها أنها أنشئت في مصر سنة 1955، وقد لاقت اعتراضات في الفقه المصري، بدعوى وأن الطعن حينما يعرض عليها ابتداء للنظر في قبوله، ثم يعرض على الغرفة المختصة للفصل في موضوعه، إنما يؤدي إلى إطالة أمد المنازعات، ويتسبب في إهدار الوقت.

ثالثا: تشكيل وسير المحكمة العليا:
يمكن التمييز بين تشكيلة المحكمة العليا، وتشكيلة هيئات الحكم.

أ) تشكيلة المحكمة العليا:
تتشكل المحكمة العليا بالنسبة لقضاة الحكم من الرئيس الأول، ونائب الرئيس الأول وثمانية رؤساء غرف ، وعشرة رؤساء أقسام ، وخمسة وتسعون مستشارا على الأقل، وبالنسبة لقضاة النيابة العامة، فإنها تتشكل من النائب العام والنائب المساعد، و17 محام عام ، إلى جانب أمانة ضبط يتولى مهمتها قاض من قضاة المحاكم ، يساعده في ذلك كتاب ضبط.

ب) تشكيلة هيئات الحكم:
ثمة تشكيلتان يمكن التمييز بينهما:

1) التشكيلة العادية:
لا يمكن لأية غرفة من غرف المحكمة العليا، أو أي قسم من أقسامها، أن ينعقد للنظر الطعون المقدمة أمامها، إلا بثلاثة قضاة على الأقل، وذلك طبقا لنص المادة 18 من القانون رقم 89/22 السالف الذكر، وبخلاف ذلك فإنها تنظر دعاوى مخاصمة القضاة المنصوص عليها بالمادة 218 من قانون الإجراءات المدنية القديم، بتشكيلة تتألف من خمسة قضاة، وتنظر في طلبات الإحالة لدواعي الأمن العمومي بتشكيلة تتألف من رئيس المحكمة العليا رئيسا وبعضوية رؤساء الغرف.
وطبقا لنص المادتين 242 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنها تنعقد بغرفة المشورة للنظر في طلبات الرد المتعلقة بقاض في المجلس القضائي، برئاسة الرئيس الأول للمحكمة العليا، وبمساعدة رئيسي غرفة على الأقل، فيما تنعقد هذه الغرفة وطبقا لنص المادة 244 من نفس القانون، للنظر في طلبات الرد المتعلقة بقاض في المحكمة العليا، برئاسة الرئيس الأول للمحكمة العليا، وبمساعدة رؤساء الغرف فيها، وهي نفس التشكيلة التي تتولى الفصل في طلبات الإحالة لدواعي الأمن العمومي في ضوء مقتضيات نص المادة 248 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

2) التشكيلة الموسعة:
يمكن للمحكمة العليا أن تنعقد بهيئة الغرف الموسعة في حالتين:

*حالة وجود إشكاليات قانونية:
تنعقد المحكمة العليا بهذه التشكيلة الموسعة، للفصل في الطعون بالنقض، التي تثير إشكاليات قانونية من شأن الفصل فيها، أن يؤدي إلى وجود تناقض في الاجتهاد القضائي القائم، وتنعقد هذه التشكيلة في بداية الأمر من تشكيلة مختلطة تتألف من غرفتين، لا تصح مداولات الغرفتان إلا بحضور09 قضاة على الأقل، طبقا للمادة 22 من القانون 89/22،ومن تم فان توقفت الغرفة المختلطة على وجود إشكال من شأن الفصل فيه أن يؤدي إلى تغيير الاجتهاد القضائي، فإنها تحيل ملف الدعوى، للفصل فيه بهيئة غرفها المحكمة العليا مجتمعة، المتألفة من الرئيس الأول للمحكمة العليا، ونائب الرئيس، ورؤساء الغرف، ورؤساء الأقسام، وعميد المستشارين في كل غرفة، طبقا للمادة 24 من القانون 89/22، وفي هذه الحالة فلا تصح مداولاتها إلا بحضور خمسة وعشرون عضوا على الأقل ويؤدي هذا النوع من القرارات إلى تغيير الاجتهاد القضائي لذلك فهي ملزمة لجميع الجهات القضائية، وفقا للمادة 23 من القانون 89/22.

*حالة الفصل في الطعن للمرة الثانية:
قد تكون المحكمة العليا وعلى مستوى أية غرفة من غرفها، مدعوة للفصل في الطعن المقدم أمامها للمرة الثانية، بعدما تكون قد فصلت فيه في مرة أولى سابقة، وفي هذه الحالة فإنها تنعقد بغرفة مختلطة تتألف من ثلاثة غرف، يتم تعيينها من طرف الرئيس الأول للمحكمة العليا، طبقا للمادة 21 من القانون89/22 ، ولا تصح مداولاتها في مثل هذه الحالة، إلا بحضور 15 عضوا على الأقل، وفقا للمادة 22 من نفس القانون، وفي جميع الأحوال فكل تشكيلة من تشكيلات المحكمة العليا، تتخذ قراراتها بموافقة الأغلبية، مع ترجيح رأي الرئيس في حالة تعادل الأصوات، وفقا لمقتضيات المادة 22 من القانون 89/22.

المبحث الثاني
القضــــــــاة

تقتصر دراسة هذا المبحث على تعيين القضاة، والضمانات التي كلفها المشرع لفائدتهم من أجل تمكينهم من أداء واجبهم في مواجهة سلطات الدولة الأخرى والخصوم.

المطلب الأول
تعيــيين القضــــاة.

يمكن التمييز بين مسألتين هما: طريقة التعيين، والشروط الواجب توافرها لذلك.

أولا: طريقـــة التعييــن
يتم اختيار القضاة طبقا لأحكام القانون العضوي رقم 04/11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء عن طريق التعيين، وهي الطريقة المتبعة في منظم التشريعات المعاصرة، ويتم التعيين بمرسوم رئاسي، بناء على اقتراح من وزير العدل، وبعـد مداولة المجلس الأعلى للقضاء .

ثانيا:شروط التوظيـــف
ثمة جملة من الشروط يتطلبها القانون للمشاركة في مسابقة الالتحاق بالوظيفة القضائية، تتعلق بكون المترشح متمتعا بالجنسية الجزائرية، وأن يكون من حاملي شهادة الليسانس في الحقوق والشريعة الإسلامية بعد المعادلة، وأن يكون مستوفيا لباقي الشروط الأخرى ، التي يتطلبها القانون لشغل مختلف المناصب الإدارية ، لاسيما بلوغ المترشح سن 23 سنة على الأقل وأربعين سنة على الأكثر، والإعفاء من التزامات الخدمة الوطنية، وتوفر شروط الكفاءة البدنية لممارسة الوظيفة ، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية والسمعة الطيبة.
غير انه واستثناء من تلك الأحكام، فانه يمكن وطبقا لنص المادة 41 من نفس القانون، تعيين القضاة مباشرة بصفتهم مستشارين بالمحكمة العليا أو مجلس الدولة، بناء اقتراح من وزير العـدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء على ألا تتجاوز هذه النسبة 20 بالمائة من عدد المناصب المالية المتوفرة بالنسبة لحاملي الدكتوراه بدرجة أستاذ التعليم العالي في الحقوق أو الشريعة ، والقانون أو العلوم المالية أو الإقتصادية أو التجارية ، والذين مارسوا على الأقل في الاختصاصات ذات الصلة بالميدان القضائي لمدة 10 سنوات ، وكذلك المحامين المعتمدين لدى المحكمة العليا ، الذين مارسوا فعليا ولنفس المدة على الأقل بهذه الصفة.

المطلب الثاني:
ضمانات القضـــاة.

لقد أحاط المشرع القاضي بجملة من الضمانات القانونية ، تكفل حمايته في مواجهة السلطات الأخرى في الدولة من جهة ، وفي مواجهة المتخاصمين من جهة أخرى، بل ثمة ضمانات
أخرى ترمي إلى حمايته حتى من نفسه

أولا: ضمانات القاضي في مواجهة السلطات العام:
متى كان ثمة أي تدخل من طرف أية سلطة فالقاضي لا يستطيع أداء وظيفته ، لذلك أحيط بجملة من الضمانات في مواجهة سلطات الدولة.

أ) المجلس الاعلى للقضاء:
هو مجلس يرأسه رئيس الجمهورية ووزير العدل كنائب له، إضافة إلى رئيس المحكمة العليا والنائب العام لديها، مع 10 قضاة يتم انتخابهم من زملائهم، اثنان منهم من المحكمة العليا أحدهما في الحكم والآخر في النيابة ، واثنان منهم من مجلس الدولة ، أحدهما في الحكم والثاني في النيابة، واثنان منهم من المجالس القضائية أحدهما في الحكم والثاني في النيابة، واثنان منهم من الجهات القضائية الإدارية، غير مجلس الدولة أحدهما في الحكم ولآخر في النيابة ، و الاثنان المتبقيان من المحاكم العادية ، أحدهما في الحكم والآخر في النيابة مع 6 شخصيات يختارهم رئيس الجمهورية خارج سلك القضاء، ويشارك في أعماله المدير المكلف بتسيير شؤون القضاء .
أما مدة عضويتهم فهي 4 سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يحدد نصفهم كل سنتين وينعقد في دورتين عاديتين في السنة ، مع إمكانية عقد دورة استثنائية بطلب من رئيسه ، ولا تصح مداولات إلا بحضور ثلثي الأعضاء، وتتخذ قراراته بأغلبية الأصوات .
ومن أهم صلاحياته، دراسة ملفات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم،عند الإخلال بواجبات الوظيفة، وعن كل عمل يمس الشرف أو الآداب من جانب القاضي، وتدخل ضمن هذه الأحوال التخلف عن الجلسات، والتأخير عن الفصل في الدعاوى بدون عذر ، وإفشاء سر المداولات ، والتمييز بين المتقاضين ، ومزاولة التجارة ، والقرض من الآخرين ، والتلفظ بالعبارات النابية ، وشراء الحقوق المتنازع فيها ، والداخلة في اختصاص المحكمة التي يباشر عمله فيها ، وهي الأفعال التي تثبت بموجب محاضر ، وتحرر من طرف مفتشي وزارة العدل ، والتي كان يتعين أن تكون هذه المفتشية تابعة للمجلس الأعلى للقضاء وليس للوزارة ، وهو التأديب الذي يمكن أن ينتهي بالعزل.

ب) الحصانة من المحاكمة الجنائية:
على الرغم من أن القاضي يسأل جنائيا متى ارتكب جريمة ، لكنه لا يجوز القبض عليه وحبسه دون الحصول على إذن المجلس الأعلى للقضاء ( م30 ، ق 04/ 11) ، وهي متابعة تتم وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية ، بحيث يتم إخطار النائب العام ، الذي يتولى عرض الملف على غرفة الإتهام ، فان رأت وجها للمتابعة أحالته إلى جهة قضائية ، غير التي يباشر فيها اختصاصاته ، وأن الدعوى التأديبية في هذه الحالة لا تحرك إلا بعد أن يصبح الحكم الجزائي نهائيا .

ثانيا: ضمانات القضاة في مواجهة الخصوم:
لقد تضمن قانون الإجراءات المدنية والادارية، النص على رد القضاة كضمان لهم في مواجهة الخصوم.
حيث أجازت المادة 241 من:(ق.ا.م.ا)، رد القاضي عن نظر الدعوى، إذا كان لزوجه مصلحة شخصية في النزاع أو إذا وجدت له أو لزوجه قرابة أو مصاهرة بأحد الخصوم أو أحد المحامين أو وكلائهم حتى الدرجة الرابعة، أو كان له ولزوجه و أصولهما وفروعهما خصومة مع أحد الخصوم ، أو كان دائنا أو مدينا لأحدهم أو أن قد سبق له وأن أفتى أو أدى شهادة في النزاع أو فصل فيه على مستوى محكمة أول درجة ، أو سبق له وأن كان ممثلا قانونيا لأحدهما في الدعوى أو أحد الخصوم بصدد خدمته أو كان بينه وأحدهم عداوة شديدة، وذلك إما عن طريق تنحيته عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه، وإما بطلب من الخصوم، يتم تقديمه وفقا للأوضاع المنصوص عليها بالمادة 242 247 من :(ق.ا.م.ا).

ويخضع طلب الرد، للأوضاع المقررة لعرائض افتتاح الدعوى،ويجب أن يعرض على القاضي المطلوب رده ، والذي يتعين عليه، أن يقرر كتابة في ظرف يومين موافقته أو رفضه للرد ، وأن يجيب على أسباب الرد .

أما بالنسبة للجهة القضائية المختصة بنظر دعوى الرد، فهي تتحدد باختلاف الجهة القضائية، التي يعمل بها المدعى عليه، فان كان قاض بمحكمة انعقد الإختصاص لغرفة المشورة بالمجلس القضائي خلال مدة 8 أيام، وان كان اعضوا بالمجلس القضائي، فالاختصاص ينعقد للمحكمة العليا، ويتعين أن يحكم على طالب الرد ،الذي يخسر طلبه،بغرامة مدنية لا تجاوز ألف دينار وذلك من دون المساس بحق القاضي المطلوب رده، في إقامة دعوى التعويض.

المبحث الثالث
أعـــوان القضـــــاء

ما يعتبر من أعوان القضاء، في التنظيم القضائي في الجزائر هم: المحامون بالدرجة الأولى ، فالمحضرون القضائيين ، والموثقون والكتبة في الدرجة الثانية ، وسوف نتعرض لذلك ضمن مطلبين .

المطلب الأول
المحامـــــون

يعد المحامون من أهم أعوان القضاء ، إذ أن المحامي هو شخص مثقف ثقاة قانونية ، ينتمي
إلى تنظيم مهني معين، وهو الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين بالجزائر ، وهو يعاون القاضي في أداء رسالته في تطبيق القانون، بما اكتسبه من معرفة قانونية ، تمكنه من عرض الوقائع المدلى بها من الخصوم عرضا منظما مع بيان الأسانيد التي تستند إليها تلك الوقائع .
لذلك وضع القانون شروطا معينة لممارسة مهنة المحاماة ، وحدد الأحوال الوجوبية التي يتعين فيها الإستعانة بمحام، كما وفر الضمانات التي تكفل استقلاله في ممارسة عمله وواجباته المهنية.

أولا: شروط ممارسة مهنة المحاماة
تضمن القانون الخاص 91/01 المؤرخ في 08/01/1991 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ، النـص على هذه الشروط ، في المادة 09 وهي : أن يكون جزائري الجنسية مع مراعاة الإتفاقية القضائية ، وأن لا يقل العمر عن 23 سنة ، وأن يكون حائزا لشهادة الليسانس في الحقوق ، أو في الشريعة الإسلامية عند معادلتها، أو دكتوراه دولة في الحقوق ، وأن يكون حائزا لشهادة الكفاءة المهنية المحاماة طبقا للمادة 10 من هذا القانون ، ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ،وغير مسبوق الحكم عليه بعقوبة مخلة بالشرف،وأن لا يكون قد سلك سلوكا معاديا لثورة أول نوفمبر 54، ويتمتع بصحة تسمح له بممارسة المهنة ، وأن يكون ذا سلوك حسن ، وهي الشروط التي أكدتها المادة 04 من النظام الداخلي للمهنة، الصادر بموجب القرار المؤرخ في 4/9/1995.
هذا ويقيد المحامي في جدول المحامين ، تحت التمرين ولفترة 9 أشهر ، وبعد انقضائها ينهي تمرينه ويقيد في الجدول بصفته محميا ، لدى المحاكم والمجالس القضائية ، وبعد انقضاء 10 سنوات أمام تلك الجهات ، يقيد في جدول المحامين المعتمدين أمام المحكمة العليا،وذلك بموجب قرار اعتماد يصدر عن وزير العدل بناء على طلب المعني وبمعية منظمة المحامين .

ثانيا: أحوال الإستعانة بمحام:
تعد مسألة الاستعانة بمحام في الأصل جوازيه، إلا أن القانون نص على وجوبيتها في أحوال

أ) بالنسبة للتداعي أمام جهات الاستئناف والمحكمة العليا:
أوجبت المادتان 10 و558 من (ق.ا.م.ا) على أن المرافعات أمام كل من جهات الاستئناف والمحكمة العليا، لاتكون مقبولة إلا عن طريق محام بالنسبة للمجالس القضائية، وأن يكون معتمدا لدى المحكمة العليا، وبذلك فان جميع صحف الدعوى، ومختلف المذكرات وحوافظ المستندات ، وطلبات التأسيس والتأجيل و الإنسحاب أو أي طلب آخر مهما كان نوعه ، لا يكون مقبولا، إلا إذا كان كتابيا وموقعا من قبل المحامي، كما أن الحضور أو المرافعة ، لا تتم من الخصوم أنفسهم ، بل من هؤلاء المحامين، وذلك خلافا لإجراءات التداعي أمام المحاكم ، التي تكون الإستعانة فيها بمحام جوازية ، ومع ذلك فثمة أحوال تكون فيها هذه الإستعانة وجوبية حتى أمام هذه الجهات.

ب) حالات الاستعانة بمحام أمام المحاكم:
تنحصر هذه الحالات في قضايا الأحداث الجانحين سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة ،
ونفس الأحكام تسري على القضايا المدنية الخاصة بهؤلاء بجميع فروعها ، وكذلك الحال بالنسبة
لفاقدي الأهلية وناقصيها ، لأن صغر السن ونقص وفقد الأهلية ، يتصل اتصالا مباشرا بمسألة الحالة والأهلية ، عند انعدام ولي أو وصي أو قيم يتولى شؤونهم ، وكذلك الأمر بالنسبة للمتهم المصاب بعاهة من شأنها التأثير على دفاعه عند صدور عقوبة بإبعاده ، وللمتمسك بمساعدته من طرف محام أمام جهات الحكم والتحقيق في قضايا الجنح ، ونفس الأمر بالنسبة لأرامل الشهداء ومعطوبي الحرب، ولكل مدع في قضايا النفقة ،وللأم في قضايا الحضانة وللعامل في مادة حوادث العمل والأمراض المهنية أو لذوي حقوقهم، ويتم تعيين المحامي للدفاع عن هؤلاء، بموجب أمر من القاضي المعني، أو من مكتب المساعدة القضائية، بمعية ممثل منظمة المحامين تطبيقا لنص المادة77من قانون المهنة وأحكام المواد 25 الى28 من الأمر رقم 71/57 المعدل والمتمم والمتعلق بالمساعدة القضائية.

ثالثا: ضمانــات المحامــــي
للمحامي ضمانات في مواجهة السلطة العامة ، وفي مواجهة موكله، وكذلك أيضا في مواجهة نفسه ، نوجزها فيما يلي:

أ) ضمانات المحامي في مواجهة السلطة والمحكمة :
يتمتع المحامي بالإستقلال التام في مواجهة أية سلطة من سلطات الدولة، حيث يتمكن من القيام بعمله لفائدة موكليه ، وضمان حقوق الدفاع عنهم كاملة ، لذلك كفل القانون له جملة من الضمانات أهمها:
1) الإعفاء من المسؤولية:
يعفى من المسؤولية الجنائية ، مما يمكن أن ينسب إليه من جرائم السب والشتم والقذف، بسبب العبارات التي ترد في مرافعاته الكتابية والشـفوية ، متى اقتضى حق الـدفاع ذلك .
2) الحصانة من القبض والحبس في الحال:
إذا وقع إخلال من طرفه بنظام الجلسة، فلا يجوز القبض عليه في الحال أو حبسه احتياطيا، بل يتعين على القاضي، أن يحرر تقريرا يشعر فيه ، وزير العدل ليتولى هذا الأخير، إخطار اللجنة المختلطة للطعون ، وفي انتظار صدور قرارها يهتم نقيب المحامين بمصالح الأطراف ، ويتعين على المحامي إعلان انسحابه من القضية ، وبالنسبة لأي تقصير آخر، يحال المحامي أمام مجلس التأديب المختص إقليميا، للنظر فيما نسب إليه.
3) عدم جواز التحقيق إلا بمعرفة المنظمة:
عدم جواز التحقيق مع محام ، إلا بمعرفة مجلس منظمة المحامين ، ممثلا في النقيب ، أو بمن ينوبه عنه لحضور التحقيق إذا كانت التهمة خاصة بعمل المحامي .
4) عدم جواز تفتيش المكتب:
عدم جواز تفتيش مكتب المحامي ، إلا بعد إخطار النقيب وحضوره أو حضور م ينوب عنه
5) ضمان الاحترام:
على المحاكم والخصوم احترام المحامي، وعدم إهانته ،وان تم ذلك يتعرض الفاعل للعقوبات المنصوص عليها بالمادة 144 من قانون العقوبات .

ب) ضمانات المحامي في مواجهة موكله:
تخضع للأحكام العامـة للنيابـة في التعاقد المنصوص عليها بالمادة 571 من القانون المدـني، وبالمادة 04 من القانـون 91/04 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ،ومع ذلك فالمحامي يتمتع في علاقته مع موكله بشيء من الإستقلالية من عدة أوجه:
1) حرية قبول ورفض التوكيل:
للمحامي مطلق الحرية في قبول أو رفض الوكالة في الدعوى ، وذلك وفقا لإقتناعه ، كما له الحق في إنهائها على أن لا يكون ذلك في وقت غير لائق ، وأن يبلغ موكله والجهة القضائية المعروضة عليها الدعوى بذلك الإنسحاب .
2) عدم الخضوع لرقابة الموكل:
أن المحامي وفي الحدود التي يباشر فيها مهمته الفنية ، كتقديم المشورة القانونية والمرافعات الشفوية والكتابية ، فانه لا يخضع لرقابة موكله ، بل أنه يعمل بصفة مستقلة عنه ، اعتمادا على خبرته القانونية وأصول المهنة .
3) الحق في الأتعاب:
للمحامي الحق في الحصول على أتعاب عمله ضمن نطاق مهنته ، وذلك بصرف النظر عن النتيجة التي انتهت إليها المهمة الموكولة إليه ، وأن عزله قبل انتهائها لا يحول دون تحصيلها.

ج) ضمانات المحامي تجاه نفسه:
حرص المشرع على حماية المحامي حتى تجاه نفسه ، فقد تكون له مصلحة شخصية في الدعوى، وهو أمر يتعارض واستقلاليته، لذلك يخطر عليه التعامل في الحقوق المتنازع فيها طبقا للمادة 403 من القانون المدني، والمادة 82 من قانون مهنة المحاماة، كما لا يجوز له أن يترافع في الخصومات التي تكون إحدى المؤسسات التي اشتغل بها طرفا فيها ، وذلك لمدة سنتين من انتهاء عمله بها (م 88 من القانون 91/04)، ويخطر عليه تقديم أية استشارة ، أو مساعدة قانونية لخصم موكله في النزاع ذاته أو أي نزاع مرتبط به، وذلك حتى لا يخضع بين مصالح متعارضة .

رابعا: نظـــام التأديـــب.
من أجل المحافظة على أخلاقيات مهنة المحاماة ، وسمو مكانتها الإجتماعية ، وضع المشرع نظاما جزائيا خاصا بتأديب المحامين ، وذلك من أجل تجنيبه المساءلة التأديبية في غير موضعها ، فيشكل ضغطا وتهديدا مستمرا له ، مما يحول دون أدائه لمهمته ، لذلك فان أخل المحامي بواجباته التي يفرضها القانون 91/04 ، فانه يتعين مساءلته من طرف منظمة المحامين بحيث يقوم النقيب بتشكيل ملف تأديبي ، يتم من خلاله سماعه حول المخالفات المرتكبة ، وأن ثبت أنها تصلح لإقامة الدعوى التأديبية ، فانه يحيل ملفه على مجلس التأديب المشكل من 7 أعضاء وتحت رئاسة النقيب ، الذي ينظر في الدعوى التأديبية ، وذلك بعد سماعه لأوجه دفاع المعني شخصيا ، أو ممن ينوبه للدفاع عنه ، وجلسات الدعوى سرية ، ونفس الأمر بالنسبة للقرار الصادر إما البراءة ، و إما بإحدى العقوبات التي تتراوح بين الإنذار إلى غاية الشطب من الجدول ، وقرارات مجلس التأديب تكون قابلة للطعن بالإلغاء أمام مجلس الدولة الذي يفصل في الطعن ابتدائيا ونهائيا، وهو الطعن الذي يجب أن يكون مسبوقا بطعن تدرجي إلي مجلس الإتحاد الوطني لمنظمات المحامين بالجزائر .

المطلب الثاني:
الكتبة والمحضرون والخبراء والموثقون

تعتبر الكتبة والمحضرون والخبراء من أعوان القضاء ، حيث أن يعضهم موظفين عموميين ، فيما أن البعض الآخر منهم قائمين بوظيفة عمومية .

أولا: الكتبــــــــة:
لكل جهة قضائية ( محام ، مجالس ، المحكمة العليا ، محاكم إدارية ، مجلس الدولة ، محكمة التنازع ) عدة كتبة يشكلون قلم الكتاب ، وهو عبارة عن موظفين عموميين يعاونون القضاة في أداء مهمتهم إلى جانب قيامهم بتمثيل المحكمة في اتصالها بالمتقاضين ، فالكاتب يحضر مع القاضي في الجلسات ، وفي جميع الإجراءات التي يقوم بها هذا الأخير ، فيتولى تحرير محضر بشأنها ، يوقع منه ومن القاضي ،كما يقوم كذلك بتوقيع النسخ الأصلية للأحكام ، وذلك فضلا عن كونهم هم الذين يتلقون صحف الدعاوى ، وتحصيل رسومها وقيدها ، وتسليم صور الأحكام والأوامر وغيرها ، وبذلك فهم لا يملكون أية ولاية قضائية ، بما يعني أنه وفي حالة ما إذا قدمت لأحدهم صحيفة دعوى باطلة ، أو أن رافعها أقدم على ذلك خارج المواعيد القانونية ، فلا حق له في رفضها ، ومع ذلك فله حق عد استلامها إن لم يدفع الرسم القضائي .

ثانيا: المحضــــــرون
تنحصر مهمة المحضرين القضائيين ، حسب القانون رقم 91/03 المؤرخ في 08/01/1991، المتضمن تنظيم مهنة المحضر ، في القيام بإجراءات تبليغ المحررات والإعلانات والإشعارات التي تنص عليها النصوص التنظيمية، وتنفيذ الأحكام القضائية ومختلف السندات الرسمية القابلة للتنفيذ، وبذلك فهو ليس موظفا عموميا مثل الكتبة، بل يعد ضابطا عموميا ، يحتكر إعلان الأوراق القضائية وإجراءات التنفيذ الجبري ، وذلك تحت مراقبة النيابة العامة .

كما يتولى تحصيل كل الديون المستحقة بالطرق الودية أو القضائيـة ، ويقوم بالتقويم والبيع العمومي للمنقولات والأموال المادية،كما يمكن انتدابه بناء على طلب الخصوم في أي نزاع قضائي ليقوم بالمعاينات والإنذارات الخالية من الرأي ، وغير المطلوب الرد عليها ، في ضوء مقتضيات أحكام المادة 05 من القانون 91/03 المذكور أعلاه .
والى جانب ذلك فقد أجاز نص المادة 06 من نفس القانون، استدعاءه للقيام ببعض الخدمات لدى المجالس القضائية ، فيحضر الجلسات الرسمية والعلنية ، ويقوم بعرض القضايا ويضمن الحفاظ على النظام تحت سلطة الرئيس ، كما يتولى حفظ أصول العقود التي حررها ، ويقوم بنشرها وفقا للقوانين والتنظيمات المعمول بها ، وذلك على مستوى الدائرة القضائية التي يقيم بها ،وذلك كله بعد أدائه لليمين القانونية المنصوص عليها بنص المادة العاشرة من نفس القانون .
أما بالنسبة للشروط، التي يتطلبها القانون لممارسة مهنة المحضر القضائي ، فلا تختلف عن غـيرها من المهن ذات العلاقة ، إذ يجب أن يكون المحضر القضائي جزائري الجنسية ، وبالغ من العمر 25 سنة على الأقل ، وأن يكون حاملا لشهادة الليسانس في الحقوق ، أو في الشريعة الإسلامية ، أو شهادة معادلة لها، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ، وذلك إلى جانب باقي الشروط الأخرى التي يتطلبها القانون لإسناد مختلف الوظائف الإدارية في الدولة .

ثالثا: الخــــــــبراء
الخبير هو شخص يتمتع بثقافة عملية في تخصيص من التخصصات ، لذلك تستعين به المحكمة في المسائل العلمية والفنية المندرجة ضمن تخصصه ، والتي يستلزمها الفصل في الدعاوى ، وبذلك فهو إما أن يكون مقيدا بجدول الخبراء المعتمدين لدى وزارة العدل ، أو غير مقيد ، وفي هذه الحالة فان تم تعيينه لإنجاز خبرة ، يجب عليه أن يؤدي اليمين القانونية قبل قيامه بذلك ، تطبيقا لنص المادة 131 من قانون الإجراءات المدنية والادارية.
ومع ذلك فالخبير، إما أن يكون موظفا تابعا لإحدى الوزارات، كما هو الشأن بالنسبة للخبراء العاملين في المخابر العلمية للشرطة، والتابعة لوزارة الداخلية، والخبراء العاملين في مصالح الطب الشرعي والتابعة لوزارة الصحة، والخبراء العاملين في المخابر الكيميائية لمصالح المنافسة ، والأسعار والجودة وقمع الغش ، والتابعة لوزارة المالية، وإما أن يكون الخبير من أصحاب المهن الحرة مقيدا بجدول الخبراء المعتمدين لدى المحاكم والمجالس القضائية، ضمن تخصص معين، شأن الخبراء الفلاحيين والطوبوغرافيين والعقاريين والمعماريين والمحاسبين وغيرهم، والذي قد تلجأ أية جهة قضائية إلى الإستعانة بخبرتهم سواء من تلقاء نفسها أو بطلب من الخصوم، وذلك في ضوء المهام الموكولة إليهم من طرفها، بناء على مقتضيات المادة 125 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والادارية، ويعد المترجمون في حكم الخبراء.

رابعا: الموثقـــــــون
يعتبر الموثق حسب القانون رقم 88/27 المؤرخ في 12 يوليو 1988 المتضمن تنظيم التوثيق ضابطا عموميا يتولى تحرير العقود التي يحدد القانون صيغتها الرسمية ، وكذلك العقود التي يود الأطراف إعطاءها هذه الصيغة ، وذلك إلى جانب قيامه باستلام أصول جميع العقود والوثائق للإيداع ،التي حدد لها القانون هذه الصيغة ،أو التي يود حائزها ضمان حفظها ،وهي المهنة التي يمارسها مثل المحضر القضائي باسمه ولحسابه الخاص .
وتأسيسا على ذلك فقد اشترط القانون لممارسة هذه المهنة ، شروطا لا تكاد تختلف عن شروط المحضر القضائي، إذ يجب أن يكون متمتعا بالجنسية الجزائرية ، ويبلغ من العمر 25 سنة على الأقل ، وأن يكون حاملا لشهادة جامعية في الحقوق ، أو في الشريعة الإسلامية أو أية شهادة معادلة
كما يتولى الموثق تسجيل و إيداع وشهر العقود ، لدى الجهات الإدارية المختصة ، وتعد نتيجة ذلك كل معاملة أخضعها القانون للرسمية باطلة ،إذ لم يكن السند المتعلق بها محرر من طرف الموثق ،بما يعني احتكاره لها .
ويحظر على الموثق ، تحرير أو استلام العقد الذي يكون هو طرفا فيه ، أو ممثلا ، أو مرخصا أو وكيلا ، أو متصرفا ، لأحد أطرافه بأية صفة كانت ، أو العقد الذي يتضمن أية تدابير لفائدته ، أو العقد الذي يكون أحد أقاربه أو أصهاره ، على عمود النسب إلى غاية الدرجة الرابعة طرفا فيه ، كما لا يجوز لهؤلاء أن يكونوا شهودا في أي عقد يقوم باستلامه أو تحريره ، كما يحظر عليه القيام بأي عمل تجاري، أو مصرفي، أو تدخل في إدارة شركة أو القيام بالمضاربة لإكتساب و إعادة بيع العقار ، وغيرها من الحقوق ذات الصلة.

الفصل الثالث:
الاختصاص النوعي لجهات القضاء العادي

تثير دراسة قواعد الاختصاص النوعي، جملة من المسائل تتعلق بالتعريف به وبيان مبرراته واستثناءاته، وبالاختصاص الذي يتحدد بقيمة الدعوى، أو بنوعها بالنسبة لجهات القضاء العادي.

المبحث الأول:
التعريف بالاختصاص ومبرراته واستثناءاته

استند المشرع في توزيع المحاكم إلى اعتبارين:
الاعتبار الأول: يقوم على مراعاة طبيعة المنازعات، وبمقتضاه قسم المشرع السلطة القضائية إلى جهتين قضائيتين: القضاء العادي، والقضاء الإداري، وأخص الأولى بالفصل في المنازعات المدنية والجزائية الخاضعة للقانون الخاص، فيما أخص الثانية بالنظر في المنازعات الإدارية.
الاعتبار الثاني: ويقوم على مراعاة مصالح الخصوم، وبموجبه قام المشرع بإنشاء مجموعة من المحاكم من فئة واحدة، موزعة بين مختلف مناطق الوطن، فتكون قريبة من محل إقامة الخصوم، وبذلك يسهل عليهم اللجوء إليها، لفض المنازعات الناشئة فيما بينهم، سواء كانت خاضعة للقانون الخاص، أو خاضعة للقانون الإداري.
لذلك كان لزاما على المشرع أن يضع قواعد قانونية، تعنى بتقسيم الاختصاص النوعي مابين تلك المحاكم، والتي يمكن من خلالها معرفة المحكمة المختصة نوعيا بنظر المنازعة القائمة، وهي مسألة من شأنها إثارة بعض التساؤل، حول ماذا كان حل جميع المنازعات يخضع لتلك الجهات القضائية، أم أن ثمة ما يخرج عن ولايتها.
إن الإجابة على هذا التساؤل، تقتضي التعريف بالاختصاص وإبراز مبرراته، ومن تم تحديد طبيعة المسائل التي يمكن أن تخرج عن ولاية مختلف الجهات القضائية، سواء كانت عادية أو إدارية.

المطلب الأول:
التعريف بالاختصاص ومبرراته

أولا: مبررات قواعد الاختصاص:
يكمن عدم تركيز السلطة القضائية في جهة قضائية واحدة ، وتوزيعها على عـدة جهات قضائية، تختص كل منها بجزء محدد من ولاية القضاء، تستقل به عن غيرها من الجهات القضائية الأخرى، في جملة من المبررات قد تكمن إما في الدين بالنظر لموضوع المنازعة، وإما لوجود الدولة كطرف فيها بالنظر لأطراف الدعوى، واما لوجود صلحة عامة ، وما لاتساع رقعة إقليم الدولة.

أ) مبررالدين:
يشكل مبررا لترك الحكم في منازعات الأحوال الشخصية لجهة قضائية معينة، لها ذاتيتها إزاء الجهات القضائية التي تنظر في المنازعات الأخرى، لاختلاف أو اتحاد ديانة مواطني الدولة، ومن تم اختلاف القانون – الذي يستمد من الدين- الذي تخضع له تلك المنازعات، ذلك أن القوانين المنظمة للحق في الزواج مثلا، وعلى حد ما ذهبت إليه المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، عادة ما تضع قواعد قانونية شكلية، تتعلق بإعلانه و تحديد أشكال الاحتفال به وفك روابطه، مع ما يترتب عنه من حقوق والتزامات، تكون في الأصل مستمدة من أسس دينية، تحت طائلة عدم الاعتراف به، وأن الفصل في مثل هذه القضايا، يتطلب معارف معينة قد لا تتوفر لدى جميع القضاة.

ب) مبرر وجود الدولة كطرف:
وقد يشكل وجود الدولة أو إحدى هيئاتها طرفا في الدعوى، مبررا لإخضاع تلك المنازعة للقضاء الإداري المستقل عن القضاء العادي، إما لتمتعها بامتياز في مواجهة الأفراد، وإما لكون الفصل في هذا النوع من المنازعات يستلزم إجراءات خاصة، تختلف عن الإجراءات المتبعة أمام القضاء العادي، مما يتطلب خبرة وثقافة قانونية خاصة، قد لا تكون متوفرة لدى جميع القضاة.

ج) مبررات المصلحـة العامـة
قد يكمن مبرر قواعد الاختصاص، في المصلحة العامة من تعدد درجات التقاضي في حد ذاتها، والتي تستند في الأساس إلى أن القاضي الفاصل في النزاع على مستوى محكمة الدرجة الأولى قد يقع في الخطأ، إما لعدم إحاطته بالوقائع، و إما لعدم توفيقه في الأخذ بالنص القانوني الواجب التطبيق، وهي المصلحة التي بررت وجود المجالس القضائية، بوصفها درجة ثانية من درجات التقاضي، خولها القانون صلاحية النظر في الدعوى من جديد، وقيامها بإلغاء أو تعديل أو تأييد حكم الدرجة الأولى، فيكون حكمها عنوانا للحقيقة، على اعتبار وأنه جاء تتويجا للمشورة التي تمت بين أعضائه ، وهي المشورة التي لا تتم إلا بتعدد القضاة.
غير أن هذا التعدد وان كان يبدو حتميا على مستوى المجالس القضائية، بوصفها درجة ثانية للتقاضي، فتعميمه على مستوى محاكم الدرجة الأولى، قد يكلف الدولة موارد طائلة، لذلك تقرر اقتصار تعميمه بالنسبة لهذه الجهات، على نوعية وأهمية المنازعات المخولة بنظرها كمحاكم الأقطاب المتخصصة، فيما تتشكل هيئات الحكم بالنسبة لباقي الأقسام الأخرى من قاض فرد متخصص وبمساعدة معاونين في بعض الأقسام الأخرى، فيما يتعلق بالقضايا ذات الأهمية البسيطة التي لا يستوجب الفصل فيها وجود تلك المشورة.

دـ) مبررات اتساع رقعة إقليم الدولة:
لعل اتساع رقعة الإقليم، وضرورة تقريب القضاء من المتقاضين في حد ذاتها، قد استوجبت تعدد المحاكم والمجالس القضائية، ومن صنف واحد من أصناف الجهات القضائية، فثمة على مستوى القضاء العادي، عدة محاكم تتشكل من قاض فرد، شأن المحاكم الفاصلة في المواد المدنية، أو عدة محاكم تتشكل إما من قاض فرد مع مساعدين اثنين فأكثر، كالمحاكم التجارية والعمالية، وإما من عدة قضاة محترفين، كمحاكم الأقطاب المتخصصة، وهو وضع نجده على مستوى محاكم الدرجة
الأولى، وعلى مستوى المجالس القضائية.
إن هذا التعدد قد يؤدي إلى اختلاف الحلول بالنسبة للقضايا المتشابهة، وهو أمر يؤدي إلى زعزعة الثقة في القضاء وعدله، لذلك دعت الضرورة إلى إنشاء محكمة عليا واحدة ، تتكفل بمراقبة تطبيق القانون وتفسيره ، والعمل على توحيد الحلول لجميع المخاصمات المتشابهة، على مستوى جهات القضاء العادي.
وأمام تلك المبررات لتعدد الجهات القضائية، كان لزاما على المشرع أن يعتني بوضع المعايير، التي على ضوئها يتحدد ما لكل جهة من تلك الجهات القضائية، من قسط من الولاية القضائية في الدولة.

ثانيا: التعريف بالاختصاص وأنواعه.
ينبغي التعرض بداية إلى التعريف بالاختصاص، فالإشارة إلى أنواعه.

أ) التعريف بالاختصاص:
يمكن التمييز بين التشريع والفقه:

1) بالنسبة للتشريع:
لم يضع لا قانون الإجراءات المدنية، ولا قانون الإجراءات المدنية والإدارية أي تعريف للاختصاص، وكذلك باقي التشريعات المقارنة التي لم تعن بدورها بتعريفه، ويبقى الفقه هو المرجع في تعريفه، حيث نجد به جملة من الآراء، قد استندت في مجملها في تعريف الاختصاص، من حيث النظر إلى الولاية أو الصلاحية أو السلطة الممنوحة لكل جهة من الجهات القضائية، للفصل في المنازعات المعروضة على القضاء.

2) بالنسبة للفقه:
انقسم الفقه في تعريف الاختصاص الى عدة اتجاهات:
الأول: ذهب إلى القول بأن:(الاختصاص لغة يعني التفضيل والانفراد، وفي الاصطلاح القانوني يقصد به الولاية أو السلطة أو الصلاحية التي منحها المشرع للقضاء للفصل في المنازعات بين الأفراد) ، وهو رأي قد استند في هذا التعريف إلى قانون أصـول المحاكمات المدنية الأردني، وبحسبه فمصطلح الاختصاص يعد مرادفا لمصطلح الصلاحية في هذا التشريع، بالنظر إلى تشكيل محاكم الصلح، وأن قواعد الاختصاص الواردة به، ما هي إلا عبارة عن قواعد إجرائية، تحدد المنازعات التي تدخل في ولاية كل محكمة من المحاكم، وبذلك ففكـرة الاختصاص لا يتصور وجودها إلا مع تعدد المحاكم داخل الدولة الواحدة.
الثاني: ذهب رأي آخر إلى تعريفه بالقول على أنه يقصد بالاختصاص:(مقدار ما لجهة قضائية أو محكمة من سلطة أو صلاحية الفصل في المنازعات) ، وقد استند هذا التعريف إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، حيث إصلاح الاختصاص بهذا القانون يطلق على سلطة المحاكم على اختلاف درجاتها، وبذلك فهو يعبر عن النطاق المندرج ضمن ولاية كل جهة من تلك الجهات القضائية، الذي تملك أن تباشر في حدوده تلك الولاية، وفي نفس الوقت فانه يعبر عن حد ولاية الجهات القضائية الأخرى.
الثالث: ذهب الى تعريف الاختصاص بأنه :(سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة) وعلى هذا الأساس فاختصاص محكمة ما، يعني نصيبها من المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها، دون غيرها من الجهات القضائية الأخرى.
الرابع: ذهب الى تعريف الاختصاص بأنه :(سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة) ويقترب منه تعريف آخر يرى بأن الاختصاص يعني:(صلاحية التحقيق بمقتضى القانون في خصومة معينة)

3) تقدير هذه التعاريف:
يلاحظ من خلال تلك التعاريف، وأنها لم تفرق بين عبارتي الاختصاص والولاية، مع أنهما عبارتان لاتؤديان معنى واحدا، ذلك أن جميع الجهات القضائية في الدولة لها ولاية القضاء، وهي الولاية التي تتوزع فيما بينها، أما الاختصاص فيتعلق بتحديد المنازعات التي تباشر المحكمة وظيفة القضاء بشأنها، من بين القضايا المندرجة ضمن ولاية جهة القضاء التابعة لها، لذلك فولاية القضاء تعرف بأنها:(نصيب كل جهة قضائية من ولاية القضاء)، فيما يعرف الاختصاص بأنه:(نصيب المحكمة من المنازعات التي تباشر وظيفة القضاء بشأنها من بين المنازعات الداخلة في ولاية جهة القضاء التابعة لها للفصل فيها)، وبذلك فالاختصاص ما هو إلا عبارة عن حد لولاية المحكمة القضائية، بسبب وجود محاكم أخرى تابعة لنفس جهة القضاء التي تتبعها، وهو على هذا الأساس يكون أنواعا.

ب) أنـواع الاختـصاص:

قد يكون الاختصاص متعلقا، بتحديد قسط من ولاية القضاء الممنوحة لنظام قضائي معين،كولاية القضاء العادي، وبحسبه يتم تحديد المنازعات التي تخرج عن ولايته، وهذا النوع من الاختصاص يسمى بالاختصاص الوظيفي.
وخلافا لذلك فقد يكون الاختصاص متعلقا، بتحديد قسط من ولاية القضاء الممنوح لكل محكمة، حسب نوع الدعوى داخل نفس النظام القضائي، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة للاختصاص الممنوح لمحاكم القضاء العادي، وفيما إذا كان الفصل فيها يكون ابتدائيا أو ابتدائيا وانتهائيا، وكذلك الاختصاص الممنوح للمجالس القضائية، وفيما إذا كان انتهائيا أو ابتدائيا وانتهائيا، وهو اختصاص يسمى بالاختصاص النوعي.

وإذا تحدد ذلك القسط من الولاية في هذه الحالة، حسب القيمة المالية للدعوى، تمت تسميته بالاختصاص القيمي، كشأن المنازعات التي تختص المحاكم بالفصل فيها ابتدائيا ونهائيا.

وقد يكون الاختصاص متعلقا بولاية جهات القضاء الجزائري بنظر المنازعات، المندرجة ضمن نطاق العلاقات الخاصة الدولية، أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الخاص،
المشتملة على عنصر أجنبي، سواء تعلق الأمر بأطراف تلك العلاقة أو بمحلها، تمت تسمية هذا الاختصاص بالاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية.
وتتعلق قواعد هذا النوع من الاختصاص، بتحديد ما إذا كانت المحاكـم الجزائرية مختصة، أم غير مختصة بنظر النزاع ، الذي يدخل في نطاق العلاقات الخاصة الدولية ، أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الـخاص ، المشتملة على عنصر أجنبي، سواء تعلق الأمر بأطراف تلك العلاقة أو بمحلها ، كما لو كان المدعي أو المدعى عليه طرفا أجنبيا، وهي مسائل يعني بدراستها القانون الدولي الخاص، ومن ذلك أن نص المادة 10 من القانون المدني قد تضمنت النص على أن الأشخاص الاعتبارية الأجنبية التي تمارس نشاطها في الجزائر، فإنها تخضع للقانون الجزائري ، وبالنتيجة للمحاكم الجزائرية .
ومتى كنا داخل الصنف الواحد من المحاكم، وأردنا توزيع الاختصاص، على كل منها على حدة ، حسب الدائرة الجغرافية ، تمت تسميته بالاختصاص الإقليمي.
ومع ذلك وبالنظر الى النصوص القانونية الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ومختلف النصوص الخاصة الأخرى ذات الصلة، فالمشرع قد تضمن النص على نوعين من الاختصاص هما: الاختصاص النوعي والاختصاص الإقليمي، لذلك سنؤجل البحث في الاختصاص الإقليمي إلى الفصل الثاني، على أن نتولى بحث الاختصاص النوعي في هذا الفصل، بعد معالجة بعض المسائل ، التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهات القضائية، وهي الأنواع التي نتولى دراستها.

المطلب الثاني
المسائل التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهات القضائية

إذا كانت المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نصت على أن المحكمة هي الجهة القضائية ذات الاختصاص العام، فهي على هذا الأساس تتولى الفصل في جميع المنازعات إلا ما تم استثناؤه بنص خاص.
وظاهر من هذا النص أنه يقرر وبكل وضوح، بأن المحكمة هي جهة من جهات القضاء العادي، وهي الجهة القضائية ذات الاختصاص العام والشامل للفصل في جميع المنازعات، إلا ما تم التصريح بخروجه من دائرة اختصاصها بنص خاص.
وبحكم تلك النصوص الخاصة، فثمة مسائل تخرج عن ولاية جهات القضاء العادي، وجهات القضاء الإداري على حد سواء، لا تختص بالفصل فيها، بل أن الاختصاص قد ينعقد بشأنها إلى هيئات دستورية أو لجان إدارية، وقد لا ينعقد لأية هيئة في الدولة أصلا، لا قضائية ولا دستورية ولا إدارية، فيما أن بعضها الآخر يخرج من ولاية القضاء العادي، ويندرج ضمن اختصاص جهة القضاء الإداري، وفقا لنص المادة 800 وما بعدها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والتي هي بدورها يخرج عن دائرة اختصاصها، ما يندرج ضمن ولاية جهات القضاء العادي، وهي الاستثناءات التي يعبر عنها بانتفاء الولاية، أو انعــدام الاختصاص، وتتعلق أساسا بجميع المنازعات المتعلقة بأعمال السيادة، وبحالات الحصانة القضائية المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي العام، وبمختلف المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين.

أولا: أعمــال السيــادة
على الرغم من أن قانون الإجراءات المدنية، لم يتضمن النص على استثناء أي نزاع من ولاية القضاء ، فمما لاشك فيه بأن أعمال السيادة تخرج عن دائرة اختصاصه، بحيث لا يكون له حق النظر في هذا النوع من المنازعات ، لذلك يكون من الأهميـة بمكان ، تحديـد الأعمال التي يمكن وصفها بأعمال سيادة، وسلطة المحاكم في تكييف الأعمال المثارة بشأنها.

أ) تحديد أعمال السيادة
إذا ما أردنا اعتماد النصوص التشريعية كمرجع لتحديد هذه الأعمال، فإننا نجدها لم تقدم لنا أي تعريف دقيق لها، ولم تقم بحصرها، لذلك لامناص من اتخاذ الفقه والقضاء كمرجعين للوقوف على ماهيتها، وبحسبها فقد تم تعريفها بالقول على أنها:(تلك الأعمال التي تباشرها الحكومة، بمقتضى سلطتها العليا، وتتصل بسلامة الدولة الداخلية والخارجية،أو التي تحكم روابط ذات صبغة سياسية ظاهرة) ، وعلى هذا الأساس فقد بات من المتفق عليه، على أن أعمال السيادة، تنصرف لتشمل كل الأعمال المتعلقة بتنظيم علاقات الدولة، مع أشخاص القانون الدولي العام ،كما هو الشأن بالنسبة لإبرام المعاهدات الدولية، وإنشاء العلاقات الدبلوماسية، أو قطعها، وذلك إلى جانب قرارات إعلان الحرب، أو إنهائها، وضم الأراضي، أو التنازل عنها، أو إبرام أي صلح بالنسبة لتدابير الأمن الداخلي والخارجي، وفي حالة الظروف الاستثنائية، والتي يكون للدولة بموجبها تنظيم القوات المسلحة، وإعلان حالة الطوارئ، ويضاف إلى ذلك كل الأعمال المتصلة بتنظيم العلاقات بين سلطات الدولة المختلفة، حال دعوة مجلس الوزراء ، أو المجلس النيابي للانعقاد، أوحلهما، أو الإعلان عن انتهاء دورة المجلس النيابي، أو تأجيلها، وغير ذلك من الأعمال المماثل.

ب) سلطة المحاكم في تكييف أعمال السيادة
على الرغم من خروج أعمال السيادة من ولاية مختلف الجهات القضائية، فان ذلك لا ينال من سلطتها في تكييف الأعمال المثارة أمامها، فيما إذا كانت ذات طبيعة سيادية أو غير كذلك، من أجل توصلها إلى التصريح باختصاصها أو بعدم اختصاصها نظر النزاع، وحتى يتقرر لها ذلك ، يكفي تمسك الحكومة ، بأن العمل المعروض على الجهة القضائية المعنية هو عمل سيادي ، لتقوم هذه الجهة القضائية وعلى ضوء عناصر النزاع ، استنادا للمعايير الفقهية والقضائية تكييف ذلك العمل، فيما إذا كان بالفعل من الأعمال السيادية أم لا، وبالنتيجة فمتى صح الإدعاء، تعين على الجهة القضائية الامتناع عن الفصل في النزاع ، سواء تعلق الأمر بالإلغاء أو إيقاف التنفيذ مؤقتا أو بالتعويض ، بل عليها أن تصرح بعدم الاختصاص.

ثانيا: حالات الحصانة القضائية في ضوء القانون الدولي العام
ثمة قواعد قانونية دولية، تشكلت عن طريق العرف الدولي ، تقضي بتمتع بعض الأشخاص الطبيعية والاعتبارية بالحصانة القضائية، قد يكون من المفيد الإشارة إليها، والى مضمونها.

أ) السند القانوني الدولي للحصانة القضائية
تتمتع الدول الأجنبية ورؤسائها، وكذلك الأمر للمنظمات الدولية وممثليها، وكافة رجال السلك الدبلوماسي الأجنبي، والموظفين الدوليين بالحصانة القضائية، أي عدم خضوعهم لسلطة القضاء الأجنبي، وذلك بمقتضى قواعد القانون العرفي التي تم تدوين بعضها في اتفاقيات دولية، يأتي في مقدمتها لائحة فيينا لعام 1815 تم بروتوكول أكس لاشابل لعام 1818، بخصوص ترتيب المبعوثين الدبلوماسيين ، وكذلك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة بتاريخ 18/4/1961، وهي الاتفاقية التي أعدت مشروعها لجنة القانون الدولي ، بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1952 ، وهو المشروع الذي تم عرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 1958 و1959 ، والتي قررت عرضه على مؤتمر دولي دبلوماسي ، حيث تم توقيعه بالتاريخ المذكور.

ب) مضمون قواعد الحصانة القضائية:
إذا كان من المسلم به، بأن أشخاص القانون الدولي العام وممثليهم، يتمتعون بالحصانة القضائية أمام المحاكم الأجنبية، فان هذه الحصانة القضائية قد تكون مطلقة، مثلما هو الشأن بالنسبة لرؤساء الدول الأجنبية، لاسيما بالنسبة للمتابعات الجزائية، وقد تكون نسبية ، بحيث تخضع بعض أنشطة السلك الدبلوماسي للقضاء الأجنبي ، ومن ذلك على سبيل المثال ، أن مجمع القانون الدولي ، في هامبورغ ، قد أدرج ضمن جدول أعماله سنة 1891 ، موضوع التصرفات القانونية الخاصة برئيس جمهورية الدولة، وانتهى إلى تكريس قواعد ، تفيد وأن المحاكم تكون مختصة في مواجهة حكومات ،أو رؤساء دول أجنبية في حالات تم حصرها في الدعاوى العقارية، وحتى دعاوى المنقولات الموجودة في إقليم الدولة المرفوعة أمامها الدعوى، والدعاوى الخاصة بتركات مفتوحة على إقليم الدولة، تشترك فيها حكومات أو رؤساء دول أجنبية ، بوصفهم ورثة أو موصى إليهم، وكذلك الأمر في حالة قبول الحكومة أو الرئيس الأجنبي اختصاص القضاء الإقليمي ، فضلا عن دعاوى التعويضات المستحقة نتيجة فعل ضار، وقع من الرئيس الأجنبي في الإقليم، وهي دعوى لا تقبل عن أضرار ناتجة عن عمل من أعمال السيادة ).

ومع ذلك فان كان رئيس الدولة ، هو المدعي في الدعوى ، ومهما كان موضوعها فلا وجود حينئذ لأي مبرر للقول بإعفائه من القضاء الأجنبي ، لأن مبادرته برفع الدعوى أمام هده الجهات القضائية الأجنبية، إنما يعني وبكل بساطة بأنه قد تنازل عن الإعفاء من الخضوع لهذا القضاء ، ومن أهم الشواهد المؤدية لهذه القواعد ، ذلك الحكم الشهير الصادر عن المحكمة العليا الأمريكية عام 1870، في القضية المرفوعة أمامها ، والتي تتلخص وقائعها، في أن تصادما وقع في ميناء سان فرانسيسكو عام 1867 ، بين سفينة أمريكية وسفينة فرنسية ، فتم رفع دعوى أمام محكمة أمريكية باسم نابليون الثالث إمبراطور فرنسا ، طالب من خلالها بالتعويض ، وقد قبلت المحكمة الدعوى ، وأيدتها المحكمة العليا الأمريكية ، تعليلا منها على أن لرئيس دولة أجنبية ، الحق في أن يرفع دعوى أمام المحاكم الأمريكية.

ثالثا: المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين:
مما لاشك فيه بأن الجهة الوحيدة ، التي يمكنها في جميع دول العالم توفير الحصانة للحريات العامة، إنما تكمن في القضاء، ومع ذلك فان الاختصاص لا ينعقد له للنظر في مسألة دستورية القوانين، في ظل النظام القانوني السائد في الجزائر، وذلك خلافا لما هو سائد في بعض الأنظمة القانونية المقارنة.

أ) المبدأ العام في الرقابة الدستورية على القوانين.
ثمة قاعدة قانونية في مجال الرقابة على دستورية القوانين، تفيد أنه يتعين على المشرع احترام الحقوق والحريات الأساسية التي كرسها الدستور، وهي القاعدة التي تستلزم ضرورة مطابقة كل نص تشريعي للدستور، وإلا وقع تحت طائلة عدم دستوريته، وهو مبدأ قد اختلفت دساتير دول العالم في تحديد طبيعة الرقابة الدستورية المقررة بموجبه وفاعليتها، حيث بعض الدساتير قد خولت صلاحية ممارستها للمحاكم، إذ يمكن لكل مواطن إقامة دعوى، أو إثارة دفع بعدم دستورية أي نص تشريعي، كما هو عليه الحال في كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، ويوصف هذا النوع من الرقابة بالرقابة الواسعة .

وخلافا لذلك فثمة بعض الدساتير، قد أخذت بالرقابة الضيقة، إذ لا يمكن أن تتم إلا أمام جهة قضائية واحدة، كالمجلس الدستوري مثلا، وان الحق في إثارتها قد لا يكون مخولا لأي مواطن، بل أنه يقتصر على أفراد أو أجهزة معينة في الدولة، كما هو عليه الحال بالنسبة لرئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس أو نسبة من أعضاء الجمعية الوطنية، أو رئيس أو نسبة من لأعضاء مجلس الشيوخ، أو البرلمان ، وهذا النوع من الرقابة ، هو المطبق في كل من فرنسا والجزائر.

ب) خروج الرقابة على دستورية القوانين عن ولاية القضاء في الجزائر
بمقتضى المواد 163 إلى 169 من دستور الجزائر لعام 1996، فالرقابة على دستورية القوانين في النظام القانوني في الجزائر، تعد من الوظائف الأساسية للمجلس الدستوري، وهو لا يندرج لا ضمن جهات القضاء العادي ولا جهات القضاء الإداري، لأن نصوص الدستور المتعلقة به وردت في الدستور تحت عنوان الرقابة، لا تحت عنوان السلطة القضائية، وأن تشكيلته وحسب المادة 164 من الدستور تتألف من تسعة أعضاء لا ينتسب منهم للجهات القضائية سوى عضوين، أحدهما ينتخب من طرف المحكمة العليا، والآخر من طرف مجلس الدولة، فيما يتولى رئيس الجمهورية تعيين ثلاثة منهم من بينهم الرئيس ، وينتخب اثنان منهم من طرف المجلس الشعبي الوطني، واثنان من طرف مجلس الأمة، يضاف إلى ذلك أن معظم الاختصاصات المخولة للمجلس الدستوري لا تندرج ضمن العمل القضائي ، لاسيما تلك المنصوص عليها بالمادة 163 من الدستور ، فيما يتعلق بالسهر على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، أو انتخاب النواب، أو إعلان نتائج هذه العمليات، وتلك المنصوص عليها بالمادة 165 منه، والمتعلقة بالفصل في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية، وإبداء الرأي في دستورية القوانين العضوية بعد مصادقة البرلمان عليها.

وقد سمحت الفرصة لمجلس الدولة، التعرض لهذه المسألة بمناسبة الطعن الذي أثاره المرحوم محفوظ نحناح، رئيس حزب حركة مجتمع السلم، حين رفض المجلس الدستوري ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بتاريخ 15/04/1999، فصرح بأن القرارات المتخذة من طرف المجلس الدستوري تنفيذا لاختصاصه الدستورية لا تخضع لرقابته.

المبحث الثاني:
الاختصـاص القيمـي:

إذا كان الاختصاص القيمي للمحاكم، يلعب دورا مزدوجا في بعض التشريعات المقارنة كالمصري مثلا، من حيث التعرف على المحكمة المختصة نوعيا بنظرها، ومعرفة قابلية أو عدم قابلية الحكم الصادر فيها للاستئناف أو الطعن، فهو في التشريع الجزائري لا يؤدي سوى هذا الدور الأخير، أي عدم قابلية الحكم للاستئناف، ومع ذلك فان دراسته تحتاج إلى تحديد أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى، والقواعد المتعلقة بهذا التقدير.

المطلب الأول:
أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى:

يختلف أساس تقدير قيمة الدعوى، عن المعيار المعتمد عليه في تحديد تلك القيمة:

أولا: أساس تقدير قيمة الدعوى:
لا يعتد في مجال تقدير قيمة الدعوى، إلا على أساس قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومع ذلك يجب عدم الخلط بين القواعد المتخذة كأساس لتحديد الاختصاص القيمي، وبين القواعد المتخذة كمعيار لتحديد موضوع النزاع، حيث تم النص على هذه الأخيرة بالمادة 25 منه، فيما تم النص على الأولى في المادة 33 من هذا القانون، وبحسبها فموضوع النزاع يتحدد بالطلبات الواردة بالعريضة الافتتاحية، وبمذكرات الرد، ويمكن تعديله بتقديم طلبات عارضة، متى كانت مرتبطة بالطلب الأصلي، كما أن قيمته يمكن أن تتحدد بالطلب الأصلي أو الإضافي أو المقابل أو بالمقاصة القضائية، وهو معيار يمكن الاستناد إليه في إعمال العديد من قواعد هذا القانون.

ثانيا: معيار تقدير قيمة الدعوى:
بالرجوع للمادة 33/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد وأن المشرع قد اعتد
بمعيار قيمة الطلبات المقدمة من المدعي فقط، كمعيار لانعقاد الاختصاص الابتدائي والانتهائي للمحاكم، بصرف النظر عن تعلق موضوع الطلب بدعوى منقولة، أو بدعوى شخصية عقارية، أو بدعوى حقوق عينية عقارية، أو بدعوى المؤجر والمستأجر، أو بأية دعوى أخرى، وهو معيار يحتاج إلى بيان بعض القواعد التي تتحكم في إعماله.

المطلب الثاني:
قواعد تقدير قيمة الدعوى:

على الرغم من أن نص المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نص على أن القيمة التي يعتد بها في تقدير قيمة الدعوى، هي قيمة الطلبات المقدمة من المدعي، فان تطبيق هذا النص قد يثير جملة من التساؤلات، حول القواعد التي يمكن الاعتماد عليها في هذا التقدير.
فالتشريع والفقه المقارن، قد اقترح مجموعة من القواعد لتقدير قيمة الدعوى، تختلف باختلاف الطلب، فيما إذا كان واحدا أو متعددا من جهة، وفيما إذا كان أصليا أو ملحقا أو مندمجا، مع وحدة الخصوم أو تعددهم من جهة أخرى.

أولا: قواعد تقدير الدعوى في حالة وجود طلب واحد:
ثمة أربعة قواعد يمكن الاعتداد بها في مثل هذه الحالة، لتقدير قيمة الدعوى:

أ) قاعدة الاعتداد بطلب المدعي لا بما يحكم القاضي:
يمكن اعتبار نص المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد تضمن النص على هذه القاعدة من خلال عبارة:(إذا كانت قيمة الطلبات المقدمة من المدعي)، وهي بهذا تشكل إحدى القواعد العامة، التي تقرر بأن الخصم هو الذي يحدد قيمة طلبه، دون أن يكون للقاضي دورا في ذلك، وهي مسألة تبدو منطقية لاعتبارين:

1) سبق تحديد الاختصاص على الحكم في الدعوى:
تكمن العلة في سبق تحديد الاختصاص على الحكم في الدعوى، في كون المدعي عادة ما يكون في حاجة إلى معيار موضوعي، يمكن له اللجوء إلى تطبيقه مسبقا، ليحدد على ضوئه نوع اختصاص المحكمة التي يرفع إليها الدعوى، كما أن القاضي بدوره في حاجة إلى هذا المعيار، لكي يتثبت من انعقاد الاختصاص له ابتدائيا كان أو انتهائيا بداية، حتى يمكنه إصدار حكمه في الدعوى بعد ذلك.

2) إطلاق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى:
تعد مسألة إطلاق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى مسألة منطقية، ذلك أنه إذا لم يترك له
تحديدها، فذلك يعني ترك المجال مفتوحا للقاضي لتحديد ماذا كان مختصا ابتدائيا أو مختصا انتهائيا، فيكون له أن يستند لهذا المعيار، متى أراد ألا يعقد الاختصاص الابتدائي أو الانتهائي لنفسه، ومن دون أن يكون قد خالف القانون، وهي مسألة تنطوي على خطورة بالغة الأهمية، لأنه بإمكانه في
مثل هذه الحال، أن يعطل وظيفة الجهة القضائية الأعلى منه درجة في مراقبة أحكامه، على اثر تقديره لقيمة الدعوى، على نحو يحرم من خلاله الخصم من حق الطعن في حكمه.

ب) قاعدة الاعتداد بقيمة الطلب يوم رفع الدعوى:
مع أنه يعتد لتقدير قيمة الدعوى بيوم رفعها، فان تطبيقه يبقى في حاجة إلى توضيح، ذلك أن الخصومة التي تنشأ بين الطرفين بمجرد رفع الدعوى ومع مرور الوقت، يستمر تتابع الإجـراءات فيها، وقبل أن تنشغل المحكمة بها، قد يطرأ تغيير في قيمتها بطلب عارض، يزيد عن القيم الواردة بالمادة 20 من قانون الإجراءات المدنية والادارية على سبيل الحصر، وهي مسألة بدورها قد أثارت بعض التساؤل، حول وصف الحكم الصادر فيها، فيما إذا كان ابتدائيا قابلا للاستئناف، أم أنه ابتدائي وانتهائي غير قابل لذلك .

ج) قاعدة الاعتداد بقيمة الحق كله:
إذا تعلق الطلب بجزء من قيمة الحق لا بقيمة الحق بأكمله، فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى في التشريع المقارن تكون بهذا الجزء، ما لم يكن الحق بأكمله متنازعا فيه، وحتى في مثل هذه الحال، فقد لا يكون من المنطق، تقدير قيمة الدعوى بما يزيد عن القيمة المطلوبة، متى كانت هي الرصيد المتبقي من الحق، وهي قاعدة قد أغفل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الاعتناء بها، وذلك خلافا لبعض التشريعات المقارنة، التي نصت عليها صراحة،كالمادة 40 من قانون المرافعات المصري والمادة 70 من قانون أصول المحاكمات اللبناني.

د) قاعدة عدم تأثر قيمة الدعوى بوسائل الدفاع:
عادة ما يلجأ كل من المدعي والمدعى عليه، إلى تدعيم طلباته بوسائل دفاع وبمستندات مثبتة لهذه الوسائل، فالقاعدة أن قيمة الدعوى تتحدد بقدر المنفعة التي يبتغيها المدعي، ولا تتأثر بوسائل الدفاع، التي يسوقها المدعي أو المدعى عليه، والتي قد تتعلق بحقوق تزيد قيمتها عن القيمة المطلوبة، فلو طالب المدعي باسترداد ثمن معين، مستندا في ذلك إلى أن عقد البيع باطل، وقدم لتعزيز هذا الادعاء صورة لهذا العقد، فلا عبرة في تحديد قيمة الدعوى بقيمة الورقة المقدمة كدليل على العقد المدعى بطلانه، لذلك فان كان الثمن المطالب باسترداده من قبل المدعي يقل عن مائتي ألف دينار، بينما قيمة الحق المثبت في عقد البيع يزيد عن هذه القيمة، فان الاختصاص ينعقد للمحكمة للفصل فيه بحكم نهائي غير قابل للاستئناف، وفقا لمقتضيات المادة 33 من(ق.ا.م.ا.)

ثانيا: قواعد تقدير الدعوى في حالة تعدد الطلبات ووحدة الخصوم:
ثمة مجموعة من القواعد يمكن اللجوء إلى إعمالها عند تعدد الطلبات الأصلية، أو عند حدوث هذا التعدد في وقت لاحق بتقديم طلبات إضافية من المدعي، أو بفعل تقديم المدعى عليه لأكثر من طلب مقابل.

أ) قاعدة الاعتداد عند تعدد الطلبات الأصلية بوحدة السبب أو تعدده:
إذا تعددت الطلبات الأصلية، فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى تكون بوحدة السبب أو تعدده، لذلك فان كان السبب واحدا ، أو أن الطلبات الأصلية المقدمة كانت متلازمة، قدرت قيمة الدعوى بمجموع هذه الطلبات، وإذا كانت الأسباب مختلفة، وكانت الطلبات نتيجتها غير متلازمة، قدرت قيمة الدعوى باعتبار كل طلب على حدة، فلو طالب الدائن في الدعوى بإبطال البيع الحاصل من مدينه المفلس لصوريته صورية مطلقة، وطالب في ذات الوقت إبطاله لصدوره منه في فترة الريبة، فان الطلبين وان اتحدا محلا وخصوما، فان السبب القانوني في كل منهما يعد مختلفا عنه في الآخر.

ب) قاعدة الاعتداد بالطلبات الملحقة للطلب الأصلي قبل رفع الدعوى:
لم يعتن قانون الإجراءات المدنية والإدارية بهذه الحالة، ومع ذلك فالاختصاص الابتدائي والانتهائي المنعقد للمحكمة في التشريع المقارن، يتوقف على الوقت الذي استحقت فيه الملحقات، فان كان قبل رفع الدعوى، أضيف إلى قيمة الطلب الأصلي، ما يكون مستحقا إلى تاريخ رفعها من فوائد ومصاريف، وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة، لأنها تشكل عنصرا من عناصر الطلب الأصلي، وذلك خلافا لتلك المستحقة منه بعد رفع الدعوى، لعدم إمكانية تقديرها قبل رفعها.

ج) قاعدة عدم الاعتداد بالطلب المندمج في الطلب الأصلي:
لم يتعرض نص المادة 25 من(ق.ا.م.ا) للطلب المندمج، فيما أن التشريع المقارن قد اعتبر الطلب مندمجا في الطلب الأصلي، متى كان الحكم في هذا الأخير يعد بمثابة الحكم في الطلب المندمج، حال الطلب المتعلق ببراءة ذمة المستأجر وهو طلب أصلي، مع طلب إلغاء الحجز المضروب على منقولاته، ضمانا لسداد بدل الإيجار وهو طلب مندمج، وطلب بطلان البيع وهو طلب أصلي، وطلب شطب تسجيله وهو طلب مندمج، وبذلك فالقاعدة العامة هي أن قيمة الطلب المندمج لا تؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير قيمة الدعوى، بحيث يتم الاكتفاء بالطلب الأصلي وحده.

د) قاعدة الاعتداد بالطلب الإضافي للطلب الأصلي:
إذا كان تعدد الطلبات، يرجع إلى قيام المدعي بتقديم طلبات إضافية، إلى جانب طلبه الأصلي الذي تم تقدير قيمة الدعوى على أساسه، فان هذه الطلبات الإضافية تعد بمثابة تصحيح للطلب الأصلي، أو تعديله أو تكملة له، سواء لاتصاله به اتصالا مباشرا لا يقبل التجزئة أو لإضافة أو تغيير سبب الطلب الأصلي، فالعبرة في مثل هذه الأحوال في تقدير قيمة الدعوى، تكون بما جاء في الطلب الإضافي أي الطلب الختامي، لأنه هو الذي يعبر عن القيمة الحقيقية لدعوى المدعي، وهو الطلب الذي تكون المحكمة مطالبة بالفصل فيه.

ه) قاعدة الاعتداد بأكثر الطلبين عند اشتمال الدعوى على طلبين: أصلي واحتياطي:
ثمة حالات يلجأ فيها المدعي، إلى مطالبة خصمه في الأصل بتنفيذ ما التزم به تنفيذا عينيا، ويطالب بصورة احتياطية في حالة عدم تنفيذ هذا الالتزام، إما بالتعويض وإما بفسخ العقد مع التعويض، وهي حالة تجد أساسها القانوني في المادة 119 من القانون المدني، وقد أثير بشأن مثل هذه الحالة بعض التساؤل، حول القيمة التي يعتد بها في تقدير قيمة الدعوى، فيما إذا كانت قيمة الطلب الأصلي أم قيمة الطلب الاحتياطي.

لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أي نص يجيب على هذا التساؤل، ومع ذلك فقد ذهب جانب من الفقه المصري، إلى الاعتداد بقيمة الطلب الاحتياطي في تحديد الاختصاص الانتهائي للمحكمة، إذا كان الطلب الأصلي قد أخذ به، فيما ذهب جانب آخر منه، إلى الاعتداد بالطلب الأصلي دون الطلب الاحتياطي، وذهب اتجاه ثالث إلى الاعتداد بأكبر الطلبين قيمة.
فيما أن محكمة النقض المصرية قد استقر العمل لديها، على الاعتداد بالطلب الأصلي لا الاحتياطي، تأسيسا منها على أن المحكمة التي لا تكون مختصة بالفصل انتهائيا في الطلب الأصلي، فإنها لا تكون كذلك مختصة بالفصل في الطلب الاحتياطي انتهائيا، ولو كانت قيمته تدخل في اختصاصها بالفصل فيه وفقا لذلك الأساس، عملا بقاعدة أن الفرع يتبع الأصل.

ثالثا: قواعد تقدير قيمة الدعوى عند تعدد الخصوم:
ثمة عدة قواعد يمكن الاستناد إليها عند تعدد الخصوم في تقدير قيمة الدعوى:

أ) قاعدة الاعتداد عند تعدد الخصوم بوحدة السبب أو تعدده:
لم يتعرض قانون الإجراءات المدنية والإدارية لمعالجة هذه الحالة، فيما أن التشريعات المقارنة قد اعتنت بها، ومن ذلك أن المادة 55 من قانون تنظيم القضاء العدلي في لبنان، قد نصت على أنه إذا كانت الدعوى مرفوعة من واحد أو أكثر على واحد أو أكثر بمقتضى سبب قانوني واحد، كان التقدير باعتبار قيمة المدعي به بتمامه، بغير التفات إلى نصيب كل منهم فيه.
وتأسيسا على ذلك فمتى تعدد المدعون، أو تعدد المدعى عليهم، فالاعتداد بتقدير قيمة الدعوى، يكون بالقيمة التي تم الادعاء بها، من دون النظر إلى حصة كل طرف فيها، شريطة أن يكون السبب المستند إليه في تقديم الطلب واحدا، أما إذا كان المطلوب من المدعين أو من المدعى عليهم ناشئا عن سبب مختلف، حتى ولو تماثلت تلك الأسباب، فالخصومة تكون هنا مشتملة على عدة دعاوى، وتقدر كل منها بقيمة ما هو مطلوب لكل مدع أو من كل مدعى عليه على حدة.

ب) قاعدة الاعتداد بقيمة كل دعوى أو طلب عند الضم والتضامم:
لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية النص على مثل هذه الأحوال، فيما أن التشريعات المقارنة، ومنها قانون أصول المحاكمات اللبناني ، قد أختصها بقواعد صريحة، حيث الفقره الثانية من المادة 70 منه ، قد نصت على أن:(ينظر في تقدير قيمة النزاع إلى: مجموع الطلبات المتلازمة أكانت ناشئة عن سبب قانوني واحد أم عن أسباب مختلفة، وسواء قدمت في خصومة واحدة أم خصومات مختلفة ضمت فيما بعد، وأيا كان عدد الأطراف في هذه الخصومة أو الخصومات)، لذلك فمتى تم الحكم بضم خصومتين أو أكثر، وبصرف النظر عن وحدة أو تعدد أطرافها، أو وحدة السبب أو تعدده، فكل دعوى تظل محتفظة بقيمتها، عند انعدام التلازم بين الطلبات المقدمة فيها، أما إذا كان ذلك التلازم قائما، فانه يؤخذ بمجموع تلك الطلبات، بما يعني وأن الضم قد لا يؤثر على قواعد الاختصاص.

ج) قاعدة الاعتداد بقيمة إحدى الطلبات عند التضامم:
لا يعتد في أحوال التضامم إلا بقيمة إحدى الطلبات المقدمة في مواجهة جميع المدينين المتضامنين، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الطلبات، قد وجهت إلى هؤلاء بصورة أصلية، أو بصورة احتياطية، وهي حالة تجد تطبيقاتها في الدعوى المباشرة، حيث نجد فيها بأن الدائن له مدينان يرجع على أي منهما بنفس الدين، دون أن يكون المدينان متضامنين، فيكون الالتزام بهذا الدين التزاما تضامميا لا تضامنيا ويجب التمييز في هذا الإطار بين الالتزام التضاممي والالتزام التضامني، كون المدينين المتضامنين في الالتزام التضاممي لا وجود لوحدة المصلحة لديهم، فيما المصلحة تجمع المدينين المتضامنين، وذلك خلافا للالتزام التضاممي فالمصدر فيه يكون متعددا.

المبحث الثالث:
توزيع الاختصاص النوعي بين جهات القضاء العادي

إذا كانت الغاية من الاختصاص النوعي لجهات القضاء العادي، تكمن في تحديد نصيب الجهة القضائية الواحدة من المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها، فان المشرع قد اعتمد على هذا المعيار في تحديد الاختصاص النوعي لكل من: محاكم الدرجة الأولى، أو المجالس القضائية، أو المحكمة العليا، بموجب المواد 32 إلى 36 و349 إلى 353 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمواد 01 إلى 06 و07 مكرر و231 من قانون الإجراءات.

المطلب الأول:
الاختصاص النوعي للمحاكم:

على الرغم من أن المشرع كمبدأ عام، وبمقتضى نص المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نص على أن للمحاكم اختصاص شامل، للفصل في جميع المنازعات أيا كانت طبيعتها، فانه واستثناء من ذلك، قد خول لبعض أقسام المحاكم الخاضعة لإجراءات خاصة، أو المسماة أقطابا متخصصة اختصاصا مانعا، للفصل في بعض القضايا، بالنظر إلى الرابطة القانونية محل الحماية، أو لتوزيع الاختصاص بين مختلف الأقسام، بصرف النظر عن قيمتها، ومن دون الاعتداد بالنسبة للبعض منها بأطرافها، أي حتى ولو كان أولئك الأطراف خاضعين من حيث الأصل للقانون العام، وفي الحالتين فالمحاكم تتولى الفصل في تلك القضايا، إما بحكم ابتدائي قابل للاستئناف، نزولا عند مبدأ التقاضي على درجتين، وإما بحكم ابتدائي انتهائي غير قابل للاستئناف، بما يخالف ذلك المبدأ.

أولا: الاختصاص الابتدائي للمحاكم
يمكن التمييز لدراسة هذا النوع من الاختصاص بين المبدأ العام، والاستثناءات الواردة عليه، إما في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وإما في نصوص خاصة.

أ) المبدأ العام بالنسبة للاختصاص الابتدائي
يتحدد هذا النوع من اختصاص المحاكم، بجميع الدعاوى المدنية والتجارية والبحرية والاجتماعية والعقارية وشؤون الأسرة ، غير القابلة للتقدير كمبدأ عام ، أو اعتد بطبيعة الرابطة القانونية محل الحماية، التي تستوجب الفصل بحكم ابتدائي قابل للاستئناف لانعقاد الاختصاص للمحاكم، وهو اختصاص واسع مما دعا المشرع إلى تسميتها بمحاكم الولاية العامة.
وبمقتضاه يكون للمحاكم الفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف في تلك القضايا، متى كانت غير داخلة بموجب نص خاص في صلاحية محكمة أخرى، بسبب ماهية الدعوى أو قيمتها، وبحسب ذلك فقسم شؤون الأسرة بها، يفصل في المنازعات الواردة حصرا بنص المواد 423 إلى 426 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فيما يفصل القسم الاجتماعي في قضايا العمل الفردية، المنصوص عليها بالمادتين: 500 و506 من القانون نفسه، ويتولى القسم العقاري الفصل في المنازعات العقارية المنوه عنها بالمواد 511 إلى 517 و523 من نفس القانون، والقسم البحري في المنازعات المترتبة عن عقود النقل البحري، والقسم التجاري في المنازعات التجارية، المنصوص عليها بالمواد 32 و531 و536 من هذا القانون، غير تلك التي تم استثناءها بنص خاص ، على النحو الذي سيأتي بيانه.

ب) الاختصاص الابتدائي الوارد استثناء في بعض النصوص:
يمكن إيجاز هذا النوع من الاختصاص الابتدائي الاستثنائي للمحاكم ضمن نوعين من المنازعات:

1) منازعات المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية والصناعية :
باستقراء نص المادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بمفهوم المخالفة ، نتوصل إلى أن المنازعات التي تكون إحدى المؤسسات العمومية، ذات الطابع التجاري والصناعي طرفا فيها إنما ينعقد الاختصاص للفصل فيها إلى المحاكم.
كما أن هذا المبدأ، قـد كرسته المحكمـة العليا في الجزائر، في قرارها الصادر بتاريخ 28/6/1980 تحت رقم 19052،الذي أشارت من خلاله، إلى أن منازعات مقاولـة النقل والأشغال العمومية لا تخضع للغرف الإدارية، لأنها ذات طابع تجاري وصناعي.

2) المنازعات الواردة بالمادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية:
لقد أورد نص المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، استثناءات من القاعدة العامة المنصوص عليها بالمادتين800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، تقرر بموجبها انعقاد الاختصاص للمحاكم، مع أن أحد أطراف النزاع جهة إدارية، للنظر في القضايا المتعلقة بمخالفات الطرق، والمنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية الرامية إلى طلب تعويض الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة إما للدولة، أو لإحدى الولايات، أو البلديات، أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.

3) الاستثناءات الواردة بالمادة 32/07 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية:
وفقا للفقرة السابعة للمادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالاختصاص ينعقد لأقطاب المحاكم المتخصصة، للنظر دون سواها، في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية والإفلاس والتسوية القضائية، والمنازعات المتعلقة بالبنوك، ومنازعات الملكية الفكرية، والمنازعات البحرية والنقل الجوي، ومنازعات التأمينات، وهي في مجملها منازعات كان الاختصاص ينعقد بشأنها للمحاكم المتواجدة بمقر المجالس القضائية طبقا للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الإجراءات المدنية القديم، الذي كان ينص على أن تلك المحاكم هي المختصة بالفصل في المنازعات الخاصة بالحجز العقاري، وتسوية قوائم التوزيع ، وحجز المشاع ، وحجز السفن والطائرات وبيعها قضائيا، وتنفيذ الأحكام الأجنبية، ومعاشات التقاعد الخاصة المثقلة بقيد الرهن الحيازي، وذلك بصرف النظر عن أطراف النزاع.

4) بعض المنازعات العقارية التي تكون الدولة طرفا فيها:
ينعقد الاختصاص الابتدائي للمحاكم الفاصلة في المواد العقارية، للنظر في جميع الدعاوى التي ترفعها الدولة، بخصوص التركات التي تكون لها حقوقا فيها، سواء كانت منقولة أو عقارية، وكذلك الحال بالنسبة لدعاوى استحقاق الدولة للأملاك العقارية المجهولة المالك، أو الأملاك العقارية الشاغرة، أي تلك التي لا مالك لها، وذلك تطبيقا لأحكام المواد 51 إلى 53 من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون الأملاك الوطنيةأو تلك المملوكة لشخص مفقود أو غائب، إعمالا لنص المادة 92 من المرسوم رقم 91/454 المؤرخ في 23/11/1991 المحدد لشروط إدارة الأملاك الخاصة والعامة التابعة للدولة وتسييرها وضبط كيفية ذلك،كما تتولى المحكمة الفصل وبنفس الصيغة في كل دعوى عقارية متعلقة بمقايضة أملاك خاصة، بأملاك عقارية تابعة للأملاك الوطنية الخاصة، المملوكة للجماعات المحلية، سواء تم التبادل بين الدولة والخواص، أو بين هؤلاء وبين تلك الجماعات المحلية أو أية مؤسسة عمومية، وذلك طبقا للمادة 96 مـن القانـون 90/30، وكذلك نص المادة 517 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

5) الاستثناءات الواردة في نصوص خاصة :
يمكن إيجار هذه الاستثناءات، في المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك، وبعض منازعات الضمان الاجتماعي، أو الجنسية، أو السجل التجاري.

**المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك:
نصت المادة 273 من قانون الجمارك على أن:(تنظر الهيئة القضائية المختصة بالبت في القضايا المدنية بالاعتراضات المتعلقة بدفع الحقوق والرسوم أو استردادها، ومعارضات الإكراه، وغيرها من القضايا الجمركية الأخرى التي لا تدخل في اختصاص القضاء الجزائي) ، وبحسبها فالاختصاص بشأن تلك المنازعات ينعقد للمحاكم، يضاف إلى ذلك أن المادة 257/03 من نفس القانون، قد نصت على أن المحكمة المدنية التي ينعقد لها الاختصاص، للفصل في الطعون الموجهة ضد المحاضر الجمركية، هي تلك التي يقع بدائرة اختصاصها مكان تحرير تلك المحاضر، فيما نصت المادة 288 من هذا القانون على انعقاد الاختصاص للمحاكم المدنية، للفصل في الدعاوى التي ترفعها إدارة الجمارك، والرامية إلى النطق بالمصادرة العينية للأشياء المحجوزة على مجهولين، أو على أفراد لم يكونوا محل ملاحقة، كما نصت المادة 291 من ذات القانون على انعقاد الاختصاص للمحكمة المدنية للفصل في طلبات الجمارك، الرامية إلى الترخيص لها بتوقيع الحجز التحفظي على الأشياء المنقولة، أو الرامية إلى رفع اليد عنه، متى قدم المحجوز عليه كفالة مصرفية كافية لضمان حقوقها.

**بعض المنازعات المتعلقة بالجنسية:
وفقا لمقتضيات المادة 37 من قانون الجنسية، ينعقد الاختصاص للمحاكم وحدها للفصل في المنازعات المتعلقة بالجنسية الجزائرية، ومتى أثيرت هذه المنازعات عن طريق دفع أمام المحاكم الأخرى، فانه يتعين على هذه الأخيرة، تأجيل الفصل في الدعوى المقدمة أمامها إلى حين الفصل في مسألة الجنسية من قبل المحكمة المختصة، التي يجب أن يرفع الأمر إليها خلال فترة شهر تسري ابتداء من تاريخ النطق بقرار التأجيل، وذلك من قبل الطرف الذي ينازع في الجنسية، تحت طائلة إهمال الدفع.
ويتعلق هذا الاختصاص المنعقد للمحاكم ، بالفصل في الدعاوى التي يتولى وكيل الجمهورية رفعها بخصوص تطبيق أحكام قانون الجنسية، طبقا للمادة 38/02 من قانون الجنسية، لاسيما عند تعلق موضوعها بإثبات تمتع أو عدم تمتع المدعى عليه بالجنسية الجزائرية المدعى بها، وهي الدعوى التي يتعين عليه وجوبا رفعها، متى طلبت السلطات العمومية منه ذلك، إلى جانب الدعاوى التي يمكن لأي شخص إقامتها ، بشأن استصداره لحكم يفيد تمتعه أو عدم تمتعه بالجنسية الجزائرية، وهي بدورها دعوى توجه ضد النيابة العامة، طبقا لنص المادة 38/01 من نفس القانون.

ويستثنى من هذا الاختصاص المنعقد للمحاكم ، الفصل في دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية المتخذة سواء بمراسيم رئاسية أو بقرارات وزارية ، بخصوص منح أو تجريد أو سحب أو استرداد أو فقدان الجنسية، أو رفض اكتسابها أو التنازل عنها أو رفض استردادها، لأن الاختصاص بشأنها ينعقد للقضاء الإداري، على النحو الذي سيأتي بيانه بمناسبة الحديث عن تطبيقات المعيار العضوي.

**المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري:
بمقتضى نص المادة 25 من القانون رقم 90/22 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل والمتمم المتعلق بالسجل التجاري، ينعقد الاختصاص للمحاكم الفاصلة في المواد التجارية، للنظر في المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري، وذلك على الرغم من أن أحد طرفي النزاع وهو المركز الوطني للسجل التجاري يعد مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية وفقا لنص المادة 15 من نفس القانون.

ثانيا: الاختصاص الابتدائي والانتهائي للمحاكم:
على الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في القانون الإجرائي، تتمثل في كون الأحكام
الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، يجب أن تكون قابلة للطعن فيها أمام محاكم الاستئناف تحقيقا لمبدأ التقاضي على درجتين المكرس في القانون الدولي ، والمتخذ كمبدأ من مبادئ التنظيم القضائي في الجزائر، فالمشرع قد ينص صراحة في بعض الحالات، على أن أحكام محاكم الدرجة الأولى تكون ابتدائية وانتهائية في نفس الوقت، بما يعني عدم قابليتها للطعن فيها بطريق الاستئناف، وهي حالات تتعلق بقيمة الدعوى، وقد تعرضنا إلى دراستها فيما تقدم، أو بالنظر للرابطة القانونية محل الحماية، فضلا عن وجود بعض الحالات واردة في نصوص خاصة.
أ) حالات الاختصاص الانتهائي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية:
ثمة عدة حالات يتحدد فيها اختصاص محاكم الدرجة الأولى ، للفصل في بعض الدعاوى بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية، بحكم ابتدائي غير قابل للاستئناف، تتعلق بفك الرابطة الزوجية بالطلاق أو التطليق أو الخلع، أو برابطة العمل بين العامل والمستخدم مع ما قد يترتب عنها من بعض الحقوق.

1) حالة الاختصاص الانتهائي بالنسبة للطلاق:
ينعقد الاختصاص للمحاكم الفاصلة في قضايا شؤون الأسرة، للنظر في المنازعات المتعلقة بالطلاق والتطليق والخلع، بأحكام غير قابلة للاستئناف، وذلك طبقا لنص المادة 57 من قانون الأسرة، المعدل والمتمم بالقانون رقم 05/02، وذلك خلافا لما كان عليه الحال في نص المادة 53 من قانون الأسرة قبل تعديله، الذي اقتصر على النص بأن الأحكام التي تكون غير قابلة للاستئناف هي تلك المتعلقة بالطلاق دون التطليق والخلع.
يمكن أن يضاف إلى ذلك، أن المواد 434 و 442 و 445 و448 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد تضمنت النص على أن كل الأوامر المتعلقة بالتدابير المتخذة بخصوص منح مهلة تفكير للزوجين، بمناسبة إجراء محاولة الصلح بينهما، والأوامر الملغية أو المعدلة أو المتممة لها، وتلك المتضمنة المصادقة على محضر الصلح، المتوصل إليه من قبل المحكمين المعينين لمحاولة الصلح، والأمر المتعلقة باتخاذ أي تدبير مؤقت لحماية مصالح القاصر، هي في مجملها أوامر غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن.

2) حالة الاختصاص الانتهائي بالنظر لروابط العمل:
ينعقد الاختصاص للمحاكم الفاصلة في المواد العمالية، بالفصل بحكم غير قابل للاستئناف، في بعض المنازعات العمالية متى كان موضوع الدعوى متعلقا بإلغاء قرارات التسريح من منصب العمل، وتسليم شهادات العمل، وكشوف الراتب، وفقا لنص المادة 21 من القانون 90/04 المؤرخ في 16/11/1990 المعدل والمتمم المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، وكذلك الأمر بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالتعويض عن تسريح العمال تسريحا تعسفيا طبقا للمادة 73/04 من القانون 90/11 المؤرخ في 21/4/1990، المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 المتعلق بعلاقات العمل، وذلك إلى جانب المنازعات المتعلقة بالاعتراضات المثارة بخصوص انتحاب مندوبي المستخدمين طبقا للمادة 100 من القانون 90/11.
وقد سمحت الفرصة للمحكمة العليا تطبيق هذه النصوص ، والتأكيد على أن الأحكام المتعلقة بتلك المسائل، هي أحكام غير قابلة للاستئناف، لاسيما قرارها رقم 111984 الصادر بتاريخ 20/12/1994، والقرار رقم 135570 الصادر بتاريخ 23/07/1996،والقرار رقم 235002 الصادر بتاريخ 11/07/2000.

ب) حالات الاختصاص الانتهائي الواردة في نصوص خاصة:
يخضع الفصل في قضايا الفقدان، في الحروب والحالات الاستثنائية وفي الحالات التي تغلب فيها سلامة المفقود، للقواعد الموضوعية الواردة بنص المواد 109 إلى 115 من قانون الأسرة، وللقواعد الإجرائية الواردة بقانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبحسب المادة 33 فقرة أخيرة من هذا القانون،فالحكم الصادر بموت المفقود يعد حكما ابتدائيا قابلا للطعن فيه بطريق المعارضة والاستئناف، خلال مهلة شهر واحد للمعارضة وشهر واحد للاستئناف، ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم ، طبقا لنص المادتين329 و336 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
لكنه وخلافا لهذه القواعد العامة، فالمادة 32 من الأمر رقم 06/01 المؤرخ في 27/02/2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، قد نصت على أنه:( يصدر الحكم القاضي بوفاة المفقود بناء على طلب من احد ورثته أو من كل شخص ذي مصلحة في ذلك أو من النيابة العامة، يفصل القاضي المختص ابتدائيا ونهائيا في أجل لا يتجاوز شهرين ابتداء من
تاريخ رفع الدعوى).