الطعن 472 لسنة 34 ق جلسة 2 / 1 / 1969 مكتب فني 20 ج 1 ق 2 ص 7

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.
———-
حكم ” الفساد في الاستدلال . ما يعد كذلك”. عقد ” انحلال العقد . الفسخ”. محكمة الموضوع ” سلطتها في مسائل الواقع”.
استخلاص نية المتعاقدين على التفاسخ الضمني وتحصيل فهم الواقع في الدعوى بما تستقل به محكمة الموضوع. عليها بيان كيف تلاقت إرادتا الطرفين على حل العقد وذلك بأسباب سائغة. استخلاص التفاسخ مع استمرار تمسك كل من الطرفين بالعقد دون أن يدعى أيهما حصول التفاسخ عنه. فساد في الاستدلال.
لئن كان استخلاص نية المتعاقدين على التفاسخ الضمني و تحصيل فهم الواقع في الدعوى هو مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أنها متى قالت بهذا التفاسخ فإن عليها أن تورد من الوقائع و الظروف ما اعتبرته كاشفا عن إرادتي طرفي التعاقد و أن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان على حل العقد و أن يكون ما تورده من ذلك من شأنه أن يؤدى عقلا إلى ما انتهت إليه . فإذا كان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من اتجاه نية طرفي العقد إلى التفاسخ عنه يتنافى مع إصرار كل منهما على التمسك به في الدعوى التي أقامها على الآخر و طالب فيها بالتعويض على أساس إخلال الطرف الآخر بالتزاماته الناشئة عن العقد و مع استمرار كل منهما متمسكا بالعقد و بإخلال الطرف الآخر بالتزاماته الناشئة عنه طوال نظر الدعوى أمام درجتي التقاضي دون أن يدعى أيهما حصول التفاسخ عنه فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالفساد في الاستدلال .
————–
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 701 سنة 1962 تجاري كلي القاهرة على ا لمطعون ضدهما طالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 2526 ج و930م. وقالت بيانا للدعوى أن الشركة الزراعية للشرق الأوسط حصلت من مراقبة الاستيراد على الترخيص رقم 715875 المؤرخ 4 ديسمبر سنة 1960 باستيراد 37.5 طن من الشطة الرفيعة من السودان في حدود مبلغ اثني عشر ألف جنيها على أن تكون طريقة الدفع بفتح اعتماد أو ضد المستندات أو بموجب كمبيالات تدفع بالنقد المصري عن طريق الحساب السوداني وقد عهدت تلك الشركة بتنفيذ ذلك الترخيص إلى المطعون ضده الأول الذي فوض المطعون ضده الثاني في شراء الشطة لحسابه فأبرم هذا الأخير لحساب الأول مع وكيل الشركة الطاعنة في القاهرة العقد المؤرخ 24 يناير سنة 1961 متضمنا شراء المطعون ضده الأول منها 37.5 طنا من الشطة السوداني مقابل ثمن قدره 285ج للطن على أن يلتزم المشتري بفتح اعتماد مستندي لصالح الشركة البائعة في أحد بنوك الخرطوم في ميعاد غايته 14 فبراير سنة 1961 وأن يدفع عمولة لوكيلها في القاهرة مقدارها خمسة جنيهات عن كل طن على أن تقوم الشركة بشحن البضاعة إلى ميناء السويس خلال ثلاثة شهور من تاريخ إخطارها بفتح الاعتماد، وسدد المشتري (المطعون ضده الأول) قيمة العمولة لوكيل الطاعنة في القاهرة، وأنها سارعت بعد إبرام العقد إلى شراء الشطة المتعاقد عليها لأنها من السلع الموسمية التي لا يتيسر الحصول عليها في غير موسمها وأودعتها مخازنها في ميناء بور سودان توطئة لشحنها فور إخطارها من المشتري بفتح الاعتماد غير أنها فوجئت في 11 أكتوبر سنة 1960 بخطاب مسجل من المشتري يزعم فيه أنها لم تنفذ التزامها وأن أضرارا كثيرة قد لحقت به من جراء ذلك ويطلب تسوية الأمر وديا، فأنذرته على يد محضر في 18 نوفمبر سنة 1961 بأنه هو الذي أخل بالتزامه بفتح الاعتماد على أحد بنوك الخرطوم وأنه لذلك مسئول عن فرق السعر إذ كان قد هبط بمقدار 50ج للطن بسبب ظهور المحصول الجديد كما أنه مسئول عن فوائد استثمار الثمن ومقدارها 566ج و291م فضلا عن مصاريف التخزين.
ولما لم يرد المشتري على هذا الإنذار اضطرت لإقامة الدعوى بطلباتها سالفة الذكر. ولدى نظر الدعوى تنازلت عن طلب الفوائد وتركت الأمر في تقدير مصروفات التخزين للمحكمة. وقد أجاب المشتري (المطعون ضده الأول) على الدعوى بأن الشركة هي التي أخلت بالتزاماتها الناشئة عن العقد المؤرخ 24 يناير سنة 1961، وأقام عليها دعوى فرعية قيدت برقم 2305 سنة 62 تجاري كلي القاهرة طالبا إلزامها بأن تدفع له 1046ج و250م على سبيل التعويض بسبب إخلالها بتلك الالتزامات وقد أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الشركة الطاعنة أنها نفذت العقد بشرائها الشطة لحساب المشتري وأنها قامت بتخزينها مع تحديد تاريخ الشراء ولتثبت أيضا سعر شرائها لها وسعر بيعها مع تحديد تاريخ هذا البيع وصرحت للمشتري بالنفي. وبجلسة 14 مارس سنة 1963 قرر الحاضر عن الشركة أنه ليس لديه شهود لأن الوقائع المطلوب إثباتها حدثت في السودان وأنه يعول في الإثبات على ما قدمه من المستندات. وبناء على هذا لم ينفذ حكم التحقيق. وبتاريخ 27 يونيه سنة 1963 قضت محكمة القاهرة الابتدائية (أولا) في دعوى الشركة الطاعنة رقم 701 سنة 1962 بإلزام المشتري (المطعون ضده الأول) بأن يدفع لها مبلغ 1700ج (ثانيا) في دعوى المشتري (المطعون ضده الأول) رقم 2305 سنة 1962 برفضها. استأنف المطعون ضده المذكور هذا الحكم بالاستئناف رقم 639 سنة 70ق لدى محكمة استئناف القاهرة. وبتاريخ 19 مايو سنة 1964 قضت تلك المحكمة في الدعوى رقم 701 بإلغاء الحكم المستأنف ورفضها وفي الدعوى رقم 2305 بتأييد الحكم المستأنف.
طعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة صممت النيابة على هذا الرأي.

————-
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعواها على ما استخلصه من أن نية كل من طرفي العقد المؤرخ 24 يناير سنة 1961 قد انصرفت إلى العدول عنه وأن إرادتيهما قد تلاقيتا على هذا الأمر، واستدل الحكم على ذلك أن المشتري لم يكشف عن نيته في تنفيذ التزامه بفتح الاعتماد في أحد بنوك السودان ولم يطالب الشركة البائعة بالأوراق اللازمة لفتح هذا الاعتماد، وأنه اشترى بضاعة مماثلة من شركة أخرى وبأن الشركة البائعة لم تسجل عليه تقصيره في فتح الاعتماد ولم تخطره بشرائها لحسابه البضاعة المتفق عليها وهذا من الحكم استدلال غير سائغ لأن التعاقد المؤرخ 24 يناير سنة 1961 كان باتا ملزما لطرفيه فلا يلزم له من بعد تعبير عن إرادة تنفيذ ما ترتب عليه من التزامات، وإذا كان المشتري لم يقم بتنفيذ التزامه بفتح الاعتماد فهو مقصر يسأل عن تقصيره وبتحمل تبعته ما لم ترفض الشركة إعفاءه منها وهو ما لم يحصل وعلى ذلك فإنه لا يسوغ تفسير نكول المشتري عن تنفيذ التزام منصوص عليه في العقد بأنه عدول عن التعاقد وحتى على فرض أن نيته اتجهت إلى العدول – وهو ما لم يقع – فإن ذلك ما كان ليؤثر في قيام التعاقد لأنه لم يلق قبولا من جانب الشركة البائعة، ولأن عدم مطالبة المشتري للشركة بأية مستندات قد تكون لازمة لفتح الاعتماد هو الآخر تقصير منه، فإذا كان فتح الاعتماد لا يتطلب إلا الترخيص والعقد وهما في حوزته فإن وجه التقصير يكون واضحا. ولا يمكن أن يؤخذ عدم تسجيل الشركة على المشتري لتقصيره في فتح الاعتماد دليلا على قصد العدول من جانبها لأنه يحمل على التسامح والثقة المتبادلة بين التجار لاسيما في المعاملات ذات الصبغة الدولية التي تطول فيها لإجراءات وتقتضي الرجوع إلى مراقبة النقد الأجنبي وجهات عديدة أخرى. كما أن عدم إخطار المشتري بشراء البضاعة لا يمكن أن يفيد العدول عن التعاقد لأن العقد لم يفرض على الشركة القيام بهذا الإخطار أما شراء المطعون ضده الأول بضاعة مماثلة من شركة أخرى دون أن يتصل بالشركة الطاعنة أو يعذرها فهو سلوك ينطوي على الالتواء ولا ينهض حجة على تلاقي نية الطرفين على العدول عن التعاقد وبخاصة وأن المشتري اضطرب في دفاعه فهو تارة ينكر علمه بالتعاقد ولا يتصور أن ينسب إلى من أنكر التعاقد قصد العدول عنه وتارة يتمسك بالتعاقد ويقيم الدعوى الفرعية مطالبا بالتعويض عن إخلال الشركة بالتزاماتها ولا يمكن أن ينسب إلى من يتمسك بالتعاقد قصد العدول عنه، فأيا ما كان دفاع الطاعن تنصلا من التعاقد أو تمسكا به فإنه يتنافى مع نسبة العدول إليه بل إن الحكم قد استخلص نية الطرفين المشتركة في العدول عن التعاقد من عزل إرادة كل متعاقد عن الآخر وبذلك خلا من بيان الأدلة على كيفية تلاقيهما عليه.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند في استخلاصه للتفاسخ إلى قوله “إنه بعد إبرام العقد قد انصرفت نية كلا الطرفين إلى العدول عنه وتلاقت نية كليهما في ذلك ويستفاد ذلك مما يأتي (أولا) لقد تم التعاقد على الصفقة في 24/1/1961 على أن يقوم المستأنف (المطعون ضده الأول) بفتح الاعتماد ولم يصدر منه ما يدل على نيته في تنفيذ ذلك كما أن الشركة البائعة (الطاعنة) لم يصدر منها ما يدل على تسجيل تقصير المستأنف في هذا الشأن من إعذار أو تنبيه كما أن المستأنف لم يصدر منه ما يفيد مطالبة الشركة بالأوراق اللازمة لفتح الاعتماد (ثانيا) أن الشركة البائعة لم تخطر المستأنف بقيامها بشراء البضاعة المتعاقد عليها في حينه بل سكتت حتى أرسل إليها السيد محامي المستأنف خطابه المؤرخ 11/10/1961 (ثالثا) إن ادعاء الشركة بشراء البضاعة وتخزينها ادعاء لا ترى المحكمة ما يؤيد صحته … وأنه لو صح ما تدعيه الشركة وكانت جادة في تنفيذ العقد وتخشى أن ينقضي الموسم ويحل موسم جديد تنخفض معه أسعار محصول الموسم السابق كما تقول لقامت بإنذار المستأنف ولجأت إلى القضاء لاستئذانه في بيع المحصول وفقا لما تخوله لها المادة 337 مدني (رابعا) أن المستأنف قد قام بشراء ما يحتاج إليه من الشطة من شركة أخرى وذلك دون أن يتصل بالشركة المستأنف عليها أو يعذرها وقبل إرسال خطاب محاميه المؤرخ 11/10/1961 (خامسا) أن خطاب المستأنف لا يطلب فيه تنفيذ التعاقد وإنما يطلب تسوية الموضوع وأن رد الشركة البائعة بإنذارها إنما تناول ما قالت إنه يحق المطالبة به كتعويض دون أن تبدي استعدادها لتنفيذ التعاقد. وحيث إن المحكمة تخلص مما سبق إيضاحه أن العقد المبرم بين الطرفين قد انحل ولم يعدله وجود بتلاقي نية الطرفين وإرادتهما وذلك بتصرفاتهما السلبية والإيجابية على السواء وعلى النحو المتقدم بيانه الأمر الذي تنعدم معه مسئولية كل منهما قبل الآخر”. وهذا الذي أقام الحكم عليه قضاءه ينطوي على فساد في الاستدلال ذلك أنه وإن كان استخلاص نية المتعاقدين على التفاسخ الضمني وتحصيل فهم الواقع في الدعوى هو مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أنها متى قالت بهذا التفاسخ فإن عليها أن تورد من الوقائع والظروف ما اعتبرته كاشفا عن إرادتي طرفي التعاقد وأن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان على حل العقد وأن يكون ما تورده من ذلك من شأنه أن يؤدي عقلا إلى ما انتهت إليه، ومتى كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على العقد المؤرخ 24 يناير سنة 1961 أن المشتري قد التزم فيه بفتح اعتماد بالثمن على أحد بنوك الخرطوم على أن يتم شحن البضاعة خلال ثلاثة شهور من تاريخ إخطاره الشركة البائعة بفتح هذا الاعتماد، وعلى ذلك يكون شحن البضاعة وتسليمها معلقا على تنفيذ التزام المشتري بفتح الاعتماد فإذا هو لم يفتح ذلك الاعتماد أو يطالب الشركة بتزويده بالأوراق اللازمة لذلك – لو صح ما يقوله من أن فتح الاعتماد كان في حاجة إلى غير الترخيص والعقد اللذين كانا في حوزته – واشترى ما يحتاج إليه من الشطة من شركة أخرى دون أن يتصل بالشركة الطاعنة فإن ذلك كله يكون إخلالا منه بالتزاماته الواردة في العقد لا يصح أن يستفاد منه أن نيته قد انصرفت إلى العدول عن تنفيذه وبخاصة أنه في خطابه المؤرخ 11 أكتوبر سنة 1961 الذي أرسله إلى الشركة الطاعنة أخذ عليها فيه عدم تنفيذها للعقد وذكر أن ذلك قد أضر به لأنه كان ملتزما مع عملائه بارتباطات مترتبة على تنفيذه ثم أقام على الشركة دعوى فرعية يطلب التعويض على أساس أنها أخلت بالتزاماتها الواردة في العقد، ولا يسوغ بعد أن أفصح هو عن تمسكه بالعقد على هذا النحو أن ينسب الحكم إليه نية العدول عنه وأن يستدل على ذلك بتقصيره في تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد. لما كان ذلك وكان استدلال الحكم المطعون فيه على نية الشركة الطاعنة في حل العقد بأنها لم تخطر المشتري بقيامها بشراء البضاعة المتعاقد عليها في حينه ولم تسجل عليه تقصيره في فتح الاعتماد وبأنها لم تلجأ إلى القضاء لاستئذانه في بيع المحصول بالمزاد وفقا للمادة 337 من القانون المدني هذا الاستدلال هو أيضا غير سائغ لأن العقد لم يلق على الشركة واجب إخطار المشتري بشراء البضاعة ولأن تقصيرها في أن تسجل عليه التأخير في فتح الاعتماد لا يمكن أن يدل على نيتها في العدول عن تنفيذ العقد بعد أن أفصحت عن نيتها في التمسك به في إنذارها المعلن في نوفمبر سنة 1961 ونبهت فيه على المشتري بأن يدفع لها المبالغ التي حددتها في هذا الإنذار كتعويض لها عن الأضرار التي أصابتها بسبب إخلاله بالتزاماته الناشئة عن العقد ولأن التجاءها إلى القضاء لاستئذانه في بيع المحصول وفقا للمادة 337 من القانون المدني هو أمر جوازي لها متروك لمشيئتها فإذا هي قدرت أنه لا مصلحة لها في اتخاذ هذا الإجراء فإنه لا يمكن أن يتخذ قعودها عنه قرينة على نيتها في العدول عن التعاقد، لما كان ذلك وكان ما انتهى إليه الحكم من اتجاه نية طرفي العقد إلى التفاسخ عنه يتنافى مع إصرار كل منهما على التمسك به في الدعوى التي أقامها على الآخر وطالب فيها بالتعويض على أساس إخلال الطرف الآخر بالتزاماته الناشئة عن هذا العقد ومع استمرار كل منهما متمسكا بالعقد وبإخلال الطرف الآخر بالتزاماته الناشئة عنه طوال نظر الدعوى أمام درجتي التقاضي دون أن يدعى أيهما حصول التفاسخ عنه. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالفساد في الاستدلال بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .