اجتهادات محكمة النقض المصرية في استخلاص نية القتل بالباعث على الجريمة – القصد الجنائي

الطعن 955 لسنة 46 ق جلسة 14 / 2 / 1977 مكتب فني 28 ق 54 ص 240 جلسة 14 من فبراير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إسماعيل حفيظ، ومحمد صفوت القاضي، والسيد شرعان، ومحمد علي بليغ.
————-
(54)

الطعن رقم 955 لسنة 46 القضائية

(1) إجراءات. “إجراءات المحاكمة”. محكمة الموضوع. “سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”. إثبات “بوجه عام”. حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب”. استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمام المحكمة. موضوعي.
(2) محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات. “شهود”. دفاع. “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. عدم التزامها ببيان علة ذلك.
(3)محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات. “بوجه عام”. “شهود”. حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم. حق لمحكمة الموضوع وحدها. لها أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق متهم. وتطرح ما عداه في حق آخرين.
(4) محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. استدلال. إثبات. “بوجه عام”. “شهود”. نقض. “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
لمحكمة الموضوع أن تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة. لها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
(5)محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. قتل عمد. قصد جنائي باعث. حكم. تسبيبه. “تسبيب غير معيب”.
استخلاص نية القتل من الظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
(6)محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. قتل عمد. باعث. سبق الإصرار. حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
استظهار الحكم سبق الإصرار من الباعث على الجريمة وتحريات المباحث من ذلك. سائغ.
(7)جريمة. “أركانها”. سبق إصرار. عقوبة. العقوبة المبررة. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم جدوى التمسك بانتفاء سبق الإصرار. ما دامت العقوبة المحكوم بها مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد.
(8)محكمة الموضوع. “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات. “شهود”. “خبرة”. حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني ليس بلازم. كفاية عدم تناقض جماع الدليل القولي والدليل الفني بما يستعصى على الملائمة والتوفيق.
(9) إثبات. “شهود”. حكم. “حجية الحكم”. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض. “أسباب. الطعن ما لا يقبل منها”.
البيان المعول عليه في الحكم هو الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي. دون غيره.
(10) إجراءات. “إجراءات المحاكمة”. إثبات. “شهود”. دفاع. الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره.
عدم التزام المحكمة استجابة ورداً إلا بالطلب الجازم ما دام مقدمه مصراً عليه في طلباته الختامية.
(11)إجراءات. “إجراءات المحاكمة”. إثبات. “شهود”. محكمة الجنايات. الإجراءات أمامها.
حق المحكمة في الإعراض عن سماع شهود النفي ما لم يتبع المواد 185، 186، 187 إجراءات.

————–

1 – لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
2 – أخذ المحكمة بأقوال شاهد يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله.
3 – إن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهى حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال رئيس المباحث وما تضمنته تحرياته وأخذت بتصويره للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين الذين قضت ببراءتهم. فإن ذلك حق لها. لأن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى.
4 – للمحكمة أن تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه، لما كان ذلك وكان الحكم قد حصل أقوال رئيس المباحث وتحرياته بما لا شبهة فيه لأي تناقض، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض صور الواقعة التي تناولتها التحريات وما أخذ به الحكم وما أطرح من أقوال الضابط وتحرياته واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن وحده دون المتهمين الآخرين لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى، واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
5 – لما كان الحكم المطعون فيه لم يستدل على توافر نية القتل في حق الطاعن بالباعث على الجريمة، كما يزعم الطاعن في وجه الطعن – بل استدل عليها بقوله “….. أنه قد أقدم على إطلاق سلاح ناري – بندقية خرطوش كان يحملها لهذا الغرض، وهو سلاح قاتل بطبيعته، كما أن مكان الإصابات التي كشفها الطبيب الشرعي في تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته تقطع بأنه قد تعمد إزهاق روحه….” ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، فإن نعي الطاعن يكون في غير محله.
6 – لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ظرف سبق الإصرار لدى الطاعن بالباعث على الجريمة وذلك بقوله “… وسبق الإصرار متوفر لديه من ثبوت اتهامه للمجني عليه بسرقة المبيدات الحشرية من الجمعية الزراعية التي يعمل خفيراً بها لإبعاده عن عمله”. وإذ كان الحكم قد استقى هذا الباعث من أقوال ضابط المباحث وتحرياته، وكان البين من مراجعة المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم منها له معينة في الأوراق – فقد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد.
7 – لا جدوى للطاعن من التمسك بانتفاء سبق الإصرار – على فرض حصوله – ما دامت العقوبة المحكوم بها وهى الأشغال الشاقة المؤبدة مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد.
8 – ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن أطلق على المجني عليه أعيرة نارية من البندقية الخرطوش المضبوطة من عيار 12 الخاصة بالمتهم الرابع ونقل عن شهود الواقعة وهم المتهمين من الثاني إلى الخامس قولهم أن الطاعن أخذ من المتهم الرابع بندقيته الخرطوش المرخصة له لإطلاق أعيرة منها ابتهاجاً بالعرس، وعندما مر عليهم المجني عليه ممتطياً دابته عاجله بإطلاق أعيرة منها عليه فسقط من فوق دابته قتيلاً – كما نقل الحكم من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه أصيب في ذراعه الأيمن ومقدم يمين الصدر والبطن والظهر بإصابات نارية من مقذوفات أطلقت من أسلحة خرطوش من مثل البندقية المضبوطة وأن الوفاة نشأت عن هذه الإصابات وأن السلاح المضبوط عبارة عن بندقية خرطوش ذات ماسورتين غير مششخنتين عيار 12 وأطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث…… وكان الطاعن لا يجادل فيما نقله الحكم عن تلك الأدلة ومأخذها الصحيح من الأوراق – وكان البين مما تقدم أن ما أخذ به الحكم وأطمأن إليه من أقوال المتهمين الآخرين في حق الطاعن لا يتعارض مع تقريري الصفة التشريحية وفحص السلاح المضبوط بل يتطابق معهما في عموم قولهم – وكان قول الطاعن بالعثور على أعيرة من عيار 16 بجوار الجثة بما يدل على تعدد الجناة وتعدد الأسلحة المستعملة في القتل لا يبعث على التناقض طالما أن الحكم لم يورد هذا الأثر في مدوناته ولأن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ولم يكن هذا الأثر بذي اعتبار لدى المحكمة طالما أن الطاعن لا يمارى فيما أثبته الحكم نقلاً عن الشهود بأنه هو وحده الذي أطلق الأعيرة النارية على المجني عليه من السلاح المضبوط، وفيما نقله عن الدليل الفني من أن الإصابات المشاهدة بالجثة تحدث من أعيرة تطلق من مثل السلاح المضبوط عيار/ 12 وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني في هذا الخصوص بما تضحى معه دعوى التعارض بين هذين الدليلين ولا محل لها.
9 – لما كان البيان المعمول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. فإن تزيد الحكم في معرض التدليل على ظرف سبق الإصرار بقوله إن الطاعن أطلق على المجني عليه طلقتين وهو خارج عن سياق تدليله على ثبوت تهمة القتل – لا يمس منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها ما دام قد أقام قضاءه على أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها لحمله، ومن ثم فإن منعي الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن المعاينة أسفرت عن وجود جثة المجني عليه على حافة الطريق المجاور لأشجار البرقوق البري وهو ما يتفق مع ما أورده الحكم بياناً للواقعة وما حصله من أقوال الشهود، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بدعوى الفساد في الاستدلال أو مخالفة الثابت بالأوراق يكون بدوره على غير سند.
10 – من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمى إليه به، ويصر عليه مقدمه في طلباته الختامية. وإذ كان البين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة أن الدفاع عن الطاعن وإن أشار في مستهل مرافعته إلى أن هناك شاهدين مدون اسميهما في ورقة وجدت في ملابس المجني عليه إلا أنه لم يتمسك بطلب سماعهما في طلباته الختامية. فليس له أن ينعي عليها عدم إجابته إلى طلبه.
11 – بفرض إصرار الطاعن على طلب سماع شاهدي النفي في ختام طلباته فإنه لا جناح على المحكمة إن هي أعرضت عن هذا الطلب ما دام الطاعن لم يتبع الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المواد 185 و186 و187 لإعلان الشهود الذين يطلب المتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم بدائرة مركز فوة محافظة كفر الشيخ المتهمون جميعاً: قتلوا……. عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك سلاحين ناريين “بندقية وفرد خرطوش” غير مششخنين وذلك بأن استدرجه المتهم الثاني لحضور حفل عرس بناحية عزبة السعدة وتربصوا له بالطريق حتى إذا ما ظفروا به أطلق عليه المتهم الأول (الطاعن) أعيرة نارية من بندقية كان يحملها قاصداً من ذلك قتله بينما وقف المتهم الثالث مزوداً بفرد خرطوش ومعهما باقي المتهمين لشد أزر زميلهم المتهم الأول (الطاعن) ومراقبة الطريق. فحدثت بالمجني عليه الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهم الأول (أولاً) أحرز سلاحين ناريين (بندقية وفرد خرطوش) غير مششخنين في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (ثانياً) أحرز ذخائر (طلقات) مما تستعمل في السلاح الناري الأول سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. المتهم الثالث أحرز سلاحاً نارياً “فرد خرطوش” غير مششخن في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. المتهم الرابع: سلم سلاحه (بندقية) سالف الذكر المرخص له به للمتهم الأول وفى غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات و1/ 1 و6 و26/ 1 – 4 و30 من القانون 394 سنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 سنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 الملحق. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام. (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهم المسندة إليه. (ثانياً) بمعاقبة المتهم الرابع بتغريمه عشرة جنيهات عن التهمة الرابعة مع مصادرة البندقية المضبوطة وبراءته من باقي التهم المسندة إليه. (ثالثاً) ببراءة باقي المتهمين مما اسند إليهم. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض…. إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور وتناقض في التسبيب، وفساد في الاستدلال فضلاً عن مخالفة الثابت بالأوراق، والإخلال بحق الدفاع – ذلك أنه اعتمد في قضائه بإدانة الطاعن على أقوال ضابط المباحث وتحرياته رغم تعدد وتعارض الصور التي تناولتها هذه التحريات في تصوير الحادث، وأخذ بها في حق الطاعن وحده، دون المتهمين الآخرين الذين قضى ببراءتهم مع إنها قد شملتهم كشركاء في الجريمة، واستدل على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار في حق الطاعن من ضغينة سابقة لسبق اتهامه المجني عليه بسرقة مبيدات حشرية من الجمعية التعاونية الزراعية التي يعمل خفيراً بها لإبعاده عن عمله وهو أمر لا سند له في الأوراق كما عول على الدليلين القولي والفني رغم تعارضهما دون أن يعنى برفع ما بينهما تناقض إذ حصل من الدليل القولي أن الطاعن أطلق عيارين على المجني عليه فسقط من فوق دابته قتيلاً في الطريق مما لازمه وحدة مسافة الإطلاق واتجاهه ووجود الجثة على أرض الطريق، في حين أن ما أورده التقرير الطبي الشرعي من وجود أربعة إصابات بالجثة من أربعة عيارات نارية أطلقت من مسافات واتجاهات مختلفة وما أسفرت عنه المعاينة من وجود الجثة وسط زراعة البرقوق البري وبجوارها حشارات لأعيرة مختلفة من عيار 12، 16 يدل على تعدد الجناة وتنوع أسلحتهم ومطاردتهم للمجني عليه وأخيراً فإن المحكمة لم تستجب إلى طلب الدفاع سماع شاهدي نفي مدون اسميهما في ورقة وجدت في ملابس المجني، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح في الأوراق وتؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال رئيس المباحث وتحرياته المتهمين الآخرين وما جاء بتقرير الصفة التشريحية وتقرير فحص السلاح المضبوط – لما كان ذلك. وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. ومتى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله – وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهى حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال رئيس المباحث وما تضمنته تحرياته وأخذت بتصويره للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين الذين قضت ببراءتهم، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، كما لها أن تعول في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه وكان الحكم قد حصل أقوال رئيس المباحث وتحرياته بما لا شبهة فيه لأي تناقض، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض صور الواقعة التي تناولتها التحريات وما أخذ به الحكم وما أطرح من أقوال الضابط وتحرياته واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن وحده دون المتهمين الآخرين لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل، وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى، واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض – لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يستدل على توافر نية القتل في حق الطاعن بالباعث على الجريمة – كما يزعم الطاعن في – في وجه الطعن – بل استدل عليها بقوله: “…. أنه قد أقدم على إطلاق سلاح ناري – بندقية خرطوش كان يحملها لهذا لغرض، وهو سلاح قاتل بطبيعته، كما أن مكان الإصابات التي كشفها الطبيب الشرعي في تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته تقطع بأنه قد تعمد إزهاق روحه “ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ ما كان الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد ولا محل له – لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر ظرف سبق الإصرار لدى الطاعن بالباعث على الجريمة و ذلك بقوله: “وسبق الإصرار متوفر لديه من ثبوت اتهامه للمجني عليه بسرقة المبيدات الحشرية من الجمعية الزراعية التي يعمل خفيراً بها لإبعاده عن عمله”، وإذ كان الحكم قد استقى هذا الباعث من أقوال ضابط المباحث وتحرياته، وكان البين من مراجعة المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم منها له معينه في الأوراق – فقد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد – فضلاً عن أنه لا جدوى للطاعن من التمسك بهذا السب في الطعن – على فرض حصوله – ما دامت العقوبة المحكوم بها وهى الأشغال الشاقة المؤبدة مقررة لجريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ولا ترصد – لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن يطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن أطلق على المجني عليه أعيرة نارية من البندقية الخرطوش المضبوطة من عيار 12 الخاصة بالمتهم الرابع ونقل عن شهود الواقعة وهم المتهمين من الثاني إلى الخامس قولهم أن الطاعن أخذ من المتهم الرابع بندقيته الخرطوش المرخصة له لإطلاق أعيرة منها ابتهاجاً بالعرس، وعندما مر عليهم المجني عليه ممتطياً دابته عاجله بإطلاق أعيرة منها عليه فسقط من فوق دابته قتيلاً – كما نقل الحكم من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليه أصيب في ذراعه الأيمن ومقدم يمين الصدر والبطن والظهر بإصابات نارية من مقذوفات أطلقت من أسلحة خرطوش من مثل البندقية المضبوطة وأن الوفاة نشأت عن هذه الإصابات وأن السلاح المضبوط عبارة عن بندقية خرطوش ذات ماسورتين غير مششخنتين عيار 12 وأطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث وكان الطاعن لا يجادل فيما نقله الحكم عن تلك الأدلة ومأخذها الصحيح من الأوراق – وكان البين مما تقدم أن ما أخذ به الحكم واطمأن إليه من أقوال المتهمين الآخرين في حق الطاعن لا يتعارض مع تقريري الصفة التشريحية وفحص السلاح المضبوط بل يتطابق معهما في عموم قولهم – وكان قول الطاعن بالعثور على أعيرة من عيار 16 بجوار الجثة بما يدل على تعدد الجناة وتعدد الأسلحة المستعملة في القتل لا يبعث على التناقض طالما أن الحكم لم يورد هذا الأثر في مدوناته لأن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ولم يكن هذا الأثر بذي اعتبار لدى المحكمة طالما أن الطاعن لا يمارى فيما أثبته الحكم نقلاً عن الشهود بأنه هو وحده الذي أطلق الأعيرة النارية على المجني عليه من السلاح المضبوط، وفيما نقله عن الدليل الفني من أن الإصابات المشاهدة بالجثة تحدث من أعيرة تطلق من مثل السلاح المضبوط عيار/ 12 وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني في هذا الخصوص بما تضحى معه دعوى التعارض بين هذين الدليلين ولا محل لها، وكان ما قالته المحكمة بعد ذلك في معرض التدليل على توافر ظرف سبق الإصرار بأن الطاعن عاجل المجني بطلقتين ناريتين من البندقية فأرداه قتيلاً وغير مؤثر على سلامة حكمها ذلك أن ما يخرجه من هذا القبيل أنه لم يكن منصباً على بيان الواقعة أو أدلتها، بل ساقته المحكمة في معرض حديثها عن ظرف سبق الإصرار، وبعد أن استوفى الحكم دليله في إثبات فعل القتل الذي قارفه الطاعن بما لا تعارض فيه بين الأدلة القولية والفنية، وكان من المقرر أن البيان المعمول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. فإن تزيد الحكم في معرض التدليل على ظرف سبق الإصرار بقوله أن الطاعن أطلق على المجني عليه طلقتين وهو خارج عن سياق تدليله على ثبوت تهمة القتل – لا يمس منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها ما دام قد أقام قضاءه على أسباب صحيحة غير متناقضة كافية بذاتها لحمله ومن ثم فإن منعي الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن المعاينة أسفرت عن وجود جثة المجني عليه على حافة الطريق المجاور لأشجار البرقوق البري وهو ما يتفق مع ما أورده الحكم بياناً للواقعة وما حصله من أقوال الشهود ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بدعوى الفساد في الاستدلال أو مخالفة الثابت بالأوراق يكون بدوره على غير سند. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمى إليه به، ويصر عليه مقدمة في طلباته الختامية – وإذ كان البين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة أن الدفاع عن الطاعن وأن أشار في مستهل مرافعته إلى أن هناك شاهدين مدون اسميهما في ورقة وجدت في ملابس المجني عليه إلا أنه لم يتمسك بطلب سماعها في طلباته الختامية. فليس له أن ينعي عليها عدم إجابته إلى هذا الطلب أو الرد عليه هذا وبفرض إصرار الطاعن على طلب سماع شاهدي النفي في ختام طلباته فإنه لا جناح على المحكمة إن هي أعرضت عن هذا الطلب ما دام الطاعن لم يتبع الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المواد 185 و186 و187 لإعلان الشهود الذين يطلب المتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس واجب الرفض موضوعاً.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .