.ابتداءاً من المؤكد ان من يلجأ الى تضمين اتفاقاته بنوداً تتعلق بحجية المحرر الالكتروني في الاثبات(1) ، هو من يركن اليه في التعامل باعتباره اداة فاعلة لتبادل المعلومات والبيانات في التفاوض على العقود وابرامها عن بعد ، فهو اذن المتعامل الكترونياً خاصة في ضوء ما تقدم بيانه من مشكلات الاثبات بالمحرر الالكتروني وصعوبة الاعتداد به كدليل كتابي كامل ، وعلى هذا الاساس نتساءل :

هل كل متعامل يعتمد الوسائط الالكترونية في اجراء تعاملاته يستطيع الاستفادة من هذه الاتفاقيات لتوفير القبول القانوني للمحرر الالكتروني في الاثبات؟ وما هو مدى الاستفادة منها وهل تتمثل بمجرد اضفاء قوة ثبوتية على المحرر الالكتروني او تتعدى الى تحديد قوة ثبوتية معينة مع ما يترتب على ذلك من نتائج قانونية كافة؟ هذا ما نسعى الى التعرف اليه من خلال هذا الموضوع وعلى مدى فرعين.

الفرع الاول : النطاق الشخصي

لاينكر منصف ما توفره الاتفاقات المنظمة لاثبات التصرفات القانونية وجوداً او انقضاءا ، من حلول للمتعاملين بالوسائط الالكترونية اذ تساعدهم في تذليل العقبات القانونية التي تعترض سبيل الاعتراف بحجية المعلومات والبيانات المسطورة على وسائط غير تقليدية كالإلكترونية ، لكن وعلى ما بدا لنا ان هؤلاء المتعاملين تتفاوت امكانياتهم في تلمس الحاجة الى ابرام مثل هذه الاتفاقات بالنظر الى طبيعة اعتمادهم على الوسائط الالكترونية كأداة لأجراء ما يلزمهم من التصرفات القانونية عبرها . وعليه نستطيع تصنيف المتعاملين الكترونياً الى ثلاث فئات يختلفون من حيث قدراتهم على اجراء هذه الاتفاقات ، على ان ذلك يلقى بظلاله على الاتفاق نفسه ويكسبه مميزات قد تتعارض مع المبادئ العامة في القانون .

المقصد الاول :- الفئة الاولى

تضم المتعامل الدائم العرضي الذي يأتي كعضو ضمن شبكة اتصال مغلقة على اعضائها فقط ، ويقتصر فيها على اطراف من ذوي العلاقات التعاقدية المسبقة بحيث ، يمتنع على غيرهم الولوج في هذه الشبكة دون الانتماء المسبق.

وضمن هذه الفئة فأن من السهل جداً وعلى رأي جانب من الفقه(2) ان تؤتي الاتفاقات المسبقة ثمارها كحل قانوني سليم لاضفاء القوة الثبوتية على المحررات الالكترونية على اعتبار ان الافراد قد ارتضوا من الاصل في تعاقداتهم (( نظام معلوماتي خاضع لنظام يرتضي حجية وسائل الاثبات الحديثة في الاثبات))(3). لذا فأن الاتفاقات المعدلة للأثبات والتي تنصب على اعطاء القوة الثبوتية للمحرر الالكتروني ، هنا هي (( الاتفاقات الغير الموقعة التي يرتضي الافراد في تعاقداتهم الموقعة المثول لا حكامها باعتبار ان توقيعهم على العقد الاصلي يعد بمثابة توقيع على هذه الاتفاقات))(4). ويضرب اصحاب هذا الرأي مثلاً بالذين يطلبون الخدمة من بنوك المعلومات ، اذ يظهر امام طالب خدمة الاشتراك في بنوك المعلومات وعلى شاشة الحاسوب شروط الاستفادة من الخدمة التي يقدمها البنك ، فأن قبل الدخول في النظام المعلوماتي ، فأن قبوله هذا يحمل على محمل الامتثال لما ورد ابتداءاً من شروط وهو مايعبر عنه الاستاذ CAUDRAT دليلا” اكثر قوة من الدليل الكتابي على ذلك(5). يتضح لنا مما تقدم ان من اهم ما يميز الاتفاقات التي تمس دليل الاثبات هنا هي :

انها اتفاقات مستفادة ضمناً ولو لم يرد بِشأنها بند خاص لكونها تأتي ضمن مفترضات القبول الاصلي على الايجاب المطروح للكافة عبر شبكة اتصال مقفله لغرض الاشترك بها، وربما يجدون اصحاب هذا الرأي في القاعدة القانونية القاضية في ان (( لاينسب الى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة الى القبول يعتبر قولاً))(6) ما يسوغ وجهة نظرهم في الاعتداد بهذه الاتفاقات الضمنية.
انها اتفاقات لاحقة على الاتفاق الاصلي المنصب على الاشتراك في الخدمة وعلى مايبدو انه يتم الاحتجاج بها في اثناء نشوء النزاع على اعتبار ان الفرد قد ارتضى الدخول في نظام لا ورقي لذا من الطبيعي ان تتسم ادلته في الاثبات من ذات الطبيعة اللاورقية ، وكان الاجدر بالمتعامل ان لم يرق له التعامل اللاورقي عدم الدخول اصلاً في تلك العلاقة التعاقدية .
ولطالما كانت هذه الاتفاقات ضمنية ولاحقة فأن صياغتها لاتأتي ضمن قالب شكلي تقليدي يتمحور على كتابة وتوقيع صادرة عن الخصم .
ان اثبات وجود هذه الاتفاقات يخرج من نطاق القاعدة في وجوب اثبات التصرفات القانونية بالدليل الكتابي لا على اساس كونها تقع ضمن الحد التشريعي الذي يسمح بالاثبات بشهادة الشهود ، بل لكون هذه الاتفاقات قد حولت عناصر المحرر الالكتروني الى وقائع مادية يجوز اثباتها بطرق الاثبات كافة بما فيها البينة او القرائن التي تتمثل بواقعة الدخول في نظام معلوماتي خاضع لنظام يرتضي حجية وسائل الاثبات الحديثة ، لذلك يشترط من يرى فيها اتفاقات معدلة للاثبات جعل الاطلاع على احكام هذا النظام مشروعة في كل وقت بناء على طلب العضو(7).

لهذا نستطيع القول ان الاتفاق الاصلي المنصب على الاشتراك بخدمة في بنك المعلومات او النوادي المعروفة على صعيد الانترنت ، لايعد اتفاقاً على تعديل الاثبات من جهة ولا يتضمن معنى قبول طالب الخدمة بالاحتجاج بالوسائل الالكترونية في الاثبات لتعارض ذلك مع القانون الذي يفرض ابتداءاً هو ان تكون هذه الاتفاقات مكتوبة اذ لايجوز اثباتها بالشهادة(8) وان كان وجود شهود وقت الدخول الى النظام المعلوماتي فرض نادر ، وان اجيز الاعتداد بالاتفاق الضمني فأنه يتمثل حينها بعدم تمسك الخصم بعدم جواز الاثبات بالشهادة في اثناء نظر النزاع امام محكمة الموضوع(9) وحينها يكون برأينا دفع تم التنازل عنه لا اتفاق ضمني اذ لايتصور الاتفاق بين الخصوم(10)لانهم من ذوي المصالح المتعارضة.

المقصد الثاني :- الفئة الثانية

وتضم المتعامل الدائم للوسائط الالكترونية لكن ضمن شبكة اتصال مفتوحة امام الكافة كالاشخاص الذين يزاولون اعمالاً تجارية او مهنية عبر شبكة الانترنت بشكل دائم ومنظم وبشكل شبه متكرر ، وهؤلاء لهم مصلحة اكيدة بابرام الاتفاقات التي تنصب على الاثبات ، يمنح بموجبها المحررات الالكترونية قيمة ثبوتية للملفات والمستندات المعلوماتية التي تستجيب لمعايير يحددونها فيما بينهم ونتناول مثلاً اصول تكوين الملفات او ارشفتها او حفظها وذلك بمعزل عن نظام الاثبات المعمول به(11). ويتضح مما تقدم ان الاتفاقات المعمول بها عند هؤلاء لاضفاء قوة ثبوتية على المحررات الالكترونية تتميز بما يلي :

1-انها اتفاقان ابتدائية/أولية ، يوقعها المتعاقدون قبيل بدء التعامل وتحدد فيه الشروط العامة للصفقات والعقود التي ستنشأ مستقبلاً فيما بين المتعاقدين بالوسائط الالكترونية ويمنح بموجبها المحرر الالكتروني المتبادل بينهما القوة الثبوتية المطلوبة(12).

2- انها اتفاقات مكتوبة وموقعة وبالتالي فأن اثبات وجودهما يخضع للقاعدة العامة في اثبات التصرفات القانونية .

3-ان هذه الاتفاقات اما ان ترد ضمن اتفاق مستقل عن الاتفاق الاصلي للصفقات بين المتعاقدين ، وهذا هو الشكل المبسط لها ويسمى بلغة الانترنت برسالة التجارة الالكترونية وهو عقد يأخذ ظاهر رسالة كما تؤكد تسميته(13). أو يأتي هذا الاتفاق على شكل بند او شرط يدرج ضمن شروط الاتفاق الاصلي ونجد المثال الحي والاني لهذه الاتفاقات ما معمول به بالنسبة للبنوك المصدرة لبطاقات الصرف الالي او بطاقات الأئتمان المصرفي(14).

المقصد الثالث :- الفئة الثالثة

وتشمل الاغلب الاعم من المتعاملين عبر الانترنت وتتمثل بالمتعامل العرضي او المؤقت ، اذ التعامل مع الشبكة المفتوحة يتسم بالظرفية والآنية وخارج اطار أي علاقات تعاقدية مسبقة ، وفيه يصعب تصور الاستفادة من الحل الذي تقدمه الاتفاقات لتعذر اجرائها من الناحية العملية(15). لذا فأننا نجد ان نطاق الاستفادة من الاتفاقات المعدلة لقواعد الاثبات الموضوعية في توفير مساحة قبول قانوني للمحرر الالكتروني محدود جداً قياساً الى نسبة مستخدمي الانترنيت حيث يشكل المتعامل العرضي نسبة الغالبية العظمى من مستخدميها. بل وحتى ضمن هذا النطاق المحدود(16)، فأننا سوف نلاحظ ان هذه الاتفاقات تثير التحفظ لدى الفقه ازاء الكثير من النتائج القانونية المترتبة على الاخذ بها التي تصل الى حد التعارض مع اهم المبادئ العامة في الاثبات او القواعد العامة في العقود . لذا نجد من الضروري التعرف الى اهم الاثار القانونية التي تترتب بناء على ماتنطوي عليه هذه الاتفاقات من مضمون خلال الفرع الثاني .

الفرع الثاني : النطاق الموضوعي

بوجه عام تختلف الآثار القانونية التي تترتب على الاتفاقات التي تمس قواعد الاثبات بالتعديل بحسب الهدف المبتغى الوصول اليه من قبل المتعاقدين ،فبعض هذه الاثار قد تكون نتيجة مباشرة واصلية لما تم تدوينه من مضامين والبعض الاخر قد يترتب عرضياً وان لم يقصدها المتعاقدان وعلى التفصيل التالي :

المقصد الاول :- الاثار القانونية البسيطة

قد يتمثل الهدف من تنظيم مسألة الاثبات من قبل اطراف التصرف ، في جعل مهمة احد الاطراف في اثبات حقه سهلة وميسورة من خلال التحرر من القاعدة القانونية التي تحدد نطاق الاثبات بشهادة الشهود وتوجب الدليل الكتابي فيما يتجاوز ذلك النطاق(17). لذا فأن اهم اثر يترتب وبشكل مباشر لهذا الاتفاق المعدل للاثبات يتمثل في تجاوز حدود القيد المفروض استناداً الى النص القانوني(18) في اثبات الوقائع القانونية والانطلاق منه الى رحاب الاثبات الحر الذي يمكّن المتعاقدين من اثبات حقوقهم او نفيها بطرق الاثبات كافة بخلاف القاعدة القانونية ، وبغض النظر عن قيمة التصرف محل النزاع، ولعل اهم اثر غير منظور ولم يكن يقصده المتعاقدان ويترتب عرضياً يتمثل في الانتقال من المجال الذي تسلب فيه سلطة القاضي(19) الى المجال الذي يستعيد فيه القاضي ماله من سلطة تقديرية منحت له بموجب القانون متى ما كان الاثبات حراً او اضحى مطلقاً بموجب القانون او الاتفاق(20). اما في الحالة التي ينصب فيها اتفاق الاطراف المعدل للأثبات على الاحتجاج بوسيلة بعينها من غير الدليل الكتابي التقليدي ، فأن الاثر لايتجسد بالتحرر من الاثبات المقيد بدليل نص عليه القانون بل يبقى الاثبات مقيدا” الا ان مصدر القيد هنا الارادة لا القانون ، وان كل الذي حصل برأينا هو عملية إستبدال طريقة بآخرى من طرق الاثبات ، ما كان ليتم قبول تلك الطريقة في ظل القواعد القانونية في الاثبات لولا هذا الاتفاق ، وهذا ما ادركته الشركات والبنوك التي تقوم على تسويق خدماتها وبضائعها عبر شبكة الانترنيت اذ تعمد الى اعمال مثل هذه الاتفاقات بنية تنظيم الاحتجاج بوسائل الاتصال الحديثة والتي تتمثل بالمحررات الالكترونية لتلافي المشاكل الناتجة عن عدم قبولها من الناحية القانونية في الاثبات ، وبموجب هذا الاتفاق الموقع من قبل العميل او طالب الخدمة او المشتري عن طريق الانتريت ، يتم استبدال الدليل الكتابي بحسب المفهوم التقليدي بمحرر كتابي يصعب تكييفه قانوناً كدليل كتابي كامل الحجية مع بقاء ما يتمتع به القاضي من سلطة تقديرية في تقييم الدليل.

المقصد الثاني :- الاثار القانونية المركبة

ان كل ما تقدم يقع ضمن دائرة الاثار البسيطة مباشرة كانت أو غير مباشرة قصدها المتعاقدان او لم يقصداها ، الا ان الامر يزداد تعقيداً حينما يلجأ المتعاقدان الى تحديد حجية بذاتها للمحرر الالكتروني اما بمساواته بالمحرر الورقي بصورته العادية ، او بجعله غير قابل للطعن به اوالاعتراض عليه من قبل الطرف الآخر من اطراف العلاقة العقدية . وهنا يظهر امامنا اثر مباشر الا انه مركب ، فلم يقتصر الاتفاق على اقحام وسيلة جديدة من وسائل الاثبات وفرضها على الخصم والقاضي على حد سواء مخالفة للقواعد العامة في الاثبات ، بل وتحديد حجية معينة بذاتها و بشكل ارادي مسبق وبعيداً عن القانون والقاضي ! فما الاثار القانونية لمثل هذه الاتفاقات؟

ونرى انها تؤدي وبشكل مباشر الى ترتيب ما يلي من الاثار القانونية :-

ان الاتفاق المسبق على تقدير قوة ثبوتية للمحرر الالكتروني مساوية لتلك التي تضفى على المحرر العادي ، يؤدي الى اضفاء حجية تفوق حجية المحرر العرفي ، وذلك لان الاخير يجيز القانون دحضه بانكار الخصم للخط المدون به المحرر او انكارما ينطوي عليه من توقيع ان لم يكتب بخط اليد(21)، والمعروف ان تقنية الوسائط الالكترونية لاتوفر مثل هذه الضمانات للخصم اذ لا وجود لمحرر ورقي منذ البداية لكي يكون مكتوباً بخط يده او حتى موقعاً توقيعاً تقليدياً ليتسنى للخصم انكاره(22) ، مما يعني تعطيل مثل هذا النمط من الضمانات القانونية للمشتري او طالب الخدمة على شبكة الانترنت ، وبالتالي حرمانه من اثبات عكس ما ورد في المحرر الكترونياً لكونه امرا” غير متاح تقنياً وعملياً.

ايراد عبارة تفيد عدم امكانية الطعن بالمحرر الالكتروني او لاتجيز الاعتراض عليه من شأنها معادلة المحرر الالكتروني بالمحرر الرسمي بمفهومه القانوني من حيث القوة الثبوتية ، اذ لم يبقَ امام العميل او المشتري عن طريق الانترنت سوى امكانية الطعن بالمحرر بالتزوير(23) كما هو شأن المحررات الرسمية.

قلب عبء الاثبات من الخصم الذي كان يجب عليه تحمله قانونا” الى الخصم الاخر ،ويستفاد هذا الاثر اما صراحة من خلال عدم السماح للخصم الاعتراض على ما يتضمنه المحرر الالكتروني من معلومات ، اذ يفترض رضا العميل بما جاء في الاتفاقات من شروط تعاقدية حتى يقوم الدليل على عكس ذلك بأن يثبت العميل بأنه لم يرض بهذه الشروط وقت ابرام العقد او ان ارادته كانت معيبة بأحد عيوب الرضا(24) ، او يستفاد ضمناً حينما يضفي الاتفاق قوة ثبوتية كاملة للمحرر الالكتروني شأنه شأن المحررات العادية(25).

ازاء ما تقدم امامنا من اثار قانونية ، يكون باستطاعتنا تبرير وجهة نظر بعض الفقهاء الذين وجدوا في الاتفاقات المعدلة لقواعد الاثبات الموضوعية ما ينطوي على اهدار الحق في الاثبات وبهذا الصدد ذهب احد الفقهاء المصريين الى انه (( وان كان صحيحاً ان القواعد الموضوعية المنظمة للاثبات لاتتعلق في معظمها بالنظام العام ، ومن ثم يجوز الاتفاق على خلاف حكمها ، الا ان هذا الاتفاق لايجب ان يذهب الى حد حرمان احد طرفيه من الحق في الاثبات عموماً ، صراحة وضمناً))(26).

وخلص الى رأي مفاده صحة الاتفاق المعدل للاثبات طالما انه لايمس القواعد المنظمة لحجية ادلة الاثبات وطرق انكار هذه الحجية ، فالاخيرة يجب ان تترك لتقدير القاضي(27) .

ونحن بدورنا نتفق مع الرأي المتقدم لان الادلة الثبوتية تنقسم من حيث الحجية الى ادلة ذات حجية ملزمة وهي الادلة التي حدد القانون قدر حجيتها ولم يمنح للقاضي سلطة تقديرها وتتمثل بالادلة الكتابية والاقرار واليمين والقرائن القانوني(28)، أي المشرع هو من يتولى مهمة تحديد القيمة الثبوتية لكل منها ولم يترك تقديرها للقاضي الذي هو موضع ثقة الدولة في تطبيق القانون واحقاق الحق ، فكيف يتصور ان المشرع يترك امر تقدير حجيتها لمحض مشيئة الافراد الذين يصبحون فيما بعد النزاع خصوم لاسيما فيما يتعلق بالاتفاقات التي يكون محلها اجازة الاثبات بالمحررات الالكترونية . اذ من المحتمل جداً ان يكون احد طرفي الاتفاق غير خبير بالامور الفنية والتقنية مما يثير شبهة التعسف ، اما بخصوص ادلة الاثبات ذات الحجية غير الملزمة التي يملك القاضي سلطة تقديرية ازاء حجيتها وتتمثل في الشهادة والقرائن القضائية (29)، فبالتأكيد ان المشرع لم يقصد بذلك السماح للافراد في التدخل بتحديد حجيتها بل حصر امر تقديرها للقاضي الذي هو الحكم بين طرفين متنازعين على حق ما . كما ان المصلحة العامة تفرض على القضاء القيام بوظيفته على اكمل وجه لكي يثق الافراد به،وتؤدي العدالة وظيفتها ، وان اضفاء الحجية القاطعة على بعض الوسائل بناء على اتفاق ما يعرقل سير القضاء(30).

وكذلك فأن الاتفاقات التي تذهب الى تقدير حجية المحررات الالكترونية تصطدم بحق الخصم في الاثبات،وما يترتب على هذا الحق من مبادئ يقوم عليها قانون الاثبات نفسه،وقد تصل درجة التعارض الى حد مخالفة القواعد العامة في العقود .

_________________

[1] – على اعتبار ان القاعدة القانونية التي تنظم طرق الاثبات هي جملة قواعد الاثبات الموضوعية وعلى التفصيل السالف الذكر في المطلب الاول من هذا المبحث من نفس المصدر.

2 – من ضمنهم من الفقه الفرنسي :

Philippe GAUDRAT ،Droit la prevue et nou ve lles technologies de l’information ( Rapport- codre ) in Une societe sans papier? P.17

اشار اليه د. محمد حسام محمود لطفي : استخدام وسائل الاتصال الحديثة في التفاوض على العقود وإبرامها – القاهرة – 1993 -ص19-هامش رقم (94)

ومن الفقه العربي وسيم الحجار : الاثبات الالكتروني – منشورات صادر الحقوقية – بيروت -ص59 ، د.محمد حسام محمود لطفي-مصدر السابق -ص19

3- د. محمد حسام محمود لطفي-المصدر السابق -ص19

4- GAURAT ،ibid، p.178.

5- GAURAT ،،op.cit، p.179.

6- قضت المادة (81) من القانون المدني العراقي رقم ( 40 ) لسنة 1951على ان (( 1- لاينسب الى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة الى البيان قبولاً .2- ويعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص اذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل او اذا تمخض الايجاب لمنفعة من وجه اليه . وكذلك يكون سكوت المشتري بعد ان يستلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في قائمة الثمن من شروط )).

7- ph.GAUDRAT ،Droit de la prevue et nouvdles technologies de linformation (Rapprt-cadre)،op.cit، p.179.

8- د. رمضان ابو السعود-اصول الاثبات في المواد المدنية والتجارية -الدار الجامعية -بيروت -1985-ص67.

9- د. سعدون العامري-موجز نظرية الاثبات -الطبعة الاولى -بغداد -1966-ص99.

10- في هذا الصدد ذهبت محكمة التمييز في العراق (( لدى التدقيق والمداولة وجد ان الحكم المميز صحيح وموافق للقانون وذلك لان المدعى عليه في جلسة المرافعة المؤرخة 8/12/1974 اجاب بأنه لامانع لديه من الاستماع الى شهادة الشهود الذين ذكرهم المدعي ….. فيكون المدعى عليه قد تنازل عن صحة في الاثبات بالنسبة التحريرية الى البنية الشخصية وان المحكمة أقتنعت بصحة هذه الشهادات…..)).

القرار رقم 54/8/مدنية ثالثة /1975في 5/9/1975 مجموعة الاحكام العدلية-العدد الثالث-السنة السابعة- 1976-ص7-8 اشار اليه د. حسين عبد القادر معروف : فكرة الشكلية – رسالة دكتوراة – جامعة بغداد – 2004 -ص84.

1[1] – د. طوني ميشيال عيسى : التنظيم القانوني لشبكة الانترنت – الطبعة الاولى – صادر للمنشورات الحقوقية / 2001-ص363.

12- Hance ( o. ) ،Business et Droit d’lntemet ،Best of Educations 1996 .p.149.

13- وسيم الحجار : الاثبات الالكتروني – منشورات صادر الحقوقية – بيروت -ص59.

14 – لقد درجت البنوك منذ فترة طويلة على تضمين عقود اصدار بطاقات الائتمان او بطاقات السحب الالي شروطاً تهدف الى اعطاء الحجية الكاملة للتوقيع الالكتروني الذي يصاحب استخدام هذه البطاقات. د. عبد الفتاح بيومي حجازي : مقدمة في التجارة العربية – الكتاب الثاني – النظام القانوني للتجارة الالكترونية في دولة الامارات العربية المتحدة – دار الفكر الجامعي -الإسكندرية – طبعة 2003 ، ص346، د. محمد المرسي ابو زهرة : الدليل الكتابي وحجية مخرجات الكومبيوتر في الاثبات في المواد المدنية والتجارية – من بحوث مؤتمر القانون والكومبيوتر والانترنت – 1-3 مايو – جامعة الامارات العربية المتحدة -ص29.

15- ضياء امين مشيمش : التوقيع الالكتروني- صادر للمنشورات الحقوقية – لبنان – 2003-ص60.

16- تشمل الاتفاقات المنظمة للأثبات في ميدان التعامل الالكتروني ميادين مختلفة منها :1.(( الخدمات المعلوماتية :- استغلال المعلومات المخزنة ، استثمار اجهزة الحاسوب لتبادل المعلومات الرقمية ) يتحدد سعر الخدمات المقدمة استناداً الى وحدة نوعية معينة : عدد المعاملات او عدد التسجيلات المعالجة او المخزنة او مدة استخدام النظام ، ويتم الارتكاز في عملية التسعيير على الكشف المبرز من مقدم الخدمات ، مع اعطاء المتعامل حق الاعتراض عليه )).2.((تحرير الفواتير :- من قياس الكمية او الوقت واصدا الفواتير المناسبة عند استهلاك الغاز والكهرباء والماء والهاتف )) وسيم الحجار -مصدر سابق-ص62.

17- يراجع نص المادة (77) من قانون الاثبات العراقي.

18- د. ثروت عبد الحميد : التوقيع الالكتروني – الطبعة الثانية – مكتبة الجلاء الجديدة – المنصورة – 2002 -ص98-99.

19-وليكون الاثبات مقيداً من ناحية طرق الاثبات متى ما وردت الاخيرة في القانون على سبيل الحصر ، ومتى ما حدد المشرع القيمة الثبوتية لادلة الاثبات ولم يتركها لتقدير القاضي بل ولايتوقف التنفيذ عن هذا الحد على رأي الدكتور آدم وهيب النداوي بل تشمل ايضاً (( تقسيم مضامين الاجراءات المضادة للدليل من ادعاءات الطرفين ، والحالة التي عرضت فيها الادلة ، واليقين الذي يحتمل استخلاصه من سلوك الطرفين ، وجميع الظروف الاخرى )) وهذا ما معمول به برأينا ازاء ادلة الاثبات الملزمة والتي تشمل ( الادلة الكتابية ، الاقرار، اليمين ، القرائن القانونية ، يراجع على سبيل المثال نصوص المواد (22- 25 -26 27 – 67 ..) اثبات عراقي ، د. آدم وهيب النداوي-دور الحاكم المدني في الاثبات-مصدر سابق -207 ومابعدها .

20 – يراجع نصوص المواد ( 18- 77/2 -78-79 ) من قانون الاثبات العراقي وفي جميع هذه المواد يصبح الاثبات جائزاً بجميع طرق الاثبات بعد ان كان محدداً بالدليل الكتابي ويصبح المجال مفتوحا مام ادلة الاثبات غير الملزمة والتي تشمل ( الشهادة ، القرائن القضائية ، المعاينة ، الخبرة ) وازاءها يمنح القاضي سلطة تقديرية واسعة بخلاف ماله من سلطة ازاء ادلة الاثبات الملزمة حيث ان دور القاضي في الاولى يتسم بالايجابية ، يراجع بصدد سلطة القاضي نصوص المواد ((82-84- 102/2 -103…)) اثبات عراقي .

21- قضت المادة (25) اثبات عراقي على انه (( اولاً : يعتبر السند العادي صادراً ممن وقعه ما لم يفكر صراحة ما هو مشوب اليه من خط او امضاء او بصمة ابهام )).

22 – د. عبد الباسط حسن جميعي : اثبات التصرفات التي يتم ابرامها عن طريق الانترنت – دار النهضة العربية – 2000-ص298 ، د. عاطف عبد الحميد : مبدأ الثبوت بالكتابة في ضوء التطور التكنولوجي الحديث –دار النهضة العربية – القاهرة- 2002-ص91.

23 – ان رفع دعوى تزوير محرر الكتروني ليس بالأمر الهين او السهل ، اذ لاحظنا وجود جهود تشريعية الغرض منها وضع نص قانوني يهدف انشاء جريمة موازية لجريمة تزوير المحررات الورقية حيث لا جريمة ولا عقوبة الا بنص )) بغية استكمال اوجه النقض التي تعيق قانون العقوبات بالنسبة للتزوير التقليدي . من اهم تلك الجهود اتفاقية بودابست الموقعة في 23 نوفمبر 2001 المتعلقة بالاجرام الكوني .

( Covention on cybercrimc “Budapest ،23،xI-2001)

ولمزيد من التفاصيل يراجع د. هلالي عبد الله احمد-الجوانب الموضوعية والاجرائية لجرائم المعلوماتية -الطبعة الاولى-دار النهضة العربية-مصر-2003-ص107.

24- Atef Abd EL Hamid Hassan :La clause d’exonération de responsabilite contractue lle، etude compare de égyption et françis these Notes ،1991،Nos171 et.s.p.p159ets.

اشار اليه عاطف عبد الحميد-مصدر سابق -ص91.

25- j.LARGUIER، la prevue du faet negative ، RTD civ،1953،p.1 ets.

اشار اليه حسن عبد الباسط حسن جميعي : اثبات التصرفات التي يتم ابرامها عن طريق الانترنت – دار النهضة العربية – 2000-ص298-هامش رقم (432)

26- د. محمد ابو زهرة-مصدر سابق-ص40 ومابعدها.

27 – د. اشرف جابر سيد-موجز اصول الاثبات -ص49. حيث ذكر المؤلف اكثر من تقسيم لأدلة الاثبات بحسب الزاوية التي ينظر من خلالها الادلة .

28- د. اشرف جابر سيد-المصدر السابق-ص50.

29- كأن يتم الاتفاق مثلاً على جواز انكار حجية الورقة الرسمية بأي وسيلة اخرى بدلاً من الطعن بالتزوير…)) د. محمد المرسي زهرة -مصدر سابق-ص39 ، د. حسن عبد الباسط جميعي-مصدر سابق-ص300.

30- Dominique MORENO: p.7″ D: surcroit .dans les relations avec les consommateus .la loi du ler janvier 1995 sur les clauses abusives est refinement applicable .II est afnsi interdit de confére au document informatique une valeur prabatoire telle que le consommateurne pourvait combattre cette prevue ou bien aboutirait a renverser la charge de la prevue à san détrimation”.

نقلاً عن ضياء امين مشيمش : التوقيع الالكتروني- صادر للمنشورات الحقوقية – لبنان – 2003-ص62-هامش رقم (2).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .