متى ما ورد النص على الحريات العامة في النصوص الدستورية، فانها –الحريات– تتحصن بالحماية الدستورية لتلك النصوص، اذ تكون لها ذات القيمة القانونية لسائر النصوص الدستورية الاخرى، وموقعها في سلم البناء القانوني للدولة عموماً، ويترتب على ذلك وجوب تقييد كافة السلطات في الدولة بالنصوص المذكورة، بحيث لا يمكن الانتقاص منها او تقيدها الا وفقاً للطرق المنصوص عليها في الدستور(1).

ويلاحظ ان اختلاف الصياغة القانونية للنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات من قبل المشرع الدستوري ، لايكون عبثاً بل له دلالة واضحة في تباين وجهة نظر المشرع لها ، فيما يتعلق بأهميتها ، فالحقوق والحريات التي ترد في النصوص الدستورية ولا تكون معلقة على تدخل المشرع العادي لغرض تنظيمها ، تعد حقوقاً وحريات عزيزة ، وتحتل مكانة مهمة لدى المشرع الدستوري ، ذلك بخلاف الحال بالنسبة للحقوق والحريات التي يرد النص عليها في النصوص الدستورية والتي يباح للمشرع العادي في التدخل من اجل تنظيمها من خلال مايصدره من قوانين ،على ان يؤخذ بنظر الاعتباران تدخل المشرع العادي انما يكون لكافة الحقوق والحريات بغية تنظيمها من قبله ، وبالتالي فان القيمة القانونية للنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات تتعلق مباشرة بالتشريعات المنظمة لها ، وما يمكن ان يرتبه ذلك من تقيد لها احياناً (2)

اضافة الى ذلك فان هنالك من السلطات في الدولة ، وكما هو الحال بالنسبة لسلطة الضبط الاداري قد تنحرف بالسلطة الممنوحة لها ، الامر الذي يثير تساؤلاً عن جدوى الحماية الدستورية للحقوق والحريات . للاجابة عن ذلك ، لابد من الايضاح بان انتهاك الحماية الدستورية للحقوق والحريات من قبل بعض السطات داخل الدولة ، لايمكن ان ينفي القيمة القانونية للحماية الدستورية لحقوق الافراد وحرياتهم ، ذلك ان مثل ذلك الانتهاك قد يحصل في اوقات محددة كالظروف الاستثنائية التي تنتهي خلال فترة زمنية معينة ولا يمكن ان تكون دائميه من جهة ، ومن جهة اخرى فان الامر يتوقف على قناعة الشعب بوثيقته الدستورية ومدى ايمانه بها ، واستعداده للدفاع عنها تجاه ما يمكن ان تتعرض له من انتهاك ، وذلك بحسب الوعي السياسي للشعب وقدرته على التخفيف من وطأة ذلك عموماً (3)

ولا بد من الاشارة اخيراً ، بان هنالك اتجاه فقهي يذهب الى اعتبار الحماية الدستورية للحقوق والحريات مجرد وعداً دستورياً يتطلب تدخل المشرع العادي من اجل وضع النصوص الدستورية موضع التطبيق بغية ممارسة الاقرار لها ، على ان يتم تنظيم الحقوق والحريات ضمن اطار ( حريات الاخرين والنظام العام ) (4) .

____________________

1- د . . محمود سعد الدين الشريف: فلسفة العلاقة بين الضبط الاداري وبين الحريات العامة، مجلة الدولة المصري، س19، 1969، ص20. عاشور سليمان صالح: مسؤولية الادارة عن اعمال وقرارات الضبط الاداري، ط1، منشورات جامعة قاريوس، بنغازي، 1997، ص229.

2- د. .ثروت عبد العال احمد : الحماية القانونية للحريات العامة بين النص والتطبيق ، دار النهضة العربية ، 1998، ص91-93

3- د. عادل ابو الخير: الضبط الاداري وحدوده، الهيئة المصرية للكتاب، 1995، ص332 .

4- د . نعيم عطية : مساهمة في دراسة النظرية العامة للحريات الفردية ، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1964 ، ص159-161 .

المؤلف : حبيب ابراهيم حمادة الدليمي
الكتاب أو المصدر : سلطة الضبط الاداري في الظروف العادية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .