حكم للمحكمة الدستورية : إسقاط أحقية الإناث غير المتزوجات

باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علنًا بالمحكمة
بتاريخ 23 من جمادى الأولى 1429هـ الموافق 28 من مايو 2008م
برئاسة السيد المستشار/راشد عبد المحسن الحماد رئيس المحكمةوعضوية السادة المستشارين/يوسف غنام الرشيدوفيصل عبد العزيز المرشدوكاظم محمد المزيديوراشد يعقوب الشراحوحضور السيد/ جاسم قزار الجاسمأمين سر الجلسة
صدر الحكم الآتي:
في الدعوى المحالة من الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية رقم (307) لسنة 2008 إداري/ 1:
المرفوعة من: هند مبارك سلطان آل بن علي.

ضد:
1 – رئيس إدارة الفتوى والتشريع بصفته.
2 – وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بصفته.
3 – رئيس مجلس الوزراء بصفته.
والمقيدة بسجل المحكمة الدستورية برقم (5) لسنة 2008 (دستوري).

الوقائع
حيث إن حاصل الوقائع – حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – أن المدعية أقامت على المدعى عليهم (بصفتهم) الدعوى رقم (307) لسنة 2008 إداري/ 1، بطلب الحكم: بتسوية حالتها بأحقيتها في صرف بدل السكن بذات الفئة المقررة لأقرانها من الذكور بإدارة الفتوى والتشريع وذلك اعتبارًا من 5/ 3/ 2003 مع ما يستجد، وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك.
وشرحًا لدعواها قالت إنها عينت بوظيفة (محام) بإدارة الفتوى والتشريع اعتبارًا من 9/ 12/ 2000، وتدرجت في وظائفها إلى أن رقيت إلى وظيفة (محام أ ) اعتبارًا من 13/ 12/ 2006، وإذ علمت بأن زملاءها بالإدارة من الذكور يتقاضون بدل سكن شهري بواقع (200) دينار للأعزب، و(300) دينار للمتزوج، في الوقت الذي حرمت هي من تقاضي هذا البدل لكونها أنثى وغير متزوجة، وكان إيثار أعضاء الإدارة من الذكور بهذه الميزة وحرمان الإناث منها لا يقوم على سبب مشروع، لذا فقدت أقامت دعواها بطلباتها سالفة الذكر.

وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة قدم الحاضر عن المدعية مذكرة دفع فيها بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الثانية، والفقرة (5) من المادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرارين (1162) لسنة 1992 ورقم (734 سابعًا) لسنة 1994، وذلك فيما تضمنتاه هاتان الفقرتان من قصر صرف بدل السكن للأعزب وللمتزوج، وحرمان الإناث ما لم يكن متزوجات على الرغم من تقرير هذه الميزة للأعزب من الذكور، وإقامة التفرقة بين الذكور والإناث في الحقوق الناشئة عن الوظيفة لأسباب غير متعلقة بها، حيث غاير القرار الصادر من مجلس الوزراء من طبيعة تلك الميزة جاعلاً من منحها والحرمان منها أداة للتفرقة بين المستحقين لها، مجاوزًا بذلك اختصاصه إلى وظيفة التشريع بما يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة، وافتئاتًا على سلطة التشريع، ومساسًا بمبدأ فصل السلطات بالمخالفة لنصوص المواد (7) و(8) و(18) و(20) و(22) و(29) و(41) و(50) و(163) من الدستور.

وبجلسة 8/ 4/ 2008 قضت المحكمة بوقف نظر الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرار رقم (734) لسنة 1994، وذلك تأسيسًا على انطواء نص تلك الفقرة على تفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث فيما يتعلق باستحقاق بدل السكن بما يمثل تعارضًا مع مبدأ المساواة، وإخلالاً بهذا المبدأ.

هذا وقد ورد ملف الدعوى إلى إدارة كتاب هذه المحكمة، وتم قيدها بسجلها برقم (5) لسنة 2008 (دستوري)، وجرى إخطار ذوي الشأن بذلك، وقد نظرت هذه المحكمة الدعوى بجلستها المنعقدة في 5/ 5/ 2008 على الوجه المبين بمحضرها، وقدم الحاضر عن المدعية مذكرة طلب في ختامها الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية والفقرة الخامسة من المادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع، وتعديلاته وبعدم دستورية المواد المرتبطة بهما، كما قرر الحاضر عن إدارة الفتوى والتشريع أن الحكومة تفوض الرأي للمحكمة في هذا الشأن، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 14/ 5/ 2008، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن إجراءات الإحالة لهذه المحكمة قد استوفت أوضاعها المقررة قانونًا.

وحيث إن المادة (8) من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1977 بشأن درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالمرسوم بقانون رقم (124) لسنة 1992 نصت على أن (يعطى كل من القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع سكنًا خاصًا يتناسب مع وظيفته وذلك طبقًا للنظام الذي يصدر به قرار من مجلس الوزراء).

وإعمالاً لهذا النص أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرارين رقم (1162) لسنة 1992 ورقم (734 سابعًا) لسنة 1994 حيث نصت المادة الثانية منه على أن (يكون للقضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع الكويتيين الخيار بين تخصيص السكن الحكومي أو تقاضي بدل سكن بواقع:
– 200 د. ك شهريًا للأعزب.
– 300 د. ك للمتزوج.
ولا يخل ذلك بحقهم في العلاوة الاجتماعية المقررة لوظيفتهم).

كما نصت المادة الثالثة من ذات القرار على أنه (لا يجوز تخصيص سكن حكومي أو منح بدل سكن للفئات الآتية: 1- … 2 – …. 3 – …. 4 – …. 5 – الإناث إلا إذا كن متزوجات ….).

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وكان مبنى النعي على نص البند (5) من المادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء سالف الذكر أنه قد انطوى على حرمان الإناث ما لم يكن متزوجات من الميزة الوظيفية المقررة لأقرانهن من الذكور بما يخل بالمساوة التي كلفها الدستور، محددًا حكم الإحالة نطاق جدية الدفع في هذا الإطار، وبالتالي فإن الدعوى الدستورية – بقدر ارتباطها بمصلحة المدعية في الدعوى الموضوعية – تكون محددة بهذا النطاق وحده.

وحيث إنه لما كان ذلك، وكان الدستور قد حرص على التأكيد على مبدأ المساواة حيث تناوله في عدد من نصوصه، فنص عليه صراحة في المادة (29) منه التي قضت بأن (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب ال*** أو الأصل أو الدين) وهو النص المتمم لنص المادة (7) من الدستور الذي يقضي بأن (العدل والحرية والمساواة من دعامات المجتمع)، ولنص المادة (8) الذي يقضي بأن (تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين)، ولا غرو في أن ما تضمنه نص المادة (29) سالف البيان هو حكم عام وخطاب موجه إلى جميع سلطات الدولة، تلتزم به السلطة التشريعية فيما تسنه من قوانين،

كما تلتزم به السلطة التنفيذية فيما تصدره من لوائح وقواعد تنظيمية وقرارات فردية، كما تلتزم به السلطة القضائية فيما تتولاه متعلقًا بشؤون العدالة وقضائها بين الناس، والمساواة في جوهرها تعني التسوية في المعاملة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، والمغايرة في المعاملة بين أصحاب المراكز القانونية المختلفة، والمقصود بمبدأ المساواة لدى القانون هو أن يكون الجميع أمام القانون سواء لا تفرقة بينهم أو تمييز، فالحقوق والمزايا التي يمنحها القانون وينعم بها المخاطبون بأحكامه يستظلون بها وفق قواعد موحدة، وتحظى من القانون بحماية واحدة، وبدرجة متساوية، والواجبات والالتزامات التي يفرضها القانون عليهم يخضع لها الجميع على السواء بلا تفرقة بينهم أو تمييز لأحدهم على الآخر.

ومتى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أفرد للقضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع تنظيمًا خاصًا ينتظم شؤونهم الوظيفية تكفل ببيانه وضمنه القانون رقم (14) لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم (124) لسنة 1992، وأخضع المخاطبين به ومن بينهم أعضاء إدارة الفتوى والتشريع – سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا – إلى أحكامه، وساوى في المعاملة بينهم في مختلف أوضاعهم الوظيفية وما يصاحبها من مزايا مادية أو عينية، متضمنًا القانون النص في المادة (8) منه على إعطاء كل من القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع سكنًا خاصًا يتناسب مع وظيفته وذلك طبقًا للنظام الذي يصدر به قرار من مجلس الوزراء، وإذ أصدر مجلس الوزراء قراره رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرار رقم (1162) لسنة 1992 والقرار رقم (734 سابعًا) لسنة 1994،

مقررًا في المادة الثانية منه أحقيتهم في الخيار بين تخصيص سكن حكومي أو تقاضي بدل سكن، محددًا فئته بالنسبة للأعزب وفئته بالنسبة للمتزوج، بغير أن يخل ذلك بحقهم في تقاضي العلاوة الاجتماعية المقررة لوظيفتهم، ونص في البند (5) من المادة الثالثة على حرمان الإناث من تلك الميزة إلا إذا كن متزوجات، على الرغم من تقريرها للأعزب من الذكور، ودون تقرير ذات الحق للإناث، مسقطًا أحقيتهن في هذه الميزة في تلك الحالة، ومن ثم فإنه يكون قد غاير في المعاملة بين الخاضعين لنظام قانوني واحد، وأخل بمبدأ التكافؤ في الحقوق بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، وأقام بذلك تفرقة دون مقتض بين الذكور والإناث، تنطوي على تمييز تحكمي منهي عنه على أساس من ال***، مخالفًا مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (29) من الدستور، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريته فيما تضمنه متعلقًا بهذا الشأن.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بعدم دستورية نص البند (5) من المادة الثالثة من قرار مجلس الوزراء رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرار رقم (734 سابعًا) لسنة 1994، وذلك فيما تضمنه هذا النص من إسقاط أحقية الإناث غير المتزوجات في الاستفادة من الحكم الوارد بالمادة الثانية من هذا القرار.
أمين سر الجلسةرئيس المحكمة