حكم للمحكمة الدستورية : عدم القبول

باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علنًا بالمحكمة بتاريخ 19 من شوال 1428هـ الموافق 30 من أكتوبر 2007م.
برئاسة السيد المستشار/ راشد عبد المحسن الحماد – رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين/ يوسف غنام الرشيد وفيصل عبد العزيز المرشد وكاظم محمد المزيدي وراشد يعقوب الشراح وحضور السيد/ محمد مفرج المفرج – أمين سر الجلسة.

صدر الحكم الآتي:
في الدعوى المحالة من الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية رقم (466) لسنة 2006 إداري/ 5:
المرفوعة من: الدكتورة/ سعاد أحمد عبد الحسين البستان.
ضد: 1 – مدير جامعة الكويت بصفته.
2 – رئيس مجلس الخدمة المدنية بصفته.
3 – وزير التعليم العالي بصفته الرئيس الأعلى لجامعة الكويت.
والمقيدة بسجل المحكمة الدستورية برقم (18) لسنة 2006 (دستوري).

الوقائع
حيث إن حاصل الوقائع – حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – أن المدعية أقامت على المدعى عليهم بصفتهم الدعوى رقم (466) لسنة 2006 إداري 5/، بطلب الحكم:

أولاً: بندب خبير لبيان مرتبها وبدل السكن الذي لم يتم صرفه لها، وتاريخ وقف صرف هذا البدل، واحتسابه منذ تاريخ وقف صرفه حتى تاريخ رفع الدعوى، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ثانيًا: بإلزام المدعى عليه الأول بصفته بأداء الفروق التي يسفر عنها تقرير الخبير.

وبيانًا لذلك قالت إنها تعمل مدرسة لغات بجامعة الكويت وكانت تتقاضى بدل سكن، ثم تم وقف صرفه لها على سند من أن زوجها يتمتع بسكن حكومي، وأن لائحة الرعاية السكنية في جامعة الكويت الصادرة بقرار وزير التربية والتعليم العالي الرئيس الأعلى للجامعة رقم (30) لسنة 2001 قد اشترطت في البند (ج) من المادة (2) منها للاستفادة من تلك الميزة وتقاضي هذا البدل ألا يكون الزوج أو الزوجة متمتعًا برعاية سكنية من أي نوع من جامعة الكويت أو من أي جهة أخرى في الدولة، حكومية كانت أو غير حكومية، وأضافت المدعية أنه وإن كان زوجها يتمتع بسكن حكومي مقرر له ولزوجته الأولى وأبنائه منها، إلا أن هذا الأمر لا يسوغ معه أن يكون سببًا لحرمانها من بدل السكن المقرر لها أصلاً كميزة مالية بسبب وظيفتها، وأنه لا يجوز للجهة الإدارية وضع قواعد تنظيمية عامة من شأنها إنكار تلك الميزة عن مستحقيها لاعتبارات لا تتعلق بمتطلبات الوظيفة أو طبيعتها.

ندبت المحكمة خبيرًا في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره قامت المدعية بتعديل طلباتها إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليه الأول بصفته في مواجهة المدعى عليه الثاني والثالث بأن يؤدي لها مبلغًا مقداره (21851.667 د. ك) من تاريخ وقف صرف بدل السكن في 11/ 3/ 1999 حتى تاريخ رفع الدعوى، وما يستجد منه بواقع (350 د. ك) شهريًا، كما قدمت مذكرة بدفاعها صممت فيها أولاً على طلباتها المعدلة، وثانيًا: بوقف نظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية لائحة الرعاية السكنية للجامعة، استجوبت المحكمة المدعية في شأن ما ورد بمذكرتها آنفة البيان فقدمت مذكرة دفعت فيها بعدم دستورية البند (ج) من المادة (2) من اللائحة لمخالفته أحكام المواد (8) و(9) و(29) من الدستور.

وبجلسة 17/ 12/ 2006 قضت المحكمة بوقف نظر الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية نص البند (ج) من المادة (2) من لائحة الرعاية السكنية الصادرة بقرار وزير التربية والتعليم العالي رقم (30) لسنة 2001، لما يلابس هذا النص من شبهة عدم الدستورية لانطوائه على حرمان المرأة من بدل السكن المقرر لها بسبب وظيفتها باعتبار أنها زوجة يحصل زوجها على سكن حكومي على الرغم من أنها لا تشاركه فيه، وإنكار حقها في التمتع بهذه الميزة واستبعادها منها وإيثار زوجها بالرعاية السكنية دونها بما يشكل ذلك تمييزًا منهيًا عنه وعدوانًا مبينًا على حقها المستمد أصلاً من رابطة العمل ذاتها وإهدارًا لمبدأ المساواة الذي يقوم على مساواة المرأة بالرجل وحظر التمييز بينهما في مجال حقوقهم وحرياتهم على أساس ال*** وذلك بالمخالفة للدستور الذي نص في المادة (8) منه على أن (العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين) ونص في المادة (9) على أن (تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص بين المواطنين) كما نص في المادة (29) على أن (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب ال*** أو الأصل أو اللغة أو الدين).

هذا وقد ورد ملف الدعوى إلى إدارة كتاب هذه المحكمة، وتم قيدها بسجلها برقم (18) لسنة 2006 (دستوري)، وجرى إخطار ذوي الشأن بذلك، وأودعت المدعية مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم دستورية النص الطعين، كما أودعت إدارة الفتوى والتشريع مذكرة برأي الحكومة طلبت في ختامها الحكم أصليًا: بعدم قبول الدعوى الدستورية لتحريكها من غير ذي صفة، واحتياطيًا: بعدم قبول الدعوى الدستورية لتخلف شرط المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية، وعلى سبيل الاحتياط الكلي: برفض الدعوى، كما أودعت المدعية مذكرة عقبت فيها على ما ورد بمذكرة الحكومة آنفة البيان.

وقد نظرت هذه المحكمة الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم الحاضر عن إدارة الفتوى والتشريع مذكرة صمم فيها على ما جاء بمذكرة الحكومة سالفة الذكر، وقد قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 19/ 6/ 2007 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال عشرة أيام مناصفة، ولم يقدم أحد أية مذكرات خلال هذا الأجل، وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 23/ 9/ 2007، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث إنه من المقرر قانونًا وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الولاية القضائية التي تباشرها في مجال الرقابة على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى وفقًا للأوضاع الإجرائية الخاصة بنظام التداعي أمامها، ومن خلال الوسائل التي حددتها المادة الرابعة من قانون إنشاء هذه المحكمة رقم (14) لسنة 1973،

ومن بينها الإحالة إليها من إحدى المحاكم سواء من تلقاء نفسها إذا ما تراءى لها شبهة عدم دستورية نص معين لازم للفصل في النزاع الموضوعي المطروح عليها، أو بناءً على دفع بعدم الدستورية – يبديه الخصم في الدعوى بنفسه أو صاحب الصفة في تمثيله أمام المحاكم والتحدث باسمه وبلسانه أمام القضاء والنائب عنه قانونًا أو اتفاقًا – تقدر محكمة الموضوع جديته، وأنه وإذ خول نص هذه المادة المحاكم على اختلاف درجاتها الحق في الإحالة من تلقاء نفسها حتى ولو لم يدفع الخصم أمامها بعدم الدستورية، فذلك ضمانًا لسلامة تطبيق القاعدة القانونية، وتغليبًا لأحكام الدستور، وإعلاءً له على سائر التشريعات الأدنى منه مرتبة، كما أنه وإذ عقد القانون للمحكمة المثار أمامها الدفع بعدم الدستورية الاختصاص بتقدير مدى جديته،

ومدى لزوم الفصل في المسألة الدستورية للفصل في موضوع الدعوى، فذلك استهدافًا إلى استبعاد الدفوع التي تبدو في ظاهرها كيدية وتهدف إلى التسويف وإضاعة الوقت وإهدار العدالة الأمر الذي يجب معه ألا يفهم نص هذه المادة بعيدًا عن حكمته والتي تنصرف أساسًا إلى ضمان جدية التقاضي وصالح العدالة، ولا غرو أن في اتخاذ محكمة الموضوع هذه الطريقة أو تلك لاستنهاض اختصاص المحكمة الدستورية إزاء نص تشريعي معين هو مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع حسبما يستبين لها من أسباب ظاهرة بعدم دستوريته على ضوء ما تباشره من تقييم مبدئي لمضمون المطاعن الموجهة إليه ومدى سلامة أسسها، كما أنه غني عن البيان أن الدفع الفرعي بعدم الدستورية لا يعدو أن يكون وسيلة دفاع، وهو – كأصل عام – شأنه شأن الدفوع التي تهدف إلى وقف الخصومة لحين الفصل في مسألة أولية يتوقف عليها الفصل في موضوعها، ومن المسلم به أن هذا الدفع في جوهره وكنهه بحكم اتصاله بإرساء القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على واقع الدعوى لا يعد من قبيل الدفوع الشكلية أو الإجرائية،

وإنما هو دفع موضوعي، إذ يتغيا في مضمونه ومرماه مقابلة النص التشريعي المطعون عليه بأحكام الدستور ترجيحًا لها على ما عداها، توكيدًا لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهي أجدر قواعده وأولاها بالإعمال، تثبيتًا لالتزام الأحكام القضائية بالقواعد الدستورية الصحيحة، كما أنه دفع يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى، ولا مانع يمنع الخصم من إثارته في أية مرحلة من مراحلها، ولا ريب أن إبداء هذا الدفع ليس من شأنه أن يترتب عليه حتمًا تحريك الدعوى الدستورية وإحالة الأمر تلقائيًا إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه، بل يبقى دور محكمة الموضوع قائمًا في تقدير جدية هذا الدفع ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية المعروضة عليها، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الذي أثار الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع محامٍ موكل للدفاع عن المدعية، وكانت علاقة الوكالة بينهما قائمة وثابتة بموجب التوكيل الخاص رقم (5928/ جلد ح) المؤرخ في 24/ 4/ 2004، كما قامت المدعية بتوكيله في تمثيلها أمام هذه المحكمة بموجب التوكيل الخاص رقم (472 جلد ح) الصادر بتاريخ 16/ 1/ 2007، هذا وقد قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية المثار منه، وبالتالي فإن ما أبدته إدارة الفتوى والتشريع من دفع بعدم قبول الدعوى الدستورية لعدم اتصالها بهذه المحكمة بإجراء صحيح لانتفاء وكالة المحامي في هذا الخصوص يكون من ثم جديرًا بالرفض.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وفقًا لما هو مستقر عليه قضاء هذه المحكمة تعد شرطًا لا غنى عنه لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، كما يتحدد مفهوم هذا الشرط بقيام الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق بالمدعي، وأن يكون هذا راجعًا إلى النص المطعون فيه، فإذا كان الإخلال بالحق المدعى به لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة في الفصل في مدى دستوريته، لما كان ذلك، وكان نطاق الدعوى الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم دستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته، وكان جوهر طلبات المدعية في النزاع الموضوعي يتعلق بمدى أحقيتها في تقاضي بدل السكن المقرر طبقًا للائحة الرعاية السكنية في جامعة الكويت الصادرة بقرار وزير التربية والتعليم العالي الرئيس الأعلى للجامعة رقم (30) لسنة 2001،

وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبدته المدعية أمام محكمة الموضوع قد انصب على البند (ج) من المادة (2) من هذه اللائحة باعتبار أن هذا النص هو الذي أضيرت من جراء تطبيقه عليها وحرمها من الحق الذي تدعيه، وكان مبنى النعي على النص الطعين – حسبما يبين من حكم الإحالة – أنه قد انطوى على إهدار للمساواة التي كفلها الدستور باعتبارها من دعامات المجتمع، وإخلال هذا النص بصونها وبمبدأ تكافؤ الفرض بين المواطنين، فضلاً عن تصادمه مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي كفله الدستور، محددًا حكم الإحالة نطاق جدية الدفع على الوجه المتقدم في مخالفة هذا النص للمواد (8) و(9) و(29) من الدستور، وكان البين من مطالعة لائحة الرعاية السكنية سالفة الذكر أن المادة (1) منه نصت على منح ميزة الرعاية السكنية لكل من أعضاء هيئة التدريس، ومدرسي اللغات، والكادر التدريسي في كلية الطب المساعد والمدرسين المساعدين وذلك على النحو المحدد بالجدول المنصوص عليه في هذه المادة، مبينًا هذا الجدول قرين كل وظيفة بدل السكن المقرر لها وبدل التأثيث، محددًا لوظيفة (مدرس لغة) فئة بدل السكن بالنسبة إلى الأعزب (250 د. ك)، وبالنسبة للمتزوج (350 د. ك)،

هذا وقد أبانت المادة (2) من ذات اللائحة شروط الاستفادة من تلك الميزة، ومن بينها ما تضمنه البند (ج) من تلك المادة من اشتراط عدم تمتع الزوج أو الزوجة برعاية سكنية من أي نوع من جامعة الكويت أو أية جهة في الدولة حكومية كانت أم غير حكومية، كما نصت المادة (3) على أن (يراعى في تطبيق حكم المادة السابقة القواعد الآتية:… ج – السكن الحكومي بصفة إيجار يدخل ضمن مفهوم الرعاية السكنية التي توفرها الدولة للمواطنين مما يحظر معه التمتع بالرعاية السكنية المقررة في هذه اللائحة…)، وكان مفاد النصوص سالفة الذكر أن بدل السكن المشار إليه والمقرر للزوج أو الزوجة، من المخاطبين بأحكام هذه اللائحة، الشاغلين للوظائف المحددة بها، هذا البدل باعتباره ميزة مقررة للرعاية السكنية يشترط لصرفه ألا يكون أي من الزوجين متمتعًا بهذه الرعاية من أي نوع سواء من الجامعة أو من أية جهة أخرى في الدولة سواء كانت حكومية أو غير حكومية، ولا شبهة في أن هذا الشرط قد جاء بالنص الطعين تفاديًا للازدواج في صرف هذا البدل، وطالما كان الزوجان يستظلان معًا بالرعاية السكنية المقررة لأحدهما، وبحيث لا يجمع كل من الزوجين بين الميزة المقررة له وبين الميزة المقررة للآخر في آن واحد، دون أن يستوي ما ورد بهذا النص حائلاً مانعًا دون صرف بدل السكن للزوجة إذا ثبت عدم استفادتها من الرعاية السكنية المقررة لزوجها،

وتخلف تبعًا لذلك مناط إعمال هذا الشرط بغياب دواعيه ومبرراته، وهو استخلاص منطقي لحكم هذا النص وليس أمرًا خارجًا عنه، بل يتفق والاعتبارات القائمة لتقرير هذه الميزة والتي تتعلق في المقام الأول بالحفاظ على كيان الأسرة وتماسكها وتقوية أواصرها ووحدتها، كما تؤكده عبارات النص التي تحمل على اليقين في إدراك هذا المفاد، الأمر الذي تغدو معه المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية منتفية في الفصل في مدى دستورية النص المطعون فيه، ولا يغير من ذلك أن الجهة الإدارية تنازعها في هذا الصدد، لأن الضرر في هذا الشأن لا يتصل مباشرةً بالنص المطعون فيه، وإنما يتصل بالتطبيق الخاطئ له، مما يخرج هذا الأمر عن نطاق الدعوى الدستورية، ويتعين لذلك القضاء بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بعدم قبول الدعوى الدستورية.
أمين سر الجلسةرئيس المحكمة