بدو أهمية وضع ضوابط للتفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني في أن أحكام القانون التجاري تطبق علي الأعمال التجارية وأحكام القانون المدني تطبق علي الأعمال المدنية، وقد أكد أهمية هذه التفرقة قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ حيث نصت المادة الثالثة علي أنه ” إذا كان العقد تجارياً بالنسبة إلي أحد طرفيه، فلا تسري أحكام القانون التجاري إلي علي التزامات هذا الطرف وحده، وتسري علي التزامات الطرف الآخر أحكام القانون المدني ما لم ينص القانون علي غير ذلك” .

وطالماً أن المشرع لم يضع تعريفاً للعمل التجاري، ولكن قام بتعداد الأعمال التجارية(1) وكان هذا التعداد علي سبيل المثال وليس علي سبيل الحصر، كما هو واضح من نص المادة ٧ من القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ، لذلك يصبح من الضروري البحث عن معيار أو ضابط للتفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني . وقد اختلف الفقه في وضع معيار أو ضابط لهذه التفرقة، حيث ذهب اتجاه إلي معيار المضاربة، بينما ذهب اتجاه ثاني إلي معيار التداول، وذهب اتجاه ثالث إلي معيار المقاولة، وذهب رأي حديث إلي معيار الحرفة التجارية .

لذلك سوف نقوم باستعراض هذه المعايير علي النحو التالي:

أولاً: معيار المضاربة:

ذهب اتجاه إلي أن العمل لا يعتبر تجارياً إلا إذا كان الهدف منه كسب الربح، أي يحتوي علي عنصر المضاربة بهدف تحقيق الربح(2) ووفقاً لهذا الاتجاه تعتبر التجارة عمليات تهدف إلي المضاربة عن طريق تحقيق الربح من خلال فرق السعر بين الشراء وإعادة البيع أو نتيجة تحويل المواد الأولية وإعادة بيعها مرة أخري بعد تصنيعها . فمثلاً التمييز بين ما إذا كان استغلال الصحف يعتبر عملاً تجارياً أم مدنياً يرجع إلي القصد من إنشاء الصحيفة، فإذا كان الهدف من إنشائها هو البحث العلمي أو الأدبي أو الثقافي عامة أو التعبير عن فكر أو مذهب معين فإنها تعتبر عملاً مدنياً، أما إذا كان الهدف من إنشائها المضاربة علي أسعار الورق ومقالات المحررين أي كان هدفها تحقيق الربح فإنها تعتبر عملاً تجارياً . هذا وقد أخذ علي هذه النظرية أن معظم المعاملات سواء كانت تجارية أو مدنية تهدف إلي تحقيق الربح، فنجد مثلاً أن أصحاب المهن الحرة مثل المحامي والطبيب والمهندس والمحاسب تهدف أعمالهم إلي تحقيق الربح، كما أن هناك بعض العمليات رغم أنها تعتبر تجارية إلا انها لا تهدف إلي تحقيق الربح مثل سحب الكمبيالة والتي يهدف الساحب من سحبها التبرع بقيمتها إلي المستفيد، كما أنه في بعض الأحيان تتم شراء بضاعة بقصد بيعها بأقل من سعر الشراء دون تحقيق الربح(3) والدولة عندما تقوم بإنشاء شركات لتحقيق نفع عام للأفراد فإنها لا تقصد تحقيق الربح رغم أنها تخضع لأحكام القانون التجاري(4) من ذلك يتضح أن هذا المعيار غير كاف بذاته للتفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني .

ثانياً: معيار التداول:

ذهب اتجاه آخر(5) إلي أن العملية تعتبر تجارية إذا كانت تتعلق بتداول الثروات وتوزيعها فكل تداول الثروات يتم من وقت خروجها من يد المنتج حتي يستقر في يد المستهلك تعتبر عملاً تجارياً، أما حالة الثبات الأولي مثل حالة عمل المنتج الأول دون تحريك للسلعة كما في العمليات الإستخراجية والعمليات الزراعية، وحالة الاستقرار الأخيرة في يد المستهلك بهدف استهلاك السلعة فإنها لا تعتبر عمليات تجارية بل تعتبر من العمليات المدنية، فتحريك الثروات من حالة الثبات إلي حالة الاستقرار هي فقط التي تعتبر عمليات تجارية مثل الشراء بقصد البيع وعمليات البنوك وعمليات السمسرة والوكالة بالعمولة وتصنيع المواد الأولية وإعادة بيعها(6) وأخذ أيضاً علي هذا المعيار أنه غير كافي للتمييز بين العمل التجاري والعمل المدني، حيث أن عملية التداول إذا كانت لا تهدف إلى تحقيق الربح والمضاربة فإنها لا تعتبر عملاً تجارياً، مثل الجمعيات التعاونية التي تهدف إلي خدمة أعضائها دون تحقيق الربح رغم أن عملها يشتمل علي تداول للسلع إلا أن عملها يعتبر عملاً مدنياً، لذلك فإن هذا المعيار وإن كان يساهم في التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني إلي أنه لا يكفي وحده للقيام بهذا التمييز ٠

ثالثاً: معيار المقاولة أو المشروع:

ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلي أن العمل يعتبر تجارياً إذا قام علي سبيل المقاولة أي التكرار، فهذا التكرار يؤدي إلي وجود مشروع منظم(7) وطبقاً لهذا الاتجاه لا يعتبر العمل تجارياً إلا إذا مارسه شخص من خلال مشروع منظم، هذا المشروع ما هو إلا عبارة عن التكرار المهني للأعمال التجارية، فهذا التكرار الذي يتم علي وجه الاحتراف أو المقاولة هوالذي يجيز الأعمال التجارية، فهذا المشروع المنظم الذي يمارس العمل علي وجه التكرار والاحتراف هو الذي يعطي الثقة والائتمان وهو الذي يمارس عمله علي وجه السرعة، وبالتالي يجب أن تقتصر أحكام القانون التجاري علي هذه المشروعات فقط، أم الأعمال التي تمارس مرة واحدة أو عدة مرات بشكل عارض دون أن تتخذ شكل المشروع فإنها تخرج من عداد الأعمال التجارية ٠ ويجب ألا يطبق عليها أحكام القانون التجاري، وهذا المعيار يجد سنده في كثير من التشريعات ومنها التشريع التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ في المادة الخامسة منه، حيث نصت علي اعتبار بعض العمليات أعمالاً تجارية بشرط ممارستها في سبيل الاحتراف مثل توريد البضائع والخدمات والصناعة والنقل البري والوكالة التجارية والتأمين علي اختلاف أنواعه وعمليات البنوك والصرافة ومقاولات تشييد العقارات وأعمال مكاتب السياحة وأعمال الفنادق والمطاعم والمقاهي والتمثيل والسينما والمسرح ٠٠ إلخ ٠ وإذا كان هذا المعيار يجد سنده في هذا التعداد، والذي ذكرته معظم التشريعات ومنها التشريع التجاري المصري حيث اشترط أن تتم معظم الأعمال التجارية في شكل مشروع أو مقاولة أو احتراف، إلا انه يجب ألا نغفل أن هناك بعض الأعمال تعتبر عمليات تجارية ولو تمت مرة واحدة، ويؤخذ أيضاً علي هذا المعيار أنه يعتبر نشاط الأطباء والمحامين والمحاسبين الذين يباشرون نشاطهم من خلال مكاتب تحتوي علي بعض التنظيم وبها عمال نشاطاً تجارياً، وهذا يتعارض مع ما هو معروف من أن نشاط أصحاب المهن الحرة يعتبر نشاطاً مدنياً .

رابعاً: معيار الحرفة التجارية:

ذهب أصحاب هذا الاتجاه(8) إلي أن الحرفة هي التي تعتبر أساساً لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني، فالعمل يعتبر مدنياً إذا لم يكن متعلقاً بممارسة الحرفة التجارية حتي لو وقع من تاجر، فالأعمال التي يباشرها التاجر علي وجه الاحتراف وتكون متعلقة بتجارته تعتبر أعمالاً تجارية(9) ويجب ملاحظة أن هناك فرق بين معيار المقاولة ومعيار الحرفة التجارية رغم تشابههما من حيث ضرورة تكرار العمل، حيث أن المقاولة لا يمكن تصورها إلا من خلال مشروع منظم يسمح بممارسة هذا النشاط، أما الحرفة فإنها تكفي فقط ممارسة النشاط المتعلق بحرفة التاجر علي نحو متكرر، فهناك أعمال تجارية يتم ممارستها علي وجه الاحتراف دون أن تتخذ شكل مشروع منظم مثل البائع المتجول ٠ ويؤخذ علي هذا المعيار أنه يعود بنا مرة أخري للسؤال عن ما هي الأعمال التي تعتبر تجارية حتي يصبح الشخص تاجراً إذا مارسها علي سبيل التكرار والاعتبار، كما أن هناك أعمالاً تعتبر تجارية حتي ولو وقعت مرة واحدة فقط ومعظم التشريعات أخذت بذلك ٠

خامساً: معيار الأعمال التجارية في قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩

يتضح مما سبق صعوبة وضع معيار واحد يميز العمل التجاري عن العمل المدني، فكل معيار من المعايير الأربعة قاصراً بذاته عن القيام بهذا التمييز، والسبب في ذلك يرجع إلي أن معظم التشريعات الحديثة، ومنها قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ، لا تؤسس الأعمال التجارية علي فكرة واحدة أو مبدأ معين، فبعض الأعمال تعتبر تجارية لو وقعت مرة واحدة بصرف النظر عن القائم بالعمل سواء كان تاجراً أو غير تاجر وبعض الأعمال لا تعتبر تجارية إلا إذا قام بها تاجراً، وبعض الأعمال لا تعتبر تجارية إلا إذا تم مزاولتها علي سبيل الاحتراف، والبعض الآخر يمارس في شكل مشروع منظم، وبعض الأعمال تعتبر تجارية طالماً يمارسها تاجر وتتعلق بشئون تجارية ٠ وقد حددت المواد من ٤-9من قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ الأعمال التجارية تحديداً تفصيلياً فنصت المادة الرابعة علي الأعمال التجارية المنفردة، كما نصت المادة الخامسة علي الأعمال التجارية التي يشترط أن تتم علي وجه الاحتراف أو التي تتم في شكل مشروع مثل المشروعات الصناعية ومشروعات إنشاء المباني ومشروعات التوريد ومشروعات الخدمات وغيرها ٠٠ وكذلك المادة السادسة التي نصت علي أعمال الملاحة التجارية بحرية أو جوية وهي غالباً تتم في شكل مشروع منظم ويتضح أيضا أن المادة ٦ ، ٥ ، ٤ تتضمن معيار التداول بقصد الربح، كذلك تنص المادة الثانية صراحاً علي الأعمال التجارية بالتبعية، فرغم أنها أعمال مدنية في الأصل إلا أنها تعتبر أعمالاً تجارية إذا كان يقوم بها التاجر لشئون تتعلق بتجارته ٠ كما أن المشرع ترك في المادة السابعة مجال القياس مفتوحاً لإضافة أعمال تجارية أخري تتشابه في الصفات والغايات علي الأعمال لذلك يمكن القول بأن كل هذه المعايير السابقة يمكن الاسترشاد بها للتمييز بين العمل التجاري والعمل المدني .

___________

1- راجع المواد من ٤ إلى ٩ في القانون الجديد رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩.

2- د. مصطفى كمال طه – الوجيز في القانون التجاري – طبعة ١٩٩٠ رقم ٢٣ ص ٤٥

3- د . محمود سمير الشرقاوى – القانون التجاري الجزء الأول – ١٩٨٦ دار . النهضة العربية – ص40.

4- سميحة القليوبي – الموجز في القانون التجاري – دار النهضة العربية –١٩٨٠ -ص ١٠.

5- د . سميحة القليوبي – القانون التجاري – الجزء الأول – دار النهضة العربية ١٩٨١ – ص ٣ أيضاً د . على حسن يونس – القانون التجاري – دار الفكر –. العربي- ١٩٧٩ – ص ٢٠

6- د . أبو زيد رضوان – مبادئ القانون التجارى ١٩٩ – ص72.

7- محمود سمير الشرقاوى – المرجع السابق، ص ٤٢.

8- على يونس – القانون التجارى – دار الفكر العربي – ١٩ – رقم ١٢١ ، ص ١٤١ .

9- راجع في ذلك د. على عبد الرحيم – القانون التجاري المصري – دار النهضة العربية – طبعة 1995ص59.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .