بما أن حياد القاضي ونزاهته وعدم تأثره برأي معين أو فكرة سابقة على نظره الدعوى، من القواعد التي يستند إليها المتهم في الإطمئنان إلى عدالة حكم هذا القاضي، لذا يتطلب الأمر أن يكون القاضي الذي تعرض عليه الدعوى بعيدًا عن أي علم سابق بها وألا يكون له رأي سابق فيها، وإن كان عكس ذلك فالعدالة تحتم منعه من نظرها والفصل فيها كي لا يتأثر حكمه . بها في الرأي الذي تكون لديه أو بالمعلومات التي توصل إليها (1) وقد تضمن نظام روما الأساسي هذا السبب، حيث نصت المادة ( 41/ 2/أ) منه على( لا يشترك القاضي في أي قضية يكون حياده فيها موضع شك معقول لأي سبب كان . وينحى القاضي عن أية قضية وفقًا لهذه الفقرة، إذا كان قد سبق له، ضمن أمور أخرى، الإشتراك بأية صفة في تلك القضية أثناء عرضها على المحكمة أو في قضية جنائية متصلة بها على الصعيد الوطني، تتعلق بالشخص محل التحقيق أو المقاضاة، وينحى القاضي أيضًا للأسباب الأخرى التي قد ينص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات). ويمكننا أن نستعرض أهم هذه الأعمال التي لو قام بها القاضي في الدعوى قبل أن ينظرها لترتب عليه الإمتناع عن الفصل في تلك الدعوى:

1- قيام القاضي بمهمة الدفاع عن أحد الخصوم

يتعذر على من قام بالدفاع والترافع عن أحد الخصوم في قضية معينة، أن يقوم بالبت في تلك القضية، فيما لو عين قاضيًا فيما بعد (2) ، فالقاضي الذي تولى الدفاع عن أحد الخصوم سوف ينحاز لمن قام بالدفاع عنه، وهذا ما يؤدي إلى إنتفاء حياده (3) وقد إعتبر نظام روما الأساسي قيام القاضي بمهمة الدفاع عن أحد الخصوم من الأعمال التي توجب عليه الإمتناع عن الفصل في الدعوى المعروضة عليه، وهذا ما يمكن إستنتاجه من القاعدة ( 34/1/ج) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي إعتبرت أداء القاضي مهام قبل تولي المنصب، ويتوقع أن يكون من خلالها قد كون رأيًا عن القضية التي ينظر فيها أو عن الأطراف أو عن ممثليهم القانونين، مما يؤثر سلبًا، من الناحية الموضوعية على الحياد المطلوب منه، وبالتالي يجعله سببًا من الأسباب الداعية التي تنحيته.

أن مشرع نظام روما الأساسي كان موفقًا عندما منع القاضي الذي قام بمهمة الدفاع عن أحد الخصوم في دعوى معينة من الفصل في تلك الدعوى، وهذا ما يجعل نظام روما الأساسي منسجمًا مع التشريعات الوطنية التي منعت القاضي الذي تولى مهمة الدفاع عن أحد الخصوم في دعوى معينة من الفصل في تلك الدعوى، ومن هذه التشريعات قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني.

2- إذا كان القاضي قد سبق له أداء الشهادة في الدعوى

إن السبب في منع القاضي الذي سبق له أداء الشهادة في دعوى معينة من الفصل فيها، هو أن الشهادة دليل في الدعوى وهي خاضعة لتقدير القاضي ومما لا شك فيه أن القاضي سوف لن يكذب نفسه (4) ، إضافة إلى ذلك أن هذه الحالة تتضمن الحكم بمعلومات القاضي الشخصية ، ومن المعروف أن القاضي يتعين عليه أن لا يكون له رأي مسبق في الدعوى، ولا يجوز له أن يقضي بمعلوماته الشخصية (5) وقد إعتبر نظام روما الأساسي أن سبق قيام القاضي بأداء الشهادة في الدعوى المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية من الأعمال التي توجب عليه الإمتناع عن الفصل في تلك الدعوى، وهذا ما يمكن إستنتاجه من نص القاعدة ( 34/ 1/ب) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي إعتبرت إشتراك القاضي بصفته الشخصية، بأي إجراءات قانونية بدأت قبل مشاركته في القضية سببًا من الأسباب الداعية إلى تنحيته.

ويرى الباحث أن مشروع نظام روما الأساسي كان موفقًا عندما إعتبر هذه الحالة من الحالات التي تؤثر على حياد القاضي ونزاهته.

3- سبق قيام القاضي بعمل خبير في الدعوى

إن السبب في منع القاضي الذي سبق له أن قام بعمل خبير في دعوى معينة من نظر هذه الدعوى هو أن الخبرة تعتبر دليلا في الدعوى، وإن هذا الدليل يخضع لتقدير القاضي ، وبالتالي فمن غير المعقول أن يعهد إلى شخص مراقبة وتقدير الدليل الذي قدمه (6) وقد اعتبر نظام روما الأساسي أن سبق قيام القاضي بمهمة خبير في الدعوى المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية من الأعمال التي توجب عليه الإمتناع عن الفصل في تلك الدعوى، وهذا ما يمكن إستنتاجه من نص القاعدة ( 34 /1 /ب) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي إعتبرت إشتراك القاضي بصفته الشخصية بأي إجراءات قانونية بدأت قبل مشاركته في الدعوى سببًا من الأسباب الداعية إلى تنحيته. ويرى الباحث أن مشرع نظام روما الأساسي كان موفقًا عندما إعتبر هذه الحالة من الحالات التي تؤثر على حياد القاضي ونزاهته، وذلك لوجود تعارض بين صفة الخبير والقاضي.

4- سبق قيام القاضي بوظيفة الإدعاء العام في الدعوى

بسبب التعارض بين وظيفة القاضي ووظيفة الإدعاء العام (النيابة العامة ) بإعتبار أن الأخيرة سلطة إتهام ولا يجوز الجمع بينها وبين سلطة الحكم في الدعوى الواحدة، وذلك أنه لا يمكن للشخص أن يكون خصمًا وحكمًا في آن واحد، لذا يتوجب منع أي عضو من أعضاء النيابة العامة الذي يقوم بأي عمل من أعمال الإتهام في الدعوى من أن يتولى الحكم فيها فيما لو عين قاضيًا بعد ذلك (7) وقد إعتبر نظام روما الأساسي أن سبق قيام القاضي بمهمة الإدعاء العام في الدعوى المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية من الأعمال التي يتوجب عليه الإمتناع عن النظر في تلك الدعوى وهذا ما يمكن إستخلاصه من نص القاعدة ( 34/1 /ج) من القواعد الإجر ائية وقواعد الإثبات التي إعتبرت أداء القاضي مهام قبل تولي المنصب، يتوقع أن يكون خلالها قد كون رأيًا عن القضية التي ينظر فيها أو عن الأطراف أو عن ممثليهم القانونين، مما قد يؤثر سلبًا من الناحية الموضوعية على الحياد المطلوب منه، سببًا من الأسباب الداعية إلى تنحيته.

_______________

1- خوين، حسن بشيت: ضمانات المتهم في الدعوى الجزائيه، الجزء الاول (خلال مرحلة التحقيق الابتدائي)، دار الثقافه للنشر والتوزيع، عمان،1998 ، ص 30 ، وانظر أيضًا نص المادة ( 159 ) من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني.

2- حسن بشيت خوين، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 31

3- السعيد، كامل: شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية (دراسة تحليلية مقارنة في القوانين الأردنيه والمصريه والسوريه وغيرها)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط1 ، 2008 ، ص 566

4- حسن بشيت خوين، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 32

5- السولية، أحمد يوسف: الحماية الجنائية والأمنية للشاهد (دراسه مقارنه)، دار الفكر الجامعي ، الاسكندريه، 2007، ص 83

6- كامل السعيد، مرجع سابق، ص 566

7- حسن بشيت خوين، ج 2، مرجع سابق، ص 33

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .