يعني مبدأ إجراءات المحاكمة وجوب ان تجري هذه الإجراءات شفويًا – أي بصوت مسموع – في الجلسة التي تعقدها المحكمة المختصة (1)، كون المباديء الأساسية للمحاكمات الجنائية توجب ألا تبنى الأحكام إلا على التحقيقات والمناقشات والمرافعات العلنية، والتي تجري شفويًا أمام المحاكم وفي حضور الخصوم (2) تتجلى أهمية مبدأ الشفوية في كونه يساعد في تقدير الأدلة والإطمئنان إلى سلامتها وصحتها، والموازنة فيما بينها حتى يستطيع القاضي أن يؤسس قناعته على الوقائع والمعلومات التي يناقشها وعلى الإجراءات التي تتم تحت بصره وسمعه في جلسات المحاكمة من دفوع ومرافعات وطلبات وأقوال وشهادات (3) كما تبدو أهمية هذا المبدأ في أنه يتيح للمحكمة فرصة المراقبة على إجراءات التحقيق الإبتدائي وما يكون قد شابه من عيوب، كما أن هذا المبدأ يعتبر جزء من حق المتهم في الإحاطة بكل تفاصيل القضية للدفاع عن نفسه (4) بعد أن تعرفنا على مفهوم مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة وأهميته لا بد لنا من التعرف على موقف نظام روما الأساسي من هذا المبدأ، وكذلك التعرف على الإستثناءات التي يمكن أن ترد على هذا المبدأ.

الفرع الأول: موقف نظام روما الأساسي من مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة

تنص المادة ( 69 /2) من نظام روما الأساسي على أن (يدلي الشاهد في المحاكمة بشهادته شخصيًا، إلا بالقدر الذي تتيحه التدابير المنصوص عليها في المادة ( 68 ) أو القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات. ويجوز للمحكمة أيضًا أن تسمح بالإدلاء بإفادة شفوية أو مسجلة من الشاهد بواسطة تكنولوجيا العرض المرئي أو السمعي فضلا عن نقديم المستندات أو المحاضر المكتوبة، رهنًا بمراعاة هذا النظام الأساسي ووفقًا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، ويجب ألا مس هذه التدابير حقوق المتهم أو تتعارض معها). يتضح لنا أن هذه المادة تنص على مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ويستلزم هذا المبدأ بأن يتم الإدلاء بالشهادة والإفادات بطريقة شفوية أو مسجلة مرئيًا أو صوتيًا، وذلك مع مراعاة حق المتهم في أن تتم الإجراءات أمام المحكمة باللغة التي يدركها ويستطيع أن يدافع عن نفسه من خلالها (5) ، وفي هذا المجال فإن من حق المتهم الإستعانة مجانا بمترجم شفوي كفء، إذا كان هناك إجراءات أمام المحكمة أو مستندات معروضة عليها بلغة غير اللغة التي يفهمها المتهم فهمًا تامًا ويتكلمها (6)

الفرع الثاني: الإستثناءات الواردة في نظام روما الأساسي على مبدأ الشفوية

لقد أعطى نظام روما الأساسي لمبدأ الشفوية أهمية خاصة في حالة سماع شهادة الشهود، ولم يسمح الإدلاء بها كتابة وهذا ما نصت عليه المادة ( 69/ 2) من ذلك النظام (7) إلا أن مبدأ سماع الشهود شفاهة ليس مطلقًا، بل إن هذا المبدأ يستوعب إستثناءات حددتها القاعدة ( 68 ) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، ويمكن تلخيص هذه الإستثناءات بمايلي:

1- في حالة إذا تعذر سماع إفادة الشاهد الحاضر بسبب عدم تذكره لما أدلى به من معلومات خلال التحقيق الإبتدائي، ففي هذه الحالة يجوز للدائرة الإبتدائية أن تفرض تلاوتها بدلا من أن تهمل هذه الشهادة.

2- في حالة تعذر مثول الشاهد أمام الدائرة الإبتدائية بسبب العجز أو مجهولية محل الإقامة أو الوفاة، لأداء الشهادة التي سبق له أن أدلى بها خلال مرحلة التحقيق شريطة أن يكون كل من المدعي العام والدفاع قد أتيحت له فرصة استجواب الشاهد خلال تسجيل الشهادة.

3- في حالة كون أحد المتهمين أو الشهود أصمًا أو أبكمًا ويعرف الكتابة، ففي هذه الحالة يجوز للدائرة الإبتدائية أن تطلب من كاتب المحكمة تسطير الأسئلة أو الملاحظات ، ثم يقوم المترجم بترجمتها إلى اللغة التي يفهمها الشاهد أو المتهم، إذا كان كاتب المحكمة يكتب بلغة غير مفهومة للشاهد أو المتهم، ثم بعد ذلك تسلم لأي منهما ليجيبا عنها كتابة، شريطة أن تكون هذه العملية خلال جلسة المحاكمة.

_________________

1- السعيد، كامل: شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية (دراسة تحليلية مقارنة في القوانين الأردنيه والمصريه والسوريه وغيرها)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان،2008 ، ص 576

2- الطراونة، محمد: ضمانات حقوق الانسان في الدعوى الجزائية (دراسة مقارن ة)، دار وائل للنشر، عمان، ط1، 2003ص 146

3- محمد علي السالم عياد الحلبي، الأستاذ سليم الزعنون، شرح قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، مرجع سابق ، ص 479

4- ابو العينين،علي فضل: ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة، دار النهضة العربية، القاهرة، دط، 2006 ، ص255

5- سعيد، سامي عبد الحليم: المحكمة الجنائية الدولي ة (الاختصاصات والمبادئ العامة )، دار النهضة العربية، القاهرة، د ط، 2008 ، ص 203

6- انظر نص المادة ( 67/1/و) من نظام روما الأساسي.

7- سامي عبد الحليم سعيد، مرجع سابق، ص 204

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .