التنفيذ العقاري
إذا كنت مشرعاً في دولة بكر لا توجد بها قواعد أو إجراءات وعهد إليك بوضع إجراءات أو قواعد للتنفيذ العقاري، فأنت بالخيار بين أساليب ثلاثة:
(أولها) أن يرفع الدائن دعوى بالتنفيذ على العقار المملوك لمدينه. وهو ما كان معروفاً في الماضي باسم “دعوى نزع الملكية” وفيها يكلف الدائن مدينه بالحضور إلى المحكمة في جلسة تحدد لذلك. ثم يستصدر الدائن حكماً بنزع ملكية المدين عن العقار المملوك له والذى يجرى التنفيذ عليه.
ويصدر ذلك الحكم من المحكمة في جلسة علنية بعد سماع دفاع الطرفين واعتراضاتهما ومتى تحققت المحكمة من أحقية الدائن إلى التنفيذ على ذلك العقار ومن صحة الإجراءات التي اتخذها – كل ذلك ما لم يدرأ المدين عن نفسه نزع الملكية بسداد قيمة الدين وملحقاته ومصاريف التقاضي قبل صدور الحكم الختامي في الدعوى. ثم يعقب ذلك بيع العقار أمام المحكمة بالمزاد العلني ويصدر حكم أخر برسو المزاد على من دفع الثمن الأعلى.
وفى هذه الحالة يمكن أن يتكلم الفقه بحق عن “خصومة التنفيذ” لأن التنفيذ يتشكل عندئذ بشكل دعوى – أو خصومة قضائية.
أما (الأسلوب الثاني) – فهو أن يتوجه المحضر إلى موقع العقار فيحجز عليه ويذكر حدوده ومعالمه وأوصافه ويثبت ذلك في محضر يحرره لضبط العقار وتخصيصه للدائن ويسمى (محضر حجز العقار) ويعين المحضر على العقار حارساً إذا أمكن ذلك – قد يكون هو المدين نفسه.
ثم تعقب هذه المرحلة مرحلة ثانية هى مرحلة بيع العقار بالمزاد – وقد يعهد بذلك إلى المحضر أسوة بالحجز. كما أن المشرع قد يرى من باب الحيطة أن تتم هذه المرحلة الثانية أمام المحكمة فيجرى البيع في جلسة علنية لضمان جدية المزادة وعلانيته: وفى هذه الحالة تنتهى الإجراءات بحكم يصدره القاضي الذى يتم البيع بمعرفته أو أمامه وتحت إشرافه – وهو ما يسمى بحكم مرسى المزاد.
أما (الأسلوب الثالث) فيقتصر الأمر فيه على توجيه ورقة إلى المدين على يد محضر تتضمن تكليف المدين بوفاء الدين المحكوم به عليه مع التنبيه عليه بأنه إذا لم يقم بالوفاء طوعاً فإنه سيجبر عليه كرهاً – عن طريق اتخاذ الإجراءات اللازمة لنزع ملكية عقار معين من العقارات المملوكة له والتي يجوز التنفيذ عليها.
وتسمى هذه الورقة باسم (تنبيه نزع الملكية) – فإذا لم يقم المدين بالوفاء جاز للدائن أن ينفذ تهديده وان يمضى في الإجراءات حتى يصل إلى بيع العقار بالمزاد العلني. وغالباً ما يتم البيع تحت إشراف المحكمة وينتهى بحكم يسمى حكم مرسى المزاد أو حكم إيقاع البيع – لأن المشرع يقدر خطورة هذه المرحلة الأخيرة، مرحلة البيع العقاري فلا يترك زمامها للمحضرين أو الكتبة بل يجعلها خاضعة لرقابة القضاء ضماناً لجدية المزايدة وعلانيتها ولسلامة الإجراءات بوجه عام.
وقد اختار المشرع المصري (في قانون المرافعات) هذا الأسلوب الأخير.
فنزع الملكية أو التنفيذ العقاري لا يتم في صورة دعوى قضائية ترفع من الدائن على المدين. لأن الدائن قد خاض غمار الخصومة القضائية حتى حصل على حكم بدينه وهذا حسبه فلا داعى لأن نكلفه بأن يمضى في خصومة قضائية جديدة لكى ينفذ ذلك الحكم الذى حصل عليه.
كذلك لا يتم نزع الملكية في صورة محضر حجز عقاري يقوم بتحريره أحد المحضرين ويقتضى انتقال المحضر إلى مكان وجود العقار لمعاينته وإيقاع الحجز عليه في موقعه. لأن العقار ثابت لا يمكن نقله أو تهريبه فلا حاجة إلى ضبطه بهذه الطريقة.
وإنما يتم حجز العقار عن طريق توجيه تنبيه بنزع الملكية إلى المدين، وهذا التنبيه هو ورقة من أوراق المحضرين يقوم المحضر بإعلانها إلى المدين في موطنه ويتم الحجز على العقار بمقتضاها وبمجرد إعلان المدين بها دون ما حاجة إلى الانتقال لموقع العقار أو تحرير محضر بذلك أو رفع دعوى. ويعقب ذلك مجموعة من الإجراءات المجردة يتخذها الدائن القائم بالتنفيذ تنتهى إلى صدور حكم قضائي بإيقاع البيع.
وهذا الأسلوب (الثالث) هو الذى اتبعه مشرعنا المصري واعتبره أوفق الأساليب في التنفيذ العقاري. وهو مزيج من الإجراءات والخصومة أو شبه الخصومة لأنه يبدأ بإعلان وينتهى بحكم.
على أنه يلاحظ أن المشرع من جهة أخرى قد وضع نظاماً للشهر خاصاً بالعقارات لأن المشرع يربط بين طبيعة المال وشهر كل ما يتعلق به من تصرفات وإجراءات وأحكام. ولذلك يجب في التنفيذ العقاري تسجيل الأوراق والإجراءات والأحكام المتعلقة به حتى يكون كل ذلك مشهراً ويتسنى للكافة العلم به وبمجرياته حتى يقدموا على التصرفات العقارية وهم على بينة من حالة العقار القانونية. والذى يشتمل في نظامنا الحالي هو (تنبيه نزع الملكية) أي الورقة التي تفتتح بها إجراءات التنفيذ العقاري ثم تسجل حكم مرسى المزاد في النهاية أي أن التسجيل في التنفيذ العقاري واجب في البداية وفى الختام.
والتنفيذ العقاري في نظامنا الحالي خليط أو مزيج من إجراءات وخصومة أو شبه خصومة قضائية. لأنه يبدأ بورقة من أورقا المحضرين وينتهى بحكم يصدر من القاضي في جلسة علنية (على ما سبق القول).
وكنا نحبذ أن يبدأ بصحيفة دعوى تعلن إلى المدين وتقيد بالمحكمة وتسجل بالشهر العقاري وتنتهى بعد سماع دفاع الطرفين إلى حكم قضائي يؤشر به على هامش تسجيل صحيفة الدعوى. وبذلك يأخذ التنفيذ شكل الخصومة القضائية منذ البداية حتى النهاية. ويعرف التنفيذ العقاري باسم (دعوى نزع الملكية) – كنا نحبذ ذلك لولا خشيتنا من بط القضاء أو تراخيه.
ومهما يكن من أمر فإننا إزاء نظام أخذ به المشرع لا يسعنا إلا أن نتبعه ونسير عليه. وهو ما نتولى فيما يلى بيانه.

إجراءات التنفيذ العقاري:
يتم التنفيذ العقاري على مرحلتين: أولاهما مرحلة حجز العقار وثانيهما مرحلة البيع أي بيع العقار المحجوز. وتتخلل هاتين المرحلتين مرحلة ثالثة هى مرحلة تصفية المنازعات ولا تعتبر هذه المرحلة من ضمن الإجراءات الواجب اتباعها وإنما هى مرحلة يتوقف عليها المضي إلى مرحلة البيع بمعنى أنه لا يمكن الانتهاء إلى المرحلة الثانية (البيع) إلا بعد الفراغ من تصفية المنازعات أن وجدت – أو بعد التحقق من عدم وجود منازعات.

مرحلة حجز العقار:
يشترط لكى تبدأ مرحلة حجز العقار أن يكون الحكم أو السند التنفيذي يجرى التنفيذ بموجبه قد أعلن إلى المدين من قبل وأن يكون قد مضى على إعلانه إليه يوم كامل على الأقل. فإذا لم يكن قد أعلن فلا يجوز التنفيذ بموجبه ولا يمكن أن تبدأ به إجراءات صحيحة.
أما إذا تحقق شرط الإعلان فإننا نواجه عندئذ صورتين للتنفيذ إحداهما بسيطة: وفيها يكون العقار مستقراً في ذمة المدين لم يخرج منها. وثانيهما: يكون العقار فيها قد خرج من ذمة المدين وانتقلت ملكيته إلى شخص أخر.
ونعالج فيما يلى هاتين الصورتين:
الصورة الأولى (البسيطة):
عندما يكون العقار في يد المدين: يتم حجزه عن طريق ورقة تعلن إلى المدين على يد محضر وتسمى هذه الورقة باسم تنبيه نزع الملكية. وتتضمن هذه الورقة بيانات معينة سنعرض لها بعد قليل.
الصورة الثانية:
عندما تكون ملكية العقار قد خرجت من ذمة المدين وانتقلت إلى ذمة شخص أخر – يتم الحجز عن طريق توجيه تنبيه بنزع الملكية إلى المدين أولاً ويعقبه توجيه إنذار إلى الحائز الذى انتقلت إليه ملكية العقار: مع تبليغ ذلك الحائز بالتنبيه الذى أعلن إلى المدين.
ويشترط لاتباع هذه الإجراءات (التنبيه وإنذار الحائز) أن يكون للدائن الحق في تتبع العقار أي في التنفيذ عليه تحت يد من انتقلت ملكيته إليه – بمعنى أن يكون الدائن مزودا بحق عيني تبعي كالرهن مثلاً يضمن حق الدائن ويؤمنه ويعطيه الحق في تعقب العقار والتنفيذ عليه ولو خرج من ملكية صاحبه (المدين).
أما إذا كان الدائن دائناً عادياً فإن خروج العقار من ذمة المدين يمنع الدائن من التنفيذ عليه ومن ثم فإن الصورة الثانية للتنفيذ على العقار (تحت يد الحائز) لا تتحقق إلا إذا كان مرهوناً أو في حكم المرهون.
أما الصورة الأولى (البسيطة) والتي تقتصر على إعلان المدين بتنبيه نزع الملكية – فإنها تتحقق عندما يكون العقار مستقراً في ذمة المدين ولم يخرج منها – ولا يشترط في هذه الحالة أن يكون الدائن المنفذ دائناً مرتهناً بل يستوى في ذلك الدائن المرتهن والدائن العادي.
وقد نص المشرع في المادة (401) مرافعات على البيانات التي يجب أن يتضمنها تنبيه نزع الملكية. فيرجع في ذلك إلى نص المادة المذكورة.
ولا يتم حجز العقار بمجرد إعلان المدين إعلاناً صحيحاً بتنبيه نزع الملكية وإنما ينبغي أيضاً أن يسجل التنبيه. ولم ينص المشرع على ميعاد للتسجيل وان كانت مصلحة الدائن المنفذ تحفزه إلى الإسراع في ذلك.
وفى حالة إنذار الحائز يجب تسجيل الإنذار أيضاً والتأشير به على هامش تسجيل التنبيه خلال 15 يوماً من تاريخ تسجيل التنبيه: فإن لم يحصل ذلك سقط تسجيل التنبيه ذاته.
صورة ثالثة للتنفيذ العقاري:
وهناك صورة ثالثة من صور التنفيذ العقاري هى صورة التنفيذ ضد الكفيل العيني.
والكفيل العيني هو من يرهن عقاراً مملوكاً له لضمان دين مستحق على شخص سواه. ومركز الكفيل العيني يشبه مركز الحائز في أن التنفيذ يجرى على عقار مملوك لهما مع أنهما غير مدينين بل المدين شخص أخر.
وقد نص المشرع على أنه في هذه الحالة يجب أولاً أن يكلف من عليه الدين بالوفاء ثم يعقب ذلك إعلان تنبيه نزع الملكية إلى الكفيل العيني وتسجيله على أسمه (تراجع المادة 401 مرافعات في نهايتها).
وهذا الحكم التشريعي الذى ورد في قانون المرافعات الجديد هو حكم منطقي: لأن الكفيل العيني هو مالك العقار فوجب من ثم إعلانه بتنبيه نزع الملكية وتسجيل ذلك التنبيه على أسمه حتى يعلم الكافة عند التعامل معه أن العقار مهدد بنزع ملكيته. ولأن من العبن إعلان المدين بالتنبيه المنفذ عليه. ولذلك أكتفى المشرع هنا بتكليفه بوفاء الدين قبل إعلان الكفيل العيني بتنبيه نزع الملكية وتسجيل ذلك التنبيه.

إجراءات ما بعد الحجز:
يلى حجز العقار إجراءات أخرى تتلخص في إيداع قائمة بالشروط المقترحة للبيع وذلك خلال (90) يوماً من تسجيل التنبيه.
فإذا لم يتم إيداع القائمة خلال ذلك الميعاد فإن تسجيل التنبيه يعتبر كأن لم يكن – أما التنبيه ذاته فلا يسقط بل يمكن إعادة تسجيله.
وقائمة شروط البيع هى عبارة عن كراسة تودع في قلم الكتاب وتحتوى على الشروط التي يقترحها الدائن القائم بالتنفيذ – ويجب أن تتضمن القائمة بيانات معينة وأن ترفق بها وثائق معينة نص المشرع عليها في المادتين 414 و 415 مرافعات وربت البطلان على إغفالها (مادة 420).
ويتم إيداع القائمة ومرفقاتها بموجب محضر إيداع يحرر في قلم كتاب محكمة التنفيذ وتحدد فيه جلسة للبيع وجلسة احتمالية (سابقة عليها) للاعتراضات أن كان ثمة اعتراضات ستقدم.
ويتم إخبار ذوى الشأن بإيداع القائمة خلال (15) يوماً من الإيداع ويؤشر بذلك على هامش تسجيل التنبيه.
ثم يتم الإعلان عن إيداع القائمة في الصحف وفى لوحة الإعلانات بالمحكمة خلا (8) أيام من تاريخ أخبار ذوى الشأن بإيداعها، ويحق لكل إنسان أن يطلع في قلم الكتاب على قائمة شروط البيع.
يلاحظ أن إيداع القائمة يفتح الباب لكل من يرغب في التقدم باعتراض على إجراءات التنفيذ لكى يتقدم باعتراضه وهو ما سنعالجه في موضعه.

مرحلة بيع العقار:
تتلخص هذه المرحلة فيما يأتي:
أولاً- تحديد جلسة للبيع:
ذكرنا فيما سبق أنه عند قيام مباشر الإجراءات بإيداع قائمة شروط البيع يحرر محضر بذلك أمام قلم الكتاب وبمعرفته ويقوم قلم الكتاب عندئذ بتحديد جلستين: إحداهما جلسة للبيع والثانية: جلسة احتمالية للاعتراضات. فإذا لم يقدم اعتراضات فإن الجلسة الاحتمالية تسقط أما الجلسة المحددة للبيع في محضر إيداع القائمة فإنها تستقر وتثبت ويتم البيع فيها (ما لم يطرأ ما يدعو إلى تأجيله أو إلى إيقافه).
أما إذا قدمت اعتراضات أو أوقف البيع فإنه يلزم بعد تصفية الاعتراضات أو أسباب الإيقاف أن يتقدم من يهمه الأمر إلى قاضى التنفيذ بطلب لتحديد جلسة للبيع. ويصدر القاضي أمره بتحديد تلك الجلسة على العريضة المقدمة إليه في هذا الشأن بعد التحقق من تصفية جميع الاعتراضات بأحكام واجبة النفاذ وبعد التأكد من أن الحكم الذى يجرى التنفيذ بمقتضاه قد أصبح نهائياً.
والأصل أن يتم البيع في المحكمة، إلا أنه إذا اقتضت الظروف إجراء البيع في موقع العقار أو في أي مكان أخر فإنه يصدر بذلك أمر من قاضى التنفيذ (بناء على طلب صاحب الشأن).
ويجب على قلم الكتاب أن يرسل خطابات مسجلة بعلم الوصول إلى المدين والحائز والكفيل العيني والدائن مباشر الإجراءات والدائنين الذين سجلوا تنبيهاتهم وأصحاب الحقوق المقيدة على العقار يخبرهم فيها بتاريخ جلسة البيع ومكانه، وذلك قبل الجلسة بثمانية أيام على الأقل.

ثانيا- الإعلان على البيع:
ويتم الإعلان علن البيع باللصق والنشر قبل جلسة البيع بخمسة عشر يوماً على الأقل وثلاثين يوماً على الأكثر ويتم اللصق في أماكن معينة وهى باب العقار وباب مقر العمدة والباب الرئيسي للمركز أو القسم الذى تقع الأعيان في دائرته ولوحة الإعلانات بمحكمة التنفيذ. وتحرر محاضر لصق (يقوم بتحريرها المحضر المكلف بذلك) وتودع بملف التنفيذ.
أما النشر فيتم بناء على طلب قلم الكتاب في إحدى الصحف اليومية المقررة لنشر الإعلانات القضائية وتودع نسخة من الجريدة في ملف التنفيذ مؤشراً عليها من قلم الكتاب بتاريخ ورودها.
ويجوز التوسع في إجراءات اللصق والنشر بأمر القاضي.

ثالثاً- ما يسبق افتتاح المزايدة:
المفروض أن يعرض العقار للبيع في جلسة المزايدة ولكن تسبق افتتاح المزايدة الأمور الآتية:
يجب أن يتحقق القاضي من أن ذوى الشأن جميعاً قد تم إخبارهم بإيداع القائمة وبجلسة البيع. فإذا تبين عدم إخبار بعضهم وجب التأجيل. ويستوى في ذلك أن يكون عدم الأخبار خاصاً بإيداع القائمة فقط أو بتحديد جلسة البيع فقط فلابد من إخبار ذوى الشأن بالأمرين معاً.
يجب أن يتحقق القاضي من إتمام إجراءات اللصق والنشر – فإذا لم تكن قد تمت وجب التأجيل لإتمامها. أما إذا كانت قد تمت ولكن وجهت إليها مطاعن، فإن القاضي ينظر أولاً في وجوه البطلان المقدمة عن إجراءات اللصق أو النشر بشرط أن تكون قد قدمت قبل جلسة البيع بثلاثة أيام على الأقل. فإذا حكم ببطلان إجراءات اللصق أو النشر فإنه يأمر بتأجيل البيع وإعادة الإعلان.
كذلك ينظر القاضي في الجلسة في طلبات التأجيل والإيقاف التي يتقدم بها أصحاب الشأن. ويفصل فيها بالقبول أو الرفض في جلسة المزايدة نفسها ما لم ير القاضي أن طلب الإيقاف المقدم إليه يقتضى مزيداً من البحث فيمكنه تأجيل الجلسة لهذا الغرض سواء كان طلب الإيقاف وجوبياً أو جوازياً.
يحدد القاضي قبل افتتاح المزايدة مصاريف إجراءات التنفيذ.
كذلك يحدد مقدار التدرج في العروض – أي تحديد القيمة التي يزاد بها (50 أو 100 جنيه مثلاً) – حتى لا يتقدم شخص للمزايدة بعرض مبلغ تافه (جنيه أو نصف جنيه مثلاً) يزيده على الثمن الأساسي أو على العرض السابق – فمثل هذه الزيادة لا يلتفت إليها – ويعتبر العرض غير قانونيا إذا حدد القاضي الحد الأدنى للمبالغ التي يزاد بها – وإلا فإن أية زيادة تكون معتبرة قانوناً.
لا يجوز إجراء المزايدة إلا بناء على طلب ذوى الشأن – أي الدائن المباشر للإجراءات أو غيره من أطراف التنفيذ. فلا يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أن يأمر بفتح المزاد – أو أن يفعل ذلك بناء على طلب شخص من غير أطراف التنفيذ – وإلا كان البيع باطلاً.
وفى حالة عدم تقدم أحد من ذوى الشأن بطلب إجراء المزايدة يجوز للقاضي أن يأمر بشطب الإجراءات – حتى لو كانوا حاضرين – ومعنى الشطب هنا هو التأجيل إلى أجل غير مسمى. فلا تعود الإجراءات إلى سيرها إلا إذا تقدم أحد ذوى الشأن بطلب تحديد جلسة جديدة للبيع. ولا نرى مانعاً من أنن يأمر القاضي بالتأجيل على أنه إذا قرر الشطب فإن الشطب في هذه الحالة لا يعتبر من قبيل شطب الدعوى لغياب طرفيها (مادة 82) ولا تسرى عليه أحكامه – بل يعتبر تأجيلاً دون تحديد جلسة.

المرحلة الأولى في البيع – اعتماد العطاء:
وفى حالة تقدم أحد من الشأن بطلب فتح المزاد – يأمر القاضي بالمناداة على البيع – ويقوم بالمناداة أحد المحضرين مبيناً الثمن الأساسي للمزايدة والمصاريف. وبذلك تبدأ إجراءات المزايدة.
فإذا لم يتقدم أحد للشراء بالقيمة التي تؤدى عليها فإن القاضي يأمر بتأجيل البيع مع إنقاص العشر. ويمكن أن يتكرر ذلك. وفى هذه الحالة – كما في جميع حالات التأجيل – يعاد الإعلان عن البيع.
أما إذا تقدم مشتر فإن القاضي يقرر اعتماد العطاء المقدم منه إذا مضت ثلاث دقائق دون أن يتقدم أحد بالزيادة على عرضه.
أما إذا تقدم مشتر آخر بعرض أكبر خلال ثلاث دقائق فإن القاضي يعتمد عطاء صاحب العرض الأكبر (الأخير).
والعرض الذى تمضى عليه ثلاث دقائق دون أن يزاد عليه يعتبر هو العطاء الأخير الواجب الاعتماد (ما لم يكن باطلاً).
على أنه يلاحظ أن كل عرض يقدم خلال الميعاد (ثلاث دقائق) يسقط العرض السابق عليه ولو كان هو باطلاً. كما أن مبدأ استقلال العروض يؤدى إلى القول بأن العرض المتأخر يعتبر صحيحاً ولو كان العرض المتقدم أي السابق عليه باطلاً.
وإنما يثور التساؤل إذا كان العرض الأخير هو الباطل ونعتقد أنه في هذه الحالة يثبت العرض السابق عليه، لأننا لو قلنا بسقوطه لوجب أن تعاد المزايدة كلها من جديد.
وإذا قرر القاضي اعتماد العطاء يلتزم صاحب العطاء المعتمد بدفع الثمن الذى عرضه والمصاريف ورسوم التسجيل.
فإذا قام بدفع المبلغ كاملاً أثناء انعقاد الجلسة يحكم القاضي بإيقاع البيع عليه.
على أن المشرع لم يشترط أن يودع الثمن بأكمله في الجلسة بل اكتفى بإيداع الخمس فقط. وفى هذه الحالة يؤجل البيع إلى جلسة تالية سنرى بعد قليل كيف يكون سير الإجراءات فيها.
إلا أنه إذا لم يقم صاحب العطاء بإيداع الثمن ولا خمس الثمن فإن المزايدة تعاد فوراً على ذمته في نفس الجلسة، ويلتزم بما نقص من الثمن إذا بيع العقار بأقل من قيمة العطاء المذكور.

المرحلة الثانية في البيع – إيقاع البيع:
إذا أودع المشترى خمس الثمن على الأقل في الجلسة التي تم فيها اعتماد العطاء المقدم منه – يؤجل البيع إلى جلسة تالية. وفى هذه الجلسة التالية لا يخلو الأمر من أحد فروض ثلاثة:
أولهما: أن يقوم صاحب العطاء المعتمد بإيداع باقي الثمن، فيحكم القاضي بإيقاع النيل عليه – ويشترط لتحقق هذه الصورة ألا يتقدم في الجلسة منافس لصاحب العطاء المعتمد مقرراً بزيادة العشر.
وثانيهما: أن يتقدم في الجلسة التالية لاعتماد العطاء منافس يقرر بزيادة العشر – أي بأنه يقبل شراء العقار بقيمة تزيد عن العطاء المعتمد بما يوازى العشر على الأقل. ولكن يشترط لقبول هذا المنافس أن يكون عرضه مصحوباً بكامل القيمة التي يعرضها (أي قيمة العطاء زائداً العشر). ففي هذه الحالة تعاد المزايدة من جديد على أساس زيادة العشر – أي على أساس الثمن المزاد من جانب المنافس.
وثالثها: ألا يتقدم أحد بزيادة العشر، ويتخلف صاحب العطاء المعتمد عن إيداع باقي الثمن الذى عرضه – فتعاد المزايدة على ذمته في تلك الجلسة فوراً. وفى هذه الحالة يجب على من يتقدم بعطاء أن يسدد قيمته كلها: فلا يعتد في هذه الجلسة بأي عطاء غير مصحوب بكامل القيمة.
ويلتزم صاحب العطاء – الذى تخلف عن إيداع باقي الثمن – بقيمة النقص في ثمن العقار إذا بيع بأقل من قيمة العطاء. ولكنه لا يستفيد من الزيادة – إذا بيع العقار بأزيد من قيمة العطاء.
ونرى مما تقدم أن إرساء المزايدة لا يتم دفعة واحدة بل يمر بمرحلتين: أولاهما: اعتماد العطاء وثانيتهما: إيقاع البيع وغالباً ما يستغرق ذلك جلستين تخصص كل منهما لإحدى المرحلتين: فيعتمد العطاء في جلسة البيع ويقوم صاحب العطاء المعتمد بإيداع خمس الثمن فتؤجل الإجراءات إلى جلسة تالية يتم فيها إيداع باقي الثمن وإيقاع البيع على صاحب العطاء المعتمد.
وقد يتم اعتماد العطاء وإيقاع البيع في ذات الجلسة إذا قام صاحب العطاء المعتمد بإيداع كامل الثمن المعروض من جانبه فعندئذ يحكم القاضي بإيقاع البيع عليه في نفس الجلسة ولا يؤجل. وبذلك يتفادى صاحب العطاء المعتمد احتمال زيادة العشر عليه.
أما في حالة اعتماد العطاء دون إيقاع البيع – أي في حالة التأجيل لجلسة تالية – فإن صاحب العطاء المعتمد يتعرض لخطر المنافسة في الجلسة التالية إذ قد يمتنع عليه إيداع باقي الثمن إذا تقدم شخص بعطاء جديد يزيد عن العطاء المعتمد بنسبة 10% وهو ما يسمى بزيادة العشر فتجرى عندئذ مزايدة جديدة على أساس العطاء الجديد المعروض من المنافس – ويتم في الجلسة الثانية إيقاع البيع على كل حال. حتى لو جرت مزايدة جديدة بسبب زيادة العشر أو بسبب تخلف صاحب العطاء المعتمد عن إيداع باقي الثمن.

حكم إيقاع البيع:
وعندما يوقع القاضي البيع على من تقدم بأكبر عطاء وسدد قيمة العطاء – أو على من رسا المزاد عليه بعد ذلك نتيجة لتطورات المزايدة سواء في نفس الجلسة أو الجلسة الثانية – فإنه يصدر بذلك حكماً يسمى حكم إيقاع البيع وهو ما كان يسمى في الماضي حكم مرسى المزاد.
ويلاحظ كما سبق القول أن هناك فرقاً بين اعتماد العطاء وإيقاع البيع – فاعتماد العطاء ليس معناه أن البيع قد تم – وإنما هو يعطى الخيار لصاحب العطاء في إيداع خمس الثمن أو إيداع الثمن بالكامل. فإن أودع الثمن كله مع المصاريف المقدرة ورسوم التسجيل حكم القاضي في نفس الجلسة بإيقاع البيع عليه.
أما إذا أودع خمس الثمن فإن الإجراءات تؤجل إلى جلسة تالية – قد يتم فيها إيقاع البيع على صاحب العطاء المعتمد إذا أودع باقي الثمن ولم يتقدم له منافس – وقد يتم فيها إيقاع البيع على سواه إذا تقدم منافس – أو إذا تقاعس هو عن إيداع باقي الثمن وأعيدت المزايدة على ذمته باعتباره متخلفاً.
وكذلك الحال إذا لم يودع صاحب العطاء خمس الثمن في الجلسة التي اعتمد فيها ذلك العطاء – فإن البيع يعاد فوراً على ذمته – وعندئذ يتم إيقاع البيع على سواه ويعتبر هو مشترياً متخلفاً فيلزم بفرق الثمن إن كان.
فالعبرة إذن في تمام البيع بالمزاد العلني هى بصدور حكم إيقاع البيع (على من يتبين أنه صاحب الحق في إيقاع البيع عليه).
وحكم إيقاع البيع وإن كان يصدر بديباجة الأحكام (مادة 446) إلا أنه ليس حكماً إلا في الصورة والشكل ولكنه من حيث طبيعته لا يعدو أن يكون عقد بيع ينعقد جبراً بين مالك العقار المنفذ عليه (أي المدين أو الحائز أو الكفيل العيني) وبين المشترى الذى تم إيقاع البيع عليه.
وقد نصت المادة 446 على البيانات التي يجب أن يتضمنها حكم إيقاع البيع (فيرجع إليها).
كما نصت المادة 447 على أن قلم الكتاب يقوم بالنيابة عن أصحاب الشأن بطلب تسجيل ذلك الحكم خلال الثلاثة أيام التالية لصدوره. وإذا كان المشترى هو الحائز فلا يسجل الحكم بل يؤشر به فقط على هامش تسجيل سند تمليكه وهامش إنذار الحائز.

الطعن في حكم إيقاع البيع:
لا يطعن في حكم إيقاع البيع إلا بالاستئناف وفى ميعاد قصير للغاية لا يتجاوز الأيام الخمسة التالية لتاريخ النطق به. ويرفع الاستئناف بالأوضاع المعتادة أي بصحيفة تودع قلم كتاب محكمة الدرجة الثانية التي يرفع إليها الاستئناف وتقيد ثم تعلن طبقاً للإجراءات العادية.
غير أن الاستئناف حكم إيقاع البيع أسباباً محددة لا يجوز أن يبنى الاستئناف علي غيرها – وهذه الأسباب محصورة في ثلاثة: (1) عيب في إجراءات المزايدة (1) عيب في شكل الحكم (3) صدور الحكم بعد رفض طلب من طلبات الإيقاف الوجوبي. (تراجع المادة 451).
كذلك يجوز رفع دعوى أصلية ببطلان حكم إيقاع البيع من جانب الدائنين الذين لم يعلنوا بإيداع القائمة أو بجلسة البيع – أو من جانب المدين نفسه إذا لم يكن قد أعلن بالإجراءات أعلاناً صحيحاً.

مسائل تتعلق بإجراءات البيع:
الإعفاء من الثمن:
أن التزام المشترى بدفع الثمن – أو بدفع خمس الثمن على الأقل في جلسة اعتماد العطاء – يمكن الإعفاء منه بأمر من القاضي إذا كان ذلك المشترى هو أحد الدائنين وكان له من قيمة دينه ومرتبته ما يبرر الإعفاء (مادة 453)، وعلى ذلك يجوز إيقاع البيع على هذا المشترى في نفس جلسة اعتماد العطاء إذا كان القاضي قد أعفاه من سداد كامل الثمن. ويجوز أن يعفى من دفع خمس الثمن إذا قرر القاضي إعفاءه من هذه القيمة فقط، فلا يعاد البيع فوراً على ذمته.
وإذا قام المشترى بسداد خمس الثمن وحصل على الإعفاء من الباقي – فإنه في الجلسة التالية لا يلتزم بإيداع باقي الثمن بل يتم إيقاع البيع عليه إذا لم يتقدم له منافس.
أما إذا تقدم منافس يقرر بزيادة العشر، فإن الإعفاء من دفع الثمن أو من دفع باقي الثمن، لا يمنع من إعادة المزايدة بقيمة الثمن المراد: شأنه في ذلك شأن المشترى الذى أودع الخمس في جلسة اعتماد العطاء ثم تقدم لدفع كل الباقي في الجلسة التالية فاعترضه من يزيد العشر. وإنما يمنع الإعفاء من اعتباره متخلفاً.
والإعفاء من الثمن قد يشمل الإعفاء من المصاريف أيضاً ولكنه لا يمتد إلى الإعفاء من دفع رسوم التسجيل فهذه واجبة الدفع على كل حال.

الممنوعون من المزايدة:
يجوز لك شخص أن يتقدم للمزايدة بنفسه أو بوكيل عنه. ولكن هناك أشخاصاً ممنوعين من المزايدة وهم: (1) المدين نفسه فقد كان الأولى به أن يسدد دينه بدلاً من أن يتقدم لشراء العقار – ولكن يلاحظ أن المنع قاصر على المدين فيجوز للحائز وللكفيل العيني دخول المزايدة وإن كان ذلك يؤدى إلى أن يشترى الشخص عقاراً مملوكاً له من الأصل. (2) المحامون الوكلاء عن المدين أو الدائن مباشر الإجراءات. (3) القضاء الذين نظروا بأي وجه من الوجوه إجراءات التنفيذ أو المسائل المتفرعة منه.
ويكون البيع باطلاً إذا وقع شخص من هؤلاء بالذات، أو بالواسطة (عن طريق تسخير الغير). وقد نصت على ذلك المادة (211).

التقرير بالشراء للغير:
قد يكون الشخص الذى حكم بإيقاع البيع عليه مسخراً – أي أنه يشترى باسمه لحساب غيره – وهذه صورة الوكالة المستترة – وقد أجاز له القانون أن يقرر في قلم الكتاب خلال الأيام الثلاثة التالية لإيقاع البيع بأنه قد اشترى لحساب الغير. وفى هذه الحالة يعتبر البيع حاصلاً لذلك الغير مباشرة دون حاجة إلى إجراءات جديدة.

تذييل في انقطاع الإجراءات والحلول:
تنص المادة (453) على أنه إذا لم يودع من يباشر الإجراءات قائمة شروط البيع خلا 45 يوماً بعد تسجيل أخر تنبيه قام هو بإجرائه – جاز للدائن اللاحق في التسجيل أن يقوم بإيداع القائمة ويحل محله في متابعة الإجراءات.
كما تنص ذات المادة في فقرتها الثانية على أنه يجب على من يباشر الإجراءات أن يودع قلم الكتاب أوراق الإجراءات خلال الثلاثة أيام التالية لإنذاره بذلك على يد محضر – وإلا كان مسئولاً عن التعويضات.
وتنص المادة (453) على أنه إذا شطب تسجيل تنبيه الدائن المباشر للإجراءات برضاه أو اعتبر ذلك التسجيل كأن لم يكن بمقتضى حكم صدر بذلك – أو وفقاً لحكم المادة 414 (عدم إيداع قائمة الشروط خلال 90 يوماً من تسجيل التنبيه) – فإنه يجب على مكتب الشهر العقار عند التأشير بهذا الشطب – أن يؤشر به من تلقاء نفسه على هامش تسجيل كل تنبيه أخر يتناول ذات العقار. وعليه خلال الثمانية أيام التالية أن يخبر به الدائنين الذين سجلوا تلك التنبيهات.
وللدائن الأسبق في تسجيل التنبيه أن يسير في إجراءات التنفيذ من أخر إجراء صحيح – على أن يحصل التأشير على هامش تسجيل التنبيه بما يفيد الأخبار بإيداع قائمة شروط البيع خلال تسعين يوماً من تاريخ التأشير عليه وفقاً لحكم الفقرة السابقة من المادة – وإلا اعتبر تسجيل تنبيهه كأن لم يكن.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .