الأولياء في القانون السوري:

لقد أفاض قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لسنة 1953 في بيان أحكام الولاية على النفس، من حيث تحديد الأولياء، وبيان مدى سلطاتهم، وحالات نزع الولاية منهم. وفيما يتعلق بتحديد الأولياء على النفس، فقد جاء في المادة (21) منه ما يلي: (الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب الإرث بشرط ان يكون محرماً)(1). كما جاء في المادة (170) منه في باب الولاية على نفس القاصر وماله، الآتي: (1- للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان القيام بها. 2- لغيرهما من الأقارب بحسب الترتيب المبين في المادة 21 ولاية على نفسه دون ماله). وهكذا يكون القانون السوري بالنسبة للولاية على النفس، قد جعلها شاملة جميع الأقارب الذين يمتون الى المولى عليه بصلة القرابة العصبية وبحسب ترتيبهم في الميراث(2).

الأولياء في القانون اليمني:

كذلك حصر المشرع اليمني الولاية في العصبة بالنفس، حيث نص في المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992 على ما يلي: (ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب. الأب وإن علا ثم الإبن وان سفل ثم الأخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام ثم أبناؤهم ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم)(3).

الأولياء في القانون المغربي:

جاء في الفصل الحادي عشر من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، الصادرة عام 1957، ما يلي: (الولي في الزواج هو الإبن ثم الأب أو وصيه ثم الأخ فابن الأخ فالجد للأب، فالأقربون بعد بالترتيب، ويقدم الشقيق على غيره فالكافل فالقاضي فولاية عامة المسلمين). وان هذا الترتيب الذي جاء به المشرع المغربي هو اتباع لما جرى عليه المذهب المالكي في المشهور فيه(4).

الأولياء في القانون التونسي:

نص المشرع التونسي في الفصل الثامن من مجلة الأحوال الشخصية على ان: (الولي هو العاصب بالنسب ويجب ان يكون عاقلاً ذكراً رشيداً والقاصر ذكراً كان أو أنثى وليه وجوباً أبوه أو من ينيبه، والحاكم ولي من لا ولي له). ثم نص في الفصل (154) من المجلة على ان: (القاصر وليه أبوه أو أمه إذا توفي أبوه أو فقد أهليته مع مراعاة أحكام الفصل الثامن من هذه المجلة المتعلق بالزواج ولا يعمل بوصية الأب إلاّ بعد وفاة الأم أو فقدانها الأهلية). وجاء في الفصل الذي يليه ما نصه: (للأب ثم للام ثم للوصي الولاية على القاصر إصالة
ولا تبطل إلاّ بإذن من الحاكم لأسباب شرعية)(5).

يتضح من هذه النصوص القانونية ان الولاية في الزواج تثبت للولي العاصب، ويعتبر كل من الأب ووصيه ولياً مجبراً بالنسبة للقاصر ذكراً كان أو أنثى(6). أما ولاية الحفظ والصيانة، فيفهم من نص المادتين (154-155) انها تكون للأب ثم للام من بعده إذا ما توفي الأب أو فقد أهليته. فان توفيت الأم أو فقدت أهليتها انتقلت الولاية الى الوصي. ولو القينا نظرة على القوانين الغربية بهذا الخصوص، وبالتحديد على القانون المدني الفرنسي، لوجدنا هناك تقارباً كبيراً بين ما أخذ به المشرع التونسي وما هو موجود في القانون المدني الفرنسي(7). حيث جاء في هذا الأخير في باب الولاية على القاصر، في المادة (141) منه ما نصه: (إذا فقد الأب وانقطع خبره وترك قاصرا مولودا من نكاح صحيح انتقلت ولاية القاصر لامه، فينتقل اليها ما كان يجب للإبن على الأب من حقوق تربية الولد وحفظ ماله وتعهد شؤونه). … كما جاء في المادة (397) من القانون نفسه، ما يلي: (يجوز لأحد الأبوين الموجود على قيد الحياة بعد وفاة الأخر أن يقيم وصياً من الأقارب أو الأجانب على أولاده ليقوم بشؤونهم بعد موته). ….

وقد صرح المشرع الفرنسي بأن ولاية الوصي تشمل القاصر في النفس وفي المال، كما هو مبين في المادة (450) من القانون المدني الفرنسي، حيث جاء فيها: (يجب على الوصي الإعتناء بتربية القاصر وإصلاح حاله وأن ينوب عنه في جميع العقود والمعاملات المدنية)(8). …. يتضح من هذا الاستعراض للاتجاهات التشريعية حول تحديد الأولياء على النفس، ان هناك إتجاهين بهذا الخصوص. فالإتجاه الأول، قد وسع من دائرة الأولياء على النفس، لتشمل بالإضافة الى الأولياء العصبة، الأم والوصي وكل شخص ضم إليه صغير وتكفل برعايته وتربيته. ويمثل هذا الإتجاه القانون المصري والمغربي والتونسي. فقد أثبت كل من القانون المصري والتونسي الولاية على النفس للأم، على إعتبار انها شريكة مع الأب في إدارة الأسرة وتربية الأولاد وتهيئة أسباب مستقبل حياتهم(9). وهما بذلك قد حسما خلافاً ليس فقط بين فقهاء الشريعة فحسب بل بين فقهاء القانون أيضاً، حول مدى أهلية المرأة للولاية الشرعية على النفس(10). كذلك يلاحظ على هذا الإتجاه انه قد جعل من الوصي ولياً على النفس، بل أكثر من ذلك فقد جعل مرتبته مقدمة على بعض الأولياء العصبة، كما هو الحال بالنسبة للقانون المغربي والتونسي(11). أما الاتجاه الثاني، فعلى العكس من الأول، فقد ضيق من دائرة الأولياء على النفس وجعلها مقصورة على الأولياء العصبة دون غيرهم. ويمثل هذا الاتجاه القانون السوري والأردني واليمني.

وبالنسبة للقانون العراقي فإن اتجاهات المشرع لم تكن واضحة بهذا الخصوص، سواء ما جاء منها في القانون المدني أم في قانون رعاية القاصرين أم في قانون رعاية الأحداث. وأما قانون الأحوال الشخصية، وهو القانون المعني بهذه المسألة بإعتباره قانون الأسرة، فقد جاء خالياً من بيان أحكام الولاية تاركاً إياها لأحكام الشريعة الإسلامية بمذاهبها المختلفة، من دون التقيد بمذهب معين. وان هذا الوضع القانوني يعد في نظرنا وضعاً مضطرباً، ولا بد للمشرع العراقي من التدخل لوضع حد لهذا التذبذب والتشتت في أحكام القانون بخصوص الولاية على النفس، وياحبذا لو انه ينحى منحى الاتجاه الأول بهذا الخصوص، لكونه اقرب لروح العدالة، واكثر انسجاماً مع التغير الحاصل في مفهوم الأسرة. فلم تعد رياسة الأسرة حكراً على الرجل وحده، بل اصبح واجب على المرأة تحمل جانب من هذه المسؤولية، خصوصاً عند فقدان رب الأسرة. فالحياة الاسرية عبارة عن تكوين مؤسسي يفرض على أعضائه واجبات متبادلة لمصلحة هؤلاء الأعضاء ككل. والأسرة بهذه الصياغة توقظ في الفرد مثيرات العطاء لا مثيرات الأخذ، طالما ان مردود هذا العطاء يعود على الأسرة بكاملها(12). أضف الى ذلك فإن هذا الاتجاه يحقق معنى التضامن الاجتماعي الذي تدعو اليه الشريعة الإسلامية وتحث عليه، وذلك من خلال ما نص عليه كل من المشرع المصري والمغربي في المواد (12، 11)، بخصوص كفالة الصغير الذي لا معيل له(13).

_________________________

[1]-لقد قصر المشرع السوري الولاية في الزواج على الولي العاصب أخذاً برأي الصاحبين أبى يوسف ومحمد، خلافاً لما ذهب اليه أبو حنيفة من انتقال الولاية بعد العصبات الى ذوي الأرحام. وهذا ما اخذ به أيضاً المشرع الأردني في قانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976 في المادة (9) منه، حيث جاء فيها:(الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على الترتيب المنصوص عليه في القول الراجح من مذهب أبي حنيفة).

2 -انظر: د. عبد الرحمن الصابوني- شرح قانون الأحوال الشخصية السوري –المطبعة الجديدة –دمشق- ط5- 1399هـ-1979م- ص247وص277، د. مصطفى السباعي ود. عبد الرحمن الصابوني- الأحوال الشخصية في الأهلية والوصية والتركات- دار الفكر –دمشق- 1385هـ-1965م- ص42- هامش رقم (1).

3 -يلاحظ على المشرع اليمني، انه يقدم جهة الأبوة على جهة البنوة في الولاية، أخذاً بما قال به الحنابلة وبعض الزيدية في هذا الخصوص. راجع: ابن قدامة – المغني 6/456 وما بعدها، ابن المرتضى- البحر الزخار 3/46.

4- راجع في ذلك: شرح الخرشي 3/180 وما بعدها.

5- انظر في ذلك: الفصول (8، 154، 155) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية لسنة 1956- مع قانون تعديلها عدد 7 لسنة 1981- المطبعة الرسمية- الجمهورية التونسية- 1991.

6 -وهذا مأخوذ من مذهب الإمام مالك. الذي قصر ولاية الإجبار على الأب ووصيه فقط. والإمام مالك، يجيز الوصاية في الزواج على اعتبار ان الإيصاء إنابة كالوكالة بيد انها بعد الوفاة، وكما ان للأب التوكيل في حياته فله الايصاء بعد مماته. انظر: محمد أبو زهرة – مصدر سابق- ص91. ولنا عودة الى هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

7- جاء في المذكرة الصادرة عن وزارة العدل التونسية بمناسبة إصدار مجلة الأحوال الشخصية، الآتي: (ان الحكومة ترمي الى تكوين قضاء واحد بالبلاد منظم ومجهز بالتشاريع العصرية يوفي بحاجة جميع المتساكنين …. ولا عجب ان توصلنا الى تدوين مجلة من هذا النوع ترضي الجميع وتنال استحسان العلماء وتلائم في ان واحد روح العصر والتفكير العام، لاننا أخذنا نصوصها من مناهل الشريعة الفياضة ومختلف مصادرها من دون تقيد بمذهب دون مذهب وبرأي طائفة من الفقهاء دون أخرى، كما اقتبسنا فيها بعض أمور من القوانين العامة التي لا تنافي الدين وتقتضيها الظروف الحاضرة والحياة العصرية). انظر: المذكرة الصادرة عن وزارة العدل التونسية بمناسبة إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 3/10/1956- الجمهورية التونسية- وزارة العدل- 1972- ص3.

8 -انظر المواد: (141 و397 و450) من القانون المدني الفرنسي المعرب- المطبعة الخديوية- بولاق- مصر- 1283.

9- كذلك يلاحظ ان مشروع القانون المدني العراقي لسنة 1984 قد أعطى الولاية للام بعد الأب مباشرة، كما هو مبين في المادة (340) منه. ولكن مما يؤخذ على المشروع انه حصر الولاية بالأب والأم والمحكمة من دون اعتبار لبقية الأقرباء من العصبة أو غيرها. فصحيح ان التطبيق قد أثبت انه في حالات متعددة تقتضي مصلحة الصغير ان تكون الولاية عليه للام في حالة فقدان الأب لكونها أشفق وأحرص عليه من غيرها. بيد أن هذا لا يعني إهدار دور بقية الأولياء العصبة والأقرباء، وإعطاء الولاية للمحكمة من بعد الأب والأم. فكان يفترض بالمشرع العراقي إفساح المجال لذوي القربى في ممارسة دورهم في الولاية على الصغير ومن في حكمه، كما فعل نظيراه المصري والتونسي.

0[1] -حيث يرى جانب من الفقه القانوني ان النساء ليست لهن أهلية وجوب الولاية الشرعية على النفس، كاستثناء من الأصل العام. انظر: د. عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوجيز في شرح القانون المدني-1- نظرية الالتزام بوجه عام- دار النهضة العربية –القاهرة- 1966- هامش ص96.

11 -راجع في ذلك الفصل (11) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية والفصل (8) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية.

2[1] -انظر: المستشار طارق البشري- المرأة في الرؤية الإسلامية واجبات لا حقوق- مقال منشور على الانترنيت – الموقع:httb://www.islam-online/net/Arabic.

13- راجع في ذلك المادة (12) من القانون المصري الخاص بأحكام الولاية على النفس رقم 118 لسنة 1952، والفصل (11) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية لسنة 1957.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .