الشفعة:

الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية مستمدة من الفقه الإسلامي، ويستند في شرعيته إلى السنة، ففي البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ويكاد ينعقد إجماع فقهاء المسلمين على ثبوت الحق في الأخذ بالشفعة، وإن اختلفوا في بعض مسائلها.

وإذا كانت الشفعة هي الحق في تملك المبيع جبرًا على المشتري فهي تثبت على خلاف الأصل لأنها تنافي قاعدة اشتراط الرضا في انتقال الملك من شخص إلى آخر، فهي استثناء من هذه القاعدة، ولكنه استثناء دعت إليه المصلحة، ولهذا فتنظيم الشفعة، يقوم أساسًا على الموازنة بين اعتبارين: الأول هو احترام الأصل العام في حرية التصرف باشتراط الرضاء في انتقال المالك، والثاني هو اعتبار المصلحة التي تتحقق من الأخذ بالشفعة.

وقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في بيان أسباب استحقاق الشفعة، وفي الحكمة من شرعها وبالتالي في بعض الأحكام العملية على نحو ما يظهر عند عرض هذه الأحكام، وكذلك اختلف مسلك قوانين البلاد العربية من الشفعة، فلم تأخذ بها بعض الدول مثل سوريا، ولكن أكثر الدول أخذت بها وإن اختلفت التشريعات فيما وضعته من أحكام وعلى الخصوص في مدى التوسعة والتضييق في الحالات التي يجوز فيها الأخذ بالشفعة، على نحو ما نبينه عند التعليق على النصوص، وأهم ما استحدثه المشروع في تنظيم الشفعة هو عدم الاقتصار على حالة بيع العقار فأجاز الشفعة في بيع العقار والمنقول على السواء. هذا بالإضافة إلى أن المشروع قصر الشفعة على حالة بيع الشريك في الشيوع حصة شائعة فيكون للشركاء الآخرين حق الأخذ بالشفعة.
وقد عرفت المادة (891) الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري، عند بيع العقار أو المنقول، في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في المواد التالية، وقد رُوعي في هذا التعريف:

أولاً: تجنب النص على أن الشفعة رخصة، كما فعلت بعض التشريعات كالقانون المصري (م 935) والقانون الليبي (م 939)، والقانون الصومالي (م 745) والقانون الجزائري (م 794). وذلك أولاً لأن مصطلح رخصة لا يزال في علم القانون غير منضبط ويستخدم في أكثر من معنى، فأحيانًا يُقصد به معنى الحريات العامة كحرية التملك وحرية الزواج وحرية التنقل … إلخ، وهي الحريات التي تثبت للناس كافة دون حاجة إلى قيام سبب معين لشخص معين.

وأحيانًا يُقصد به الحق في كسب حق معين إذا وجد سبب خاص، كحق الموجه إليه الإيجاب بالبيع في أن يتملك الشيء بأن يقبل الشراء وحق الشفيع في أن يأخذ بالشفعة، وعلى الرأي الراجح في تحديد معني الرخصة، وهو المعنى الأول، تكون الشفعة ليست مجرد رخصة بل هي أكثر من ذلك، ولهذا نجد الأستاذ السنهوري يقول في التعليق على نص القانون المصري: (والأدق أن يقال إن هذا المركز القانوني (والمقصود هو المركز الناشئ عن بيع العقار وتوفر شروط الشفعة) لا يتولد عنه مجرد رخصة في التملك، بل يتولد عنه حق الشخص في أن يتملك ….).

ثانيًا: اكتفى المشروع في بيان حقيقة الشفعة بأنها حق الحلول محل المشتري فلم ينص على ما تنص عليه بعض التشريعات من: حق تملك العقار المبيع، وأن يكون التملك بمقدار الثمن أو بالثمن الحقيقي والنفقات، لأن كل هذه التفصيلات يغني عن ذكرها أن يذكر أن الشفعة هي حق الحلول محل المشتري، وليس من المناسب أن يذكر في التعريف كل ما يتعلق بالمعرف من تفصيلات.

ثالثًا: نص المشروع على أن الشفعة تكون عند بيع العقار أو المنقول، فلم يقصرها على حالة بيع العقار، كما تفعل المجلة وقوانين البلاد العربية، وقد روعي في هذا التجديد الجمع بين ما يُعرف بحق استرداد الحصة الشائعة والشفعة في تنظيم واحد لأن حق الاسترداد هو في حقيقته شفعة، وقد أمكن في يسر تنظيم الشفعة لتشمل حالتي بيع العقار وبيع المنقول بعد أن رُئي التضييق في أسباب استحقاقها بحيث تقتصر على بيع الحصة الشائعة.

وإذا كان الرأي الغالب في الفقه الإسلامي هو قصر الشفعة على العقار، فقد ذهب المالكية إلى ثبوت الشفعة في بعض المنقولات ولم يجز الحنابلة الشفعة إلا في العقار على رواية وأجازوها في العقار وفي المنقول على رواية أخرى وأجاز الظاهرية الشفعة في العقار والمنقول إطلاقًا، وإذا نظرنا إلى المسألة على ضوء الحكمة من تقرير الشفعة، في الحالات التي أخذ بها المشروع، فلا يظهر أي مبرر للتفرقة بين العقار والمنقول، ففي جميع الأحوال تكون الحكمة هي جمع ما تفرق من عناصر الملكية الأمر الذي لا يقتصر أثره على تحقيق مصلحة الشفيع بل يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة إذ لا شك أن تجزئة الملكية من شأنها تعقيد طريق الانتفاع بالأموال، وهذه الحكمة تقتضي الأخذ بالشفعة عند بيع العقار أو المنقول على السواء، بل قد يكون إثبات الحق في الأخذ بالشفعة عند بيع بعض المنقولات أولى منه عند بيع العقارات كما هي الحال عندما يبيع أحد الملاك على الشيوع في المحل التجاري حصته الشائعة.

وتعرض المادة (892) من المشروع لأسباب استحقاق الشفعة، والشفعة تثبت بوجه عام بسبب اتصال ملك الشفيع بالمبيع، ولكن الفقهاء اختلفوا في صور الاتصال التي تجيز الأخذ بالشفعة، ففي المذهب الحنفي، وهو ما أخذت به المجلة، قد يكون اتصال شركة في نفس العقار المبيع فتثبت الشفعة للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع، وقد يكون اتصال شركة في حق الشرب أو حق المجرى أو حق المسيل عندما يكون الحق خاصًا، فتثبت الشفعة للشريك في أحد هذه الحقوق، ويسمى الخليط، عندما يباع العقار. وأخيرًا قد يكون اتصال جوار فتثبت الشفعة للجار الملاصق عندما يباع العقار، أما الشافعية والمالكية والحنابلة فلم يثبتوا الشفعة لا للخليط ولا للجار، وذلك يرجع – كما يقول بعض المحدثين من الفقهاء – أما إلى عدم العلم بما روي من الأحاديث التي جاءت بثبوت الشفعة بهما أو إلى عدم الاطمئنان إليها مع اطمئنانهم إلى صحة ما رواه جابر قال (قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة).

أما موقف القوانين العربية فمنها ما استبعد الشفعة أصلاً (السوري) ومنها ما توسع كالحنفية فأثبتها للشريك وللخليط وللجار كالقانون الأردني والقانون العراقي الذي قيد الجوار الذي تُستحق بسببه الشفعة، ومنها ما لم يثبت الشفعة لا للخليط ولا للجار (الليبي، والصومالي، والجزائري).

وفي الكويت، حيث المجلة هي الواجبة التطبيق، استُبعدت الشفعة بسبب الجوار بموجب التعميم الإداري رقم 1/ 1959 الصادر عن رئاسة المحاكم، بتاريخ 28/ 2/ 1959 فاقتصر حق الأخذ بالشفعة على الشريك في الشيوع والخليط.

وقد رُئي، في المشروع استبعاد الجوار كسبب من أسباب الشفعة أخذًا بما عليه العمل الآن في الكويت خاصة وهو سبب لم يأخذ به من المذاهب الإسلامية إلا المذهب الحنفي، كما أن الحكمة من تقرير الشفعة للجار لم يعد لها في ظروف عصرنا الحالي من الأهمية ما يستدعي الخروج على الأصل العام وهو اشتراط الرضاء في انتقال الملك.

كما رُئي عدم إعطاء الشفعة للخليط أولاً لندرة الاشتراك في المرور أو المجرى أو المسيل ولأن المصالح التي قد تبرر إعطاءها له لا تستدعي الخروج على الأصل العام.

واقتصر المشروع على إعطاء حق الأخذ بالشفعة للشريك في الشيوع عندما تباع حصة شائعة من المال الشائع لغير الشركاء.
وإذا تزاحم الشفعاء بأن طلب أكثر من شريك أخذ الحصة المبيعة بالشفعة، فنظرًا إلى أن مركز كل منهما مماثل لمركز الآخر، فيكون استحقاق كل منهم للشفعة على قدر نصيبه بمعني أن تقسم الحصة المبيعة بين الشفعاء بنسبة أنصبتهم في الشيوع، وهذا ما نصت عليه المادة (892/ 2) من المشروع.

وعرض المشروع في المادة (893/ 1) للأحوال التي لا يجوز فيها ابتداء، الأخذ بالشفعة، أو لموانع الأخذ بالشفعة وهي:

أولاً: إذا تم البيع بالمزاد العلني وفقًا لإجراءات رسمها القانون، وهو حكم أخذت به كل القوانين المشار إليها، والعلة في منع الشفعة في هذه الحالة أن البيع يتم بطريقة يتاح معها للشفيع، إن كان يريد أخذ المبيع، أن يدخل في المزاد، والمنع من الشفعة يساعد على أن يتم البيع بأكبر ثمن ممكن لأنه يحمل كل راغب على التقدم للمزايدة.

ثانيًا: إذا وقع البيع بين الأصول والفروع، أو بين الزوجين أو بين الأقارب لغاية الدرجة الثانية، والعلة في المنع في مثل هذه الأحوال هي أن الصلة التي تربط البائع بالمشتري كثيرًا ما تؤثر في شروط البيع، بل قد تكون هي التي أدت بالبائع إلى البيع بحيث لولاها لما باع أو لما باع إلا بشروط أخرى، وقد اختلفت القوانين فيما يتعلق بالبيع للأقارب من الحواشي أو للأصهار، فالقانون التونسي يقصر المنع على حالة البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين، والقانون المصري يمنع الأخذ بالشفعة أيضًا إذا كان البيع بين الأقارب لغاية الدرجة الرابعة والأصهار لغاية الدرجة الثانية، وقد وافقه في ذلك القانون الليبي، والقانون الصومالي، والقانون الجزائري، والقانون السوداني، والقانون الأردني، أما القانون العراقي فقد وافق القوانين السابقة فيما يتعلق بالبيع للحواشي ولكنه لم يذكر البيع للأصهار، وقد آثر المشروع هذا المسلك من حيث عدم ذكر البيع فيما بين الأصهار، ولكنه اقتصر في حالة البيع للأقارب على الدرجة الثانية، ذلك أن العلة في المنع من الأخذ بالشفعة لا تتحقق غالبًا إذا كان البيع لقريب أكثر من الدرجة الثانية.

ثالثًا: إذا اظهر الشفيع إرادته صراحةً أو ضمنًا، وقت البيع أو قبله، في أنه لا يرغب في الشراء بالشروط التي تم بها البيع. وقد آثر المشروع أن يجعل هذا مانعًا من الأخذ بالشفعة وليس سببًا لسقوط الحق فيها، لأن سقوط الحق لا يكون إلا بعد ثبوته وهو لا يثبت إلا على أثر البيع، أما النزول عن الحق بعد البيع فقد نص عليه المشروع بين أسباب السقوط، وحذا المشروع في تقرير هذا الحكم، مع ملاحظة الفرق في التأصل، حذو القوانين الحديثة كالقانون المصري الذي ينص على سقوط الحق في الأخذ بالشفعة إذا نزل الشفيع عن حقه هذا ولو قبل البيع (م 948) وكذلك القانون الليبي (952) والقانون العراقي (م 1134) والقانون الصومالي (م 756) والقانون الجزائري (م 807)، والقانون السوداني (760)، أما في الفقه الإسلامي فالنزول السابق على البيع لا يسقط الحق في الأخذ بالشفعة لأن الحق لا يوجد قبل البيع فلا يجوز إسقاطه قبل وجوده.

ونصت الفقرة الثانية على أنه لا يجوز للوقف أن يأخذ بالشفعة وهو حكم نصت عليه المجلة (م 1017، 1018) وكذلك قوانين بعض البلاد العربية (المصري م 939، الليبي م 943 مع تحفظ، السوداني م 751، الأردني م 1159).

وتعرض المادة (894) للحالة التي يشتري فيها شخص شيئًا يجوز الشفعة فيه، ثم يبيعه قبل أن يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، أو حتى بعد الإعلان ولكن قبل أن يصبح الإعلان حجة على الغير، وفي هذه الحالة يكون البيع الثاني ساريًا في حق الشفيع فلا يجوز له الأخذ بالشفعة إلا من المشتري الثاني وبالشروط التي اشترى بها، ونص المادة موافق لحكم القانون المصري (م 938) والقوانين التي حذت حذوه (الليبي م 942، السوداني 750، الجزائري م 797). ولم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العرقي الذي يجعل مناط الأخذ من المشتري الثاني أن يكون البيع الثاني قد تم قبل أن يدعي الشفيع بالشفعة (م 1137) لأن هذا قد يسهل التحايل لحرمان الشفيع من الأخذ بالشفعة، كما لم يأخذ المشروع بحكم القانون الأردني الذي ينص على أنه إذا اشترى شخص عينًا تجوز الشفعة فيها ثم باعها من آخر قبل أخذها بالشفعة، فللشفيع أخذها بالثمن الذي قام على المشتري الأول، وللمشتري الثاني أن يسترد الفرق من المشتري الأول إن وُجد ” م 1154 ” فهذا الحكم ليس فيه حماية للمشتري الثاني حسن النية.

ويعرض نص المادة (895) لما يُعرف بعدم تجزئة الشفعة وهي مسألة آثر المشرع المصري أن يترك حكمها للقواعد العامة فلم يضع لها نصًا خاصًا، وكذلك فعلت القوانين التي حذت حذوه (الليبي، الصومالي والجزائري) في حين عرض لها القانون العراقي والقانون السوداني والقانون الأردني بالإضافة إلى نص المجلة.

وقد آثر المشروع أن يأخذ بحكم كل من القانون العرقي والقانون الأردني فنص على أنه ” ليس للشفيع أن يأخذ بعض المبيع إلا إذا تعدد المشترون فله أن يأخذ نصيب بعضهم ويترك الباقي “.

إجراءات الشفعة:

يجب على الشفيع، حتى يأخذ المبيع بالشفعة، وفقًا لأحكام المجلة أن يطلب طلبات ثلاثة على التوالي: الطلب الأول ويسمى المواثبة، أن يقول كلامًا يدل على طلب الشفعة في المجلس الذي سمع فيه عقد البيع في الحال ” م 1029 ” فإذا أخر الشفيع طلب المواثبة سقط حقه ” م 1032 “، والطلب الثاني، هو طلب التقرير والإشهاد، فيلزم الشفيع بعد طلب المواثبة أن يقول في حضور رجلين أو رجل وامرأتين عند المبيع أن فلانًا قد اشترى هذا العقار أو عند المشتري أنت قد اشتريت العقار الفلاني أو عند البائع إن كان العقار موجودًا في يده أنت قد بعت عقارك وأنا شفيعه بهذه الجهة وكنت طلبت الشفعة والآن أنا أيضًا أطلبها اشهدوا، وإن كان الشفيع في محل بعيد ولم يمكنه طلب التقرير والإشهاد بهذا الوجه يوكل آخر وإن لم يجد وكيلاً أرسل مكتوبًا ” م 1030 ” وإذا أخر الشفيع طلب التقرير والإشهاد مدة يمكن إجراؤه فيها ولو بإرسال مكتوب يسقط حق شفعته ” م 1033 “، والطلب الثالث هو طلب الخصومة والتملك وذلك بأن يدعي في حضور الحاكم بعد طلب التقرير والإشهاد خلال شهر فلو تأخر من دون عذر شرعي يسقط حق شفعته ” م 1031، 1034 “.

والواقع أن طلبات المواثبة والتقرير والإشهاد على هذا النحو لم تعد تلائم الظروف الحالية، ولهذا نجد قوانين البلاد العربية تنظم الإجراءات على نحو آخر، وهو ما سار عليه المشروع، والإجراءات التي ينبغي على الشفيع اتخاذها هي: إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة ثم إيداع الثمن، ثم رفع الدعوى، وثمة إجراء جوازي يقوم به البائع أو المشتري يهدف إلى وضع حد لموقف الشفيع هو الإنذار.

وقد بدأ المشروع النصوص الخاصة بإجراءات الشفعة ” المواد من 896 إلى 898 ” بنص المادة (896) بالإجراء الجوازي، وهو حق كل من البائع والمشتري في أن يوجه إلى الشفيع إنذارًا رسميًا يعلمه فيه بالبيع العلم الكافي ليحدد موقفه من الأخذ بالشفعة، ولذلك يجب أن يشتمل الإنذار على البيانات التي تمكن الشفيع من اتخاذ قراره فيما إذا كان يشفع أم لا، وإذا تم الإنذار صحيحًا، اعتبر الشفيع عالمًا بالبيع.

وبمقتضى المادة (897) يجب على الشفيع، إذا ما أراد الأخذ بالشفعة أن يعلن رغبته في ذلك بإعلان رسمي يوجه إلى كل من البائع والمشتري، وإعلان الرغبة هو أول إجراء يقوم به الشفيع ويقابل طلب المواثبة المنصوص عليه في المجلة، ولم يرَ المشروع أن يأخذ بحكم المجلة حيث يجب على الشفيع أن يقول ما يدل على طلب الشفعة في المجلس الذي سمع فيه بعقد البيع في الحال، وإنما رأى إعطاء مهلة معقولة للشفيع يتدبر فيها أمره، وقد كان على المشروع أن يختار بين أن تبدأ المهلة من تاريخ الإنذار الذي يوجه إليه من البائع أو المشتري وفقًا لنص المادة (907) كما فعل المشرع المصري ” 940 ” والقوانين التي حذت حذوه ” العراق م 1138، والليبي م 944، والسوداني م 752، والجزائري م 799 ” وبين أن تبدأ المهلة من وقت علم الشفيع بالبيع كما فعل القانون الصومالي ” 749 “، وقد آثر المشروع هذا الحكم الأخير وهو الأقرب إلى حكم الشريعة الإسلامية، وإذا كانت ميزة حكم القانون المصري والقوانين التي حذت حذوه أنه يجنب المنازعات حول العلم، فمن حق كل من البائع والمشتري أن يوجه إنذارًا إلى الشفيع فيقطع كل نزاع حول علم الشفيع في الأقل ابتداءً من وقت الإنذار فبعد أن نص المشروع على واجب الشفيع في أن يعلن رغبته خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علمه، اعتبر الإنذار قرينة قاطعة على العلم، وفيما يتعلق بالمهلة التي أُعطيت للشفيع ليتدبر فيها أمره، اكتفى المشروع بخمسة عشرة يومًا محتذيًا حذو أكثر التشريعات العربية، ولم يرَ الأخذ بما ذهب إليه القانون الجزائري من جعلها ثلاثين يومًا ولوضع حد المنازعات حول إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، اشترط المشروع أن يكون إعلان الرغبة رسميًا وأن يوجه إلى كل من البائع والمشتري، وإلا سقط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة.

وقد عرض المشروع في الفقرة الثانية من النص لحجية الإعلان على الغير، كالمشتري من المشتري مثلاً وفي القوانين التي نظمت هذه المسألة وكلها تقصر الشفعة على حالة بيع العقار، يكون الإعلان حجة على الغير من وقت تسجيله، فلما اتسع نطاق الشفعة في الشروع ليشمل بيع العقار والمنقول، جعل الأصل في حجية إعلان الرغبة على الغير بعلمه بهذا الإعلان ثم نص بعد ذلك على أنه إذا كان المبيع عقارًا وسجل إعلان الرغبة فيكون التسجيل قرينة قاطعة على علم الغير بحيث يصبح إعلان الرغبة حجة على الغير من تاريخ التسجيل، حتى ولو لم يعلم به علمًا حقيقيًا، ويكون تسجيل إعلان الرغبة بالتأشير به على هامش تسجيل سند ملكية العقار المشفوع فيه.

وبعد إعلان الرغبة، يجب على الشفيع أن يقوم بإجراءين على التوالي، إيداع الثمن ثم رفع الدعوى، وقد نصت المادة (898) على أنه يجب على الشفيع أن يرفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان رغبته، وذلك بعد أن يودع خزانة إدارة التنفيذ كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع، وإلا سقط حقه، وإيداع الثمن كله هو مما سار عليه القانون المصري (م 942) والقوانين العربية الأخرى التي حذت حذوه ” الليبي م 946 والسوداني ” م 755 ” والصومالي ” م 750 ” والجزائري ” م 801 ” بينما نص القانون العراقي على أنه يجب على الشفيع عند رفع الدعوى أن يودع ما يساوي نصف الثمن (م 1140)، أما القانون الأردني فلم ينص على ضرورة الإيداع وإنما أعطى المحكمة أن تمهل الشفيع شهرًا لدفع ما تطلب منه دفعه وإلا بطلت شفعته.

آثار الأخذ بالشفعة:

إذا سلم المشتري للشفيع بحقه في أخذ المبيع بالشفعة رضاء، فيكون الاتفاق على ذلك هو سند الشفيع فيما له من حقوق وما عليه من التزامات، وهذه مسألة لا تحتاج إلى نص.

أما إذا لم يتم الأخذ بالتراضي، وحكمت المحكمة بثبوت الشفعة للشفيع، فيكون الحكم النهائي الذي يصدر بذلك هو سند الشفيع فيما له من حقوق وما عليه من التزامات وهو ما نصت عليه المادة (899) ويختلف هذا النص عن نص القانون المصري ” م 944 ” والقوانين العربية الأخرى التي تأثرت به في أنه استبدل بعبارة ” سندًا لملكية الشفيع ” عبارة ” سندًا لحقوق الشفيع والتزاماته ” لأن هذه العبارة الأخيرة أشمل، وتفيد أن الحكم سند لملكية الشفيع كما أنه سند للحقوق الأخرى كالحق في الرجوع على البائع بالضمان.

وبعد أن حدد المشروع سند الشفيع فيما له من حقوق والتزامات بين في المادة (900) هذه الحقوق والالتزامات، فنص في الفقرة الأولى على أن يحل الشفيع قبل البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته وهو حكم أخذت به أكثر القوانين العربية ” المصري م 945/ 1، والعراقي م 1142، الليبي م 949، التونسي م 112، السوداني م 757، الصومالي م 753، الجزائري م 804 “.
ثم استثنى النص حق المشتري في الانتفاع بالأجل فنص في الفقرة الثانية على أنه ” ومع ذلك لا يحق له الانتفاع بالأجل الممنوح للمشتري في دفع الثمن إلا برضاء البائع ” وهو استثناء معقول إذ قد يكون البائع قد قبل التأجيل لاعتبارات تخص المشتري وما كان ليقبل التأجيل لغيره، ولهذا لم يرَ المشروع وجهًا لمسلك القانون الصومالي الذي أسقط هذا الحكم ” م 753 “.

وأخيرًا نص المشروع في الفقرة الثالثة على أنه إذا استحق المبيع للغير بعد أخذه بالشفعة فليس للشفيع أن يرجع إلا على البائع، وهذا الحكم يعتبر محض تطبيق لحكم الفقرة الأولى، وبالتالي كان يمكن الاستغناء عنه، ورُئي مع ذلك النص عليه أسوة ببعض التشريعات العربية ” المصري 945، العراقي 1142، الليبي 949، السوداني 757، الصومالي 753 “، ولم يرَ المشروع وجهًا لمسلك القانون الجزائري الذي نص في المادة (804) على القاعدة العامة وهي حلول الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ثم نص على أنه ” ولا يرجع الشفيع على البائع إذا ما استرد الغير العقار بعد الشفعة ” كما لم يرَ المشروع وجهًا لما نص عليه القانون الأردني من أنه وإذا استحق العقار للغير بعد أخذه بالشفعة فللشفيع أن يرجع بالثمن على من أداه إليه من البائع أو المشتري.

ويواجه نص المادة (901) الأحكام الخاصة بما قد يكون المشتري أحدثه من زيادة في المبيع، سواء كانت الزيادة بالبناء أو الغراس أو غير ذلك كعمل شيء من التحسينات التي لا يصدق عليها لفظ البناء، وقد حذا المشروع، في وضع المسألة، حذو المجلة التي تقول ” إذا زاد المشتري … ” وكذلك نص القانون الأردني، ولم يقتصر على حالة البناء أو الغراس، كما تفعل كثير من التشريعات العربية ” المصري م 946، العراقي 1143، الليبي 950، السوداني 758، الصومالي م 754، الجزائري م 805 “.

والنص يفرق بين فرضين: الأول أن يكون المشتري قد أحدث ما أحدثه قبل أن يعلنه الشفيع برغبته، والثاني أن يكون قد أحدثه بعد أن أعلنه الشفيع برغبته، وقد حرص المشروع أن تكون العبرة بإعلانه المشتري نفسه، وذلك على خلاف أكثر القوانين العربية التي تقول ” إعلان الرغبة في الشفعة ” وقد احتذى المشروع في ذلك بالقانون العراقي الذي يقول ” قبل أن يبلغ بالرغبة في الأخذ بالشفعة “.

وفي الفرض الأول، والذي لا لوم فيه على المشتري، يلتزم الشفيع بما يختاره المشتري، وهو يختار طبعًا أكبر القيمتين، إما قيمة ما أنفقه أو قيمة الزيادة التي حدثت في المبيع بسبب ما أحدثه المشتري، وهذا هو حكم القانون المصري (م 946) والقانون الليبي (م 950) والقانون السوداني (م 758) والقانون الصومالي (م 754) والقانون الجزائري (م 805)، أما القانون العراقي فينص على إلزام الشفيع بما زاد في قيمة العقار بسبب البناء والغراس ولم يرَ المشروع الأخذ به لأنه قد يؤدي إلى خسارة للمشتري دون مبرر، وقريب من ذلك حكم القانون الأردني (م 1166/ 1).

وفي الفرض الثاني، أي عندما يكون المشتري قد أحدث ما أحدثه بعد أُعلن برغبة الشفيع، فيعامل المشتري معاملة الحائز سيئ النية، ولذلك يكون للشفيع أن يطلب الإزالة، وله أن يطلب استبقاء الزيادة ولم يرَ الشروع أن يقيد هذا الحق اكتفاءً بحكم القواعد العامة في عدم جواز التعسف في استعمال الحق، وله أيضًا أن يطلب استبقاء ما أحدثه المشتري، وفي هذه الحالة، وكذلك في حالة ما إذا كانت الإزالة غير مقبولة وفقًا للقواعد العامة، يلتزم الشفيع بأن يدفع للمشتري أقل القيمتين، قيمة ما أنفقه المشتري أو قيمة ما ترتب على الزيادة من ارتفاع في قيمة المبيع، ولم يرد المشروع أن يأخذ بحكم القانون المصري والقوانين التي حذت حذوه ” الليبي، الصومالي، الجزائري ” الذي يلزم الشفيع بدفع ما أن أنفقه المشتري دون أن يعطيه الخيار بين أقل القيمتين، كما لم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العراقي (م 1143) الذي يلزم الشفيع بدفع قيمة البناء أو الغراس مستحقي القلع، وهو حكم القانون الأردني أيضًا ” م 1166 ” واستحسن المشروع حكم القانون السوداني ” م 758/ 2 “.

وتعرض المادة (902) لمصير التصرفات التي تمت من المشتري ومدى سريانها في حق الشفيع، سواء كانت من التصرفات الناقلة لملكية كالبيع أو الهبة، أو كانت مما يرتب حقًا عينيًا آخر كالانتفاع أو الرهن.

وفي قوانين البلاد العربية، حيث تقتصر الشفعة على العقار دون المنقول، نجد بعد الدول تجعل مناط السريان أو عدم السريان هو كون التصرف قد تم أو أن الحق قد نشأ قبل أو بعد تسجيل إعلان الرغبة، باعتبار أن هذا التسجيل هو الذي يجعل إعلان الرغبة نافذًا في حق الغير ” المصري 947، الليبي 951، السوداني 759، والصومالي 755، الجزائري 806 ” ونظرًا إلى أن المشروع قد أجاز الشفعة في العقار والمنقول على السواء وبالتالي قد نص في المادة (897) على ألا يكون إعلان الرغبة حجة على الغير إلا إذا علم به، كما نص على اعتبار تسجيل إعلان الرغبة قرينة قاطعة على العلم، وذلك على نحو ما تقدم بيانه، نظرًا لهذا نص في المادة (902) على ألا يسري في حق الشفيع أي تصرف ناقل للملكية صدر من المشتري، ولا أي حق عيني رتبه أو ترتب ضده إذا كان كل ذلك قد تم بعد التاريخ الذي أصبح فيه إعلان الرغبة حجة على الغير وفقًا للمادة (897)، ولم يرَ المشروع الأخذ بحكم القانون العراقي (م 1144) الذي ينص على عدم السريان إذا كان التصرف أو الحق قد تم بعد تبليغ الرغبة في الأخذ بالشفعة، لأن هذا الحكم لا يضع أي اعتبار لحماية الغير. كما لم يرَ الشروع الأخذ بحكم القانون الأردني الذي يجعل مناط عدم السريان هو كون التصرف أو الحق قد تم بعد رفع الدعوى، لأن هذا قد يسهل العمل على تعطيل حق الشفيع في الأخذ بالشفعة. وإذا فرض ونشأت على المشتري ديون مقيدة ولم تنفذ في حق الشفيع حماية للشفيع نفسه، فليس ثمة ما يمنع من أن يبقى للدائنين حقوقهم في الأولوية على ما يؤول إلى المشتري من ثمنه وهو ما نص عليه المشروع في الفقرة الثانية، وهو حكم معقول نصت عليه قوانين البلاد العربية محل المقارنة.

سقوط الشفعة:

عرض المشروع في المادة (903) لأسباب سقوط الحق في الشفعة فنص على سقوط الحق إذا نزل الشفيع عنه صراحةً أو ضمنًا، وقد سبق أن نص المشروع على أنه لا شفعة إذا أظهر الشفيع إرادته صراحةً أو ضمنًا وقت البيع أو قبله في أنه لا يرغب في الأخذ بالشفعة، أما إذا ظهرت مثل هذه الإرادة بعد البيع فهذا هو النزول عن الحق لأن النزول لا يكون إلا بعد وجود الحق وهو لا يوجد إلا على أثر البيع.

كما قرر النص سقوط الحق إذا لم يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة خلال ثلاثة أشهر من يوم تسجيل البيع إذا كان المبيع عقارًا، فإذا سجل بيع العقار تكون فرصة العلم به قد أُتيحت ليعلم الشفيع وبالتالي يسقط حقه في الأخذ بالشفعة إذا لم يعلن رغبته خلال مدة معينة، وقد اختفت التشريعات العربية في مقدار هذه المدة فهي في القانون المصري أربعة أشهر وفي القانون السوداني ستة أشهر (م 948) وفي كل من القانون الليبي (م 952) والقانون الجزائري (م 807) سنة.

وبالإضافة إلى هذين السببين من أسباب النزول فحق الشفيع يسقط في أحوال أخرى ورد النص عليها في المواد السابقة فهو يسقط إذا لم يعلن الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة خلال خمسة عشر يومًا من وقت علمه بالبيع (م 897) كما يسقط حقه إذا لم يودع كل الثمن الحقيقي أو لم يرفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان رغبته (م 898).

وعرض المشروع بنص المادة (904) لمسألة أثر موت الشفيع وهل يسقط الحق في الأخذ بالشفعة أم ينتقل الحق إلى ورثته، وهذه مسألة خلافية في فقه الشريعة الإسلامية، فذهب الشافعي ومالك إلى أن حق الشفعة يورث فيحل الوارث محل مورثة ومالك إلى أن حق الشفعة يورث فيحل الوارث محل مورثه لأنه حق متعلق بالمال وقد ثبت لصاحبة بسبب ما يملك من عقار فإذا انتقل ذلك العقار إلى الوارث انتقل إليه بحقوقه، وذهب أحمد إلى أنه يورث إذا ما تقرر بالمطالبة لتأكده وتحققه حينئذٍ أما قبل المطالبة فلا يورث، أما عند الحنفية فحق الشفعة لا يورث إذا هو إرادة ومشيئة والوارث لا يرث مورثه في رغباته لأنها صفات شخصية.

وقد كان لهذا الخلاف أثره في موقف القوانين العربية من هذه المسألة، فعندما وضع المشروع التمهيدي المصري نص فيه صراحةً على انتقال الحق في الشفعة إلى الورثة، ولما ثار الخلاف حول هذه المسألة انتهى الأمر بتركها لاجتهاد القضاء فجاء القانون خاليًا من النص على حكم فيها، وقد حذا حذو القانون المصري بعض القوانين العربية فلم تعرض للمسألة بنص (الليبي، السوداني، الصومالي، الجزائري)، في حين نصت بعض القوانين الأخرى (العراقي، الأردني، التونسي) على انتقال الحق إلى الورثة، وهذا هو الاتجاه الذي رأى الشروع الأخذ به فنص في المادة (904) على أنه ” لا يسقط الحق في الأخذ بالشفعة بموت الشفيع وإنما ينتقل إلى الورثة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .