القيمة القانونية لرأي الزوجة الأولى عند إصدار حجة الإذن بالزواج من ثانية

القاضي ناصر عمران

لا يمكن فصل مناخات المنظومة التشريعية المنتجة للقانون عن الرؤية الحاكمة في ثنايا النص القانوني من حيث الاستيعاب وبعد الرؤيا والحال ينطبق بدرجة كبيرة على قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل الذي انتجته مرحلة مرنة استطاعت ان تماهي بدرجة كبيرة بين الرؤية الشرعية والواقع المدني القانوني فخرج القانون المستند على ارث قانوني يرجع الى عام 1924 وصدور مجلة الأحكام العدلية ثم دوائر القضاء الشرعي الجعفري والقضاء الشرعي السني بكل ضخامة الاحكام، معافى يحمل في ثناياه تنظيماً اسرياً غاية في الرصانة.

وموضوع معالجة تعدد الزوجات تشريعياً انموذجاً يحتذى به حيث جاء في تقرير اللجنة التي اعدت قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 والذي يقابله اليوم الاسباب الموجبة للتشريع في موضوع تعدد الزوجات ما نصه: رأت اللجنة أن قوانين البلاد الإسلامية قد ذهبت في حكم تعدد الزوجات مذهبين فمنعه التشريع التونسي بصورة مطلقة وعاقب عليه (م-18) منه وقيد التشريع المغربي المنع بالخوف من عدم العدل (ف-30) فاختارت اللجنة مذهباً وسطاً بينهما فمنعت بالمادة الثالثة الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة ما زاد على واحدة وأن تكون هناك مصلحة مشروعة ومنعت الزواج بأكثر من واحدة إذا خيف عدم العدل وتركت ذلك لتقدير القاضي كما إنها نصت على عقوبة الحبس لمدة سنة أو بالغرامة مائة دينار على من يخالف ذلك.

الا ان الملاحظ في النص القانوني انه لم يتضمن على بيان رأي الزوجة الاولى او اعلامها او ما يسميه القانون المصري بالإخطار _ والذي فشل كثيرا في تشريع حالة التعدد حتى نهاية السبعينات ثم عام 1984 _ كما نص القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، والذي أوجب على الزوج المسلم أن يقدّم للموثق إقراراً بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته (إذا كان متزوجاً) مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.

كما اعتبر القانون أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها يعدّ إضراراً بها، حتى وإن لم تشترط عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، وذلك خلال سنة من تاريخ علمها بالزواج عليها.أي أن هذا القانون اشترط لتعدد الزوجات رضاء الزوجات أنفسهن عليه.

او كما نص القانون الجزائري في المادة (8) والذي يسمح بالزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط و نية العدل ويتم ذلك بعد علم كل من الزوجة السابقة واللاحقة، ولكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضا ، والسؤال الذي يفرض نفسه ماهي الجدوى او القيمة القانونية لبيان راي الزوجة عند اصدار حجة الاذن بالزواج ؟

إن اجراء بيان رأي الزوجة هو عرف قضائي اكتسب صفة الإلزام من خلال التطبيق حيث يتضمن اجراء اصدار حجة الأذن بالزواج من ثانية، انه بعد تقديم الطلب من المستدعي وتدوين افادته يعين يوم لمقدم الطلب وتبلغ الزوجة الاولى لبيان رأيها وتنبه في حالة عدم حضورها فالمحكمة تستمر في نظر الطلب _ وهو الاجراء المعروف عمليا (بموافقة الزوجة الأولى) وهو من الاخطاء الشائعة فبيان رأي الزوجة، يعني بالنسبة للمحكمة أمورا كثيرة ليست مقتصرة على الموافقة على الزواج او عدمها والذي لم يشترطه النص في اصدار حجة الاذن _ وبعد حضور الزوجين تدون افادتهما والتي تتضمن بيان رأي الزوجة بالموافقة او الاعتراض وبيان الاسباب و التي ستوضح للمحكمة الكثير وتزيد من قناعة المحكمة عند اصدار الحجة او رفض الطلب، وفي حالة عدم حضور الزوجة تتضمن الحجة ان للزوجة حق الطعن بطريق التظلم وفق المادة (153) من قانون المرافعات المدنية وما يصدر نتيجة التظلم يقبل الطعن تمييزا والحال هذه تنطبق على مقدم الطلب عند رفض المحكمة اصدار حجة الاذن بالزواج.

وبغية الوقوف على الأساس القانوني للعرف القضائي الخاص ببيان رأي الزوجة نرى بان هناك مخرجات انتجت هذا العرف القضائي منها ان بيان رأي المرأة في موضوع يرتبط بحياتها الاسرية وتنظيمها يمنحها نوعا من الحقوق حرص المطبق القضائي على منحها للمرأة تقديرا ومراعاةً لمشاعرها الانسانية،

ومنها ان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959نجح في تضمين الرؤى الشرعية العقائدية في الحقوق لكل المذاهب ونستطيع ان نرى ذلك من خلال انموذج عقد الزواج الذي يشير الى المذهب كون الالتزامات المالية الخاصة بالمهر المؤجل (الاستحقاق) تختلف بين مذهب واخر وبذات الرؤية منح تنظيم احكام المواريث لآراء المذاهب واحكامها الشرعية في احتساب المسألة الارثية والحقوق المتعلقة بها لذلك نرى بان هناك حالات تقتضي بيان رأي الزوجة منها مثلاً وفق المذهب الجعفري موافقة العمة والخالة عند التعدد اذا كانت الزوجة الثانية ابنة الاخ او الاخت، واللجوء الى بيان رأي الزوجة الاولى يعالج الحالة الشرعية العقائدية يضاف الى ذلك ان القانون اشترط بإصدار حجة الاذن بالزواج من زوجة ثانية المصلحة المشروعة وهو مفهوم بحاجة الى التوضيح والبحث والحصول على المعلومة لتطبيقه وبخاصة في الجوانب النفسية فبيان رأي الزوجة وتوضيح المصلحة المشروعة المقدمة من قبل الزوج ستعطي المحكمة مساحة اوسع في الوصول الى الحقيقة وبالتالي القرار القضائي السليم،

ولا يمكن إغفال تأثير القوانين الاخرى والاجراءات المتخذة بذلك واطلاع المشرع والقاضي العراقي على القوانين والأحكام القضائية منحه تصور إجرائي سليم.

ليس من بين شروط طلب الاذن للزواج من امرأة ثانية ان يكون طالب الاذن قد خطب امرأة ثانية اولم يخطب.

رقم القرار – 1419/الاحوال الشخصية الاولى/2011

تاريخ القرار – 27/2/2011