بحث قانوني عن كل ما يتعلق بالغرامة التهديدية في القانون التونسي

مقال حول: بحث قانوني عن كل ما يتعلق بالغرامة التهديدية في القانون التونسي

الأستاذة مريم الضيف

الغرامة التهديدية في القانون التونسي

ألست أفضل حالا ممن أدين لهم؟ أملك أموالهم وهم ينتظرون مالي، لا أطالبهم بشيء وهم يزعجونني ! الإنسان الذي لا دين له، لا يفكر فيه أحد لكن هؤلاء الدائنين يهتمون بأمري[1]!

هذا المقتطف من مسرحية “الفاعل” للأديب بالزاك تعبر عن حالة مدين مماطل لا يرفض التنفيذ فحسب بل يتذمر حتى من مطالبة دائنيه بالوفاء لهم . هذه الوضعية ، كثيرة التداول في التطبيق، تفترض وجود إلتزام أصلي بين دائن ومدين.

المقصود بالإلتزام هنا هو العقد[2]، الذي يعرف بكونه إتفاق بين إرادتين أو أكثر لإنشاء رابطة قانونية مع تعيين شروطها وآثارها[3] ، لغاية تكوين إلتزام أو لإحالته أو تغييره أو إ نهائه [4] .

منذ نشأته صحيحا [5]، يخضع العقد لمبدأ سلطان الإرادة أي أنه يلزم المتعاقدان كما يلزمهما القانون ، فهو شريعة الطرفين ، هذا ما كرسه المشرّع بالفصل 242 م. إ.ع [6] نتيجة لهذا المبدأ لا يمكن لأحد الطرفين التحلّل من إلتزامه دون رضاء الآخر بل يجب عليه تنفيذ آدائه طبق ما ورد بالإتفاق وبطريقة تتفق مع ما يوجبه مبدأ حسن النية[7] تماما كما ورد بالفصل 243 م .إ .ع “يجب الوفاء بالإلتزامات مع تمام الأمانة”.

إن الغاية الأساسية من تكوين العقد هو تنفيذه، فالوفاء بالإلتزام يرضي الدائن ويبرئ المدين، لتنحلّ الرابطة القانونية التي تجمع بينهما وبالتالي ينقضي الإلتزام[8].

لكن عادة ما يختل المسار العادي للإلتزام نتيجة تأخّر المدين في الوفاء دون سبب صحيح أو إمتناعه إمتناعا نهائيا عن التنفيذ. علما أن عدم الوفاء بالإلتزامات مثّل ولا زال يمثل أغلب الخصومات المرفوعة أمام القضاء،[9] ممّا يهدد الإستقرار التعاقدي ويفقد عنصر الثقة في المعاملات.

على هذا الأساس يجد المشرّع نفسه أمام ضرورة تقنين آليات لحماية مؤسسة العقد والحفاظ على نجاعتها بإحترام مبدأ الكلمة المعطاة،

« Le respcet de la parole donnée ». فمن المنطقي إذن تزويد الدائن بوسيلة الضغط التي تمكنه من ممارسة تأثيرا فعالا على إرادة مدينه لجبره على التنفيذ مما يوثق الروابط القانونية ويمنح المتعاقدين أكثر ضمانا[10].

نتيجة لذلك يجب تكريس حق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيّني لا بالتعويض فالأصل في التنفيذ الجبري أن يكون عيّنا[11].

تجدر الإشارة في هذا الصدد أن ضمان تطبيق مبدأ التنفيذ العيّني عن طريق وسائل التنفيذ الجبري تطور بتطور مفهوم الإلتزام ، فلقهر المدين على الوفاء عيّنا تم الإلتجاء أولا إلى الإكراه البدني بالضغط على النفس[12] .هذه الطريقة مثّلت الوسيلة العادية للتنفيذ في القانون الروماني حيث نظّمها قانون الألواح الإثني عشر بأن أعطى للدائن دعوى تسمى دعوى “إلقاء اليد” « Manus injectio » يحضر بمقتضاها مدينه أمام القاضي ويسمح لكل شخص بالتدخل للوفاء بالدين أو لإثارة أي إدعاء ضد التنفيذ على المدين، فإذا لم يحدث هذا التدخل، كان للدائن دون حاجة لأي قرار من القاضي، أن يأخذ المدين ويقيده بالسلاسل أو حتى يأسره ويدوم حبسه ستين يوما. فإذا إنقضت هذه المدة دون أن يقوم المدين أو غيره بالوفاء جاز للدائن أن يقتل أسيره أو أن يبيعه كعبد[13].

بالنسبة للتشريع الإسلامي مثل التنفيذ العيّني المبدأ، وهو ما يتبيّن من خلال أهم مصدرين لها وهما دستور المسلمين القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ففي القرآن الكريم، توج الله سبحانه وتعالى مبدأ التنفيذ العيّني بقوله في صدر الآية الأولى من سورة المائدة ، “يا أيّها الذين آمنوا أَوْفُوا بالعقُودِ” كما ورد هذا المبدأ مرة أخرى في قوله تعإلى “وإذا قُلتُم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى، وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذّكرون”[14].

كذلك، نستشف هذا المبدأ من السنة المطهّرة التي سعت لحماية الدائن، فلقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم “من أخذ أموال الناس، يريد أدائها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله”.

لكن ضمان هذا المبدأ عن طريق الإكراه البدني كان محلّ جدل، ذلك أن مسألة حبس المدين إختلف في شأنها الفقهاء. فلقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى جواز حبس المدين الموسر بإعتباره ظالما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “مطل الغني ظلم” لكن لم يوجزه كل من الإمام أحمد والإمام الشافعي. بينما لم يثر أي خلاف حول عدم جواز حبس المدين المعدم وذلك إستنادا لقوله تعالى”وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة” البقرة الآية 279.

يمكن الإستنتاج مما سبق عرضه بالمقارنة بين القانون الروماني والتشريع الإسلامي، أن هذا الأخير كان أكثر تطورا، فهو لا يستبعد فقط تسليط الإكراه البدني على شخص المدين بل أيضا يتميز بالسماحة واللين تجاه المدين المعسر[15].

ومهما يكن من أمر، تخلت التشريعات الحديثة اليوم عن الإكراه البدني كقاعدة عامة [16] ، فحبس المدين أو تعذيبه يتنافى مع ما يجب ضمانه من كرامة للذات الإنسانية، كما أن فكرة الإنتقام الشخصي والفعل وردّ الفعل قد تلاشت[17] .

من ناحية أخرى، تتطورت رابطة الدائنية لتصبح رابطة قانونية بين ذمتين ماليتين، فمحلّ الضمان لم يعد شخص المدين إنّما ماله [18].

على هذا الأساس إضمحلت العدالة الخاصة وهي: الصورة التي ينتصب فيها الفرد خصما وحكما في الآن ذاته فيتولى فيها صاحب الحقّ تنفيذ حقه وضمان إحترامه دون اللجوء إلا لسلطته [19]، فمع ظهور الدولة في مفهومها الحديث، بدأت الأمور تتغير وتتطور وبدأت التفرقة بين ما هو مدني وما هو جزائي تتبلور[20]. نتيجة لذلك ترسّخ في جميع النظم والتشريعات الحديثة مبدأ “ليس لأحد أن يقتصّ لنفسه بنفسه”.

« Nul ne peut se faire justice à soi- même » فصاحب الحق لابد له من المرور إلى القضاء للمطالبة بحقه .

لكن بالتوازي مع إيجابيات هذا المبدأ، فإن الواقع العملي فرض عدّة سلبيات تشوب اللجوء إلى المحاكم في المادة المدنية، وذلك أساسا جرّاء التكلفة العالية وأحيانا المشطّة للتقاضي[21] .

كما يعاب على إجراءات التنفيذ أنها لا تتفق مع مقتضيات المرونة والسرعة وتتّسم بتعقدها وتشعبها[22] نظرا لكونها تستوجب الإشراف القضائي . فلا بد في مرحلة أولى الحصول على سند تنفيذي و من ثمة اللجوء في مرحلة ثانية إلى التنفيذ الجبري.

هذه الثغرات يستغلها المدينون سيئي النية للإمعان في التنكيل بالدائنين[23].

لمجابهة هذه النقائص عمل المشرّع على معالجة نسبيّة نجاعة اللجوء إلى معاضدة الدولة بتقنين وسائل ضغط خاصة تهدف للضغط على المدين لأداء عيّن ما إلتزم به: « Les moyens des pressions privées constituent un précieux auxiliaire de la contrainte public »[24].

تنقسم هذه الوسائل إلى وسائل وقائية كالعربون والشرط الفاسخ والشرط الجزائي، وإلى وسائل علاجية، كالدفع بعدم التنفيذ وحق الحبس.

لا يفوتنا التنويه في هذا الصدد، إلى الدور الفعال لفقه القضاء الذي لم يقف مكتوف الأيدي أمام عقبات التنفيذ المدني، بل إستنبط نظرية التهديد المالي أي بالضغط على مال المدين عن طريق مؤسسة الغرامة التهديديّة.

عرف الفقه التهديد المالي أو الغرامة التهديديّة بعدّة تعريفات تقوم جميعها على فكرة واحدة تجد أساسها في حق القضاء في إلزام المدين الممتنع عن التنفيذ أو المتأخر فيه بدفع غرامة تهديدية عن كل وحدة زمنية ( يوم، أسبوع، شهر…) يمتنع فيها أو يتأخر عن تنفيذ إلتزامه عيّنا أثناء النظر في النزاع حول الإلتزام الأصلي أو بعد صدور حكم بهذا الإلتزام[25].

إلا أن هذا التعريف قد تنازعه إتجاهان، إتجاه يرمي إلى تحديد معنى التهديد المالي بوجه عام وإتجاه آخر يسعى لتعريف الغرامة التهديديّة من خلال خصائصها.

من بين أنصار الإتجاه الأول نجد الأستاذ السنهوري [26] الذي يعرف الغرامة التهديديّة بكونها “وسيلة من وسائل التنفيذ العيّني الإجباري… وهي وسيلة غير مباشرة… تتلخص في أن القضاء يلزم المدين بتنفيذ إلتزامه عيّنا وفي مدة معيّنة، فإن تأخر في التنفيذ يكون ملزما بدفع تعويض عن هذا التأخير، مبلغا معيّنا عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو كل شهر أو أيّة وحدة أخرى من الزمن، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ. فإذا ما قام به، وراجع القضاء فيما تراكم عليه من التعويض ، يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إلى القدر المناسب أو يمحوه. فالتعويض المحكوم به إبتداءا ليس إلا تهديدا ماليا يقصد منه الضغط على المدين حتى يقوم بتنفيذ إلتزامه”.

نستنتج من هذا التعريف أن نظرية التهديد المالي تقوم على الذمة المالية للمدين ولا ترد على شخصه، ليكون هذا التهديد وسيلة غير مباشرة تعمل على إكراه المدين لحمله على القيام بالتنفيذ بدلا من تهديده بحبسه.

بالنسبة لأنصار الإتجاه الثاني، إهتموا بذكر خصائص نظرية التهديد المالي إلى جانب هذا المفهوم العام، على إعتبار أن الغرامة التهديدية تنضوي على فكرة التهديد بعقوبة جسيمة « Peine considérable » [27]. فالمدين الذي لا ينفّذ إلتزامه يقع تحت طائلة التهديد بعقوبة مالية جسيمة تتصاعد وتتفاقم مع مرور كل وحدة زمنية .

كما إعتمد شقّ آخر من هذا الإتجاه [28] على خصائص أخرى للغرامة التهديديّة عند تعريفه لها فإعتبر “أنها عبارة عن حكم مالي تبعي وإحتمالي يقدّر عن كل يوم تأخير يضاف إلى الحكم الأصلي، في حالة إذا ما لم ينفذ المدين إلتزامه خلال المدّة الزمنية التي حدّدها القاضي وذلك من أجل قيام المدين بتنفيذ عيّن ما إلتزم به تنفيذا يفترض تدخله الشخصي” .

إمتاز هذا التعريف بتبيان أن الغرامة التهديديّة هي وسيلة ضغط ترد على أموال المدين والهدف منها ليس المبلغ المحكوم به في حدّ ذاته وإنما هي وسيلة تسعى لتحقيق الضغط على إرادة المدين ليقوم بتنفيذ ما إلتزم به خلال الأجل الذي حدده القاضي. كما أن الحق في الحصول على المبلغ المحكوم به كغرامة هو حق إحتمالي مشروط بإعادة النظر لتحديده بصفة نهائية[29] .

بالرغم من تعدد التعاريف الفقهية المقارنة للغرامة التهديديّة ، لم تحظى هذه المؤسسة بإهتمام فقهاء القانون التونسي، ويمكن أن يستشف ذلك من خلال ندرة الدراسات المخصصة لها[30] .

رغم ذلك إلتجأ لتطبيقها القضاء تحت تسمية غرامة الجبر[31] أو الغرامة اليومية[32]، والغريب في الأمر أن نشأة الغرامة التهديديّة عرفت نسقا عكسيا في القانون التونسي مقارنة بالنظم الأخرى، إذ أنّ قانون أصول المرافعات المدنية [33]كان سباقا في تقنين هذه المؤسسة فقد أشار إليها صلب الفصل 155 من هذه المجلة وذلك منذ سنة 1910 .

لكن بمجرد دخول مجلة المرافعات المدنية والتجارية حيز التنفيذ سنة 1959 عُوّض الفصل 155 بالفصل 300 م م م ت لكن حذفت منه عبارة الجبر بالمال.

عكس هذا التمشي، أجمع الفقه أنه من الثوابت في القانون الفرنسي[34] إعتبار نظرية التهديد المالي وليدة إجتهاد القضاء[35]، فلا وجود لنصّ تشريعي صريح في القانون المدني أو قانون المرافعات يبيح للقاضي أن يصدر حكما بالغرامة التهديديّة في مواجهة المدين الممتنع عن التنفيذ أو المتأخر فيه .

ومن ثمة فإنّ إصطلاح التهديد المالي أو الغرامة التهديديّة لم يظهر في القانون الفرنسي إلا في بداية القرن التاسع عشر وتحديدا سنة 1811 [36]، حسب أقدم حكم طبّق هذه النظرية وهو حكم “جراي” « Gray » بتاريخ 25 مارس 1811[37] ، وإن كان الفقيه “إسمان” قد تعقب تطبيق هذه النظرية فوصل إلى أن جذورها تصل إلى تاريخ القانون الروماني، فأكد أن أساس هذه النظرية ترجع لهذا القانون تحديدا في عهد “Speculum juris“ .

لم يتدخل المشرّع الفرنسي لتقنين هذه المؤسسة إلا عند إندلاع الحرب العالمية الثانية التي خلفت أزمة الإسكان « La crise du logement » [38] إثر رفض الإدارة معاضدة القضاء لتنفيذ الأحكام القاضية بالإخلاء. لهذا أصدر المشرّع القانون عــدد 49– 976 المؤرخ في 21 جويلية 1949 ونص فيه على إمكانية الحكم على المستأجر المحكوم عليه بالإخلاء أو بالطرد بغرامة تهديديّة عن كل فترة زمنية يمتنع فيها عن تنفيذ الحكم الصادر ضده.

بالرغم من الصفة الإستثنائية للقانون المذكور، وسّعت المحاكم الفرنسية من نطاق تطبيقه ليشمل كل إخلال بإلتزام بعمل أو بالإمتناع عن عمل أيّا كان مصدره[39]. أهم ما ميّز هذه الفترة، هو تحديد القاضي للمبلغ المحكوم به كغرامة طبقا لعناصر الضرر الحقيقي الذي أصاب الدائن.

هذا ما أدّى إلى تحويل الغرامة التهديديّة إلى تعويض بدلا من كونها وسيلة ضغط تحمل المدين على الوفاء بإلتزامه. وهو ما أنقص من فاعلية ونجاعة هذه المؤسسة لعدم مبالاة المحكوم ضدهم، فالمدين يعلم مسبقا أنه لن يكون عرضة إلا لدفع تعويض جراء مماطلته أو عدم تنفيذه لا غير.

لتدعيم فاعلية الغرامة التهديديّة ظهرت في هذا الوقت الغرامة التهديديّة النهائية[40] التي تتميز بطابعها النهائي، فالقاضي لا يمكنه إعادة النظر لتعديلها. فهي تنضوي على قدر هام من التهديد وفي ذات الوقت تمثل أداة تعويض حقيقية عن الضرر الذي ينشأ للدائن في المستقبل .

غير أن هذا التداخل بين مؤسستي الغرامة التهديديّة وغرم الضرر لم يدم طويلا وذلك إثر الحكم المبدئي لمحكمة التعقيب الفرنسية الصادر سنة 1959 [41] الذي نفى الصبغة التعويضية للغرامة التهديديّة.

دمج الغرامة التهديديّة والتعويض لم يمثل العائق الوحيد أمام تطور نظرية التهديد المالي، فلقد عرفت الغرامة التهديديّة معارضة شديدة من بعض الفقهاء[42]، الذين أثاروا عدم شريعتها خاصة وأنه لا يوجد نص صريح يمنح القضاة سلطة الحكم بها.

تمسك هؤلاء بأن المهمّة الأساسية للقاضي تتمثل في الفصل في النزاعات، فهو يعتبر حكما بين الأطراف في المادة المدنية ولا يستطيع اللجوء للتهديد بغرض تنفيذ أحكامه، زيادة على مخالفة مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يمنع إيقاع عقوبات خاصة تحكيمية على مدين بإلتزام مدني.

لكن هذا النقد لم يصمد أمام مؤيدي نظرية التهديد المالي الذين إعتدّوا بأن الحكم الصادر بالغرامة التهديديّة هو أمر يصدر عن المحكمة بما لها من سلطة للأمر لا بما لها من ولاية للحكم [43] .

مهما يكن من أمر لم تعد مسألة شرعية الغرامة التهديديّة بالقانون الفرنسي تطرح أي إشكال وذلك إثر إصدار القانون عدد 72 -626 في 5 جويلية 1972 الذي نظم الغرامة التهديديّة ضمن الفصول 5 ،6،7،8 في مرحلة أولى ثم صدور قانون التنفيذ الجديد عدد 91 -650 المؤرخ في 9 جويلية 1991 الذي أدرج الغرامة التهديديّة ضمن الفصول 32 إلى 37 من هذا القانون .

تجدر الإشارة في هذا الصدد أن نظرية التهديد المالي لقيت شبه إجماع من قبل معظم الأنظمة القانونية[44]. لكن أمام كل هذا الخضم من سياسة مختلف التشريعات نحو تسليط الضغط عن طريق التهديد المالي على المدينين المتلدّدين في الرضوخ إلى الأحكام، يكاد يقف المشرّع مكتوف اليدين، مع العلم أنه يضمن حماية مصالح المدين أثناء كامل مراحل المحاكمة [45] وعلى عكس ذلك لا يوفر الحماية الملائمة للدائن[46].

فرغم ما حققته الغرامة التهديديّة من نجاحات وتطور على صعيد القانون المقارن وخاصة على مستوى التشريع والقضاء الفرنسي، يبقى حضورها محتشم حتى لا نقول غائب عن نظامنا القانوني والقضائي رغم أن الضروريات الإجتماعية والإقتصادية وما تشهده جل الأنظمة القانونية من تطور تشريعي ، يفرض العناية بكل ما يتصل بالتنفيذ الأمثل لأحكام القضاء.

فالقضاء المدني يهدف في جوهره إلى ردّ الحقوق إلى أصحابها فإن لم يستطع إجبار المدين على تنفيذ أوامره أو تنفيذ ما إلتزم به تجاه الدائن فإنه يصبح وهما ولا جدوى منه. هذا ما أشار إليه الفقيه “جوس” « Jousse » في قوله “إن القضاء سيكون وهما ولا جدوى منه إذا كان القاضي الذي يزاوله لا يملك سلطة الإجبار لتنفيذ أوامره، أو كان غير مزود ولو بقدر زهيد من السلطة يمكّنه ردع من يخالف أوامره”.

لكن ما يثير الإهتمام، أنه بالرغم من غياب أساس قانوني للغرامة التهديديّة في القانون المدني التونسي واصل فقه القضاء اللجوء إليها مع العلم أن تلك الأحكام قد إنظوت على تطبيق المفهوم الحديث للغرامة التهديديّة، إذ أقرت إستقلالها عن التعويض كما وسعت من نطاق تطبيقها.

هذا ما يدعونا لطرح الإشكالية التالية: ما الذي يدعو المحاكم إلى مواصلة تطبيق الغرامة التهديديّة بالرغم من غياب نصّ صريح ينظّمها؟

إن الإجابة عن هذه الإشكالية إقتضت أن تكون من خلال دراسة مقارنة بالأساس مع التشريع الفرنـسي حيث تتميز الغرامة التهديديـّة أولا بطبيعتها الخاصـة (الجـزء الأول) وثانيا بنظامها المرن (الجزء الثاني).

إن مجرد الإمتناع عن تنفيذ الإلتزام المدني لا يمثل جريمة جنائية فلا توجد من بين الجرائم التي يعاقب عليها القانون حالة عدم الإمتثال لحكم المحكمة الصادر بإلزام المدين على تنفيذ عيّن ما التزم به[47].

كما أن الإلتجاء لوسائل التنفيذ المباشرة أي تطبيق قواعد التنفيذ الجبري تعاني من مشكلة عدم الفاعلية والنجاعة وذلك عادة لسوء نية المدين المنفذ ضده.

أمام كل هذه العوائق، عطلت حقوق المتقاضين ووجد القضاء نفسه عاجزا عن تحقيق وظيفته الأساسية ألا وهي ردّ الحقوق إلى أصحابها.

لكسر هذه الحواجز, إبتدع فقه القضاء نظرية التهديد المالي, فأصبحت الغرامة التهديديّة وسيلة لازمة و ضرورية في نطاق تطبيق الإلتزام المدني بإعتبارها وسيلة إجبار غير مباشرة تتفق و طبيعة هذا الإلتزام.

هذا ما يحيلنا إلى القول بأن الغرامة التهديديّة تتمتع بطبيعة خاصة مقارنة بوسائل الضغط الغير مباشرة للوصول إلى التنفيذ، ممّا يستدعي في مرحلة أولى الخوض في مقوّماتها (الفصل الأول) لتحديد غاياتها في مرحلة ثانية (الفصل الثاني).

الفصل الأول : مقومات الغرامة التهديديّة

الفصل الثاني :غايات الغرامة التهديديّة

الفصل الأول : مقومات الغرامة التهديديّة

تعتبر الغرامة التهديديّة وسيلة ضغط غير مباشرة لحث المدين المماطل على تنفيذ إلتزامه . وبالرغم من طابعها الغير مباشر إحتلّت مكانة هامة رغم تعدد وسائل الضغط المباشرة منها وغير المباشرة. هذا ما يدعونا إلى إبراز مفهومها في مرحلة أولى(الفرع الأول) للتعرف على خصائصها في مرحلة ثانية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: مفهوم الغرامة التهديديّة

لما كانت ماهية الشيء لا تدرك إلا من خلال القيام بتعريفه و تمييزه عن غيره من الأشياء التي قد تتشابه معه في القواعد والأحكام , فإن تحديد ماهية الغرامة التمهيدية كنظام مدني بحت لا يخرج عن هذا الإطار لذا يجب في مرحلة أولى التعرف على ما يميزها عن غيرها من وسائل التهديد المالي (الفقرة الأولى) ثم تحديد الأساس الذي قامت عليه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الغرامة التهديديّة والوسائل الشبيهة بها

بعد التعرض في مقدمة البحث إلى تعريف و تطور الغرامة التهديديّة, يجب إستكمالا لهذه الدراسة تمييزها عن غيرها من الوسائل الشبيهة بها، تلك التي شرّعها القانون كطرق التنفيذ (ب) أو التي درج الأفراد على الإتفاق عليها في تعهداتهم (أ).

أ-الغرامة التهديديّة والشرط الجزائي

يعتبر الشرط الجزائي من أكثر الجزاءات المالية التي يمكن أن تثير الخلط مع مفهوم الغرامة التهديديّة فكلاهما يهدف للضغط على إرادة المدين وإجباره على إحترام إلتزامه وعدم الإخلال بتنفيذه عن طريق مبلغ مالي يحصل عليه الدائن من طرف المدين في صورة رفض هذا الأخير للتنفيذ أو عند المماطلة فيه.

فالشرط التغريمي هو عبارة عن مبلغ من المال يتفق عليه المتعاقدان وقت إبرام العقد كشرط لزومي لتعويض الخسارة المتوقعة من جزاء عدم الوفاء بالإلتزام أو عن تأخيره[48].

لكن بالرغم من أهمية هذه المؤسسة وتداولها في التطبيق, يفتقر الشرط التغريمي إلى أساس قانوني صريح ضمن مجلة الإلتزامات والعقود رغم تنظيمه في المشروع الأولي لهذه المجلة الصادر سنة 1897 و في المشروع النهائي لسنة 1899 على إمتداد الفصل (333-334) ضمن المقالة الخامسة تحت عنوان في بعض الوسائل لحصول الوفاء بالعقود.

على عكس موقف المشرّع, أقر فقه القضاء صراحة مؤسسة الشرط التغريمي ولم يتردد البتة في العمل على تنظيمه. هذا ما يتبين من خلال قرار محكمة التعقيب [49] المؤرخ في 28 أفريل 1994 “لا جدال في أن الشرط التغريمي أو الجزائي لم يرد به نص خاص بمجلة الإلتزامات والعقود ولم يحدد المشرّع طبيعته ولا تنظيمه إلا أن فقه القضاء أقر صراحة صحة مبدأ ثبوته”.

لعلّ ما يلفت الإنتباه في هذا الخصوص هو غياب الأساس القانوني الذي يمثل خاصية تجمع الشرط الجزائي بالغرامة التهديديّة، فقانون أصول المرافعات المدنية التونسية لسنة 1910 [50] صلب الفصل 155 إكتفى بالإشارة إليها دون تحديد نظامها القانوني لكن مع تنقيح 1959 [51] عوّض الفصل 155 بالفصل 300 م.م.م.ت، غير أنه حذفت منه عبارة الجبر بالمال و لم ترد في أي فصل من فصول المجلة.

رغم ذلك واصل فقه القضاء العمل بالغرامة التهديديّة وهو ما بيّنته المحكمة الإبتدائية بتونس في الحكم الصادر بتاريخ 4 أفريل 1964 [52] في الحيثية الآتية ” لئن لم تحظى الغرامة اليومية أو التهديديّة بنص تشريعي تؤسس عليه فإن لها مردا في المبادئ العامة للقانون”.

هذا الإلتقاء في غياب الأساس وإتحاد الأهداف قد يجعل من الصعب التمييز بين المؤسستين إلا إنه توجد عدة إختلافات جوهرية تفرّق بينهما.

فعلى مستوى الطبيعة القانونية, يضطلع الشرط التغريمي بوظيفة تعوظية ذات فوائد عمليّة هامة خاصة منها إختصار الوقت والحط من تكاليف طلب التعويض القضائي. كما له وظيفة عقابية أو بالأحرى تهديدية [53] لأن الأطراف يشترطون هذا البند لتأمين الوفاء بالعقود, أما بالنسبة للغرامة التهديديّة فهي ليست إلا وسيلة لدفع المدين للتنفيذ العيّني[54] .

على مستوى المصدر، يتم الحكم بالغرامة التهديديّة من طرف القاضي من تلقاء نفسه دون طلب من أحد المتعاقدين بينما يشترط لصحة الشرط التغريمي التنصيص عليه صلب العقد فهو إتفاق بين دائن و مدين وإن كان هناك تباين تام في مصدر كل منها على أساس أن الغرامة التهديديّة هي في كل الأحوال حكم قضائي ولا وجود لفكرة شرط الغرامة التهديديّة التي تكون محلا لإتفاق على خلاف الحال في الشرط الجزائي بإعتبار أن مصدره إرادة المتعاقدين .[55]

كما يكمن التشابه أيضا بالرجوع إلى فكرة التبعية في كل منهما , إلا أن هذا التشابه سرعان ما يختفي، فالغرامة التهديديّة حكم قضائي تابع لحكم أصلي , أما الشرط الجزائي فهو شرط إتفاقي تابع لإتفاق أو إلتزام أصلي من أجل حمل المدين على عدم الإخلال بهذا الإتفاق .

كما أن الحكم القاضي بالغرامة هو حكم وقتي تهديدي لا يقبل التنفيذ و لو كان نهائيا إلا عند التصفية , أما الشرط الجزائي فهو إتفاق نهائي قابل للتنفيذ حالا إذا ما توفرت شروط صحة الإلتزام الأصلي[56] .

أيضا يمكن التفرقة بين الغرامة التهديديّة و الشرط الجزائي من خلال تبيان معيار قياس كل منهما، فالأول مسألة تحكيمية لا تقاس بمقياس الضرر بإعتبار أن غايتها إلتزام المدين المماطل بتنفيذ العقد. أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يحدده المتعاقدان على أساس تعويض الضرر الذي سيلحق بالدائن في صورة عدم تنفيذ العقد[57] .

كما تجدر الإشارة إلى أن الغرامة التهديديّة تقبل المراجعة من قبل القاضي بالحط أو بالترفيع منها كما يمكن له حتى إلغائها فهي تخضع لسلطته المطلقة عند الحكم بها وعند تصفيتها , أما الشرط الجزائي فلا يجوز مراجعته إلا في صورة الشّطط مقارنة بالضرر الذي لحق بالدائن أو بما يتماشى مع الخسارة الحقيقة[58] التي أصابت الدائن بسبب عدم تنفيذ إلتزام مدينه حسب الإتفاق [59] .

وهو ما أدّى بأحد الفقهاء إلى التسائل حول دور الشرط التغريمي مع وجود الفصل 278 م.إ.ع المنظم للتعويض عن الضرر في إطار المسؤولية العقدية[60] .

أخيرا يمكن التمييز بين المؤسسين عن طريق إختلاف كيفية إحتساب كل منهما[61] ,فالغرامة التهديديّة تقدر عن كل وحدة زمنية (يوم- اسبوع – شهر) أما الشرط الجزائي فلا يقدر على هذا النحو إلا إذا كان تعويضا عن تأخر المدين في تنفيذ إلتزامه إما إذا كان تعويضا عن عدم التنفيذ فإنه يقدر كدفعة واحدة.

إن تبيان نقاط الإختلاف بين الغرامة التهديديّة و الشرط الجزائي لا يكفي بمفرده لرفع الشبهة عن هذه المؤسسة إذ يمكن الخلط أيضا بين طرق التنفيذ و الغرامة التهديديّة لأن كلاهما يهدف للحصول على تنفيذ.

ب- الغرامة التهديديّة و طرق التنفيذ

الأصل في التنفيذ أن يكون إختياريا أو طوعويا كوجه من أوجه إنقضاء الإلتزام على معنى الفص 339 م.إ.ع.[62] ,فالإلتزام يشمل عنصران هما عنصر المديونية من جهة و هو الواجب القانوني المتمثل في قيام المدين بأداء معيّن وعنصر المسؤولية من جهة أخرى ومعناه أن يكون للدائن حق جبر مدينه على الوفاء إذا لم يقم به من تلقاء نفسه[63]. فإذا ما فشل التنفيذ الإختياري يتم اللجوء إلى التنفيذ الجبري وذلك عن طريق توجه الدائن إلى القضاء قصد إجبار مدينه على تنفيذ إلتزامة بأحد الوسائل القانونية للتنفيذ[64].

لم يعرف المشرّع طرق التنفيذ و ترك هذه المهمة للفقه, فهي حسب الأستاذ الفريضي “الوسائل والطرق والإجراءات التي يمكن بواسطتها المحكوم له تنفيذ الحكم أي إخراجه من الواقع النظري إلى الواقع المادي وذلك بواسطة النسخة التنفيذية المسلمة من المحكمة”[65].

لا يكتمل التعريف عن طرق التنفيذ دون الإشارة إلى معاضدة الدولة, فهذه الأخيرة تحلّ محل الدائن إذا ما إمتنع عن إتباع الإجراءات القانونية المتعلقة بعقلة مكاسب المدين وغيرها وفق مقتضيات مجلة المرافعات المدنية والتجارية في جزءها الثامن المتضمن للفصول 285 إلى 490 مجلة مرافعات مدنية وتجارية.

يجب التفريق في هذا الصدد بين نوعيّن من التنفيذ وهما التنفيذ الفردي والتنفيذ الجماعي. بالنسبة للتنفيذ الفردي، لم ينظم المشرّع التونسي مؤسسة الإفلاس المدني بالنسبة للشخص الطبيعي فبالتالي لكل دائن من الدائنين حق في التنفيذ. بكون سببه نفس سبب الحق الأصلي أي رابطة الدائنية وهو حق يسمح لكل دائن تتبع مكاسب مدينه وفقا لقاعدة الضمان العام التي نص عليها الفصل 192 مجلة حقوق عيّنية[66].

أما بالنسبة للتنفيذ الجماعي يوجب القانون التجاري إنضمام الدائنين إلى بعضهم البعض في مواجهة المدين المفلس أو الذي يمر بصعوبات إقتصادية[67]. وذلك في إطار ما يعرف بالإجراءات الجماعية التي تهدف أما إلى إنقاذ المدين أو تصفية ذمته المالية كليّا.

لكن مهما كان نوع التنفيذ، يجب الحصول أولا على سند تنفيذي فهو مفترض ضروري للتنفيذ الجبري أي لا يجوز إجراء التنفيذ بغير سند تنفيذي « NULLA executivo sine titulo » لأنه الوسيلة الوحيدة الضامنة و المؤكدة لوجود حق الدائن عند إجراء التنفيذ.[68]

بعد الإنتهاء من بسط سريع لمفهوم طرق التنفيذ يمكن تبيان نقاط الإختلاف بينها وبين مؤسسة الغرامة التهديديّة على عدة مستويات:

– أولا: تعتبر الغرامة التهديديّة وسيلة تنفيذ غير مباشرة ترمي للحصول على التنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي وللإمتثال للحكم القضائي من طرف المدين المماطل فهي ليست وسيلة تنفيذ مباشرة بل يقتصر دورها على تهديد المدين (fonction comminatoire) لا أكثر من ذلك.

أما طرق التنفيذ فهي تشكل وسائل مباشرة تهدف لا فقط للتنفيذ العيّني للإلتزام إنما أيضا للتنفيذ عن طريق التعويض أو بمقابل. لذلك فهي أكثر نجاعة من الغرامة التهديديّة لتسلطها مباشرة على مكاسب المدين.

– ثانيـــا: يعتبر الحكم بالغرامة التهديديّة حكم وقتي غير نهائي لا يتمتع بحجية الأمر المقضي بينما لا يمكن المرور لإعمال طرق التنفيذ إلا عند صدور حكم أو قرار قضائي نهائي يتمتع بحجية الأمر المقضي. فصدور الحكم لفائدة المتقاضي يقر بحقه في التنفيذ[69]. على عكس الحكم بالتهديد المالي فهو لا يعتبر سندا تنفيذيا يخول للدائن أن يباشر التنفيذ على أموال مدينه لإستفاء المبالغ المحكوم بها له على سبيل التهديد. فعلى الدائن أن يلجأ مرة أخرى كي يطالب بتصفية الغرامة التهديديّة. يعتبر حكم التصفية حكما قطعيا نهائيا يشكل سندا تنفيذيا يمكن صاحبه من إعمال طرق التنفيذ أي العقل بمختلف أشكالها (العقل التحفظية ,العقل التوقيفية, العقل التنفيذية) لإستخلاص المبلغ النهائي للغرامة.

-ثالثـــا: تتميز طرق التنفيذ بمساسها بالنظام العام و ذلك لإرتباط هذا القانون المتشعب [70] بنظام الإئتمان الذي هو من صميم النظام العام الحمائي و التوجيهي وعليه يقوم جوهر الإقتصاد بالتالي فان النصوص المنظمة به تعتبر نصوصا آمنة لا يجوز للأطراف الإتفاق على مخالفتها أو إستبعادها إلا في بعض الصور التي ذكرها القانون حصرا مثال الفصل 394 م.م.م.ت. بينما تفتقد الغرامة التهديديّة لأساس قانوني فالمشرّع لم يعن بتنظيمها و لم ويقع تكريسها إلا من طرف فقه القضاء. لذا يمكن القول أنها لا تمس بالنظام العام، فللقاضي فقط سلطة الحكم بها من عدمه.

على أنه بالرغم من هذا الإختلاف البيّن بين طرق التنفيذ والغرامة التهديديّة يسعى كلاهما لتحقيق التوازن بين مصالح متعارضة، إذ غالبا ما تكون مصالح أطراف التنفيذ متعارضة فحماية الدائن تستلزم تمكينه من إستفاء حقه في أسرع وقت وأشمل صورة. أما المدين المماطل فإن حمايته تتطلب جملة من الضمانات من أهمها عدم التنفيذ على الذات وعدم المساس من حريته.

بعد الإنتهاء من تمييز الغرامة التهديديّة عن غيرها من الوسائل الشبيهة بها سننتقل في الفقرة الموالية للبحث عن أساس مأتى فكرة الغرامة التهديديّة.

الفقرة الثانية : أساس فكرة الغرامة التهديديّة

الأصل أن يكون التنفيذ إختياريا أو طوعويا كوجه من أوجه إنقضاء الإلتزامات على معنى الفصل 339 م.إ.ع. لكن في حالة فشل التنفيذ الإختياري يمكن اللجوء إلى التنفيذ الجبري عن طريق الغرامة التهديديّة التي تمثل وسيلة جبر غير مباشرة. غير أنه لا يمكن الحكم بها إلا إذا كان التنفيذ العيّني ممكنا (أ) و هو ما يتلاءم مع فكرة عدم المساس من حرية المدين (ب).

أ-إرتباط الغرامة التهديديّة بالتنفيذ العيّني

إن طبيعة الحكم بالغرامة التهديديّة ترتكز على وجود إلتزام بين متعاقدين فلا يعقل الإلتجاء إلى التهديد المالي لإجبار أحد الخصوم في دعوى على الحضور أمام المحكمة لأنه غير ملزم بالحضور فقد تولى قانون المرافعات تنظيم ما يترتب عن غيابه من نتائج[71] .أيضا لا يجوز الحكم بالغرامة التهديديّة إذا كان الإلتزام قد إنقضى بعد وجوده لأي سبب من أسباب الإنقضاء .

كما يجب أن يكون المدين ممتنعا عن تنفيذ إلتزامه بأن تطلب منه المحكمة هذا التنفيذ فلا يمتثل.

أما إذا إمتثل فلا حكم عليه بالتهديد المالي. كذلك إذا ما حكم عليه وبادر إلى تنفيذ إلتزامه في الميعاد الذي حددته المحكمة فلا يسري عليه هذا الحكم لأن سريانه مشروط بعدم التنفيذ[72].

على أن عدم وجود الإلتزام وعدم تنفيذه لا يكفي لوحده لتبرير الحكم بالغرامة التهديديّة، بل يجب أن يكون تنفيذه عيّنا ممكنا لأن الغرض المقصود من الحكم بها هو إجبار المدين على تنفيذ إلتزامه عيّنا.

يعرف التنفيذ العيّني بكونه تنفيذ عيّن يلتزم به المدين[73] سواء كان هذا الإلتزام لا يزال معروضا أمام المحكمة في خصومة قائمة أو صدر به حكم يتضمن إلتزام المدين بتنفيذ إلتزامه الأصلي.

إذ أن إمكانية التنفيذ اللاحق تظهر كحالة إنتظار التنفيذ[74] , فالغرض من الغرامة التهديديّة هو الحصول على هذا التنفيذ العيّني وحمل المدين على الوفاء, فإذا ما إستحال التنفيذ لسبب أجنبي كالقوة القاهرة أو الأمر الطارئ, زال مبرر الحكم ولا يمكن تكليف المدين بما هو مستحيل.

أما إذا أصبح تنفيذ الإلتزام عيّنا مستحيلا بخطأ أو بفعل المدين فلا محل للحكم عليه بالغرامة و إنما يحكم عليه بالتعويض.

ويمكن تصور حالة إستحالة الوفاء العيّني لإلتزام في كل من الإلتزام بعمل والإلتزام بالإمتناع عن عمل. مثال ذلك أن يكون هناك إلتزام بتقديم مستندات ثم ثبت أن هذه المستندات قد أعدمت أو أن يصبح التنفيذ العيّني مستحيلا ببيع العيّن المرفوع بشأنها دعوى إستحقاق[75].

كذلك يصبح الوفاء العيّني في الإلتزام بالإمتناع عن عمل مستحيلا في حالة إذا ما قام المدين بالعمل المخالف دون أن يترك أثرا ماديا يمكن إزالته كإفشاء الطبيب أو المحامي لسرّ المهنة فلا يتصور في هذه الحالات التنفيذ عيّنيا .

إلى جانب ما سبق ذكره, يشترط تدخل المدين الشخصي لتنفيذ الإلتزام عيّنيا بحيث أن هذا التنفيذ يصبح غير ممكن أو غير ملاءم من غير شخص المدين[76] فإن أمكن دون تدخّل المدين الشخصي أو تعويضه بشخص آخر فلا محل للإلتجاء للتهديد المالي. نأخذ مثال الإلتزام بنقل ملكية و يسمى أيضا الإلتزام بإعطاء أو بآداء إذا كان محل الإلتزام شيئا معيّنا بذاته فإن التنفيذ العيّني لا يمكن في هذه الصورة لأن الملكية تنتقل بحكم القانون آليا أو تلقائيا وذلك كأثر فوري للإلتزام, كعقد البيع[77].

تجدر الإشارة، أن مبدأ التنفيذ العيّني يجد أساسه في أحكام الفصل273 م.إ.ع :”إذا حل الأجل و تأخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق أن يغصب المدين على الوفاء إن كان ممكنا” أي أن الغصب على الوفاء بالإلتزام عيّنا هو المبدأ لكنه مشروط بإمكانية الوفاء.

على هذا الأساس, لا يمكن اللجوء إلى التنفيذ العيّني أي إجبار المدين على أداء عيّن ما التزم به إلا إذا كان موضوع التنفيذ ممكنا. وذلك بأن يكون ممكنا ماديا أي أنه مازال موجودا لم يهلك و لم يتعيب وممكنا أدبيا ومعنويا بحيث لا يؤول التنفيذ العيّني إلى المساس بحرية المدين.

ب-إرتباط الغرامة التهديديّة بعدم المساس من حرية المدين

تفترض فكرة عدم المساس بحرية المدين الشخصية في مجال تطبيق الغرامة التهديديّة أن يكون الإلتزام عيّنا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه وأن في إستعمال وسائل الإجبار المباشرة حجرا على حريته, إذ يجب أن يكون تنفيذ الإلتزام عيّنا، بمعنى إصدار حكم بالغرامة التهديديّة لتنفيذه، غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه[78] ,فإذا ما أمكن الحصول على التنفيذ العيّني دون تدخله الشخصي إنتفت الحاجة للمرور للغرامة التهديديّة إذ أن الفصل 275 م.إ.ع[79] أقر إمكانية اللجوء إلى حل آخر بتمكين الدائن من تحقيق تنفيذ الإلتزام بواسطة شخص آخر وعلى نفقة المدين بشرط أن لا يتجاوز ذلك القدر اللازم للتنفيذ الذي حدده المشرّع بمائة دينار, فإذا ما تجاوزه يجب الحصول على إذن من القضاء.

تتلّخص الصور التي يكون فيها تدخل المدين ضروريا للحصول على التنفيذ العيّني في حالة عدم الإمكان و عدم الملائمة[80].

تقوم صورة عدم الإمكان في كل إلتزام لا يمكن القيام بتنفيذه إلا من طرف المدين كأن يكون محل الإلتزام بتسليم منقول مادي لا يعلم مكانه سوى المدين أو إلتزام عامل بعدم منافسة رب العمل,أو إلتزام شركات الإحتكار بتقديم خدماتها إلى من تعاقد معها كتوريد المياه و الكهرباء.

أما صورة عدم الملائمة فهي تتحقق في كل إلتزام لا يكون تنفيذه عيّنا ملائما إلا إذا قام به المدين بنفسه حتى و لو كان في المقدور أن يقوم به شخص آخر سواه و هو نوع الإلتزام الذي ينسحب على كافة الحالات التي يقتضي فيها الإتقان أو طبيعة الإلتزام أن يباشر المدين تنفيذ الإلتزام بنفسه أي الحالات التي تعرض في نطاق العقود ذات الطابع الشخصي[81]

و بالتحديد، كلما كان المدين بالإلتزام هو العاقد محل الإعتبار في التعاقد لأن تنفيذ الإلتزام في هذه الحالة يتأثر بشخص المدين مما يؤدي إلى حدوث تفاوت في التنفيذ إذا قام به الغير[82] ,كإلتزام فنان برسم لوحة فنية أو إلتزام مغني بإحياء حفل أو إلتزام طبيب جراح بإجراء جراحة معيّنة. فإن قيام غير هؤلاء بالتنفيذ لا يكون ملائما في هذه الحالات.

تظهر فائدة الغرامة التهديديّة ليس فقط من جراء عدم الإمكان أو عدم الملائمة في الحصول على الوفاء العيّني للإلتزام إنما كذلك بالنظر إلى حضر اللجوء إلى إستخدام وسائل الإجبار المباشرة لأن في إستخدامها في هذه الحالات ما يمس من حرية المدين الشخصية بإعتبار أنها تنطوي على إستعمال القوة الجبرية و أن المبدأ السائد هو أن الإلتزام المدني لا يسمح بأي حال من الأحوال بالمساس من حرية المدين الشخصية.

كما ورد في الحكم الإستعجالي المؤرخ في 18 فيفري 1972 ” لم يتول المشرّع حماية المحكوم له فقط بل تولى كذلك حماية حقوق المحكوم عليه عند التنفيذ و تفريعا على ذلك لا يمكن للمحكوم له أن ينفذ حكمه بصورة تضر بالمحكوم عليه مع إمكانية تنفيذ حكمه دون إلحاق ضرر”.[83]

هذا ما يتطلب بالضرورة أن تكون وسيلة الإجبار على الوفاء العيّني غير مباشرة ولا تنطوي في ذاتها على إستعمال أدوات القوة الجبرية و لا شك في أن ذلك يتوفر في وسيلة الغرامة التهديديّة .

الفرع الثاني : خصائص الغرامة التهديديّة

يعتمد القاضي عند التصريح بالغرامة التهديديّة على مدى فاعليتها في التغلب على مقاومة المحكوم ضده لحمله على الإمتثال على تنفيذ إلتزامه الأصلى بما يضفي عليها صبغة تحكيمه تبرز خاصة في ما يتمتع به القاضي من سلطة تقديرية[84] سواء عند التصريح بها (الفقرة الأولى) أو حتى بمناسبة تصفيتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: خصائص الغرامة التهديديّة عند الحكم بها

تتجسد أهم خصوصيات الغرامة التهديديّة في مرحلة الحكم بقطع النظر عن شكلها سواء كانت وقتية أو نهائية بأنها تبعية (أ) و تحكيمية (ب).

أ-الغرامة التهديديّة تبعية

الأصل المعتمد قانونا في طريقة طلب الحكم بالغرامة التهديديّة أن يردّ على أساس النزاع الأصلي المعروض للفصل فيه. فمهمة القاضي، تتمثل أولا في إصدار حكم يلزم المدين بتفيذ عيّن ما إلتزم به و هو ما يفترض أن الدائن إما في طريقه إلى إفتتاح خصومة النزاع الأصلي أو أن الخصومة قد إفتتحت بالفعل ولازالت قائمة و لم تنته بعد. من ثم تتحدد طريقة طلب الغرامة التهديديّة حسب الحالة, فإما أن يقدم الطلب مدرجا مع الطلب الأصلي عند بداية الفصل في النزاع و إما أن يقدم كطلب عارض يتقدم به الدائن أثناء سير إجراءات خصوصة الإلتزام الأصلي[85] .

إذ يجوز للدائن عند الإلتجاء إلى القضاء بطريق الدعوى والمطالبة بالتنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي أن يطلب في ذات الوقت الحكم بالغرامة التهديديّة كوسيلة إجبار غير مباشرة يضمن بها تنفيذ مدينه بما يلزمه الحكم في الإلتزام الأصلى بإعتبار أن طلبات الدائن في هذه الحالة هي طلبات أصلية تهدف إلى الحصول على حكم في موضوع النزاع الأصلى من ناحية وعلى حكم آخر بالغرامة التهديديّة يرمي إلى تحقيق هدف إجرائي هو ضمان تنفيذ المدين أو المحكوم عليه للحكم الصادر في موضوع النزاع الأصلي من ناحية أخرى[86].

كما يجوز للدائن إذا لم يتقدم بهذا الطلب منذ بداية الخصومة، أن يتقدم بهذا الطلب أثناء سير إجراءات النزاع الأصلي حتى ولو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة الإستئناف على إعتبار أن ذلك لا يعد طلبا جديدا[87].

وفي ذات السياق يؤكد الأستاذ “أنور سلطان” بأنه من المسلم به أن طلب الحكم بالغرامة التهديديّة يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى و لو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف[88] .

على هذا الأساس لا يمكن إصدار غرامة تهديدية في عدم وجود إلتزام أصلي ناتج عن اتفاق الأطراف أو عن القانون لأن الغرامة التهيدية لا يمكن أن تكون وسيلة بيد المحاكم لخلق إلتزامات غير موجودة على عاتق الخصوم.

فالمحاكم لا يمكن لها على سبيل المثال إجبار أحد بواسطة غرامة تهديدية على الحضور للأدلاء بشهادة أو لإجبار المدعي عليه على الحضور إلى المحكمة لأنه ليس عليه أساسا إلتزام بالحضور[89].

كذلك الشأن إذا وقع الحكم بتعمير ذمة المدين ثم نقض الحكم[90] أو أصبح تنفيذه مستحيلا بغير فعل المدين فالمنطق القانوني السليم يقتضي أن القوة القاهرة أو الأمر الطارئ من الأسباب المعفية من المسؤولية[91].

لكن إذا ما كانت الإستحالة ناجمة عن فعل المدين أو عن سوء نيته لا يمكن الإلتجاء إلى الغرامة التهديديّة لأن التنفيذ العيّني أصبح مستحيلا. غير أنه في هذه الحالة لا يعفى المدين مطلقا ولكن يصبح أمام إمكانية الحكم بالتعويض عن الضرر الحاصل للدائن و عما لحقه من خسارة جراء إستحالة التنفيذ.

تفريعا عن ذلك، تعتبر العلاقة بين الحكم بالغرامة التهديديّة والإلتزام الأصلي وثيقة إلى درجة أن فقه القضاء الفرنسي إعتبر أن طلب الحكم بهذه الغرامة يعتبر طلبا ضمنيا بالتنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي .

في هذا السياق وبعد الإقرار بتبعية الغرامة التهديديّة للإلتزام الأصلي يمكن طرح سؤال موازي: هل أن طلب الحكم بالغرامة التهديديّة يتم بصفة أساسية أم أنها مجرد وسيلة إحتياطية يلجأ إليها القاضي عند إستنفاذ جميع وسائل الضغط على المدين؟

ما يبرر هذا التساؤل هو المواقف المختلفة لفقه القضاء الذي يعتبر الغرامة التهديديّة تارة من قبيل الوسائل الإحتياطية و طورا من قبيل الوسائل الأساسية.

بالنسبة للموقف الأول، يمكن الإشارة إلى القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بصفاقس الصادر بتاريخ 21 جانفي 1960 الذي يعتبر الغرامة التهديديّة مجرد وسيلة إحتياطية إذ جاء فيه ” حيث أن الفائدة في توظيف هاته الغرامة ما دامت ترمي إلى تحقيق وجود البيع بتحرير كتبه النهائي والحال أنه يمكن الحصول على هذه النتيجة بإقامة الإذن القضائي مقام وسيلة الإثبات تلك”[92].

نفس هذا الموقف إنتهجته المحاكم الفرنسية , فالقاضي لا يصدر غرامة تهديدية إلا في حالة غياب كل الوسائل الناجعة للحصول على الوفاء[93].

أيضا تبني المشرّع المصري في الفصل 213 من المجلة المدنية المصرية[94] والمشرّع اللبناني في الفصل 251 من المجلة المدنية اللبنانية[95]. نفس هذا الموقف الذي يعتبر أن الغرامة التهديديّة ليست هي الوسيلة الأصلية لتحقيق التنفيذ بل هي طريقة استثنائية يقع الإلتجاء إليها كلما تعذر وجود غيرها لإيقاع التنفيذ[96] . فالغرامة التهديديّة لا تصبح لها أهمية إلا متى لم يعد بالإمكان تنفيذ الإلتزام بوسائل أخرى[97].

لكن بالتمعن في الغاية الأساسية للقاضي وهي الحصول على تنفيذ الإلتزامات سواء كان ذلك عن طريق الغرامة التهديديّة أو عن طريق وسائل ضغط أخرى و مع العلم بأن الغرامة التهديديّة تبقى من أنجع وسائل الضغط التي ترغم المدين المتعنت على الوفاء بإلتزامه، يمكن القول أنه من الأجدى المرور إلي تطبيقها كلما إرتأى القاضي ذلك وهو ما ذهبت إليه محكمة التعقيب في قرارها الصادر سنة 1959.[98] فلم تقر بالطابع الإحتياطي للغرامة التهديديّة رغم التشابه الكبير على مستوى الوقائع بين هذا القرار و قرار محكمة الإستئناف بصفاقس.

نفس هذا الموقف تبناه فقه القضاء الفرنسي الحديث الذي يلجأ بصفة مباشرة إلى الغرامة التهديديّة حتى في حالة وجود وسائل أخرى لجبر المدين على التنفيذ[99].

تتميز الغرامة التهديديّة إلى جانب كونها تبعية للنزاع الأصلي بأنها تحكيمية.

ب-الغرامة التهديديّة, تحكيمية

يتمتع القاضي المختص بالفصل في طلب الغرامة التهديديّة بسلطة تقديرية كبيرة و تبرز هذه السلطة على عدة مستويات:

أولا :سلطة القاضي في الحكم بالغرامة من عدمه

إذا ما قدم طلب للحكم بالغرامة التهديديّة أمام القاضي المختص فإن هذا الأخير يتمتع بسلطة تقديم ملائمة الحكم بالغرامة من عدمه.[100]

كما يتمتع القاضي بسلطة الحكم بالغرامة التهديديّة من تلقاء نفسه حتى و لو يطلب منه أحد الخصوم ذلك وهو ما تبنته محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 14 جوان 1923[101] ,الذي جاء فيه “جرت العادة بأن المحاكم لها الحق في الحكم بالغرامة اليومية و لو مع عدم طلب المدين ذلك” .

كما أنها لم تمانع في أن يقع طلب الغرامة التهديديّة لأول مرة لدى الإستئناف أو القضاء بها تلقائيا في ذلك الطور، فلقد ورد بقرارها المؤرخ في 25 مارس 1922,[102] “إنّ الغرامة التي يحكم بها لجبر أحد المتعاقدين على الإمتثال لما حكم به يمكن أن يقع طلبها لأول مرة لدى الإستئناف ويمكن للحاكم أن يحكم بها من تلقاء نفسه”.

لقد برر ذلك الأستاذ الكوني[103] بأنه :”إن كان من واجب القاضي أن يأمر بالتنفيذ العيّني إن كان ممكنا فإنه من البديهي أن يكون ملزما أيضا بضمان تنفيذ ما حكم به عن طريق إختياره للوسيلة الملائمة والمتاحة قصد بلوغ تلك النتيجة والتي من بينها توظيف الغرامة التهديديّة. فطلب الدائن الرامي إلى التنفيذ العيّني يتضمن بالضرورة طلب ضمان تنفيذ الحكم الصادر لفائدته …”

نفس هذا الموقف تبناه المشرّع الفرنسي في الفصل 33[104] من قانون 9 جويلية 1991 حيث أقر أن كل قاضي يمكن له حتى من تلقاء نفسه إصدار غرامة تهديدية لضمان تنفيذ حكمه.

ثانيا : سلطة القاضي في تحديد معدل الغرامة التهديديّة

يتمتع قاضي الغرامة بسلطة تقديرية واسعة عند تحديد مبلغها دون أي قيد على سلطته سوى الإعتماد على معيار عنت المدين المحكوم عليه و ممناعته[105] فلا مقياس إلا القدر الذي يراه القاضي كافي لتحقيق غايته و هي إخضاع المدين وحمله على أن يقوم بتنفيذ إلتزامه عيّنا. ولا يشترط فيه أن يكون مقاربا للضرر الذي يصيب الدائن من جراء عدم تنفيذ الإلتزام بل إنه لا يشترط للحكم وجود ضررا أصلا، فليست غايته التعويض عن الضرر، بل الضغط على المدين وتهديده حتى يقوم بتنفيذ إلتزامه ويجب على القاضي عند تقدير الغرامة الأخذ بالإعتبار موارد المدين المادية و أهمية المصالح المعطلة[106].

ثالثا: سلطة القاضي في تحديد مدة الغرامة التهديديّة

بالرغم من أن المشرّع قد ترك تحديد المدة التي يستغرقها سريان الغرامة التهديديّة لسلطة القاضي التقديرية، يجب أن يكون للغرامة كوسيلة إجبار غير مباشرة حدود زمنية معيّنة[107]. وهنا يصبح للقاضي الخيار بين عدة أمور ,إما أن يحدّد أجلا يستغرقه سريان الغرامة يتوقف عند نهايته كأن يكون لمدة شهر أو أكثر أو أقل و إما أن تترك المدة دون أي تحديد وهنا يكون حدها الزمني الأقصى هو تمام التنفيذ أو عدمه. كما يمكن أن ينص القاضي صراحة في الحكم الصادر بها أنها تضل سارية حتى تمام التنفيذ وفي كلتا الحالتين يتوقف سريان الغرامة إما بتمام التنفيذ أو عند اليأس النهائي من التنفيذ و عندئذ تتخذ إجراءات تصفيتها[108].

رابعا: سلطة القاضي في تحديد بداية سريان الغرامة

إن لحظة بدأ سريان الغرامة كانت محل خلاف في القانون الفرنسي إذ لم تستقر أحكام محكمة التعقيب الفرنسية على تلك اللحظة. فلقد تبنت في بعض أحكامها رأيا يذهب إلى أن بدأ سريان الغرامة يجب أن يترك لسلطة القاضي التقديرية بينما إعتمدت في البعض الآخر تاريخ الإعلام بالحكم الأصلي إلى المحكوم عليه[109], لكن بصدور الأمر عدد 92-755 المؤرخ في 21 جويلية 1992 لم يعد هناك أي لبس إذ جاء الفصل 51 [110] من هذا الأمر بمبدأ أساسي مفاده أن الغرامة التهديديّة تأخذ مفعولها من اليوم المحدد من طرف القاضي وفي معظم الحالات يترك القاضي للمدين أجلا للإذعان فيبدأ إحتساب الغرامة من نهاية هذا الأجل.

هذا التطبيق له عدة إجابيات، فهو يترك للمدين إمكانية التنفيذ العيّني بصفة إرادية لمدة معيّنة لا تبدأ إحتساب الغرامة التهديديّة إلا إثر إنقضائها .

كما أنه لا يمكن الإعتداد بالغرامة التهديدية ضد المدين إلا إذا ما وقع إعلامه بها[111].

غير أن القاضي لا يملك الحرية المطلقة كما يبدو من أحكام الفصل 51 فقرة أولى في تحديد تاريخ مفعول الغرامة، إذ يتوجب عليه أن يأخذ بعيّن الإعتبار قاعدتين آمرتين جاءت بهما الفقرة الثانية من الفصل 51.

تتمثل القاعدة الأولى، في أن تاريخ مفعول الغرامة لا يجب أن يكون سابقا عن التاريخ الذي أصبح فيه الحكم القاضي بالإلتزام الأصلي قابلا للتنفيذ[112]. فالغرامة التهديديّة وسيلة تهديد ومن غير المنطقي و المعقول أن يبدأ إحتسابها و الحال أن الدائن لم يتمكن بعد من الحصول على حكم قابل للتنفيذ يستطيع من خلاله جبر المدين على التنفيذ[113]. قد بين الفصل 51 أن القوة التنفيذية المطلوبة تتعلق بالحكم القاضي بأصل النزاع أي بالإلتزام الأصلي لا بالحكم الخاص بالغرامة التهديديّة .

أما القاعدة الثانية، التي يتوجب على القاضي مراعاتها عند إحتساب نقطة بداية سريان الغرامة فهي تقتضي أنه إذا ما تم الحكم بالغرامة التهديديّة في حكم مستقل صدر بعد الحكم القاضي بأصل النزاع متمتعا بالقوة التنفيذية، فإن نفاذ هذه الغرامة وإحتسابها يكون من تاريخ الحكم بها و لا حاجة إلى تأخير هذا النفاذ إلا من بعد إعلام المدين بالحكم[114].

لكن يجب التنبيه إلى أن إعمال هاتين القاعدتين يطرح إشكالا على مستوى التطبيق[115] ,إذ أنه في حالة إستئناف الحكم القاضي بتوظيف الغرامة التهديديّة أي تاريخ يعتمد لبدأ سريانها ؟ هل من وقت صدور الحكم الإبتدائي أم من وقت صدور الحكم الإستئنافي ؟

إذا ما وقع نقض الحكم من طرف محكمة الإستئناف لا يطرح أي مشكل, أما إذا أيدت محكمة الدرجة الثانية الحكم الإبتدائي القاضي بتوظيفها يطرح هنا الإشكال.

لقد قررت محكمة التعقيب الفرنسية في قرار مبدئي بتاريخ 11 جوان 1997 [116] بأن الغرامة التهديديّة لا تحتسب في حالة تقرير محكمة الإستئناف الحكم الإبتدائي القاضي بها والذي لا يتمتع بالقوة التنفيذية إلا من اليوم الذي يصبح فيه القرار الإستئنافي قابلا للتنفيذ ما لم يحدد قضاة الدرجة الثانية تاريخا آخر لبداية إحتسابها.

بعد التعرض لخاصيات الغرامة التهديديّة عند الحكم بها سنتناول بالتحليل خصائص هذه الغرامة عند التصفية.

الفقرة الثانية: خصائص الغرامة التهديديّة الواقع تصفيتها

إثر إنتهاء عملية التصفية تتحول الغرامة التهديديّة المحكوم بها إلى قيمة مالية وهو ما يجعل منها دينا حالا ومؤكدا (أ) لا يخضع عند تحديده النهائي إلا لسلطة القاضي التقديرية(ب).

أ-الغرامة التهديديّة الواقع تصفيتها ,عقوبة مالية

تتلخص وسيلة التهديد المالي في أن القضاء يلزم المدين بتنفيذ إلتزامه عيّنا في خلال مدة معيّنية فإذا تأخر المدين عن التنفيذ كان المدين ملزما بدفع غرامة تهديدية جراء هذا التأخير[117]. مما يحيلنا إلى الأهمية البالغة لإجراء تصفية الغرامة التهديديّة بإعتبار أن التصفية هي وسيلة الضغط الحقيقية على المدين أو المحكوم عليه. هذا الإجراء يضاعف من فاعلية و قوة التهديد المالي فالمدين أصبح أمام الأمر المقضي إثر تعيين المقدار النهائي للغرامة[118].

على هذا الأساس تقوم نظرية التهديد المالي على ذمة المدين لا على شخصه [119]، لقد أجمع الفقهاء على أن الغرامة التهديديّة لا تعتبر طريقة من طرق التنفيذ تمكن الدائن من الحصول على حقوقه بوسائل خاصة لكن متى أصبحت حكما قطعيا بعد التصفية، أي تحولت إلى دين ثابت وحال وآلت إلى سند تنفيذي يمكن عندئذ إعمال طرق التنفيذ أي العقل بمختلف أنواعها لإستفائها. لقد عبر العميد كاربونيي “Carbonnier”. بأن فكرة الغرامة التهديديّة تتمثل في التهديد بمس محفظة الأموال لردع الإرادة،« on frappe le porte-feuille pour contraindre la Volonté »

لكن المرور لمرحلة تصفية الغرامة التهديديّة للحصول على قيمتها المالية محدد بشرطين: يتمثل الشرط الأول في ثبوت عدم تنفيذ الحكم القاضي بتعمير الذمة ولو كان ذلك بصورة جزئية أو حتى لمدة محدودة[120].

أما الشرط الثاني فيتمثل في وجوب أن يرجع عدم تنفيذ الحكم القضائي لفعل المدين الشخصي.إذ أن الغرامة التهديديّة تمثل في نهاية الأمر وسيلة ردع على أموال المدين لممارسة ضغط على إرادته بغاية دفعه لتنفيذ الحكم فلا يصبح لهذا الضغط أي معنى إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى سبب مستقل عن إرادته كالقوة القاهرة أو فعل الدائن.

إذا ما توفر هاذين الشرطين المتلازمين تخضع عملية التصفية للسلطة التقديرية للقاضي.

ب-تصفية الغرامة التهددية, خاضعة لسلطة القاضي

لم يضع المشرّع الفرنسي ضابطا أو معيارا يهتدي به القاضي عند إجراء تصفية الغرامة التهديديّة و إنما ترك المسألة لإجتهاد الفقه والقضاء .

من هنا نجد أن القضاء الفرنسي ومنذ بداية تطبيق الغرامة التهديديّة حتى وقت غير بعيد إستقرّ على معيار معيّن يستند إليه القاضي في التصفية ألا وهو معيار “الضرر”[121].

ذلك من منطلق أن فقه القضاء في ذلك الوقت إعتبر أن الغرامة التهديديّة هي عبارة عن تعويضات و هذا ما يتبين أيضا من خلال أعمال المحكمة الإبتدائية بتونس صلب حكمها المؤرخ في 4 أفريل 1964 حيث صرّحت أنه “من المتعيّن على الدائن إذا لم تؤد هذه الغرامة إلى نتيجة إجابية الإلتجاء إلى الحاكم لتحويلها إلى تعويض نهائي بعد تعديلها”.

نفس هذا الموقف تبناه فقه القضاء الفرنسي,[122] فعندما يعيد القاضي النظر في الغرامة المحكوم بها لتعديلها بالزيادة أو بالنقصان يجب عليه أن يعتمد الضرر الفعلي الذي أصاب الدائن من جراء عدم التنفيذ أو التأخير فيه.

هذا التمشي القضائي تبناه المشرّع الفرنسي عند إصدار قانون 21 جولية 1949،الذي قنّن فيه الغرامة التهديديّة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة بإخلاء شاغلي الأماكن المؤجرة بغير وجه حق. إذ نص الفصل الثاني منه على قاعدة مفادها أن لا يتجاوز مبلغ الغرامة مقدار ضرر الفعلي الذي أصاب الدائن المحكوم له بالإخلاء عند تصفية[123] الغرامة و تعيين مقدارها. هذا ما أدى إلى عدم إمكانية الجمع بين مبلغ الغرامة النهائي والتعويض.فالدائن لا يمكن له أن يحصل على حكم بالتعويض جراء عدم التنفيذ أو التأخير فيه بجانب حكم التصفية لأن كليهما مرادف للآخر[124].

لكن لم يستمر القضاء الفرنسي في تطبيق معيار الضرر الفني الذي لحق بالدائن طويلا وإنما أزاح هذا المعيار ليستبدله بمعيار آخر أكثر إنسجاما مع مفهوم التهديد المالي ألا وهو “مدى جسامة خطأ المدين و قدرته المالية”، إستحدثته محكمة التعقيب الفرنسية في قرارها الصادر في 20 أكتوبر 1959 والذي بمقتضاه أسقطت النظرة التقليدية للغرامة التهديديّة بإعتبارها تعويضا[125] وإعتبرتها وسيلة إكراه تهدف إلى كسر عناد المدين المماطل .

– « L’astreinte …mesure de contrainte entièrement distincte des dommages –intérêts et qui n’est en définitive, qu’un moyen de vaincre la résistance opposée à l’exécution d’une condamnation, n’a pas pour objet de compenser le dommage né du retard et est normalement liquidé en fonction de la gravité de la faute de débiteur récalcitrant et de ses facultés » [126].

الفصل الثاني : غايات الغرامة التهديديّة

ترتكز نظرية التهديد المالي على فكرة جوهرية مفادها دور الغرامة التهديديّة في الحصول على التنفيذ العيّني للإلتزام عند إمتناع المدين عن القيام به. فوظيفة الغرامة هي وظيفة مزدوجة تهدف إلى ضمان قيام المدين بعيّن ما إلتزم به من جهة ولا التعويض, كما تهدف من جهة أخرى إلى ضمان الإذعان إلى أحكام القضاء.

هذا ما يحيلنا إلى دراسة أهداف الغرامة التهديديّة في (الفرع الثاني), لكن يجب أولا تحديد نطاق تطبيق الغرامة إذ أن العمل بها من قبل المحاكم الفرنسية كان مطلقا من دون أي قيد في مختلف أنواع الإلتزامات (الفرع الأول).

الفرع الأول: إتساع ميدان الغرامة التهديديّة

قد سبق تبيان أن الحكم بالغرامة التهديديّة هو حكم فرعي يتبع حكم أصلي، فلا يمكن المطالبة بالتهديد المالي كوسيلة غصب غير مباشرة إلا في حالة وجود إلتزام أصلي إمتنع المدين عن تنفيذه وذلك لجبره على أداء التنفيذ العيّني ,إذا ما كان هذا الإلتزام مشروعا ولازالت إمكانية تنفيذه ممكنة. في مرحلة أولى طبقت الغرامة التهديديّة على مختلف الإلتزامات التعاقدية (فقرة الأولى)، لكن المحاكم ذهبت إلى أكثر من ذلك ووسعت في مجال تطبيقها لتشمل عدة ميادين قانونية أخرى (فقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الميدان التعاقدي للغرامة التهديديّة

إذا كان شخص المدين لا يؤثر على تنفيذ الإلتزام أي بإمكان الدائن الحصول على التنفيذ العيّني عن طريق الغير وذلك على نفقة المدين لا يمكن الإلتجاء إلى الغرامة التهديديّة[127] .

لكن إذا ما كان الإلتزام يقتضي تدخل المدين نفسه, فإن قواعد الغرامة التهديديّة تسري على كل إلتزام سواء كان إلتزام بإعطاء (أ) بعمل أو بالإمتناع عن عمل(ب).

أ-الإلتزام بإعطاء

هو إلتزام بنقل حق عيّني مثل حق الملكية[128] ، يسمى الإلتزام بإعطاء أو بآداء ويتخذ بدوره ثلاثة صور حسب محله[129].

-فإذا ما كان المحل ,(الموضوع) شيء معيّن بذاته مثال منقول أو عقار, فان التنفيذ العيّني لا يمكن أصلا لأن الإلتزام بنقل الملكية هو إلتزام قانوني ,تلقائي و آلي. يتم مباشرة بحكم القانون كأثر فوري للإلتزام, مثال ذلك في عقد البيع[130].

على هذا الأساس لا يمكن الإلتجاء للغرامة التهديديّة لإجبار المدين على التنفيذ.

-إذا ما كان محل الإلتزام نقود، إمتنعت المحاكم لمدة طويلة من توظيف غرامات تهديدية بالنسبة للإلزامات المتعلقة بأداء مبلغ مالي, ذلك لأن الدائن بمكنه جبر المدين على التنفيذ من خلال اللجوء إلى العقل[131].

لكن آداء مبلغا من المال غالبا ما يصطدم بعديد الصعوبات خاصة عندما يكون المدين المماطل سيء النية و يتعمد إخفاء أو تهريب مكاسبه. لهذا سرعان ما تم التخلي عن الموقف السابق لفقه القضاء و ذلك لسببين على الأقل: أولا، إعتبار أن الغرامة التهيدية هي وسيلة غصب غير مباشرة يمكن اللجوء إليها حتى وإن وجدت وسائل أخرى للتنفيذ.

ثانيا,الموقف القضائي السابق مبني على خلط بين الغرامة التهديديّة والتعويض عن الضرر إذ رغم أنه يمكن الجمع بينهما في نفس الحكم. وكما أنّ المحاكم الفرنسية ذهبت إلى أبعد من هذا بالجمع بين الغرامة التهديديّة والشرط الجزائي في نفس القضية[132].

-إذا كان محل الإلتزام نقل ملكية أشياء مثلية أي أشياء يمكن تعويضها بمثلها كالقمح و السكر, الملكية في هذه الصورة لا تنتقل بمجرد العقد, وإنما بموجب عمل مادي يسمى إفراز الشيء المثلي, أي تعيين محل الإلتزام بصورة مادية وتفريده فلا تنتقل الملكية إلا بالتخصيص[133] “Individualisation”. وهنا يصبح للغرامة التهديديّة مفعولا أكيدا، إذ أن القضاء الفرنسي أجاز إستصدار حكم بالغرامة التهديديّة لحمل المدين على القيام بفرز منقول و تسليمه للدائن.

على هذا الأساس يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديديّة لإجبار المدين على تنفيذ إلتزامه إذا ما كان موضوعه إعطاء في كل صوره إلا إذا ما كان إلتزام بنقل ملكية شيء معيّن بذاته.

ب-الإلتزام بعمل أو بالإمتناع عن عمل

بعد هذا النوع من الإلتزامات الميدان الطبيعي للتهديد المالي فهو الذي كثر فيه تطبيق المحاكم لدرجة أصبح الحكم بها مرتبط به دون غيره من الإلتزامات[134]، فالإلتزام بعمل هو إلتزام يوجب على المدين القيام بعمل معيّن لصالح الدائن كالقيام بصنع أشياء أو بأداء خدمات, لكن يجب التفريق بين نوعيّن من الإلتزامات بعمل:

-إذا كان الإلتزام بعمل غير متوقف على ذات المدين, بحيث يمكن تنفيذه بواسطة الدائن أو الغير على نفقة المدين الممتنع, يمكن الحصول على التنفيذ العيّني لكن بمقتضى ترخيص من القاضي في الديون التي تفوق مائة دينار وبدونه في الحالات الإستعجالية. يتحمل في هذه الحالة المدين المتقاعس كل خسارة قد تترتب على التنفيذ بواسطة الغير و ذلك بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 275 م.إ.ع.

-إذا كان الإلتزام بعمل موقوف على ذات المدين و ذلك لإعتبارات شخصية ومهارات فردية لا يمكن الإلتجاء إلى الغرامة التهديديّة لجبر المدين على الوفاء والحصول مباشرة على التنفيذ العيّني، ذلك كالإلتزام بتقديم حساب والإلتزام بتقديم مستندات لا يمكن الوصول إليها دون إرادته, في هذه الإلتزامات وأمثالها يكون التنفيذ العيّني غير ممكن أو غير ملائم دون تدخل المدين شخصيا لتنفيذها، أو يكون في إكراهه على هذا التنفيذ ما يعد مساسا و حجرا على حريته الشخصية, مثال ذلك أن يكون الأمر متعلقا بحق المؤلف الأدبي أو يتعهد رسام لعميل برسم لوحة فنية ثم يقرر المؤلف أو الرسام عدم تسليم إنتاجه إلى الطرف الثاني لأنه رأى مثلا أن هذا العمل غير جدير بالعرض على الجمهور.

فلا يجوز عندئذ الإلتجاء إلى الغرامة التهديديّة لإجبار المؤلف أو الرسام على تنفيذ إلتزامه حتى ولو أبدى الدائن رضاه عن إنتاج المؤلف أو الرسام, فمثل هذا الإكراه يعد مساسا بالحق الأدبي للمؤلف و هذا غير جائز وعلى الدائن الإكتفاء بالتنفيذ بمقابل أي عن طريق التعويض[135]، إستنادا إلى أحكام الفصل 275 م.إ.ع “إذا إلتزم أحد بعمل شيء طلب بالخسارة عند عدم العمل.”

نستنتج مما سبق أنه لا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديديّة كوسيلة غصب غير مباشرة للحصول على التنفيذ العيّني إلا في حالة إذا ما كان الإلتزام بعمل لا يتوقف على ذات المدين.

تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى وجود تطبيقات أخرى عديدة للغرامة التهديديّة سواء تعلقت بمادة الأموال والذمة المالية أو غيرها. ففي المواد التي تخص الذمة المالية يقع اللجوء إليها لجبر المدين على إمضاء عقد أو شاغل محل على الخروج منه أو ردع مالك لإعادة إسكان متسوغ وقع إخراجه من المكرى أو لإجبار مؤجر على منح شهادة عمل[136].

أما في المواد التي تخرج من الذمة المالية ,فإن الغرامة التهديديّة تجد تطبيقها عندما يكون اللجوء للقوة العامة غير ذي جدوى و ذلك في الإلتزامات التي تنشأ عن القانون مباشرة خاصة المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية.

فقد إستقر فقه القضاء الفرنسي منذ زمن بعيد على اللجوء إلى التهديد المالي بشأن كافة الإلتزامات المتعلقة بالأسرة[137] مثل تنفيذ الإلتزام بالرؤية أو توفير مسكن للزوجة وخاصة الإلتزام بتسليم محضون[138].

ولم تكتف المحاكم الفرنسية بهذا الحد بل تعدت ذلك و إستخدمت الغرامة التهديديّة في المسائل الأخلاقية الواجب مراعاتها في نطاق الأسرة، فالتجأت إليها في الإلتزام القانوني بالإخلاص والوفاء العائلي. غير أن إلتزام الزوجة بالعودة لمنزل الزوجية ولئن كان يحكم بالغرامة سابقا من أجل إجبار الزوجة على الإلتزام بواجب المساكنة، لم يعد معمولا به اليوم وذلك لحرمة المساس بالحريات الشخصية وعدم جواز الاكراه البدني[139]. لنفس الأسباب المذكورة لا يمكن اللجوء للغرامة التهديديّة لإجبار رجل على القيام بالتحليل الجيني لإثبات النسب[140].

بالنسبة للإلتزام بالامتناع عن عمل ,أي أن يمتنع المدين عن القيام بعمل معيّن كالإلتزام بعدم منافسة تاجر في مكان معيّن أو سلعة معيّنة[141] .
فإن التنفيذ العيّني في هذا الصنف من الإلتزامات يعني قيام المدين بإزالة المخالفة المحدثة أي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه و هو أمر يتعلق بالإمكانية المادية[142] .

فإذا ما كان الإخلال بالإلتزام بجعل من تنفيذه أمرا مستحيلا كإفشاء الطبيب أو المحامي لسر المهنة فعندئذ لا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديديّة لأن تنفيذ الإلتزام بالإمتناع عن عمل قد صار منذ لحظة الإخلال به أمرا مستحيلا فلا تصبح هناك فائدة للدائن من الغرامة التهديديّة[143].

لكن يتعيّن في هذه الحالة الحكم بالتعويض و ذلك حسب مقتضيات الفصل 276 م.إ.ع “إذا كان موضوع الإلتزام النهي عن عمل شيء فالملتزم مطالب بالخسارة بمجرد مخالفته لذلك”, لكن بقراءة بقية الفصل[144], يبدو أن المشرّع مكن الدائن من حل آخر يمكن إستنتاجه خاصة بالرجوع إلى النسخة الفرنسية من الفصل السابق[145], فمن يبيع أصلا تجاريا ويلتزم بعدم إحداث أصل تجاري آخر في ذلك المكان و يخالف إلتزامه بإحداث أصل تجاري جديد يمكن أن يحكم عليه بإزالته على نفقته[146].

غير أنه إذا لم يؤد الإخلال بالإلتزام إلى إستحالة تنفيذه كإلتزام ممثل بالإمتناع عن الظهور على مسرح معيّن أو إلتزام العامل بأن لا يعمل عند مؤجّر منافس, فإنه يجوز الحكم في هذه الحالات على المدين بغرامة تهديدية عن كل مرة يأتي فيها بالأمر الممنوع حتى يكف بتاتا عن هذا العمل. لقد وقع الحكم بالغرامة التهديديّة بغاية إجبار مخالف على غلق محل غير مرخص فيه لمماراسة نشاط معيّن أو لإجبار سارق على إرجاع المسروق لمالكه الأصلي أو لوضع حدّ لمضار الجوار[147].

يمكن القول إستنادا إلى ما سبق، أن الغرامة التهديديّة وجدت لها عدة تطبيقات في مختلف أنواع الإلتزامات التعاقدية, لكن يتسع ميدان الغرامة التهديديّة ليشمل عدة فروع قانونية أخرى.

الفقرة الثانية: الفروع القانونية المطبقة للغرامة التهديديّة

من الثابت عبر تقصي تطبيقات القضاء الفرنسي للغرامة التهديديّة في المرحلة السابقة لتقنينها، أن المحاكم لم تقيد من نطاق تطبيق الغرامة. فلقد كان الحكم بها ممكنا كلما إرتأى القاضي ضرورة لذلك تبعا للظروف المحيطة بكل إلتزام. هذا ما سار عليه المشرّع الفرنسي عند تقنين أحكام الغرامة التهديديّة, فوسّع من مجالها لتشمل الأحكام الإدارية (الفقرة الأولى), كما خول للقاضي الجزائي اللجوء إليه (الفقرة الثانية).

أ-الغرامة التهديديّة الإدارية:

لئن كانت الإدارة ملزمة بمقتضى ما للأحكام الإدارية من حجية بتنفيذها , إلا أنها غالبا ما تتجاهل هذا الإلتزام فلا تكترث به وتمتنع إمتناعا صريحا عن تنفيذه[148].

فتتذرع بعدم توافر الإعتمادات المالية لتنفيذ الحكم أو تلعب على حبائل الإجراءات القضائية فتتخذ منها سبيلا لإعاقة التنفيذ وهو أسلوب لطالما إتبعته كلما صدر ضدها حكم قضائي[149].

والمعلوم أن الإدارة تعاضد القاضي بإعتبارها حائزة للقوة العامة التي تكفل بها إحترام الأحكام القضائية، على هذا الأساس إستنتج الفقيه”دولوبادار”« Delubadere » أن الحكم المدني أو الجنائي أفضل حالا في التنفيذ من الحكم الإداري على إعتبار أن الإدارة ليست لها صفة الخصم وإنما هي حارسة على التنفيذ, لذا تدعمه بقوّتها. في حين أنها على خلاف ذلك بالنسبة للحكم الموجه ضدها لها صفة الخصم , لذلك إذا ما كان الحكم ضدها يصعب أن تستعيّن بقوتها ضد نفسها[150].

أيضا من أهم عوائق التنفيذ ضد الإدارة مبدأ حضر إتباع طرق التنفيذ ضد هذه الأخيرة الذي ينطوي على تباين واضح بين مركز الإدارة ومركز الأفراد في نطاق الجبر على التنفيذ[151].

فالغصب على التنفيذ بالنسبة للأفراد يتم بإعتماد العقل بمختلف أنواعها سواءا كانت تحفظية أو توقيفية أو تنفيذية. خلافا لذلك, لا تتبع هذه الطرق في مواجهة الإدارة حتى و لو رفضت التنفيذ الإداري. يتسم هذا المبدأ بالعمومية فهو لا يسري أولا على كافة الأحكام الصادرة في مواجهة الإدارة بالأحكام الصادرة عن القضاء المدني أو الإداري. ثانيا ينطبق على جميع الأشخاص القانون العام كما يسري حتى على المؤسسات العامة التجارية أو الصناعية ثالثا، يرد على جميع أموال الأشخاص العامة أو حتى الخاصة المكلفة بإدارة مرفق عام[152] .

أيضا، تذرعت الإدارة بمبدأ الفصل بين السلط العادية و الإدارية للحيلولة دون إمكانية إلزام الإدارة على التنفيذ بل لا يمكن الحصول إلا على تعويض عن الضرر الذي تسببت به الإدارة أو بطلان الأعمال التي فيها تجاوز للسلطة[153].

على هذا الأساس ونظرا لتأثير العوائق سالفة الذكر على التنفيذ ضد الإدارة إبتكر المشرّع حلا لمواجهة مطل الإدارة وذلك باللجوء إلى فكرة الغرامة التهديديّة[154].

نتاجا لتطور المفاهيم القانونية الفرنسية, يظل خضوع الدولة للقانون وسيادة مبدأ الشرعية إذ لا قيمة لهذا المبدأ ما لم يقترن بإحترام أحكام القضاء ووجوب تنفيذها [155].

لقد حصل هذا التحول الإجرائي البالغ الأثر لأول مرة في تاريخ القضاء الإداري[156], ثم تلاه صدور القانون عدد 80-539 المؤرخ في 16 جويلية 1980 الذي منح الفصل 2 منه مجلس الدولة الفرنسي سلطة الحكم بالغرامة التهديديّة و لو من تلقاء نفسه في حالة عدم تنفيذ قرار صادر من القضاء الإداري بحق شخص عمومي أو هيكل خاص مكلف بالتصرف في مرفق عام. في مرحلة ثانية تم تعميم هذا الإجراء بموجب القانون عدد 85-539 المؤرخ في 8 فيفري 1995 وأصبح بإمكان كل من المحاكم الإدارية والإبتدائية والإستئنافية على حد السواء الحكم بغرامات تهديدية ضد الإدارة سواء كانت غرامة تهديدية وقتية أو غرامة تهديدية نهائية[157].

و يتم ذلك من خلال طلب صريح من الطرف المتضرر من القرار الإداري فإذا ما أصدر القاضي حكمه و لم يقع تنفيذه بعد ضبط أجل للتنفيذ تسري الغرامة التهديديّة بنهاية هذا الأجل[158].

وتتسم الغرامة التهديديّة الموجهة ضد الإدارة كوسيلة لإجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية بكونها تقدم بعد مرور ستة أشهر من الإعلام بالحكم الخاص بالنزاع الأصلي مع بقائه دون التنفيذ[159].

زيادة على ذلك, تتميز هذه الغرامة بإمكانية ألا تؤول قيمتها بعد التصفية إلى المدين على عكس الغرامة التهديديّة المدنية. إذ ينص الفصل الخامس من قانون جويلية 1980 ، أن مجلس الدولة يمكنه أن لا يأمر بدفع جزء من الغرامة إلى المحكوم له وعليه في هذه الحال إن يأمر بدفع هذا الجزء إلى صندوق تنمية الوحدات المحلية وهو ما لاقى إستحسان بعض الفقهاء،

« C’est la une heureuse disposition dont on constatera avec regret qu’elle n’a pas été reprise dans le contentieux privé [160]».

لأن المشرّع لم يود أن يحيد بالغرامة عن هدفها التشريعي فلم يجعلها موردا ماليا للمتضرر و لا سبيلا للإثراء على حساب الخزينة العامة[161].

ميدان تطبيق الغرامة التهديديّة كوسيلة للغصب على التنفيذ تأقلم مع عدة فروع قانونية أخرى إلى جانب القانون الإداري و من أهمها نخص بالذكر القانون الجنائي.

ب-الغرامة التهديديّة الجزائية

الغرامة التهديديّة هي وسيلة ضغط عادة ما يستعملها القاضي المدني لضمان تنفيذ أحكامه كما أنها منذ صدور قانون 1995 أصبح لها دور فعال في الضغط على الإدارة لتنفيذ الأحكام الصادرة عن القاضي الإداري.

لكن على عكس ذلك، يبدو أن القاضي الجزائي لا يلجأ إلى هذه المؤسسة إلا في الحالات النادرة لإمتلاكه وسائل إكراه عدّة. إلا أنّه يمكن ملاحظة أن عدد النصوص القانونية التي تعطي للقاضي إمكانية الحكم بالغرامة التهديديّة بصدد الإرتفاع كما يمكن إستعمال هذه الغرامة حتى في غياب نص صريح يقرها[162]. لذا لا يمكن الجزم بوجود قانون خاص ينظم الغرامة التهديديّة الجزائية[163].

–الحكم بالغرامة التهديديّة إستنادا إلى نص قانوني:

-القانون الجنائي العقاري : تطبق الغرامة التهديديّة من القاضي الجزائي في ميدان القانون العقاري إذ يجيز الفصل 480-7 بصفة صريحة للقاضي الذي حكم بالهدر أو بالإمتثال للتطابق أو بتغيير إسناد عقار أن يدعم حكمه بغرامة تهديدية . يتوجب في هذه الحالة على المحكمة أن تمنح للمحكوم عليه أجلا كافيا لتنفيذ القرار ذلك لأن إزالة الأشغال أو تعديلها يتطلب وقتا .

لا تجري الغرامة التهديديّة من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم قابلا للتنفيذ إلا بعد إنقضاء الأجل الممنوح من القاضي الذي يمكن أن يمدد فيه, لكن إذا مرة سنة كاملة دون أن ينفذ المحكوم عليه مقتضيات الحكم أمكن للنيابة العمومية أن تتطلب من القاضي الترفيع في الغرامة حتى أكثر من السقف المحدد لها قانونا(500franc ) عن كل يوم تأخير فلا يمكن مراجعة هذه الغرامة إلا بالترفيع منها .

تخضع تصفية الغرامة التهديديّة في الميدان العقاري إلى قواعد مبتكرة غير ما ورد بقانون 9 جويلية1991 [164], إذ يقتضي الفصل 480-8 من المجلة العمرانية أنه “يتم استخلاص الغرامة التهديديّة طبقا للشروط و الأحكام المتعلقة بإستخلاص الموارد المحلية و لفائدة البلدية التي إرتكبت الجريمة بدائرتها .فإن لم يتول رئيس البلدية تصفية مبلغ الغرامة التهديديّة وإعداد قرار الإستخلاص وإرساله لمندوب الدولة بالولاية في أجل شهر, يصفى الدين و يعد قرار الإستخلاص لفائدة الدولة التي تنتفع عندها بكامل المبلغ”.

-أحكام القانون الجنائي: ينص الفصل 132-66 من المجلة الجنائية الفرنسية، أنه في الحلات المنصوص عليها بالقانون واللوائح التي تعاقب التقصير وعدم القيام بإلتزامات محددة يمكن للمحكمة التي تؤجل الحكم بالعقوبة، أن تأمر الشخص الطبيعي أو المعنوي الواقع إدانته بالإمتثال لبعض التعليمات الواردة بهذه القوانين واللوائح.

كما نص الفصل 132-67 من ذات المجلة على أنه يمكن للمحكمة أن ترفق حكمها بغرامة تهديدية إذا كانت هذه الغرامة مضمنة بالقوانين أو بالتراتيب .

في هذه الحالة تحدد المحكمة نسبتها و مدتها القصوى ويتوقف إحتساب الغرامة التهديديّة ويبطل مفعولها في اليوم الذي يتم فيه تنفيذ التعليمات الواردة بأمر المحكمة.

يمكن الإستنتاج أن أحكام الغرامة التهديديّة حسب المجلة الجنائية الفرنسية تشبه النظام العام للغرامة التهديديّة الوقتية المدنية[165].

-أحكام قانون حماية المستهلك : نص الفصل 421-3 من مجلة الإستهلاك الفرنسية على أنه يمكن لقضاء الزجر بعد أن يحكم بإدانة المتهم أن يؤجل تنفيذ العقاب، أن يأمره تحت ردع غرامة تهديدية, إن إقتضى الأمر، بالإمتثال خلال أجل محدد للتعليمات التي تقرها المحكمة والتي يكون محلها إيقاف الأعمال غير المشروعة أو إلغاء عقد معيّن أو نموذجا من العقد يعرض على المستهلكين شرطا غير مشروع.

وتنص فصول نفس المجلة أن القاضي يتولى ضبط نسبة الغرامة والتاريخ الذي تسري منه.

هذه النصوص الخاصة تمنح للقاضي إمكانية فرض عقوبات مالية جادة عوض عقوبات سالبة للحرية لا تحقق الهدف المرجو من العدالة.

-الحكم بالغرامة التهديديّة في غياب نص قانوني:

عند الفصل في الدعوة العمومية لا يمكن للقاضي الجزائي الحكم بإتمام إلتزام بعمل مع غرامة تهديدية في غياب نص صريح يمنحه هذه السلطة إستنادا لمبدأ الشرعية[166].

لكن عندما ينظر القاضي الجزائي في الدعوة كقاضي مدني أجاز الفقه وفقه القضاء تطبيق مقتضيات وأحكام القانون المدني أي اللجوء للغرامة التهديديّة خاصة بموجب قانون 1991.

هذا الحل أكده مجلس الدورة الفرنسي في قراره المعروف بـBarre et Honney الصادر بتاريخ 10 ماي 1974 حيث جعل الإمكانية المخولة للقضاة للحكم بغرامة تهديدية بغاية تنفيذ أحكامهم أو الإجراءات السابقة لها، تتمتع بصفة القاعدة العامة للقانون ولا يختص سوى المشرّع بسلطة تحديد وتوسيع أو تضييق حدود هذه الإمكانية.

« La faculté reconnue aux juges de prononcer une astreinte, en vue de l’exécution de leur décision que des mesures d’instruction qui en sont le préalable, a le caractère d’un principe général de droit…et n’appartient qu’au législateur de déterminer, d’étendre ou de restreindre les limites de cette faculté », CA. 5 Juillet 1974.

لكن إذا ما إطلعنا على فقه القضاء الحديث، نتبين أنه من النادر أن يرفق القاضي الجزائي الفرع المدني من الحكم الجزائي بغرامة تهديدية ولعلّ ذلك مرده أنه يسعى إلى تجنب إضافة عقوبة خاصة زيادة على ما حكم به من عقوبات زجرية[167].

الفرع الثاني : غايات الغرامة التهديديّة

إفتقدت الغرامة التهديدية إلى أساس قانوني في أغلب التشريعات، لكن رغم ذلك واصلت المحاكم في تطبيقها ووسعت من نطاقها مما أجبر القوانين المقارنة على الإعتراف بها وتنظيمها ضمن تشريع خاص بها.

هذا التكريس العام للغرامة التهديديّة ليس محض الصدفة، إنما يرجع لنجاعة هذه المؤسسة التي ترمي في مرحلة أولى لتحقيق أهداف مباشرة (الفقرة الأولى) من خلال التنفيذ العيّني والسعى لضمان الإذعان للأحكام القضائية. كما تهدف بصفة غير مباشرة (الفقرة الثانية) إلى تعويض المدين، حسب شق من الفقهاء، وإلى تهديد المدين المماطل حسب الفقه الحديث.

الفقرة الأولى: الأهداف المباشرة

منح المشرّع الفرنسي سلطة الحكم بالغرامة التهديديّة لكافة القضاة بهدف ضمان الإذعان لما أصدروه من أحكام (أ) مما يحقق بالتوازي ضمان التنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي (ب).

أ-ضمان التنفيذ العيّني

تعتبر مرحلة تنفيذ العقد مرحلة شديدة الأهمية والخطورة ذلك لأن الغاية الأساسية من إبرام العقد تكمن في الوفاء به[168] ,فإن كانت الإتفاقات تقوم مقام القانون بالنسبة للمتعاقدين حسب أحكام الفصل 242 م.إ.ع ” ما إنعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين”[169]. فالقوة الملزمة للعقد[170] ,تجبر المتعاقدين على تنفيذ الإتفاقيات التي إلتزموا بها طبقا لشكلها ومضمونها أي حسب ما إقتضاه الفصل 243 م.إ.ع “يجب الوفاء بالإلتزامات مع تمام الأمانة”[171].

فلهذا الفصل بعدان, بعد أخلاقي ثابت يتمثل في ضرورة الوفاء بالعهود وبعد إقتصادي وإجتماعي يرتكز على عنصر الثقة في التعامل لنحافظ على إستقرار المعاملات لتبقي أسس الحياة الإقتصادية و الإجتماعية سليمة[172].

وهو ما عبر عنه الفقيه الألماني إيهرنق”Ihering”, بقولته المعروفة “الحق وجد لتنفيذه”، « Le droit est fait pour le réaliser ».

والأصل في الوفاء أن يتم عيّنا[173], أي أن يتم تنفيذ الإلتزام بآداء نفس الموضوع أي القيام بعيّن الآداء بالطريقة المتفق عليها آنفا بمقتضى العقد و هو ما يعبر عنه بالتنفيذ العيّني « L’exécution en nature».فدفع التعويض عند عدم الحصول على التنفيذ العيّني أو ما يسمى بالتنفيذ بمقابل «l’exécution par equivalent »

لا يعتبر تنفيذا للإلتزام ولكن مجرد جزاء يتحمل به المدين نتيجة قيام مسؤولية[174] , وهو ما عكس ما كرّسه ظاهريا الفصل 1142 م.م.ف الذي جاء فيه “كل إلتزام بعمل أو بالإمتناع عن عمل ينحل عن طريق التعويض في حالة عدم تنفيذه من طرف المدين”[175].

يبدو للوهلة الأولى, بعد قراءة سريعة لهذا الفصل أن المشرّع الفرنسي أقصى صراحة مبدأ التنفيذ العيّني للإلتزام العقدي وذلك تأثرا بفلاسفة المذهب الفردي[176], وإعلان حقوق الإنسان و المواطن[177].

ومن أبرز أنصار هذا المذهب في الفقه القديم الفقيه لارومبيار[178] « Larombière » الذي أقر أنه: “وهكذا تقتضي قاعدة: “لا يكره أحد على فعل ما لا يريده “أن يكون للمدين كامل الحرية في تقرير تنفيذ إلتزامه عيّنا من عدم تنفيذه… ليس للمحاكم سوى الحكم على المدين الملتزم بالتعويض”[179] .

لكن سرعان ما إتبع الفقه الفرنسي منهجا مغايرا نتيجة ما أسفرت عنه التطورات الإقتصادية و الإجتماعية في العصر الحديث وهو ما بينه الفقيه جوسرانJossrand ” ليس لهذه القاعدة نطاق عام ومطلق في التطبيق, مبدئيا يمكن الإلتجاء حتى إلى جبر المدين على التنفيذ العيّني لكل إلتزام بعمل أو بالإمتناع عن عمل، يستبعد هذا التنفيذ إلا إذا أدى ذلك إلى إنتهاك حقيقي لشخص المدين”[180].

تلعب الغرامة التهديديّة في هذا المجال دورا أساسيا لتجسيد هذا المبدأ. إذ عند الحكم بها، يسعى القاضي إلى غصب المدين على تنفيذ الإلتزام تماما كما لو أنه تم تنفيذه بصفة إختيارية[181].

فحسب الفقيه قيصرKayser ,لم تكن الغرامة التهديديّة لتعدد لولا الدور الهام الذي تلعبه, فمنذ القديم سلط الضوء على دورها بالنسبة لإنقضاء الإلتزامات فهي تسعى من خلال الضغط الذي تسلطه على المدين إلى الحصول على تنفيذ العقد الذي عادة لا يكون ممكنا باللجوء إلى القوة .

كما تجسّد ميل الفقه القضاء إلى التنفيذ العيّني مقارنة بالتنفيذ عن طريق العوض.

« L’astreinte comminatoires ne serait pas ainsi diversifiée si elle ne jouait un rôle important. On a depuis longtemps attiré l’attention sur le rôle qu’elle joue quant au mode d’exécution des obligations :elle tend à obtenir des débiteurs par la pression qu’elle exerce sur eux, l’exécution directe de leur obligation , souvent impossible par la force. Elle manifeste la préférence de la jurisprudence pour l’exécution en nature par rapport à l’exécution par équivalent, c’est-à-dire à une simple condamnation à des dommages intérêts . C’est pour cette raison que les ouvrages de droit civil traitent de l’astreinte à propos de l’exécution obligatoire.[182]

إلى جانب ضمان التنفيذ العيّني للإلتزامات تصبو الغرامة التهديديّة إلى تنفيذ الأحكام القضائية.

ب-ضمان الإذعان للحكم القضائي

يصادف التنفيذ الجبري للأحكام ومن قبله الحصول على السندات التنفيذية في أغلب الأحوال، كثيرا من العقبات المادية والقانونية سواء كانت هذه العقبات متأتّية عن المدين المنفذ ضده أو عن الغير[183]. لهذا تفتقد قواعد التنفيذ الجبري الفاعلية والنجاعة في تنفيذ الأحكام مما يؤدي إلى تعطيل أو حتى ضياع الحقوق المتقاضين.

لذا ظهرت حاجة ملحة لتعصير قواعد التنفيذ الجبري كي تكفل تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية ولا تبقى مجرد حبر على ورق لا فائدة منها طالما لم تحقق نتيجتها المرجوة و هي التنفيذ[184].

لتلافي هذا النقص أقر المشرّع الفرنسي الغرامة التهديديّة كوسيلة ضغط غير مباشرة لا فقط للجبر على التنفيذ و إنما أيضا لضمان تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية.

« Les juges s’aperçoivent que lorsqu’ils leur injonction risquait de rester lettre morte, les pouvoir public prêtent de moins en moins, main forte à l’exécution des décisions de justice, raison pour laquelle les tribunaux ont recours à l’astreinte[185]. »

فالتهديد بالغرامة المالية وإن كان يعتبر من أحد الوسائل الغير مباشرة للجبر على التنفيذ، فإن في اللجوء إليه ما يغني عن وسائل التنفيذ الجبري وما سيتبعه من مضيعة للوقت والمال[186].

على هذا الأساس, أصبحت الغرامة التهديديّة وسيلة لضمان تنفيذ الأحكام وذلك حسبما بينه المشرع من خلال الفصل 33 قانون 1991 “يجوز لأي قاضي أن يصدر حكما بالغرامة التهديديّة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة منه”[187].

بالتالي, فإن الحق في إصدار حكم بالغرامة التهديديّة يمنح لكافة القضاة المنتمين لجهات القضاء العادي سواء كان القاضي ينتمي إلى المحاكم المدنية أو التجارية أو كان ينتمي لمحكمة جنائية قدم أمامها إدعاء مدني[188], فالفصل 33 وردت عباراته مطلقة: « Tout juge…..sa décision » فلم يتضمن أية قيود على إصدار الغرامة التهديديّة مما يفيد معه وجوب توفر إلتزام أصلي على عاتق المدين إمتنع عن تنفيذه أيّا كان مصدره.

فالحكم بالغرامة يمكن أن يضمن تنفيذ الحكم الصادر عن الإلتزام الأصلي أو حتى الأوامر القضائية الصادرة بصفة عرضية من القاضي بمناسبة البت في الإلتزام الأصلي[189], سواء صدر هذا الحكم عن القاضي الإبتدائي أو من قاضي الإستئناف[190] أو حتى من طرف القاضي الإستعجالي[191] .

أيضا، يمكن لقاضي التنفيذ اللجوء للغرامة التهديديّة لا فقط لضمان ما يصدر عنه من أحكام سواء كانت أحكام متعلقة بنازعات التنفيذ أو أحكام تنطوي على سندات تنفيذية جديدة بل يستعملها كأداة لتذليل العقبات التي يمكن أن تعترض تنفيذ الأحكام الصادرة عن غيره من القضاة[192], بإعتباره القاضي المختص بالإشراف ومتابعة إجراءات التنفيذ[193].

على هذا الأساس, أصبحت الغرامة التهديديّة وفقا لنصوص قانون التنفيذ الجديد[194], أداة لتنفيذ الأحكام الصادرة عن القاضي بخصوص الإلتزام الأصلي:

« L’astreinte a un but très précis : assurer l’exécution des jugements ».[195]

إلى جانب هذه الأهداف المباشرة: ضمان التنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي و ضمان تنفيذ الأحكام , تلعب الغرامة التهديديّة أهدافا أخرى غير مباشرة.

الفقرة الثانية:الأهداف الغير مباشرة

سبقت الإشارة إلى أن الغرامة التهديدة هي وليدة إجتهاد فقه القضاء، لسدّ هذا الفراغ التشريعي حاولت المحكمة أن تجد لها مردا في المبادئ العامة للقانون وتحديدا في إطار المسؤولية المدنية بإعتبارها تعويضا مقدرا سلفا (أ). لكن لم تلبث أن تراجعت عن هذا الإتجاه وفصلت بين الغرامة التهديديّة والتعويض فأصبحت مؤسسة مستقلة بذاتها تهدف للضغط على المدين المماطل (ب).

أ-التعويض

إن تطبيق الغرامة التهديديّة في القانون الفرنسي يرجع إلى القرن 19, فهي لم تحظ بنص تشريعي تؤسس عليه لكونها نتاجا لإجتهاد فقه القضاء الذي حاول أن يجد لها أساسا قانونيا في إطار المسؤولية المدنية بإعتبارها تعويضا مقدرا سلفا[196].

على هذا الأساس, إبتدع فقه القضاء نوعا جديدا من التعويض لم يأت به المشرّع[197]،

« La théorie des astreintes s’est greffée sur celle des dommages intérêts, dont elle est une déformation »[198]

ذلك أن المحاكم كانت تلزم المدين بتنفيذ إلتزامه في مدة تعيينها له, فإذا ما إمتنع عن التنفيذ أو تأخر فيه كان ملزما بدفع مبلغ نقدي عن كل يوم , أو أي وحدة زمنية يعيّنها القاضي, فتكون الغرامة التهديديّة عند النطق بها وسيلة ضغط لحمل المدين على التنفيذ العيّني، أما بعد تصفيتها تصبح وسيلة تعويض لغاية الحصول على التنفيذ عن طريق العوض في ثوب تعويضات[199]. فالغرامة في آخر المطاف لا تمثل سوى تعويضات عن الضرر الناتج عن عدم التنفيذ أو التأخير فيه:

« L’astreinte est une menace chiffré de dommages intérêts rigoureusement appréciées » [200]

وما ساهم في تدعيم هذا الإتجاه, ظهور الغرامة التهديديّة النهائية بما أن المحاكم إعتمدت عند تصفيتها معيار الضرر اللاحق بالدائن فهي تمثل مجرد تقدير مسبق للضرر الذي يمكن أن يحصل جراء عدم التنفيذ[201].

ساهم أيضا في تعميق هذا التداخل بين الغرامة والتعويض قانون جويلية 1949 فلقد نص على جواز إستخدام الغرامة التهديديّة لحمل شاغلي الأماكن المؤجرة بدون وجه حق على القيام بإخلائها على أن لا تتجاوز قيمة الغرامة عند التصفية مقدار الضرر الذي لحق بالمؤجر المحكوم له[202].

شهد هذا الإتجاه أوجه خاصة منذ صدور قانون 1949 حتى سنة 1959 حيث إعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية أن المبلغ المحكوم به يتم تحديده وفق عناصر الضرر الحقيقي الذي لحق بالدائن فالحكم عند التصفية سيكون بمثابة الحكم بالتعويض[203].

لمحاولة تعليل موقف هذا الإتجاه القضائي ,إعتبر الفقهاء نظرا للسلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها القاضي عند إحتساب الغرامة أنه يمكن له معاقبة تأخير المدين سيء النية حسب ما تقتضيه الظروف بمنحه تعويضا بكامل أو من بعض المبلغ النهائي للغرامة[204].

هذا الرأي يبدو مقنعا للوهلة الأولى, لكن بالتمعن فيه سرعان ما تظهر نقائصه. إذ أنه يفترض وجود ضرر راجع لعدم التنفيذ أو التأخير فيه غير أن التأخير أو حتى عدم التنفيذ لا يلحق دائما ضرر بالدائن[205].

فهل تحذف الغرامة آليا في هذه الحالة لعدم وجود ضرر يوجب التعويض؟

هذا التداخل بين الغرامة والتعويض يفقد هذه المؤسسة على مستوى التطبيق نجاعتها. فالمدين يعلم مسبقا أنه بالرغم من مماطلته في التنفيذ, وفي كل الأحوال, لن يكون ملزما إلا بجبر الضرر الذي لحق بالدائن إن وجد، ممّا يقصي أي دور فعال لهذه المؤسسة.

كل هذه النقائض والثغرات دعت فقه القضاء إلى التخلي عن هذا الإتجاه وإعتبار أن الغرامة التهديديّة وسيلة ضغط غير مباشرة مستقلة عن التعويض.

ب-تهديد المدين المماطل

للحفاظ على الصبغة التهديديّة للغرامة, كان من الضروري الفصل بينها وبين التعويض كي تستعيد هذه المؤسسة نجاعتها[206].

هذا ما سعت إليه محكمة التعقيب الفرنسي في قرارها المبدئي المؤرخ في 20 أكتوبر1959 [207] . وذلك إثر تصفية محكمة الإستئناف لغرامة وقتية دون أن تأخذ بعيّن الإعتبار الضرر الحاصل للدائن بل إبتدعت لتصفية هذه الغرامة معيارا جديدا ألا وهو مدى العنت الصادر عن المدين المماطل. هذا الحكم تمت إحالته على محكمة التعقيب على أساس إعتماد هذا المعيار عوضا عن المعيار المعهود و هو “الضرر”[208].

أيّدت محكمة التعقيب حكم محكمة الإستئناف وذلك بتصريحها بأن” الغرامة الوقتية هي وسيلة ضغط مختلفة تماما عن التعويض, فهي في النهاية ليست سوى وسيلة لقهر مقاومة تنفيذ الحكم و ليس موضوعها تعويض ضرر ما نتج عن التأخير. تتم تصفيتها على أساس جسامة خطأ المدين المماطل و قدراته المالية”[209].

على هذا الأساس تعتبر الغرامة التهديديّة وسيلة إجبار غير مباشرة لا تأخذ بالطبيعة التعويضية، فهي وسيلة غصب تنصب على الذمة المالية للمدين دون شخصه[210]، يتم تحديد مقدارها على أساس عنت المدين و مدى ملائته.

هذا الفصل بيّن الغرامة التهديديّة والتعويض أخذ به المشرّع الفرنسي عند تقنين نظام هذه المؤسسة من خلال قانون 1972 الذي أقرّ الفصل السادس منه إستقلال الغرامة عن التعويض[211].

خاتمة الجزء الأول

ما الذي يضفي الطبيعة الخاصة على الغرامة التهديديّة ؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل، تم البحث في مرحلة أولى عن مقومات الغرامة التهديديّة بتحديد مفهومها من خلال تمييزها عن غيرها من المؤسسات الشبيهة بها خاصة و أن الهدف منها يجمعه عامل واحد، ألا و هو الضغط على إرادة المدين لعدم الإخلال بتنفيذ إلتزامه.

كما ساهم في مرحلة ثانية تبيان خاصيات الغرامة التهديديّة سواء في مرحلة الحكم بها أو عند تصفيتها في منح كيان خاص لهذه المؤسسة.

يمكن أيضا أن نستشفّ الطبيعة الخاصة للغرامة التهديدية من خلال غايات الحكم القاضي بها، إذ أنّه ينظوي في الحقيقة على مطلبين مختلفين : تنفيذ الالتزام الأصلي للمدين تنفيذا عينيّا مباشرا من جهة و ضمان الإذعان للأحكام الصادرة عن القضاء من جهة أخرى. تمتزج هذه الثنائية في منطوق نص الحكم مما يساهم في إستقرار المعاملات و فرض إحترام الأحكام القضائية.

لعل الطبيعة الخاصة للغرامة التهديديّة أضفت مرونة على نظام هذه المؤسسة، هذا ما سنتطرق إليه في الجزء الثاني من المذكرة.

يلجأ القاضي للغرامة التهديديّة بصفة مباشرة حتى مع وجود وسائل أخرى للضغط على إرادة المدين المماطل لجبره على التنفيذ.

فلقد أثبتت الغرامة نجاعتها على مستوى التطبيق لإختصارها للجهد والمال. فكلما إرتأى القاضي من خلال ظروف القضية إمكانية إصدارها تلقائيا حتى و لو لم يطلب منه الخصوم ذلك, أمكن له الحكم بها.

هذا اللجوء المكثف لنظام التهديد المالي يرجع أساسا لمرونة نظام الغرامة التهديديّة.

و هو ما يتبين من خلال نظامها الإجرائي (الفصل الأول) و ما ينعكس على القيمة العملية للغرامة(الفصل الثاني).

الفصل الأول : الجانب الإجرائي للغرامة التهديديّة

الفصل الثاني: إختصاص النظر في الغرامة التهديديّة

الفصل الأول: الجانب الإجرائي للغرامة التهديديّة

إذا أصدرت المحكمة حكما بالغرامة التهديديّة ضدّ المدين, فأنها تقصد من وراء ذلك الضغط على إرادته والتغلب على عناده حتى يذعن و يقوم بتنفيذ الإلتزام. فإما أن يكف عن عناده ويقوم بالتنفيذ بتأدية ما عليه خلال الموعد الذي حدده له القاضي فتحقق الغرامة الغاية المرجودة منها، وإما أن يستمر المدين في هذا العناد ويرفض التنفيذ فيمر القاضي للمرحلة الثانية فيعيّن مقدار الغرامة ويحوّلها إلى مبلغ نهائي عن طريق التصفية. هذا الأمر يتطلب تحديد إختصاص النظر في الغرامة التهديديّة (الفرع الأول) سواء كان ذلك في مرحلة الحكم أو التصفية مما يستدعي بداية التفرقة بين مختلف صور الغرامة التهديديّة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: صور الغرامة التهديديّة

تمنح المحكمة للمدين الذي تأخر في التنفيذ أجلا إضافيا لأداء إلتزامه لكنها تضمن حكمها الأصلي حكما تبعيا تلزم فيها المدين بأن يدفع للدائن مبلغا معيّنا على كل يوم أو وحدة زمنية أخرى يتأخر فيها عن القيام بمقتضى ما حكم به. هذا الحكم يكون مضمنا إما بغرامة تهديدية وقتية (الفقرة الأولى) أو بغرامة تهديدية نهائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الغرامة التهديديّة الوقتية

تكون الغرامة التهديديّة وقتية عندما يكون المبلغ المحكوم به ضد المدين الذي يمتنع عن التنفيذ في الآجال المحدّدة قابلا للمراجعة من طرف القاضي. إستنادا إلى ذلك, تمر الغرامة التهديديّة الوقتية بمرحلتين: مرحلة الحكم بها (أ) ثم مرحلة تصفيتها (ب).

أ-مرحلة الحكم

تبلورت نظرية التهديد المالي منذ ظهورها في ثوب الغرامة التهديديّة الوقتية, فهي الغرامة المقصودة من الناحية النظرية بمعناها الفني لإتفاقها وطبيعة الإلتزام المدني بإعتبار أن الأثر الطبيعي لهذا النوع من الإلتزامات هو تنفيذه من طرف المدين. فإذا ما عدل هذا الأخير عن تنفيذ ما إلتزم به جاز للقضاء غصبه على التنفيذ عن طريق تهديد يتناسب وطبيعة هذا الإلتزام المدني .على هذا الأساس إعتبرت الغرامة التهديديّة الوقتية وسيلة إجبار غير مباشرة لإكراه المدين على تنفيذ عيّن ما إلتزم به[212].

فالمدين إذا ما إمتنع عن تنفيذ إلتزامه لا يمكن مآخذته حسب أحكام القانون الجنائي إلا في حالات نادرة[213]، لكنه لا يفلت من قواعد القانون المدني فهو يعتبر نكل عن الوفاء بإلتزامه فمن الإنصاف تهديده ماليا ومعاقبته عن طريق آدائه لمبلغ من المال يكسر عناده,فالتهديد لا يتسلط على شخص المدين و إنما ينصب على ذمته المالية.

هكذا تتجسّد فكرة الغرامة التهديديّة الوقتية في الحكم الصادر على المدين بمبلغ معيّن عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها عن تنفيذ إلتزامه إلى ما بعد الوقت الذي حدده له القاضي للتنفيذ لذا فهي تتميز بصفتها التهديديّة و المؤقتة على أساس أن الحكم الصادر بالغرامة التهديديّة مصيره الحتمي أن يعاد النظر فيه متى أفصح المدين عن موقفه النهائي إما بالتنفيذ أو الإصرار على عدم التنفيذ فيعيد القاضي النظر في حكمه[214].

فإذا ما حدّد مقدار ومدّة سريان الغرامة التهديديّة و نصّ على إمكانية مراجعتها تكون الغرامة وقتية[215].

الحكم بالغرامة الوقتية لا تحوز على حجية الأمر المقضي وهو ما كرسته المحكمة الإبتدائية التونسية صلب حكمها المؤرخ في 4 أفريل 1964 الذي إعتبر أن “الحكم بالغرامة اليومية ليس واجب التنفيذ ولا يحوز على حجية الأمر المقضي به, إذ أنه حكم تهديدي وقتي قابل للمراجعة”.

على هذا الأساس إعتبر الفقه أن حكم الغرامة التهديديّة الوقتية هو حكم تحضيري وليس حكم نهائي[216].

إلا أن بعض الفقهاء، رأوا فيه مجرد إجراء إداري يدخل ضمن سلطة الضبط القانوني للقاضي”Police juridique”.

ومهما يكن من أمر، فإن الحكم الغرامة التهديديّة لا يضع حدا للنزاع الأصلي بل يهدف إلى إيقاف الضرر الحاصل للدائن من جراء عدم التنفيذ فهو حكم وقتي تهديدي لا يتصل به القضاء و نظرا لأهمية هذه المؤسسة و ما تحققه من نجاح على صعيد التطبيق, أقر قانون 1991 الفرنسي مثل سابقه قانون 1972 أولويّة واضحة للغرامة الوقتية مقارنة بالغرامة النهائية[217].

لكن بالرغم من نجاعة الغرامة التهديديّة الوقتية لا يمكن تركها تسري إلى ما لا نهاية كي لا تتراكم قيمتها وتصبح ضخمة جدا بصفة يفقدها معناها التهديدي, لذا يجب المرور إلى تصفيتها.

ب-مرحلة التصفية

إلى عهد قريب كان اللجوء إلى هذه المرحلة قليلا في التطبيق, الحكم بالغرامة كان رادعا كافيا لحث المدين على تنفيذ إلتزامه والدائن الذي وقع خلاصه لا يجد فائدة من اللجوء إلى التصفية. لم تشهد قضايا التصفية تعددا إلا من وقت فقدان القوة التهديديّة للغرامة بحيث لم تعد كافية لغصب المدين على التنفيذ.

تتم تصفية الغرامة[218] بإعتماد معيار التناسب بين قيمة الغرامة و عنت المدين:

« Elle consiste à proportionner le montant de l’astreinte à la résistance de la partie condamnée ».

وعموما يتم اللجوء لطلب تصفية الغرامة التهديديّة الوقتية في حالتين:

إما عندما يصبح الدائن متأكدا من الإمتناع البات للمدين عن التنفيذ من خلال تصرفاته ومن خلال سلوكه أو أن يؤدي المدين ما عليه من إلتزامات ,أو عندما تتواصل مماطلة المدين برفضه للتنفيذ[219]. في كلتا الحالتين يمكن للدائن أن يطالب بتصفية الغرامة, فالقاضي غير ملزم بتصفية الغرامة من تلقاء نفسه[220].أيضا يمكن للمدين أن يطالب بتصفية الغرامة إبتداء من يوم التنفيذ[221] .

لإعطاء مؤسسة الغرامة مزيدا من النجاعة، أجازت المحاكم الفرنسية تصفية الغرامة في حالة إمتناع المدين عن التنفيذ مما يعطّل مصالح الدائن خاصة وأن الحكم بالغرامة هو حكم تبعي لا يتمتع بحجية الأمر المقضي أي لا يمكن إعتماده كسند تنفيذي يمكن من إستخلاص قيمة الغرامة عن طريق التنفيذ الجبري[222].

فالمدين يستغل هذا الوضع لمزيد ربح الوقت ويتعمد التأخير خاصة إن كان سيء النية. لوضع حدّ لهذه الوضعية توصلت المحاكم إلى أنه يجوز للقاضي إجراء تصفية مؤقتة للغرامة لتمكين الدائن من الحصول على سند يخول له حفظ حقوقه بواسطة إجراءات تحفظية كالعقل التحفظية و العقل التوقيفية لحماية وحفظ حقوق الدائن[223].

أيضا، تعتبر تصفية الغرامة ذات أثر ردعي متميز إذ أنها تترجم إلى الواقع تهديدا كان غير محسوس “Virtuel”إلى مبالغ مالية لازمة الآداء. كما أنها تنبه المدين الذي إستغرق في حالة عدم التنفيذ إلى إمكانية إجراء تصفيات أخرى قد تكون بمبالغ مالية أرفع من السابقة[224].

إلا أن القاضي يحتفظ بالحرية المطلقة عند إجراء التصفية النهائية فيمكن له الحط أو زيادة مبلغ الغرامة.

لكن بالرغم من إيجابيات التصفية الوقتية, تبقى مجرد تصفية جزئية «partielle » ووقتية «temporaire» فهي جزئية لأنها لا توافق إلا الفترة الزمنية الحاصل فيها التأخير في التنفيذ من وقت الحكم إلى حين وقوعها دون الفترة التي يتواصل فيها عدم التنفيذ، وهي مؤقتة لأن للقاضي إمكانية مراجعتها و حتى إلغائها عند إجراء التصفية النهائية[225] التي تتم على أساس الفصل 8 من القانون الفرنسي المؤرخ في 5 جويلية 1972 والذي ينص على أنه “للقاضي الحط من الغرامة التهديديّة أو إلغاؤها حتى في حالة عدم التنفيذ الواضحة”[226].

هذا الفصل يمنح للقاضي سلطة تقديرية عند إجراء التصفية[227], إلا أن هذه السلطة تخضع إلى معيارين: الأول جاء به المشرّع في الفصل 1 من قانون 1991 وهو مدى جسامة خطأ المدين مع مراعاة الظروف التي أدت إلى عدم التنفيذ[228].

أما المعيار الثاني، فلقد إستنبطه فقه القضاء الذي إعتمد على مدى القدرة المالية للمدين إلى جانب جسامة خطأه[229]. يمكن للقاضي إستنادا إلى سلطته التقديرية أن يلغي الغرامة التهديديّة في الكلّ أو في البعض إذا ما تبين له أن إمتناع المدين عن التنفيذ راجع للقوة القاهرة أو الأمر الطارئ لا لخطأ المدين[230], و هو ما عبر عنه المشرّع الفرنسي ب”السبب الأجنبي” في الفصل 36 فقرة 3« S’il établi que l’inexécution ou le retard dans l’exécution……..provient, en tout ou partie, d’une cause étrangère »

مع العلم أن محكمة التعقيب الفرنسي إشترطت أن يعلل القاضي إلغاؤه للغرامة التهديديّة في صورة إعتداده بالسبب الأجنبي[231].

كما أحالت عبئ الإثبات إلى المدين الذي يدّعي حصوله[232], فلا فائدة ترجي من الضغط على المحكوم عليه مع إستحالة التنفيذ العيّني للإلتزام الأصلي, في هذه الحالة يحكم القاضي بالتنفيذ بعوض.

كما يمكن للقاضي إستنادا لسلطته التقديرية, أن يلغي هذه الغرامة إذا ما أدى المدين ما إلتزم به في أجل معقول ولم يضر بمصالح الدائن.

على هذا الأساس يتمتع القاضي في إطار تصفية الغرامة التهديديّة الوقتية بسلطة تقديرية واسعة لكن ليست مطلقة، فهي تخضع أولا لقاعدة مدى ملاءمة هذه العملية مع خطورة خطأ المدين وإمكانياته المالية, كما تخضع ثانيا لقاعدة عدم جواز إتمام التصفية على أساس مبلغ أرفع من الذي حكم به القاضي الذي و لئن كانت له حرية الترفيع في نسبة الغرامة التهديديّة بالنظر للمستقبل, إلا أنه لا يمكنه تصفية هذه الغرامة فيما إنقضى منها في الماضي على أساس نسبة أرفع من تلك التي حكم بها أول مرة.

أخيرا، تتخذ تصفية الغرامة التهديديّة الوقتية شكل حكم قضائي يتم الإعلام به ويكون قابلا للإستئناف.

الفقرة الثانية: الغرامة التهديديّة النهائية

لجأت المحاكم الفرنسية في بادئ الأمر إلى إحترام الخاصية المؤقتة للغرامة التهديديّة و لكن بمرور الوقت تراجعت نجاعة هذا النظام, فإلتجات المحاكم الفرنسية في سبيل ردع المدين إلى الإمتناع عن تصفية الغرامة التهديديّة ممّا أدى إلى ظهور الغرامة النهائية موازاة مع الغرامة التهديديّة الوقتية[233] (أ). وقد تبنى المشرّع الفرنسي هذا الإتجاه فقنّن أحكام تصفية هذه الغرامة بقانون 1972, (ب).

أ-ظهور الغرامة التهديديّة النهائية

تتجسد الغرامة التهديديّة النهائية في مبلغ من المال يلتزم المدين بآدائه عن كل يوم أو شهر يتأخر فيه عن تنفيذ إلتزامه ويتميز الحكم بها بصفته النهائية فهو غير قابل لإعادة النظر فيها مرة أخرى[234]. لذا فهي بالغة الخطورة إذ بمجرد الحكم بها يستنفذ القاضي كل سلطته في إعادة النظر في تصفيتها[235].

لقد مرت الغرامة التهديديّة القطعية في فرنسا بتطور هام كان الفيصل فيه صدور قانون 5 جويلية 1972.

-المرحلة الأولى قبل صدور قانون 5 جويلية 1972: إرتبطت فكرة الغرامة التهديديّة منذ ظهورها بالمبادئ الأساسية التي إنتهجها واضعوا التقيين المدني في خصوص موضوع المسؤولية المدنية فهي تعد إحدى الوسائل المعتمدة للتحرر من القيود المفروضة عليهم صلب تشريع ينكر الوظيفة الرادعة للتعويض[236].

فالغرامة التهديديّة، إعتبرت نظام يهدف إلى تعويض الدائن ويراعي فيه مدى جسامة خطأ المدين. لقد أثيرت الغرامة التهديديّة النهائية بصفة جدية[237] إثر حكم شهير صدر عن الدائرة الأولى لمحكمة التعقيب الفرنسي بتاريخ 4 نوفمبر1959, خلصت فيه إلى أن “لقضاة الموضوع السلطة التقديرية في إعلان غرامة تهديدية, تحتسب على أساس كل يوم تأخير وتكتسب بصفة قطعية بإضافتها إلى التعويض”

« Une somme calculée par jour de retard et acquise définitivement à titre de supplément de dommages intérêts »

إثر صدور هذا الحكم، إنقسم رجال القانون في فرنسا إلى شقين: شق أول مؤيد للغرامة التهديديّة النهائية على إعتبار أن سمة التأقيت لا تشكل جوهر النظام وطبيعته فهي ليست بأكثر من عنصر تبعي أو عارض فيه. وشق ثاني مناهض لهذه المؤسسة, فالغرامة التهديديّة إجراء قهر لا يمكن الحكم بها بصفة قطعية، فجوهر الغرامة يكمن في صفة التأقيت و إعادة النظر في مقدارها [238].

ويعد الأساتذة مازو و تونك Mazeaud et Tunc زعيما الإتجاه الأول بأن “الغرامة التهديديّة المؤقتة تترك في ذهن المحكوم عليه المماطل الأمل في مراجعتها أو حتى إلغاؤها على أن القاضي يستطيع أن يقدر بأن مقاومة المدين لا يمكن التغلب عليها إلا بغرامة مالية غير تهديدية, غرامة مالية نهائية, يفقد المحكوم عليه بمقتضاها كل أمل في التخلص منها …..ليس من المحتم أن يكون إجراء الإكراه, قابلا لإعادة النظر فيه”[239].

هذا الرأي تبنته أيضا الفقيهة راسات « Rassat » إثر تصريحها بأن “الغرامة التهديديّة النهائية هي الوسيلة الوحيدة الناجعة لعلاج الحالة السيئة لروح المقاومة لدى المتقاضين..”[240].

وعلى عكس هذا الإتجاه يبدو أن غالبية الفقه الفرنسي[241], لم يقر بالصبغة التهديديّة للغرامة النهائية وهو ما حرص الأستاذ فريجافيل “Fréjaville”على بيانه بقوله أن ” الغرامة التهديديّة النهائية تعد عديمة المعنى ذلك أن من طبيعة الغرامة أنها ليست بأكثر من تهديد, تخضع دائما لإعادة النظر في مقدارها إلى حين قيام التصفية النهائية.”

لكن في الوقت الذي تعرض فيه نظام الغرامة النهائية إلى كل هذا الهجوم و النقد قنن المشرّع الفرنسي هذا الإجراء في قانون 5 جويلية 1972 وقانون 9 جويلية 1991 مع تحجير تطبيقها وإعتمده في بعض الميادين[242].

نظرا لمدى الخطورة التي يحتوي عليها هذا الإجراء (عدم إمكانية مراجعة مقدار الغرامة) أحاط المشرّع إصدار الغرامة التهديديّة النهائية بشرطين متلازمين وردا بالفصل 34 من قانون 1991.[243]

يتمثل الشرط الأول، في أنه لا يمكن الحكم بالغرامة التهديديّة النهائية إلا بعد الحكم بغرامة تهديدية وقتية، فالقاضي مطالب بإختبار مقاومة المدين بواسطة غرامة وقتية فإذا لم يتحصل على التنفيذ أمكنه الحكم بالغرامة النهائية.

أما الشرط الثاني، فيتمثل في أن القاضي أصبح مطالبا بتسقيف مدة الغرامة النهائية فلا يمكن أن تكون هذه الغرامة ممتدة إلى ما لا نهاية بما تتراكم معه قيمتها ويصبح المدين عاجزا عن تسديدها. إذا لم يحصل الدائن على التنفيذ حتى نهاية مدة الغرامة يمكن أن يطلب مجددا من القاضي الحكم بغرامة تهديدية وقتية تجيز مدينه على الوفاء.

تجدر الإشارة إلى أنه، في غياب كلا الشرطين أو أحديهما تنقلب الغرامة التهديديّة النهائية المحكوم بصفة آلية إلى غرامة وقتية وتتم تصفيتها بصفتها تلك حسب أحكام الفصل 34 من قانون 1991.[244]

ب-تصفية الغرامة التهديديّة النهائية

لا شك في الأهمية البالغة لإجراء تصفية الغرامة التهديديّة بإعتبار أن تصفية الغرامة هي وسيلة الضغط الحقيقية على المدين أو المحكوم عليه على أساس أن وقوعها بشكل الجزاء الذي يضاعف من فاعلية وقوة التهديدي المالي في إحداث أثره من ناحية ويمثل الجزاء الردعي لعدم التنفيذ من ناحية أخرى[245] .

تتمثل أهم خاصية للغرامة التهديديّة عند التصفية في عدم قابليتها للمراجعة لا الزيادة أو النقصان[246]. فما إن ينطق بها القاضي يفقد المدين أي أمل في مراجعة محتملة[247].

فمجرد القيام بعملية بسيطة, ضرب قيمة الغرامة في كل يوم تأخير يتعرف المدين على القيمة النهائية للغرامة[248]. وهو ما يعكس أخطر سلبيات الغرامة التهديديّة النهائية إذ أن المدين سيصبح بصفة آلية مطالبا بآداء مبلغ من المال يمكن أن يكون مرتفعا جدا أو لا يتناسب و قيمة الضرر الحقيقي الحاصل للدائن جراء التأخير في التنفيذ[249].

هذا الصنف من الغرامة يمكن أو يكون محل تصفية جزئية إن لم يبادر المدين بآداء ما عليه من إلتزامات. كما يمكن أن يكون محل تصفية نهائية إن أذعن المدين للحكم ونفذ إلتزامه أو إذا ما قرر القاضي إلغاء هذه الغرامة[250].

–التصفية الجزئية: التصفية الجزئية للغرامة التهديديّة النهائية تأخذ طابعا نهائيا وليس وقتيا وتكون في حالة ما إذ كان تنفيذ الإلتزام لا يزال ممكنا ولكن بطلب من الدائن يمكن للقاضي إجراء تصفية جزئية بدون قابلية مراجعة لقيمة الغرامة في ما مر من مدة لم يؤد فيها المدين ما عليه. هذا الحكم القاضي بتصفية الغرامة التهديديّة النهائية يعتبر حكما نهائيا يحوز على حجية الأمر ويقبل الطعن بالاستئناف. كما يكون قابلا للإستخلاص بواسطة جميع وسائل التنفيذ الجبري[251].

–التصفية النهائية: يمكن للقاضي اللجوء لتصفية الغرامة النهائية بطلب من الدائن أو المدين و ذلك إما في حالة تنفيذ الإلتزام أو عند حلول الأجل المضروب لنهاية سريان الغرامة[252].

في هذا الصدد يجدر التذكير، بأن القاضي لا يتمتع بأي سلطة تقديرية عند تصفية الغرامة النهائية فلا يمكنه التغيير من قيمتها أو من تاريخ إبتداء إحتسابها أو حتى مدتها، إلا أنه يمكن له إلغاءها إذا ما أثبت المدين أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه خارج عن إرادته وتسبب فيه الدائن أو الغير أو راجع لسبب أجنبي كالقوة القاهرة والأمر الطارئ[253].

هنا تقتصر مهمة القاضي على معرفة حقيقية مأتى عدم التنفيذ لتعليل حكمه، يكون عبء الإثبات على المدعي أي المدين.

مرحلة التصفية تقيم الدليل على خطورة الغرامة التهديديّة النهائية نظرا لعدم إمكانية مراجعتها. فالقاضي لا يمكن له أن يعمل سلطته التقديرية و يأخذ بعيّن الإعتبار الصعوبات التي يلاقيها المدين عند محاولته لتنفيذ الحكم. كما لا يمكنه تدارك خطأ محتمل في تقدير مدى ملاءة المدين و تمنعه عن التنفيذ خاصة وأنه عندما يصدر حكما بالغرامة عادة ما يحدد مبلغا مبالغا فيه لغاية تهديد المدين.

فالغرامة التهديديّة النهائية إجراء يفتقد للمرونة ولا يتناسب وجوهر فكرة التهديد المالي. لهذه الأسباب تجنّبت المحاكم تطبيق هذه الغرامة وأصبحت تستعمل كآخر ملاذ عند تواصل تعنت المدين وتبيان رغبته الواضحة في عدم التنفيذ وبعد أن تعجز الغرامة التهديديّة الوقتية على حمل المدين على التنفيذ.

الفرع الثاني: إختصاص النظر في الغرامة التهديديّة

تظهر مرونة نظام الغرامة التهديديّة من خلال التعرض لمراحلها القضائية التي تجري على مستوين: مرحلة الحكم بالغرامة النهديدية ومرحلة تصفية الغرامة التهديديّة. لكن تحضى كل مرحلة بقواعد إجرائية خاصة بها تتلاءم مع وظيفتها. عليه يتعيّن علينا البحث أولا في إختصاص الحكم بالغرامة التهديديّة (فقرة الأولى) ثم في اختصاص تصفية الغرامة التهديديّة (فقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إختصاص الحكم بالغرامة التهديديّة

إن مسألة تحديد القاضي المختص بالفصل في الغرامة التهديديّة تعد من المسائل الجوهرية في نطاق النظام الإجرائي [254]لمرحلة الحكم بالغرامة التهديديّة (أ) خاصة وأن القاضي يصدر حكما وقتيا (ب).

أ-قاضي إصدار الحكم

قبل تقنين أحكام الغرامة التهديديّة بالقانون الفرنسي, إستقر فقه القضاء على أن الحكم بالغرامة التهديديّة هو من إختصاص قاضي النزاع الأصلي بصفة حصرية وذلك إستنادا على أن القاضي الذي ينظر في الإلتزام محل النزاع الأصلي يتمتع وحده بسلطة تدعيم حكمه الأصلي بغرامة تهديدية كوسيلة لضمان تنفيذه حكمه ومن ثم الحصول على التنفيذ العيّني من قبل المدين المتعنت[255] سواء كان هذا القاضي هو القاضي الإبتدائي أو قاضي الإستئناف.

لم يثر موقف فقه القضاء أي إشكال بخصوص الإختصاص العام للحكم بالغرامة التهديديّة إلا بالنسبة لقاضي الأمور الإستعجالية إذ أنه حسب حكم قديم لمحكمة النقض الفرنسي[256] رفض منحه هذا الإختصاص كما ورد في الحيثية الآتية: “يجب على القاضي الإستعجالي ألا يصدر حكما يمس من موضوع النزاع, ويعتبر متجاوزا لسلطاته إذا أصدر حكما بإلزام أحد الخصوم بدفع مبلغ نقدي عن كل يوم يتأخر فيه عن تنفيذ حكم صادر منه”. هذا القرار لاقى تأييد بعض المحاكم الفرنسية[257] التي علّلت موقفها بإدعاء أن قاضي الإستعجال لا يمكن له إصدار أحكام قضائية بالتعويض وبالتالي لا يمكن له الحكم بالغرامة التهديديّة.

موقف الفقه القضائي لا يستقيم ومردّه الخلط السابق بين الغرامة التهديديّة والتعويض[258], وهو ما تفطنت له محكمة التعقيب الفرنسية فعدلت عن موقفها لما قبلت منح قاضي الإستعجال إمكانية الحكم بالغرامة التهديديّة بموجب حكمها الصادر في عام 1950. وقد تم تجاوز هذا الإضطراب الفقه قضائي بمجرد صدور القانون 71-740 في 9 ديسمبر 1971 الذي منح صراحة الإختصاص القاضي الإستعجالي لضمان تنفيذ أحكامه[259].

لكن صدور القانون عدد 72-626 في 5 جويلية 1972 هو الذي جاء لنزع الخيار بصفة جلية عن مسألة القاضي المختص بإصدار الغرامة التهديديّة و ذلك في الفصل الخامس يمنح هذا الإختصاص إلى حميع القضاة لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة منها.

تدعم هذا التوسيع في الإختصاص، بصدور القانون الحالي للمرافعات عدد 91-650 المؤرخ في 9 جويلية 1991 بالفصل 33 الذي نص أن كل قاضي بإمكانه الحكم بالغرامة التهديديّة لضمان تنفيذ قراره[260]. يمكن الإستنتاج من هذا الفصل أن الغرامة التهديديّة يمكن إصدارها من طرف كل المحاكم سواءا كانت محاكم درجة أولى أو محاكم درجة ثانية[261]. كما أن هذا الإختصاص لا يقتصر على أحد أصناف المحاكم دون غيره إذ أنه يشمل المحاكم المدنية بدوائرها التجارية والجزائية وحتى قضاة المحاكم الإستثنائية[262].

أيضا يمكن للقاضي الفردي تسليط غرامات تهديدية لضمان تنفيذ أحكامه كقاضي التنفيذ الذي منحه الفصل 33 من قانون 1991 إمكانية إسناد غرامة تهديدية حتى لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة عن غيره من القضاة إذا ما إقتضت الظروف ذلك[263].

بناء على هذا, أصبح إختصاص الحكم بالغرامة التهديديّة مشتركا بين قاضي الحكم وقاضي التنفيذ , بحيث يكون لقاضي الحكم الأمر بالغرامة التهديديّة لضمان تنفيذ حكمه بناء لما إرتئاه عند الفصل في أصل النزاع وإن لم ينفذ هذا الحكم يمكن لقاضي التنفيذ وفقا لسلطته التقيدرية إصدار حكم بالغرامة التهديديّة إذا ما كان ذلك ضروريا للحصول على التنفيذ العيّني[264].

لكن ماهي طبيعة الحكم القاضي بالغرامة التهديديّة؟

ب-الحكم بالغرامة التهديديّة مؤقت

طالما كان المقصود من الغرامة التهديديّة تهديد المدين وحمله على التنفيذ, فإن الحكم الصادر بها يكون حكما وقتيا تنتفي علة قيامه متى إتخذ المدين موقفا نهائيا منه، إما بوفائه و إما بإصراره على التخلف على التنفيذ[265].

فالحكم بالتهديد المالي لا يكون حكما نهائيا واجب التنفيذ حتى و لو صدر من محكمة آخر درجة أو كان الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل بل يبقى ساري المفعول يهدد المدين كي يحمله على تنفيذ إلتزامه. فما دام لم يخط خطواته الحاسمة في تنفيذ الإلتزام أو في الإصرار على عدم تنفيذه, فإن مصير الحكم يبقى غير مبتوت فيه[266] .

كنتيجة لطبيعة الحكم بالغرامة التهديديّة نلاحظ إختلافا في الآثار التي يحققها هذا الحكم المؤقت مقارنة بالأحكام العادية الأخرى.

فمن حيث حجية الأمر المقضي: أقرت المحكمة الإبتدائية بتونس في حكمها الصادر بتاريخ 4 أفريل 1964 أن “الحكم بالغرامة اليومية ليس واجب التنفيذ و لا يجوز على حجية الأمر المقضي به إذ أنه حكم تهديدي وقتي قابل للمراجعة”.

هذا النوع من الأحكام لا يتمتع بحجية الأمر المقضي, فالقاضي الذي أصدره ليس ملزما بالتقيّد به و يمكنه إعادة النظر فيه بالتعديل زيادة أو نقصا و ذلك حسب موقف المدين من الحكم الأصلي الذي يتبعه الحكم الصادر بالغرامة التهديديّة. وهو أمر طبيعي فالحكم بالغرامة التهديديّة ليس حكما قطعيا وضع حدا للنزاع في جملته أو في جزء منه إنما هو حكم يمكن تعديله زيادة و نقصا تبعا لمقتضى الحال[267] لأن الغرامة في حد ذاتها ليست غاية بل وسيلة للحصول على التنفيذ العيّني.

–من حيث إستنفاذ ولاية القاضي: مبدئيا تستنفذ المحكمة ولايتها إزاء النزاع الذي فصلت فيه فلا تملك الرجوع في الحكم أو تعديله و يترتب هذا الأثر من وقت النطق بالحكم و لكن توجد حالات تمثل إستثناء لهذه القاعدة العامة تملك فيها المحكمة إمكانية الرجوع في حكمها لتتناوله بالتصحيح أو بالتعديل أو بتكملة قضائها فيما قدمه إليها الخصوم ومن بين هذه الحالات حالة الحكم بالغرامة التهديديّة ,فالقاضي الذي أصدره يجعل ما قضى به متناسبا مع موقف المدين من تنفيذ الإلتزام الأصلي[268]. لكن للعمل بهذا الإستثناء يجب أن يكون القاضي الذي أصدر الحكم بالغرامة التهديديّة لم يستنفذ ولايته في خصومة الإلتزام الأصلي

-من حيث جواز الطعن المباشر: الحكم بالغرامة التهديديّة لا يقبل الطعن المباشر ولا يقبل الطعن بالإستثناء و لا بالنقض إذا كان ذلك بمناسبة الطعن في الحكم الصادر في موضوع الإلتزام الأصلي وذلك تطبيقا للقاعدة العامة من قانون المرافعات التي تقضي بأنه لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ينتهي بها المزاع إلا بعد صدور حكم نهائي يفصل كامل النزاع فلا يمكن الطعن إلا في ذلك الحكم وليس في الحكم الذي يفصل في جزء من الخصومة الأصلية أو في مسألة عارضة عليها.

– مدى قابلية التنفيذ الجبري :إمكانية إستفاء الدين المتأتي من الغرامة التهديديّة قبل تصفيتها يمنح هذه الوسيلة نجاعة قصوى وذلك لما يحتوي عليه من ضغط متزأيد على إرادة المدين لحمله على تنفيذ ما التزم به[269].

ونظرا للطبيعة الخاصة للتهديد المالي و الحكم الصادر به إختلف الفقه والقضاء في مدى صلاحية الحكم بالغرامة للتنفيذ الجبري والمعلوم أن إتخاذ هذه الإجراءات لمواجهة المدين المماطل تستلزم دينا محقق الوجود ومعيّن المقدار و حال الآداء في حين أن دين الغرامة التهديديّة إحتمالي معلق على شرط[270].

لقد تبنت المحكمة الإبتدائية بتونس هذا الإتجاه صلب حكمها المؤرخ في 4 أفريل 1964 بأن إعتبرت “…إن كان من المبادئ المسلمة عدم قابلية الغرامة اليومية للتنفيذ فإنه من المتعيّن على الدائن إذا لم تؤد الغرامة التهديديّة إلى نتيجة إيجابية الإلتجاء إلى الحاكم لتحويلها إلى تعويض نهائي بعد تعديلها[271]“.

على هذا الأساس, خلصت المحكمة إلى أن الحكم بالغرامة التهديديّة هو حكم تهديدي وقتي و لا يحوز على حجية الأمر المقضي كما إعتبر أيضا الأستاذ الشافعي أن مقدار الغرامة التهديديّة الوقتية عادة ما يكون مبالغا فيه من طرف القاضي مما يضر من مصالح الدائن نفسه[272].

أما القانون الفرنسي، فقد إعتبر المشرّع في قانون 1991 بالفصل 5 منذ أنه قبل التصفية لا يمكن اللجوء إلى وسائل التنفيذ الجبري[273]. لكنه أقرّ إمكانية حماية الدائن من عجز المدين وعدم قدرته على دفع قيمة الغرامة بعد التصفية بإتخاذ إجراءات تحفظية فأجازت تطبيق العقلتان التحفظية والتوقيفية سيما أنهما لا تستوجبان أن يكون الدين صحيحا و معيّن المقدار وواجب الآداء[274].

الفقرة الثانية : إختصاص تصفية الغرامة

نظرا لأهمية مرحلة التصفية ودقتها، يجب تحديد القاضي المختص بالتصفية (فقرة أولى) خاصة وأن هذا الإختصاص قد شهد عدة تطورات. كما يجب التعرض في مرحلة لخصوصية الحكم بالتصفية (الفقرة الثانية).

أ-قاضي التصفية

خضعت قواعد الإختصاص بتصفية الغرامة التهديديّة في القانون الفرنسي إلى عدّة تغيرات و تطورات عبر الزمن مما جعل منها في البداية مسألة كثيرة التعقيد[275].

فلقد إستقر القضاء الفرنسي منذ اللجوء لتطبيق الغرامة التهديديّة و حتى قبل تقنينها بموجب قانون 1972 ، على إعتماد مبدأ التلازم بين قاضي الحكم بالغرامة وقاضي التصفية[276], أي أنه يتوجب على القاضي الذي أصدر حكم بالغرامة التهديديّة أن يختص بتصفيتها وذلك للإعتقاد السائد آنذاك أن القاضي الأجدر بتحديد القيمة النهائية للغرامة المسلطة على المدين المماطل هو القاضي الذي إعتمد هذه الوسيلة التهديديّة دون غيره. تدعم هذا الإتجاه القضائي مع صدور قانون 5 جويلية 1972 الذي أكد في الفصل 7 منه على بدأ التلازم بين قاضي الغرامة و قاضي التصفية[277] ومرد ذلك الخلط بين الغرامة التهديديّة والتعويض إذا اعتبر المشرّع أن مرحلة التصفية تتصل بالتعويض عن الضرر اللاحق بالدائن وهو ما يستدعي النظر في طلب التصفية على أنه طلب جديد في التعويض وليس مجرد منازعة مرفوعة بخصوص تنفيذ الحكم القاضي بالغرامة[278].

من هذا المنطلق فإن سلطة التصفية يتمتع بها نفس القاضي الذي بيده سلطة تفسير القرار القاضي بتسليط الغرامة وتحديد طبيعتها وطرق إحتسابها وكان لهذا التوجه بعض الإيجابيات من أهمها:

-عدم إختصاص قضاة الإستئناف بتصفية الغرامات التي حكم بها قضاة الدرجة الأولى إلا أنهم يبقون مختصين بتصفية الغرامات التي حكموا بها أصالة.

-القاضي الإستعجالي غير مختص بتصفية الغرامات التي حكم بها غيره من القضاة.

لكن بالرغم من أن هذا الإتجاه يبدو مبنيا على أسس منطقية, فهو يشكو عدة نقائص، أهمها إلزام الدائن بالمثول أمام نفس المحكمة التي أدلت بالحكم حتى ولو كان النزاع مثلا أمام محكمة الدرجة الثانية وهو ما يثقل كاهن الدائن و يزيد من تعقيد إجراءات التصفية كما يبطئ من سرعتها[279].

هذا ما جعل المشرّع يتدارك بسرعة هذا النقص من خلال تنقيح الفصل 7 من قانون 1972 بموجب القانون عدد 596-75 الصادر في 9 جويلية 1975 وذلك بحذف عبارة القاضي الذي حكم بالغرامة و إستبدالها بكلمة القاضي دون تحديدها[280] .

فبموجب هذا التنقيح, أجاز المشرّع تصفية الغرامة من أي قاضي حتى ولو لم يكن هو الذي حكم بها.

لكن لم تتوقف إجتهادات المشرّع إلى هذا الحد بل واصل في تعصير إجراءات تصفية الغرامة التهديديّة وذلك من خلال إسناد إختصاص تصفية الغرامة لمؤسسة قاضي التنفيذ عبر قانون المرافعات الجديد وقانون 9 جويلية 1991 حسب الفصل [281] 35 الذي ينص أنه” تجري تصفية الغرامة التهديديّة ولو كانت نهائية من قاضي التنفيذ إلا إذا كان القاضي الذي حكم بها لا يزال ينظر في موضوع النزاع الأصلي أو قرر صراحة في الحكم الصادر الإحتفاظ لنفسه بسلطة تصفيتها”.

على هذا الأساس، إستحدث المشرّع قاعدة جديدة لم تكن موجودة من قبل تختلف تماما مع مبدإ التلازم بين قاضي الغرامة وقاضي التصفية وإن كان لم يتجاهل إعمال هذا المبدأ بصفة مطلقة. فلقد إرتأى لنجاعة عملية التصفية يجب أن تعرض أمام قاضي يسهل اللجوء إليه، لذلك أسند هذا الإختصاص لقاضي التنفيذ الذي يسهل، عليه بحكم إختصاصه، تنفيذ جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الأخرى أو حتى التي أصدرها[282].

كنتيجة لتطبيق الفصل 35 يختصّ قاضي التنفيذ بتصفية الغرامة التهديديّة الصادر عنه أو حتى عن أي قاضي ولو كان القاضي الإستعجالي[283]، ويتمتع عندها بسلطة مطلقة في تحديد المقدار النهائي للغرامة بالترفيع أو التخفيض منها أو حتى إلغاؤها إذا إقتضى الأمر ذلك، مما يعني أن منطوق الحكم بالغرامة لا يلزمه. إلا أن المشرّع قد أورد إستثناء على هذه القاعدة بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 35 يتحدد في حالتين لا يختص فيهما قاضي التنفيذ بتصفية الغرامة وإنما يختص بذلك القاضي الذي أصدر الغرامة تتمثل الحالة الأولى فيما إذا كان القاضي الذي حكم بالغرامة لا يزال ينظر في القضية ولم يصدر حكما فاصلا في موضوع النزاع الأصلي، أما الحالة الثانية فتتجسد فيما إذا قرر قاضي الغرامة صراحة عند حكمه بها الإحتفاظ بسلطة تصفيتها.

في نهاية المطاف، نستنتج أن المشرّع الفرنسي حاول أن يوفق بين أحكام قانون 1972 التي تعتبر ذات أسس صلبة ومنطقية بإسنادها إختصاص التصفية للقاضي الذي أصدر الغرامة أصلا وبين أحكام قانون 1991 التي تخدم مصالح المواطنين وتبسط إجراءات التصفية بإسناد هذا الإختصاص لقاضي التنفيذ.

ب-حكم التصفية حكم نهائي

لا شك في الأهمية البالغة لإجراء تصفية الغرامة التهديديّة بإعتبار أن تحديد مقدارها النهائي يضاعف من فاعلية ونجاعة الغرامة في إحداث نتائجها المرجوة أي الحصول على التنفيذ العيّني وذلك لما تحتويه في ذات الوقت من جزاء ردعي لعدم التنفيذ أو التأخير المتعمد فيه[284].

لذا يلجأ الدائن لطلب تصفية الغرامة من قبل القاضي للحصول على الغرامة النهائية عن طريق حكم التصفية وهو حكم نهائي يعتبر من الأحكام القضائية التي يتصل بها القضاء[285], أي أنه غير قابل لإعادة النظر فيه مرة أخرى بغير طرق الطعن المقررة قانونا فهو بذلك قابل للإستئناف. أيضا بإعتبار أن حكم التصفية هو حكم نهائي يتم من خلاله تحويل الحكم الذي كان يقضي بمبلغ إحتمالي أوشرطي غير قابل للتنفيذ[286] إلى حكم محقق الوجود و معيّن المقدار[287].

أي حكم تتوافر فيه شروط التنفيذ الجبري و ذلك إثر انقلاب الغرامة التهديديّة إلى دين حال وثابت تجوز المطالبة به من وقت التصريح به كما أنه لا يثير أي نوع من إشكالات التنفيذ[288].

إضافة إلى ذلك وكنتيجة مباشرة لكون الحكم بتصفية الغرامة التهديديّة هو حكم نهائي بدين حال وثابت، فإنه يصبح مولدا الفوائض القانونية إنطلاقا من يوم التصفية.

على هذا الأساس بعد الإنتهاء من تبيان الجوانب الإجرائية للغرامة التهديديّة، نستنتج أن الهدف من الحكم بالغرامة في مرحلة أولى ثم الإلتجاء إلى تصفيته في مرحلة ثانية لا ينجر عنه الحكم بغرامة تعويضية بل الحكم بعقوبة مالية Sanction pécuniaire ترمي لتجسيد التهديد المسلط من طرف القاضي على المدين المتقاعس وهو ما يدعو إلى الخوض في القيمة العملية للغرامة التهديديّة.

الفصل الثاني : القيمة العملية للغرامة التهديديّة

لقد إبتدعت المحاكم نظام التهديد المالي أو الغرامة المالية لمواجهة مماطلة المدين. فهي تمكن الدائن بمؤازرة القضاء من الحصول على حقه في التنفيذ العيّني رغم إرادة مدينه.

هذا يرجع لنجاعة الغرامة التهديديّة التي تمثل وسيلة ضغط خاصة عند النطق بها لتتحول إلى عقوبة خاصة إثر تصفيتها.

هذه الطبيعة المزدوجة أثارت نقد بعض المناهضين لهذه المؤسسة مما يدعونا في مرحلة أولى إلى تقييم هذه المؤسسة (الفرع الأول).

لكن لا يجب أن يفوتنا التعرض لموقف القانون الفرنسي في هذا الإطار (الفرع الثاني) لدراسة الوضع الحالي و فتح آفاق لتطويرها.

الفرع الأول : تقييم الغرامة التهديديّة

طبقت الغرامة التهديديّة منذ أواخر القرن 18 عشر إلى حد الآن من طرف المحاكم الفرنسية كما طبقت أيضا طوال هذه المدة من طرف المحاكم التونسية بالرغم من غياب نص خاص ينظمها، مما يدل بصفة جلية على نجاعة هذه الغرامـة (فـقـرة أولـى) غير أنه وبالرغم من هذا النجاح الباهر ,إنتقدت الغرامة التهديديّة من بعض مناهضيها (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : نجاعة الغرامة التهديديّة

يعتمد القاضي على الغرامة التهديديّة كوسيلة غير مباشرة لضمان التنفيذ العيّني. فنظرية التهديد المالي قد أثبتت نجاعتها في مرحلة الحكم بها لكونها وسيلة ضغط خاصة (أ) أو عند اللجوء إلى مرحلة التصفية بإعتبارها عقوبة خاصة (ب).

أ-وسيلة ضغط خاصة

لا يكاد يخلو أي تعريف للغرامة التهديديّة من التركيزعلى خاصية التهديد أو الضغط بهذه المؤسسة[289] La fonction comminatoire .

فلقد أجمع الفقهاء أن أهم ما يميز الغرامة هي خاصية التهديد,

“le trait majeur de l’astreinte est son caractére comminatoire”[290]

فالجانب الردعيcoercitif يعتبر جوهر الغرامة، لأنها تهدد بعقوبة مالية تسلط ضد المدين إذا ما لم يمتثل لأمر القاضي و لم ينفذ إلتزامه و لا تخضع في إحتسابها إلا لسلطته التقديرية.

كما أقر أيضا فقه القضاء هذه الخاصية و هو ما يظهر من خلال قرار محكمة التعقيب الذي جاء فيه “الغرامة اليومية هي وسيلة تهديد متميزة تماما عن الخسارة والغاية منها التغلب على مقاومة المدين و حمله على تنفيذ ما حكم به.”[291]

هذه الصبغة التهديديّة الصرفة أقرتها محكمة التعقيب التونسية منذ وقت مبكر في قرارها المؤرخ في 8 فيفري 1922 [292].

فالغرامة التهديديّة ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة تهدف إلى الضغط على المدين المماطل عمله على تنفيذ ما التزم به[293].

مما يزيد من نجاعة الغرامة كوسيلة تهديد، هو خاصيّتها التحكيمية فالقاضي يستطيع أن يزيد في مقدارها كلما ترآى له عدم إكتراث المدين بها. ذلك لأنها ليست مجعولة لتعويض ضرر التأخير أو ضرر عدم التنفيذ. هذا الضرر مستقل الموضوع، من أجل ذلك ترك للقاضي حرية التصرف في الغرامة التهديديّة بما يتفق مع موقف المحكوم عليه في خصوص التنفيذ وقدراته المالية[294]. فإذا لم يكفى المبلغ المحدد بداية للتغلب على عناد المدين , جاز للقاضي الترفيع فيه بإصدار حكم ثاني أو حتى حكم ثالث وذلك لأن الحكم القاضي بالغرامة لا يتمتع بحجية الأمر المقضي[295].

لكن كي تشكل الغرامة المالية تهديدا حقيقا وجديا يجب أن تعرض المدين لدفع مبلغ من المال أكثر قيمة من مبلغ التعويض في حالة إذا ما إمتنع نهائيا عن التنفيذ[296]. فالغرامة التهديديّة تحمل في طياتها خصائص وظيفية مستمدة من وراء الغرض الذي تهدف إلى تحقيقه من خلال الحكم الصادر بها . فهي وسيلة إجبار غير مباشرة ترد على ذمة المدين المالية للتغلب على عناده حتى يحمل على تنفيذ إلتزامه عيّنا[297].

فبمقارنتها مع وسائل الضغط الخاصة, التعاقدية منها كالشرط الجزائي والشرط الفاسخ أو القانونية كحق الحبس أو مؤسسة الدفع بدعم التنفيذ , نستنج أنها أكثر نجاعة أولا نتيجة لطابعها الشخصي فهي تنطق إذا ما إرتأى القاضي ذلك حتى ولو لم يطلب منه الدائن, فحسب ظروف القضية وملابساتها يحكم بها من عدمه. ثانيا لصبغتها التحكيمية فمقدار الغرامة ومدّة سريانها لا يخضع لإرادة الأطراف بل للسلطة التقديرية للقاضي بإعتماد مدى مماطلة المدين . أيضا يمكن للقاضي تعديلها بالزيادة أو النقصان منها أو حتى إلغائها وعادة ما يسارع المدين إلى تنفيذ إلتزامه خشية تفاقم مبلغ الغرامة قبل إنقضاء مدة الأجل الممنوح للتنفيذ فلا يمر القاضي إلى مرحلة تصفية الغرامة حيث يصبح مبلغ الغرامة عقوبة خاصة.

ب-عقوبة خاصة

إن الوظيفة التهديديّة للغرامة اليومية لن تكون ذات أهمية ما لم تكن متبوعة بعقاب لردع المدين وإخافة الآخرين[298].

فهي عقوبة خاصة وجدت من أجل مجازاة شخص إرتكب خطأ في حق شخص آخر, سيؤول لهذا الأخير مبلغ الغرامة المحكوم بها وهي مختلفة عن التعويض الذي لا يهتم إلا بالضرّر. فحسب قول الفقيه هوقني[299] « Hugueny » “هدف التعويض هو جبر جرح سابق, أما هدف العقوبة الخاصة فهو إحداث جرح جديد”.

العقوبة الخاصة تجد أساسها في توجيه جزاء ضد شخص من جهة وإرضاء لشخص آخر من جهة أخرى , حتى لا تكون لديه الرغبة في الإنتقام وردّ العدوان على من يصدر منه الخطأ. فالقاضي عند إصداره الحكم بالغرامة كعقوبة يستند إلى وجود إلتزام أصلي أو حكم بإلتزام أصلي لضمان تنفيذه مما يعني أنها عبارة عن أمر صادر ضدّ المحكوم عليه لتنفيذ حكم الإلتزام الذي تبعه وإلا عوقب بمقتضى الغرامة.

ذلك على أساس أن القاضي حينما يصدر حكما بالغرامة التهديديّة فهو يصدر أمرا مجردا من العقاب عند صدوره, فيقتصر دوره في البداية على مجرد التهديد بتوقيع الجزاء , فإذا نفذ المحكوم عليه الحكم الأصلي في الأجل المحدد له إنتهى الأمر عند هذا الحد بالتالي يكون التهديد قد أنتج أثره المرجو , أما إذا لم ينفذ المحكوم عليه الحكم الأصلي , يتحول مجرد التهديد إلى عقوبة خاصة لعدم التنفيذ[300]. مع العلم أن “العقوبة الخاصة هي “عقوبة” لأن الهدف منها ليس التعويض وإنما إلحاق الضرر بالمسؤول لمعاقبته, وهي خاصة لأن الضرر الذي يلحق بالمسؤول يتحول إلى مزية ينتفع بها المتضرر”[301].

لكن عديد من الفقهاء إنتقد تكييف الغرامة التهديديّة كعقوبة خاصة لأنها تتنافى ومبدأ الشرعية الذي يقتضي أن يعاقب الشخص إستنادا إلى نصّ سابق الوضع[302].

غير أن الغرامة التهديديّة لا يمكن أن يوجه إليها هذا النقد لأنها تعاقب عدم إنصياع المتقاضي لقرار المحكمة الذي هو على علم به[303]. فالمدين على علم بالخطأ الذي أقدم عليه و العقوبة التي ستفرض عليه في صورة التأجيل أو عدم التنفيذ. فالحكم بالغرامة غير مخالف لمبدأ الشرعية الذي يفترض أن تتطابق معه كل العقوبات سواء كانت العقوبة مدنية أو جزائية[304] .

من جهة أخرى, القول بأن قاعدة لا عقوبة بدون نص [305] تنطبق في المادة المدنية لا يعني أنها تنطبق بنفس الدرجة, فالطبيعة المدنية للعقوبة الخاصة تضعها في منزلة وسطى بين القانون المدني و القانون الجزائي مما يمكن من تخفيف صرامة هذا المبدأ[306]. ناهيك أن العقوبة الخاصة لا تكون بأية حال جسدية أو محددة للحرية فطبيعتها المالية تمثل سمتها الأساسية فحتى القانون الجزائي نفسه تخلى عن هذه الصرامة وأضفى مسحة من المرونة في بعض فروعه التّقنية كحماية البيئة أو حماية المستهلك حيث لم تتطور فروع هذا القانون إلا بتجاوز قاعدة النص السابق والتخلي عن قاعدة التأويل الضيق للقاعدة القانونية وذلك لطبيعة هذه المادة[307] .

فلا يعقل التمسك بمبدأ لا عقوبة بدون نص بهذه الصرامة في حين أن القانون الجزائي قد تجاوزه في بعض فروعه. فالأولى إضفاء بعض المرونة على تطبيق أحكام المدني بالتالي ليس لزاما ذكر المشرّع كافة الأخطاء التي تفرض على مرتكبيها عقوبة خاصة بل يجب على القاضي أن يساهم هو الآخر في تحديد هذه الأخطاء ومن ثم تسليط العقوبة المناسبة لها.

لكن يبقى السؤال مطروح لمإذا ثار كل هذا الجدل الفقهي بخصوص شرعية الغرامة التهديديّة كعقوبة خاصة و لم يثر بشأن شرعية الشرط الجزائي مع أنه يفتقد هو الآخر لأساس قانوني وعادة ما يدرجه الأطراف صلب عقودهم ؟

الفقرة الثانية :النقد الموجه للغرامة التهديديّة

بالرغم من النجاعة الثابتة للغرامة التهديديّة إنتقد جانب من الفقه هذه المؤسسة فهي حسب رأيهم خطيرة(أ)كما أنها تثرى الدائن مع إنعدام السبب(ب).

أ-خطورة الغرامة

وجهت للغرامة التهديديّة عدة إنتقادات إذا إعتبر بعض الفقهاء[308] أنها مؤسسة خطيرة وذلك إستنادا إلى عدة إعتبارات.

فلقد منحت كافة المحاكم سلطة الحكم بالغرامة التهديديّة على إختلاف درجاتها فحتى القاضي الإستعجالي يمكن له الحكم بالغرامة حتى و لو كانت غرامة تهديدية نهائية أي لا تقبل مراجعة مقدارها. على أنه ما يلفت الإنتباه فعلا هو ترك الحرية المطلقة (يستوي في هذا قاضي أول درجة, أو قاضي الإستئناف, أو قاضي الأمور المستعجلة ) في تطبيق هذا النظام في الدعاوي المرفوعة دون قيد يمنعه فحتى أن طلب الدائن منه فرض غرامة تهديدية على المدين المماطل فإنّه يمتلك سلطة الحكم بها من عدمه.

أيضا يعاب على الغرامة التهديديّة النهائية عدم إحترامها لمبدأ التقاضي على درجتين, إذ أن الحكم الصادر بالغرامة التهديديّة هو حكم نهائي أي أن المدين لن يتمكن من المماطلة لمراجعة مقدار الغرامة لكن غالبا ما يأتي هذا الحكم معيبا نتيجة قصور في البحث أو تغير في ملابسات القضية .

إذ أنه ليس كل تأخير في التنفيذ راجع لسوء نية المدين . كما أن القاضي ليس أكثر من إنسان تحكمه أخطاء بشرية , فهو لا يحيط دائما بكافة المشاكل التي تنتج إثر التأخير في التنفيذ , فليس من اليسير عليه في كل الظروف الإلمام بملابسات القضية والتيقن من الحقيقة .

ذلك يتطلب منه تقصي حقيقة الظروف التي يمر بها المدين وإستعراض جميع الوقائع والملابسات المادية والمعنوية المحيطة بعدم التنفيذ , بالتالي عادة ما يكون المبلغ الذي يحدده القاضي مبالغا فيه لغاية تهديد المدين و جبره على التنفيذ. على هذا الأساس تمثل الغرامة التهديديّة الوقتية الإجراء الوحيد الذي يمكن أن يتلائم مع أهداف التهديد المالي. كما أنها الطريقة المثلى لتجنب الأضرار و التعسفات التي قد تنشأ عن الحكم النهائي الذي لا يمكن إلغائه أو حتى مجرد تخفيضه .

أعيب أيضا على الغرامة التهديديّة، تجاوز مبدأ مواجهة الخصوم الذي قننه أغلب التشريعات الحديثة[309], والذي يفيد سماع الطرف المقابل وذلك إستنادا لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إذا تقاضى إليك رجلان فلا تصغي للأول حتى تسمع كلام الآخر”. هذا المبدأ يقتضي أن جميع الإجراءات ينبغي إعمالها في مواجهة الخصوم بحيث يعلمون بها[310].

فلقد ورد بالفصل[311] 70 م.م.م.ت وجوب أن تنص عريضة الدعوى على وقائع الدعوى وأدلتها و طلبات الخصوم و أسانيدها القانونية هو ما يمنع القاضي من إضافة طلبات جديدة. هذا ما إنتهجته محكمة التعقيب في عدة قرارات من بينها القرار عدد 10430 المؤرخ في 11 فيفري 1985 ” على القاضي أن يلتزم في حدود الوقائع الثابتة و حدود طلبات الخصوم و لا يطبق إلا القاعدة القانونية اللازم إعمالها”.

على هذا الأساس نستنتج إعمالا لهذا المبدأ أن الطلبات لا يجب أن تكون مقدمة إلا من طرف الأطراف لا من طرف القاضي عكس ما كرسه فقه القضاء في الغرامة التهديديّة.

للتخفيف من حدة النقد الموجهة للغرامة, إقتضت محكمة التعقيب الفرنسي في قرارها المؤرخ في 21 مارس 1979 أنه “تستطيع المحاكم حتى من تلقاء نفسها, أن تقضي بغرامة تهديدية نهائية, بهدف تأمين تنفيذ أحكامها, فإن القضاة الذين يتمتعون وفق هذا المفهوم بسلطة تقديرية عليهم أن يدعوا الأطراف مسبقا لإيضاح مواقفهم”[312].

يقتضي المبدأ في نطاق الغرامة التهديديّة أن ينبه القاضي الأطراف وخصوصا الطرف المدين وهو ما يتحقق دائما على مستوى التطبيق.

على كل, يبقى هذا النقد دون فائدة عملية تذكر خاصة بعد منح القاضي الفرنسي سلطة إصدار الغرامة بمقتضى نص تشريعي.

ب-الإثراء بدون سبب

لعل أهم مأخذ قدمه الفقه المناهض للعقوبة الخاصة, إعتبارها مصدرا للإخلال بين الذمم أي مصدرا لإثراء المتضرر بدون سبب على حساب المحكوم عليه . فهي تمكن المتضرر من أن يصبح في وضع أحسن مما هو عليه لو لم يلحقه الضرر [313].

الغرامة التهديديّة لكونها عقوبة خاصة، تتنافى ومبدأ قانوني أساسي مفاده أن ليس للإنسان أن يثري على حساب شخص ثاني دون سبب شرعي. إذ أن عمل المحاكم التونسية والفرنسية على حد السواء جرى على تمكين الدائن من إستيفاء مبلغ الغرامة اليومية إثر تصفيتها مع ما يستحقه من تعويض جراء التأخير أو الإمتناع النهائي عن التنفيذ[314] .

هذا النقد الموجه للغرامة التهديديّة أثّر حتى في المدافعيّن عنها من ذلك موقف الفقيه ستارك « STARAK » , أحد مؤسسي مفهوم العقوبة الخاصة، حيث إعتبر أن مقدارها لا يجب أن يتجاوز مقدار الضرر حتى لا تكون أساسا لإثراء المتضرر[315].

يبدو هذا الرأي مقنعا للوهلة الأولى , لكن سرعان ما يظهر عليه ما يوهنه عند التمعن في أسس نظرية الإثراء بدون سبب[316] التي تفيد أن فكرة العدالة تفرض أن لا يثري الإنسان على حساب غيره. فلقد إهتم المشرّع التونسي بهذه النظرية ونظّمها من خلال الفصول 71 و 72 و 80 م.إ.ع ضمن الباب الثاني من المقالة الثانية تحت عنوان ” في الإلتزامات الناشئة مما يشاكل العقد” .

إستنادا إلى هذه الفصول يرتكز مبدأ الاثراء بدون سبب على أربعة شروط متلازمة[317]:

1-إثراء و تفقير متزامنين للطالب و المطلوب

2-غياب المصلحة في جانب من وقع إثراءه

3-غياب الخطأ في جانب من وقع تفقيره

4-غياب سبب صحيح للإثراء

سنحاول البحث عن مدى توفر هذه الشروط في الغرامة التهديديّة.

إن عدم الوفاء بالإلتزام الأصلي كان بمحض إرادة المدين إثر إرتكابه خطأ إمّا بسبب التأخير في التنفيذ أو عدمه بالتالي ليس له أن يدفع بأنّ الغرامة التي صدرت ضده أدت إلى تفقيره وإثراء الدائن على حسابه . ليس له أن يحتج على أساس خطأ إقترفه.

أيضا إرتكب المدين هذا الخطأ بمحض إرادته, فإذا ما تبين للقاضي أن التأخير أو عدم التنفيذ راجع لسبب خارج عن إرادته كالقوة القاهرة أو الأمر الطارئ يمكن للقاضي بموجب سلطته التقديرية إلغاء الغرامة عند مرحلة التصفية .

كما لا يمكن الإدّعاء بأن إثراء المتضرر كان بدون سبب صحيح ذلك أنه يجد أساسه في قرار المحكمة . و هو ما ذهب إليه الفقيه شابا[318] « Chabas » الذي إعتبر بأن إثراء الدائن ليس عديم السبب إذ أنه ناجم عن الحكم القضائي الصادر ضده.

على هذا الأساس، تفتقر الغرامة التهديديّة للأركان التي تتأسس عليها دعوى الإثراء بدون سبب مما يحول دون إعتبارها صورة للإثراء بدون سبب بالمعنى القانوني . مما دعى بالبعض إلى إعتبارها صورة لإثراء غير عادل إستنادا لقواعد الإنصاف[319] .

على سبيل المثال أقرّ الأستاذ مازو”Mazeaud” من جهته بأن سبب إثراء الدائن يمكن في خطأ المدين, لكنه نفى أي مبرر لتمكين الدائن من إستفاء مبلغ الغرامة التهديديّة الذي يهدف فقط لمساعدة القاضي على ضمان تنفيذ أوامره ، وإقترحوا أن تستوفي الغرامة اليومية في شكل عقوبة مالية عامة لفائدة خزينة الدولة بإعتبارها المتضررة الأولى من عدم التنفيذ نظرا لما ينجر عنه من عدم إستقرار للعلاقات التعاقدية مما يعكر صفو النظام العام التعاقدي .

تبنى مشروع قانون 5 جويلية 1972 المنظم للغرامة التهديديّة حلاّ وسطا يجمع كل هذه الآراء وذلك بأن يقع إقتسام محصول هذه الغرامة بعد التصفية بين الخزينة العامة والدائن مناصفة . إلا أنه وقع العدول عن هذه الصياغة بسبب معارضة مجلس الشيوخ الفرنسي بحجة أن الدائن لن يلتجأ أبدا إلى طلب التصفية إذا كان سيقتسم المحصول مع خزينة الدولة وإعتمدت في النهاية صيغة تبقي على مبلغ الغرامة بعد التصفية كاملا من حق الدائن .

نفس هذا الحل إعتمدته المحاكم التونسية يظهر ذلك من خلال أعمال المحكمة الإبتدائية بتونس في حكمها المؤرخ في 4 افريل 1964 [320] ” إذا لم تؤدي الغرامة المالية إلى نتيجة إيجابية , على الدائن الإلتجاء إلى الحاكم لتحويلها إلى تعويض نهائي بعد تعديلها أو الإضافة إليها وفق ما تتجلى الحالة النهائية على ضوء ما أصاب الدائن من الضرر الناجم عن عدم الوفاء و يراعي في تقدير التعويض النهائي بالإضافة إلى عناصر التعويض العادي العنت والإصرار وعدم الإمتثال” .

يتضح من موقف هذه المحكمة نيّتها منح الدائن إلى جانب التعويض مبلغ الغرامة التهديديّة.

يبقى الحل الأمثل في هذا السياق هو منح مبلغ الغرامة للدائن إثر تصفيتها لا منحها لخزينة الدولة كي لا تتحول إلى عقوبة عامة « Sanction public » كما إقترحه جانب من الفقه[321] فلا سبيل لتخيير مدين متقاعس على حساب دائن همه الوحيد إنصافه في إطار القانون.

إلا أنه يجب على قضاة الأصل حسن إستعمال هذه العقوبة الخاصة وذلك بإعمال حسن لسلطتهم التقديرية عند ضبط مبلغ الغرامة التهديديّة بمراعاة مدى إصرار المدين على عدم التنفيذ أو الظروف التي أدت به التأخير فيه وقدراته المالية لتلافي إثراء غير منصف للدائن بعدم إقرار غرامات هائلة ومشطة . يكمن الحل في إعتماد مبدأ التناسب بين الخطأ و مقدار الغرامة .

على أية حال يجب أن لا يستعمل القاضي الغرامة ” كالدجاجة التي تبيض ذهبا[322] فلا يقبل التنفيذ بالعوض أو الفسخ مع التعويض و يتعسف في طلب التنفيذ العيّني لا لشيء إلا بغاية تحصله على أحكام بتصفية غرامة تهديدية هامة .

بعد الإنتهاء من إبراز القيمة العملية للغرامة التهديديّة ودحض النقد الموجهة إليها في مرحلة أولى، سنحاول تسليط الضوء في مرحلة ثانية على مكانة الغرامة التهديديّة في القانون التونسي .

الفرع الثاني: موقف القانون التونسي

لجأت المحاكم لتطبيق الغرامة التهديديّة حتى بعد إلغاء سندها القانوني وذلك لنجاعة هذه المؤسسة. لكن لا يمكن الطعن في شرعية هذه الغرامة إذ أن النطق بالغرامة التهديديّة من طرف القاضي يعتبر من أحد صلاحياته التي يجب الإعتراف بها على أساس ما يتمتع به من سلطة الأمر.

علاوة على ذلك, يمكن إعتماد بعض النصوص الخاصة للدلالة على أن المشرّع لا يرفض هذه التقنية وهو ما يمثل الوضع الحالي لتطبيق الغرامة ( الفقرة الأولى) إلا أنه حتى في غياب أساس قانوني يمكن القول أن أحكام القانون المدني لا تتعارض مع تقنية الغرامة التهديديّة لكن هذا لا يمنع من المنادة لضرورة تقنينها ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: الوضع الحالي

بالرغم من تطبيق المحاكم للغرامة التهديديّة, تفتقد هذه الأخيرة لنص عام ينظّمها. إلا أنه يمكن إستنتاجها بالتمعن في بعض النصوص القانونية الخاصة (أ). كما أن مشروعية النطق بها من طرف المحاكم لا تطرح أي مشكل إستنادا لسلطة القاضي في الأمر (ب).

أ-ندرة النصوص القانونية الصريحة

لم ينظم المشرّع أحكام الغرامة التهديديّة بصفة صريحة بل إكتفى بالتلميح إليها ضمن بعض النصوص المتفرقة التي يصعب تجميعها. لعل بعض هذه الأحكام يمكن أن نستشفها من خلال القانون المؤرخ في 19 سبتمبر 1960 المنظم لصندوق الضمان الإجتماعي [323] والذي نص الفصل 105 منه على أن ” كل إشتراك لم يقع خلاصه في تاريخ حلوله من طرف مستأجر منخرط يوظف عليه أداء بعنوان خطية إبتداء من هذا التاريخ قدرها ثلاثة بالألف عن كل يوم من أيام التأخير إبتداء من اليوم الواحد والتسعيّن”.

أول ملاحظة تستدعيها تحليل هذا الفصل، هي إستعمال المشرّع لعبارة “الخطية” مما يحيلنا إلى القول أنه يتعلق بمجرد تسليط غرامات تأخير على المدين المماطل في دفع الإشتراك إلا أنه بالتمعن في منطوق هذا الفصل نستنتج أن المشرّع قد خرج بنا عن منطق غرامات التأخير وذلك لأنه لم يقع تسقيفها على أساس نسبة فائض إتفاقية أو قانونية تكون معيارا لتحديد البالغ المستوجبة من التأخير.

على هذا الأساس يمكن القول أن المشرّع لم يسعى من خلال أحكام هذا الفصل إلى تعويض الخسارة التي يتكبدها صندوق الضمان الإجتماعي نتيجة التأخير عن دفع الإشتراك أراد توظيف غرامة تهديدية قانونية بنسبة معلومة ترهب المدين لدفع الإشتراكات المتخلدة بذمته، فهي تهديد لما يشكله تراكم المبالغ المالية من وسيلة غير مباشرة لغصب المدين على التنفيذ خشية تفاقمها.

هذه الغرامة التهديديّة هي غرامة قانونية بإعتبار أنها وردت ضمن تشريع خاص منظم لها و بنسبة محددة و مفروضة مما لا يترك منفذا لا للإدارة أو القضاء للإجتهاد في تحديد نسبتها. وهو ما ذهب إليه المشرّع الفرنسي أيضا إذ أقر الغرامة التهديديّة القانونية في عدة مجالات من بينها حماية المستهلك[324].

أيضا ألغى المشرع إمكانية مراجعتها بالزيادة أو بالنقصان لذا تعتبر غرامة تهديدية نهائية[325].

كما ذهب إلى أبعد من ذلك إذ جعل تصفيتها من مشمولات الإدارة بواسطة بطاقة جبر تنفذ بصفة آلية بقطع النظر عن الإعتراضات الموجهة ضدها , وهو ما يخالف أغلب التشريعات الخاصة بالغرامة التهديديّة التي تجعل تصفيتها بيد القضاء.

فالإدارة هنا تعتبر الخصم والحكم في نفس الوقت هذا ما يمس من مبدأ الحياد الذي يتمتع به القاضي. كما أنه لا يتمتع بسلطة إستقرائية لتقدير ظروف المدين التي منعته عن التنفيذ والحكم عليه بعدها بالرجوع إلى معيار مدى تعنته وإصراره على عدم التنفيذ.

القضاء لا يتدخل إلا في مرحلة متأخرة عندما يعترض المدين على بطاقة الجبر. غير أن هذا الطعن يفتقد أهميته لعدم تعليق الإستئناف ببطاقة الجبر على التنفيذ. فلا يتصور أن يقوم القاضي في أي طور بتخفيض هذه الغرامة أو إعفاء المشترك منها بإلغائها نظرا لصبغتها النهائية و المشروطة.

يعاب أيضا على هذا الفصل عدم ضبط هذه الغرامات بسقف محدّد من حيث المبالغ والمدة وهو لم يمكن من وقف سريانها إلا بالوفاء بالإشتراك مما يخالف قاعدة جوهرية للقواعد القانونية العامة التي لا تقبل الإلتزام الأبدي. فلا يقبل المنطق القانوني في جميع الأحوال تراكم هذه الغرامات إلى ما لا نهاية و إضافتها للأصل دون حد أقصى تقف عنده, فالقيمة النهائية واللامتناهية لهذه الغرامة تشكل أحد الأسباب الرئيسية لتراكم ديون صندوق الضمان الإجتماعي. حيث يصعب في معظم الأحيان إستخلاصها على المدين و ذلك لتجاوزها قدراته المالية.

لكن تجدر الإشارة في آخر تحليل هذا الفصل، أن المشرّع كرّس هذه الغرامة للغصب على تنفيذ إلتزام بآداء مال الذي لم يقبل فيه الفقه و القضاء جواز الغصب على التنفيذ بواسطة الغرامة التهديديّة إلا حديثا و ذلك لأن الدائن يمكن له أن يحصل على الوفاء عن طريق الوسائل المعهودة للجبر على التنفيذ كالعقل[326].

كرّس المشرّع الغرامة التهديديّة مرة أخرى صلب القانون المنظم للصندوق القومي للضمان الإجتماعي من خلال الفصل 97 من قانون 1960 الذي يفرض على الخاضع لضريبة الصندوق أن يقدم للأعوان المكلفين بالرقابة بطاقات خلاص الأجور و دفاتر الراحة خالصة الأجر ودفاتر الحسابات وبصفة عامة جميع الوثائق التي نص القانون على مسكها والأوراق المؤيدة لحساباته . ينجر عن مخالفة هذه الأحكام الحكم على المطلوب بعقوبات مالية في شكل خطايا علاوة على غرامة يومية لدفعه على تقديم هذه الوثائق.

والملاحظ في هذا المجال أن ما درج عليه القضاء للحكم بالغرامة التهديديّة الواردة ضمن الفصل 97 تخضع لضوابط محددة:

-أولها، أنه يمنح للمطلوب أجلا حتى يمتثل للإلتزام المحمول عليه بتقديم الوثائق المطلوبة للصندوق أو ممثليه و عادة ما يكون شهرا.

-ثانيها، أن الغرامة التهديديّة المحكوم بها ليست إعتباطية إذ أن مبالغها معقولة لا تتجاوز عشرة دنانير كما أنها تسري لمدة محددة لا تفوق الشهر و تحتسب منذ بداية الإعلام بالحكم الموظف لهذه الغرامة.

-ثالثها، أن هذه الغرامة التهديديّة من نوع الغرامات التهديديّة النهائية فهي لا تقبل المراجعة.

كما أن أحد أهم خصوصيتها، تكمن في أنها لا تحتاج إلى القاضي لتصفيتها ,فالعدل المنفذ المكلف بتنفيذ الحكم لا يجد أي صعوبة في إحتساب مبلغها النهائي فيمكنه القيام بمجرد عملية حسابية بنهاية الشهر أو المدة الفاصلة بين بداية سريانها وتاريخ التنفيذ الطوعي. بعد الإتمام بإجراءات التنفيذ, يقوم العدل بتسليمها للمستفيد ألا وهو الصندوق القومي للضمان الإجتماعي.

إستنادا إلى ندرة النصوص القانونية المكرسة لمؤسسة الغرامة التهديديّة, يمكن القول أن هذه المؤسسة هي فقه قضائية.

ب- مؤسسة فقه قضائية

بالرغم من سكوت المشرّع عن تقنين هذه المؤسسة نلاحظ من خلال عمل فقه القضاء أنه يلجأ إليها[327].

يمكن الإستشهاد في هذا الصدد بالحكم الإبتدائي المدني المؤرخ في 4 أفريل [328]1964 الذي جاء به ما يلي “حيث لئن لم تحظ الغرامة اليومية أو التهديديّة بنص تشريعي تؤسس عليه فإن لها مردا في المبادئ العامة القانونية أخصها تلك التي حجزت تنفيذ الإلتزام بطريق الإكراه البدني والتي حظرت جبر المدين على إتمام عمل مع إرغامه، ولذلك كلما كان تنفيذ الإلتزام يستوجب تدخلا شخصيا من طرف المدين، نظرا لما في التنفيذ القهري بطريق الإكراه البدني من إهدار لكرامة الشخص و حرمته الذاتية..”.

لقد علّلت المحكمة الإبتدائية إصدارها للغرامة التهديديّة على أساس فكرة حرية المدين وعدم جواز الإلتجاء إلى الإكراه البدني لجبره على تنفيذ إلتزامه.

بالرجوع إلى النظام الفرنسي, نلاحظ أيضا أنه من الثوابت الفقهية أن نظرية التهديد المالي أو الغرامة التهديديّة إنما هي وليدة إجتهاد فقه القضاء،

« L’astreinte est une création prétorienne »[329]

فالمحكمة الفرنسية درجت في عهد النظام القديم على تطبيقها رغم سكوت المشرّع الفرنسي عن تقنين هذه النظرية، منذ بداية القرن التاسع عشر تحديدا عام 1811[330].

إذ أن أقدم حكم طبقت فيه المحكمة الفرنسية هذه النظرية هو الحكم الذي أصدرته م.جراي “Gary” بتاريخ 25 مارس 1811 [331].

لقد حاول الفقه البحث عن أساس قانوني للغرامة التهديديّة في قانون المرافعات. يعتبر أهم دراسة في هذا المجال هي المقالة المنشورة سنة 1903 للفقيه إسمان “Esmein” بعنوان “أصل ومنطق القضاء في الغرامة التهديديّة”[332].

فسّر هذا الفقيه نظام التهديد المالي مستبعدا تماما فكرة المسؤولية المدنية لإختلاف الغرامة عن التعويض بإعتبارها حماية لسلطة القاضي[333].

فقد إعتمد إسمان في تحليله على أحكام الفصل 1036 قديم مجلة الإجراءات المدنية[334] الذي يقتضي بأنه “يجوز للمحاكم في القضايا التي تعرض عليها, وتماشيا مع ما توجبه الظروف من الخطورة أن تصدر أوامر و لو من تلقاء نفسها[335].

فالحكم الصادر بالغرامة التهديديّة هو أمر « Injonction »يصدر من المحكمة بما لها من سلطة الأمر “Judicia ordinatoria, imperium” لا بما لها من ولأية حكم “Judicia décisiora, jurisdictio”

للمدين المتعنت الممتنع عن تنفيذ إلتزامه, بتنفيذ هذا الإلتزام, فإن لم يفعل فجزاؤه مقابل العصيان غرامة تهديدية.

هذا التصور في رأي إسمان[336] يضفي الشرعية على الغرامة التهديديّة فحينما يصدر القاضي حكمه فهو يوجه أمرا للمدين بالتنفيذ العيّني, فإن إمتنع فإنه يحكم عليه بمبلغ نقدي, هذا الحكم لا علاقة له بالضرر الذي يلحق بالدائن, فهو يهدف فقط إلى إحداث ضغط فعال على إدارة المدين بهدف تنفيذ أمر القضاء, كما أنه حكم مؤقت مما يسمح للقاضي أن يرفع مقداره أو يخفظه أو حتى يلغيه واضعا في إعتباره موقف المدين.

بالرغم من وجاهة تحليل الفقيه إسمان أعاب عليه الفقه خاصة منهم الأستاذ فريجافيل التوسيع في نفوذ القاضي إذ حسب رأيه “الأمر لا يتعدى حدود تقرير الحقوق…فلا يجوز النظر لسلطة القاضي في الأمر كنوع من أنواع النفوذ التحكيمي يتميز به عن السلط الأخرى لا سيما السلط الإدارية إذ أن المبدأ في القانون العام هو أن جزاء الأوامر الصادرة من السلط العمومية يقتصر على عملية التنفيذ الجبري ما لم ينص القانون على عقوبة مالية”[337].

لكن لم تعد سلطة القاضي في الأمر مع ما تقترن به من حق في النطق بغرامة يومية محل جدل الأن. إذ أن هناك شبه إجماع[338] بأن ” الأمر والتهديد لحمل المتقاضين على التنفيذ منزع طبيعي للقاضي…منذ أن لم يعد مجرد قضاء تحكيمي. تقتصر مهمته على مجرد المراقبة في حياد تام, وإنما أضحى يتخذ تلقائيا ما يراه ضروريا من إجراءات[339].

نفس هذا التمشي يمكن إسقاطه على نظامنا القانوني إذ أن الفصل الفرنسي 1036 الذي إعتمده الفقه الفرنسي كأساس لشرعيته بسلطة القاضي في إصدار الغرامة التهديديّة, يقابله الفصل 87 م.م.م.ت الذي عدد أعمال القاضي المقرر.

لقد علّق الأستاذ عبد الله الأحمدي على هذا الفصل ليستخلص أن الأعمال التي للقاضي المقرر القيام بها أو الإذن بها لم ترد على سبيل الحصر بل وردت على سبيل الذكر[340]. لكن رغم ذلك, يبقى نفوذه منقوصا رغم الصياغة الجديدة للفصل 87 م.م.م.ت[341].

لذا, يجب على المشرّع التفطن لهذا النقص بتدعيم سلطة القاضي في الأمر لضمان تنفيذ أحكامه و لقد أشار الأستاذ بيلامي”Bellamy” إلى ما يمكن أن يتخذه القاضي من إجراءات في هذا الصدد و بصورة تلقائية مثل تعيين بديل عن المدين المتقاعس أو إعتبار الحكم قائما مقام السند الكتابي أو توظيف غرامة يومية[342].

الفقرة الثانية: الحل المفتوح

تقنية التهديد المالي لا تتعارض مع أحكام القانون المدني إذ يمكن توظيف النصوص الموجودة لتأسيس مفهوم الغرامة التهديديّة(أ) لكن يبقى الحل الأمثل هو إفراد هذه المؤسسة التي أثبتت نجاعتها بتقنين خاص بها (ب).

أ-إمكانية إستنباط أساس قانوني

بالرغم من عدم وجود نصوص عامة تمكن من الإستناد إليها لتكون مرجعية الحكم بالغرامة التهيدية, فإن تأويل النصوص الموجودة يبقى جائزا ومن المسائل الحتمية التي يتعيّن على القاضي تأويلها لتبني هذه التقنية التي أثبتت نجاعتها وأهميتها في التشاريع المقارنة.

فبالرجوع إلى أحكام مجلة الإلتزامات والعقود نجد أن الفصل 273 الفقرة الأولى الذي جاء ضمن الباب الثالث المتعلق “بعدم الوفاء بالإلتزامات وما يترتب عن ذلك” مضمنة في القسم الأول منه “في مطل المدين أنه” إذا حل الأجل وتأخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق أن يغصب المدين على الوفاء إن كان ممكنا وإلا فسخ العقد مع أداء ما تسبب ذلك من الخسارة في كلا الحالتين”.

إن التمعن في أحكام هذا الفصل يفضي إلى إستخلاص ملاحظتين رئيسيتين :

-أولا : من المعلوم أن المشرّع نزّل الإتفاقيات الصحيحة منزلة القانون من حيث القوة الملزمة إستنادا إلى أحكام الفصل 242 م.إ ع , مما يدل على أهمية العقد من الناحية القانونية و من الناحية الإقتصادية, فكما يفرض القانون على جميع الإذعان لمقتضياته فأطراف العقد كذلك محمولون على الإلتزام بمضمون العقد وهذا الإلتزام لا يتجسد من خلال الإعتراف بوجود العقد ,بل يجب أن يتمظهر من خلال سعي كل طرف إلى تنفيذ ما إلتزم به بمقتضى العقد.

فكما يترتب على خرق القاعدة القانونية إيقاع الجزاء , يجب أيضا أن نجازي المدين المماطل وذلك بإرغامه على التنفيذرغم إرادته. ويقول الأستاذ المالقي في هذا الصدد: “….فمن المعلوم أن الأنسان لا يكره على الإلتزام لكنه إذا التزم وجب عليه الوفاء و إكراهه على هذا الوفاء لا يعد تعديا على حريته إذا كان بالوسائل القانونية…”.

فكلمة “الغصب” التي وردت في الفصل 273 لا يجب أن تؤخذ على أساس مجرد السعي للتنفيذ العيّني أو المباشر بواسطة وسائل التنفيذ المدنية العادية, بل أنها تمثل رخصة قانونية لفائدة الدائن مفادها، إستعمال ما أمكن من الوسائل التي تضمن له الوفاء رغما عن تعنت المدين, فإن عبارة الغصب وردت مطلقة فيجب الأخذ بإطلاقها وإدراج سائر الوسائل المادية والمعنوية للإكراه ما لم تمس من حرية وكرامة المدين.

على هذا الأساس يكون من المنطقي أن يؤخذ مفهوم الغصب على أنه الإمكانية المخوّلة للدائن بالتوجه للقضاء الإبتدائي الذي له ولاية عامة في جميع النزاعات المدنية قصد طلب غصب المدين بشتى الوسائل الممكنة للوفاء بإلتزامه.

ولما كانت الإلتزامات وخاصة منها التعاقدية لا يجدي فيها عادة التنفيذ الجبري نفعا لكونها تتطلب في أغلب الأحيان التدخل المباشر والشخصي للمدين فإن وصول الدائن لغأية الغصب لا يمكن أن يحصل بصفة ناجعة إلا عند اللجوء للغرامة التهديديّة.

إضافة إلى ذلك, يمكن القول أن القاضي عندما يحكم بالغرامة التهديديّة إستنادا على الفصل 273 م.إ.ع. يطبق تطبيقا أمينا أحكام هذا الفصل مما يتناغم مع روح مجلة الإلتزامات والعقود التي تسعى للمحافظة قدر الإمكان على الإستقرار التعاقدي.

كما أنه لم يتخطى حدود صلاحياته, فهو يسعى لتذليل الصعوبات المتعلقة بتنفيذ الأحكام علاوة على أن توظيف مثل هذه الغرامات لم يتم منعه بأي نص من نصوص القانون.

-ثانيا: إن التعمق في تحليل أحكام الفصل 273 م.إ.ع. يفضي بنا إلى أن المشرّع تبنى مبدأ أساسيا لم يهتد إليه المشرّع الفرنسي إلا حديثا ألا وهو مبدأ فصل الغرامة عن التعويض عن الضرر أو الخسارة. فإضافة لتبنيه لإمكانية الدائن في غصب مدينه بجميع الوسائل الممكنة للوفاء, يقرّ له الحق في جميع الأحوال أن يطالب بالخسارة على أساس الفصل 273 م إ ع. للتأسيس لمفهوم الغرامة التهديديّة , إلا أن هذا ينفي ضرورة تقنين هذه المؤسسة.

ب-ضرورة تقنين هذه المؤسسة

بالرغم من أن توظيف الغرامة التهديديّة لا يطرح كثيرا من الإشكالات بتأويل الفصل 273 م إ ع وأنه يمكن الإستنتاج من خلال أعمال المحاكم طبيعة الغرامة كعقوبة خاصة إثر إقرار فصلها عن التعويض تبقى ضرورة تقنين هذه المؤسسة قائمة.

فنظرا لأهمية أهدافها, ضمان التنفيذ العيّني وضمان تنفيذ الأحكام القضائية, يجب أن تحظى بنظام قانوني خاص بها, إذ أنها تطرح العديد من الأسئلة خاصة إثر مرحلة التصفية.

فالغرامة عند الحكم بها لا تمثل سوى دينا غير ثابت وإحتمالي ولا يمكن أن يصبح حالا و نهائيا إلا بمقتضى التصفية.

لكن من هو القاضي الذي يختص بهذا الإجراء هل يبقى قاضي الإصدار متمتعا بإمكانية مراجعتها وإمكانية الحط منها أو حذفها أو حتى الترفيع منها طبقا لتصرفات المدين, أم يجب إعتماد الحل الفرنسي و منح إمكانية التصفية خاصة لقاضي التنفيذ؟

أيضا هل يمكن للقاضي الحكم بالغرامة التهديديّة النهائية مباشرة أم يجب عليه مثل نظيره الفرنسي إصدار غرامة تهديدية وقتية قبل ذلك؟

يجدر الإشارة إلى فقه القضاء الذي استنبط حلولا جريئة ومتطورة لم تعتمدها المحاكم الفرنسية إلا بعد تقنين هذه المؤسسة لكن مع هذا يكون من الأجدر أن ينظم المشرّع بواسطة قانون خاص مسألة الغرامة التهديديّة مثلما هو الشأن في القانون الفرنسي وسائر القوانين المقارنة الأخرى لضبط أنواعها وآليات الحكم بها وطرق تصفيتها أي يحدد كل من جانبها الموضوعي والإجرائي فيكون تشريعا متكاملا وواضحا يشكل الفيصل لهذه المسائل العالقة فيقي النظام القانوني الغرامة التهديديّة من التخبط والإجتهادات التي قد لا تكون صائبة في جميع الأحوال.

خاتمة الجزء الثاني

أمكن من خلال هذا الجزاء إبراز مرونة نظام التهديد المالي و ذلك أولا من خلال تحديد جانبه الإجرائي. فالغرامة التهديديّة يمكن أن تكون إما وقتية أو نهائية و في كلتا الصورتين تمر بمرحلتين : مرحلة الحكم، حيث يتمتع القاضي بسلطة تقديرية واسعة تخول له الحكم بها من عدمه و تحديد مبلغها بصفة منفردة.

مرحلة التصفية، حيث منح الإختصاص لجميع المحاكم سواء كانت محاكم درجة أولى أو محاكم درجة ثانية. و يقتصر على أحد أصناف المحاكم دون غيرها.

هذا النظام المرن للغرامة التهديديّة، خدم مصالح المتعاقدين و بسّط إجراءات لتطبيقها، ممّا إنعكس على القيمة العملية للمؤسسة و زاد في نجاعتها. لكن ما يلفت النظر في هذا الخضم، هو تجاهل المشرع التونسي للغرامة التهديديّة رغم أنها لا تتعارض مع المبادئ العامة للقانون المدني.

الخاتمة العامة

قد يبدو من الغريب دراسة “مؤسسة الغرامة التهديديّة” لغياب أساس قانوني صريح ينظمها، ذلك ما يجعل الحديث عنها للوهلة الأولى دون جدوى و ليس إلا من قبيل التزيّد.

لكن، إذا ما أحصينا الكم الهائل لعدد القضايا المطروحة أمام القضاء جراء مماطلة المدينين و إمتناعهم عن التنفيذ، سرعان ما تتجلى أهمية هذا البحث خاصة و أن قواعد التنفيذ الجبري تعاني من مشكلة عدم الفاعلية و النجاعة و لا تتفق مع مقتضيات المرونة و السرعة ممّا يعطل حقوق المتقاضين.

كما أن عدم وجود آداة للتغلب على سوء نية المحكوم ضده الذي عادة ما يستغل نقائص و ثغرات التنفيذ الجبري، بالإضافة إلى تحجير اللجوء للإكراه البدني في القانون الحديث، تبرز القيمة الثابتة لمؤسسة الغرامة التهديديّة كوسيلة لازمة
و ضرورية في نطاق الإلتزام المدني لإتفاقها و طبيعة هذا الإلتزام.

هذه المؤسسة تنفرد بطابع خاص يميزها عن المؤسسات الشبيهة بها. فهي تمثل وسيلة ضغط خاصة عند النطق بها لتتحول إلى عقوبة خاصة إثر تصفيتها. لعل هذه الخاصية مثلت أهم إنتقاد وجه لها مما يمكن أن يفسر أساس عزوف المشرع عن الإعتراف بها.

لكن تجاهل مؤسسة الغرامة التهديديّة لكونها عقوبة خاصة لا يجد أي مبرّر، فالإستناد لكونها عقوبة، لا تتلائم و مبدأ الشرعية هو قول مردود عليه لأنها تعاقب عدم إنصياع المتقاضي لقرار المحكمة الذي هو على علم به. أيضا يمكن للقاضي أن يصدر هذا النوع من الغرامات حتى في غياب أساس قانوني ينظمها لما له من سلطة في الأمر.

كما أن طبيعتها الخاصة، لمنحها المتضرر حق الإستفادة منها، وتجد تبريرها في خطأ المحكوم ضده فلا سبيل لتخيير مدين متقاعس على دائن همه الوحيد إنصافه في إطار القانون.

رغم هذا النقد الموجه لنظرية التهديد المالي، واصلت المحاكم اللجوء للغرامة التهديديّة لكن يبقى حضورها محتشما في ظلّ نظامنا القانوني رغم وجود بعض النصوص التي يمكن استغلالها لإحيائها وتنشيطها.

على هذا الأساس، يبقى الحل الأمثل تفريد هذه المؤسسة بتشريع متكامل يعنى بتنظيمها منذ مرحلة الحكم إلى مرحلة التصفية ويوسّع من نطاق تطبيقها لتشمل سائر الإلتزامات، كما يأخذ بعين الإعتبار المفهوم الحديث للغرامة التهديدية بفصلها عن التعويض.

يجدر بالمشرّع أن يتدخل في أمد نرجو أن يكون قريبا لتقنين هذه المؤسسة كي تلعب دورا جوهريا في التنفيذ المدني للوصول إلى تحقيق الغاية المنشودة للعدالة ألا و هي ردّ الحقوق إلى أصحابها.

شارك المقالة

2 تعليق

  1. السلام عليكم هل من الممكن الإشارة إلى المراجع المعتمدة في هذا البحث

  2. امل الحشيشة

    11 أبريل، 2019 at 2:19 ص

    مقال اكثر من راءع .احسنت
    ارجو منك استاذة مدنا بالمراجع المعتمدة في بحثك.ولك جزيل الشكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.