دراسة وبحث قانوني قيم عن الشركـة الفـعلية

المبحث التمهيدي :

بما أن المشرع عرف الشركة على أنها عقد يتم بين شخصين أو أكثر وجب أن تتوافر في هذا العقد الأركان العامة التي تقوم عليها سائر العقود، غير أن عقد الشركة ذو طبيعة خاصة لذا لا يكتفي فيه توافر الأركان العامة بل يجب أن تتوفر فيه أركان أخرى نابعة من خصوصيته حتى يتسنى له ترتيب الآثار القانونية التي نص عليها القانون .

المطلب الأول : الأركان الموضوعية العامة :

إن الأركان الموضوعية العامة الواجب توافرها في عقد الشركة هي نفس الأركان التي تقوم عليها كافة العقود الأخرى وتتمثل هذه في الرضا، الأهلية ، المحل والسبب .

الرضا : وهو التعبير عن إرادة المتعاقدين والتي تتمثل في الإيجاب والقبول وإذا انعدم الرضا ترتب عن ذلك عدم قيام الشركة ويكون الرضا منعدما إذا لم يتفق الشركاء على تقدير الحصص مثلا، أو على محل الشركة أو على نية الاشتراك أما إذا وجد الرضا فيجب أن ينصب على شروط العقد كرأس المال والغرض والإدارة وغيرها من الشروط كما يجب أن يكون هذا الرضا صحيحا وخاليا من العيوب كالغلط والإكراه والتدليس “1”

الأهلية : لا يكفي وجود الرضا فحسب لإبرام عقد الشركة بل لابد أن يكون هذا الرضا صادرا من ذي أهلية، أي أن الشريك يجب أن يكون أهلا للتصرف ولم يحجر عليه لعته أو سفه أو جنون ذلك لأن عقد الشركة يعتبر من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر .
وسن الأهلية يتحدد بـ 19 عاما طبقا لنص المادة 40 من ق.م . فإذا أبرم عقد الشركة شخص قاصر، كان العقد قابلا للإبطال لمصلحته، ولا يتسنى له إبرام مثل هذا العقد إلا إذ حصل على إذن لذلك وهذا طبقا للمادة 05 من القانون التجاري التي تقضي بأن القاصر الذي بلغ سن 18 سنة كاملة وأراد الإتجار وجب عليه أن يحصل على إذن من والده أو أمه أو على قرار من مجلس العائلة مصدق عليه ومن طرف المحكمة في حالة ما إذا كان والده متوفيا أو غائبا أو سقطت عنه سلطته الأبوية أو استحال عليه مباشرتها في حالة انعدام الأب أو الأم “2”

المحل : هو موضوع الشركة الذي يتمثل في المشروع المالي الذي يسعى الشركاء إلى تحقيقه ويجب أن يكون هذا المحل ممكنا ومشروعا وغير مخالف للنظام العام والآداب العامة، فإذا انصب محل الشركة على الإتجار بالقمار أو المخدرات أو تهريب الأسلحة أو على أي نشاط يتعلق بالقطاع العام كان العقد باطلا .

السبب : وهو الباعث الدافع على التعاقد ويرى الفقه الراجح أن هذا الباعث يتمثل في تحقيق غرض الشركة المتمثل في استغلال مشروع مالي معين وهو بهذا المعنى يختلط بمحل العقد بحيث يصبح المحل والسبب في عقد الشركة شيئا واحدا، ومن ثم فإذا انصب محل عقد الشركة على استغلال غير مشروع فإن العقد لحقه البطلان لعدم مشروعية المحل والسبب في آن واحد “3” .
————————————-
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري/ د.م.ج طبعة ص 28
2- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري/ د.م.ج طبعة ص 29
3-د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري/ د.م.ج طبعة ص 31

المطلب الثاني : الأركان الموضوعية الخاصة :

لا يكفي لإبرام عقد الشركة توافر الأركان الموضوعية فحسب، بل لابد أيضا من توافر الأركان الموضوعية الخاصة والتي تميز بها العقد عن سائر العقود وتتمثل في :

تعدد الشركاء : تنص المادة 416 ق.م ” الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر…” لذا فالشركة هي توافق إرادتين فأكثر ومن خلال م 416 ق.م نلاحظ أن المشرع الجزائري قد تبنى كقاعدة عامة وحدة الذمة بالنسبة لجميع الشركات التجارية والذي يؤكد على ذلك ما جاء في م 188 ق .م ( أموال المدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه، وفي حالة عدم وجود حق أفضلية مكتسب طبقا للقانون، فإن جميع الدائنين متساوون تجاها هذا الضمان) “1” غير أنه أورد إستثناء تضمنه الأمر رقم 96/27 بتاريخ 09/09/1996 فأجاز تكوين شركة الرجل الواحد التي تعرفها بعض التشريعات كالتشريع الإنجليزي والألماني ولاندري الحكمة التي يتوخاها المشرع الجزائري من استثناء مثل هذه الشركة . وركن تعدد الشركاء ليس قاعدة مطلقة بل يرد عليها استثناء حيث نجد :
1/ ش ذ م م عدد الشركاء 20 شريك كحد أقصى نص م 590
2/ ش المساهمة عدد الشركاء 07 كحد أدنى م 592
3/ ش التوصية بالأسهم عدد الشركاء 03 كحد أدنى 715 / 2 “2”

2- تقديم الحصص : لا يكفي لإبرام عقد الشركة بل لابد على متعاقد أي شريك أن يلتزم بتقديم حصته للشركة سواء كانت الحصة نقدية أو عينية أو حصة عمل، ومن مجموع هذه الحصص يتكون الضمان العام لدائني الشركة “3”
أ-الحصة النقدية : غالبا ما تتمثل حصة الشريك في تقديم مبلغ من المال فإذا تعهد الشريك بمثل هذا الإلتزام وجب عليه تقديم الحصة النقدية في الميعاد المحدد لها، فإذا تأخر في تقديمها خضع للقواعد العامة المتعلقة بتنفيذ الالتزام بأداء مبلغ من المال فتصبح الشركة دائنة له بهذه الحصة، ويلتزم الشريك في مواجهتها بالتعويض عن هذا التأخير م 421 “4”
ب-الحصة العينية : قد تكون حصة الشريك متمثلة في مال معين غير النقود كأن يقدم عقارا أو منقولا ماديا كآلة مثلا أو منقولا معنوي كبراءة اختراع أو علامة تجارية أو محل تجاري أو دين له في ذمة الغير …. إلخ
ج- الحصة من العمل : قد تكون حصة الشريك في الإنضمام إلى الشركة متمثلة في عمل يؤديه لها، ويقصد به العمل الفني كالخبرة في مجال الاتجار أو التخطيط أو التسير الإداري … إلخ ، ويمتنع على الشريك أن يقوم لحساب نفسه بعمل من نفس نوع العمل الذي إلتزم بتقديمه للشركة، وهذا حتى لا يصبح منافسا لها، فإذا قام بذلك إلتزم بالتعويض في مواجهة الشركة

———————
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 32
2- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 33
3- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص34
4- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 37

3/ نية المشاركة : يستخلص هذا الركن من م 417 ق.م ومقتضاه بذل الجهود والتعاون بين الشركاء على تحقيق غرض مشترك يتمثل في تحقيق الربح واقتسامه بين الشركاء وقوام هذه النية يتمثل في ثلاثة عناصر :
أولا : هي حالة إدارية قائمة على الثقة قصد تحقيق الهدف المنشود
الثاني : اتخاذ المظاهر الدالة على وجود التعاون الإيجابي بين الشركاء قصد تحقيق غرض الشركة .
الثالث : المساواة بين الشركاء في المراكز القانونية .

4/ أقسام الأرباح والخسائر : يتمثل هذا الركن في رغبة الشركاء في جني الأرباح عن طريق استغلال المشروع وقابلية كل شريك في تحمل نصيب من الخسائر الذي قد ينتج عن استغلال المشروع .
كيفية تقسم الأرباح والخسائر تخضع إلى اتفاق الشركاء شريطة ألا يدرج في العقد التأسيسي للشركة حرمان أحد الشركاء من الأرباح أو أعضائه من الخسائر ويطلق على مثل هذا الشرط إن وجد في عقد الشركة بشرط الأسس ( clause leonine ) .

المطلب الثالث : الأركان الشكلية :

لا يعد عقد الشركة من العقود الرضائية التي تقتصر على مجرد توافر الرضا بل لابد من افراغه في قالب شكلي أي لابد من كتابته وشهره وعليه فإن الأركان الشكلية لعقد الشركة تتمثل في :

1-الكتابة : نصت المادة 418 من ق.م على ضرورة كتابة عقد الشركة وإلا كان باطلا سواءا تعلق الأمر بالشركات المدنية أو الشركات التجارية، غير أن الكتابة تكون عرفية أو رسمية وإذا كان المشرع لم يبين نوعية الكتابة الواجبة في الشركة المدنية أو اقتصر على ضرورة كتابتها فقط، فإن الشركة التجارية لابد من افراغها في الشكل الرسمي وإلا كانت باطلة هذا ما يستخلص من نص المادة 545 ق . ت الذي يقضي بضرورة إثبات الشركة بعقد رسمي وإلا كانت باطلة وبمفهوم المخالفة أن الكتابة الرسمية لازمة بل أن قانون السجل التجاري الصادر سنة 90 يؤيد على هاته الرسمية لأنه يشترط أن تتم هذه الكتابة بواسطة الموثق وليس المؤسسين وذلك حسب المادة 6 / 2 من القانون المذكور يحرر الموثق عقد الشركات التجارية حسب الأشكال القانونية المطلوبة بعد استيفاء الشكليات التأسيسية ) أما المادة 9 من نفس القانون تقتضي بما يلي (ننشأ بعقد رئيسي يحرر لدى الموثق الشركات التجارية التي تتم بالصفة القانونية القاصد بشركة المساهمة والشركة ذات م م وشركة التضامن )
وعلى كل فإن عقد الشركة غير المكتوب لا يجوز إثباته بالأدلة التي تعادل الكتابة أو تزيد منها قوة كالإقرار واليمين ، وهذه القاعدة عامة وسارية على عقود الشركات المدنية والتجارية على حد سواء “1”

2- الشهر : أخضع المشرع الجزائري الشركات لإجراءات الشهر قصد إخطار الغير بميلاد الشركة وحتى يكون على دراية بما يحيط الشركة قبل التعامل معها ، وإذا كانت الشركة المدنية تتمتع بهاته الشخصية بمجرد تكوينها، فإن الشركة التجارية لا تتمتع بهاته الشخصية إلا بعد اتباع اجراءات الشهر المادة 549 ق . ت وتخضع جميع الشركات الإجراءات الشهر باستثناء شركة المحصاة لأنها شركه خفيه ولا تتمنع بالشخصية المعنوية “2”
—————————-
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 42 و 43
2- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 44
وتتمثل إجراءات الشهر في :
1/ إيداع ملخص العقد التأسيسي للشركة في السجل التجاري قصد قيده وفقا لأحكام المادة 548 ق . ت
2/ نشر ملخص للعقد التأسيسي للشركة في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية
3/نشر ملخص للعقد التأسيسي للشركة في جريدة يومية يتم اختيارها من طرف من ممثل الشركة
وإذا كانت إجراءات الشهر تشترط عند تأسيس الشركة فنشترط أيضا عندما يطرأ أي تعديل على الشركة ) “1”

المبحث الأول : حالات البطلان :

المطلب الأول : البطلان المؤسس على تخلف ركن موضوعي :

1-البطلان المؤسس على عيوب الرضا :
إذا أصيب رضا أحد الشركاء بعيب من العيوب كالغلط والإكراه أو التدليس أو كان الشريك قاصرا أو ناقصا أهلية لعته أو سفه أو غفله فإن الجزاء المترتب عن هذا العيب هو البطلان الذي يسري في حقه فحسب دون سائر الشركاء أي أن البطلان النسبي يقتصر على الشريك الذي شاب رضاءه عيب من العيوب أو الشريك القاصر أو ناقص الأهلية، ويسقط حق الشريك في طلب البطلان إذا أجاز العقد سواء أن كانت إجازة صريحة أو ضمنية كما يسقط حقه أيضا إذا لم يتمسك به الشريك خلال 10 سنوات من يوم كشف العيب، كما لا يجوز التمسك به إذا انقضت 15 سنة من وقت تمام العقد
ومتى قضي للشركة بالبطلان فالقواعد العامة تقضي بإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد ويسترد الشريك حصته فإذا كان مستحيلا جاز الحكم بتعويض عادل والملاحظ أنه إذا قضي بالبطلان بشركة من شركة الأشخاص التي تقوم على الاعتبار الشخصي وتم خروجه منها، فإن ذلك يؤدي إلى حل الشركة وتصفيتها إلا إذا نص في العقد التأسيسي للشركة على استمرار العقد مع بقية الشركاء أما إذا كنا بصدد شركة الأموال كالشركة ذات المسؤولية المحدودة أو شركة المساهمة فإذا تم خروج الشريك منها فلا يؤثر خروجه على باقي الشركاء بسبب البطلان الذي تم لمصلحته بل تستمر الشركة بعد أن ترد له حصته، ويتم بيع الأسهم المستردة إلى شخص آخر بحل محله أما إذا كان العيب قد شاب رضا كافة المؤسسين في مثل هذه الشركات فإن ذلك يؤدي إلى بطلان الشركة برمتها وفقا للمادة 733 من القانون التجاري “2”

2- البطلان المؤسس على عدم مشروعية الموضوع والسبب :
إذا كان موضوع عقد الشركة أو سببه غير مشروع أي مخالف للنظام العام والآداب العامة “مثل موضوع الشركة يتمثل في الاتجار بالمخدرات أو في فتح بيوت للقمار أو الدعارة أو لتهريب الأسلحة، فإن الجزاء المترتب على ذلك هو البطلان المطلق الذي لا يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك به سواء كان من الشركاء أو من الغير، كما يحق للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يزول هذا النوع من البطلان بالإجازة سواء كانت صريحة أو ضمنية، وتسقط دعوى البطلان المطلق بمضي 15 عشر سنة من وقت إبرام العقد، ويؤدي البطلان المطلق إلى زوال العقد بأثر رجعي “3”
———————–
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 44 و 45
2-3 د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 46 و 47

3-البطلان المؤسس على تخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة :
إذا تخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة في عقد الشركة فإن الجزاء المترتب على ذلك ليس البطلان، وإنما إنعدم وجود الشركة نظرا لفقدانها المقومات والأسس التي تقوم عليها الشركة كي تخلف شخصا معنويا يتمتع بكيان مستقل .
-وإذا تخلف ركن ” تعدد الشركاء ” كأن تقوم شركة على رجل واحد فتعتبر هذه الشركة غير موجودة في نظر القانون الجزائري باستثناء “الشركة ذات المسؤولية المحدودة ” التي أجاز القانون أن تقوم على رجل واحد .
-وإذا تخلف ركن ” تقديم الحصص” وهو من أهم الركائز التي تستند إليها الشركة للقيام بمشروعها ذلك لأن مجموع الحصص يكون رأس مالها والضمان العام للدائنين أو في حالة ما إذا تخلف ركن ” نية الشركة ” الذي يعد العمود الفقري لقيام الشخص المعنوي لأن هذه النية هي التي تميز عقد الشركة عن عقود الأخرى .

إذن مشكل البطلان في هذا المجال لإيثار لأن الشركة تكون منعدمة في نظر القانون وإن كان يظهر البطلان فقط في ركن اقتسام الأرباح والخسائر وإذا تخلف هذا الركن يحتوي العقد على شرط الأسد والذي غرضه منح أحد الشركاء من الحصول على الربح أو إعفائه من الخسائر في هذه الحالة يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان بل يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقائي نفسها.

المطلب الثاني : البطلان المؤسس على تخلف الركن الشكلي :

إذا تخلفت الأركان الشكلية في عقد الشركة يترتب على ذلك البطلان وهذا استنادا إلى المادة 418 من القانون المدني التي تنص على :” يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا والأركان باطلا وكذلك يكون باطلا كل ما يدخل على العقد من تعديلات إذ لم يكن له نفس الشكل الذي يكتسبه ذلك العقد غير أنه لا يجوز أن يحتج الشركاء بهذا البطلان قبل الغير ولا يكون له أثر فيما بينهم إلا من اليوم الذي يقوم فيه أحدهم بطلب البطلان ” .
إن هذا البطلان المترتب يعد بطلانا خاصا، إذ ليس بالبطلان المطلق رغم انه يجوز التمسك به من كل ذي مصلحة أو الدفع به ولو لأول مرة، ويختلف عنه لأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقائي نفسها، وليس بالبطلان النسبي رغم أنه يجوز تصحيحه “1” . وهذا الاختلاف هو الذي أدى ببعض الفقه إلى اعتباره بمثابة حل للشركة قبل انتهاء أجلها المحدد في عقد تأسيسها .

———————–
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 50

المبحث الثاني : نظرية الشكلية الفعلية :

المطلب الأول : تعريف الشركة الفعلية

تقضي القاعدة العامة في البطلان المطلق والبطلان النسبي بإعادة الشركاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد وهذا ما يعني أن للبطلان أثرا رجعيا فينهار العقد برمته ويمكن تطبيق هذه القاعدة إذا كشف سبب البطلان منذ البداية ولكن إذا كان العقد قد نفذ ونشأ عنه الشخص المعنوي فإذا طبقت عليه القاعدة العامة أدى ذلك إلى إهدار المعاملات التي قام بها الشخص المعنوي وإزالة آثارها، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج غير عادية سواء من الناحية العملية أو الاقتصادية فلو طبق الأثر الرجعي للبطلان أدى ذلك إلى تجاهل أوضاع ووقائع وجدت فعلا الفترة السابقة على الحكم بالبطلان وأهمها وجود شخص معنوي ارتبط بمعاملات مع الغير فأصبح بموجبها دائنا أو مدينا وحصل على أرباح ومني بخسائر لذا استقر القضاء على أنه متى حكم ببطلان الشركة اقتصر آثاره على المستقبل فحسب دون أن يمتد إلى الماضي إذ تعتبر الشركة قائمة ويعتد بنشاطها للفترة الواقعة بين تكوينها والحكم بالبطلان غير أن الاعتراف بالشركة خلال هذه الفترة ليس سوى اعترف في الوجود الفعلي أو الواقعي للشركة ولا يرتكز على أساس قانون لذا تسمى هذه الشركة بالشركة الفعلية أو الشركة الواقعية ” Société de Foit ” “1”
ونرجو الحكمة من إجاد نظرية الشركة الفعلية قصد حماية الأوضاع الظاهرة تحقيقا لإستقرار المراكز القانونية لأن الغير تعامل مع الشركة قبل الحكم ببطلانها على أساس أنها شركة صحيحة ومن ثم فلا يسوغ أن يفاجئ هذا الغير الذي اطمئن إلى الوضع الظاهر ببطلان الشركة لسبب خفي عليه اما الأساس القانوني التي اعتمدت عليه هذه النظرية هو اعتبار عقد الشركة من العقود المستمرة فإذا قضي بالبطلان تناول البطلان مستقبل العقد فقط وبالنسبة للماضي فتعتبر الشركة موجودة لكن وجودها ليس له كيان قانوني وإنما كيان فعلي وقعي “2”

المطلب الثاني: نطاق نظرية الشركة الفعلية :

يشترط تطبق نظرية الشركة الفعلية أن تكون الشركة قد باشرت أعمالا قبل الحكم بالبطلان أما إذا صدر الحكم قبل مباشرة الشركة أعمالها فلا يكون لها كيان في الواقع ، تجدر الإشارة أن القضاء لم يعترف بوجود الشركة الفعلية في جميع حالات البطلان لأن هناك حالات لا يجوز فيها الاعتراف بوجود الشركة لا في نطاق القانون ولا في نطاق الواقع وعليه نرجع إلى تطبيق القاعدة العامة في البطلان بصفة مطلقة واعتبار الشركة في حكم العدم “3”

الفرع الأول : حالات عدم الاعتراف بوجود الشركة الفعلية
بينما هناك حالات يمكن أن تطبق عليها الشركة الفعلية وتتجلى جل هذه الحالات في :
1-إذا كان البطلان قائما على عدم توفر الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة كعدم وجود نية الاشتراك أو تخلف ركن تقديم الحصص أو تخلف ركن تعدد الشركاء (باستثناء الشركة ذات المسؤولية المحدودة) فلا يكون عندئذ للشركة وجود قانوني ولا فعلي .
——————–
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 51
2- 3 – د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 52

2 -إذا كان البطلان قائما على عدم مشروعية المحل كأن يكون نشاط الشركة مخالف للنظام العام والآداب العامة مثل الاتجار في المخدرات أو الاتجار في تهريب الأسلحة فإن الاعتراف بالوجود الفعلي للشركة معناه الاعتراف بالنشاط غير المشروع الذي قامت من أجله الشركة وهذا ما يتنافى إطلاقا مع المنطق والقانون .
3-يجب التفرقة بين الشركة الفعلية التي وجدت فعلا تعاملت مع الغير بوصفها شخصا معنويا، وبين الشركة التي تكونت بحكم الواقع وهي الشركة التي يتوفر لدى مؤسسيها نية تكوين الشركة بالمعنى القانوني بل هي عبارة عن شركة نشأت تلقائيا فاتجهت إرادة الشركاء فيها إلى التعاون بقصد استغلال مشروع معين وتقييم الأرباح الناجمة عن هذا الاستغلال (وغالبا ما تتمثل هذه الشركة في شركة الأشخاص) بينما تأخذ الشركات الفعلية جميع أنواع الشركات سواء كانت شركة أموال أو شركة أشخاص “1”

الفرع الثاني : الحالات التي يمكن الاعتراف فيها بوجود الشركة الفعلية :
1-إذا كان البطلان مؤسس على نقص أهلية أحد الشركاء أو على عيب شاب رضاءه وأدى هذا البطلان إلى انهيار العقد برمته كما هي الحال في شركة الأشخاص فتعتبر الشركة كأن لم تكن بالنسبة إلى ناقص الأهلية أو الشريك المعيب رضاءه أما بالنسبة لبقية الشركاء فتعتبر الشركة في الفترة بين تكوينها أو الحكم ببطلانها قائمة فعلا ؟ “2”
2-إذا كان البطلان مؤسسا على عدم كتابة عقد الشركة أو شهره تطبق نظرية الشركة الفعلية استنادا إلى النص القانوني المادة 418 / 2 من القانون المدني حيث يستدل من نصها على أن المشرع اعترف بالشركة الباطلة بسبب انعدام الكتابة في مواجهة الغير (في حين يرى بعض الفقهاء “محمد حسن جبر” يرى استبعاد تطبيق نظرية الشركة الفعلية في حالة عدم مراعاة الأركان الشكلية لأن الجزاء في نظره يقتصر على عدم جواز احتجاج الشركة على الغير ) “3”

المطلب الثالث :أثار الاعتراف بوجود الشركة الفعلية :

يترتب على الاعتراف بالوجود الفعلي للشركة في الفترة الواقعة بين ابرام العقد والحكم بالبطلان نتائج هامة سواء بالنسبة للشركة او الشركاء أو بالنسبة للغير .
1-بالنسبة للشركة :
أ/ تعتبر الشركة الفعلية كما لو كانت شركة صحيحة ومن ثمة تتمتع بشخصيتها المعنوية المستقلة عن شخصية الشركاء وتبقى جميع حقوقها والتزامتها قائمة كما تظل تعهدات الشركاء وحقوقهم صحيحة ومرتبة لأثارها سواء فيما بين الشركاء أو بالنسبة للغير .
ب/ يجب حل الشركة وتصفيتها بمجرد صدور الحكم بالبطلان و بمأن الشركة في فترة التصفية تحتفظ بالشخصية المعنوية فمن الجائز شهر إفلاس الشركة الفعلية متى توقفت عن سداد ديونها سواء نشأت هذه الديون قبل الحكم بالبطلان أو أثناء إجراء عملية التصفية ويترتب على إفلاسها شهر إفلاس الشريك المتضامن “4”

————————————–
1- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 53
2- د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 53
3-4 د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 54

2- بالنسبة للشركاء : في حالة بطلان الشركة وتصفيتها، تقسم موجودات الشركة والأرباح والخسائر طبقا للشروط الواردة في العقد التأسسي، ويلتزم الشركاء الذين لم يقدموا حصصهم بتقديمها، ويكون كل شريك مسؤولا عن ديون الشركة بحسب نوع الشركة وطبيعة الدين وشرط العقد

3-بالنسبة للغير : إن جميع التصرفات التي التزمت بها الشركة في مواجهة الغير تعد صحيحة ومنتجة لآثارها (رغم الحكم ببطلانها) ويحق لدائني الشركة التمسك ببقائها حتى يجتنبوا مزاحمة الدائنين الشخصيين للشركاء ويكون لهم حق التنفيذ على أموال الشركة، كما لهم حق شهر إفلاسها وتقسيم أموالها لاستيفاء ديونهم حسب قواعد الإفلاس . أما إذا تعرضت مطالب دائني الشركة أنفسهم بحيث تمسك بعضهم ببطلان الشركة كما لو كانوا دائنين شخصيين في نفس الوقت لبعض الشركاء بينما تمسك البعض الآخر ببقاء الشركة فطبقا للرأي الفقهي والقضائي في كل من فرنسا ومصر يجب ترجيح الجانب الذي طلب الحكم بالبطلان لأنه هو الأصيل .
بالنسبة لدائني الشركة الشخصيين : يحق لدائني الشركاء الشخصيين التمسك بالبطلان إذا كانت لهم مصلحة في ذلك، وتتمثل هذه المصلحة في التنفيذ على حصة الشريك المدين بعد تصفية الشركة إثر الحكم بالبطلان “1”

– د . نادية فوضيل / الشركة التجارية في القانون التجاري الجزائري ص 55

الأصل في البطلان أن يتم بأثر رجعي مقتضاه إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل تقريره، على أن أعمال هذا الأثر الرجعي للبطلان في شأن الشركة لا يستقيم إذا كانت قد عاشت فترة وصارت لها معاملات مع الغير ، فلا يسوغ اعتبار الشركة كأن لم تكن وإنكار وجودها في الفترة التي قامت فيها كشخص معنوي لما يترتب على ذلك من نتائج شاذة وضارة بالغير ومن ثم اتجه القضاء إلى الاعتراف بالوجود الفعلي للشركة إذا تعرضت للبطلان قبل الحكم به بحيث يعطل أثره الرجعي، فلا يسري بطلان الشركة على الماضي ولكن يقتصر أثره على المستقبل فقط . “1”

——————————

1- مراد منير فهيم / القانون التجاري / الدار الجامعية ص 247

د. نادية فوضيل ” أحكام الشركة طبقا للقانون التجاري الجزائري ”
(شركات الأشخاص )
دار هومة – طبعة 2002
مراد منير فهيم / القانون التجاري / الدار الجامعية