عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (35) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية

المحكمة الدستورية العليا المصرية

قضية رقم 84 لسنة 27 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: تنظيم الحق في العمل – الحق في التعويض
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 7 يونيه سنة 2009 م، الموافق 14 جمادي الآخر سنة 1430 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبد الواحد
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ ماهر البحيري ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو وتهاني محمد الجبالي
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 27 قضائية “دستورية”، المحالة من محكمة القضاء الإداري بقنا، بحكمها الصادر بجلسة 19/12/2004، في الدعوى رقم 130 لسنة 10 قضائية.
المقامة من
السيدة / …، عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر؛ و… و… و…
ضد
1- السيد/ وزير الداخلية
2- السيد/ مدير أمن قنا

الإجراءات
بتاريخ الثالث من أبريل سنة 2005، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1301 لسنة 10 قضائية – قضاء إداري قنا بعد أن حكمت تلك المحكمة بجلسة 19/12/2004 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (35) من القانون رقم 109 لسنة 1971.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من حكم الإحالة على وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعية عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر أقامت أمام محكمة القضاء الإداري بقنا الدعوى رقم 1301 لسنة 10 قضائية ضد المدعى عليهما بطلب الحكم بأحقيتها في صرف كامل المقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية المستحقة لمورثها، وقالت بيانا لذلك إنه كان يعمل ضابط شرطة وتوفي أثناء الخدمة بتاريخ 15/5/2001، وقامت جهة عمله بصرف المقابل النقدي عن 165 يوما من جملة رصيد إجازاته الاعتيادية البالغ 695 يوما، فأقامت دعواها الموضوعية بطلباتها سالفة الذكر. وإذ رأت محكمة الموضوع شبهة عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (35) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 109 لسنة 1971، فقد أوقفت الفصل في الدعوى وأحالت أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ذلك النص.

وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (35) من قانون هيئة الشرطة تنص على أنه “فإذا انتهت خدمة الضابط قبل استنفاد رصيده من الإجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الذي كان يتقاضاه عند انتهاء خدمته كاملا وذلك بما لا يجاوز اثني عشر شهرا”.

وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل إلا أنها لا يجوز أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وذلك لكي يستعيد خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز له تبعا لذلك أن ينزل عنها ولو كان هذا النزول ضمنيا بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة عمله، فلا يملك أيهما إهدارها كليا أو جزئيا إلا لأسباب جوهرية تقتضيها مصلحة العمل.

وحيث إن المشرع قد دل بنص الفقرة المطعون عليها أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاء ادخاريا من خلال ترحيل مددها ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر. وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاته قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء قصده فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة قدرها بإثني عشر شهرا باعتبار أن قصرها على هذا النحو يعتبر كافلا للإجازة السنوية غايتها فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها، إلا أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعا إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد في ذلك، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها فيجوز للعامل عندئذ – كأصل عام – أن يطلبها جملة إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا عينا، وإلا كان التعويض عنها واجبا، تقديرا بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل، فكان لزاما أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.

وحيث إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان 32 و34 من الدستور اللتان صان بهما حق الملكية الخاصة والتي تتسع للأموال بوجه عام وتنصرف تبعا لذلك إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المقابل النقدي المستحق عن رصيد الإجازات السنوية التي لم يحصل عليها العامل بسبب مقتضيات العمل حتى انتهاء خدمته يعد تعويضا له عن حرمانه من هذه الإجازات، ومن ثم فإن النص المطعون عليه وقد حرم العامل من حقه الكامل في التعويض المكافئ للضرر الجابر له يكون قد جاء مناقضا للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة، والمكفولة بنص المادتين 32 و34 من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (35) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 109 لسنة 1971 وذلك فيما تضمنه من حرمان الضابط من المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما يجاوز اثني عشر شهرا متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعا إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل.