اضاءات حول أحكام اجارة الوقف وفقاً للقانون المصري .

القوانين المنظمة لإجارة الوقف:

الأصل العام:

نظمت نصوص القانون المدني (الشريعة العامة للمعاملات) أحكام إجارة الوقف وذلك في المواد من 628 إلى 634. وعني فيها المُشرع بتعيين من يجوز له تأجير الوقف أو استئجاره (المواد 628 : 630)، وبأجرة الوقف (المادتان 631 و 632)، ومدته (المادة 633).

أما ما عدا ذلك من المسائل المتعلقة بإيجار الوقف، فقد تركت للقواعد العامة، وهي في الأصل القواعد العامة للإيجار في الشريعة الإسلامية، ولكن المشرع الوضعي استبدل بها قواعد عقد الإيجار المنصوص عليها في القانون المدني، حيث نصت المادة 634 مدني على أنه: “تسري أحكام عقد الإيجار على إجارة الوقف إلا إذا تعارضت مع النصوص السابقة”. وبناء على ذلك، أصبح إيجار الوقف يخضع

– أولاً لأحكام المواد من 628 : 633 مدني (وهي التي قننت فيها أحكام الشريعة الإسلامية)،

– ثم لأحكام الإيجار بوجه عام المنصوص عليها في المادة 558 مدني وما بعدها من القانون المدني،

– ثم لسائر أحكام الشريعة الإسلامية.

الاستثناء من الأصل العام:

غير أنه نظراً لصدور بعض قوانين خاصة بإيجار أنواع معينة من الأموال، مثل قانون إيجار الأماكن (القانون رقم 121 لسنة 1947 وما استبدل به من قوانين أخرى)، وقانون الإصلاح الزراعي (رقم 178 لسنة 1952 والقوانين المعدلة له)، فإن هذه القوانين تكون هي الواجبة التطبيق أولاً على إيجار الوقف، كل منها في نوع الأموال الموقوفة الذي يندرج تحت حكمه، وتعتبر ناسخة سائر الأحكام فيما يتعارض معها، ثم يطبق في خصوص المسائل التي لا تتناولها تلك القوانين أحكام الإيجار وذلك على الترتيب الوارد فيما تقدم.

اقتصار أحكام إيجار الوقف على الوقف الخيري فقط:

بصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 342 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، وحل الأوقاف الأهلية القائمة، وملكها للمستحقين فيها، لم يبق في الوقت الحاضر إلا الوقف الخيري الذي يكون الموقوف عليه جهة بر لا تنقطع، والوقف الخيري هو الذي ينحصر فيه تطبيق أحكام إيجار الوقف.

أما الأوقاف الأهلية، حتى إذا ظلت تحت يد وزارة الأوقاف، باعتبارها حارسة قانونية عليها، لإدارتها ومحاسبة المستحقين فيها لحين تسليمها إليهم، فلا تخضع لأحكام إيجار الوقف سالفة الذكر.

وكذلك ما تقوم وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف ببنائه أو شرائه (ولو بمال البدل أو ريع الأوقاف) من أموال وعقارات، بحيث تكون هي المالكة مباشرة لتلك الأموال وليست مجرد ناظرة أو مديرة لها، لا تخضع لأحكام إيجار الوقف المتقدم ذكرها.

فأحكام إيجار الوقف لا تطبق إلا على الأوقاف الخيرية فقط والتي يقوم الناظر على الوقف بتأجيرها، أما ما عدا ذلك فلا تطبق عليه أحكام إيجار الوقف.

مدة إيجار الوقف:

في الوقف الخيري، الذي يقوم الناظر عليه بتأجيره، يُشترط ألا تزيد مدة الإجارة عن ثلاث سنوات، حيث تنص المادة 633 من القانون المدني على أنه: “

1- لا يجوز للناظر بغير إذن القاضي أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين ولو كان ذلك بعقود مترادفة، فإذا عقدت الإجارة لمدة أطول، أنقصت المدة إلى ثلاث سنين.

2- ومع ذلك إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد، جاز له أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين بلا حاجة إلى إذن القاضي، وهذا دون إخلال بحق الناظر الذي يخلفه في طلب إنقاص المدة إلى ثلاث سنين”.

ويبين من حكم الفقرة الأولى أن المشرع أخذ بأحكام الشريعة الإسلامية من حيث أنه منع الناظر من تأجير الوقف لأكثر من ثلاث سنوات إلا بإذن القاضي – والمفروض أن القاضي لا يأذن إلا لضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً إلى العمارة ولا يقبل المستأجر تعميره إلا إذا أستأجره مدة طويلة – وقد حل مجلس الوكلاء حالياً محل القضاء في الإذن بالتأجير لمدة تزيد عن ثلاث سنوات طبقاً لأحكام قانون تنظيم وزارة الأوقاف وتعديلاته – وقد جعل المشرع جزاء هذا المنع النقص لا البطلان. أي أنه في حالة مجاوزة المدة المُقررة، لا بطلان الإجارة، بل مجرد نقص مدتها إلى الحد الجائز شرعاً وقانوناً، مع إلزام الناظر بالتعويض إذا ثبت سوء نيته، ولا يقبل من المستأجر ادعاؤه بعدم علمه بحدود سلطة الناظر في التأجير إذ الواجب عليه أن يطلب من الناظر إطلاعه على شروط الوقف وعلى تقرير النظر.

من له طلب إنقاص المدة:

خلاصة ما تقدم، إنه لا يجوز إجارة الوقف الخيري لأكثر من ثلاث سنوات إلا في حالتين: الأولى- إذا أذن القاضي بذلك، والثانية- إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد.

فإذا أجر الناظر أعيان الوقف في غير هاتين الحالتين لأكثر من المدة الجائزة لا يكون طلب إنقاص المدة إلا من الناظر الذي يخلفه بعد عزله أو من الناظر المنضم إليه إذا بقي مع انضمام ناظر إليه. فلا يجوز ذلك للناظر نفسه، ولا يجوز للمستحقين في الوقف، وإنما يكون لهؤلاء أن يطلبوا عزل الناظر الذي جاوز حدود سلطته بهذه الإجارة وتعيين ناظر آخر مكانه يتولى هو طلب إنقاص المدة. فما دام الناظر الذي أبرم الإجارة الزائدة عن الحد القانوني متولياً على الوقف، فإن هذه الإجارة تبقى سارية . فإذا ما تغير هذا الناظر وتقرر نقص المدة، كان للمستأجر حق الرجوع عليه بالتعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب ذلك. (المرجع: “الوافي في شرح القانون المدني” – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: في العقود المسماة – المجلد الثاني: عقد الإيجار – الطبعة الرابعة 1993 القاهرة – بند 323 – صـ 907).

حكم نقض:

من المُقرر في قضاء النقض أنه: “إذا كان الناظر هو المُستحق الوحيد، ولم يمنعه الواقف من ذلك، جاز له أن يؤجر أعيان الوقف لمدة تزيد على ثلاث سنوات، ويسرى الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإذا ما انتهت، جاز للناظر الذي يخلفه إذا لم تكن الإجارة قد انقضت وكانت المدة الباقية منها أكثر من ثلاث سنوات أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات”. (نقض مدني في الطعن رقم 36 لسنة 25 قضائية – جلسة 25/6/1959 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – الجزء الثاني – صـ 488 – فقرة 3).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .