الطعن 61 لسنة 49 ق جلسة 13 / 5 / 1982 مكتب فني 33 ج 1 ق 92 ص 508 جلسة 13 من مايو سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عاصم المراغي، يوسف أبو زيد، مصطفى صالح سليم ودرويش عبد المجيد.
————
(92)
الطعن رقم 61 لسنة 49 القضائية

(1) دعوى. “الدعوى البوليصية”. محكمة الموضوع. إثبات “القرينة القانونية”.
إثبات الدائن إعسار مدينه، القرينة القانونية الواردة بالمادة 239 مدني. مؤداها. محكمة الموضوع لها تقدير ما إذا كان تصرف المدين قد سبب إعساره أو زاد فيه عدم خضوعها في ذلك لرقابة محكمة النقض ما دام استخلاصها سائغاً.
(2)دعوى. “الدعوى البوليصية”. التزام “غش المدين”. إثبات. محكمة الموضوع.
طلب الدائن عدم نفاذ التصرف الصادر من مدينه بعوض. وجوب انطواء هذا التصرف على غش – تواطؤ – من المدين. م 238 مدني. إثبات الغش. كيفيته. محكمة الموضوع لها استنتاج وجوده. لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً.
(3)حكم “تناقض الأحكام”.
التناقض الذي يفسد الأحكام. ماهيته.
(4)دعوى. “الدعوى البوليصية”. عقد التزام “آثار الالتزام”.
الدعوى البوليصية. ماهيتها. دعوى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين إضراراً بدائنه. عدم مساس الحكم الصادر فيها بصحة العقد الصادر من المدين. بقاؤه صحيحاً وقائماً بين عاقديه.
(5) بيع “دعوى صحة ونفاذ البيع”. ملكية.
دعوى المشتري بصحة ونفاذ عقد البيع. ماهيتها. إجابة المشتري إلى طلبه. شرطه. أن يكون انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكنين. (مثال لتعدد المشترين).

————–
1 – النص في المادة 239 من القانون المدني على أنه “إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالاً يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها” يدل على أن المشرع قد وضع قرينة قانونية تيسر على الدائن إثبات إعسار المدين، فليس عليه إلا أن يثبت ما في ذمته من ديون وعندئذ تقوم قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على أن المدين معسر وينتقل عبء الإثبات بفضل هذه القرينة إلى المدين وعليه هو أن يثبت أنه غير معسر ويكون ذلك بإثبات أن له مالاً يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها، فإن لم يستطع إثبات ذلك اعتبر معسراً وإذا طولب المدين بإثبات أن له مالاً يساوي قيمة ديونه وجب عليه أن يدل على أموال ظاهرة لا يتعذر التنفيذ عليها وإلا اعتبر معسراً، وتقدير ما إذا كان التصرف هو الذي سبب إعسار المدين أو زاد في هذا الإعسار مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض، ما دام استخلاص محكمة الموضوع لها سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق.
2 – البين من نص المادة 238 من القانون المدني أنه إذا كان التصرف الصادر من المدين معاوضة وجب أن يكون منطوياً على غش من المدين، ويراد بالغش الإضرار بحقوق الدائن، وعلى الدائن أن يثبت أن المدين وقت أن صدر منه البيع كان يعلم أن هذا البيع بسبب إعساره أو يزيد في إعساره أن من صدر له التصرف يعلم ذلك أيضاً ويستطيع أن يستخلص هذا العلم من بعض القرائن القضائية التي تقدم في الدعوى، وإذ أثبت الدائن علم المدين بإعساره وأنه من صدر له التصرف يعلم ذلك أيضاً كان هذا قرينة على غش المدين وغش من صدر له التصرف وإن كانت غير قاطعة، وما دام لم يثبت أي منهما أنه لم تكن عنده نية الإضرار بالدائن فرض الغش من جانبهما، واستنتاج وجود الغش – أي التواطؤ – بين البائع والمشتري من ظروف الدعوى ووقائعها هو مسألة موضوعية تنحسر عنها رقابة محكمة النقض ما دام استخلاص محكمة الموضوع له سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
3 – التناقض الذي يفسد الأحكام هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ما تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو ما يكون واقعاً في أسبابه بحيث لا يمكن معه أن يفهم على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في منطوقه.
4 – الدعوى البوليصية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ليست في حقيقتها إلا دعوى لعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين إضراراً بدائنه ولا يمس الحكم الصادر فيها صحة العقد الصادر من المدين بل يظل هذا العقد صحيحاً وقائماً بين عاقديه منتجاً كافة آثاره القانونية بينهما، وليس من شأن الدعوى البوليصية المفاضلة بين العقود بل هي دعوى شخصية لا يطالب فيها الدائن بحق عيني ولا يؤول بمقتضاها الحق العيني إليه أو إلى مدينه بل أنها تدخل ضمن ما يكفل به القانون حقوق الدائنين ضمن وسائل الضمان، دون أن يترتب على الحكم فيها لصالح الدائن أن تعود الملكية إلى المدين وإنما ترجع العين فقط إلى الضمان العام للدائنين.
5 – دعوى صحة ونفاذ عقد البيع هي دعوى استحقاق ما لا يقصد بها تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذاً عينياً والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية ولا يجاب المشتري إلى طلبه، إلا إذا كان انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكنين ويترتب على ذلك أنه إذا كان البائع قد باع العقار مرة ثانية لمشتر ثان، وسجل هذا التعاقد قبل أن يتمكن المشتري الأول من التسجيل أصبح تنفيذ التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري الأول غير ممكن عيناً وتحول حق المشتري إلى تعويض.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل في أن المطعون ضدهما أقاما الدعوى رقم 4054 سنة 1974 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعنين بطلب الحكم. (أولاً) بعدم نفاذ التصرف الصادر من الطاعن الأول إلى باقي الطاعنين والمسجل برقم 2800 في 8/ 8/ 1973 شهر عقاري طنطا بالنسبة لما مقداره 1 ف و20 ط أرضاً زراعية باعها إليهما. (ثانياً) بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 1/ 4/ 1972 المتضمن بيع الطاعن الأول للمطعون ضدها الأولى أرضاً زراعية مساحتها 1 ف لقاء ثمن مقداره 500 ج (ثالثاً) بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 14/ 4/ 1972 المتضمن بيع الطاعن الأول للمطعون ضده الثاني 20 ط أرضاً زراعية لقاء ثمن مقداره 417 ج واستندا في دعواهما إلى أن الطاعن الأول بعد أن أصدر إليهما العقدين المؤرخين 10، 14/ 4/ 1972 قام بتهريب أمواله إلى أبنائه – باقي الطاعنين – حيث باعهم كل أطيانه بموجب العقد المسجل آنف الذكر بقصد الإضرار بهما. وبتاريخ 18/ 6/ 1975 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي أن العقد المسجل صدر من الطاعن الأول وهو في حالة إعسار إضراراً بالمطعون ضدهما وأن باقي الطاعنين كانوا على علم بذلك وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين عادت وقضت بتاريخ 26/ 5/ 1976 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2826 سنة 93 ق وبتاريخ 24/ 1/ 1978 أحالت هذه المحكمة بدورها الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي توافر شرائط عدم النفاذ. وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين قضت بتاريخ 20/ 11/ 1978 بطلبات المطعون ضدهما. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه نقضاً جزئياً في خصوص قضائه بصحة ونفاذ عقدي المطعون ضدهما. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين ينعى الطاعنون بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في استخلاص الوقائع وفي تطبيق القانون من ثلاثة وجوه حاصل أولاها والشق الثاني من ثانيهما أن المادة 238/ 1 من القانون المدني تشترط لعدم نفاذ التصرف في حق الدائن أن يصدر من المدين تصرف مفتقر وأن يرتب إعساره أو لزيادة في إعساره وأن تتوافر علاقة السببية بين هذا التصرف والإعسار، والثابت أن الطاعن الأول كان لا يزال يمتلك ستة أفدنة بحوش عيسى عندما أصدر التصرف الذي قضى الحكم المطعون فيه بعدم نفاذه وبذلك لا يكون هذا التصرف مفقراً، كما كان يمتلك وقتئذ 29 ف بناحية جذور تصرف فيهم في تاريخ لاحق لباقي الطاعنين بموجب العقد المشهر تحت رقم 4286 سنة 73 القاهرة بتاريخ 12/ 12/ 1973 ورغم أنه تقوم بشأن هذا التصرف اللاحق مظنة الإعسار فقد قضى الحكم المطعون فيه بعدم نفاذ التصرف الأول. هذا إلى أن الحكم استنتج من علاقة الأبوة أن المتصرف إليهم يعلمون حقيقة ما يملك المتصرف والمركز المالي له ثم استنتج من هذا العلم علمهم بأنه قد أبرم التصرف بقصد الإضرار بالدائنين – المطعون ضدهم – وهو ما لا يتفق مع الواقعة إذ أن الوالد يظهر دائماً أمام أولاده بمظهر المليء كما أن الحكم إذ قضى بعدم النفاذ بالنسبة لمسطح قدره 1 ف و20 ط يكون قد جزأ التصرف الذي يرد على 38 ف وبذلك يكون فضلاً عن خطئه في استخلاص الواقع قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن النص في المادة 239 من القانون المدني على أنه “إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن يثبت أن له مالاً يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها” يدل على أن المشرع قد وضع قرينة قانونية تيسر على الدائن إثبات إعسار المدين فليس عليه إلا أن يثبت ما في ذمته من ديون وعند ذلك تقوم قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على أن المدين معسر وينتقل عبء الإثبات بفضل هذه القرينة إلى المدين وعليه هو أن يثبت أنه غير معسر، ويكون ذلك بإثبات أن له مالاً يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها، فإن لم يستطع إثبات ذلك اعتبر معسراً وإذا طولب المدين بإثبات أن له مالاً يساوي قيمة ديونه وجب عليه أن يدل على أموال ظاهرة لا يتعذر التنفيذ عليها، وإلا اعتبر معسراً، وتقدير ما إذا كان التصرف هو الذي سبب إعسار المدين أو زاد في هذا الإعسار مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض ما دام استخلاص محكمة الموضوع لها سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق. وإذ كان البين من نص المادة 238 من القانون المدني أنه إذا كان التصرف الصادر من المدين معاوضة وجب أن يكون منطوياً على غش من المدين فإنه يراد بالغش بحقوق الدائن، وإذ كان على الدائن أن يثبت أن المدين وقت أن صدر منه البيع كان يعلم أن هذا البيع بسبب إعساره أو يزيد في إعساره وأن من صدر له التصرف يعلم ذلك أيضاً فإنه يستطيع أن يستخلص هذا العلم من بعض القرائن القضائية التي تقوم في الدعوى، وإذ أثبت الدائن علم المدين بإعساره وأن من صدر له التصرف يعلم ذلك أيضاً كان هذا قرينة على غش المدين وغش من صدر له التصرف وإن كانت غير قاطعة، وما دام لم يثبت أي منهما أنه لم تكن عنده نية الإضرار بالدائن فرض الغش في جانبهما، واستنتاج وجود الغش – أي التواطؤ – بين البائع والمشتري من ظروف الدعوى ووقائعها هو أيضاً مسألة موضوعية تنحسر عنها رقابة محكمة النقض ما دام استخلاص محكمة الموضوع له سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. ولما كانت الدعوى البوليصية ليست في حقيقتها إلا دعوى بعدم نفاذ تصرف المدين الضار بدائنه في حق هذا الدائن وبالقدر الذي يكفي للوفاء بدينه، وكانت مستندات الطاعنين لا تحمل ما يفيد سبق طرحها على محكمة الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتوافر الغش لدى كل من المدين – الطاعن الأول – والمتصرف إليهم – باقي الطاعنين -وعلم كل منهما باعتبار المدين على قوله:
“وحيث إن المستأنفين – المطعون ضدهما – قدما صورة رسمية من عقد بيع مسجل برقم 4286 لسنة 73 المصدق عليه في 12/ 12/ 73 بجنوب القاهرة بتصرف المستأنف عليه الأول – الطاعن الأول – إلى أولاده – باقي الطاعنين – للولدين بحق 12 و4 و2 وللبنات الثلاث بوقع 4 ف و13 ط وذلك بتبرئة حوش عيسى 9 وحيث إن الثابت من شهادة الشهود إثباتاً ونفياً ومن عقد البيع المصدق عليه في 12/ 12/ 73 أن المستأنف عليه الأول – الطاعن الأول – قد تصرف في جميع أملاكه لأولاده ولم يعد يملك شيئاً، كما أن الثابت من شهادة الشهود أنه أصبح يعول في معيشته على أولاده الذين يعيش معهم. وحيث إن على المستأنف عليهم – الطاعنون غير الأول – بأن والدهم أصبح معسراً ثابت في حقهم من تصرف الوالد إليهم في كل ما يملك وهم بحكم صلتهم بوالدهم يعرفون حقيقة ما يملك وتعين إجابة المستأنفين – المطعون ضدهما – إلى طلب الحكم بعدم نفاذ التصرف الصادر من المستأنف عليه الأول – الطاعن الأول – إلى باقي المستأنف عليهم – باقي الطاعنين – والمسجل برقم 2800 لسنة 73 طنطا وذلك بالنسبة لمساحة الأطيان المباعة للمستأنفين ومساحتها 1 ف و20 ط” ولما كان هذا الذي أورده الحكم سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن مجادلة الطاعنين في هذا الصدد تعتبر مجادلة في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل تنحسر عنها رقابة محكمة النقض ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والتناقض، وفي بيان ذلك يقولون إنهم ثاروا في مذكرة دفاعهم المقدمة لمحكمة الاستئناف أن أولهم كان يملك في تاريخ تسجيل التصرف المطلوب الحكم بعدم نفاذه ما مقداره 32 فداناً وبذلك لا يكون معسراً إذ أن دين المطعون ضدهما هو 917 ج في حين أن ثمن هذه الأفدنة مبلغ 32000 ج لكن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع الجوهري الذي يغير وجه الفصل في الدعوى. هذا إلى أن الحكم أثبت أن الطاعن الأول لم يعد يملك شيئاً بإبرامه التصرف المصدق عليه برقم 4286 لسنة 73 ثم انتهى إلى عدم نفاذ التصرف المشهر في تاريخ سابق عليه تحت رقم 2800 لسنة 1973 طنطا. كما إن تقريراته مؤدى إلى الحكم بالصورية وليس إلى الحكم بعدم النفاذ بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مجرد عن الدليل لخلو مدونات الحكم المطعون فيه مما يفيد تمسك الطاعنين بالدفاع الذي ينوهون به وعدم تقديمهم ما يدل على إثارته أمام محكمة الاستئناف وإغفال الحكم المطعون فيه الرد عليه. لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة غير ملزمة بتكليف الخصوم تقديم ما يؤيد الطعن فإن النعي بالشق الأول لا يكون مقبولاً. والنعي في وجهه الثاني مردود، ذلك أن التناقض الذي يفسد الأحكام هو – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ما تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو ما يكون واقعاً في أسبابه بحيث لا يمكن معه أن يفهم على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في منطوقه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قرر أن عقد البيع المشهر بتاريخ 12/ 12/ 73 أدى إلى إعسار الطاعن الأول الذي لم يعد يملك شيئاً كما خلص الحكم من أقوال الشهود إلى هذه النتيجة ورتب على ذلك قضاءه بعدم نفاذ التصرف المطعون فيه المشهر بتاريخ 8/ 8/ 73 برقم 2800 لسنة 73 طنطا وذلك بالنسبة لمساحة الأطيان المبيعة إلى المطعون ضدهما فإنه يكون قد تحقق من الإعسار من البيانات المطروحة عليه ويكون تعيينه بالتناقض على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالشق الأول وبالوجه الثاني للسبب الأول وبالوجه الثالث للسبب المذكور أن الحكم المطعون فيه أخطأ في فهم طبيعة دعوى صحة ونفاذ عقد البيع الوارد على عقار إذ يتعين للحكم بصحة ونفاذ هذا العقد أن يكون نقل الملكية ممكناً، فإذا كان مستحيلاً – سواء أكانت الاستحالة مادية أو قانونية – امتنع هذا الحكم. ولا شك أن بيع ذات العين إلى مشتر ثان قام بتسجيل عقده يضع البائع في حالة استحالة قانونية لتنفيذ التزامه بنقل الملكية ومن ثم يتحول الأمر إلى تعويض، ومع ذلك قضى الحكم المطعون فيه بصحة ونفاذ عقدي المطعون ضدهما رغم ثبوت انتقال الملكية إلى مشتر آخر. كما أن الحكم لم يتبين الطبيعة الصحيحة للدعوى البوليصية من حيث إن الغرض منها هو تمكين الدائن من أن يقتضي دينه من ثمن العين محل التصرف المطعون عليه بها على خلاف دعوى الصورية التي يقصد بها محو العقد الظاهر وإزالة كل أثر له وتقرير أن العين لم تخرج من يد المدين، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه لما كانت الدعوى البوليصية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ليست في حقيقتها إلا دعوى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين إضراراً بدائنه ولا يمس الحكم الصادر فيها صحة العقد الصادر من المدين بل يظل هذا العقد صحيحاً وقائماً بين عاقديه منتجاً كافة آثاره القانونية بينهما، وليس من شأن الدعوى البوليصية المفاضلة بين العقود بل هي دعوى شخصية لا يطالب فيها الدائن بحق عيني ولا يؤول بمقتضاها الحق العيني إليه أو إلى مدينه بل أنها تدخل ضمن ما يكفل به القانون حقوق الدائنين ضمن وسائل الضمان، دون أن يترتب على الحكم فيها لصالح الدائن أن تعود الملكية إلى المدين وإنما ترجع العين فقط إلى الضمان العام للدائنين، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى صحة ونفاذ عقد البيع هي دعوى استحقاق ما لا يقصد بها تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذاً عينياً والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية ولا يجاب المشتري إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكنين ويترتب على ذلك أنه إذا كان البائع قد باع العقار مرة ثانية لمشتر ثان، وسجل هذا التعاقد قبل أن يتمكن المشتري الأول من التسجيل أصبح تنفيذ التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري الأول غير ممكن عيناً وتحول حق المشتري الأول إلى تعويض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بصحة ونفاذ عقدي البيع الصادرين للمطعون ضدهما رغم استحالة انتقال الملكية إليهما لسبق تسجيل عقد المطعون ضدهم غير الأول فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه نقضاً جزئياً في هذا الشق من قضائه.
وحيث إن الموضوع في هذا الصدد صالح للفصل فيه. ولما تقدم يتعين القضاء بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب صحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 1/ 4/ 72، 14/ 4/ 1972.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .