ورقة عمل حول التجربة المصرية في إعداد و صياغة و مراجعة مشروعات القوانين

تجربة مصر في إعداد وصياغة ومراجعة مشروعات القوانين

إعداد المستشار محمد عزت السيد

ورقة عمل من مؤتمر تجارب الدول العربية في إعداد وصياغة مشروعات القوانين مقارنة بالاتجاهات الدولية الحديثة
دبي : 12 – 14 ديسمبر 2010

مقدمة :

محور هذه المناقشة هو الأداء الفني في صناعة التشريع في مصر وبالتحديد دور مجلس الدولة بأجهزته المختلفة في هذه الصناعة .

تعريف التشريع :

إذا كان التشريع هو مجموعة من القواعد القانونية التي تخاطب السلوك الاجتماعي وتكون مصحوبة بجزاء ، وتصدر عن الهيئة التشريعية أو أحدى سلطات الدولة .

السياسة التشريعية :

وكان التشريع المكتوب هو الأداة التي يتم بواسطتها تطبيق السياسة العامة العليا في المجالات المختلفة ، وبالتالي فإن السياسة التشريعية هي في حقيقتها انعكاس للسياسة العامة في الدولة ، فإن الاهتمام بمسألة الصياغة القانونية ليس مجرد اعتناء بالجانب الشكلي والإجرائي ، إنما الهدف منه هو الوصول إلى تطبيق دولة القانون من خلال سن تشريع جيد ومتطور في منتهى الوضوح والدقة في الصياغة ، منسجم مع الدستور ، وغير متعارض مع القوانين الأخرى ، مفهوم لدى عامة الناس ، وقابل للتطبيق .

ولذلك فإن الصياغة التشريعية الجيدة تتميز بعدة سمات :
سمات الصياغة التشريعية الجيدة :

1- أن يكون حجم القانون معقولا حتى يمكن للشخص العادي أن يلم به، لأنه في الأصل هو المخاطب به .

2- أن تكون الألفاظ والعبارات المستخدمة في القانون واضحة وبسيطة بما يكفي لأن يدركها الشخص العادي .

3- أن يكون القانون مستقراً بحيث يمكن للناس بمجرد العلم به أن يعيشوا حياتهم وهو في اطمئنان إلى إنهم يعرفون القانون ولا يخالفونه .

من مشكلات صناعة التشريع :

1- قصور الدراسات اللازمة لإعداد التشريعات أو غيبه الإحاطة العلمية بالظاهرة الاجتماعية محل التشريع :
فالتشريع عندنا – في معظم الحالات – يصدر عفو الخاطر نتيجة لانطباعات هي في الغالب اعتبارات وقتية سرعان ما تتغير الأمر الذى يعجل بتباعد التشريع عن الواقع الاجتماعي مما يدفع المشرع إلى المسارعة بتعديل التشريع بعد فترة وجيزة من صدورها .

2- ظاهرة التضخم التشريعى :
بحيث أصبح عدد التشريعات النافذة في مصر فوق طاقة علم رجال القانون والمشتغلين به فما بالنا بالمواطن العادى المخاطب بأحكام القانون .

وحق اقتراح القوانين طبقاً لأحكام المادة ( 109 ) من دستور عام 1971 مقرر لرئيس الجمهورية ولأعضاء مجلس الشعب ، ويمارس رئيس الجمهورية هذا الحق عن طريق الوزراء ومجلس الوزراء .
إذن بالنسبة لمشروعات القوانين التي تعدها الحكومة القاعدة التي تسير عليها العمل هى أن وزارة تنفرد باقتراح مشروع القانون الجديد لمعالجة مشكلة معينة تقصر القوانين القائمة عن حلها .
فتعد الوزارة مشروع القانون ، ويفترض قانوناً بعد ذلك تقوم بإحالته إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته وصياغته ، وإعادته إلى الوزارة المعنية التي تحيله بعد ذلك إلى أمانة مجلس الوزراء والتي تحيله بدورها إلى لجنة الشئون التشريعية بالمجلس ، ثم يجد طريقه بعد ذلك إلى مجلس الوزراء ، ثم يصدر القرار الجمهوري بإحالته إلى مجلس الشعب .

إن دور مجلس الدولة في العملية التشريعية قد حددته المادتان ( 63 ، 64 ) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 .
فعملا بالمادة ( 63 ) المشار إليها يجب على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أي قانون أو قرار من رئيس الجمهورية ذى صفة تشريعية أو لائحية أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته ، ويجوز لها أن تعهد إليه بإعداد هذه التشريعات .
وقد أوضح قسم التشريع أنه يجب على الجهة طالبة المراجعة في الحالة الأخيرة أن تضع تحت نظر القسم جميع البيانات التى تكون المحتوى الموضوعي للمشروع وما تستهدفه عنه وما ترغب في وضعه من أحكام موضوعية [1] .

وطبقا للمادة ( 64 ) المشار إليها يتولى قسم التشريع مراجعة صياغة التشريعات التى يري رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو رئيس مجلس الدولة نظرها على وجه الاستعجال لجنة تشكل من رئيس قسم التشريع أو من يقوم مقامه ، وأحد مستشاري القسم يندبه رئيس القسم ورئيس إدارة الفتوى المختصة .

وجوب عرض مشروع القانون على قسم التشريع بمجلس الدولة دون سواه لمراجعة صياغته فقد أوضحت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بجلاء “أن المشرع في المادة 63 من قانون مجلس الدولة استوجب من كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أي قانون أو قرار من رئيس الجمهورية تكون له صفة تشريعية أو يضم قواعد عامة مجرة أو لائحة أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته ، ولم يغب عن المشرع أمر الاستعجال وما تقتضيه الضرورة في بعض الأحيان من التعجل في إصدار التشريع فرسم لمواجهة ذلك طريقاً آخر عهد فيه بمراجعة صياغة التشريعات التي يرى رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو رئيس مجلس الدولة نظرها على وجه الاستعجال إلى لجنة تشكل من رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة أو من يقوم مقامه وأحد مستشارى القسم ورئيس إدارة الفتوى المختصة .

وأكدت الفتوى أن المشرع لم يخول قسم التشريع بمجلس الدولة دون سواه هذا الاختصاص عبثا وإنما قصد به أن يكفل للتشريع الدقة وحسن الصياغة ، وكمال التنسيق وعدم التعارض ، وضمان تحقيق الانسجام والتناغم بين التشريع الواحد وما في مرتبته من تشريعات ، وحتى لا تتعارض إحدى اللوائح مع أحد القوانين أو الدستور أو يتصادم أحد القوانين مع الدستور أو تأتي صياغته تثير خلافاً في التطبيق بما يؤثر على الاستقرار المنشود للمراكز القانونية [2] .

وبناء على ما تقدم فإنه نقسم هذا البحث إلى الفروع الآتية :

الفرع الأول: المبادئ الرئيسية في إعداد التشريعات

الفرع الثاني: المبادئ الحاكمة لمراجعة التشريعات

الفرع الثالث: فحوى المراجعة التى يتولاها قسم التشريع

خاتمة البحث

*****

[1]
قسم التشريع ملف رقم 79 لسنة 1972 – جلسة 4/2/1972
[2]
فتوى رقم 1131 بتاريخ 19/10/1998 – ملف رقم 37/2/558 جلسة 7/10/1998.

المبادئ الرئيسية في إعداد مشروعات القوانين

هناك مبادئ رئيسية ينبغى عدم الخروج عليها في إعداد التشريعات .
وقد تم استخلاص هذه المبادئ مما استقر عليه قسم التشريع :

أولا- احترام قواعد العدالة والمساواة واحترام الجانب الدينى ومراعاة فكرة الأمن القانوني في المجتمع

فغاية القانون – تنظيم السلوك في المجتمع .
ومن مقومات هذا التنظيم ودواعى بقائه وتحقيق هدفه المنشود أن يتجلى فيه العدل والمساواة واحترام الجانب الدينى ومراعاة فكرة الأمن القانوني في المجتمع وذلك على النحو الآتي :

0 Not allowed! Not allowed!
رد مع اقتباس رد مع اقتباس
07-13-2011 02:54 AM #3
hatemw3d
hatemw3d غير متواجد حالياً
عضو مميز Array الصورة الرمزية hatemw3d

تاريخ التسجيل
Nov 2009
المشاركات
3,148
Articles
0
Thumbs Up/Down
Received: 0/0
Given: 0/0

معدل تقييم المستوى
149

بيانات اخرى

الجنس : ذكر

المستوى الأكاديمي : تعليم ثانوي

الجامعة الحالية/التي تخرجت منها ؟ : جامعة أخرى داخل الاردن

الحالة الاجتماعية : متزوج

افتراضي احترام قواعد العدل

أ. احترام قواعد العدل
فقد أورد قسم التشريع بمجلس الدولة – بخصوص حق الدولة في فرض الضرائب وما ينبغي عليها مراعاته في هذا الشأن – قوله “وأنه وأن كان الدستور خص النظام الضريبي وفقاً للمادة ( 38 ) منه متطلباً أن تكون العدالة الاجتماعية مضموناً لمحتواه وغاية يتوخاها لا تنفك عنها النصوص القانونية التي يقيم المشرع عليها النظم الضريبة على اختلافها إلا أن الضريبة بكل صورها إنما تمثل في جوهرها عبئاً مالياً على المكلفين بها ويتعين وبالنظر إلى وطأتها وخطر تكلفتها وآثارها العرضية على فرص الاستثمار وكذلك على الادخار ( الذى اعتبره الدستور واجبا قومياً ) أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنا عليها بمختلف صورها محدداً الشروط الموضوعية لاقتضائها نائياً – عن التمييز بينها دون مسوغ [1] .

ب. المساواة
هي أحدى القيم العليا ونصت عليها المادة ( 40 ) من الدستور المصري الحالي بقولها : ” المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ” .
ويمكن القول في هذا الصدد ، أن تماثل الظروف يبرر بل يوجب – عند سن التشريع – المساواة في الحكم .

وقد سبق أن عبر عن ذلك قسم التشريع بمجلس الدولة بقوله :
” أن النص في القانون رقم 47 لسنة 1971م على إعفاء مرتبات أفراد القوات المسلحة وضريبة الأمن القومي ، أساسه أن القوات المسلحة يقع عاتقها في الدرجة الأولى عبء الدفاع وحماية الوطن وذلك يمثل أعظم ضريبة تؤدى للوطن وهي ضريبة الدم ، ولهذا يجوز للقانون أن يقرر شمول هذا الإعفاء لطوائف أخرى تخدم في القوات المسلحة في نفس الظروف التى تخضع لها أفراد القوات المسلحة ” [2] .
(ملف رقم (0148) لسنة 1971 – جلسة 25/3/1973)[3]

ويختلف الحكم إذا اختلفت المراكز القانونية ، إذ لا محل للمساواة في هذه الحالة .
وقد سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة أن عبر عن ذلك بقوله :
ليس المقصود بالمساواة في مفهوم نص المادة ( 40 ) من الدستور التى تنص على :
أن ” المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ” المساواة المطلقة بين المصريين جميعا وإنما المقصود بها المساواة النسبية بينهم في هذا الصدد بمعنى المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع من تتحقق فيهم الشروط اللازم توافرها للتمتع بالحق أو الالتزام بالواجب “.
(ملف رقم (237) لسنة 1974م – جلسة 25/8/1974م)[4]

ج. احترام الجانب الدينى في المجتمع
أن القانون الذى ينطوى على خروج على أحكام الدين لا يتقبله الأفراد في المجتمع لأنه يمس بمعتقداتهم وقد أوضحت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري مؤدى ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور المصري الحالى على النحو المشار إليه بقولها :
” الحاصل أن الدستور منذ عدلت المادة الثانية من في 22 مايو سنة 1980 باعتبار ” مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ” ، قد قيد السلطة المختصة بالتشريع بأن تلتزم في وضع التشريعات بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة الإسلامية لاستمداد الأحكام المنظمة للمجتمع ، وذلك حسبما أوضحت لجنة إعداد مشروع التعديل …. ، وحسبما أبانت المحكمة الدستورية العليا في 21 من ديسمبر سنة 1985 م من أنه اعتباراً من هذا التعديل الدستوري للمادة الثانية صارت سلطة التشريع مقيدة فيما تسنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة ، بأن تراعي اتفاق هذه التشريعات مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، وبحيث لا تخرج في الوقت ذاته عن سائر الضوابط والقيود التي تفرضها النصوص الدستورية الأخرى “.
(فتوى رقم (658) بتاريخ 6/9/1995م – جلسة 21/6/1995 ملف رقم 16/2/81)

وبالنسبة لمبدأ نقل الأعضاء ومدى جوازه ، فإن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع قد رجحت الأخذ بما انتهى إليه النظر في جواز نقل الأعضاء .
وذلك استنادا على ما انتهت إليه دار الإفتاء المصرية في 5 من ديسمبر سنة 1979 بعد دراسة وافية من أنه واستنادا إلى ذلك ، خلصت الجمعية العمومية إلى أنها ترجح الأخذ بهذا النظر في جواز نقل عضو من أعضاء إنسان ميت إلى مريض يُرجى شفاؤه بهذا النقل ، وينظر في ذلك بالترجيح بين المصالح وفقاً لما تسفر عنه خبرة أولى الخبرة والرأى في تقدير مدى ما يحيق بالأدمي المعطي من ضرر حال حياته ومدى ما يترجح أن يكسبه المريض الآخذ من فرص الشفاء .
(فتوى رقم (658) بتاريخ 6/9/1995م – جلسة 21/6/1995 ملف رقم 16/2/81).

كما قد رفض قسم التشريع بمجلس الدولة ما تضمنه أحد مشروعات القوانين التى – عرضت عليه – من مزج بين الذمة المالية للزوجين ، وارتأى القسم في ذلك مخالفة لأحكام الشريعة الغراء يتعين على المشروع إلا يتردي فيها [5] .

د. مراعاة فكرة الأمن القانوني
مفهوم فكرة الأمن القانوني :
فبالقانون يأمن كل فرد في المجتمع على نفسه وأسرته وأهله وماله ، لأن القانون – بما يضعه من نظام يسير عليه المجتمع – يبسط حمايته على كل ذلك .
وإذا كانت تلك غاية القانون ، فلا غرو أن يكون على رأس مبادئ إعداده مراعاة فكرة الأمن القانوني ، وإلا تحول القانون من وسيلة لتحقيق الأمن والأمان للمجتمع وأفراده إلى سوط في يد السلطات العامة للدولة ، لا يشعر الأفراد بالأمن تجاه استعماله ، وإنما يعيشون وهم يساورهم القلق على حقوقهم ومراكزهم من استعمال الدولة هذا السوط ، وهو ما يدرؤه تقيد المشرع ، فيما يسنه من تشريعات ، بفكرة الأمن القانوني .

وتعنى فكرة الأمن القانوني ” ضرورة التزام السلطات العامة قدر من الثبات النسبى للعلاقات القانونية وحد أدنى من الاستقرار للمراكز القانونية المختلفة بهدف إشاعة الأمن والطمأنينة بين أطراف العلاقات القانونية من أشخاص قانونية عامة وخاصة [6] .
فجوهر فكرة الأمن القانوني هو عدم المباغتة في سن التشريعات أياً كانت صورة ذلك .

مقتضى فكرة الأمن القانوني ما يلي :

أ‌. عدم الرجعية في إصدار التشريعات ، وضرورة التحرز وعدم الإسراف فيما يسمح به – على سبيل الاستثناء – من رجعية في بعض الحالات .

ب‌. أن يؤخذ في الاعتبار عند تحديد التاريخ الذى سينفذ فيه القانون أن يؤخذ في الاعتبار عند تحديد التاريخ الذى سينفذ فيه القانون ما قد يقتضيه ذلك من تحديد فترة ما تفصل ما بين نشر القانون والعمل به ، أو إعطاء فترة انتقالية يطبق بعدها التشريع .

ت‌. مراعاة دواعي الاستقرار في النظام القانوني :
وذلك بعدم تناوله بالتعديل والتعديل والتمييز خلال فترة قصيرة يهتز معها الثبات النسبى المفترض للقاعدة القانونية فلا يتمكن الأفراد في المجتمع من ترتيب أمورهم لكثرة التعديلات المتلاحقة على التشريع .
ولذلك انتهى قسم التشريع إلى أنه من الملائم تشريعياً إلا تتعدد القرارات الصادرة بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون في فترة زمنية وجيزة إذ من الأفضل دراسة وتجميع التعديلات المقترحة بقرار واحد [7] .

هـ. مراعاة تدرج قوة الالزام فيما بين التشريعات
من المعلوم أن التشريع الوضعي ينقسم إلى أنواع ثلاث ، هي :
التشريع الأساسي ( الدستوري )
التشريع الرئيس ( القوانين )
التشريع الفرعي ( اللائحى )

وهذه الأنواع تتدرج فيما بينها – في قوة الالزام ، في درجات ثلاثة ، بعضها فوق بعض ، فعلى ذروتها تتربع قواعد الدستور ، تليها القوانين ، ثم اللوائح ، وهو ما يعرف بمبدأ تدرج القواعد القانونية الذى يجب التقيد به عند مراجعة التشريعات .
وفي ذلك يقول قسم التشريع لدى مراجعته لأحد مشروعات القوانين :
“وعلى هدى ما تقدم والتزاما بأحكام الدستور ونزولاً على أوامره ونواهيه وما أرسته المحكمة الدستورية في هذا الخصوص جرت مراجعة قسم التشريع لمشروع القانون وبما يقتضيه من أعمال المشروعية بما مفاده ضرورة التأكد من عدم خروج النص أو تجاوزه عما هو مقرر بقاعدة تعلوه في مدارج القواعد التشريعية حيث تستوى على قمتها النصوص الدستورية التي يتعين دائماً استحضارها ماثلة في ذهن واضع التشريع ” .
(ملف رقم 8/2000)[8].

و. عمومية القاعدة
فقوام القاعدة القانونية – أيا كان مصدرها – هو العمومية والتجريد ، أي تطبيقها على الأفراد بصفاتهم وليس بذاوتهم ، فهذا هو أهم ما يميز التشريع بكل صورة – عن التصرفات الفردية التى لا تمثل قاعدة عامة مجردة ، وإنما تتعلق بفرد بذاته أو بأفراد بذواتهم .
وليس معنى ما تقدم ضرورة أن تطبق القاعدة القانونية على عدد كثير من الأشخاص فعمومية القاعدة لا يتوقف على عدد من ستطبق عليهم ، فقد لا تنطبق القاعدة إلا على شخص واحد من دون أن تفقد عموميتها ، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة التي تتعلق بتنظيم اختيار رئيس الجمهورية وتنظيم اختصاصاته وسلطاته وحقوقه وواجباته ، فهى قاعدة صحيحة وعامة ومجردة ، لأنها تنطبق على أي شخص يشغل مركز رئيس الدولة .
ولا يتأبى وعمومية القاعدة – كذلك – أن تكون ذات نطاق إقليمي معين ، أي أن يتحدد مجال تطبيقها بمنطقة معينة من مناطق الدولة .
فقد سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة أن أوضح بخصوص أحد المشروعات التي عرضت عليه أن المشروع يعتبر له صفة تشريعية انصراف أثرها إلى أفراد معدودين معينين بذواتهم ، ورغم كونها قاعدة ذات نطاق إقليمي محدد فإن ذلك لا يقدح في كونها ما تزال متمتعة بخصيصة العمومية والتجريد لأن المناطق التي ستطبق عليها موزعة على مساحات شاسعة تتخلل البلاد ولم يكن في الاعتبار عند تحديد هذه المساحات شخصيات مالكيها أو زارعيها .
(ملف رقم (40) لسنة 1921 – بجلسة 13/3/1971) [9]

ز. مراعاة تحقيق الفاعلية لأحكام التشريع
فموضوع التشريع أو القانون – بوجه عام – هو تنظيم سلوك الأشخاص – طبيعيين كانوا أم اعتباريين – بالمجتمع ، وحتى يؤتى هذا التنظيم أكله ويحقق غايته ، ينبغى أن يراعي – عند سنه – تحقيق الفاعلية لأحكامه ، مما يقتضى – أن يقترن الخروج على قواعده غير المكملة بجزاء ما ، وألا بتوسع في الاستثناء من أحكامه .

وهذا ما أكد عليه قسم التشريع بمجلس الدولة بقوله :
” إذا كان هدف الوزارة من المشروع هو إضافة حظر تداول أغذية معينة أو الإعلان عنها إلا بعد تسجيلها والحصول على ترخيص بتداولها ، فإن عدم تضمين المشروع عقاباً على مخالفة ذلك ، ودون أن تسمح بقية نصوص القانون بعقاب المخالف في هذه الحالة بأية عقوبة يؤدى إلى عدم تحقيق الغرض الذى أعدت الوزارة من أجله المشروع وهو كفالة إشراف الوزارة على هذا النوع من الأغذية ” .
(ملف رقم (192) لسنة 1975 م – جلسة 28/6/1975)[10].

ح. عدم إقرار ما وقع من مخالفات للقانون أو التجاوز في تشريع لاحق عن تلك المخالفات
فقد سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة أن انتهى إلى أن ” السلطة التشريعية وهى تضع قواعد عامة ومجردة لتطبق في شأن الكافة على حد سواء ، تكون أحرص على أعمال هذه القواعد بصورة مطلقة دون إتاحة الفرصة للسلطة التنفيذية للخروج عليها في حالات خاصة على أمل اللجوء إليها بعد ذلك لإقرار ما ارتكبته من خطأ واعتباره صحيحاً بقانون تصدره بأثر رجعى ، إذ أن هذه الظاهرة غير سليمة وتؤدي بمرور الوقت إلى أن تفقد القاعدة التشريعية احترامها وقدسيتها وما تتصف به من العمومية والتجريد ” .
(ملف رقم (228) لسنة 1972 – جلسة 1/4/1973م)[11].

ط. مراعاة الاتفاقيات الدولية
من المستقر عليه – فقهاً وقضاء وإفتاء – أن الاتفاقية الدولية متى تم التصديق عليها ومرت بالإجراءات الدستورية المقررة دخلت في النسيج التشريعي للدولة وأصبحت جزءاً لا يتجزأ منه ، وعدت ملزمة ومن الواجب تطبيقها متى تم نشرها وفق ما يقضى به دستور الدولة .
بل تكون لها الأولوية في التطبيق على التشريع الداخلي متى تعارضت معه باعتبارها قانوناً خاصاً ، وبحسبان أن القاعدة أن الخاص يقيد العام .
كما ينبغى على الدولة أن توائم أحكام تشريعها الداخلي مع ما انضمت إليه أو أبرمته من اتفاقيات دولية [12] .
ومن هنا ، وجب في إعداد التشريعات مراعاة الاتفاقيات التى انضمت إليها الدولة .
وكل ذلك يتطلب الوقوف على الاتفاقيات التي تكون الدولة طرفاًً فيها عند سن تشريعاتها الداخلية .

ى. ضرورة مراعاة الأحكام الصادرة بشأن دستورية النصوص
ينبغى كذلك النزول على ما انتهى إليه قضاء المحكمة الدستورية العليا بمصر وذلك بعدم معاودة إصدار تشريعات – سواء قوانين أو لوائح – تتضمن ذات الأحكام التي قضى بعدم دستوريتها ، فمثل هذا السلوك يمثل إفراغاً للحكم من مضمونه والتفافا على حجيته .
بل أنه ينبغى – كذلك – النزول عند إصدار التشريعات على ما استقر عليه هذا القضاء الدستوري من تفسير لنصوص الدستور ، احترازاً من السقوط في حومة المخالفة الدستورية وما يتلو ذلك من عواقب غير محمودة .
وعلى ذلك ، انتهى قسم التشريع بمجلس الدولة – بشأن مشروع لائحة مرشدى هيئة ميناءى الاسكندرية والدخيلة – إلى أنه :
” يتعين إعادة النظر فيما ورد بالمادة ( 59 ) والتى تتعلق بجواز منح المرشد إجازة خاصة لمرافقة الزوجة وذلك اتفاقاً مع حكم المادة 69 / 1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والمعدل بالقانون رقم ( 203 ) لسنة 1994م نزولاً على ما قضت به المحكمة الدستورية العليا باعتبار أن الإجازة الخاصة لمرافقة الزوجة وجوبية ولا تملك الجهة الإدارية إلا الموافقة على منح هذا النوع من الإجازات لمن توافر فيه مناط الحصول عليها دون أن يكون بملكها ان تفرض قيوداً تمس حق العامل في الحصول على هذه الإجازة أو تحد منه وإلا وقع ما سنته من قيود حول هذا الحق في حومة مخالفة الدستور إذ ينال من وحدة الأسرة وترابطها ويخل بالأسس التى تقوم عليها وبالركائز التى لا يستقيم المجتمع بدونها” .
(ملف رقم 1/2002م)[13] .

ك. الاستعانة بأهل العلم والخبرة وأخذ رأى الجهات المعنية
ولا يقصد بأهل العلم والخبرة من رجال القانون فقط ، وإنما أهل العلم والخبرة في الموضوع محل التنظيم كذلك .
ويبدو الأثر السلبي لعدم الاستعانة بأهل العلم والخبرة في هذا المجال فيما يشوب التشريع من عيوب شتى تدعو إلى تعديله قبل أن يجف مداده .

ل. استطلاع رأى من يمسهم التشريع
ولا شك أن الموضوع المطلوب تنظيمه إنما يتعلق بأشخاص – طبيعيين كانوا أو اعتباريين – يمس بهم هذا التنظيم من قريب أو بعيد .
ومن الأهمية بمكان – بل من الضرورى – استطلاع رأى هؤلاء الأفراد في موضوع هذا التنظيم ، للوقوف على آرائهم ومقترحاتهم ، حتى يكون للحلول التي يتم التوصل إليها معين من الواقع ، مما يغرس في نفوس من يتعلق بهم التشريع جدوى وأهمية التنظيم الذى جاء به فيحترمون أحكامه طوعا قبل أن تطبق عليهم كرها ، ومن ثم فقد كان استطلاع رأي هؤلاء من المبادئ الرئيسة للتشريع [14] .

م. أخذ رأى الجهات المعنية بالتشريع
ولذلك انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بخصوص مشروع قانون بإنشاء بنوك للصمامات والشرايين الآدمية ، فقد لاحظت الجمعية العمومية – لدى طرح الموضوع عليها عن طريق قسم التشريع بمجلس الدولة لما انسه فيه من أهمية – أن المشروع المقترح لم يعرض على وزارة الصحة لتبدى رأيها فيها ، سيما وأن المشروع ينص في مادته العاشرة على أن وزير الصحة هو من يصدر اللائحة التنفيذية بشأنه بالاتفاق مع وزير التعليم العالى .
وعلى ذلك انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إلى إعادة مشروع القانون المشار إليه إلى الوزارة – التى طلبت مراجعته – لتبدي فيه شؤونها بإعادة بحثه وإعادة صياغته في ضوء الملاحظات العامة التى أبدتها الجمعية العمومية وإحالته لوزارة الصحة لتبدي رأيها فيه ، ثم إعادة عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعة صياغته .
(فتوى رقم (658) بتاريخ 6/9/1995م – جلسة 21/6/1995م – ملف رقم 16/2/81م)

وقد يكون استطلاع رأي جهات معينة أو مشاركتها في التشريع مفروضا – أو واجباً – بنص تشريعى .
ولذلك انتهى قسم التشريع بمجلس الدولة إلى وجوب عرض القوانين واللوائح الخاصة بالعاملين المدنيين بالدولة على الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة طبقا لنص المادة الخامسة من قانون الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الصادر بالقانون رقم ( 118 ) لسنة 1964 [15] .

[1]
مجموعة مبدئ القسم فئة خمس سنوات = مبدأ 162 – ص 39.
[2]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 216، ص 132.
[3]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 216، ص 126.
[4]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 216، ص 126.
[5]
مبادئ قسم التشريع – الجزء الثاني – مبدأ رقم 26/41/ ص 88، 89 – ملف رقم 8 لسنة 2002.
[6]
راجع د. يسرى العصار، مثال – الحماية الدستورية للأمن القانوني في فضاء المحكمة الدستورية العليا، مجلة الدستورية العدد الثالث، السنة الأولى، ص 51.
[7]
مبادئ قسم التشريع – الجزء الثاني – مبدأ رقم 26/41/ ص 88، 89 – ملف رقم 8 لسنة 2002.
[8]
المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية خلال العام القضائي، 2001/2002 – الجزء الثاني – مبدأ 26/1 – ص 75، 76.
[9]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 41 – ص 15.
[10]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 266 – ص 157.
[11]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات، مبدأ 134 – ص 77.
[12]
لمزيد من التفصيلات حول أثر المعاهدات الدولية وقرارات المنظمات الدولية في القانون الداخلي للدول أطراف المعاهدة، والدول أعضاء المنظمة الدولية، أنظر: بحثا للمستشار/ محمد أمين المهدى، رئيس مجلس الدولة الأسبق بعنوان: مواءمة التشريع المصرى مع اتفاقيات القانون الدولي الإنساني والتزام جمهورية مصر العربية بالعمل على إنماء هذا القانون.
[13]
المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية لقسم التشريع بمجلس الدولة خلال العام القضائي 2001/2002 – الجزء الثاني مجلس الدولة – مكتبة كوميت – الطبعة الأولى ص 160.
[14]
المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية لقسم التشريع بمجلس الدولة خلال العام القضائي، 2001/2002 – الجزء الثاني – مبدأ 21 – ص 82.
[15]
مجموعة مبادئ قسم التشريع في خمس سنوات مبدأ رقم 252 ص 150.

المبادئ الحاكمة لاختصاص قسم التشريع بالمراجعة

يمكن القول أنه يشترط لاستنهاض اختصاص قسم التشريع بالمراجعة عدة شروط على النحو التالي :

أولاً : ” أنه يتعين عند مراجعة قسم التشريع لمشروعات القوانين والقرارات الواردة من الوزارات أن يكون الوزير مقدم المشروع ما زال على رأس وزاراته وقت المراجعة فإذا صدر قرار بتعيين وزير غيره فإنه يتعين إعادة المشروع إلى الوزارة ليقدر الوزير الجديد مدى مناسبة الاستمرار في مراجعة المشروع المعروض على القسم باعتبار أن السياسة التشريعية لكل وزارة منوطة بالوزير المختص حسبما استقر عليه قسم التشريع في هذا الصدد – وبناء على ما تقدم انتهى القسم إلى إعادة المشروع إلى الوزارة المعنية للنظر في ضوء ما تقدم .
(ملف رقم 5/2002م) (وفي ذات المبدأ رقم 88/1993م)

ثانياً : أن يكون محل مشروع القانون أو القرار المطلوب مراجعته ذا صفة تشريعية ، أي يتضمن إنشاء قواعد عامة مجردة أو التعديل فيها .
وعلى ذلك ، انتهى القسم إلى ” أن القرارات الفردية التى ليست لها صفة تشريعية تخرج عن اختصاص قسم التشريع ويمكن للجهة الطالبة أن تستعين في مراجعتها بإدارة الفتوى المختصة “.
(ملف رقم (26) لسنة 1972م – جلسة 22/2/1972)

ولذلك انتهى قسم التشريع أيضا إلى أنه إذا كان المشروع المعروض يقتصر على مجرد تحديد القيمة السنوية لمقابل الانتفاع بجزء محدد من مبنى بذاته بالنسبة لجهة إدارية معينة فإنه بذلك لا يعد قراراً ذا صفة تشريعية مما يدخل في اختصاص قسم التشريع طبقا لقانون مجلس الدولة .
(ملف رقم (26) لسنة 1972 – جلسة 22/2/1972م)[1]

ثالثاً : أن يكون طالب المراجعة بعد الإعداد وقبل الإصدار :
فقد سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة أن أوضح أنه :
” إذا كان المشروع ما زال بعد في مرحلة الإعداد والدراسة وتبادل وجهات النظر ، فإن قسم التشريع لا يتولى مراجعته وصياغته في هذه المرحلة ، ذلك أن يطلب مراجعة الصياغة يقوم على أصل مقتضاه أن الجهة الطالبة قد استنفدت مراحل الإعداد والدراسة وإنها قد ارتضت – من وجهة نظرها – المشروع بصورته المعروضة على القسم لمراجعته بحسبان أن مراجعة الصياغة هى مرحلة ما قبل الإصدار المباشر ، وهنا يكمن الفارق الجوهري بين طلب مراجعة الصياغة وبين طلب إعداد المشروع أصلا وهو طلب يتعين أن يكون صريحاً وقاطعاً .

رابعاً : عدم جدوى المراجعة إذا كان التشريع قد تم إصداره
وأكد القسم على ذلك بقوله :
ولما كان القرار المطلوب مراجعته قد تم اعتماده وتوقيعه من الوزير المختص واستنفد بذلك مراحل إصداره ، وأصبح واجب النفاذ ، فإن قسم التشريع لا يختص بمراجعة صياغته .
وأضاف القسم أنه في مثل هذه الحالة يراعي عند نشر القرار في الوقائع المصرية حذف عبارة : ( وبناء على ما ارتآه مجلس الدولة ) الواردة في ديباجته .
(ملف رقم (160) لسنة 1975 – جلسة 4/6/1975)[2]

خامساً: يشترط أن تكون الجهة التي سيصدر عنها المشروع المطلوب مراجعته إحدى أشخاص القانون العام
وفقا لنص المادة ( 63 ) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ( 47 ) لسنة 1972م يختص قسم التشريع بمجلس الدولة بمراجعة صياغة التشريعات التي تعدها – أو تعهد إليه بإعدادها – الوزارات والمصالح العامة ، وغيرها من أشخاص القانون العام كالهيئات العامة والمؤسسات العامة .
ولما كان المستقر أن شركات القطاع العام التابعة للمؤسسات العامة ما زالت من أشخاص القانون الخاص ، فإن قسم التشريع لا يختص بمراجعة اللوائح أو القواعد التنظيمية التى تضعها شركات القطاع العام .
(ملف رقم (72) لسنة 1974 – جلسة 17/3/1974م) (ملف رقم (279) لسنة 1972 – جلسة 3/1/1973م)

*****

[1]
مجموعة مبادئ قسم التشريع في خمس سنوات مبدأ رقم 101 ص 75.
[2]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 152 – ص 86 ومبدأ 202 ص 124.

مضمون المراجعة التى يتولاها قسم التشريع

هل تقف مراجعة قسم التشريع عند صدور الصياغة أو المراجعة اللغوية فقط أم تستطيل إلى غير ذلك من أمور.
وقد عبر عن ذلك قسم التشريع بمجلس الدولة – بقوله:
” إن أداء قسم التشريع لوظيفته – كجهاز فنى قومى متخصص يتولى مراجعة جميع التشريعات قبل صدورها لا يجوز أن يقف عند مجرد المراجعة اللغوية للصياغة ، وإنما هو يشمل جانبا أكثر أهمية يتصل بكفالة التوفيق قدر المستطاع بين التشريعات الدولة ، ورفع احتمالات التضارب فيما بينها وتوحيد اتجاهاتها والتنبيه إلى ما قد يوجد بينها من تعارض أو خلط” .
(ملف رقم (111) لسنة 1975 – جلسة 27/5/1975م)[1]

أولاً: الأمور التى تنصب عليها المراجعة

أ. مراقبة الشرعية الدستورية :

وقد عبر عن ذلك قسم التشريع ، فيما استقر عليه ، بقوله :
” لئن كانت المراجعة التى يجريها قسم التشريع تتطلب بحكم اللزوم إحكام الصياغة بمراعاة مقتضياتها وحرفيتها إلا أنها تتطلب قبل ذلك وفي المقام الأول التدقيق في مراعاة متطلبات المشروعية بما مفاده ضرورة التأكد من عدم خروج النص أو تجاوزه عما هو مقرر بقاعدة تعلوه في مدارج القواعد التشريعية حيث تتربع على قمتها النصوص الدستورية التى يتعين دائما استحضارها ماثلة في ذهن واضع التشريع والالتزام بصحيح أحكام الدستور والنزول على أوامره ” .
(ملف رقم 1 لسنة 1999)[2]

وأكد القسم على ذلك :

بقوله : ” أن النص على استرداد الأثر بغير تعويض من الحائز له بدون ترخيص ، يعتبر مصادرة له ، والمصادرة الخاصة لا تجوز إلا بحكم قضائي طبقا لنص المادة ( 36 ) من الدستور ، ومن ثم فقد رأى القسم حذف هذا النص .
(ملف رقم (10) لسنة 1974 – جلسة 18/8/1974م)[3]

ومن أحدث ما عرض على قسم التشريع مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 11 لسنة 1991 بشأن ضريبة المبيعات متضمنا النص على سريانه اعتباراً من 5 / 3 / 1992

وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية للتعديل المشار إليه أن ما تضمنه المشروع من أثر رجعي هو أثر رجعي نظرى لا يترتب عليه أثر عملى ولا يمس حقوقاً مكتسبة باعتبار أن الأمر فيه من قبيل الرجعية الهادفة التى تقر ما هو واقع فعلا ، وأن ما دعا وزارة المالية إلى إعداد مشروع القانون المعروض هو ما ثار من جدل حول تحديد المقصود بخدمات التشغيل للغير وما إذا كانت تشمل أعمال المقاولات والنقل أم لا تشملها .
وقد كان لى شرف إعداد تقرير في شأن مشروع القانون المشار إليه عرض على قسم التشريع وانتهى هذا التقرير إلى الآتى :

1- أنه إذا كانت وزارة المالية ترى أن التفسير السليم لعبارة ” خدمات التشغيل للغير ” تشمل أعمال المقاولات وإنها تقوم فعلا بتحصيل الضريبة على الخدمات الوارد تعدادها بالمشروع الأمر الذى لا نرى منه جدوى من صدور هذا التعديل حيث لن يضيف أحكاماً جديدة ، ولن يخرج الأمر عن تفسير لإرادة المشرع ليس السبيل إليه إصدار تعديل تشريعى وإنما التقدم بطلب تفسير إلى المحكمة الدستورية العليا طبقاً لأحكام المادتين 26 ، 33 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 لإصدار قرار تفسيرى ملزم إذا كان النص يثير خلافا في التطبيق يقتضى توحيد تفسيره .

2- أن تبنى المشروع الأثر الرجعى اعتباراً من 5 / 3 / 1992 يحمل في ذاته دلالة على أن عقود المقاولات وغيرها من خدمات التشغيل للغير التى ورد النص عليها في المشروع لم تكن من قبل خاضعة للضريبة على المبيعات ( وإلا لما كان لتقرير الأثر الرجعي من جدوى ) ويضحى الهدف من النص المقترح في المشروع إسباغ المشروعية على مسلك مصلحة الضرائب على المبيعات فيما قامت به من تحصيل الضريبة فعلا على الخدمات الواردة بمشروع التعديل من أشخاص قدرت خضوعهم لها وقاموا بدفعها بالفعل الأمر الذى يفقد المشروع صفتى العمومية والتجريد ويشوبه بعيب الانحراف ويخلع عنه الصفة التشريعية ، فالغرض الخاص لا يجوز أن يكون محلا لقانون الأصل فيه أنه عام مجرد .

3- أن ما تضمنه المشروع المعروض من إيراد أمثلة لخدمات التشغيل للغير دون إيرادها على سبيل الحصر يجافي في أصول التشريع الذى ليس من شأنه أن يورد أمثلة في صلب مواده ، وإذا اقتضى الأمر تسجيل إيضاح معين أو إبداء تفسير محدد عن طريق تلك الأمثلة فإن المكان الطبيعي الملائم لذلك هو المذكرة الإيضاحية .

4- أن عبارة ” وغيرها ” الواردة في عجز الفقرة الخاصة ببيان أمثلة خدمات التشغيل للغير الواردة بالمشروع تفتح الباب مجدداً لاجتهادات في التفسير واختلاف في التطبيق ، ونجعل النص المقترح ( وهو نص ضرائبي يفرض أعباء مالية على المواطنين) غير منذبط وهو ما لا يجوز .

5- أنه يجب دائما عند تطبيق النصوص بأثر رجعي ( إذا ما ارتأى المشروع ذلك وبالضوابط الدستورية المحددة ) استثناء الحالات التى صدرت بشأنها أحكام قضائية ، فولاية المشرع لا تمتد بحال إلى إهدار الأحكام القضائية بإنهاء أثارها القانونية .

وقد انتهى قسم التشريع إلى مخاطبة وزير المالية لإعادة دراسة مشروع القانون في ضوء الملاحظات التى انتهى إليها ، وطلب موافاة القسم بما عسى أن تسفر عنه هذه الدراسة حتى يباشر القسم اختصاصه في مراجعة المشروع .

وتخلص ملاحظات القسم على المشروع فيما يلي :

1- أن نص التعديل المقترح لم يشمل على تحديد أو تعداد خدمات التشغيل للغير التى تشملها الضريبة العامة على المبيعات وإنما ضرب أمثلة على نحو يتعارض مع الغرض المنشود من هذا التعديل ( على نحو ما جاء بالمذكرة الإيضاحية له ) كما يتنافي مع منهج المشرع الضريبى عند فرض الضريبة بوجوب الالتزام بتحديد وعائها بدقة يرتفع معها اللبس والغموض .

2- إن عبارة ” خدمات التشغيل للغير ” هى من العموم والسعة بحيث لا يمكن تحديدها بوصف جامع ومانع ، ومن ثم فلا يحتمل بالمشرع أن يطلق هذه العبارة على أنواع معينة من الخدمات دون غيرها من الخدمات التى تندرج تحت هذا المدلول العام على نحو تنصرف منع تلك العبارة للتعبير عنها في غير موضعها الاصطلاحي المستقر عليه ، ولعل ذلك هو ما دفع واضع المشروع إلى إيراد بعض الأمثلة لتلك الخدمات يرى سردها ، ثم أعقبها بكلمة ” وغيرها ” بما مؤداه إطلاق النص ليشمل خدمات أخرى غير منصوص عليها مما قد يعلق بالنص الحال كذلك من شوائب عدم الدستورية .

3- إن لم يتبين للقسم المقصود بالعبارات العامة الواردة في الأمثلة المشار إليها ( وهى استغلال وتشغيل الآلات والمعدات والأجهزة ، والمقاولات ، نقل البضائع والمواد واستغلال الأماكن المجهزة ، والاصلاح والصيانة ، وخدمات ضمان ما بعد البيع ) وهى عبارات عامة مجملة الأمر الذى يقتضى توضيحها وإظهارها على نحو لا يثير لهم ما في شأنها وتضارباً في الفهم المستفاد منها.

4- أن طبيعة القوانين الضريبية تتأبي في أغلب الأحوال على الأثر الرجعي لها وأن الظروف والاختلافات في الرؤى والتطبيقات التى صاحبت صدور وتطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات قد ولدت إحساسا لدى كثير من المتعاملين لا سيما في نشاط أعمال المقاولات بعدم خضوع أنشطتهم لتلك الضريبة وهو ما ترتب عليه عدم توقع هذا الفريق من المتعاملين لحساب تلك الضريبة وإدخالها في اعتبارهم عند تصرفاتهم في أموالهم وإبرام عقود تلك الأعمال ، وبناء على ذلك فإنه يتنافي من تحقيق العدالة الضريبية أن يعدل المشروع أسس ضريبية قائمة قدر الممولون تبعة تصرفاتهم القانونية المبرمة عند سريانها على ضوء من أحكامها ولم تكن قواعد الضريبة الجديدة ماثلة عند تعاملهم وفقاً للقواعد السابقة وما كان بوسعهم توقع إلزامهم بها مستقبلاً بأثر رجعى .

5- هذا فضلا عما يثيره صدور ونفاذ الأثر الرجعي لتلك الضريبة من العديد من المشاكل في التطبيق لعل من أهمها حالة عدم المساواة التى قد تنشأ بين الممولين الذين سبق لهم الحصول على أحكام قضائية بعدم إلزامهم بأداء تلك الضريبة في ضوء النصوص السارية قبل التعديل وبين الممولين الذين سيلزمون بأداء تلك الضريبة تطبيقاً للأثر الرجعي للقانون المزمع إصداره ، وذلك على الرغم من أن أعمال ونشاطات كلا الفريقين قد تمت وخضعت لذات القانون وفي ذات الوقت وهو ما قد يشكل إهدارا لمبدأ العدالة الضريبة الواجب مراعاته عند فرض الضريبة والمساس بحجية أحكام قضائية لا يسوغ بحال إهدارها وإنتهاء أثارها القانونية على نحو يهدد الاستقرار في المجتمع والمساس بالمراكز القانونية التى اكتسبت بموجبها بما يتنافي مع ما يرنو إليه مشروع التعديل المقترح حسبما أوردته المذكرة الإيضاحية المرفقة به ، فضلا عن إهدار آراء ملزمة نهائية صادرة من الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع في منازعات لا مجال لمعاودة النظر في شأنها ، هذا بالإضافة إلى المساس بالقواعد المقررة في التقادم والتى لم يتضمن المشروع أحكاماً خاصة لمعالجتها .

ورغم كل هذه الملاحظات فقط مضت الحكومة بمشروعها المشار إليه حيث نوقش في مجلس الشعب وصدر به القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات .
ونص في المادة (1) على أن ” تفسر عبارة خدمات التشغيل للغير الواردة قرين المسلسل رقم ( 11 ) من الجدول رقم ( 2 ) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 بأنها الخدمات التى تؤدى للغير باستخدام أصول أو معدات مورد الخدمة المملوكة له أو للغير ويتم تشغيلها بمعرفة مورد الخدمة أو قورة العمل التابعة له أو تحت إشرافه ، وهى جميع أعمال التصنيع بما في ذلك تشغيل المعادة … إلخ .

ونص في المادة ( 2 ) من هذا القانون على أنه مع إعمال الأثر الكاشف لهذا القانون ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره .
وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ( بالعدد رقم ( 16 ) مكرر بتاريخ 21 / 4 / 2002 ) وقد طعن على هذا القانون بعدم الدستورية طبقا للإجراءات المقررة قانوناً . وقضت المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بجلسة 15 / 4 / 2007 :

أولاً : بعدم دستورية عبارة ” خدمات التشغيل للغير ” الواردة قرين المسلسل رقم ( 11 ) من الجدول ( 2 ) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997 .

ثانياً : بعدم دستورية صدر المادة ( 2 ) من القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 22 لسنة 1991 والذى ينص على أنه ” مع مراعاة الأثر الكاشف ” .

وجاءت حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا متوافقة مع ما انتهى إليه قسم التشريع وما أبداه لوزارة المالية من ملاحظات .

حيث استندت المحكمة الدستورية العليا إلى ما يلي :

1- أن عبارة ” خدمات التشغيل للغير ” المشار إليها قد وردت عامة يشوبها الغموض وعدم التحديد ، ولم تأت واضحة صريحة ، مما أثار ظلالا من الشك حول تحديد مضمونها ومحتواها ، وخلافاً حول تطبيقها ، وحال بين المكلفين بأدائها والإحاطة بالعناصر التى تقيم البناء القانوني لهذه الضريبة على نحو يقينى عالى ، استحال معه عليهم بوجه عام توقعها عند مزاولتهم للنشاط وأدائهم للخدمة ، وهو ما يناقض الأسس الموضوعية والإجرائية للضريبة ، ويجافي العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى طبقا لنص المادة 28 من الدستور .

2- أن سلطة تفسير نصوص التشريع سواء تولتها السلطة التشريعية أم باشرتها الجهة التي عهد إليها بهذا الاختصاص – لا يجوز أن تكون موطنا إلى تعديل هذه النصوص ذاتها بما يخرجها عن معناها أو يجاوز الأغراض المقصورة منها … ولا يجوز أن يتخذ التفسير التشريعى ذريعة لتصويب أخطاء وقع المشرع فيها ، أو لمواجهة نتائج لم يكن قد قدر عواقبها حق قدرها حين أقر النصوص القانونية المتصلة بها ، إذ يؤول ذلك إلى تحريفها ، ويتمخض عن تعديل لها .

وحيث أن القانون رقم 11 لسنة 2002 وأن صدر بدعوى تفسير المقصود من عبارة خدمات التشغيل للغير ، إلا أن نصوصه تقطع بعزوف المشرع عن التعريف العام المجرد وغير المحدد للخدمات والأعمال التى ارتأى إخضاعها للضريبة ، وتعداه لخدمات بعينها أضافها على سبيل الحصر والتعيين إلى الجدول رقم ( 2 ) المشار إليها ، راميا إلى تصحيح الخطأ الذى وقع فيه عند تحديد النشاط الخاضع للضريبة ووعائها ، وتقنين ما صدر عن مصلحة الضرائب على المبيعات من قرارات ومنشورات في هذا الشأن ، وذلك لتحقيق مصلحة مالية في الحفاظ على موارد الخزانة العامة من حصيلة تلك الضريبة ، ليغدو هذا القانون في حقيقته تعديلا لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997 وليس تفسيرا له .

وحيث جرى إنفاذ القانون رقم 11 لسنة 2002 المشار إليه على الوقائع السابقة على تاريخ العمل به باعتباره تفسيراً تشريعياً حال كونه في حقيقته الأثر الرجعى بعينه … لم يراع فيه المشرع الموازين الدستورية لفرض الضريبة ، وجاء متناقضة لمفهوم العدالة الضريبية ، المستهدف تصحيح الأوضاع التشريعية السابقة عليه وما شابها من أخطاء متخذاً من جباية الأموال ذاتها منهجاً ، بما لا يعد مصلحة جوهرية مشروعة تبرره ، كما لا يعتبر هدفاً يحميه الدستور ، فضى عن مصادمته للتوقع المشروع من جانب المكلفين بأداء هذه الضريبة والذى ينافيه غموض عبارة خدمات التشغيل للغير ، الأمر الذى يفي معه صدر المادة ( 2 ) من القانون رقم 11 لسنة 2002 في نصها على أنه ” مع مراعاة الأثر الكاشف لهذا القانون ” مخالفاً لأحكام المواد 32 ، 34 ، 38 ،61 ، 119 من الدستور .
وهكذا يبين مدى أهمية إحالة مشروعات القوانين إلى قسم التشريع قبل إحالتها إلى مجلس الشعب والشورى لتنقيتها مما قد يعلق بها من شوائب عدم الدستورية أو مدى اتساقه مع القوانين الأخرى المرتبطة به ، ومدى تحقيقه الهدف من إصداره ، فضلا عن ضبط الصياغة .

ب. الشرعية القانونية

نقصد بالشريعة القانونية – في هذا المجال – اتفاق المشروع المطروح للمراجعة مع القانون ، من حيث الاختصاص بإصداره ، والإجراءات التى يتعين أن يمر بها إصداره ، وأخيراً الأحكام الموضوعية التى ينطوى عليها .

1- صدور التشريع بالأداة القانونية المقررة وأن يكون هناك سند لإصداره بتلك الأداة
وعلى هدى من ذلك ، سبق لقسم التشريع أن انتهى إلى أنه :
” لما كان يبين من مشروع القرار الجمهوري الماثل للبحث أمام القسم ، أنه يتضمن بعض الأحكام التى تعتبر استثناء من أحكام المرسوم بقانون رقم ( 178 ) لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعى ، فإنه يتعين أن تصدر هذه الأحكام وحدها بالأداة التشريعية المناسبة وهى نفس الأداة التى صدرت بها الأحكام المطلوب الخروج عليها – أي بقانون – وبعد ذلك يمكن النظر في مراجعة بقية الأحكام الواردة في القرار الجمهوري المطلوب استصداره بعد أن يكون القانون المشار إليه قد صدر بالفعل ” .
(ملف رقم (325) لسنة 1970 – جلسة 20/7/1971م)[4]

2- الالتزام بالمراحل المقررة لإصدار التشريع
تشمل المراجعة التي يباشرها قسم التشريع التحقق من مرور التشريع المطروح – قانوناً كان أم لائحة – بالإجراءات الواجبة قانوناً ، بما في ذلك موافقة أو أخذ رأى جهة أو جهات معينة .
كما سبق أن أشار القسم إلى وجوب أخذ رأى مجلس الشورى في مشروعات القوانين المكملة للدستور طبقاً لحكم المادة ( 195 ) من الدستور .
(ملف رقم 56/2000م، وملف رقم 99/1995م)[5]

ج.أحكام الصياغة
تشمل المراجعة التى يباشرها قسم التشريع لمشاريع التشريعات التى تعرض عليه ضبط وأحكام صياغة عبارات نصوص التشريع ، وإعادة النظر في ترتيب فقرات وبنود نصوصه ، بل وإعادة النظر في ترتيب المواد وترتيب تقسيمها إلى فروع وفصول وأبواب .

ثانياً : أمران لا تشملهما المراجعة لا تشتمل المراجعة التى يتولاها قسم التشريع على الأمرين الآتيين :
الأمر الأول : ملاءمة التشريع :
فقد سبق للقسم أن أوضح ” أن رقابة قسم التشريع على ما يعرض عليه من مشروعات تجد حدودها الطبيعية – بحسب الأصل – في إطار فكرة المشروعية وحدها ودون أن تتطرق إلى ميدان الملاءمات التى تترخص السلطة التنفيذية بتقريرها تحت رقابة مجلس الشعب .
(ملف رقم (360) 1970م – جلسة 5/1/1971)[6]

وعبر القسم عن ذلك بقوله:
” إنه ولان كانت رقابة قسم التشريع على ما يعرض عليه من مشروعات تجد حدودها الطبيعية بحسب الأصل في إطار فكرة المشروعية وحدها دون أن تتطرق إلى ميدان الملاءمات الموضوعية التى تترخص السلطة التنفيذية في تقديرها تحت رقابة مجلس الشعب إلا أنه لا شك أن للقسم أن يضع تحت نظر الجهات الإدارية المختصة كل ما يمكن أن يثار بصدد بحث أو مراجعة تشريع معين متى رأى القسم لذلك مقتضى ” .

الأمر الثاني : متابعة إجراءات الإصدار:
فقد سبق لقسم التشريع بمجلس الدولة أن أوضح – في حديث ما انتهى إليه – أن اختصاص قسم التشريع بمجلس الدولة يقتصر على مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والقرارات ذات الصفة التشريعية وإبلاغ الوزارة والجهات طالبة المراجعة بما تسفر عنه لاتخاذ اللازم من جانبها نحو إتمام إجراءات استصدارها ولا شأن لقسم التشريع بمتابعة هذه الإجراءات لأنها تخرج عن نطاق اختصاصه وحدود وظيفته .
(ملف رقم 8/2002م)[7]

ثالثاً: خطوات المراجعة

أ‌. التحقق من اتصال بالقسم عن طريق الوزير المختص .
ب‌. مراجعة ترتيب وتبويب النصوص وفقاً للأصول العلمية وقواعد المنطق .
ج. طلب مندوب لمناقشته فيما يرد القسم استيضاحه .

غالبا ما تسفر الدراسة – خلال الخطوات السابقة – عن أمور فنية يلزم استيضاحا ، ومن ثم يتم طلب تقرير عن الجهة الإدارية طالبة مراجعة التشريع ، لاستيضاح ذلك منه ، ومن ثم إدخال التعديلات اللازمة في ضوء ما تسفر عنه تلك المناقشة .

وسائل القسم في تحقيق المقصود من المراجعة :

أ‌. إدخال التعديلات التى تقتضيها أصول المراجعة .
ب‌. المراجعة يمكن أن تشمل إبداء بعض المقترحات ، وينبغى لتضمينها المشروع أن توافق عليها الجهة المعنية .
ج. طلب الاستيفاءات والاستيضاحات :
للقسم – بطبيعة الحال – طلب الاستيفاءات من الجهة المعنية للرد على ما قد يثار لديه من تساؤلات وهو بصدد مراجعة مشروع التشريع .
د. التنبيه إلى المخالفات الدستورية في التشريعات النافذة :
للقسم أن يسترعى النظر إلى ما قد يكون في القوانين القائمة من مخالفات دستورية .
هـ. إعادة المشروع من دون مراجعة عند عدم الرد على ما طلب قسم التشريع استيفاءه قد يبدى قسم التشريع ملاحظات مقرونة باستيفاء أمور معينة ، ثم تلتزم الجهة المعنية الصمت ، ومن ثم يكون للقسم أن يعيد المشروع إليها من دون المراجعة

[1]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 253 – ص 150.
[2]
مبادئ قسم التشريع – في خمس سنوات الجزء الأول – مبدأ رقم 18 ص 33.
[3]
مبادئ قسم التشريع – في خمس سنوات – مادة 186 ص 115، 116.
[4]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات – مبدأ 11 – ص 8، 9.
[5]
مجموعة المبادئ المستخلصة من المراجعة التشريعية لقسم التشريع خلال العام القضائي 2001/2002 – مبدأ 21 – ص 34.
[6]
مجموعة مبادئ القسم في خمس سنوات مبدا 24 – ص 15.
[7]
المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية لقسم التشريع بمجلس الدولة خلال العام القضائي 2001/2002 الجزء الثاني.

الخاتمة :

وفي الختام نقول أنه رغم أهمية دور قسم التشريع بمجلس الدولة في عملية صناعة التشريع في مصر فإننا نلاحظ ما يلي :

1- أن معظم الوزارات المختصة تتجنب إحالة مشروعات القوانين إلى قسم التشريع لمراجعتها وتدل على ذلك الاحصائيات التى أعدها قسم التشريع ( راجع على سبيل المثال الجزء الخامس من المبادئ القانونية المستخلصة من المراجعة التشريعية 308 وما بعدها ) والتى تشير إلى التناقص المستمر في عدد مشروعات القوانين التى أحيلت إلى القسم لمراجعتها .

2- وارتباطا بما تقدم تحيل الوزارات المختلفة اللوائح التنفيذية للقوانين للقسم لمراجعتها بعد أن يكون التشريع قد صدر وتكون نصوص اللائحة التنفيذية مقيدة بعدم الخروج على الأحكام الواردة في التشريع رغم ما به من نقص أو مخالفة .

3- ونظرا إلى ما تبين لنا جليا واضحاً في الآونة الأخيرة أن الكثير من مشروعات القوانين والقرارات رئيس الجمهورية ذات الصفة التشريعية تتم مراجعتها بمعرفة جهات أخرى مثل الإدارة العامة للتشريع بوزارة العدل ، وتتخذ إجراءات استصدارها في غيبة عن قسم التشريع بمجلس الدولة صاحب الاختصاص الأصيل بمراجعة تلك المشروعات طبقا لنص المادة ( 63 ) من قانون مجلس الدولة ، وهي ظاهرة غير صحية في دولة ترتكز دعائمها على مبادئ الدستورية والمشروعية ، وما تتطلبه من ضرورة الالتزام بأحكام الدستور والقوانين فيما يتخذ من تصرفات وإجراءات وما يصدر من تشريعات ، الأمر الذى كان له كبير الأثر فيما قضت المحكمة الدستورية العليا من عدم دستورية الكثير من القوانين التى لم تتم مراجعتها بقسم التشريع بمجلس الدولة .

ولذلك فإننا ننادي الوزارات والجهات المعنية بإعداد التشريعات أن تحيلها إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعتها وإفراغها في الصيغة القانونية الملاءمة .

كما ننادي بعدم الافتاء على اختصاص قسم التشريع من قبل جهات أخرى .