سلطة المُحقِّق في منع المُحامي من حضور التحقيق

المحامي: خالد السريحي
الكثير من المحامين تعرضوا للمنع من قبل المحقق من حضورهم جلسات التحقيق مع موكليهم بشكل يومي في هيئتي التحقيق والإدعاء العام ، والرقابة والتحقيق ، ويستند المحقق في قانونية المنع دوماً للنص الوارد بنظام الإجراءات الجزائية وتحديداً المادة (69) والتالي نصها “للمُتهم والمجني عليه والمُدعي بالحق الخاص ووكيل كُلٍ مِنهُم أو مُحاميه، أن يحضُروا جميع إجراءات التحقيق ، وللمُحقِّق أن يُجري التحقيق بغيبة المذكورين أو بعضِهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة ، وبمُجرد انتِهاء الضرورة يُتيح لهُم الإطلاع على التحقيق” .

لكن يثور دوماً تساءل عندي هل هذا النص يقتصر فقط على التحقيق في الحق الخاص أم يتعداه ويشمل الحق بكلا شقيه عام وخاص ؟ علماً بأن جهات التحقيق قد أخذت بمبدأ شمولية النص لكلا الشقين .

هذا ما أحاول أن أصل إليه مع إيماني بأن المسألة اجتهادية ولن يؤخذ بها ، طالما أن القصور من المشرع بعدم إصداره لائحة تنفيذية للنظام ، كما أنه يقترب من إصدار نظام جديد للإجراءات الجزائية دون أن يكون هنالك لائحة تنفيذية للنظام الحالي !!

عند استقراء نص المادة (69) من نظام الإجراءات الجزائية – الوارد الذكر أعلاه – يتضح لنا من خلال صياغته أن مقصد المشرع كان تمكين المحقق من أن يمنع المحامي أو الوكيل من الحضور متى ما رأى ذلك بغية إظهار الحقيقة ، رغم أن معيار رؤية المحقق لضرورة هذا الإجراء غير محددة ، وأصبحت سلطة مطلقة للمحقق وأصبح تعسف المحقق في استعمال هذا الحق محتمل بشكل كبير ، ولكن حتى لا نتشعب في الموضوع فهذا ليس ما تدور حوله التدوينة .

التدوينة تدور حول أن المشرع السعودي هل كان ينتوي أن يقصر المنع في حالة التحقيق في الحق الخاص فقط ، أم أن المنع يشمل الحق العام كذلك ؟ قبل ذلك يجب أن نتفق معاً بأن سلطة المحقق في المنع من حضور التحقيق في الحق الخاص أمر مفروغ منه لوجود النص ولا اجتهاد مع وجود نص ، ولكن هل المحقق يملك المنع من حضور التحقيق في الحق العام ؟

ابتداءً يجب الإشارة بأن النص محل البحث فيه ركاكة وضعف في الصياغة ، ويتم استشفاف ذلك بمجرد الاطلاع عليه ، وحيث أن نية المشرع ومقصده هي في علم الغيب سنحاول أن نحل محله ونجد حلاً للمسألة.

قد ورد في نص المادة “للمُتهم والمجني عليه والمُدعي بالحق الخاص ووكيل كُلٍ مِنهُم أو مُحاميه…” ، فيثور التساؤل الأول هنا لماذا ذُكِرَ الحق الخاص في متن النص هل هو من باب الاقتصار والتحديد أو من باب الإيضاح ؟ وأنا اميل إلى أن المقصد من ذلك يكون من باب الاقتصار والتحديد فالمشرع ظهرت نيته بأن يكون المنع في الحق الخاص لإيراده لفظ المدعي بالحق الخاص ، وما يؤكد على التفرقة بين الحق الخاص والعام هو نص المادة (70) “ليس للمُحقِّق أن يعزِل المُتهم عن وكيلُه أو مُحاميه الحاضر معهُ في أثناء التحقيق ، وليس للوكيل أو المُحامي التدخُل في التحقيق ، إلا بإذن من المُحقِّق ، ولهُ في جميع الأحوال أن يُقدِّم للمُحقِّق مُذكِرة خطية بمُلاحظاتِه ، وعلى المُحقِّق ضم هذه المُذكِرة إلى ملف القضية”، فمن الواضح هنا أن المشرع منع المحقق من عزل المتهم عن محاميه ولم يأتي على ذكر المدعي بالحق الخاص كما ورد بالمادة (69) ، فلا يتأتى القول مع ذلك أنه خطأ أو أن العزل غير المنع بالمفهوم الاصطلاحي .

أن وجهة النظر التي تتكون من التدقيق بالمادتين (69-70) على الأقل لا يمكن أن تخرج عن الآتي : أن المشرع بذكره للمدعي بالحق الخاص في المادة (69) والتي فيها نُص على سلطة المحقق على المنع ، ومنع المشرع المحقق من عزل المتهم عن محاميه في المادة (70) وعدم ذكر المدعي بالحق الخاص فيها ، فمن غير المقبول عقلاً ومنطقاً بأن هذا التوجه من المشرع كان محض صدفة !

وعند مقارنة النص السعودي بالنصين الفرنسي والمصري نجد الآتي : صدر قانون 8 ديسمبر سنة 1897 م في فرنسا إذ بينت المادة الثالثة منه على أنه عندما يستدعي المتهم للحضور أمام قاضي التحقيق لأول مرة يثبت القاضي في المحضر البيانات الخاصة بشخصية المتهم ، ثم يعرفه بالتهمة المسندة إليه ويسأله عما إذا كان يرغب في أن يقول شيئاً بعد أن ينبهه بأن له الخيار في إلا يفعل ، ويثبت ذلك التنبيه في المحضر ؛ فإذا ظل الاتهام قائماً ينبه القاضي المتهم بأن له الحق في أن يختار مدافعاً من بين المحامين المقيدين بجدول المحكمة ، ويجب أن يثبت في المحضر مراعاة هذا الاجراء ويترتب على اغفاله بطلان الاستجواب وما يليه من إجراءات التحقيق الإبتدائي – المادة (12) من القانون – .

ثم قررت المادة (9/2) بأن المتهم المحبوس أو مطلق السراح وكذا المدعي لا يستجوبون أو يواجهون إلا بحضور محاميهم إلا إذا تخلوا عن ذلك صراحة ، ورتبت المادة (12) على مخالفة ذلك بطلان الاستجواب وما يليه من الإجراءات كما ذكرت المادة (9) الفقرة (4) على أن المدافع يستدعي بخطاب مسجل قبل الاستجواب بأربع وعشرين ساعة ، وقد رأى المشرع الفرنسي هذا الأجل ضرورياً وكافياً لإطلاع المحامي على ملف التحقيق قبل الاستجواب .

أما القانون المصري فأنه يوجب دعوة محامي المتهم للحضور معه أثناء استجوابه بمعرفة سلطة التحقيق وهذا ما جاء في المادة (124) من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها “… لا يجوز للمحقق في أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير يكتب في قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور سجنه كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الاقرار والاعلان”.

ويتضح لنا بأن القانون الفرنسي منع إجراء التحقيق مع المتهم بدون حضور محاميه بشكل مطلق ، ورتب على عدم الالتزام بذلك بطلان كافة الإجراءات ، كما أن القانون المصري التزم كذلك بمبدأ القانون الفرنسي بمنع إجراء التحقيق مع المتهم بدون حضور محاميه بشكل مطلق ، وما يؤكد معه بأن حق المتهم بالإستعانة بالمحامي في حضور جلسات التحقيق معه هو حق أصيل في القانون الفرنسي والمصري .

وحيث أن المشرع السعودي اهتم بضمان سلامة الإجراءات فلذلك أصدر النظام ليضمن مع سلامة الإجراءات أيضاً الحفاظ على حقوق الأشخاص المتهمين تطبيقاً لمبدأ أصيل في الشريعة الاسلامية “الأصل براءة الذمة” ، فمن وجهة نظري أن المشرع اقتصر سلطة المنع من حضور التحقيق في الحق الخاص ، ولم يمنح المحقق تلك السلطة في الحق العام ، وقد توصلت لهذه النتيجة من الأسباب الواردة بعاليه ، ومن معرفة غاية المشرع من النص التي تتمثل بضمان حقوق المتهم ، فإن حق المتهم بالاستعانة بالمحامي في حضور جلسات التحقيق معه هو حق أصيل ، وإن كان لزاماً الاستثناء فيجب أن لا يكون بشكل مطلق بل يجب أن يكون في أضيق الحدود وأقلها وهذا ما اتخذه المشرع السعودي .

يظل هذا اجتهاد مني يقبل الصواب أو الخطأ ، ولكن حتى يعلم القارئ أن المعمول به في المملكة من قبل جهات التحقيق هو عدم التفرقة بين التحقيق في الحق الخاص أو العام ، فمنع المحامي من حضور التحقيق يعتبر هو الأصل وحضوره يعتبر الاستثناء للأسف ، وكل ذلك استناداً لنص المادة (69) .