موقف الفقه العربي المعاصر من نظرية الضرورة :

يتفق فقهاء القانون العام في البلاد العربية على ان هنالك ظرفاً شاذاً قد تمر فيه الدولة يتطلب منها خروجاً على الحياة القانونية الاعتيادية وقد اختلف الفقهاء في تسمية هذا الشذوذ منهم من ذهب الى تسميته ( نظرية الضرورة ) ومنهم من أطلق عليه ( نظرية الظروف الاستثنائية ) ومنهم من استعمل هذين اللفظين في معنى مترادف . …. لنظرية الضرورة في الفقه العربي وجدنا انها حظيت باهتمام كبير لدى الفقهاء العرب وفي مقدمتهم الفقهاء المصريون ولقد أثير موضوع نظرية الضرورة في مصر لاول مرة خلال المناقشات الفقهية التي أثيرت حول نص المادة 41 من دستور سنة 1923 والتي تنص على انه ( اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط ان لا تكون مخالفة للدستور ويجب دعوة البرلمان الى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم عليه فاذا لم تعرض او لم يقرها احد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون ) (1) . ولقد كان من اوائل البحوث في هذا الصدد هو بحث الأستاذ المرحوم الدكتور السيد صبري عند دراسته للوائح التشريعية ولقد تناول في هذا البحث دراسة نص المادة 41 من الدستور واعتبرها خروجاً على الأصل وهو ان تتولى التشريع سلطة التشريع ولكنه برر هذا الخروج على أساس نظرية الضرورة ثم تناول بعد ذلك التفسير الفقهي للمادة 41 وما يرد من قيود على تطبيقها وهي القيود التي أوردها النص نفسه وهو القيد المتعلق بالزمن وان يكون ذلك بين أدوار الانعقاد وكذلك القيد الخاص بظروف تطبيق المادة وهي حالتان المحافظة على الأمن العام ودفع خطر يتهدد الدولة ثم القيد الخاص بالمدى وضرورة ان تتقيد المراسيم بالقوانين الصادرة على أساس الضرورة بأن لا تخالف الدستور ثم اخيراً القيد الخاص بمدة نفاذ هذه المراسيم ووجوب عرضها فوراً على البرلمان . كما ان الأستاذ الدكتور عبد الحميد متولي قد عرض الى نظرية الضرورة باعتبارها امراً استثنائياً ( أحد استثنائيين يردان على مبدأ علو الدستور ) حيث يوقف العمل بهذا المبدأ في حالتين :

1 ــ اما لصالح الحكام وذلك بناءً على ( حالة الضرورة ) .

2ــ واما لصالح المحكومين كما هو الشأن في حالة الثورات .

وفيما يتعلق بالحالة الأولى فقد قال ( ان هذه النظرية اصبحت من المبادئ المقررة والمسلم بها لدى رجال الفقه وان اختلفوا في تصويرها وتبريرها(2) . وفي الخلاصة ذهب ايضاً الى القول ان حالة الضرورة لا تكسب الدولة او رجالها او موظفيها طبقاً لنظرية رجال الفقه الفرنسي والانكليزي حقاً او اختصاصاً جديداً في اداء بعض الاعمال وانما تقدم لها عذراً للاعفاء من المسؤولية عن تلك الأعمال . اما ألاستاذ الدكتور فؤاد العطار فأنه يذهب الى القول بان القاعدة الأصلية في الشرائع ان القانون لا يلغى الا بقانون مماثل ، الا ان هذا وان ايده المنطق فهو لا يجب ان يطبق باستمرار وبصورة آلية وذلك يرجع الى ان المشرع عندما يضع القواعد القانونية يقدر انها تتلاءم وحياة المجتمع في الظروف العادية فاذا طرأت ظروف استثنائية (( لا تحتمل التردد كالحرب او الفتنة او الوباء او الكوارث فالحكومة لها ان تتخذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة تلك الحالات الاستثنائية ولو خرجت في ذلك على التشريعات القانونية العادية ذلك ان هناك قاعدة مفترضة وهي وجوب الابقاء على الدولة فأذا اقتضى احترام القانون في وقت معين التضحية بالدولة فانه يجب الخروج على هذا التشريع والا أدى الأمر الى التضحية ( بالكل ) في سبيل الإبقاء على ( البعض ) وحتى هذا ( البعض ) فبقاؤه لا يعد ان يكون ظاهراً طالما ان تنفيذ القانون سيؤدي الى فناء الدولة وبالتالي بالإدارة التي تعمل على بقاء القانون(3) )) .

ولقد ذهب بعض الفقهاء الى تحديد علاقة نظرية الضرورة بالظروف الاستثنائية ومن أوائل تلك المحاولات في مصر كانت للأستاذ الدكتور عبد الفتاح ساير داير سنة 1954 ولقد بدأ هذه المحاولة بقوله ( ان نظرية الضرورة هي عبارة عن ان هناك حالة طارئة تستلزم من جانب السلطة التنفيذية التصرف السريع لمواجهة خطر داهم او ضرر جسيم ويكون هذا التصرف مخالف للقواعد القانونية ولكنه يعتبر الوسيلة الوحيدة لدرء هذا الخطر او الضرر(4) .وذهب أيضا الى القول بأن الضرورة التي تؤدي الى مخالفة أحكام القواعد القانونية هي حالة مؤقتة ، فالصورة العادية للضرورة هي انها حالة طارئة او مستعجلة او قوة قاهرة . اما فيما يتعلق بنظرية الظروف الاستثنائية فيرى انه ( قد تظهر هنالك ضرورات غير مؤقتة وانما تستمر فترة طويلة نتيجة لاستمرار الظروف التي تؤدي اليها كالحروب والفترات الحرجة وتسمى هذه الضرورات بالظروف الاستثنائية وقد خلق مجلس الدولة الفرنسي نظرية بشأنها أطلق عليها اولاً ( نظرية الحرب ) وذلك ابان الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ثم أطلق عليها بعد ذلك ( نظرية الظروف الاستثنائية ) (5) . ويستفاد من التحليل السابق للدكتور عبد الفتاح ساير داير بأن نظرية الظروف الاستثنائية هي صورة خاصة وجديدة لحالة الضرورة والتي حصرها بحالة الاستعجال والقوة القاهرة وقد ميز بين النظريتين حيث أعتبر الأولى تستمر فترة طويلة من الزمن في حين ان الثانية من نوع الحالة الطارئة التي لا تدوم طويلاً .

اما الأستاذ الدكتور محمد كامل ليله فانه يفرق بين مصطلحات ثلاثة يكثر استعمالها سواء في الفقه او في القضاء بمعنى واحد وهذه المصطلحات هي الضرورة والظروف الاستثنائية والاستعجال وهو يلاحظ ان حالة الضرورة هي أعم وأشمل الحالات الثلاث وعلى كل حال وبرغم الفوارق الدقيقة بينها فأنها كلها تؤدي الى التغاضي عن القواعد القانونية الموضوعة للظروف العادية وتتخطاها منشئة قواعد جديدة تتلاءم مع الأوضاع الجديدة التي أوجدتها الظروف الاستثنائية أودعت اليها الضرورة او استلزمتها حالة الاستعجال(6) . وقد عرض الأستاذ الدكتور طعيمه الجرف لنظرية الضرورة في دراسته عن مبدأ المشروعية والواضح انه يرى في الضرورة نظرية قانونية ذلك انه ( من الأصول المقررة في جميع الشرائع ان الضرورات تبيح المحظورات ) ويبدو انه يسلم بالنظرية تأسيسا على حق الدولة في الدفاع عن النفس . كما ذهب هوريو في الفقه الفرنسي . الا انه لا يذهب الى المدى الذي ذهب اليه الفقهاء الألمان في اعتبار الضرورة ( حقاً ) ذلك ان هذا الاعتبار يفتح الباب امام الطغيان والاستبداد تحت ستار حماية أمن الدولة ونظامها العام الامر الذي يهدد فكرة الدولة القانونية نفسها ويؤدي الى تغليب حكم الثورة على حكم القانون(7) . اما الدكتور يحيى الجمل فلقد اهتم اهتماماً كبيراً بنظرية الضرورة وقد وضع مؤلف بأسم ( نظرية الضرورة في القانون الدستوري ) واعتبرها نظرية قانونية أسوة بالفقه الألماني الا انه اعتبر نظرية الضرورة ونظرية الظروف الاستثنائية بأنهما يعبران عن معنى واحد فكل منهما مرادف للاخر أي ان نظرية الظروف الاستثنائية تساوي القول بأن هنالك حالة ضرورة(8) . واستند في ذلك الى ما ورد في كتاب الأستاذ محمود محمد حافظ(9) حينما تناول دراسة نظرية الضرورة فأنه كان يتحدث عن الضرورة او الظروف الاستثنائية مما يفيد بأنهما فكرتان متساويتان في المعنى وان أحدهما تؤدي معنى الأخرى هذا ولقد اكد الدكتور محمد حافظ أيضا حق الإدارة في الخروج على النصوص التشريعية في حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية(10) ويؤخذ على هذا الرأي بأنه ساوى بين نظرية الضرورة ونظرية الظروف الاستثنائية مع ان الحقيقة تخالف ذلك ونظرية الضرورة اعم من نظرية الظروف الاستثنائية فهذه النظرية الأخيرة لا تعدو ان تكون حالة خاصة للضرورة . ومن الفقهاء العرب الذين تناولوا بالدراسة نظرية الضرورة الدكتور كمال الغالي حيث اعتبر هذه النظرية استثناءً او قيداً على سمو الدستور ولقد ذكر خلاصة النظرية بقوله ان الدستور يقيم تنظيماً معيناً للسلطة العامة هذا التنظيم يقوم على مبادئ معينة تهدف بالدرجة الأولى تقييد الحكام وإيجاد نوع من الفصل والتوازن بين السلطات لتأمين سيادة القانون . فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية – فصل السلطتين المدنية والعسكرية – الحريات الفردية وحقوق الإنسان .هذه المبادئ شرعت للظروف العادية اما اذا طرأت ظروف استثنائية كوقوع أزمة حادة او وجود حالة حرب بحيث تصبح السلامة العامة مهددة فلا بد من مواجهتها بتدابير استثنائية ، لان السلامة العامة للوطن ودرء الأخطار التي تحدق بالمجتمع هي القانون الأسمى ، هذه الظروف الاستثنائية تبرر اذن تعليق الضمانات الدستورية وتجاهل التنظيم الذي أقامة الدستور بفصل السلطات وتركيز السلطة بيد السلطة التنفيذية وبعبارة موجزة ان هذه الظروف تبرر ايجاد حالة تتمشى مع الدستور او القانون هذه الحالة التي اقتضتها ظروف استثنائية ينبغي ان لا تستمر الا للمدة اللازمة لمواجهة الظروف التي أدت اليها وبعبارة أخرى فأن ( الضرورة تقدر بقدرها ) ويتعين فوراً زوال الظروف الاستثنائية والعودة الى الحالة العادية(11) .

ولقد كان للفقه الدستوري العراقي نصيب في الكتابة عن نظرية الضرورة وفي مقدمة من كتب عن نظرية الضرورة المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الله إسماعيل البستاني وذلك حينما تحدث عن حق الملك في إصدار المراسيم(12). حيث قال ( ان أهم الحقوق واخطرها التي تعترف بها الدساتير لرئيس الدولة الأعلى هو حق إصدار المراسيم اذا ما دعت الضرورة الى ذلك في فترات عطلة البرلمان وتظهر أهمية هذا الحق وخطورته في انه يؤدي الى ان تجتمع السلطات التنفيذية والتشريعية في يديه ولذلك تحرص الدساتير عادة بعد تخويلها السلطة التنفيذية هذا الحق أحاطته بسياج من الشروط لكي تحول دون سوء الاستعمال … ثم يقول .. : ان حق إصدار هذه المراسيم يتعارض ومبدأي فصل السلطات وتعاضدها لان القانون بحسب المبدأ الأول من عمل البرلمان وحده وبحسب المبدأ الثاني هو نتيجة اشتراك متفاوت الدرجة بين رئيس الدولة والبرلمان فاذا كان دور البرلمان واضحاً في كلا هذين المبدأين فكيف نفسر ان يصبح عمل هذه المراسيم من اختصاص رئيس الدولة وحده دون البرلمان ؟ يجيب عن ذلك بالقول .. ان هذه السلطة المخالفة للمبادئ الدستورية العامة تجد مسوغها في ( نظرية الضرورة ) التي قال بها رجال الفقه في المانيا حيث وجدت مجالاً واسعاً في النظم المتعددة لهذه البلاد ، ثم ينتهي الى القول .. على اننا يجب ان لا نغالي في تصور هذه السلطة فالملك لا يمارسها باعتباره مشرعاً بل باعتباره حاكماً إداريا يملك سلطة قانونية مؤقتة منحت له لانه العضو الدستوري المستمر في وظيفته والملك بهذه السلطة لا ينسى القانون ولكنه يصدر مراسيم هي في الواقع في حدود سلطته الخاصة بإصدار الأنظمة وانما في هذه المرة يكون لها ( قوة القانون ) وهذه المراسيم ليست قوانين وليست صادرة من سلطة التشريع فاذا كان لها قوة القانون فذلك لان ظروفاً طرأت تهدد أمن البلاد وتحتاج لعلاج سريع بينما البرلمان غير منعقد وبديهي في هذه الحالة ان يقوم الملك بتلافي هذه الطوارئ ولو اضطرته الضرورة الى تعديل قانون او إلغائه ) (13) . اما الدكتور إسماعيل ميرزا فقد تناول هو الأخر نظرية الضرورة تحت عنوان نظرية الضرورة استثناءً او قيداً يرد على مبدأ سمو الدستور حيث قال : يجوز بموجب هذه النظرية للدولة او إحدى سلطاتها وهي غالباً ما تكون السلطة التنفيذية مخالفة أحكام الدستور او القوانين اذا اقتضى ذلك ( ضرورة ) السلامة العامة للمجتمع السياسي ، فهذه النظرية تعفي الدولة من التقيد بأحكام الدستور او أحكام القانون في حالات خاصة يهدد فيها الخطر الحال المباشر كيان الدولة او اقتصادها او سلامتها .. وينتهي الى القول : وعلى اية حال ان نظرية الضرورة استثناء يجب ان لا يتوسع فيه وان يضيق في مداه ، فالعمل الذي يصدر تحت تأثير الضرورة يظل عملاً غير قانوني او غير دستوري وكثرتها تؤدي الى تصدع النظام السياسي(14) . واخيراً فأن الدكتور إحسان المفرجي قد أشار الى نظرية الضرورة تحت عنوان الاستثناء الذي يرد على مبدأ سمو الدستور .. فقال : وخلاصة النظرية هي ان القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ معينة تهدف بالدرجة الأساس الى تقييد سلطة الحكام وإيجاد نوع من الفصل والتوازن بين هيئات الدولة المختلفة وذلك من اجل تأمين وحماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية .

ثم ينتهي الى القول فحالة الضرورة اذن تجيز للدولة او لإحدى هيئاتها وغالباً ما تكون الهيئة التنفيذية ( رئيس الدولة او الحكومة ) ان تعلق بعض نصوص الدستور او تجيز للسلطة التنفيذية ممارسة عملية تشريع القوانين وإصدار المراسيم خلال مدة من الزمن ويجب الا تستمر هذه المدة الا لمواجهة الظروف التي أدت إليها ويجب العودة الى الحالة الطبيعية حال زوال تلك الظروف ذلك لان الضرورة تقدر بقدرها(15) . يتضح لنا من العرض السابق لموقف الفقه العربي من نظرية الضرورة ان الاتجاه العام لديهم يذهب الى الأخذ بها وان اختلفت التسميات والمصطلحات التي أطلقوها في دراستهم لها . كما انهم يرون فيها ( شذوذاً ) او استثناءً عن الأصل وهو سمو الدستور وما يتبعه من تدرج في القواعد القانونية حيث تستطيع السلطة التنفيذية ( ولظروف خاصة ) بمراسيم صادرة عنها ان تخترق القواعد القانونية العادية والدستورية .ويمكننا القول هنا بأن الفقه العربي قد اعتبر هذه النظرية من المسلمات في القانون الدستوري وبالرغم من عدم دخولهم في الجدال الفقهي حول أساس هذه النظرية كما حصل لدى الفقهاء الفرنسيين الا انهم متفقون جميعاً على وجوب التضييق من نطاق هذه النظرية لكي لا تكون سلاحاً بيد سلطة الضرورة تمكنها من الخروج على مبدأ المشروعية .

____________________

1-د . السيد صبري – اللوائح التشريعية – القاهرة – 1944 – ص5 وما بعدها .

د . يحيى الجمل – نظرية الضرورة في القانون الدستوري – دار النهضة العربية – القاهرة – 1975 – ص 48-49 . د . محمد شريف اسماعيل – سلطات الضبط الاداري في الظروف الاستثنائية – القاهرة -1979 – ص 475 – 476 رسالة دكتوراه .

2- د . عبد الحميد متولي – القانون الدستوري – القاهرة – 1974 – ص ص 207 – 208.

3- د . فؤاد العطار – القضاء الإداري – دار النهضة العربية – القاهرة سنة 1967 – ص 85 .

د . فؤاد العطار – رقابة القضاء لاعمال الادارة – دار النهضة العربية – القاهرة سنة 1960 – ص70 .

4- د . عبد الفتاح ساير داير – نظرية اعمال السيادة في القانون المصري مقارنةً بالقانون الفرنسي –- 1954 ص94 رسالة دكتوراه – جامعة القاهرة .

5- د . عبد الفتاح ساير داير – المرجع السابق – ص ص 94 – 95 .

6- د . محمد كامل ليله – الرقابة أعمال الادارة ( الرقابة القضائية ) – بيروت – 1970 – ص78 .

7- د . طعيمه الجرف – مبدأ المشروعية – دار النهضة العربية – القاهرة – 1973 – ص90.

8- د . يحيى الجمل – نظرية الضرورة في القانون الدستوري – مرجع السابق ص65 .

9- د . محمود محمد حافظ – القضاء الإداري – الطبعة السادسة – دار النهضة العربية – القاهرة 1973 ص ص 41 – 44 .

10- د . محمد شريف إسماعيل – سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية – مرجع سابق ص479

11- د .كمال الغالي – مبادي القانون الدستوري والنظم السياسية – مطبعة الداودي – دمشق – 1985 – ص ص133 – 134 .

12- د . عبد الله اسماعيل البستاني – مذكرات اولية في القانون الدستوري – مطبعة الرابطة – بغداد -1950 – 1951 ص ص 361 – 365 .

13- د . عبد الله إسماعيل البستاني – مذكرات في القانون الدستوري – مرجع سابق – ص 365 .

14- د . إسماعيل مرزا ـ مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ شركة الطبع والنشر الأهلية بغداد ـ 1960 ص ص259 ـ 263 .

15- د . إحسان المفرجي وآخرون – نظرية الدستور مرجع سابق – ص ص 167 – 170 .

نظرية الضرورة في الفقه الغربي :

بالرغم من ان الموقف الفقهي قد أستقر عند فقهاء القانون العام على الآخذ بنظرية الضرورة وخاصة في مجال القانون الدستوري ، الا انهم اختلفوا في نظرتهم الى الأساس الذي تقوم عليه تلك النظرية فمنهم من ذهب الى ان تلك النظرية هي نظرية سياسية ومنهم من ذهب الى انها نظرية قانونية وهذا ما سوف نوضحه فيما يأتي :

اولاً : الضرورة نظرية سياسية(1).

ان الاتجاه الاول في الفقه الغربي يرى بأن نظرية الضرورة نظرية سياسية وتمثل هذا الراي بالفقهاء الفرنسيين القدامى إضافة الى الفقه الانكلوسكسوني ، حيث ان فقهاء القانون العام في تلك الدول كانوا لا يرون في نظرية الضرورة سوى كونها نظرية سياسية واقعية ، فاذا كان هنالك حقٌ للدولة في الخروج على مبدأ المشروعية او سيادة القانون دفعاً لضرر او خطر او معالجة لظرف طارئ فلا يعني ان ذلك حقاً قانونياً لها وانما يرجع الى الظروف الشاذة التي لا يمكن توقعها مسبقاً ولذلك يرى اصحاب هذا الرأي بان نظرية الضرورة ليست سوى نظرية سياسية لا أساس لها في القانون ويترتب على ذلك ما يأتي :

1 ــ ان جميع الإجراءات التي تتخذها الدولة والتي تخالف فيها الدستور والقانون تعتبر إجراءات باطلة .

2ــ ان مسؤولية الدولة وموظفيها تظل قائمة عن تلك الإجراءات ، ولمعالجة هذه الحالة فأن الحكومة تستطيع ان تتقدم الى البرلمان بطلب بعد انتهاء الظروف الشاذة تطلب فيه إعفائها من هذا التصرف غير المشروع وذلك عن طريق ما يسمى ( بقانون التضمينات ) اما الإجراءات ذاتها فهي تبقى غير قانونية لان بطلانها مطلق والحل التشريعي الوحيد هو ان يصدر قانون جديد يتضمن النصوص الخاصة بالقرارات والإجراءات السابقة التي تعتبر باطلة وبأثر رجعي ومن تاريخ صدور تلك الإجراءات . يتضح من ذلك انه طبقاً لهذه النظرية فأن الضرورة تعتبر أهداراً لمبدأ المشروعية بمفهومه التقليدي والذي يجب ان يسود ويطبق في كافة الظروف العادية والاستثنائية .

ثانياً : الضرورة نظرية قانونية

لقد ذهب أصحاب هذا الرأي وفي مقدمتهم الفقهاء الألمان الى تصوير نظرية الضرورة بالنظرية القانونية وترجع بدايات هذا التصور في الفقه الألماني الى أصول فلسفة الفقيه الالماني ( هيجل ) وفكرته عن سيادة الدولة والتي هي ( أي هذه الفكرة ) تطبيق لمقولة الفقيه الروماني شيشرون ( سلامة الدولة فوق القانون ) ومقتضى ذلك ان الدولة اذا ما تهددها خطر او تعرضت مصالحها الحيوية للمساس فهي في حل من الالتزام بأي قاعدة او قيد لانها في سبيل حماية كيانها والحفاظ على مصالحها يبدو من حقها ، بل من واجبها اتخاذ كل ما هو لازم من إجراءات في سبيل الحفاظ على بقائها واستمرارها(2) . وبناءً على ذلك فأن الدولة ووفقاً لنظرية الضرورة تتحلل من القواعد القانونية كلما ترتب على مراعاة تلك القواعد تهديدٌ لها . وترتيباً على ذلك فأن الدولة وهي تمارس هذا الحق فأن تصرفها يعتبر مشروعاً حتى ولو خالفت القواعد القانونية لان إرادة الدولة ضمن هذا المفهوم هي القانون . ولقد أيد الفقهاء الألمان منح الحكومة السلطات الضرورية للحفاظ على الامن وتفادي الأخطار الداهمة والفترات الحرجة التي تلي الحرب وقد صار ذلك من المبادئ المستقرة في القانون العام الألماني واستناداً لذلك ترتبت النتائج التالية :

1 ــ اعتبار كافة الإجراءات والأعمال التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة إجراءات سليمة مشروعة لأنها تحقق هدف النظام القانوني النهائي وهو المحافظة على سلامة الدولة كما بينا ذلك سابقاً .

2 ــ وبناءً على هذا الاعتبار فأنه لا مسؤولية على رجال الدولة في اتخاذ هذه الأعمال والإجراءات .

3ــ لا يحق للأفراد المطالبة بالتعويض عما قد يلحقهم من أضرار من جراء هذه الأعمال او الإجراءات (3).

هذا هو موقف الفقه الألماني والذي ينظر الى الضرورة كنظرية قانونية الا اننا نرى ان البعض من الفقهاء الفرنسيين هو الأخر ذهب الى الأخذ بالنظرية القانونية للضرورة الا انهم جعلوا هذا الحق الذي أُعطي للدولة بالخروج على قواعد المشروعية هو حق مقيد بشروط والتزامات معينة وهذا ما ظهر واضحاً عند الفقيه ( دوجي ) . وبمقتضى النظرة القانونية الفرنسية لنظرية الضرورة فأنه يمكن للحكومة في ظل ظروف استثنائية معينة ان تصدر لوائح الضرورة التي من شأنها ان توقف او تعدل او تلغي القوانين القائمة وفقاً للشروط الاتية :

1 ــ اذا حدثت حرب او ثورة او إضراب عام .

2 ــ اذا تعذر اجتماع البرلمان او في الأقل لم يتسع الوقت لجمعه وانعقاده .

3ــ ان تكون الحكومة وهي تصدر هذه الأنظمة عازمة على عرضها امام البرلمان بمجرد إمكان انعقاده وأخذ موافقته .

ويرى الفقيه ( دوجي ) ان ليس للمحاكم ان تمتنع عن تطبيق مثل هذه الانظمة بدعوى عدم مشرعيتها ما دام ان البرلمان لم يدع للنظر فيها اما اذا اجتمع البرلمان ولم تعرض عليه فوراً فانها تعد باطلة ويمكن الطعن فيها بطريق تجاوز حدود السلطة(4) . واخيراً يمكننا القول ان النظرة الفرنسية تختلف عن النظرة الالمانية في ان الفرنسيين وان رأوا في الضرورة حقاً للدولة ، الا ان هذا الحق طبقاً للنظرة الفرنسية ليس مطلقا بل هو مقيد بشروط والتزامات محددة في حين ان النظرة الالمانية تراه حقاً خالصاً دون قيود .

___________________

1- انظر في ذلك د . عبد الحميد متولي – القانون الدستوري – منشأة المعارف – الاسكندرية – الجزء الأول ط 6 – 1975 –– ص195 .

2- انظر في ذلك – د . وجدي ثابت غيربال – السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية- منشأة المعارف – الإسكندرية 1988 – ص65 .

3- د . السيد صبري – مبادئ القانون الدستوري – القاهرة – الطبعة الرابعة – 1949 – ص467 .

4- انظر في ذلك . د . عبد الله إسماعيل البستاني – القانون الدستوري – بغداد – 1950 – ص362 .

المؤلف : حسن ضياء حسن الخلخالي
الكتاب أو المصدر : نظرية الضرورة كاستثناء على مبدا سمو الدستور

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .