نصوص و مواد قانون ضريبة المبيعات اليمني

قانون ضريبة المبيعات اليمني

تعتبر الرقابة الدستورية على القوانين واللوائح والقرارات أحد أهم الضمانات التي تكفل التزام الدولة بالشرعية والحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة بالمواثيق الدولية عند ممارستها لسلطاتها بما يؤكد التزامها بمبدأ (سيادة القانون أساس الحكم في الدولة).
وفي إطار هذا الالتزام الذي يستوجب بداهة عدم خروج القوانين واللوائح والقرارات عن أحكام الدستور باعتباره القانون الأسمى وضماناً لالتزام الدولة بأحكامه تم رفع دعوى عدم دستورية قانون الضريبة العامة على المبيعات المعدل بالقانون رقم (14) لسنة 2004م والقانون رقم (42) لسنة 2005م من قبل الغرفة التجارية بوكالة الأستاذ الدكتور (حسن علي مجلي)، وكعادته قام الدكتور (مجلي) بدراسة القانون دراسة دقيقة للنصوص غير الدستورية ثم البيان التفصيلي لأوجه مخالفتها للدستور، وقد لفت انتباهنا في الدعوى اشتمالها على العديد من نصوص القانون الطعين التي تتعارض مع المبادئ الدستورية الحاكمة في التشريع العقابي.
فوجدنا أن من الأهمية بمكان عرض هذه الأوجه للقارئ الكريم إسهاماً في رفع الوعي الدستوري لدى المواطن وكذا تنبيهاً للأضرار التي ستحيق بالمجتمع والنظام العام في حال استمرار تطبيق نصوص القانون بما يخالف المبادئ الدستورية الحاكمة للتشريع العقابي.
وفيما يلي نورد هذه النصوص وأوجه الطعن عليها بشيء من الإيجاز:

أولاً : المادة (33) : بشأن غرامة التأخير :

أوجه الطعن :
1- إن إيقاع (عقوبة) الغرامة ضد المسجل الذي يتأخر في سداد الضريبة يقتضى أن ينص القانون على تجريم نشاطه وأن تثبت إدانته بإتيان النشاط المجرم قانوناً، والإدانة لا تثبت إلا بحكم قضائي بات وفقاً للمادة (47) من الدستور والتي تنص على أن:
((كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات)).
2- الثابت هو أن الغرامة المنصوص عليها في المادة (33) الطعينة تتعارض في كونها عقوبة أو تعويضاً مع نصوص الدستور من حيث أن أياً من العقوبة أو التعويض لا يجوز توقيعهما أو تنفيذ أي منها إلا بواسطة القضاء وبعد صدور حكم قضائي بات.
3- سبق وأن حكم بعدم دستورية الغرامات الجمركية التي نص عليها قانون الجمارك رقم (66) لسنة 1963م في جمهورية مصر العربية والتي كانت المادة (119) من هذا القانون قبل تعديلها بالقانون رقم (175) لسنة 1998م تعطى لمدير عام الجمارك سلطة فرض هذه الغرامات، فقد قضت المحكمة الدستورية العليا أن هذه الغرامات لا تعد تعويضات مدنية، بل تعد عقوبات بالمعنى القانوني، مما يتطلب أن يكون إيقاعها بعمل قضائي (حكم) طبقاً للمادة (66) من الدستور.
[دستورية عليا في 2 أغسطس سنة 1997م في القضية رقم (72) لسنة 18 قضائية (دستورية)، في 14 أغسطس سنة 1997م، العدد (33). إشارة: د. أحمد فتحي سرور، م. س.، ص (537)].

ثانياً : المادة (38) : بشأن التزامات المحجوز لديه:
وتنص على أنه:
((…. جـ- في حالة عدم تقديم الإقرار أو عدم صحة الإقرار تطبق على (المحجوز لديه) الإجراءات والجزاءات والعقوبات الواردة بهذا القانون.
د – في حالة عدم تقديم الإقرار يعد المحجوز لديه مسئولاً بأمواله الخاصة عن تسديد الضرائب المستحقة على المسجل ويكون مسئولاً مسئولية تضامنية مع المسجل وتتخذ إجراءات الحجز ضده في حدود ما يثبت لديه من أموال للمسجل الصادر ضده أمر الحجز.)).

أوجه الطعن :
1- إن المادة (38) من القانون المطعون فيه بعدم الدستورية انطوت على إخلال بمبدأ شخصية المسئولية الجنائية، وذلك حينما قررت مساءلة المحجوز لديه عن التصرفات التي ارتكبها المحجوز عليه وإلزامه بالتضامن معه في تحمل المسئولية عن تلك التصرفات والتي تصير في معظم الأحيان مسئولية جنائية، وهو ما يخالف الدستور والمشروعية، إذ أن المقرر دستوراً هو أن المسئولية شخصية، ما مقتضاه عدم جواز (تظهيرها) على سبيل الافتراض إلى شخص آخر وفقاً لنص المادة (47) من الدستور.
2- إن المادة الطعينة لم تضع اعتباراً لأي احتمال في صالح المحجوز لديه أو اعتبار لحقوقه الدستورية والقانونية، كما لو كان يوجد حجز سابق لديه، وذلك على ذات الأموال التي قامت مصلحة الضرائب بحجزها على الرغم من أنه سبق حجزها تنفيذياً بموجب حكم قضائي بات لمصلحة مستحقين آخرين.
3- قررت المادة محل الطعن معاقبة المحجوز لديه على مجرد مزعوم عدم تقديم الإقرار بما في ذمته للمحجوز عليه دون أن تضع أدنى اعتبار للأسباب التي أدت إلى ذلك والتي قد تكون قانونية (الالتزام بالسرية) أو ظروفاً قاهرة أو أحكام قضائية باتة … الخ.

ثالثاً : المادة (38/جـ) :
وتنص على أنه:
((…. جـ- في حالة عدم تقديم الإقرار أو عدم صحة الإقرار تطبق على (المحجوز لديه) الإجراءات والجزاءات والعقوبات الواردة بهذا القانون.
د – في حالة عدم تقديم الإقرار يعد المحجوز لديه مسئولاً بأمواله الخاصة عن تسديد الضرائب المستحقة على المسجل ويكون مسئولاً مسئولية تضامنية مع المسجل وتتخذ إجراءات الحجز ضده في حدود ما يثبت لديه من أموال للمسجل الصادر ضده أمر الحجز.)).

أوجه الطعن :
1- يتضح من قراءة الفقرتين المذكورتين أنهما تتضمنان الانتهاكات التالية للحقوق الدستورية: 1- افتراض المسئولية الجنائية، 2- مخالفة مبدأ (شخصية العقوبة)، 3- افتراض القصد الجنائي، حيث أن الفقرتين المشار إليهما افترضتا المسئولية الجنائية والقصد الجنائي افتراضاً في مواجهة المحجوز لديه، كما أنهما تجاوزتا مبدأ شخصية العقوبة وذلك أن صار المحجوز لديه يساءل ويعاقب باعتباره مرتكباً جريمة التهرب الضريبي.
وهذا النص التشريعي الطعين يتعارض مع المادة (47) من الدستور التي تنص على ما يلي:
((المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو قانوني، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي أفعال بأثر رجعي لصدوره)).
كذلك يتناقض النص التشريعي الطعين مع المادة (3) من الدستور والتي تنص على أن: ((الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات)). لأن الشريعة الغراء نصت على مبدأ شخصية المسئولية والعقاب ولم تُجز افتراض المسئولية الجنائية أو القصد الإجرامي.
2- إن الجريمة العمدية تقتضي، لتوافر القصد الجنائي بشأنها وهو أحد أركانها، علما من الجاني بعناصرها، مما يؤكد أنه لم يقدم عليها إلا بعد تقديره لمخاطرها، وعلى ضوء الشروط التي وضعها المشرع، فلا تكون نتيجة الجريمـة غير التي قصـد إلى إحداثها، ((شأن الجريمة المتهم بها المحجوز لديه في جريمة التهرب الضريبي والعقوبة الموقعة عليه في المـادة (38) من القانون المطعون فيه بعدم الدستورية بافتراضه، خلافاً للدستور، المحجوز لديه فاعلاً أصلياً لها)).
وقد حكم في القضاء المقارن أن الأصل في الجرائم العمدية جميعها، ومنها جرائم التهرب الضريبي، أنها تعكس تكويناً مركباً قوامه تزامن اتصال الإثم الجنائي بارتكابها، وعقل واع هيمن على مجراها نحو النتيجة الإجرامية المترتبة على إتيانها، ونقصد بذلك القصد الجنائي الذي لا بد أن يكون متلائماً مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مجال التجريم بوصفها ركناً في الجريمة وأصلاً ثابتاً كامناً في طبيعتها وليس أمراً فجاً دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها، ذلك أن حرية الإرادة تعني حرية الاختيار بين الخير والشر، فلا يجرم النشاط فعلاً أو امتناعاً أو تركاً ما لم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر، ومن ثم مقصوداً.
[حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 1/2/1997م – جمهورية مصر العربية].
3- إنه لا يتصور أن تقوم جريمة التهرب الضريبي نتيجة إهمال يقوم مقام العمد. فلا يكون ركن الخطأ فيها إلا انحرافاً عما يعتبر، وفقاً للقانون الجزائي اليمني والمقارن، سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد، بل هي جريمة عمدية ابتداءً وانتهاءً.

رابعاً : المادة (43) : بشأن الجرائم والمخالفات:
وتنص على ما يلي:
((فيما عدا الحالات المنصوص عليها في المادة (45) من هذا القانون والتي تعتبر من أعمال التهرب من الضريبة يعاقب بغرامة بواقع (10%) من قيمة الضريبة المستحقة وذلك بالإضافة إلى دفع الضريبة والغرامات المستحقة كل من ارتكب أحد الأفعال المبينة في الفقرات (أ، ب، جـ، د، هـ، و، ز، ح، ط، ي، ك، ل، م) من المادة رقم (43) من القانون رقم (19) لعام 2001م ما لم تكن هناك عقوبة أشد في قانون آخر :
أ – تقديم بيانات غير صحيحة عن المبيعات من السلع أو الخدمات الخاضعة للضريبة إذا ظهرت فيها زيادة لا تتجاوز (10%) عشرة في المائة عما ورد بإقراره.
ب- مخالفة الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من هذا القانون.
جـ- ظهور نقص أو زيادة في السلع المودعة في المناطق والأسواق الحرة تزيد عن (5%) خمسة في المائة ولكنها لا تتجاوز (10%) عشرة في المائة.
د – أي شخص يتخلف عن تقديم إخطار إلى المصلحة بتغيير بيانات طلب التسجيل أو تخلف عن تقديم إخطار بالتوقف الكلي أو الجزئي عن النشاط خلال الموعد القانوني.
هـ- عدم تمكين موظفي المصلحة من القيام بواجباتهم أو ممارسة اختصاصاتهم في الرقابة والتفتيش والمراجعة وطلب المستندات أو الاطلاع عليها.
و – عدم إخطار المصلحة بالبدء في تشغيل المصانع والمعامل وإنتاج السلع الخاضعة للضريبة.
ز – عدم قيام المسجل بموافاة المصلحة بنسخة من التراخيص خلال المدة القانونية.
ح – عدم إقرار المسجل عن السلع والخدمات التي استعملها أو استفاد منها في أغراض خاصة أو شخصية بقيمة لا تتجاوز مائتين ألف ريال.
ط- عدم تقديم المحجوز لديه إقرار لما في ذمته من أموال للمسجل المحجوز على أمواله أو تقديم إقرارات تتضمن بيانات غير صحيحة.
ي- تحرير فاتورة بيع تختلف بياناتها بالنقص عن فاتورة البيع المقررة وفقاً لهذا القانون.
ك- استخدام رقم تسجيل غير صحيح أو رقم ضريبي غير صحيح في إقرار ضريبي أو أي وثيقة مطلوبة أو مستخدمة لأغراض هذا القانون.
ل- تخلف عن العمل بمقتضيات أي إخطار أو طلب صدر إليه أو تخلف عن الحضور تلبية لإخطار صدر إليه تحقيقاً لأي غرض من أغراض هذا القانون.
م – إقدام المسجل أو المكلف على استيفاء ضريبة غير مستحقة، ويعتبر المبلغ المستوفى بالمخالفة لأحكام هذا القانون من حق الشخص المستوفى منه.)).

أوجه الطعن :
1- إن العبارة الواردة في الفقرة (ل) من المادة (43) محل الطعن ((تخلف عن العمل بمقتضيات أي إخطار)) خالية من تحديد نوع الجريمة التي يمكن نسبتها إلى المكلف بالضريبة مما يجعل التفسير والقياس هما محور التجريم في هذه الفقرة، وفقاً لأهواء القائمين على تطبيق القانون في وزارة المالية ومصلحة الضرائب، وهو محظور شرعاً ودستورياً لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني يحدد نوعها تحديداً نافياً للجهالة.
2- يتضح من خلال صريح نصوص بنود ومقتضيات المادة (43) محل الطعن وعدد آخر من مواد قانون (الضريبة العامة للمبيعات) المخالفة للدستور والمرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزءة بالنص الطعين هو أن ((المكلف بالضريبة متهم حتى يثبت براءته)) وهذا يخالف مبدأ افتراض البراءة المقرر في المادة (47) من الدستور اليمني والذي لا يجوز إلغاؤه بمجرد القرينة القانونية الواردة في بعض مواد قانون الضريبة العامة على المبيعات محل الطعن بعدم دستوريته ومنها المادة (45) منه، ذلك أن هذه ومثيلاتها إنما تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي ممثلاً في الواقعة المفترضة مصدر الحق المدعى به (التهرب الضريبي)، إلى افتراض واقعة أخرى بديلة قريبة منها متصلة بها، بحيث يعتبر حدوث (الواقعة البديلة) إثباتاً للجريمة بحكم القانون محل الطعن.
3- إن المساءلة الجزائية والعقاب في هذا النص يتعلقان بواقعة لا تعد جريمة (المقصود بذلك: واقعة الزيادة المفترضة أسماها المشرع الضريبي (فعل) ؟! ونسبه، ظلماً، إلى المكلف بالضريبة)، ذلك أن الزيادة في السلع تمثل منفعة لمصلحة الضرائب، إذ تزداد الضريبة بنسبة الزيادة في كمية السلع، فكيف يعاقب المواطن – التاجر – على واقعة حققت فائدة للدولة؟! إن العقاب على واقعة لا تعتبر جريمة هو مخالفة صريحة لنص المادة (47) من الدستور التي تقرر وتؤكد أنه: لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص شرعي أو قانوني يجرم فعلاً أو امتناعاً أو تركاً ويحدد عقوبته.
وهو ما يعني، بمفهوم المخالفة، أنه لا مساءلة أو عقاب على فعل أو امتناع أو ترك لا يشكل جريمة منصوصاً عليها ومقررة عقوبتها في القانون.

خامساً : اشتملت المادة (45) من القانون الطعين على ذات المثالب والعيوب الواردة على المادة (43).

سادساً : بشأن عقوبة جرائم التهرب :
وتنص على أنه:
((عقوبة جرائم التهرب :
مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضي بها قانون آخر يعاقب على التهرب من الضريبة وذلك بما يلي:
أ – غرامة لا تقل عن (50%) خمسين بالمائة ولا تزيد عن ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضريبة للمرة الأولى.
ب- في حالة تكرار المخالفة للمرة الثانية تضاعف الغرامة المحكوم بها وإذا تكرر ارتكابها بعد ذلك خلال سنة واحدة فللمحكمة أن تحكم إما بالغرامة بحدها الأعلى أو بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر أو بكلتا العقوبتين.)).

أوجه الطعن :
1- عاقبت [الفقرة (ب)] بالغرامة والحبس معاً على (المخالفة) للقانون محل الدعوى، وهذا يتنافى مع حكم الشرع الذي لا يجيز اجتماع غرمين على الشخص في ماله وبدنه (الحبس)، مما يجعل النص الطعين مخالفاً للمادة (3) من الدستور التي جعلت أحكام الشريعة هي المصدر وهذه جوهرها العدل، والمادة (46) أهدرت العدالة، ومن ثم، فهي غير دستورية.
2- إن توقيع عدة عقوبات في المال (الغرامة + التعويض + المصادرة + فائدة ربوية تحت مسمى (غرامة تأخير) + فائدة ربوية دون مسمى) وحجز الحرية (الحبس) يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحظر في المادة (5) منه القسوة في العقاب والمتمثلة في الجمع بين عدد كبير من العقوبات بما فيها الحبس ضد شخص واحد وبسبب جريمة (مخالفة) واحدة، (وعلى فرض ثبوتها بالإجراءات القانونية الصحيحة وصدور حكم بات يقضي بالإدانة والعقاب).
3- حكم في القضاء الدستوري العربي المقارن بشأن التعسف في إيقاع العقاب بأن المشرع (المصري) عدد بنص المادة (14) المطعون عليها صور الجزاءات التي قرر توقيعها بكاملها على المخالفين لحكمها، فلم يقصرها على الغرامة التي فرضها، ولا على أداء في الضريبة مع زيادة تعادل ثلاثة أمثالها، أو مضاعفتها في حالة العود، وإنما ضم إلى هذين الجزاءين عقوبة أخرى، وكذلك أية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر، وكانت صور الجزاء هذه – مع تعددها وتفاوتها فيما بينها في مداها – قد فرضها جميعاً قانون ضريبي في شأن أفعال يأتيها المخالفون لأحكامه، ولا تتحدد فيما بينها سواء في عناصرها أو قدر خطورتها، أو الآثار التي ترتبها؛ بل يتصل الجزاء بهذه الأفعال جميعاً ليسمها بوطأته، سواء كان التورط فيها ناشئاً عن عمد أو إهمال أو عن فعل لا يقترن بأيهما، متوخياً التدليس على القائمين على تنفيذ قانون الضريبة عن طريق إخفاء بياناتها، أو عرض ما هو غير صحيح منها بقصد التخلص منها كلها أو بعضها واقتناص مبلغها، أو منتهياً في مجرد التأخير في توريدها، وسواء كان هذا التأخير عرضياً أو مقصوداً، محدداً بفترة زمنية ضيقة، أو مترامياً، مستنداً إلى قوة قاهرة، أو مجرداً مما يعد ظرفاً مفاجئاً أو طارئاً، فلا يظهر نص المادة (14) المطعون عليها – إلا مجاوزاً بمداه حقائق هذه الأفعال ومكوناتها، نابذاً تحديد جزاء لكل منها بما يناسبها، فلا يزنها بالقسط، بل تقيس أقلها خطراً على أسوءها قصداً، ويعاملها جميعاً بافتراض وحدة مضمونها وآثارها، وليس ذلك إلا غلواً منافياً لضوابط العدالة الاجتماعية التي أرستها المادة (38) من الدستور، لتقيم عليها النظم الضريبية جميعاً، وما يلحق بها من الأعباء المالية التي عددتها المادة (119) من الدستور.
[حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم (152) لسنة 18 قضائية، الجريدة الرسمية، العدد (25) (تابع) في 18 يونيو 1998م، ص (36)، المرجع: د. محمد محمد عبداللطيف، م. س.، ص (233 – 234)].

سابعاً : المادتين (54 ، 55) :
تنص المادة (54) على الآتي :
((…. ب- لأغراض تنفيذ هذا القانون يقوم موظفي المصلحة بالأعمال التالية بإذن خطي من رئيس المصلحة أو من يفوضه :
1- الدخول إلى أي موقع دون إشعار مسبق وفي أي وقت من أوقات العمل والبحث عن أي من السجلات الملزم بمسكها المسجل.
2- القيام بأي شكل من الأشكال عند إجراء عملية البحث وفق أحكام البند (1) من هذه الفقرة بفتح أو طلب فتح أو نقل وفتح أي شيء يعتقد انه يحوي على أية سجلات.
3- التحفظ على أية سجلات تثبت أنها تقدم دليلاً وثيق الصلة بتقدير خضوع أي شخص لأي ضريبة واجبة الدفع بموجب القانون.)).

كذا تنص المادة (55) على أنه:
((… وللمصلحة استخدام أي وسيلة رقابية أخرى لتطبيق أحكام هذا القانون وفقاً لما تقرره اللائحة التنفيذية)).

وقد تضمنت المادتان المطعون فيهما بعدم الدستورية الانتهاكات التالية للدستور:
1- هتك الضمان العام المكفول دستوراً فيما يخص التفتيش وحرمة المساكن من حيث أن المادتين تعطي لمأمور الضبط الحق، في حالة التلبس، في تفتيش الشخص المشتبه به أو مسكنه أو منـزل غيره إذا فر إليه، وذلك دون صدور أمر بالتفتيش من النيابة أو قضاء الحكم، مما يجعـل ذلك متعارضـاً مع الفقرة (ب) من المادة (48) من الدستور والتي لا تجيز القبض أو التفتيـش إلا في الحالات التي بينها قانون الإجراءات الجزائية وطبقاً للشروط الواردة فيـه وفي مقدمتها صدور إذن أو أمر بالتفتيش من النيابة في مرحلة التحقيق أو قضاء الحكم أثناء المحاكمة.
2- انتهاك حرمة أسرار المهنة وحرمة المراسلات، لأن تفتيش المسكن يشمل أيضاً بالضرورة، تفتيش رسائل وخطابات وهاتف وبرقيات وكافة وسائل الاتصال الموجودة فيه، مما يجعل حكم المادة (53) من الدستور تنطبق على تفتيش المسكن صيانة لما يوجد فيه من أسرار المكلف بالضريبة التي تحتويها رسائله وأجهزة الكمبيوتر وغيرها الموجودة في المسكن، ولأن عبارة ((أي وسيلة رقابية أخرى)) دون تحديد نوعها وحدودها، بالإضافة إلى كونها مخالفة للدستور من حيث تخويل موظف الضرائب العادي صلاحيات محصورة، دستوراً، في القضاء والنيابة كإحدى جهاته، فإن العبارة الطاغوتية محل الطعن هي من الشمول والإطلاق بحيث تؤدي إلى انتهاك كافة الحقوق والحريات والحرمات الدستورية كحرية المراسلات وحرمة المسكن والتنقل … الخ المكفولة للمكلف في المواد من (41) حتى (61) من الدستور وغيرها من المواد ذات العلاقة بها.
3- غصب صلاحيات النائب العام باعتبار أن مأموري الضبط القضائي يخضعون، طبقاً للمادة (85) من قانون الإجراءات الجزائية، للنائب العام باعتباره جهة قضائية [وفقاً للمادة (149) من الدستور]، على أن الملاحظ على النص محل الطعن أنه قد منح كلاً من رئيس المصلحة وموظفيها صفة الضبطية القضائية طبقاً لقانون الإجراءات الجزائية ولكنه جعلهم تابعين لجهة غير قضائية هي وزارة المالية حسبما تنص عليه المادة (68) من القانون محل الطعن، والتي جعلت من حق الوزير المذكور إصدار القرارات التي تنظم العمل بالقانون، ويدخل في ذلك تحديد اختصاصات الموظفين.

ثامناً : المواد (56 ، 57 ، 58) تضمنت ذات العيوب والمثالب الواردة على المادتين (54 ، 55) والتي تتلخص في أن مبنى هذه المواد ومقتضاها تخويل موظف الضرائب الحق في إجراء تفتيش شخص المكلف أو مسكنه … الخ وانتهاك حرمة حياته الخاصة حتى في غير حالات التلبس بجريمة، كل ذلك دون أن يصدر لموظف الضرائب أمر قضائي مسبب من المحكمة المختصة أو ممن يملك سلطة التحقيق (النيابة)، وهو ما يخالف حكم المادة (48) والمادة (52) من الدستور، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة (58) من قانون ضريبة المبيعات.

تاسعاً : المادة (63) :
وتنص على ما يلي:
((…. ويجوز للمصلحة أن تطلب كتابياً من النيابة عدم السماح لمالك أو مدير أو ممثل الشركة أو المنشأة بالسفر إلا إذا حصل على شهادة من المصلحة تفيد سداد الضريبة … الخ)).

أوجه الطعن :
1- كلمة (المنشأة) الواردة في المادة المطعون بعدم دستوريتها، تشمل (المباني السكنية)، وبالتالي، يجوز، حسب النص محل الطعن، منع أي مواطن من السفر تحت عباءة الزعم بأنه تاجر عقارات أو أنه مالك باع منـزله أو أجره ولم يسدد الضريبة المطلوبة منه.
2- كما أن منع الإنسان من السفر، سواء إلى خارج اليمن أو داخلها بين مدنها وقراها، هو حجز على حريته وقيد خطير لا يجوز، بموجب النص الدستوري [المادة (48/ب) من الدستور]، توقيعه إلا بحكم قضائي أو بأمر مسبب من المحكمة أو النيابة توجبه الضرورة وصيانة الأمن وليس بناءً على طلب جهة إدارية كمصلحة الضرائب، بغرض تحصيل ضريبة هي، في الغالب، مفروضة جزافاً، كما أنه ليس من ضرورة أمنية تذكر في حالة ما يكون الغرض من الحجز على الحرية والمنع من السفر هو استيفاء الضريبة، إذ لا يجوز المنع من السفر في مثل هذه الحالة إلا بموجب حكم قضائي واجب التنفيذ أو قرار قضائي مسبب يتسم بالوقتية ويخضع لأحكامها.

عاشراً : المادة (66) :
والتي تنص على أنه :
((تمنح مكافأة تشجيعية لكل من يدلي بمعلومات أو بيانات تؤدي إلى إظهار الطرق الاحتيالية التي استعملت للتخلص من أداء الضريبة المنصوص عليها أو لإخفاء حقيقة الكميات المنتجة أو المصنعة الخاضعة للضريبة وبثبوت صحتها يكون له الحق في الحصول على مكافأة قدرها (5%) خمسة في المائة من قيمة الضريبة المستحقة على الكمية المخفاة أو المتهرب من أداء الضريبة عليها أما إذا ثبت أن تلك المعلومات والبيانات كاذبة فيعاقب من أدلى بها بعقوبة البلاغ الكاذب)).

أوجه الطعن :
1- الملاحظ على هذا النص أنه يتضمن تكريساً وتضخيماً لـ (دولة المخابرات) ودعوة صريحة للتجسس على المكلفين بالضريبة (المدعين)، بما ينطوي عليه ذلك من انتهاك لأسرارهم واقتحام دخائل حياتهم الخاصة والعامة، مع رصد مكافأة مالية لمن يقوم بهذا الفعل المرذول، مما يشكل إغراء ليس لأقارب وأسرة وموظفي المكلفين والعاملين في مصلحة الضرائب وحسب، بل كل من هب ودب من معارف وجواسيس رسميين وخصوم المكلفين بالضريبة وغيرهم، وذلك للقيام بهذه المهمة الخسيسة بغية الحصول على المكافأة غير المشروعة، الأمر الذي يخالف أخلاق الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، حيث حرم القرآن الكريم التجسس على الناس واغتيابهم واغتيال حرمة حياتهم الخاصة وذلك في الآية الكريمة: ((ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً)) [سورة الحجرات، الآية (12)]. والمعلوم أن المادة (3) من الدستور تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات.
2- يخالف النص محل الطعن كلاً من النص الدستوري رقم (48) الفقرتان (أ) و (ب) والمادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على ما يلي:
((لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات)).
وبناءً على ذلك فإن النص التشريعي المطعون فيه ينافي الدستور، والذي تنص المادة (6) منه على الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتقيد بنصوصه، بحيث لا يجوز صدور تشريع يتعارض معها كلياً أو جزئياً.
3- إن مقتضى تطبيق هذه المادة هو الحصول على المعلومات عن المكلف بالضريبة بوسائل غير مشروعة لم يتم صدور إذن القضاء بها ومن ذلك: انتهاك حرية وسرية وسائل اتصال المكلف ومراسلاته وما في حكمها وهو محظور دستوراً إلا بناءً على أمر قضائي مسبب كما هو واضح في المادة (53) من الدستور والمادة (14) من قانون الإجراءات الجزائية.

هذا نزر يسير من كثير مما اشتملت عليه الدعوى من بيان للعيوب والمخالفات الدستورية التي اعتورت قانون الضريبة العامة على المبيعات اكتفينا به تجنباً للإطالة والتزاماً بمقصود المقالة المتمثل في التنبيه على الأضرار التي ستحيق بالحقوق والحريات الشخصية في حال تطبيق الآلية المنصوص عليها في القانون الطعين.
والله ولي الهداية والتوفيق ..

——————————

تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.