كتاب( القضاء في العراق…) توثيق لأهم سلطة في الدولة
سلام مكي

لا يصدق وصف ( الدولة) على أي تجمع بشري، مالم تكن هنالك سلطة قضائية تمارس عملها بشكل مستقل عن باقي السلطات. والدولة لا يمكنها الاستغناء عن القضاء، حتى لو كانت بوليسية او استبدادية او دكتاتورية، والأسباب كثيرة.. والعراق، رغم انه لم ينل حكما ديمقراطيا منذ تأسيسه الى اليوم، تتمتع السلطة القضائية فيه، بهامش كبير من الاستقلالية والحضور الطاغي في مؤسسات الدولة، ولو انها مرت بفترات عصبية تمثلت بتدخل السلطة التنفيذية في ظل النظام السابق، لكن من الجانب القانوني والدستوري، نجد انها تملك كما جيدا من النصوص القانونية التي تدعم استقلالها ووجودها ضمن الدولة بشكل مستقل. وعلى هذا الأساس، كان لابد من توثيق وجمع تلك النصوص والقوانين في كتاب واحد، لتكون مرجعا ومنهلا للباحثين والمختصين والعاملين في القضاء، بما يمكنهم من تحقيق أهدافهم العلمية والعملية، وبما يعطي لهذه السلطة حقها ويعلي من مكانتها بين باقي السلطات.

فكان القاضي مدحت المحمود، اول من تصدى لهذه المهمة النبيلة، حيث انجز كتاب( القضاء في العراق.. دراسة استعراضية للتشريعات القضائية في العراق) ليتناول واقع تلك السلطة، ويتتبع تاريخها المشرف ومكانتها في الدولة منذ بداية الدولة الإسلامية ولحد اليوم وبشكل موجز.

ونلاحظ من خلال العنوان( دراسة استعراضية) ان الكتاب يستعرض النصوص التي تتناول القضاء، وهو ما فعله المحمود، عندما نقل تلك النصوص بحيادية، تاركا الرأي بها للقارئ. الكتاب الصادر عن دار ومكتبة الأمير في بغداد يقع في 208 صفحة من القطع الكبير. يتكون الكتاب من ثلاثة فصول: الأول يتحدث عن اهم المراحل التاريخية التي شهدتها السلطة القضائية، والفصل الثاني يتحدث عن السلطة القضائية في ظل القانون رقم 160 لسنة 1077.

والفصل الثالث يتحدث عن تشكيلات النظام القضائي في العراق.الفصل الأول تحدث عن لمحة تاريخية عن تنظيم القضاء في العراق، بين فيه المحمود طبيعة النظام الإداري والسياسي للعراق في تلك الحقبة التاريخية، إضافة الى تناول اهم النصوص القانونية التي تعالج أمور القضاء في تلك الفترة. المبحث الثاني من هذا الفصل، تناول موضوع القضاء في فترة الاحتلال البريطاني، وهي الفترة الأهم في تاريخ القضاء العراقي، حيث شهدت النواة الأولى لهذه المؤسسة، عبر سن القوانين التي تشرع وجودها وتنظم عملها. فكان بيان تشكيل المحاكم الصادر في عام1917 يعتبر البذرة التي تم غرسها في جسد الدولة الوليدة لتثمر فيما بعد اهم مؤسسة وهي السلطة القضائية. فكانت من نتائج هذا البيان ان تم تشكيل محاكم الاستئناف ومحاكم البداءة والمحاكم الشرعية والصلح وغيرها.

ورغم ان الحكم البريطاني لا يختلف عن الحكم العثماني من حيث كونه احتلالا، الا ان ذلك الحكم شهد التحرر من اللغة التركية في المحاكم وهيمنة الثقافة والخطاب التركي في مؤسسات الدولة ومنها المحاكم، لتكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في المحاكم العراقية بدلا عن اللغة التركية. اما المبحث الثالث من هذا الفصل، فقد خصص للتنظيم القضائي في ظل الحكم الوطني ويقصد بالحكم الوطني، هي الحكومة التي تأسست عقب ثورة العشرين، والتي حكمت البلد بعد ان كان يدار من قبل بريطانيا بشكل مباشر.

اما الفصل الثاني وهو الأهم، فقد تناول القضاء في ظل القانون رقم 160 لسنة 1977 والأمر رقم35 لسنة 2003. وقد بين المحمود ان الدساتير العراقية، لم تخل من النص على استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية، ، لكن في واقع الحال فإن الأمر مختلف جدا، بمعنى انه لا استقلال للقضاء عن باقي السلطات التي هي بيد شخص واحد.

واستعرض المحمود الآراء التي تخص الموقف من استقلال السلطة القضائية، فهناك رأي يرى ان استقلال القضاء عن باقي السلطات يدل على وجود (دولة القانون) أي بمعنى الدولة التي تعتمد الديمقراطية كأساس للحكم. وان استقلالها هو الضمان الوحيد لأداء وظيفتها المتمثلة بتطبيق القانون. اما الرأي الثاني فيتمثل بمعارضة مبدأ الفصل بين السلطات، وبالتالي عدم استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية باعتبار ان عمل القضاء هو تطبيق القانون، وبالتالي يكون جزءا من السلطة التنفيذية. كما تطرق هذا الفصل الى إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بعد سقوط النظام، حيث تم فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وجعلها سلطة ثالثة مستقلة لا ترتبط بالسلطة التنفيذية، بعد ان كانت تابعة لوزارة العدل.

الفصل الثالث والذي لا يقل أهمية عن باقي الفصول، يتحدث عن تشكيلات السلطة القضائية، فكان على شكل مباحث، المبحث الأول عن المحكمة الاتحادية التي تعتبر من اهم مكونات السلطة القضائية لما تقوم به من دور مهم وحيوي تبعا للاختصاصات التي نص عليها الدستور العراقي الدائم إضافة الى القانون الخاص بها، ومن اهم تلك الاختصاصات الرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات وغيرها من الاختصاصات التي نصت عليها المادة93 من الدستور. وتقوم المحكمة الاتحادية في الوقت الحاضر بدور مهم وخطير، في تحصين القوانين التي يشرعها البرلمان من الخروقات الدستورية، من خلال ما تصدره من احكام حول مدى دستورية القوانين وعدم دستوريتها.

وهو ما يتضح لنا من خلال الأحكام الأخيرة التي أصدرتها بخصوص الانتخابات الأخيرة، وتعديلات مجلس النواب على قانون الانتخابات ومدى دستوريته. فكانت أحكامها محط احترام واهتمام الجميع. المبحث الثاني، تناول محكمة التمييز الاتحادية، وتحدث عن دورها ومهامها القانونية. المبحث الآخر، تناول باقي تشكيلات السلطة القضائية.

ان صدور هذا الكتاب في وقت، كان مجلس القضاء الأعلى يستمد شرعيته من الأمر 35 لسنة 2003، في حين ان هنالك القانون 112 لسنة 2012 الذي تم الطعن بعدم دستوريته ومن ثم القانون رقم 45 لسنة 2014 الذي تم بموجبه الغاء الأمر 35 لسنة 2003 يستدعي من القاضي المحمود تحديث هذا الكتاب، لتضمينه القوانين الجديدة، بما يساهم في تغطية أوسع واستعراض أكثر للقوانين التي تخص السلطة القضائية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت