فزعات قانونية
إيمان الحكيم
مستشارة قانونية

قيل أن الفزعة هي نجدة بلا أرقام، وهي -بمعناها المجرد البسيط- بلا أدنى شك خصلة حميدة وتدل على إنسانية ومروءة الشخص، لكن لا نعرف إذا كانت هذه “الفزعة” تعد كذلك خصلة حميدة أم لا إذا كانت داخل إطار مهنة المحاماة.

من المُسَلّمْ به أن مهنة المحاماة في بلادنا تحتاج إلى الكثير من الوقت والعمل حتى نعتبرها متقدمة من حيث التنظيم، بدليل أنه حتى الآن لا يوجد هنالك تنظيم حول خدمات قانونية مجانية، ولا عن دعم حكومي للخدمات القانونية لفئة المحتاجين إليها، ولا تزال الحالات الوحيدة التي تتكفل فيها الدولة بتوفير محامي للمحتاج هي قضايا الارهاب. وقد يكون ضعف التنظيم هذا وغياب الدعم الحكومي هما من الأسباب التي أدت إلى وجود فزعات قانونية مطلوبة بشكل كبير.

لا شك أن خدمة المجتمع، أو خدمة المهنة من خلال تقديم عمل تطوعي أو خدمات احترافية دون مقابل تعد عملًا نبيلًا وله كثيرًا من الآثار الإيجابية، لكن لا أحد يستطيع أن يضمن لنا بأن الفزعة التي نراها تعتبر ضمن إطار خدمة المجتمع. فهي في الغالب لا تكون مقدمة لمن يحتاج الخدمة ولا يَقْدِر على أتعابها؛ ففي كثير من الأحيان تكون موجهة لشخص ثري أو ميسور ماديًا وقادر على تحمل أتعابها، لكنه فضّل أن يدخر لنفسه من خلال مهنة المحامي التي تُعد بالأساس مصدر رزقه. كما أنه لا يمكن التنبؤ بنسبة الخدمات التي تُقَدّم كفزعة من إجمالي الخدمات التي يقدمها المحامي، فقد يكون نصف ما يقوم به المحامي فزعة، فلا يوجد هنالك أية معايير لتحديد ذلك، سوى شخصية المحامي ودرجة صلابته أو مرونته مع طالبي “الفزعة”.

هذا بغض النظر عن جودة الخدمة التي يقدمها القانوني من باب الفزعة التي بلا شك لا تعادل نفس الجودة حين يتم تقديمها بمقابل -كما في الحالات المفترض القيام بها- خاصة أن الفزعة ليست كالخدمة المجانية الاختيارية التي يقدمها المحامي بمحض إرادته ورغبته دون ضغوط أو فرض. فلا أستطيع تصور الأثر السلبي الذي قد يعود على المهنة حينما يتحول نصف العملاء لديه لطالبي فزعات.

المهنة التي تعتبرها المجتمعات الأخرى قطاع اقتصادي وواحدة من أهم روافد الدخل القومي، حيث أن ما نتحدث عنه يُطلق عليه في المجتمعات المقدمة في مجال القانون (سوق الخدمات القانونية)، وهو سوق يقوم على الحوافز وعلى استثمار الوقت والجهد والتأهيل.

لا نحتاج أن نكون دقيقي الملاحظة حتى نعرف أن نظام الفزعات منتشر بشكل جلي لدى المحامين، وأنها تسبب حرج للمحامي مع معارفه وأصدقاءه وأهله، الذين لجأوا إليه متوقعين عدم التزامهم تجاهه بأي أتعاب، غير آبهين بحقيقة أنها مهنة تتطلب وقتًا ومجهودًا.

فكيف بإمكاننا أن نتصور حال المحامي إذا كان مُطَالَب بأن يكون “راعي فزعات” وناحج مهنيًا في نفس الوقت، في ظل غياب الدعم الحكومي وضعف التنظيمات وطلبات الفزعات المستمرة؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت