لجأت معظم التشريعات الضريبية الى فرض الضريبة على الأرباح التجارية ، ولم تتوقف هذه التشريعات عند هذا الحد ، بل أخضعت أرباحاً لم تنص عليها القوانين التجارية في تلك التشريعات لضريبة الدخل(1) . والمشرع الضريبي العراقي سار على غرار التشريعات الضريبية وخصوصاً التشريع الضريبي الانكليزي الذي يعتبر الأساس التاريخي له ، وعليه فإن التشريع الضريبي العراقي قد أخضع الأرباح التجارية لضريبة الدخل ومن استقرائنا لقانون ضريبة الدخل العراقي يلاحظ أنه لم يحدد الأعمال التجارية ولم يعط تعريفا محددا لها(2) . لذا وجب علينا أن نستعين ونسترشد بالقانون التجاري لتحديد مفهوم الاعمال التجارية(3). ولدى الرجوع الى قانون التجارة العراقي المرقم (30) لسنة 1984 فهو الآخر لم يضع تعريفاً محدداً للأعمال التجارية أسوة بغالبية التشريعات الضريبية المعاصرة ، لذلك فقد اختلفت الآراء حول تفسير العمليات التجارية ، فيرى البعض أنه لأجل تحديد العمليات التجارية يمكن الاسترشاد بنصوص القانون التجاري ، إلا أنه في حالة سريان الضريبة على أرباح العمليات التي لا تعتبر تجارية طبقاً للقانون التجاري فيجيب عن ذلك أنه يمكن القياس أو التشبيه على إحدى المهن التي يعتبرها هذا القانون مهنا تجارية(4) .

وهذا ما أخذ به المشرع الضريبي العراقي عندما نص في الفقرة (1) من المادة (2) من قانون ضريبة الدخل العراقي المرقم 113 لسنة 1982 المعدل على إخضاع (أرباح الأعمال التجارية أو التي لها صبغة تجارية …) لضريبة الدخل فعبارة لها صبغة تجارية هي عبارة يمكن استخدامها للقياس على الأعمال التجارية التي حددها المشرع العراقي على سبيل الحصر . ويرى آخرون(5). أن الأخذ بنظرية القياس أو المشابهة على إطلاقها تؤدي الى التحكم ، وأنه يستحسن الأخذ في تفسير العمليات التجارية بمعيارين : الأول قانوني يتلخص في وجوب الرجوع الى نصوص القانون التجاري في تحديد المهن التجارية وقد أخذ بهذا المعيار معظم التشريعات الضريبية وبضمنها التشريع العراقي أما المعيار الثاني – فهو معيار اقتصادي فني عند إرادة تحديد المهن الصناعية واعتبارها المهن التي تتناول المادة بتحويل ما وذلك بشرط أن يرجع تحقيق الربح المراد إخضاعه للضريبة الى تعاون العمل ورأس المال . وهناك من أخذ بنظرية (عنصر المشروع)(6). التي نادى بها الاستاذ (Eskra) والتي تتلخص بأن العمل الواحد إذا قام به شخص ضمن نطاق المشروع الذي اتخذه حرفة له يكون تجارياً ، ولاشك في أن المنادين بهذه النظرية اعتمدوا على التشريع الألماني أساساً لنظريتهم التي تعرضت للمشاريع التجارية دون الأعمال التجارية . ومن التشريعات التي أخذت بعنصر المشروع التشريع الفرنسي وما يؤيد ذلك قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 11/12/1944 الذي جاء فيه :(يعتبر تاجراً الشخص الذي يتعاطى بصورة اعتيادية وبشكل مهني أعمالاً ترمي الى تغيير أشكال المنتوجات بالوسائل الآلية)(7) . مما تقدم من آراء حول تحديد مفهوم الأعمال التجارية والصناعية يتضح بأن الفقه المالي قد أختلف حول ذلك الأمر الذي أدى الى أن الاجتهادات قد استقرت تقريباً على العمليات التجارية التي تعتبر من وجهة النظر الضريبية تجارية أو صناعية ومن ثم تخضع لضريبة الدخل إذا ما توافرت فيها أحد الشروط الآتية(8) :

1-إذا كانت فعالية المهنة أو الحرفة تقوم على الأعمال التي نص عليها قانون التجارة على أنها تعد بحكم ماهيتها الذاتية أعمالاً تجارية .

2-إذا كانت المهنة أو الحرفة تقوم على إيداع سلع مادية وتحويل المواد الأولية بوسائل ميكانيكية لبيعها سلعاً مصنوعة أو مواد معدة للاستعمال ، أو وضع هذه السلع والمواد في التداول مع توفر فكرة الكسب والمضاربة .

3-إذا كان تنفيذ أعمال المهنة او الحرفة يحتاج الى تضافر عنصري العمل ورأس المال لتحقق الربح .

4-إذا كان الشخص الطبيعي يستفيد من فائض القيمة الناشئ عن استخدامه أشخاصاً آخرين ، إذ يعتبر بهذه الحالة صاحب عمل ويخضع عن أعماله للضريبة على الأرباح . لذلك يستبعد فنياً من بين المهن والحرف التجارية المهن والحرف التي تقوم على تحويل المواد بعمل يدوي بسيط لتدخل ضمن المهن والحرف غير التجارية .

من كل ما تقدم من آراء نحن نرى ضرورة الأخذ بمعيار الرجوع والاستعانة بنصوص القانون التجاري فيما يتعلق بتحديد الأعمال التجارية والأخذ بمعيار القياس والتشبيه فيما يخص الأعمال التي لها صبغة تجارية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يجب أن يكون الباعث من وراء العملية التجارية هو تحقيق الربح . أما في حالة عدم تحقق الربح فليس هناك عملية تجارية أو صفقة تجارية ومن ثم فليس هناك ضريبة كون الضريبة لا تفرض على الأعمال التجارية ذاتها وإنما تفرض على الأرباح المتحققة من هذه الأعمال . وبالرجوع الى قانون التجارة العراقي نجد أنه قام بتعداد الأعمال التجارية على سبيل الحصر وليس التمثيل إذ نص على أنه ( تعتبر الأعمال التالية أعمالاً تجارية إذا كانت بقصد الربح، ويفترض هذا القصد مالم يثبت العكس …)(9) ، ثم قام بتعداد الأعمال التجارية بالرغم من إثارته لمشكلة فقهية إذ يرى البعض منهم أن التعداد قد ورد على سبيل الحصر ومن ثم لا يجوز القياس ومنهم(10). من يرى أن ماورد على سبيل التمثيل لا الحصر ومن ثم أجاز القياس لمواجهة الضرورات العملية ، فهي مجموعة مختارة من الأعمال التجارية وليست جميعها ولاسيما أن التجارة في تطور مستمر ومن الصعوبة على المشرع أن يتنبأ سلفاً عما يستجد من أعمال تجارية مستقبلاً ، وهذا ما حرصت عليه جميع التشريعات التجارية أي أخذها على سبيل التمثيل لا الحصر تجنباً من الوقوع في المحذور الذي تحرص التشريعات التجارية على تجنبه ، لأنه لا يمكن حصر الأعمال التجارية كونها ذات طبيعة متطورة ومستجدة(11) . ومن الاعمال التجارية التي جاء بها قانون التجارة العراقي المرقم (30) لسنة 1982 هي كما يأتي(12) :

1-شراء واستئجار الأموال المنقولة أو العقار لأجل بيعها أو إيجارها .

2-توريد البضائع والخدمات .

3-استيراد البضائع أو تصديرها وأعمال مكاتب الاستيراد والتصدير .

4-الصناعة وعمليات استخراج المواد الأولية .

5-النشر والطباعة والتصوير والإعلان .

6-معاملات البناء والترميم والهدم والصيانة .

7-خدمات مكاتب السياحة والفنادق والمطاعم ودور السينما والملاعب ودور العرض المختلفة .

8-البيع في محلات المزاد العلني .

9-نقل الأشياء والأشخاص .

10-شحن البضائع أو تفريغها أو إخراجها .

11-التعهد بتوفير متطلبات الحفلات وغيرها من المناسبات الاجتماعية .

12-استيداع البضائع في المستودعات العامة .

13-عمليات المصارف .

14-التأمين .

15-التعامل في أسهم الشركات وسنداتها .

16-الوكالة التجارية ، الوكالة بالعمولة ، والوكالة بالنقل ، والدلالة ، وأعمال الوساطة التجارية الأخرى .

17-إنشاء الأوراق التجارية والعمليات المتعلقة بها بصرف النظر عن صفة القائم بها ونيته .

__________________________

[1]- كالتشريع الفرنسي :- الذي أخضع لضريبة الدخل أرباحاً لا تعد تجارية طبقاً للقانون التجاري ، واتجه المشرع الفرنسي الى تعداد الإيرادات التي تسري عليها ضريبة الدخل الفرنسية دون أن يضع مفهوماً محدداً للدخل.

انظر :د.عبد المنعم فوزي وآخرون (النظم الضريبية) ، مصدر سابق ، ص239 وما بعدها ؛ Jean yws Merder، Bernod plag net، “Les impôts en France،“ edition 2003-2004 PP 63-71 أما التشريع الانكليزي :- فلا يشترط توافر ركن الاحتراف لإخضاع أرباح الأعمال التجارية وكذلك الصناعية لضريبة الدخل ، أي أن قانون ضريبة الدخل الانكليزي يفرض الضريبة على أي ربح ناتج عن أي عمل ذي طابع تجاري ولو لم يتوافر فيه شرط الاحتراف، بحيث يكفي لسريان ضريبة الدخل تحقق ربح ولو من صفقة تجارية واحدة . انظر : د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل العام) ، مصدر سابق، ص222.

2- هناك من التشريعات الضربية كالتشريع الانكليزي حاول أن يعرف مصطلح التجارة بشكل عام في الفقرة (1) من المادة (832) والتي تنص على أن (التجارة تشتمل على كل الأعمال التجارية والصناعية وكل مايتعلق بالمؤسسات والمشاريع ذات الطبيعة التجارية) أي أن التجارة تشمل كل مهنة أو حرفة تجارية أو نشاط تجاري كالبستنة ، الزراعة ، التسويق ، منتوجات الحدائق ، العقارات الزراعية ، المناجم ، المقالع ، صيد الأسماك ، استخراج الغاز ، الحديد الصلب .

انظر :

James Kirkbride and Abimbola، op. Cit ، p114 .

3- لتحديد الصفة التجارية هناك نظريتان هما :-

النظرية الذاتية : أو النظام الشخصي ، وبمقتضى هذه النظرية أن قانون التجارة هو قانون الأشخاص الذين يحترفون النشاط التجاري (التاجر) أي أن القانون التجاري يكون موضوعه التاجر وحرفته .

– النظرية الثانية : النظرية الموضوعية :- وتسمى أيضاً بالنظرية المادية أو العينية وتستند في تحديدها لنطاق تطبيق القانون التجاري الى طبيعة العمل بصرف النظر عما يباشر ذلك العمل ، فالقانون التجاري طبقاً لهذه النظرية هو قانون العمل التجاري ، وعليه فإن المشرع العراقي قد اعتمد الى حد كبير على هذه النظرية إلا أنه لم يهمل تماماً حرفة التجارة والأشخاص الذين يمارسونها. انظر : د.باسم محمد صالح (القانون التجاري) ، القسم الأول ، منشورات دار الحكمة ، مطبعة جامعة بغداد ، 1987 ، ص ص25-27.

4- د. عبد الحكيم الرفاعي ( الضرائب المباشرة ) ، 1942 ، ص314 ، مشار اليه في :د.أحمد ثابت عويضة ( ضريبة الأرباح التجارية والصناعية في القانون المصري ) ، مصدر سابق ، ص21 .

5- د. حسين خلاف ( ضريبة الأرباح التجارية والصناعية ) ، مصدر سابق ، ص16 ؛ د. محمد حلمي (تشريع الضرائب) ، 1955 ، ص252 ، مشار اليهما في د. أحمد ثابت عويضة ، المصدر نفسه ، ص22 .

6- مشار اليه في : محمد نذير سنان (الوسيط في شرح قانون ضريبة الدخل للمرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1949 وآخر تعديلاته حتى 19/12/2000) ، ط1 ، دمشق ، 2001 ، ص ص58-59 .

7- مشار اليه في : المصدر نفسه ، ص59 .

8- انظر : رفيق الاختيار (المحاسبة الضريبية) ،ط1 ، المطبعة الجديدة ، دمشق ، 1964-1965 ، ص13.

9- المادة (5) من قانون التجارة العراقي المرقم (30) لسنة 1984 ، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (2987) في 2/4/1984 ومما يجب التنويه به أن المشرع قد سلك مسلكاً مخالفاً لمسلك وفلسفة قانون التجارة السابق المرقم 149 لسنة 1970 الذي حدد الاعمال التجارية على سبيل التمثيل لا القياس كما فعل القانون الجديد .

0[1]- د. علي الزيني ( أصول القانون التجاري) ، بت ، ص50 ؛ د. سميحة القليوبي (الموجز في القانون التجاري) ، القاهرة ، 1976 ، ص43 مشار اليهما في د. عدنان أحمد ولي العزاوي (مفهوم العمل التجاري وآثاره القانونية في ظل قانون التجارة العراقي ) ، بغداد ، 1987 ، ص10 .

[1]1- المصدر نفسه ، ص23 وما بعدها 0

2[1]- المادتان ( 5 ، 6 ) من قانون التجارة العراقي النافذ .

المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .