المقصود بالمساهمة الجنائية أن يتعاون أكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة، ويشترط لتحققها توافر الأركان الآتية:

1.ركن مفترض: وهو تعدد أشخاص المساهمين في الجريمة.

2.ركن مادي: وهو النشاط المادي (الإيجابي أو السلبي) والذي يأخذ في بعض الأحيان صورة النشاط التنفيذي بالنسبة للمساهم الأصلي(1)، و يأخذ صورة تحريض أو اتفاق أو مساعدة بالنسبة للمساهم التبعي(2).

3.ركن معنوي: يتمثل في الرابطة الذهنية الواحدة التي تجمع بين المساهمين في الجريمة، أي انصراف قصد المساهم إلى تحقيق النتيجة ذاتها التي يقصدها المساهمون الآخرون وإلا تتعدد الجريمة بتعدد المساهمين فيها ونسب إلى كل منهم جريمة بذاتها، فقد يعتدي اثنان على آخر ويكون أحدهما قاصداً مجرد المساس بسلامة جسمه بينما يكون زميله قاصداً إزهاق روحه، فإذا توفي المجني عليه يعد المعتدي الأول مرتكباً لجريمة الضرب وليس جريمة القتل لأنه لم يشترك مع المعتدي الثاني في إحداث قصد الوفاة ولو كان الضرب الواقع منه قد ساهم بالفعل في إحداثها(3). ويمكن أن تتحقق المساهمة الجنائية في جريمة الضرب المفضي إلى موت عندما تكون الرابطة التي تجمع بين أفعال المساهمين تتمثل باتحاد قصدهما بالنسبة للنتيجة المقصودة (وهي الضرب) وليس في اتحاد النتيجة التي وقعت مع النتيجة التي قصداها، فهذه النتيجة الأخيرة إنما ترتبت على هذا النحو لسبب خارج عن إرادتهما ولكنها في الأحوال كلها تعد نتيجة لفعلهما الجرمي، فلو حرض شخص زميله على ضرب آخر فنشأ عن الضرب وفاة المجني عليه فإن كلاً من الفاعل والشريك يسأل عن النتيجة الجسيمة مسؤولية تتعدى قصده(4).

إن الاتفاق بين الفاعلين يجعل كلاً منهما مسؤولاً عن الوفاة الحادثة أياً كان الضرب أو الجرح الواقع منه بل ولو تعذر تعيين من منهما الفاعل الذي نشأت الوفاة من ضربته، وإذا كان الجناة فاعلين وشركاء فإنه تكون مسؤولية الشركاء عن نتائج الضرب أياً كانت طريقة الاشتراك وسواءً أكانوا في محل الحادثة أم غائبين عنها، أما إذا لم يكن بين الفاعلين اتفاق أي انعدام الرباط المعنوي بين المساهمين فلا نكون بصدد جريمة واحدة بل جرائم متعددة بتعدد المساهمين، وعليه فإن مرتكب الضربة التي أدت إلى الوفاة يسأل عن الوفاة دون سواه، فإذا تعذر تعيينه عد جميع الفاعلين مسؤولين عن ضرب أو جرح عادي أخذا بالقدر المتيقن في حق كل منهم(5). ويمكن قول الشيء ذاته بالنسبة للعاهة المستديمة، فلو اتفق ثلاثة أشخاص على ضرب آخر ونتج عن هذا الضرب عاهة مستديمة فكلهم يسألون عن هذه النتيجة الأخيرة التي تعدت قصدهم لأنها حصلت بسبب فعلهم الإجرامي الذي اشتركوا فيه.

أما إذا لم يكن بين الفاعلين اتفاق فلا يسأل عن العاهة إلا من تسبب منهم في إحداثها بالضرب أو الجرح الواقع منه، فإذا تعذر تعيين من منهم أحدث الإصابة التي أفضت إلى عاهة عد كل منهم مسؤولاً عن ضرب أو جرح عادي آخذاً بالقدر المتيقن من حقه(6)، فقد قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (إذا وقعت الجريمة بصورة آنية دون وجود اتفاق مسبق أو معاصر بين الجناة على ارتكابها فيسأل كل منهم بحدود الفعل الجرمي الذي ارتكبه(7). من هذا يتضح بأنه لكي تتحقق للجريمة وحدتها لا يكفي أن يكون الركن المادي قد احتفظ بوحدته وإنما يلزم فضلاً عن ذلك أن يحتفظ الركن المعنوي بوحدته، وهذا ما يتحقق بقيام رابطة ذهنية تجمع بين المساهمين في الجريمة وبهذه الرابطة تقوم وحدة الركن المعنوي، وعلى رأي الفقه أن هذه الرابطة تقوم بالاتفاق أو بناء على تفاهم بين الجناة على الفعل المكون للجريمة بوقت سابق على وقوعها أو اتفاقهم على ذلك حال ارتكابها بالفعل صراحة أو ضمناً، اي أن يكون مظهر الرابطة إدراك كل جانِ بأنه متعاون مع الآخرين في ارتكاب الجريمة وأنه لا يستقل به لحسابه الخاص(8).

_______________________

1- أنظر المادتين (47 و49) من قانون العقوبات العراقي والمادة (39/2) من قانون العقوبات المصري والمادة (99) من قانون العقوبات الليبي والمادة (212) من قانون العقوبات اللبناني.

2-أنظر المادة (48) من قانون العقوبات العراقي.

3- أنظر المادة (54) من قانون العقوبات العراقي؛ والدكتور محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، القاهرة، معهد الدراسات العربية، 1961، ص129.

4- الدكتور جلال ثروت، نظرية الجريمة متعدية القصد، 1964، مصدر سابق، ص564 – 565.

5- الدكتور عبد الحميد الشواربي، المصدر السابق، ص319.

6- الدكتور سمير الجنزوري، المصدر السابق، ص376. إن نظرية القدر المتيقن تطبق في جرائم الاعتداء على حق الإنسان في التكامل الجسدي.

7- قرار محكمة التمييز رقم 340 في 21/4/1980، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثاني، السنة الحادية عشرة، 1980، ص122؛وقرار 1729 في 22/9/1981، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثالث، السنة الثانية عشرة، 1981، ص80.

8- الدكتور محمود إبراهيم إسماعيل، مصدر سابق، ص86؛ والدكتور فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، مصدر سابق، ص231.

المؤلف : حسين عبد الصاحب عبدة الكريم الربيعي
الكتاب أو المصدر : جرائم الاعتداء على حق الانسان في التكامل الجسدي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .