طبقاً للقواعد العامة ليس من اللازم ان يكون القبول صريحاً بل يكفي ان يكون ضمنياً وذلك بان يقوم الشخص الذي وجه اليه الايجاب باتخاذ موقف ينبئ بطريقة غير مباشرة عن قبوله في غير الحالات التي يتطلب فيها القانون ان يكون التعبير عن ارادة العمل القانوني صراحة(1)، والتي سبق وان اشرنا اليها. ويتخذ القبول الضمني ثلاث صور وهي:

أ. البدء في التنفيذ

وهو ان يقوم الشخص الذي تلقى الايجاب صريحاً كان ام ضمنياً، بالبدء بالتنفيذ مباشرة مع الداعي اليه دون ان يصرح بقبوله، فهذا يعتبر قبولاً ضمنياً. ومثال ذلك ان يرى شخص لافتة مكتوباً عليها (الدار للبيع) فيدخل الى هذه الدار ويسلم الثمن الى المالك. وقد جرى القضاء المصري على اعتبار التنفيذ الاختياري قبولاً ضمنياً للايجاب(2).ولم يرد المشرع العراقي ان يسلك هذه القاعدة في نصوص القانون المدني لانها من التفصيلات التي لا ضرورة لها واذا استفيد القبول من التنفيذ وجب اعتبار العقد قد تم في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بهذا التنفيذ مالم يوجد اتفاق صريح او ضمني او نص قانوني يقضي بغير ذلك تطبيقاً للمادة 87 من القانون المدني العراقي.

وقد يُعد التنفيذ الاختياري قبولاً بحكم القانون، فقد نصت المادة 929/ فقرة اولاً منها على ان “تنفيذ الوكالة يعتبر قبولاً لها”(3).

ب. السكوت الملابس

ان السكوت موقف سلبي لا يدل على شيء ويقال في الشريعة الاسلامية “لاينسب الى ساكت قول”. وعلى وجه التحقيق فان السكوت لا يعتبر ايجاباً في أي حال من الاحوال وكذلك فهو لا يعتبر قبولاً في معظم الاحوال. وعلى هذا النحو اذا ارسلت دار النشر صحيفة او مجلة لاحد الاشخاص، فلا يعتبر سكوته عن الرد قبولاً منه للاشتراك في هذه المجلة او الصحيفة.

ومن ذلك فان هناك حالات خاصة تحيط بها ظروف ملابسه بالسكوت مما يستدل منه ان السكوت بمثابة قبول للايجاب ويسمى السكوت في هذه الحالات بالسكوت الملابس نسبة الى الظروف الى تلابسه وتحيط به(4). ومن هنا يتضح ان القواعد العامة تقضي بان السكوت عدم لانه موقف سلبي محض، والموقف السلبي لا يمكن ان ينطوي على تعبير عن الارادة ولو كانت هذه الارادة منطوية على القبول واولى بالسكوت ان تكون دلالته الرفض، لا القبول(5). وهذا المبدأ ترد عليه طائفة من الاستثناءات عددتها الفقرة الثانية من المادة (81) من القانون المدني العراقي اذ قضت بما يلي: “2. ويعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص اذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل او اذا تمخض الايجاب لمنفعة من وجه اليه وكذلك يكون سكوت المشتري بعد ان يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في قائمة الثمن من شروط”(6). هذه الفقرة تفيد ان السكوت المجرد لا يعتبر تعبيراً عن الارادة ، الا اذا اقترن بملابسات تنطق بافادته القبول بلا ادنى شبهة وهو ما يعبر عنه بالسكوت الملابس. ويجوز ان يكون السكوت بمنزلة القبول لا بالنسبة الى اتمام العقد وتعديله فحسب، بل وكذلك بالنسبة الى الغائه والاقالة منه، لان السكوت في معرض الحاجة الى البيان يعتبر قبولاً في جميع الفروض السابقة وايضاً اذا تمخض الايجاب لمنفعة من وجه اليه كما في الهبة التي لا تشترط فيها الرسمية، تعرض على الموهوب له فيسكت. عموماً فان الامر يتوقف في كل ذلك على الملابسات وظروف الحال(7). ففي كل حالة يحتاج فيها الكلام ويسكت المتعاقد يعتبر سكوته قبولاً، لانه لو اراد ان يعترض لتكلم. كما لو سكت المالك الحقيقي بعد علمه بيع الفضولي ملكه، فان سكوته يحمل على معنى الاجازة للتصرف الموقوف. وكذلك الحال في وجود اتفاق بين المتعاقدين على اعتبار السكوت رضا، ومثال ذلك اذا اتفق صاحب العمل مع العامل على ان يتجدد العقد بينهما الا اذا اخطر احدهما الاخر بعدم رغبته في التجديد بعد انتهاء مدة العقد فالسكوت عن الاخطار قبول بالتجديد(8).

ج. التقدم بعطاء في مناقصة

يمكننا القول ان التقدم بعطاء في مناقصة(9). وان كان يعتبر في بعض الاحيان ايجاباً بالعقد، الا انه يعتبر غالباً قبولاً ضمنياً مع الداعي الى المناقصة، خاصة عندما يكون العطاء مصحوباً بتحفظات، فاذا رغب شخص فراد او شركة في التقدم بعطاء في المناقصة المعلن عنها، فانه يقوم بادئ ذي بدء بدراسة كراسة الشروط، دراسة مستفيضة، وذلك للوقوف على مضمون هذه الشروط ومدى الالتزامات التي يتحملها ان رست عليه المناقصة، والربح المتوقع تحقيقه من وراء تنفيذ المشروع. وعلى ضوء ذلك يقوم المتناقص باعداد عطائه استعداداً للتقدم به في المناقصة. ويقدم العطاء عادة في مظروف مغلق يتضمن عدداً من الوثائق التي تحدد الشروط الفنية والمالية التي يعرضها المتناقص للتعاقد على اساسها(10). ويحرص مقدم العطاء على ان يبين في عطائه مدى كفائته الفنية، وذلك ببيان المشروعات المماثلة التي قام بتنفيذها من قبل. ويحرص كذلك على ان تكون الاسعار الواردة في عطائه اسعاراً تنافسية حتى يضمن لعطائه الدخول في عملية المفاضلة والمفاوضة(11). واخيراً يلتزم صاحب العطاء بان يقدم لعطائه تأمنياً مالياً مؤقتاً، وذلك لضمان جدية العطاء(12). والواقع ان العطاء لا يكون دائماً مطابقاً لشروط الداعي الى المناقصة خاصة في الصفقات الدولية، بل انه كثيراً ما يتضمن تحفظات على هذه الشروط، ذلك لان كراسة الشروط تتضمن عادة شروطاً غير محددة، او مبالغاً فيها. مما يدفع بمقدم العطاء الى التحفظ بشأنها وذلك بهدف تعديلها او حذفها ، الامر الذي يؤدي الى فتح باب التفاوض بين الطرفين لمناقشة هذه التحفظات. ويجب على مقدم العطاء الا يبالغ في تحفظاته حتى لا يستبعد عطاءه من المناقصة(13). ويذهب بعض الفقه الفرنسي(14)الى القول بان العطاء هو ايجاب بالعقد ومن ثم فان مقدمه يلتزم بالابقاء عليه والتقيد به اذا ما قبله صاحب المناقصة في مدة صلاحية. والواقع ان هذا الرأي لا يمكن التسليم به على اطلاقه لانه لا يأخذ في الاعتبار التحفظات التي قد ترد في العطاء، فاذا كان صحيحاً فان العطاء يعتبر ايجاباً بالعقد عندما يتضمن شروطاً محددة ونهائية بحيث تكون ارادة مقدمه باتة في التعاقد، الا انه لا يمكن ان يعتبر كذلك عندما يكون مصحوباً بتحفظات وهي السمة الغالبة للعطاءات في الواقع العملي، لان ارادة مقدم العطاء لا تكون نهائية في هذه الحالة، اذ لابد من مناقشة تحفظاته اولاً والتوصل بشأنها الى اتفاق وهو ما يستلزم بداهة حدوث تفاوض بين الطرفين. ومن ثم فان العطاء المصحوب بتحفظات على الاقل يعتبر مجرد قبول ضمني للتعاقد يلزم مقدمه فحسب بقبول التعاقد مع صاحب المناقصة بحسن نية(15). ومن ناحية اخرى فان صاحب المناقصة في مجال الاعمال الخاصة لا يتقيد بمبدأ “آلية ارساء المناقصة” فهو لا يلزم بارساء المناقصة على صاحب العطاء الاقل سعراً وانما يحق له ان يختار افضل عطاء من بين العطاءات المقدمة اليه، حتى ولو كان هذا العطاء اعلى قليلاً من السعر او مصحوباً بتحفظات طالما انه يقدم شروطاً افضل وتتوافر في صاحبه شروط الكفاية الفنية والمالية وحسن السمعة. وللوصول الى افضل عطاء يقوم صاحب المناقصة بالدخول في مفاوضات متوازية مع اصحاب العطاءات المقبولة شكلاً كل على حدة، وتهدف هذه المفاوضات الى تحقيق غاية مزدوجة، فهي من ناحية تمكن صاحب المناقصة من تحديد المضمون الحقيقي لكل عطاء، حتى يستطيع اجراء مفاضلة موضوعية بين العطاءات المنافسة(16). وقد يتبين من خلال التفاوض ان العطاء الاعلى قليلاً في السعر هو الافضل بسبب ما يقدمه من مواصفات فنية عالية، او ضمانات اكثر. ومن ناحية اخرى يستطيع صاحب المناقصة عن طريق التفاوض مع صاحب العطاء المصحوب بتحفظات ان يحصل على تنازل كل او بعض تحفظاته، او ان يتوصل معه الى صياغة جديدة لشروط العطاء تحضى بارتياح الجانبين فقد يكون العطاء المقترن بتحفظات هو الافضل في نظر صاحب المناقصة ويتمنى الاخير ان يظفر به لو لا هذه التحفظات وحينئذ يمكنه التفاوض من الحصول على هذا العطاء بعد تخليصه من التحفظات المقترنة به. والواقع ان هذه المفاوضات غالباً ما تكون شاقة للغاية خاصة بالنسبة لمقدم العطاء. كثيراً ما يضطر هذا الاخير الى الاستسلام لضغوط ومساومات صاحب المناقصة بهدف الحصول على الصفقة بأي ثمن(17).

وقد تتقيد الادارة اذ تلتزم بارساء المناقصة على صاحب العطاء الاقل سعراً، وذلك بهدف المحافظة على اموال الدولة وترشيد الانفاق، بيد ان هذا لا يعني ان الادارة تلتزم بارساء المناقصة على صاحب العطاء الاقل سعراً اياً كانت شروطه وانما يجب ان يكون هذا العطاء في الوقت نفسه مطابقاً للشروط والمواصفات المعلن عنها في كراسة الشروط، ولتسهيل الوصول الى العطاء الاقل سعراً والافضل روطاً(18).

_________________

1- ينظر: د. ، نظرية الالتزام في الشريعة الاسلامية والتشريعات العربية، الكتاب الاول، مصادر الالتزام (العقود والعهود)، اسيوط، 1990، ص49.

2- ينظر: توفيق حسن فرج، اثر حسن النية على رجوع المشتري بالضمان، بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية القانون، جامعة الاسكندرية، العدد الاول، 1970، ص71.

3- ينظر د. محمود سعد الدين الشريف، شرح القانون المدني العراقي، نظرية الالتزام، الجزء الاول، في مصادر الالتزام، بغداد، مطبعة العاني، 1955 ص115.

4- ينظر د.محمد وحيد الدين سوار، التعبير عن الارادة في الفقه الاسلامي، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1960، ص265؛ د. رجب كريم عبد اللاة، التفاوض على العقد، دراسة مقارنة، اطروحة دكتورات مقدمة الى كلية القانون، جامعة القاهرة، 2000، ص401؛ د. عبد المنعم فرج الصدرة، مصادر الالتزام، دراسة في القانونين اللبناني والمصري، القاهرة، دار النهضة العربية، 1971، ص92.

-ومع ذلك فان الفقرة الثاني من المادة (340) من القانون المدني العراقي قد نصت على “2.واذا قام المحيل او المحال عليه بابلاغ الحوالة للمحال له وحدد له اجلاً معقولاً لقبول الحوالة ثم انقضى الاجل دون ان يصدر القبول اعتبر سكوت المحال له فضاً للحوالة”. ينظر: د. عبد المجيد الحكيم والاستاذ عبد الباقي البكري والاستاذ محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، الجزء الاول، مصادر الالتزام، بغداد، بلا اسم مطبعة، بلا عام طبع ، ص43.

5- ينظر: د. فريد فتيان، التعبير عن الارادة في الفقه الاسلامي والفقه المدني، بغداد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، 1985، ص112.

6- ويقابل هذا النص في القانون المدني العراقي المادة 98 من القانون المدني المصري، والمادة 98 من القانون المدني الليبي، والمادة 99 من القانون السوري، والمادة 180 من القانون اللبناني والتي جاءت جميعها مطابقة لنص المادة 81 من القانون المدني العراقي؛ ينظر د. .محمود سعد الدين الشريف، شرح القانون المدني العراقي، نظرية الالتزام، الجزء الاول، في مصادر الالتزام، بغداد، مطبعة العاني، 1955، ص113؛ د. عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الاول، مصادر الالتزام، المجلد الاول، القاهرة، دار النهضة العربية، 1952، ص73.

7- ينظر د. عبد المجيد الحكيم، الوسيط في نظرية العقد مع المقارنة والموازنة بين نظريات الفقه الغربي وما يقابلها في الفقه الاسلامي والقانون المدني العراقي، الجزء الاول، مصادر العقد (اركان العقد)، بغداد، شركة الطبع والنشر الاهلي، 1967، ص151؛ د.عبد الناصر توفيق العطار، مصدر سابق، ص50.

8- ينظر د.عبد المجيد الحكيم، مصدر سابق، ص150؛ د.عبد المنعم فرج الصدة،مصادر الالتزام، مصدر سابق، ص92؛ د.فريد فتيان، مصدر سابق، ص127.

9- المناقصة بمعناها البسيط هي عملية احالة موضوع العقد الى صاحب اقل العروض المقدمة للمنافسة، وهي عكس المزايدة، اذ تقوم الاخيرة على احالة العقد الى صاحب اعلى العروض المقدمة للمنافسة. وتقسم المناقصات الى مناقصات عامة ومفتوحة وبموجبها تقوم الادارة بالاعلان عن المناقصة بشكل عام، ويكون الاشتراك فيها مفتوحاً لكل من يرغب في التعاقد من المقاولين او الموردين، او التجار، او الناقلين وهي المناقصات التي تدعو فيها الادارة عدداً محدداً من الافراد او الشركات للاشتراك فيها ممن لديهم خبرة ومستوى معين في تنفيذ الاعمال. ينظر: د. محمود خلف، النظام القانوني للمناقصات العامة، دراسة مقارنة، بلا مكان طبع، دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1999، ص68.

10- ينظر: د.رجب كريم عبد اللاة، مصدر سابق، ص403.

11- ينظر د. محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية للمرحلة السابقة على التعاقد، القاهرة، المؤسسة الفنية للطباعة والنشر، 2001-2002، ص40.

12- اذ تكون قيمة التأمين 1% من مجموع قيمة العطاء في مقاولات الاعمال، ولا يقل عن 2% من قيمة العطاء فيما عدا ذلك. من تلك الهيئات والمؤسسات العامة والشركات التي تساهم الحكومة في رأسمالها على اساس ان دفع الهيئات المشار اليها يجعل احتمال عدم الجدية في التقدم اليها يكون مستبعداً بالنسبة الى العطاءات التي تتقدم اليها بصفة اصلية، اما اذا تقدمت بصفتها عن شركات اجنبية، عندئذ في دفع التأمين، والذي يكون اما نقداً او كفالة او طلباً مقدماً من قبل مقدم العطاء، يخصم التأمين المؤقت من مبالغ مستحقة لدى الوزارة، بشرط ان تكون صالحة للصرف.ينظر : د. سليمان محمد الطماوي، الاسس العامة للعقود الادارية (دراسة مقارنة)، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1975، ص224.

13- ينظر: د.محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية في المرحلة السابقة على التعاقد، مصدر سابق، ص47.

14-M. Dubisson، op. cit.، P.103، J. Sehmidt، op. cit.، n42، P.24.

نقلاً عن: د.رجب كريم عبد اللاة، مصدر سابق، ص404.

15- ينظر: د.عبد الناصر توفيق العطار، مصدر سابق، ص53 ومابعدها؛ د.عبد الرزاق احمد السنهوري، نظرية الالتزام،، مصدر سابق، ص75.

16- ينظر: د.سليمان الطماوي، مصدر سابق، ص927.

17- ينظر: د.رجب كريم عبد اللاة، ، مصدر سابق، ص405و406.

18- ويشرط القانون ان يقدم العطاء بمضروفين مغلقين وتقوم بفتح هذه المضاريف لجنة فتح المضاريف وومهمة هذه اللجنة تنحصر في فتح المضاريف المقدمة تمهيداً لفحص العطاءات والتأكد من مطابقتها للشروط المعلن عنها واستبعاد العطاءات التي لا تستوفي الشروط لسبب او لاخر، اما لطبيعة المناقصة او الشروط المتطلبة في المتقدمين الى المناقصات. وعلى اللجنة نفسها فتح المضاريف الساعة الثانية عشرة ظهراً في اليوم المعين لذلك يعد التحقق من سلامة الاختام ويثبت عدد المضاريف في محضر، ويضع بها ارقاماً متسلسلة ثم ينضمها بالتتابع على ان كل هذه الامور تنتهي في الجلسة نفسها. ينظر: د.سليمان الطماوي،، مصدر سابق، ص215.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .