بالرغم من الرقابة المفروضة على تأسيس الشركات، وخصوصا شركات الأموال، فانه من المحتمل ان تتأسس شركة مساهمة على وجه غير قانوني. وعندئذ يثور التساؤل عن النتائج المترتبة على هذا التأسيس المخالف للقانون، وفي ذلك تباينت موافق المشرعين في مكان وزمان. اذ نصت المادتان (94) و (95) المعدلة في سنة 1968من قانون التجارة اللبناني لسنة 1942 على حق كل ذي علاقة، عدا الشركاء في مواجهة الغير خلال مهلة خمس سنوات، في انذار الشركة بوجوب إتمام (المعاملة المهملة)، وحقه عند عدم استجابتها لذلك خلال شهر طلب الحكم ببطلانها وبالتالي تصفيتها كشركة فعلية، وعلى حق الشركاء والغير في أن يقيموا بالإضافة الى دعوى البطلان دعوى المسؤولية التضامنية على المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة الأولين ومفوضي المراقبة الأولين وعلى المساهمين العينيين والخبراء خلال نفس مدة الخمس سنوات المحدودة لدعوى البطلان، على أن لا تنقص عن ثلاث سنوات بإصلاح عيب التأسيس. وهو نفس ما كانت تنص عليه، بعبارات مقارنة، المادتان (122) و(123) من قانون التجارة السوري لسنة1949 ، وان كانتا تقصران حق الشركاء والأشخاص الاخرين في إقامة الدعوى على (المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة الأول ومفتشي الحسابات الاولين والمساهمين العينيين والأشخاص الحائرين لمنافع خاصة).

غير ان هذه الاحكام اختفت في قانون الشركات لسنة 2008الذي نص، بدلا من ذلك، في المادة (138)منه ، تحت عنوان (الاعتراض على نفقات التأسيس او تقييم المقدمات العينية)، على انه (1-في حال اعتراض مساهمين يملكون ما لا يقل عن %10من الأسهم الممثلة في اجتماع الهيئة التأسيسية للشركة على نفقات تأسيس الشركة او على تقرير تقييم المقدمات العينية، او العقود او التصرفات اثناء فترة التأسيس جاز (لهؤلاء المساهمين) إقامة الدعوى امام محكمة البداية المدنية. 2- تسقط هذه الدعوى بالتقادم اذا لم تقدم خلال سنتين من تاريخ شهر الشركة). ونص، بعد ذلك، في المادة (153)، تحت عنوان (مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة)، على ان (1 -أعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة والأشخاص المكلفون بتمثيلها مسؤولون تجاه الشركة المساهمين والغير عن كل مخالفة ارتكبها أي منهم او جميعهم للنظام الأساسي للشركة او لقرارات الهيئة العامة او لأحكام القوانين النافذة، على الا تشمل هذه المسؤولية الجهة التي اثبتت اعتراضها خطيا في محضر الاجتماع على القرار الذي تضمن المخالفة او الخطأ). وكذلك ما نصت عليه المادتان (96) و (97) من قانون الشركات التجارية الكويتي لسنة 1960، ولكن اللتين لم تجيزا للشركات وذوي الشأن رفع دعوى البطلان والمسؤولية الا على (المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة الأول ومراقبي الحسابات الاولين) دون غيرهم.

ومثلهما أيضا ما كانت تنص عليه المادتان (64) و (65) من قانون الشركات التجارية العراقي الأسبق لسنة 1957، مع قصر حق أعضاء الشركة والغير في إقامة الدعوى على (المؤسسين) وحدهم. وكذلك ما كانت تنص عليه المادة (61) من قانون الشركات الأردني لسنة 1964، ولكن بالعبارة الركيكة أنه (يحق لكل متضرر أن يتقدم بالطعن القانوني الى المحاكم المختصة بمقتضى القوانين المرعية حول صحة تأسيس الشركة وإجراءات تأسيسها وحول المسؤولية عن الأضرار أو المخالفات التي نتجت من جراء أعمال تأسيسها وتسجيلها). والأمر كذلك، بالنسبة لكل من قانون الشركات التجارية العماني لسنة 1974 وقانون الشركات التجارية البحريني لسنة 2001 وقانون الشركات القطري لسنة 2000، التي أجازت، بعبارات متقاربة، لكل ذي مصلحة (أو ذي شأن) عند وقوع عيب في إجراءات تأسيس الشركة المساهمة (أو عند تأسيسها على وجه غير قانوني) انذارها بوجوب اجراء التصحيح خلال شهر، وبعكسه طلب تقرير حل الشركة (أو بطلانها) مع اعتبار المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة الأول ومراقبي (أو مدققي) الحسابات الأولين مسؤولين بالتضامن عن الأضرار الناتجة عن ذلك (المادة (71) من القانون العماني والمادة (108) من القانون البحريني والمادتان (92) و (93) من القانون القطري).

وبنفس الاتجاه، قانون الشركات التجارية اليمني لسنة 1997، الذي وان نصت المادة (91) في الفقرة (أ) منها على أنه (لا يجوز بعد صدور قرار الوزير (وزير التموين والتجارة) بإعلان تأسيس الشركة الطعن ببطلان الشركة بسبب مخالفة الأحكام المتعلقة بإجراءات التأسيس)، استدركت في الفقرات التالية منها بالنص على أنه (إذا أسست شركة مساهمة على وجه غير قانوني جاز لكل ذي علاقة خلال خمس سنوات من تأسيسها أن ينذرها بوجوب إتمام المعاملة الناقصة أو التصحيح وفقا لأحكام القانون وخلال ثلاثة أشهر من تاريخ الإنذار) (الفقرة ب)، والا جاز لذي العلاقة أن يطلب من المحكمة المختصة الحكم ببطلان الشركة وتصفيتها (الفقرة ج)، مع اعتبار المؤسسين وأعضاء مجلس الإدارة متضامنين وكذلك المحاسبين القانونيين الذين يثبت اهمالهم بأداء ما يكون لذوي العلاقة من حقوق قبل الشركة (الفقرة د)، ولكن دون أن يكون للمؤسسين وسائر الشركاء الاحتجاج تجاه الغير ببطلان الشركة (الفقرة ه). كما نصت المادة (250) من مدونة التجارة الموريتانية لسنة 2000، من جانبها، على امكان اعتبار مؤسسي الشركة المتسببين (في بطلانها) وكذلك هيئات التسيير والإدارة والمديرين، المزاولين مهامهم وقت تعرض الشركة (للبطلان)، مسؤولين متضامنين عن الأضرار جراء البطلان، وإمكان (القضاء بنفس المسؤولية التضامنية ضد المساهمين أو الشركاء الذين لم تقيم حصصهم أو امتيازاتهم ولم تتم المصادقة عليها)، وتلتها المادة (251) بتحديد مدة تقام دعوى المسؤولية هذه بثلاث سنوات، مع التأكيد على أن زوال سبب بطلان الشركة لا يكون حائلا دون ممارسة دعوى التعويض عن الضرر المترتب على البطلان. بينما اقتصرت المادة (349) من قانون الشركات المساهمة المغربي لسنة 1995 على اعتبار مؤسسي الشركة و (المتصرفين) الأولين وأعضاء مجلس الإدارة (الجماعية) الأولين وأعضاء مجلس الرقابة الأولين مسؤولين بالتضامن عن الضرر المتسبب في عدم تضمين النظام الأساسي للشركة بيانا إلزاميا ما أو اغفال اجراء ينص عليه هذا القانون (في باب تأسيس الشركة أو القيام به بشكل صحيح).

كما اقتصر الفصل/المادة (177) من مجلة الشركات التجارية التونسية لسنة 2000 على اعتبار المؤسسيين مسؤولين بالتضامن عن الأضرار الناجمة من عدم صحة أو عن نقص البيانات التي أبدوا بها في (الجلسة العامة التأسيسية) والمتعلقة بالاكتتاب برأس مال الشركة وبتحرير الأسهم واستعمال الأموال المقبوضة ومصارف تأسيس الشركة والمساهمات العينية) و (عن السهو أو الاخلال بأي اجراء يقتضيه القانون لتأسيس الشركة). وعلى العكس من كل ذلك، نصت المادة (64) من نظام الشركات السعودي لسنة 1965 على اعتبار الشركة مؤسسة تأسيسا صحيحا من تاريخ صدور قرار وزير التجارة والصناعة بإعلان تأسيسها وعدم سماع الدعوى ببطلان الشركة بعد ذلك لأية مخالفة لأحكام نظام الشركات أو لنصوص عقد الشركة أو نظامها، ولكن اذا لم يتم تأسيس الشركة وفقا لنظام الشركات كان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن استيراد المكتتبين المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها وعن التعويض عند الاقتضاء، إضافة الى مسؤوليتهم عن جميع المصارف التي انفقت في تأسيس الشركة ومسؤوليتهم بالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس. كما لم تنص المادة (93) من قانون الشركات التجارية الاتحادي الاماراتي لسنة 1984 الا على تحميل المؤسسين المسؤولية التضامنية، اذا لم يتم تأسيس الشركة، عن حق الجمهور والمكتتبين في استرداد المبالغ التي دفعوها، مع التعويض عند الاقتضاء، وعن المصروفات التي أنفقت في تأسيس الشركة، وكذلك ومسؤوليتهم التضامنية (قبل الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس). بينما نصت المادة (23) من القانون المصري لسنة 1981، من جانبها، على أنه (لا يجوز بعد شهر عقد الشركة والنظام في السجل التجاري الطعن ببطلان الشركة بسبب مخالفة الأحكام المتعلقة بإجراءات التأسيس).

كما نصت المادة (22) من قانوني الشركات العراقيين لسنتي 1983 و1997 على اكتساب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها وعلى اعتبار هذه الشهادة دليلا على أن إجراءات التسجيل قد تمت وفق القانون. وان ذهب رأي، على حق، الى أن هذا الدليل أو القرينة (ما هي الا قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس… ولا يمكن أن تحمل محمل الدلالة القطعية) (1) وقد تناول أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2004/64 هذه المادة (22) بتعديل غريب ولا معنى له، حيث أصبحت بموجبه تنص على أنه (تكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها، وتعتبر هذه الشهادة (اثباتا على شخصيتها المعنوية). ولذلك اقترح الدكتور حسين توفيق فيض الله العودة الى الصيغة الأصلية المتضمنة، اكتساب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها واعتبار هذه الشهادة دليلا على أن إجراءات التسجيل قد تمت وفق القانون (2).

ونرى، من جانبنا، أن يضاف اليها أنه (ولا يجوز دحض هذا الدليل الا بإثبات الغش أو التزوير). اكمالا للبحث في المواقف المختلفة للقوانين العربية فيما يتعلق بتأسيس الشركة المخالف للقانون، نستعرض أيضا الأحكام الخاصة التي أوردها المشرع الأردني بهذا الشأن، والتي تتخلص في اقتصار الفقرة (ب) من كل من المادة (119) من قانون الشركات المؤقت لسنة 1989 والمادة (108) من قانون الشركات الحالي لسنة 1997، المشار اليها سابقا، على النص على أنه (إذا تبين لمراقب الشركات أن شركة المساهمة العامة قد أغفلت في مرحلة تأسيسها تطبيق أي نص أو حكم قانوني أو خالفت مثل ذلك النص او الحكم (فعليه أن ينذرها خطيا بتصويت أوضاعها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تبليغها الإنذار فاذا لم تمتثل لما يتطلبه الإنذار أحالها الى المحكمة). وهذا ما يجيز للمحكمة تصفية الشركة تصفية اجبارية، حسب أحكام المادة (226) من نفس القانون، لبطلان الشركة، بما يترتب على ذلك من نتائج ومن مسؤوليات. ويذهب رأي الى أن عدم اكتشاف مراقب الشركات مخالفة الشركة إجراءات التأسيس وابلاغها خطيا بحقها في الشرع في اعمالها وفقا لأحكام الفقرة (ج) من نفس المادة (108)، (لا يطهر الشركة من أسباب البطلان المتعلقة بإجراءات التأسيس بحيث يحق لكل ذي مصلحة ان يطلب من المحكمة الحكم ببطلان الشركة مع المطالبة بالتعويض تطبيقا لحكم القواعد العامة في المسؤولية المدنية (3).

ولكن ينبغي ان يلاحظ في هذه الحالة ان المسؤولية مثلما تقع على من تنسب الية المخالفة، فإنها تقع أيضا على مراقب الشركات، ومن خلاله على الدولة، وفقا للقواعد العامة. في حين ذهب راي آخر، لعدم الالتفات الى نص الفقرة (ب) من المادة (108) من قانون الشركات المذكور آنفا، الى أن الطعن ببطلان الشركة وعدم صحة تأسيسها يجوز أن يستند الى نص الفقرة (ب) من المادة (183) من نفس القانون القاضي بأنه (يجوز الطعن لدى المحكمة في قانونية أي اجتماع عقدته الهيئة العامة والطعن في القرارات التي اتخذتها فيه ولا تسمع الدعوى بذلك بعد مضي ثلاثة أشهر على عقد الاجتماع على أن لا يوقف الطعن تنفيذ أي قرار من قرارات الهيئة العامة الا بعد صدور الحكم القطعي ببطلانه)(4)، والذي اصبح بعد تعديله بموجب القانون المعدل رقم(40) لسنة 2002(تختص المحكمة بالنظر والفصل في أي دعاوى قد تقدم للطعن في قانونية أي اجتماع عقدته الهيئة العامة او الطعن في القرارات التي اتخذتها فيه على ان لا يوقف الطعن تنفيذ أي قرار من قرارات الهيئة العامة (الا اذا قررت المحكمة خلاف ذلك) ولا تسمع الدعوى بذلك بعد مضى ثلاثة اشهر على عقد الاجتماع). وان كان هذا الراي ينتهي الى القول بان (الطعن ببطلان الشركة عدم صحة تأسيسها اذا لم يرد في قرارات الهيئة العامة عن ذلك الإجراءات ما يفيد صحتها على رغم من نقصها او انعدامها (لا يستند الى نص المادة (183) من قانون الشركات الجديد، انما يستند الى القواعد العامة بالادعاء ببطلان التصرف القانوني لكل ذي مصلحة سواء كان مساهما أم من الغير). وحبذا لو عالج قانون الشركات مسألة الطعن في صحة تأسيس الشركة ولم يترك الأمر للقواعد العامة، لأن الطعن بصحة تأسيس الشركة بعد أن تكون قد ظهرت الى الوجود ومارست أعمالها قد يؤدي الى الحكم ببطلانها.

وبالتالي قد يؤدي الأمر أيضا الى الاضرار بالمساهمين وبالاقتصاد الوطني، ولهذا لا بد من معالجة الأمر بحكمة كأن يمنع ابطال الشركة بعد تأسيسها، أو تحدد مدة معينة يجوز خلالها فقط الطعن بصحة تأسيس الشركة) (5). ولكن، فان قانون الشركات (الجديد) هذا، لسنة 1997، لم يترك الأمر كليا للقواعد العامة، بل عالج مسألة الطعن في صحة تأسيس الشركة، وان جزئيا، بما نص عليه في الفقرة (ب) من المادة (108) منه في إلزام مراقب الشركات بإنذار الشركة خطيا بتصويب أوضاعها خلال ثلاثة أشهر، وعند عدم امتثالها لذلك احالتها الى المحكمة، التي يجوز لها، عندئذ، تصفيتها تصفية اجبارية حسب أحكام المادة (226) من نفس القانون. انما إذا لم يكتشف مراقب الشركات مخالفة الشركة إجراءات التأسيس وحتى لو أبلغها خطيا بحقها في الشروع في اعمالها وفقا لأحكام الفقرة (ج) من المادة (108) المذكورة آنفا، فانه كما قيل، بحق، (يحق لكل ذي مصلحة أن يطلب من المحكمة الحكم ببطلان الشركة مع المطالبة بالتعويض تطبيقا لحكم القواعد العامة في المسؤولية المدنية) (6).

_______________

1- الدكتور باسم محمد صالح والدكتور عدنان احمد ولي العزاوي ،القانون التجاري الشركات التجارية ،بغداد 1989، ص 133.

2- حسين توفيق فيض الله ، مستجدات قانون الشركات العراقي، جامعة صلاح الدين ، أربيل2006، ص 346.

3- الدكتور عزيز العكيلي ، شرح القانون التجاري ، الجزء الرابع في الشركات التجارية، عمان1998 ، بند 143،ص 226، والوسيط في الشركات التجارية، عمان2007، بند143،ص 224.

4- الدكتور فوزي محمد سامي ، الشركات التجارية / الاحكام العامة والخاصة ، عمان 2009، ص 364.

5- الدكتور فوزي محمد سامي، نفس المصدر، ص 365.

6- الدكتور عزيز العكيلي، الشركات التجارية، بند 143، ص 226، والوسيط، بند 143، ص 224.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .