دستورية الفقرة الأولى من المادة (121) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات

قضية رقم 259 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: تشريع – تنظيم الجامعات – تنظيم الحقوق – سلطة التقديرية – عدالة الأجر – دستور – حق العمل – سلطة المشرع التقديرية – تنظيم الحقوق – تشريع – قوامه – مبدأ المساواة – ماهيته
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 12 يونيه سنة 2005 م، الموافق 5 جمادي الأولى سنة 1426 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 259 لسنة 25 قضائية “دستورية”.
المقامة من
السيد/ …
ضد
1- السيد/ وزير التعليم العالي
2- السيد/ رئيس جامعة الإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ 27/9/2003، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (121) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، معدلة بالقوانين أرقام 83 لسنة 1974 و142 لسنة 1994 و82 لسنة 2000 فيما تضمنته من النص على تحديد مكافأة الأستاذ المتفرغ بالفرق بين المرتب مضافا إليه الرواتب والبدلات المقررة وبين المعاش.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام ضد المدعى عليه الثاني الدعوى رقم 7414 لسنة 5 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية – الدائرة الثانية – بطلب الحكم بإلزامه بصفته بأن يدفع له جملة ما خصمته الجامعة بغير حق من المكافأة المستحقة له بوصفه أستاذا متفرغا خلال الفترة من 16/4/1989 حتى تاريخ صدور الحكم. وقال في بيان دعواه أنه في 15/4/1989 بلغ سن انتهاء الخدمة وهو في درجة “أستاذ” بكلية الحقوق، ثم عين أستاذا متفرغا بذات الكلية إلا أن الجامعة درجت على صرف مستحقاته المالية منقوصة غير كاملة إذ قامت بخصم قيمة المعاش الذي يتقاضاه من هيئة التأمينات الاجتماعية من المكافأة المستحقة له، مما اضطره إلى إقامة الدعوى. وبجلسة 5/8/2003 دفع المدعي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (121) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات المستبدلة بالقانون رقم 82 لسنة 2000 فيما نصت عليه من تحديد مكافأة الأستاذ المتفرغ بالفرق بين المرتب مضافا إليه الرواتب والبدلات الأخرى المقررة وبين المعاش. وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن الدعوى الماثلة في حدود ما دفع به المدعي، وصرحت به محكمة الموضوع مقصورة على نص الفقرة الأولى من المادة (121) من القانون رقم 49 لسنة 1972 معدلة بالقانون رقم 82 لسنة 2000، فيما تضمنه من تحديد لمكافأة الأستاذ المتفرغ بالفرق بين المرتب مضافا إليه الرواتب والبدلات المقررة وبين المعاش. ومن ثم فإن ما جاوز ذلك بصحيفة الدعوى من طعن على تلك المادة بتعديلها بالقانونين رقمي 83 لسنة 1974 و142 لسنة 1994 يكون من قبيل الطعن بطريق الدعوى المباشرة غير مقبول.
وحيث إن المادة (121) من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات تنص في فقرتها الأولى معدلة بالقانون رقم 82 لسنة 2000 على أنه “مع مراعاة حكم المادة 113 من هذا القانون يعين بصفة شخصية في ذات الكلية أو المعهد جميع من يبلغون سن انتهاء الخدمة ويصبحون أساتذة متفرغين حتى بلوغهم سن السبعين وذلك ما لم يطلبوا عدم الاستمرار في العمل، ولا تحسب هذه المدة في المعاش. ويتقاضون مكافأة مالية إجمالية توازي الفرق بين المرتب مضافا إليه الرواتب والبدلات الأخرى المقررة وبين المعاش مع الجمع بين المكافأة والمعاش”.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة المقرر بنص المادة (40) من الدستور حيث أقام تفرقة تحكمية بين ذوي المراكز القانونية المتكافئة من وجهين، الأول بين الأساتذة العاملين والأساتذة المتفرغين حيث فارق بين مرتباتهم رغم تساويهم جميعا في الأعباء والأعمال التي يقومون بها، والثاني بين الأساتذة المتفرغين أنفسهم حيث تفاوتت مرتباتهم تبعا لتفاوت معاشاتهم، فضلا عن إخلاله بمبدأ عدالة الأجر.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذي يكفله الدستور بالمادة (40) منه للمواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، مؤداه أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التي ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها للحقوق جميعها، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التي حددها.

والمراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلا منها، لا باعتبارها عناصر واقعية لم يدخلها المشرع في اعتباره، بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتبا عليها أثرا قانونيا محددا، فلا يقوم هذا المركز القانوني إلا بتضاممها بعد أن غدا وجوده مرتبطا بها، فلا ينشأ أصلا إلا بثبوتها، كما أن مبدأ المساواة ليس مبدأ تلقينيا جامدا منافيا للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلا لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء.

فإذا جاز للسلطة التشريعية أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائما من التدابير لتنظيم موضوع معين، وأن تغاير من خلال هذا التنظيم – وفقا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها كان عليها صونا لمبدأ المساواة أن تقيم بذلك التنظيم تقسيما تشريعيا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها.

لما كان ذلك وكان المشرع قد وضع بالمواد 121 و122 و124 من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، تنظيما للأساتذة المتفرغين هدف به إفادة الجامعات من خبرات أعضاء هيئة التدريس الذين اكتمل عطاؤهم بعد أن عملوا في محرابها وسد العجز في بعض التخصصات – وآثر – حفاظا على كرامتهم – تعيينهم عند بلوغهم السن المقررة لانتهاء الخدمة وبصفة شخصية أساتذة متفرغين ما لم يطلبوا عدم الاستمرار في العمل، وذلك في مقابل مكافأة إجمالية توازي الفرق بين المرتب مضافا إليه الرواتب والبدلات الأخرى المقررة للوظيفة وبين المعاش المستحق لهم. و

قد راعى المشرع في تقدير تلك المكافأة بما له من سلطة تقديرية قدر العمل المسند إليهم وطبيعته، وحرص في الوقت ذاته على عدم المساس بدخولهم التي كانوا يتقاضونها قبل بلوغهم سن انتهاء الخدمة، ومن ثم فليس ثمة إخلال بمبدأ المساواة بين الأساتذة المتفرغين والأساتذة العاملين، ذلك أنه ولئن كان صحيحا أن الأستاذ المتفرغ تربطه بالجامعة علاقة وظيفية تنظيمية شأنه في ذلك شأن الأستاذ العامل إلا أنه لا يشغل درجة وظيفية مالية كزميله العامل، وبالتالي فلا يقوم له أصل حق في الراتب المحدد في جدول المرتبات للوظيفة التي كان يشغلها قبل تقاعده، ولا تحسب المدة التي يقضيها في الجامعة بعد بلوغه سن انتهاء الخدمة في المعاش، كما لا يجوز له أن يتقلد أية وظائف إدارية كعميد الكلية أو وكيلها أو رئيس الجامعة أو نائبه، وبالجملة فإن كل ما يتماثل فيه مع نظيره الأستاذ العامل هو عملية التدريس وإلقاء المحاضرات فقط دون تطلب التماثل في حجم العمل المسند إلى كل من الفئتين. والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة غير منطقية من وجهين الأول أنه يفرغ نص المادة (113) من القانون المشار إليه من مضمونه إذ يصبح الأمر حينئذ مداّ غير مقصود لسن الإحالة إلى المعاش، والثاني أنه – وبغير قصد أيضا – يجعل الأستاذ المتفرغ في وضع مالي يتميز عن وضع الأستاذ العامل.
وحيث إن التفاوت بين مكافأة الأساتذة المتفرغين مرجعه تفاوت معاشاتهم التي تتحدد تبعا لمدد خدمتهم ومقدار رواتبهم قبل بلوغهم سن انتهاء الخدمة، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتفاوت مكافآتهم التي يتم حسابها على أساس الفرق بين ما كانوا يتقاضونه من رواتب وبدلات وبين المعاش، وبالتالي فليس ثمة مخالفة – أيضا – لمبدأ المساواة يبن أفراد هذه الطائفة.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في الفقرة الثانية من المادة (13)، من أن العمل لا يجوز أن يفرض جبرا على المواطنين إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل، وهو ما يعني أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التي يؤديها العامل، سواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابلا للعمل إلا بشرطين، أولهما: أن يكون متناسبا مع الأعمال التي أداها العامل مقدرا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها وغير ذلك من العناصر الواقعية التي يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها. ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتكون تخوما لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، بما مؤداه أن السلطة التشريعية تباشر اختصاصاتها التقديرية – فيما خلا القيود التي يفرضها الدستور عليها – بعيدا عن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية العليا، فلا يجوز لها أن تزن بمعاييرها الذاتية السياسة التي انتهجها المشرع في موضوع معين، ولا أن تناقشها، أو تخوض في ملاءمة تطبيقها عملا، ولا أن تنتحل للنص المطعون فيه أهدافا غير التي رمى المشرع إلى بلوغها، ولا أن تقيم خياراتها محل عمل المشرع طالما تحقق لدى هذه المحكمة أن السلطة التشريعية قد باشرت اختصاصاتها تلك مستلهمة في ذلك أغراضا يقتضيها الصالح العام في شأن الموضوع محل التنظيم التشريعي، وأن تكون وسائلها إلى تحقيق الأغراض التي حددتها، مرتبطة عقلا بها.
وحيث إنه هديا بما تقدم فإن المشرع وقد حدد بتنظيمه التشريعي للأساتذة المتفرغين مكافأة عن الأعمال التي يؤدونها في نطاق العلاقة التنظيمية التي يرتبطون بها مع الجامعة، قدر فيها أنها تتناسب مع حجم تلك الأعمال ووازن بها بين تحقيق مصلحة عامة تتمثل في الاستفادة من خبرات هؤلاء الأساتذة وبين إعلاء قدرهم والنهوض بمسئولياتهم الاجتماعية والاقتصادية فقرر منحهم مكافأة ثابتة موحدة في أساس تقديرها بالإضافة إلى ما يستحقونه من معاش عن مدة خدمتهم، بحيث كفل للأستاذ دخلا يعادل ما كان يتقاضاه قبل بلوغ سن انتهاء الخدمة، وقد شرط ذلك كله ألا يطلب الأستاذ عدم الاستمرار في العمل، بما مؤداه أن الأستاذ الذي يستمر في العمل يكون قد ارتضى هذه المكافأة وقدر أنها المقابل المادي المناسب لما يؤديه من عمل. لما كان ذلك، فإن النص الطعين لا يكون قد صادر حق العمل أو خالف قاعدة عدالة الأجر.
وحيث إن النص الطعين لم يخالف من أي وجه آخر الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.