بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس القضاء الأعلى
رئاسة محكمة استئناف الرصافة الاتحادية
محكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب

رقم الدعوى:1697/ش/2008التاريــــخ : 29/6/2009

تشكلت محكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب بتاريخ 29/6/2009 برئاسة القاضي السيد سالم روضان الموسوي المأذون بالقضاء باسم الشعب وأصدرت قرارها الآتي :
المدعيــــــة/ )ب ، ن، ع)
المدعى عليه / (أ ، ج ، ع)

القرار
لدعوى المدعية وللمرافعة الحضورية العلنية حيث ادعت (ب، ن،ع) المدعى عليه زوجها الداخل بها شرعا بموجب عقد الزواج الصادر من هذه المحكمة العدد 59 في 29/3/ 2007 ولكثرة المشاكل الزوجية وعدم التفاهم والانسجام وللخلافات المستحكمة تطلب الحكم بالتفريق .اطلعت المحكمة على صورة عقد الزواج ثم استمعت إلى الطرفين واطلعت على اللوائح القانونية المتبادلة بين الطرفين ووكلائهم، كما اطلعت على صورة طبق الأصل من الأوراق التحقيقية المودعة لدى مركز شرطة الشعب المشتكية فيها (المدعية) ضد المشكو منه (المدعى عليه) في هذه الدعوى، وتنصب الشكوى فيها على إن المدعى عليه قد اعتدى على المدعية بالضرب بواسطة الأيدي وأسباب أخرى تضمنتها الشكوى، ووجدت المحكمة إن إفادة المدعى عليه (المشكو منه ) (أ، ج ، ع ) المدونة من قبل قاضي تحقيق الشعب بتاريخ 9/11/2008 تضمنت ما يلي (حصل خلاف عائلي فيما بيننا ولعدم اتصاف زوجتي بأدب الزوجية فقمت بضربها لأجل تأديبها ) كما لاحظت المحكمة لائحة المدعى عليه المؤرخة في 25/2/2009 المشار إليها في محضر جلسة يوم 25/2/2009 ووجدت فيها بعض الأقوال التي تشير إلى وجود الخلاف منها ما جاء بالفقرة (5) من تلك اللائحة (علما إن الزوجة لا تقوم بالأعمال الموكلة بها ) وما جاء بالفقرة (6) (السبب الرئيسي في القضية هو إن الزوجة لا تحترم الأسرار الزوجية ) وما جاء في نهاية الفقرة (14) (وهذا دليل واضح على غاية الزوجة باتهامي كذبا والمهم إيقاع الضرر بي أيا كانت النتيجة ) كما اطلعت المحكمة على لائحة وكيل المدعية المؤرخة في 13/4/2009 ووجدت إقرار من المدعية على وجود الخلاف وعلى وفق ما ورد في الفقرة (6) من تلك اللائحة بقولها على لسان وكيلها (أخيرا تتمسك موكلتي بالتفريق لاستحالة العيش مع المدعى عليه ) ثم بين وكيل المدعى عليه، وبحضور المدعى عليه بالذات، بأن موكله يقر بوجود الخلاف المستحكم ولا يمكن الاستمرار بالحياة الزوجية، وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 4/5/2009 ثم اطلعت المحكمة على تقرير البحث الاجتماعي في المؤرخ في 4/5/2009 الذي تضمن ما يلي (لقد نفذت كل محاولات إحلال الصلح بين الزوجين وذلك بسبب إصرار الزوجة على التفريق ) كما لاحظت المحكمة تقرير البحث الاجتماعي الأول المؤرخ في 2/11/2008 وتضمن (إن الزوج لا يوافق على التفريق ويعتز بالحياة الزوجية ,أما الزوجة فإنها تصر على التفريق لما لحقها من ضرر من جراء علاقتها الزوجية معه وعلى الرغم من بذل الجهود لإقناع الزوجة بالعدول لكنها أصرت ) كما استمعت المحكمة إلى البينة الشخصية التي تقدمت بها المدعية لإثبات دعواها ،

ومن خلال كل ما تقدم وجدت المحكمة إن الخلاف بين طرفي الدعوى قائم ومن النوع الذي لا رجاء في الصلح فيه، مما دعاها إلى إتباع الترتيب التسلسلي الوارد في نص المادة (41) أحوال شخصيه ، من حيث التحقق والتحري عن أسباب الخلاف والتحقق من وجوده ، ثم اللجوء إلى المحكمين ومن بعد ذلك الخطوات التي رسمتها تلك المادة، فبعد حصول اليقين بوجود الخلاف ومعرفة أسبابه على وفق ما ذكر أنفا ، تم تعيين حكما عن الزوجة وحكما عن الزوج بعد أن تعذر الزوجين تسمية حكم من أهلهم وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 27/5/2009 ، وفي جلسة يوم 16/6/2009 قدم المحكمون تقريرهم الذي بينوا فيه سعيهم للإصلاح بين الطرفيين، إلا أنهم وصلا إلى الرأي المشترك ، بأن الخلاف مستحكم وان الطرفين يشتركون في الإسهام بوجود هذا الخلاف وبنسبة تقصير بالتساوي بينهم 50% من جانب الزوجة و 50% من جانب الزوج , ومما تقدم فقد ثبت للمحكمة استمرار الخلاف بين الزوجين وان أمر الإصلاح بينهم أصبح غير ذي منال، وإنها عجزت عن تحقيقه على الرغم من إتباع كل السبل المتاحة لها ، مثل الاستعانة بالبحث الاجتماعي او المحكمين أو من خلال الرشد أو النصح الذي أسدته المحكمة للطرفين، ثم سألت المحكمة الزوج (المدعى عليه ) عن استعداده لتطليق المدعية بعد ثبوت الخلاف واستمراره فأبدى قبوله بذلك على أن تكون بنسبة مقصرية كل طرف المشار إليها في تقرير الحكمين وكان هذا المسعى من المحكمة بسؤال المدعى عليه عن التطليق كان على وفق ما نصت عليه أحكام الفقرة (4/آ) من المادة (41) أحوال شخصية ، وعلى اثر ذلك تقدم الزوج ( المدعى عليه) وتلفظ بصيغة الطلاق بعد أن تحققت المحكمة من طهر الزوجة وإنها في حالة طهر غير موطوءة فيه بحضور شاهدي مجلس الطلاق وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 28/6/2009 ، وذلك لكون عقد الزواج كان قد تم على وفق أحكام المذهب الجعفري . وترى المحكمة إن هذا الطلاق الذي انحلت به العلاقة الزوجية بين الطرفيين يعد طلاقا بائنا بينونة صغرى وليس رجعيا ، لعدة أسباب منا ما يلي :ـ

أولا: إن الطلاق المذكور أنفا لم يكن بناء على طلب المدعى عليه الذي يملك حق إيقاع الطلاق، وإنما كان من ضمن الترتيب التسلسلي لأحكام المادة (41) أحوال شخصية، التي رسمت خطوات تتبعها المحكمة للوصول إلى حل الرابطة الزوجية ، ولا يجوز إهمال أي خطوة من الخطوات التي نصت عليها تلك المادة وأي تخلف من هذا النوع يخل بصحة قرار التفريق، كذلك لا يجوز تقديم وتأخير خطوة على أخرى لان الترتيب زمني قائم على أساس إن الخطوة الأولى بناء للخطوة التالية والقفز على خطوة قبل أخرى يفقد القرار مشروعيته القانونية والشرعية، وجنوح المحكمة إلى سؤال المدعى عليه عن امتناعه أو استعداده لإيقاع الطلاق هو تطبيق لهذه التراتبية التسلسلية وإتباعها على وفق ما رسمه القانون يكون مكمل لخطوات المحكمة في الوصول إلى قرار يتعلق بأنهاء العلاقة والرابطة الزوجية ، كما انه يقع ضمن أحكام التفريق المشار إليها في الفصل الثاني من الباب الرابع (التفريق القضائي) من قانون الأحوال الشخصية وليس ضمن أحكام الطلاق المشار إليها في الفصل الأول من الباب الرابع من قانون الأحوال الشخصية، ويعد تلفظ المدعى عليه بصيغة الطلاق هو جزء من إجراءات المحكمة، وليس بناء على طلب من المدعى عليه ، لان الزوج إذا امتنع عن التطليق لفرقت المحكمة بينهم وانحل عقد الزواج .

ثانيا: إن المدعية هي التي طلبت التفريق لوجود الخلاف المستحكم، وبعد التحقيقات التي أجرتها المحكمة وثبوت الخلاف المستحكم، فان دعواها قد توفرت على شروطها وقبول الزوج بالتطليق لا يغير من المركز القانوني شيء، ولا يقلب الادعاء بأن الدعوى قد أصبحت دعوى تصديق الطلاق الواقع أمامها، ويكون ذلك الطلاق رجعي، لان ذلك التوجه يتنافى مع مبادئ العدالة حيث سنحمل الزوجة (المدعية) تبعات أمر ليس لها فيه يد، وإنما إجراء اقره القانون وأمر بأتباعه في مادة قانونية لها قوة إلزامية ، كانت سببا لطلب التفريق، لان الطلاق الذي وقع في هذه الدعوى إذا ما عُدََ رجعيا فان المدعى عليه من الممكن أن يرجع بالمدعية خلال فترة عدتها، ويكون ذلك مسعىً وفرته المحكمة للمدعى عليه للتخلص من كافة الأحكام القضائية التي صدرت بناء على ثوابت تلمستها من خلال تحقيقاتها التي أجرتها، وإسهام في جعل الزوجة تحت طائلة الخلاف المستحكم مرة أخرى وأفقدناها سعيها الذي اجتهدت فيه لإثبات مطلبها .

ثالثا : إن الطلاق الذي أوقعه المدعى عليه في هذه الدعوى بناء على طلب وسؤال المحكمة كان قد اقترن بأنقاص جزء من حقوق الزوجة المتمثل بأنقاص مهرها المؤجل بما يعادل نسبة مقصريتها المشار إليه في تقرير المحكمين، حتى وان اعترضت المدعية على النسبة وطلبت أن تكون النسبة اقل، فإنها لم تنفي وجود التقصير من قبلها وإنما اعترفت به بنسبة لم تحددها وعلى وفق ما مسطر ضبطا في محضر جلسة يوم 16/6/2009، فان قبولها بنسبة التقصير أيا كان مقدارها، يعد تنازلا عن جزء من مهرها وهو قبول بتنازلها عن بعض حقوقها حيث يعد المهر المؤجل من حقوق الزوجة، والطلاق الذي يقع مقابل تنازل عن حق من حقوقها يعتبر طلاق بائن بينونة صغرى إذا لم تكن الطلقة الثالثة، وعلى وفق ما ذكره القاضي عبد القادر إبراهيم في (خلاصة المحاضرات) في شرح قانون الأحوال الشخصية ص92 مسحوبة بالرونيو، كان قد ألقاها على طلاب المعهد القضائي ,

رابعا: عند الرجوع إلى الأصل الشرعي للمادة (41) أحوال شخصية، نجد إنها مستمدة من أحكام المذهب المالكي حيث أجاز الإمام مالك للقاضي أن يفرق بين الزوجين إذا استحكم الخلاف وعلى وفق ما ذكره الدكتور احمد الكبيسي في كتابه الموسوم الأحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون ج1- ص282 ، ويرى احد فقهاء المذهب المالكي إن القاضي حينما يفرق بين الزوجين يكون بصفته نائب عن الزوج ((للقاضي الحق في إيقاع التفريق نائبا عن الزوج )) وعلى وفق ما ورد في كتاب فقه الأحوال الشخصية عمليا للمستشار أنيس محمد نوري مشوح ـ مطبعة الدار المتحدة في دمشق – ص128 . الذي نقله عن كتاب البهجة في شرح التحفة وهو من كتب الفقه المالكي ، وهذا القول تستدل فيه المحكمة على إن القاضي حينما يفرق يكون بالنيابة عن الزوج أما إذا قام الزوج بذلك الأمر بنفسه، فان الأمر لا يتغير لان الأصل للزوج وأنيب عنه القاضي، فان أداه الزوج سقط عن النائب (القاضي) وجوب إيقاعه ، لذلك فان المحكمة ترى في الطلاق الذي أوقعه الزوج (المدعي) في هذه الدعوى هو ذلك الطلاق البائن الذي يترتب عليه ذات الأثر في التفريق .

خامسا : إن أحكام المادة (45) أحوال شخصية أشارت إلى أن كل تفريق يقع في المواد (40ـ43) من قانون الأحوال الشخصية النافذ ، هو طلاق بائن بينونة صغرى وان الأثر الذي رتبه الطلاق الذي أوقعه المدعى عليه هو ذات الأثر في قرار التفريق من حيث انحلال العلاقة الزوجية بسبب استحكام الخلاف بينهم لان التفريق هو باب من أبوب الطلاق وعلى وفق ما ذكر في كتاب فقه الأحوال الشخصية عمليا ـ المستشار أنيس محمد نوري مشوح ـ الدار المتحدة طبعة 2004 ـ ص 108 .

ومما تقدم تجد المحكمة إن الطلاق الواقع أمام هذه المحكمة الذي أوقعه المدعى عليه يوم 28/6/2009 هو طلاق بائن بينونة صغرى مقترن بانقاص مهر المدعية بما يعادل نسبة تقصيرها لان الأصل في الدعوى هي طلب التفريق بسبب الخلاف والغاية هي حل الرابطة الزوجية سواء بقرار المحكمة أو بتطليق الزوج بناء على طلب المحكمة ، لذلك وبالطلب قرر الحكم بصحة الطلاق الواقع للمرة الأولى بتاريخ 28/6/2009 بين المدعية (ب، ن،ع) والمدعى عليه (أ، ج ، ع ) واعتباره بائن بينونة صغرى ولا يحق لهم الرجوع إلى بعضهم إلا بعقد ومهر جديد وإنقاص 50% من مهر المدعية المؤجل على وفق نسبة تقصيرها وإلزام المدعية بالعدة الشرعية البالغة ثلاثة قروء اعتبارا من تاريخ وقوع الطلاق في 28/6/009 2 وليس لها أن تتزوج برجل آخر إلا بعد انتهاء العدة الشرعية واكتساب القرار الدرجة القطعية وتحميل المدعى عليه كافة الرسوم والمصاريف و أتعاب محاماة لوكيل المدعية المحامي (ع، ع، ب) مبلغ مقداره خمسة آلاف دينار استنادا لأحكام المواد 1، 41, 45 , 47, 48 ,49 أحوال شخصية 21, 25, 59, 76, 140 إثبات 161 ,163 ,166, 300 مرافعات 63 محاماة حكما حضوريا قابلا للتمييز وافهم علنا في 29/6/2009 الموافق 4/رجب/1430هـ

القاضي
سالم روضان الموسوي