الجزء الثالث من بحث الزواج العرفي

اثبات الزواج في المذهب الحنفي

يثبت الزواج في الفقه الحنفي بأحد الأدلة الآتية :
أولاً : الشهادة : الشهادة في المعنى الاصطلاحي إخبار في مجلس القضاء عما وقع تحت سمع شخص و بصره مما يترتب عليه أثر في الشرع ألأو القانون ، أي إخبار الانسان في مجلس القضاء بحق عل غيره لغيره ( د/ كما لامام – ص 210 )، و نصاب الشهادة في إثبات الزواج شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ( شرح فتح القدير للكما لبن الهامام – ج 7 – ص 370 ، الطعن رقم 1 لسنة 46 ق – جلسة 26/10/1977 ).

و البينة حجة متعدية ، فالثابت بها ثابت على الكافة و لا يثبت على المدعى عليه وحده . و يشترط في الشاهد : العدالة و البلوغ و الحرية و الإبصار و ألا يكون محدوداً في قذف ، و ألا يكون متهماً في شهادته ، بأن كان يجر لنفسه مغنماً أو يدفع عن نفسه مغرماً ، و يدخل في ذلك ألا يكون الشاهد من أصول أو فروع المشهود له أو زوجاً له ، و العلم بالمشهود به ، ذاكراً له وقت الأداء ، و القدرة على التمييز بالسمع و البصر بين المدعى و المدعى عليه .( المستشار/ البكري – ص 123 ).

و قد أجيزت الشهادة بالتسامع استحساناً في بعض المسائل ، منها إثبات الزواج ، و ذلك دفعاً للحرج و تعطيل الأحكام ، بحيث انه إذا اشتهر الزاج لدى الشاهد بأحد طريقي الشهرة الشرعية حل له أن يشهد به لدى القاضي ، و الشهرة الشرعية تنفسم الى قسمين : شهرة حقيقية ، و هذه تكون بالسماع من أقوام كثيرين لا يتصور تواطؤهم على الكذب ، و لا يشترط فيهم العدالة ، و شهرة حكمية ، و تكون بشهادة عدلين أو رجل عدل و عدلتين بالشئ بلفظ الشهادة ( المستشار/ البكري – ص 124 ). و هذا هو الرأي المفتى به في المذهب (الشيخ / احمد ابراهيم – ص 123 ).

و تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن : ( العشرة و المساكنة لا تعتبر وحدها دليلاً شرعياً على قيام الزوجية و الفراش ، إنما نص فقهاء الحنفية على أنه يحل للشاهد أن يشهد بالنكاح و إن لم يعاينه متى اشتهر عنده ذلك بأحد نوعي الشهادة الحقيقية أو الحكمية ، فمن شهد رجلاً و امرأة يسكنان في موضع أو بينهما انبساط الأزواج و شهد لديه رجلان عدلان بالفظ الشهادة انها زوجته حل له أن يشهد بالنكاح و إن لم يحضر وقت العقد ) الطعن رقم 12 لسنة 36ق – أحوال شخصية – جلسة 27 /3/1968 .

ثانياً : الإقرار :
الإقرار شرعاً هو الاعتراف بثبوت حق للغير على نفس المقر و لو في المستقبل باللفظ أو ما في حكمه ( شرح فتح القدير-ج 8 ص 317، الطعن رقم 16 لسنة 50ق أحوال شخصية – جلسة 16/6/1981 )، و إذا أقر الشخص بحق لزمه ، و يعد الإقرار حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة ، فإذا أقر أحد الزوجين بالزوجية كان اقراره هذا دليلاً كافياً لاثباتها دون حاجة إلى دليل آخر ، و لا تشترط الشهادة في صحة الإقرار لأن الإقرار ليس انشاء للزوجية (البكري – ص 127 ).

و يشترط في صحة الإقرار بالزواج و نفاذه ما يلي :
1- أن يكون المقر عاقلاً بالغاً .
2- أن يكون الزواج ممكناً الثبوت شرعاً، و ذلك بألا يكون الرجل متزوجاً بمحرم للمرأة كأختها و عمتها ، و لا بأربع سواها، و ألا تكون هي متزوجة فعلاً برجل آخر أو في عدة فرقة منه ، سواء أكان الإقرار من الرجل أو من المرأة .
3- أن تصدق المرأة الرجل في إقراره إذا كان هو المقر، و أن يصدقها الرجل إذا كانت هي المقرة ، لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر.

و الإقرار بالزوجية صحيح و نافذ سواء كان في حال الصحة أو في مرض الموت ، متى ورد عليه التصديق من الجانب الآخر، سواء كان المقر هو الرجل أو المرأة (البكري – ص 127)، و ذهب الصاحبان إلى انه يصح التصديق من الطرف الآخر بعد موت المقر، سواء كان المقرهو الرجل أو المرأة ، أما الإمام أبوحنيفة فيذهب إلى أنه إذا كانالمقر هو الرجل فإنه يصح و ينفذ لو صدقته المرأة بعد موته فيكون لها حقها في الميراث ، أما إذا كانت المرأة هي المقرة فلا يصح تصديق الرجل بعد موتها ، فلا تثبت به الزوجية و لا يستحق به الميراث ، لأنه بموت المرأة تنقطع أحكام الزوجية ، ولذلك يحل للرجل أن يتزوج بأختها عقيب وفاتها و بأربع سواها ، و لا يحل له أن يغسلها إذ صارت أجنبية عنه، أما بعد موت الرجل فللزوجية أحكام باقية كالعدة ، و لذلك يحل لها أن تغسل زوجها .

ثالثاً : النكول عن اليمين :
اذا لم يقر المدعى عليه بالزوجية ، و لم يقدم المدعي بينة عليها ، أو على أن المدعي عليه قد أقر بها قبل ذلك ، كان له – على رأي الصاحبين المفتى به – أن يطلب من القاضي تحليف المدعى عليه ، فإن حلف رفضت الدعوى ، و إن نكل ثبت الزواج، لأن النكول إقرار بالمدعى به عندهما، و ذهب أبو حنيفة إلى أن اليمين لا توجه إلى المدعى عليه إذا كان أحد الزوجين ، و إذا وجهت إليه لم يثبت الزواج بنكوله، لأن النكول بذل لا إقرار عنده، و الزواج ليس مما يبذل (د/كمال امام – ص 219 ). هذا ، و إذا قضي برفض الدعوى بعد أن حلف المدعي عليه أن ليس بينه و بين المدعي زوجية ، كان هذا القضاء قضاء ترك لا يمنع المدعي من تجديد الدعوى إذا وجد البينة ( الإمام / أبو زهرة – ص 268 ، البكري ص 128 ).

المحكمة المختصة بنظر دعوى إثبات الزوجية :
صدر القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة ، و نص في المادة الثالثة منه على أن : ( تختص محاكم الأسرة دون غيرها بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية التي ينعقد الاختصاص بها للمحاكم الجزئية و الابتدائية طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادربالقانون رقم 1 لسنة 2000 ……..)، و بذا يكون المشرع قد عقد لمحاكم الأسرة الاختصاص النوعي بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية ، و لم يعد هناك وجود لمحاكم جزئية وأخرى ابتدائية في نطاق منازعات الأحوال الشخصية ، و بناء على ذلك يضحى الاختصاص بنظر دعوى إثبات الزوجية معقود لمحكمة الأسرة المختصة محلياً بنظرها.

تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد :
هناك من الدعاوى ما لا يسري عليها القيد الوارد بنص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 و الخاص بعدم سماع الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، لكون الحقوق فيها ليست الزوجية سبباً مباشراً لها ، أي ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و هناك نوع آخر من الدعاوى لا يسري عليها هذا القيد استثناءً من القانون نفسه بنص المادة المذكورة سلفاً ، و أبين كلا النوعين على الوجه التالي :

الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بغير نص : من هذه الدعاوى :
1- إثبات الإرث بسبب البنوة : لأن الإرث هنا سببه البنوة و ليس الزواج ، فقد قضت محكمة النقض بأن : ( لما كانت دعوى المطعون عليه هي دعوى ارث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى اثبات الزوجية أو اثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سباً مباشراً لها ، فإن اثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية حتى و لو كان النسب مبناه الزوجية الصحيحة ، و لما كان اثبات البنوة و هو سبب الارث في النزاع الراهن بالبينة جائزاً فلم يكن على الحكم المطعون فيه أن يعرض لغير ما هو مقصود أو مطلوب بالدعوى ) الطعن رقم 21 لسنة 44 ق – أحوال شخصية – جلسة 7/4/1976 .

و على ذلك فيمكن للولد من زواج عرفي أن يرفع دعوى إرث من أبيه دون أن يكلف تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، و إنما يكفيه البينة على دعواه . هذا و يلاحظ أن دعوى الإرث التي ترفعها الزوجة عن زوجها المتوفي من زواج عرفي لا تقبل لأن مبناها الزوجية .

2- دعوى نفقة الأولاد : الأصل في الدعوى بطلب نفقة للصغير أن يكون النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة ، أخذاً بأن سبب وجوب النفقة للأولاد هي الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل ( الطعن رقم 173 لسنة 63 ق – أحوال شخصية – جلسة 26/5/1997 )، و بالتالي لا تعد الزوجية سبباً لوجوب النفقة للأولاد على أبيهم ، و إنما السبب في وجوبها هو كون الولد جزء من أبيه و فرع منه أي البنوة ، الأمر الذي تكون معه دعوى الولد من زواج عرفي بطلب النفقة من أبيه مقبولة و لا تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 لكونها ليست من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يلاحظ أن نفقة الصغير تشمل الطعام و الكسوة و السكنى و مصاريف العلاج و التعليم ، فالدعوى بأيهم مقبولة ، و عليه فتكون المطالبة بمسكن حضانة للصغير مقبولة باعتباره من النفقة ، و هكذا في كل مشتملات النفقة .( و في تأييد ذلك المستشار/ أشرف مصطفى كمال – مرجع سابق ص 209 ).

3- إثبات الزوجية التي من شرائط امتداد عقد الإيجار:
فقد قضت محكمة النقض بأن : ( الأصل في فقه الشريعة الاسلامية جواز الشهادة بالتسامع في الزواج ، إلا أن المشرع تدخل استثناءً من هذا الأصل – احتراماً لروابط الأسرة و صيانة للحقوق الزوجية – فقد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن ” لا تسمع عند الإنكار………….” و لما كانت دعوى الطاعن هي طلب إنهاء عقد إيجار شقة النزاع باعتبار أن الشاغلة لها ليست زوجة للمستأجر الأصلي الذي ترك العين لعدم وجود وثيقة رسمية معها مثبتة للزواج، و هي دعوى متميزة عن دعوى الزوجية التي عنتها المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فإن الزوجية التي هي من شرائط امتداد عقد الايجار عملاً بنص المادة 31 من القانون رقم 52 لسنة 1969 لا يلزم لتوافرها ثبوت الزواج بوثيقة رسمية ، و لو قصد المشرع ذلك لنص عليه صراحة ). الطعن رقم 1535 لسنة 48 ق – جلسة 19 /5/1982 ، و الطعن رقم 973 لسنة 49 ق – جلسة 20/12 /1984 .
هذا ، و يجب التنبه إلى ما سبق الإشارة إليه من عدم خضوع النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية للقيد الوارد بالمادة 17 وفقاً لما انتهت إليه محكمة النقض على النحو الموضح بالمبحث الثاني من هذا البحث، و بالتالي فالنزاع في الزواج إثباتاً و صحة و خلافه أصبح طليقاً من القيد المذكور.

4- دعوى النسب :
استقرت أحكام محكمة النقض في ظل العمل بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 على عدم خضوع دعوى النسب للقيد الوارد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، لكونها دعوى متميزة عنها، فقد قضت بأن :
” ……… لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب التي ما زالت باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية ، و كان النسب كما يثبت بالبينة والإقرار يثبت بالفراش الصحيح و ملك اليمين و ما يلحق به و هو المخالطة بناء على عقد فاسد أو بشبهة “. الطعن رقم 8 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 21/11/1989 .

كما قضت بأن : ” و حيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ، و في بيان ذلك يقول ان المطعون ضدها تستند في إثبات نسب الصغير إليه إلى أنها زوجة للطاعن بعقد عرفي ، و لما كانت هذه الزوجية غير ثابتة بوثيقة زواج رسمية فقد دفع بعدم سماعها … لأنه من غير الجائز إثبات الزوجية بشهادة الشهود…و حيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقررفي قضاء هذه المحكمة أن دعوى النسب متميزة عن دعوى إثبات الزوجية ، و أن إثبات البنوة لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها … “. الطعن رقم 62 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 22/5/1990 .

هذا و يثبت النسب بالفراش و الإقرار و البينة ، فإذا ادعت امرأة على رجل أنهاولدت منه و لم تكن فراشاً له فلها إثبات مدعاها بالبينة الكاملة أي شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ، و الشهادة المنصبة على النسب لا يشترط فيها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد إن كان . ( الطعن رقم 3 لسنة 45 ق أحوال شخصية – جلسة 9/11/1967 ).

رأي مخالف لما سبق :
و مع ذلك ، فإن هناك رأياً – لصاحبه وزنه الفقهي و العلمي المعروف – يذهب إلى عكس ذلك أو إلى التفصيل ، و لهذا الرأي من يؤيده . يرى صاحب هذا الرأي أن عبارة المذكرة الايضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 التي تجيز سماع دعوى النسب عند الإنكار دون وثيقة زواج رسمية تكون في محلها إذا كان ثبوت النسب أساسه الدعوة أو نحوها و لم يكن أساس الاثبات فيه فراش الزوجية ، و ذلك لأن الدعوة وحدها كافية لاثبات النسب ، فإذا أقام الدليل عليها فقد ثبت ، و كذلك إذا كان أساس النسب دخولاً بشبهة أسقطت الحد و محت وصف الزنا ، فإن أساس النسب فيه واقعة لا تقيد اللائحة طريق إثباتها ، بل تركته للمقرر في الفقه من طرق الإثبات ، و على القاضي أن يراعي ملابسات الأحوال ، أما إذا كان أساس النسب هو فراش الزوجية فإن النسب لا يثبت إلا إذا ثبتت الزوجية ، فالدعوى في هذه الحالة تتضمن لا محالة دعوى الزوجية ، فيجب أن يجري اثباتها على ما سنته اللائحة و تتقيد بقيودها ، إذ أن نص اللائحة يشمل كل دعاوى الزوجية سواء اكانت ضمن حق أم لم تكن ، و إذا كانت دعوى النفقة بسبب الزوجية ترفض إذا كانت الزوجية محل إنكار و لم تثبت بوثيقة رسمية ، فكذلك ترفض دعوى النسب إذا كان بسبب فراش الزوجية ، و أنكرت الزوجية و لم تستطع اثباتها بوثيقة رسمية بمقتضى منطق القانون ، و لا يجوز التفريق بين النسب و غيره من آثار الزوجية إذا كان أساس الدعوى فيه فراش الزوجية الصحيح ( الرأي لفضيلة الإمام / محمد أبو زهرة – الأحوال الشخصية – ص 272 و ما بعدها ، و قد أيده المستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق ص 134 و ما بعدها ) ، و الرأي كما هو واضح صدر في ظل العمل بالقانون الملغي رقم 78 لسنة 1931 .

تعليق على الرأي السابق و الوضع في ظل القانون الجديد :
الرأي السابق – مع اجلالنا لصاحبه و له – و إن كان على حق في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 وله سنده الصحيح الذي أؤيده، حيث إن دعوى الزوجية كان النص الملغي صريح في عدم سماعها إذا توافرت شروط ذلك ، إلا أنه بعد صدور القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فقد أصبحت دعوى الزوجية و بهذه الصياغة غير خاضعة للقيد الوارد بالنص و بالتالي يتعين قبولها و لو لم تكن هناك وثيقة رسمية بالزواج ، و إذن إذا كانت دعوى النسب أساسها الفراش الصحيح فلا يوجد ما يمنع قبولها .

و قد أكدت محكمة النقض في حكم حديث لها هذا الأمر، حيث أجازت اثبات وجود أو صحة الزواج ذاته عند الإنكار بكافة طرق الإثبات ، فقد قضت بأن :
” القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصرعلى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوز للزوج أو الزوجة إثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ” الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 – وارد بمؤلف المستشار/ أشرف مصطفى كمال – موسوعة قوانين الأحوال الشخصية – طبعة نقابة المحامين – الجزء الأول – ص 273 .

و الوضع بعد صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 لم يتغير عما كان عليه قبل صدوره فيما يتعلق بدعوى النسب و عدم خضوعها للقيد المشارإليه سلفاً ، لأن دعوى النسب لا زالت باقية على حكمها المقرر شرعاً و هو أن الولد للفراش ، فيثبت النسب بالزواج و لولم يكن ثابتاً في أية ورقة ، بأن كان شرعياً محضا ً ، و في حالة دعوى النسب المستندة إلى زواج عرفي ، لا يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم هذا العقد بل يكفي أن يثبت بالبينة حصوله و حصول المعاشرة الزوجية في ظله ، باعتبار البينة الشرعية هي إحدى طرق إثبات النسب ، كما أنه ليس بلازم أن يشهد الشهود بحضور مجلس ذلك العقد العرفي ، بل يكفي أن يشهدوا بعلمهم بحصوله لأن الشهادة بالتسامع جائزة هنا بشرط أن لا يصرح الشاهد في شهادته بلفظ أسمع أو سمعت . ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – الجزء الثاني ص 468 ، 472 )، فإثبات النسب يكون بكافة طرق الإثبات المقررة لذلك دون حاجة إلى وثيقة الزواج الرسمية أو العرفية .

و هذا ما تؤكده المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1920 بأحكام النفقة و بعض مسائل الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ، حيث نصت على أن : ( لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها و بين زوجها من حين العقد و لا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها و لا لولد المطلقة و المتوفي عنها زوجها إذا أتت به بعد سنة من وقت الطلاق أو الوفاة )، فقد حدد المشرع – حصراً – أسباب عدم سماع دعو النسب ، و ليس من بين تلك الأسباب عدم ثبوتها في وثيقة رسمية ، و قد أكدت محكمة النقض ذلك في حكم صادر منها بعد صدور قانون 1 لسنة 2000 حيث قضت بأن : ” عدم سماع دعوى النسب عند الإنكار. شرطه أن تأتي بالولد لم تلتق بزوجها من حين العقد أو أتت به بعد سنة من غيبته عنها أو من انقضاء فراش الزوجية بالطلاق أو الوفاة ز مادة 15 مرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1920 ” . الطعن رقم 152 لسنة 65 ق أحوال شخصية – جلسة 14/5/2001 – مجلة المحاماة – العدد الثاني 2002 – ص 224 .

5- دعوى المتعة : قد يثور التساؤل عما إذا كانت دعوى المتعة تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 أم لا ؟ .
ذهب البعض إلى عدم قبول دعوى المتعة لكون المشرع قد حرص على النص في المادة المذكورة على أن يقتصر الاستثناء في حالة إنكارالزواج و عدم ثبوته في وثيقة رسمية على قبول الدعوى بالتطليق أو الفسخ فقط دون غيرهما من دعاوى المطالبة بالحقوق المترتبة على الطلاق كالمتعة أونفقة العدة أو غير ذلك ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 210 هامش 4 ) ، و يرى البعض أنه لما كان نص المادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1925 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 يشترط لاستحقاق المتعة أن تكون الزوجة مدخولاً بها في زواج صحيح ، فإن إنكار المطلق لواقعة الزواج ذاتها يكون كافياً بذاته لعدم سماع الدعوى بالمتعة ( أ/ سمير عبد السميع – مرجع سابق ص 209 ). و هذا الرأي محل نظر ، ذلك أن المطلق إذا أنكر الزوجية فإن الزوجة لديها مكنة اثبات الزواج بأي دليل كتابي وفقاً لنص المادة 17 ، فإن أفلحت ثبت الزواج ، و لم يعد لإنكار الزواج من قيمة في هذه الحالة ، و لكن السؤال هل إذا ثبت الزواج و قضت المحكمة بالتطليق يكون للمطلقة حينئذ رفع دعوى المتعة ؟ الرأي عندي بالإيجاب، ذلك أن المشرع إنما منع – فقط – قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و بالتالي فالدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج تكون بمفهوم المخالفة مقبولة ، و لما كانت المتعة ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و إنما ناشئة عن واقعة الطلاق ، فإنها تكون مقبولة ، ذلك أن المقرر في قضاء النقض أن ( سبب الحق في المتعة هو الطلاق باعتباره الواقعة المنشئة لالتزام المطلق بها ، و الأصل في تشريعها جبر خاطر المطلقة و فيها ما يحقق المعونة المادية لها على نتائج الطلاق ) الطعن رقم 438 لسنة 65 ق – جلسة 17/4/2000 .

و لا يقدح في ذلك قالة أن المشرع استثنى من عدم القبول دعوى التطليق أو الفسخ دون غيرهما ، ذلك إن هذا الاستثناء من قبيل الاستثناء المتصل ، أي أنه استثناء من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، بمعنى أن المشرع جعل الأ صل عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، ثم استثنى من تلك الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج دعوى التطليق أو الفسخ ، فالأصل و الاستثناء متعلق بالدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فقط ، أما الدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج فهي مقبولة كلها بلا استثناء ، و منها دعوى المتعة على ما سبق بيانه .

6- الدعوى التي يرفعها الأب بضم الأولاد :
في حالة ما إذا تزوج رجل امرأة زواجاً عرفياً ، و أثمر هذا الزواج أولاداً ، ثم حدثت الفرقة بين الزوجين ، فهل يملك هذا الزوج في هذه الحالة المطالبة بضم أولاده من هذه الزوجة إذا بلغوا سن الحضانة غير الالزامية ، أي إذا أنهوا سن الحضانة الالزامية التي تقوم عليها النساء لزوماً و التي تنتهي ببلوغ الصغير خمس عشرة سنة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 ، فهل إذا بلغ الأولاد هذه السن يحق لأبيهم أن يطالب بضمهم رغم أنهم من زواج عرفي أم يخضع للقيد ؟ الرأي عندى أنه في هذه الحالة يملك الأب أن يرفع مثل هذه الدعوى ، باعتبار أن هذه الدعوى سببها البنوة و ليس الزوجية ، فكونهم أبناءه أي فرع له يعد السبب لهذه الدعوى ، و قد أكد هذا الرأي المتسشارأشرف مصطفى كمال معللاً ذلك بغلبة حق الصغير فيها و اتصالها بالنسب ( المرجع السابق ص 209 ).

بذا يكون الجزء الثالث من بحث الزواج العرفي قد انتهى ، و موعدنا بمشيئة الله تعالى قريباً مع الجزء الرابع و أوله ” الدعاوى التي لا يسري عليها قيد عدم القبول بنص القانون ” ، و لله الحمد من قبل و من بعد .

اشرف سعد الدين
المحامي بالاسكندرية