مناقشة قانونية لمبدأ الفصل بين السلطات

الاستقلال القضائي .. مبدأ الفصل بين السلطات
مركز الراي للدراسات

اعداد : المحامي د. محمد ملحم
كانون الثاني /2012
قال الله تعالى : ((«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّايَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا»(( . النساء آية (85)

قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لعلّ أحدكم أن يكون ألحنُ بحجته من أخيه فاقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قطعت له من حق أخيه شيء ، فإنما أقطع له قطعةً من النار)).

وقال سيدنا عمر في رسالته الى القضاه ((: إن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعه ، فإفهم إذا أدلى إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك .
البينة على من إدعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما او حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت فيه اليوم عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع الى الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه ، ثم أعرف الأمثال والاشباه ، وقس الأمور بنظائرها واجعل لمن إدعى حقا غائبا أو بينه أمدا ينتهي إليه ، فمن أحضر بينه أخذت له بحقه وإلا استحللت القضية عليه ، فإن ذلك أنفى للشك وأجل للعمى والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد او مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء او نسب فإن الله عفا عن الإيمان ودرأ بالبينات ، وإياك والقلق والضجر والتأفف بالخصوم فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذكر والسلام )).

وقال الزعيم مصطفى النحاس كلمة حق في القضاء (( معنى استقلال القضاء الذي وكلت حقوق الناس إليه، وأصبحت أموالهم وأرواحهم وديعة بين يديه، أن يجلس في محراب العدالة قبلته القسطاس المستقيم وغايته إحقاق الحق وإنصاف المظلوم، لا سيف من نقل أو عزل يُسلط عليه، ولا تهديد أو وعيد ينال منه، بل يختلي في صومعته المقدسة، هادئة نفسه، مطمئنا ضميره، يبحث وينقب ويراجع، ويقلب حتى يصل إلى ما يستريح إليه، وليس عليه من رقيب سوى علام الغيوب.. ألا ما أسعد مصر وحكومتها الشعبية إذا أحيط قضاتها بضمانات قرت بها أعينهم، ورفعت بين الناس ذكرهم، ومكنت لهم استقرارهم، فلا يُقال لقاض بعد اليوم عزلناك لأنك حكمت، أو أقصيناك لأنك تحديت وما خضعت))

لعل مما تقدم قد يغنينا عن كتابة أي شيء فالاية الكريمه والحديث الشريف والقول المأثور للخليفة العادل عمر بن الخطاب وكلمة حق من الزعيم المصري مصطفى النحاس لان ما ورد هي نبراس نستهدي به
لكن هذا لا يعني ان هناك نقصا سنقدمه او فراغا نكمله او فصاحه نقدمها او نصيحة نسديها انما هي ومضات من علم نبحث عنه ومن صفاء ونقاء تطهر به النفس مما علق بها .

بعد أن صدرت التعديلات الدستورية واصبحت نافذة مطلع تشرين /1/2011 وبالاطلاع الى احكام الدستور الخاصه بالسلطة القضائية فإن المادة 27 من الدستور نصت على مايلي : ((السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك))
المادة(97) ايضا نصت على مايلي : ((القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون))
المادة 90 /1و2و3 نصت على مايلي : ((-1 يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بارادة ملكية وفق احكام القوانين 2- ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين 3- مع مراعاة الفقرة (1) من هذه المادة يكون للمجلس القضائي وحده حق تعيين القضاة النظاميين وفق أحكام القانون.
وباستعراض هذه النصوص فإن الاستقلاليه جاءت واضحه وصريحه لا لبس فيها ولا تأويل ولا تفسير وحيث ان السلطة القضائية ملزمه بتقديم قانونها وكل ما يتعلق في القضاء ولان امور القضاء في غالبيتها تأخذ منحنى السريه وعدم التدخل وما ورشه البحر الميت الا دليل على عدم رغبة المجلس القضائي في اشراك فعاليات اخرى معه في صياغه قانون القضاء والمجلس القضائي واستقلال القضاء وهذا حق لهم .

لكنا من الوجهة الاخرى فالقضاء الواقف هم المحامون ولعلنا نكون منصفين في هذه الدراسه ان نقابة المحامين هي دائما تقف الى جانب القضاء ومواقف النقابة معلومه ومعروفه للجميع .
ولعلنا ومن خلال التجربة الطويله في مهنة المحاماة نود ان تقدم ما نراه مناسبا لقوة القضاء واستقلاله في جميع اموره الماليه والادارية والقضائية حتي يتم التطبيق الفعلي لمبدأ فصل السلطات دون أي تغول وعلى النحو التالي :

الاستقلال الإداري

الاستقلال الإداري للقضاء في تنظيم الشؤون الإدارية ذات الاختصاص القضائي منها كأن يكون تعيين القضاة أو عزلهم ونقلهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد ومساءلتهم تأديبيا أو جنائيا أو مدنيا ، هذه المسائل يجب أن تنظمها السلطة القضائية وأيضا جانب آخر مهم هو الاستقلال المالي للقضاء حيث إن تأسيس الموازنة المستقلة للقضاء يقلل الضغوط والتأثيرات في عمل السلطة القضائية ، وهناك الاستقلال الوظيفي للقضاء منها اختصاصات معينة و حصرية لا يمكن للسلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتدخل أو تعقب على عمل السلطة القضائية فلا يجوز لهاتين السلطتين إصدار القوانين أو القرارات التي من شأنها إيقاف تنفيذ أحكام المحاكم او التحقيق في تلك الاحكام .
يراجع بذلك د/ عادل عمر الشريف ، د/ ناثان ج براون ، احمد حموده

1) اما اهم العوامل التي تساهم في استقلال القضاء في بريطانيا فهي :

أولا : الاختيار: بهدف تعزيز استقلالية القضاء صُممت عملية اختيار القضاة بحيث تقلل من التأثير السياسي إلى أدنى حد ممكن. وتركز عملية الاختيار على الأعضاء المسيئين في سلك القضاء عوضاً عن التركيز على السياسيين.
ثانيا : الرواتب والمكافآت: يتم تحديد رواتب القضاة عن طريق هيئة خاصة لمراجعة الرواتب. حيث توصي الهيئة المذكورة الحكومة بعد الاستشهاد بأدلة مختلفة من مصادر متنوعة. تقبل الحكومة هذه التوصيات وجرت العادة على أن تنفذها بشكل كامل.
ثالثا : التنظيم: مهنة القضاء هي منظمة تنظم نفسها بنفسها، فمثلاً هي (أي المهنة) مسؤولة عن معاييرها المهنية وعن التعامل مع الذين لا يرتقون بعملهم إلى تلك المعايير. وفي حال حدوث الخلل المذكور فإن الهيئات التي تعمل على تصحيحه هي نقابة المحامين وجمعية القانون.
رابعا: ضمان البقاء في المنصب: طالما مارس القضاة عملهم «بشكل جيد» فإنهم يبقون في مناصبهم لحين رغبتهم بالتقاعد أو لحين بلوغهم السبعين من العمر.
خامسا : المعاهدات السياسية: هناك معاهدتان سياسيتان مهمتان تساعدان في الحفاظ على استقلالية القضاء.
أ) البرلمان لا يعلق على القضايا التي لا زالت منظورة امام المحاكم
ب) الامتياز البرلماني : حق اعضاء البرلمان في الحصول على امتيازات تحول دون محاكمتهم من قبل المحاكم .

الولايات المتحدة الاميركية

فإن الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة مثلاً أعضاء المحكمة العليا وجميع اعضاء محاكم الولايات ومحاكم الاستئناف حق البقاء في مناصبهم مدى الحياة. وللقضاة الفدراليين الآخرين حق البقاء في مناصبهم مدداً طويلة كأن تكون 15 سنة لقضاة المحاكم المختصة بقضايا الإفلاس. من الأعمدة الأخرى لاستقلالية القضاء هو الاختيار الصحيح للقضاة. فنقابة المحامين الأمريكية التي تدافع عن تعيين القضاة الذين إجتازوا لجان الكشف (أو ما يدعى بالاختيار على أساس الكفاءة) لا زالت في جدال مع برلمانات العديد من الولايات الأمريكية التي تفضل لإختيار القضاة بناء على انتخابات يشترك فيها الشعب ونحن لا نؤيد اتجاه انتخابات الشعب للقضاء الا اننا نؤيد ان يكون انتخاب عدد لا بأس به وليكن ثلثي اعضاء المجلس القضائي بالانتخابات على ان يكون المرشحين من الفئات العليا مثلا .

كندا

فإن الدستور يمنح المحاكم سلطات عليا بضمانات متنوعة لاستقلالية القضاء كما ورد في القسمين 96 و 100 من قانون الدستور لعام 1867. وتشمل هذه الحقوق حق بقاء القاضي في منصبه (رغم دخول تعديلات على الدستور المذكور إذ تم إدخال تعديل التقاعد الإجباري للقضاة عند سن 75 سنة) والحق في الحصول على راتب يحدده برلمان كندا (وكانت السلطة التنفيذية قبل ذلك تحدد راتب القاضي).

وفي عام 1982 تم توسيع إستقالية القضاء أكثر لتشمل المحاكم الصغرى المختصة بقانون العقوبات (ولم يشمل ذلك المحاكم المختصة بالدعاوى المدنية) وذلك وفق القسم (11) من الوثيقة الكندية للحقوق والحريات، وذلك رغم أنه في قضية فالنتي المقيدة ضد الملكة في عام 1985 إتضح بان تلك الحقوق هي حقوق محدودة. إلا ان تلك الحقوق تشمل رغم ذلك ضمان البقاء في الوظيفة وضمان الاستقرار المادي وبعض القيود الإدارية.

شهد العام 1997 تحولاً كبيراً في إتجاه تعزيز استقلالية القضاء حينما توصلت المحكمة العليا في كندا في قضية تحديد مؤهلات القضاة الإقليميين بأن هناك عرفاً دستورياً غير مدون يضمن الاستقلالية القضائية لجميع القضاة بمن فيهم قضاة المحاكم المدنية. وينص هذا العرف غير المدون على أن هذا العرف يرد ضمناً في ديباجة دستور عام 1867.
وبالنتيجة تقوم لجان التعويض القضائية في مقابل السلطة التنفيذية وحتى البرلمان برفع التوصيات الخاصة بتحديد رواتب القضاة ونحن نميل الى ان شروط تولي القضاء يجب ان تكون بمنتهى الدقة والشفافيه من حيث السن بما لا يقل عن 30 سنه وان يكون من حملة الدراسات العليا ( ماجستير على الاقل ) وان يكون ضليعا باللغة العربيه واحدى اللغات الاجنبيه كالانجليزيه والفرنسيه مثلا .

الكويت

تنص المادة 163 من دستور الكويت على ان « في إقامة العدل لن يخضع القاضي لاي سلطه ولا يسمح اطلاقا بأي تدخل في سير العداله ويكفل القانون استقلال القضاء وينص على الضمانات والاحكام المتعلقة بالقضاء وشروط عدم قابليتهم للعزل .

ولكن وبالرغم من وجود شبه تاييد شامل لفكرة استقلال القضاء تتفاوت الأنظمة الدستورية العربية الى درجة كبيرة في مدى التحديد التي يعطونها لهذا المفهوم فنجد على سبيل المثال ان لدى اليمن وفلسطين بعض الاحكام المفصله والدقيقه عن كيفية ضمان استقلال القضاء وبالنسبة للسودان ودولة الامارات لعربية المتحدة فتوضحان بلا اي لبس تنظيم المحاكم بشيء من التفصيل اما اليمن فتخطو الى ما هو ابعد من ذلك بحظر المحاكم الاستثنائية (المادة 148) بينما تؤيد المملكة العربية السعودية فكرة استقلال القضاء على مبادئ الشريعه الاسلامية (المواد من 46 الى 54) .

اعلان بيروت الذي عقد في حزيران 1999

والواقع ان اعلان بيروت يمثل نقطه الانطلاق المنطقيه لاي جهود اقليميه مستقبليه وذلك للتاكد من ان الالتزامات العامة تجاه استقلال القضاء قد تم التقيد بها .

وأهم ما جاء في التوصيات لهذا الاعلان مايلي :

1) تضمين مبادئ الامم المتحدة الاساسيه لاستقلال القضاء في الدساتير والقوانين العربية ، ولا سيما معاقبة اي تدخل في عمل السلطة القضائية .
2) على الدولة ان تكفل ميزانية مستقلة للقضاء شاملا كافة فروعه ومؤسساته وتدرج هذه الميزانيه كبند مستقل من بنود موازنة الدولة وتتحدد بناء على مشورة المجالس القضائية العليا داخل الهيئات القضائية .
3) لا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل في اعمال التفتيش القضائي بأي شكل من الاشكال ولا يجوز لها الاخلال بإستقلال القضاء من خلال الاوامر او المنشورات التعميميه .
4) تعتبر النيابه العامة فرعا من فروع القضاء وتكون السلطة المسؤوله عن الادعاء منفصله عن تلك المسؤوله عن التحقيق والاحالة .
5) يتمتع القضاه بالحصانه المرتبطه بوظائفهم وبإستثناء حالات الافعال غير المشروعه لا يجوز اتخاذ اي تدابير قضائية الا بعد الحصول على تصريح صادر عن اعلى مجلس قضائي .
6) لا يجوز نقل القضايا من القضاه الذي ينظرونها الى قضاة آخرين الا لاسباب تتعلق بعدم الصلاحية .
7) انه لمن المهم اصلاح الهيكله الادارية وآليات العمل الاخرى المتعلقة بعمل القضاه وتسهيل توفير الوسائل اللازمة لاقامة العدل على نحو يتسم بالكفاءه والفعاليه .
8) ان يرتبط عمل القضاء ببيئه ديمقراطية على اساس ان الديمقراطية هي المأخذ للتوصل الى ادارة اكثر فعاليه للعداله .
9) توزع القضايا فيما بين قضاة المحاكم المختلفه من خلال جمعياتها العامة او طبقا للوائحها الداخليه في حالة عدم وجود مثل هذه الجمعيات ويتم هذ التوزيع بكل يكفل عدم تدخل السلطة التنفيذية فيه .
10) للقضاة الحق في ممارسة حرية الاجتماع دون قيد ليتمكنوا من تمثيل مصالحهم المختلفه وفي هذا الصدد يكون لهم الحق في تأسيس تنظيم الغرض منه حماية مصالحهم وضمان الثبات في ترقياتهم .

حكم المحكمة الدستورية المصرية القضية رقم 34 لسنة 96 وأهم ما جاء فيها

1- يعني استقلال القضاء ان للقضاء الحرية في تقيم وقائع النزاع المطروح امامهم وتفسير القانون المعمول به دون اي ضغط مباشر او غير مباشر يفرضه عليهم الاخرون.
2- يجب ان يكون القضاء مستقلا فيما يخص كلا من سلطتي الحكومه التنفيذية والتشريعيه فعلى السلطة التفيذية الامتناع عن القيام بأي محاولات للتدخل في صدور الاحكام او في تنفيذها وعلى السلطة التشريعيه أن لا تناقض او تقوض الاحكام القضائية السابقة الصدور .
3- يعني استقلال القضاء انه يجب ان يكون للقضاه حق الدفاع عن استقلاليتهم في اطار حق الاجتماع المكفول لهم دستوريا
4- يقتضي استقلال القضاء ان يكون القضاة مستقلين عن بعضهم البعض وان لا يكون للأقدمية او التدرج الوظيفي القضائي اي تاثير على اداء القاضي لوظيفته .
5- يتطلب استقلال القضاء ان تطرح جميع المسائل ذات الطبيعه القضائية على القضاؤ وحده وان تعالج هذه المسائل فيما بينهم فعلى سبيل المثال يجب ان يكون عملية احالة القضايا على القضاه مسألة داخليه بحته تتم دون اي تدخل من اي جهه خارجيه
6- يستوجب الاستقلال القضائي ان يكون اي اجراء تأديبي يتخذ ضد القضاه مستندا فقط الى الادله والبراهين القاطعة والتي تثبت عدم قدره القاضي على اداء وظيفته كما يتطلب ان يؤمن لهم التثبيت في الوظيفه القضائية دون اي تهديد بتخفيض او تقيد الدرجة الوظيفيه اثناء مدة خدمتهم وان يتم تعيين القضاه لمدة طويله وان يتم اختيار القضاه بناء على معايير موضوعيه في اطار نظام الجداره .
7- يجب ان تخصص الدولة بإنتظام الموارد المالية الكافية للقضاء والا اصبح استقلال القضاء مجرد وهماً.

الضمانات

يتطلب استقلال القضاء وجود ضمانات ضد القوى الخارجية والداخليه كلاهما بمعنى آخر فإنه يستلزم تطبيقا فعالا وفعليا لمبدأ الفصل بين السلطات للوقاية من محاولات اغتصاب السلطة القضائية من قبل سلطات خارجيه (اي سلطات الحكومه الاخرى ) وبالاضافة الى ذلك فإنها ترمي الى حماية القضاه من التأثيرات غير المشروعه التي قد يتعرضون لها من داخل السلطة القضائية نفسها ( اي نفوذ شاغلي المناصب القضائية العليا او المجالس القضائية الادارية العليا ) .
وفي الكثير من نظم الحكم الديمقراطي الحديثة يتصرف القضاه باستقلاليه دون تدخل من السلطة التشريعيه او التنفيذية اللتين لا دور لهما في عملية اقامة العدل فتتحكم المحاكم في جميع الشؤون القضائية بما في ذلك المسائل الادارية والمالية .

المحطة الاولى : إن قانون استقلال القضاء رقم 15 لسنة 2001
و باستعراض جميع النصوص الوارده في استقلال القضاء الاردني فإنها جاءت متوافقة مع المفهوم العام للاستقلال القضائي بإستثناء المواد التالية :
المادة 14 : يجري التعيين بالوضائف القضائية بتنسيب الوزير وقرار المجلس وارادة ملكية
المادة 23/د :
للرئيس بتنسيب من الوزير انتداب أي قاض للقيام بمهام الأمين العام للوزارة لمدة ثلاثة أشهر وللمجلس بتنسيب من الرئيس تمديدها للمدة التي يراها ضرورية.
المادة 24/أ+ب
أ- للمجلس بتنسيب من الوزير تعيين قاض من الدرجة العليا ليشغل وظيفة أمين عام الوزارة.
ب- يجوز إعارة القاضي إلى الحكومات الأجنبية أو الهيئات الإقليمية أو الدولية بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب المجلس ، على أن تراعى بهذا الشأن التشريعات النافذة المفعول.
المادة 27 /ب+ج :
ب- كما ان للوزير ولرئيس النيابة العامة حق الأشراف الإداري على جميع أعضاء النيابة العامة وللنائب العام حق الأشراف على أعضاء النيابة التابعين له
ج- لوزير العدل حق الإشراف على أداء المحامي العام المدني ومساعديه وفقا للتشريعات النافذة المفعول.

المادة 41 :
على الرغم مما ورد في أي تشريع أخر يعتبر جهاز التفتيش القضائي تابعاً للوزارة ويقدم المفتشون تقاريرهم المتعلقة بالقضاة إلى الرئيس والوزير
المادة 43 :
في غير الحالات المنصوص عليها في هذا القانون تسري على القضاة أحكام نظام الخدمة المدنية وأي تشريع أخر يتعلق بالموظفين.
المادة 45 : لمجلس الوزراء اصدار الانظمة اللازمة لتنفيذ احكام هذا القانون بما في ذلك الانظمة الخاصة بالخدمة القضائية بإستعراض النصوص القانونية الصادرة وفق احكام القانون استقلال القضاء السالفة الذكر فإنها جميعا تخالف الدستور ويجب الغاءها من التشريعات الجديده استنادا الى نص المادة 98 من الدستور .

المحطة الثانيه : تطبيق هذا المبدا وفق احكام الشريعه الاسلامية .

يرى البعض ان تطبيق احكام الشريعه الاسلامية يتم دون ان تصل الى الدرجة الخاصة بالحدود وبعض المعاملات معتقدين من انها من الامور التي لا ينبغي بالضرورة التركيز عليها .
وحيث ان الاعمدة الرئيسيه في الشريعه الاسلاميه هي الشورى و العدالة و المساواه وحفظ النفس وحفظ المال ، هي اعمده يتعين ان تلتزم بها الدولة اضافة الى احترام حريات الناس وإذا كانت هذه المبادئ تقف على راس الاوليات في الشريعه الاسلاميه فإنه يتعين ان نبدا سويا بالتصدي الفاعل للفساد والمفسدين وان نقف سدا منبعا ضده مستندين بذلك الى قضاء فاعل ومستقل لانه وبدونه لن يكون عدلا ولا مساواه ولا شورى ولا احترام للنظام .

يقول : «د.احمد ابو المجد» اذ امتهن القضاء او مس استقلاله فقد مس كل حق وكل حرية وكل كرامه ويوم يهتز الكرسي تحت القاضي فقد اهتزت عروش كثيره واهتز الامن وانتشر القلق وضاعت الحقوق وامتهنت الحريات وأوشك قانون الغاب ان يحل وهنا تتضح العلاقة بين استقلاليه القضاء وتطبيق الشريعه الاسلامية .

ان القاضي في الدولة الاسلامية منذ قيامها في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحتى سنة 1924 كان نائبا للخليفه فكانت من سلطته وضع قواعد قانونية وسلطة تقديرية كبيره جدا في انشاء المحكام والعقوبات التعزيرية ولم يكن الخليفه بإستطاعته التعرض للقضاه ولعل رسالة سيدنا عمر بن الخطاب في امر القضاء تدل دلاله واضحه على عظم مسؤوليه القاضي واستقلاله واننا لنسعد بان هذه المدونه موجوده في غرفه كل قاضي في المملكه .

قيل في القضاء الكثير لكن اهم مما قيل وما ينبغي ان يكون نبراسا للقاضي(( القاضي بعزته نفسه وطهارته وكرامته وغضبة القاضي لسلطانه لا تقررها قوانين ولا تخلقها نصوص )) وعندما اهتم الفقه الاسلامي بشروط تعيين القاضي كما حددتها المادة (1792) من مجلة الاحكام العدلية من انه ينبغي ان يكون القاضي حكما فقهيا مستقيما مكينا متينا امينا فإن ذلك لا يخرج عن المبادئ العامه التي تنادي بها كافة المجتمعات ، ومن اولى مقومات استقلال القضاء وابرزها التكوين وتنميه مكانته وتدعيم قدراته وترسيخ معاني الحيده ومفهومها وتاكيد قدسيه وجلال رسالة القضاء في وجدانه فيما يرسخ مفهوم الحصانه والاستقلال والحيده واستقلال القضاء يعني عدم الخضوع للقواعد القانونية التي تخالف احكام الدستور وتمكين القاضي من ممارسة حقه في الامتناع عن تطبيق النص المخالف اينما ورد.

ان التفسير السليم للنص القانون يخلق عند القاضي الملكه القانونية وقوة الحجه وبيان المنطق وتحقيق العدل والمساواه ، ان القاضي يجب ان لا يكون خادما للنص بل هو منشء له و مفسراً ومقنناً ومقرراً .

الخلاصة والتوصيات

1) ان القضاء الاردني بفروعه بأمس الحاجة الى تطبيق احكام الدستور على مسيرته بحيث يتم فصل وانهاء دور وزارة العدل كليا عن شؤون القضاه والعاملين في السلك القضائي وانهاء دورها في الاشراف على دوائر التفتيش والمحامي العام المدني والنائب العام وان ينتهي دور السلطة التنفيذية بكل ما هو ماس بالقضاه .
2) فصل موازنة القضاء الاردني عن موازنة الوزارات والدوائر الاخرى بموازنه خاصه تشمل القضاء المدني والشرعي والعسكري والكنسي .
3) ان يتم انهاء والغاء موضوع قضاة المستقبل والغاء المادة (109) من قانون اصول المحاكمات والغاء ادرة الدعوى والوساطة .
4) ان يتم تعين كتبة المحاكم كقضاه ممن تنطبق عليهم شروط تولي القضاه
5) ان يتم الحد من تعين القاضيات للاسباب التالية :
أ- ان القاضية وحسب احكام قانون العمل والضمان الاجتماعي فإنها تحتاج الى ثلاثة اشهر امومه ومثلها اجازات عرضية وسنوية وهناك ستة اشهر عمليا وفعليا القاضية لا تداوم وهذا بحد ذاته يشكل خللاً قانونيا يجب اخذه بالاعتبار
ب- ان تعين الاناث كقضاه يخالف احكام الشرع الاسلامي ويترتب عليه مخالفه دستورية ( يراجع بذلك بحثنا في هذا الامر المنشور في جريدة الرأي – دراسات عام 2009 ) .
6) تعيين بعض المحامين الاكفاء في الدرجات العليا ورفد محكمتي الاستئناف والتمييز بهذه الكفاءات حتى لو كان بعقود مجزيه لأن هناك حقيقه هامه جدا ان المحامي الناجح في عمله ومهنته يرفض تولي القضاء وليس العكس صحيح اذ ان الكثير من المحامين الذين تبوءوا منصب القضاء ابدعوا فيه وتركوا بصمات منيره وان هذه المسألة يدخل فيها العنصرالمادي اذ ان المحامي الذي يفوق دخلة العشرة الاف دينار شهريا او اكثر من ذلك احيانا يكون من الصعب عليه ترك مهنته ومكتبه.
7) ان مسألة التحقيق في سلوكيات من سيتم تعيينه في القضاء يجب ان يؤخد في الاعتبار كأحد الشروط الاساسيه بحيث لا يكون في سلوكه لوثه حتى لو صغرت .
8) ان الذهنيه القانونية لن تكون مكتمله الا بعد ان يتم تأهيل القضاه وارسالهم في بعثات دراسيه لنيل درجة الدكتوراه في مجال اختصاصه وهنا نؤكد على مسالة اللغه الاجنبيه لان الرسول صلى الله عليه وسلم قال من تعلم لغه قوم أمن من شرهم
9) موضوع الاطلاع على الموسوعات القضائيه العالمية يحتاج الى فهم عميق للعلوم الالكترونيه المتطورة ساعه بساعه بحيث يواكب القاضي التطور الهائل في هذا الامر وهنا لا بد ان يكون القاضي ضليعا في استخدامه للحاسوب بشكل ممتاز
10) ان تهيئة قيادة جديده وواعية للجهاز القضائي تتطلب مرحليا وتدريجيا ان يتنحى من تلقاء نفسه كل قاضي يرى في نفسه قصورا مهما كان علما نا هناك قضاه كانو في قمة عطائهم تركو القضاء وهم شباب لعلة المرض .
11) ان القاضي ملقى على عاتقه احمالا تنأى بها الجبال وعليه فإن تحديد حد ادنى للتقاعد بـ 15 سنة فقط يحق بعدها للقاضي إحالة نفسه على التقاعد- اصبح ضرورة لأن القاضي دوامه الفعلي 16 ساعه في اليوم وليس 8 ساعات .
12) ان تهيئة مكان مناسب للقاضي واسرته اصبح ضرورة ملحة حتى يستطيع القاضي ان يلتقي مع اسرته سويعات اسبوعيا .
13) ان خطأ القاضي المتكرر في الاحكام التي يصدرها يجب ان يكون سببا لاحالته على التقاعد او انهاء خدماته وفق نظام يأخذ بعين الاعتبار كرامه ومهابه القضاء
14) الاعلام : يجب ان يكون هناك نص في قانون استقلال القضاء يمتنع من خلال على كافة اجهزة الاعلام ….. وما اكثرها هذه الايام ان تتناول القضاء علانيه وان يكون لهذه الاجهزة الحق في ان تقدم الى رئيس المجلس القضائي او جهاز التفتيش اي خلل وصل لعلمها دون اية مسآله .
15) الطبابه والعلاج : ان تخصيص اكثر من مستشفى خاص او عام لمعالجة القاضي وافراد اسرته اصبح ضرورة ملحه وفق نظام يصدر لهذه الغاية .
16) ان مسألة الاعفاء الجمركي لمركبه القاضي بإعتقادي فيها نظر من حيث درجة القاضي الذي يمنح هذا الامتياز هل تتدرج من قضاه الصلح الشباب الى البداية ام الاستئناف .والواقع ان قضاه محكمة الاستئناف وبعد طول خدمة اصبح لزاما على المجلس القضائي ان يحدد هذا الامر ضمن النظام لمنحهم الاعفاء الجمركي لقضاة محكمة الاستئناف او ممن في حكمهم.

وفي الختام لدينا الكثير لكن هذا ما رأيناه من واجب يحتم ان يمنح الانسان من وقته وجهدة بعضا مما يراه صحيحا او مطلبا او اجتهادا قد لا يستطيع صاحبة ان يجهر به .