الحقوق القانونية للمرأة في قانون الانتخاب الأردني

مدى دستورية تخصيص «كوتا» نسائية في قانون الانتخاب الأردني ؟
مركز الرأي للدراسات
اعداد : المحامي د. نوفان العجارمه
30/11/2011

– إن حقوق الإنسان أو الحقوق والحريات العامة، قد أقرتها مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وكذلك النظم الدستورية في عموم دول العالم المعاصر والمواثيق والاتفاقيات الدولية في إطار منظمة الأمم المتحدة. هذه الحقوق والحريات تقررت لعموم الأفراد رجالاً ونساء سواء بسواء، نتيجة طبيعتهم وصفتهم الإنسانية أو البشرية أو بسبب كونهم أعضاء في المجتمع.

وتُعد الحقوق السياسية من أهم الحقوق و الحريات العامة، كونها تسمح للأفراد بالمشاركة في الحياة السياسية وفى التعبير عن السيادة الشعبية وممارستها. وهي تشمل حق الانتخاب، ودون تفرقة بين الرجل والمرأة، كما يشمل أيضاً حق الترشح للمجالس النيابية والمحلية بغير قيود ودون تفرقة بين الرجل والمرأة، وذلك لعموم الأفراد بصفتهم المستقلة كمواطنين وليس فقط بصفتهم الحزبية أي كأعضاء ينتمون للأحزاب السياسية.

وعلى الرغم من اعتراف المشرع للمرأة الأردنية بالحق في الترشيح والانتخاب لمجلس النواب في عام 1974 ، إلا أن المرأة فشلت في الوصول لقبة البرلمان وبدأت سلسلة الفشل بترشيح 12 امرأة في انتخابات 1989 حيث لم تفز أي منهن ، وترشحت 3 نساء في انتخابات 1993 لكن واحدة تمكنت من الفوز عن طريق مقعد الشركس والشيشان . ولم تفز أي إمرأة في إنتخابات 1997 .
وعليه ، ومن أجل إعطاء دفعة قوية لدور المرأة على المستوى السياسي، جاء المشرع الأردني فأخذ بنظام تخصيص «كوتا» لتمثيل المرأة بالانتخاب على نحو فعال في السلطة التشريعية في الدولة ، إيماناً بأهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به في البرلمان الأردني بالنظر لتأصل وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وذلك بتعديل قانون الانتخاب المؤقت لعام 2001 ، من خلال تخصص (6) مقاعد كحد أدنى تتنافس عليها النساء إلى جانب الحق في المنافسة على المقاعد الأخرى كافة، وتم رفع العدد في الانتخابات الأخيرة(لسنة2010) ليصبح عدد المقاعد المخصصة للنساء (12) مقعدا من أصل (120) مقعدا أي ما نسبه 10% من مجموع مقاعد مجلس النواب .

وقد انقسمت الآراء بخصوص موقف المشرع بين مؤيد ومعارض، وعليه لا بد من عرض وجهتي النظر، مبينين وجهة نظرنا في النهاية .

الاتجاه المعارض لنظام الكوتا

لقد استند أنصار هذه الاتجاه إلى الأسانيد والحجج التالية:
لم يكن السبب الجوهري المشترك للمنتقدين، هو مخالفة النص على هذا النظام الجديد لمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات الذي قررته المادة (6) من الدستور والتي تنص على: (الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات، وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين) لأن هذا النظام الجديد يعطى تمييزاً ايجابياً للمرأة، والمفروض أن كل تمييز على أساس الجنس غير دستوري في مفهوم المادة (6) من دستور 1952 .

2. أن نظام الكوتا يخالف مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين المنصوص عليه في المادة (22) من الدستور والتي تنص على(1. لكل أردني حق في تولى المناصب العامة بالشروط المعينة بالقوانين والأنظمة.2. التعيين في الوظائف العامة من دائمة و مؤقتة في الدولة و الإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفاءات و المؤهلات ).

شبهة عدم دستورية نظام «الكوتا» تبقى قائمة من زاوية أخرى وهى أن تخصيص عدد من الدوائر بعينها تخصص لترشيح المرأة دون الرجل أمر غير منصوص عليه في الدستور ، وأن إغلاق دوائر على السيدات فقط فيه حرمان من الرجال للترشيح وهو ما يخالف مبدأ المساواة من تلك الناحية .
أن هذا النظام قد يؤدي إلى دخول نساء غير كفؤات للعمل بالبرلمان، فنظام الكوتا لا يفرز بالضرورة نائبات لهن فاعلية في إدارة الحوار البرلماني في العلاقة مع الحكومة ، لاسيما وأن المرأة ليس لها بعد رؤية في مسائل مفصلية مثل الديمقراطية ، والأزمات المجتمعية التي تهم عموم المواطنين . وأنه من الضروري استمرار نضال المرأة للحصول على حقوقها وعدم التعلق «بالكوتا» المخصصة لها.
تعارض هذا النظام – الكوتا – مع المبدأ الديمقراطي الذي يقضي بجعل كلمة الشعب هي فيصل الاختيار فإذا اختار الشعب كل ممثليه من النساء أو الرجال فتلك هي إرادته وهذا هو اختياره.

المرأة نصف المجتمع فلماذا تعامل على أنها أقلية وتحتاج تدابير معينة لإشراكها في الشأن العام أو الحياة السياسية ؟؟
نظام الكوتا يساعد على التباطؤ في أوساط النساء للسعي والمثابرة من أجل نيل حقوقهن .
من السهل الاستحواذ على المقاعد المخصصة لنساء ينتمين لطرف سياسي أو ديني معين.
يقول البعض إن نظام الكوتا في حد ذاته تمييز ، ونحن نسعى إلى تطبيق اتفاقية سيداو التي تنادي بمحاربة كافة أشكال التمييز فلماذا نحن هنا نرحب بهذا التمييز ونطلق عليه (التمييز ألايجابي) ؟؟

الاتجاه المؤيد لنظام الكوتا

يقول أنصار هذه الاتجاه أن الواقع الفعلي أثبت وجود فجوة في المشاركة بين الرجل والمرأة على صعيد الجنس في العملية الانتخابية وأثبتت التجارب والنتائج أن الرجال هم أكثر مشاركة من المرأة وأنهم يشاركون بمعدلات أكثر من المرأة في كثير من دول العالم ، ويمكن تقليص تلك الفجوة على صعيد الترشيح بين الجنسين من خلال تبني نظام الكوتا للأسباب و المبررات التالية:
يذهب جانب من أنصار هذا الاتجاه إلى تأييد كبير وترحيب للنظام الكوتا بتخصيص مقاعد للمرأة في مجلس النواب ، واعتبره نجاحاً ساحقاً وانتصاراً كبيراً يضاف إلى سجل انجازاتها في الحياة السياسية .
أن تمكين المرأة سياسياً بزيادة تمثيلها في البرلمانات والمجالس التشريعية والمحلية أمر مشروع لضمان وجودها، وبإتباع أساليب ونظم انتخابية تكفل ذلك. وأضاف صاحب هذا الرأي انه بالرغم من أن الدستور ساوى بين المرأة والرجل ، ولم يميز بين المواطنين حسب النوع ، إلا أن التجربة العملية تؤكد انه من الصعب تحقيق تمثيل أفضل للمرأة في البرلمان بدون استخدام أسلوب «الكوتا» على الأقل كمرحلة انتقالية .

كما ذهب رأي إلى انه رغم عدم تحبيذه لمبدأ «الكوتا» وتأييده لنظام القوائم الانتخابية النسبية كوسيلة لتمثيل فعال للمرأة ، إلا أنه رغم ذلك يؤكد أهمية العمل على إنجاح التجربة لمساعدة المرأة في البرلمان.
يساهم نظام الكوتا في تعزيز وتفعيل دور المرأة في المجتمع بشكل عام والحياة النيابية بشكل خاص من خلال إعداد كوادر نسائية لها ميزة في مجال العمل البرلماني تستطيع من خلالها نقل خبراتها في كثير من الموضوعات ، فالنساء كمواطنين في الدولة لا بد أن يكون لهن تمثيل متوازي في نسبتهن في المجتمع .
لا يوجد تمييز في نظام الكوتا حيث إنه يحقق للنساء عدد المقاعد التي كن سيشغلنها لولا العوائق الاجتماعية .

نظام الكوتا يضمن للمرأة تمثيل برلماني نظراً لصعوبة العملية الانتخابية بسبب هيمنة رأس المال الذي يصل إلى حد إنفاق الملايين على الحملة الانتخابية ،وغياب مؤازرة الرجال للمرأة، وسلبية الأحزاب وعدم الاهتمام بالكوادر النسائية لديهم ودعمهم وتأهيلهم سياسيا.

هل الكوتا النسائية تتفق وأحكام الدستور ؟؟

نحن نؤيد مع جانب كبير من الفقه الأخذ بنظام الكوتا، لأسباب عملية من ناحية ، وكون هذا النظام لا يخالف أحكام الدستور من ناحية أخرى، ومن شان هذا النظام أن يعود بالفائدة على المجتمع الأردني ، للأسباب و المبررات التالية:
أن إعلاء مكانة المرأة ومدى مشاركتها في الحياة السياسية، لا يتأتى بتعيينها في مواقع سياسية معينة قسراً، أو الزج بها في مكان قد لا تكون فيه على قناعة بدورها، أو بأن يتولى المشرع تحديد عدد من المقاعد النيابية تتبوأه رغما عن أنف الرجل وبصفة دائمة، وإنما يتأتى بتغيير الثقافة المجتمعية السائدة في المسألة السياسية والتي تقلل من شأن المرأة في خصوص هذه المسألة، والأخذ بيدها مؤقتاً وبشكل مرضى ومتدرج، حتى يتعود المجتمع على تواجدها، وتصبح من ثم أكثر تفعيلا ليس في المواقع السياسية فحسب، وإنما تصويتاً وترشحا للمجالس النيابية والمحلية، بل وحتى تثبت هي كفاءتها وجدارتها فى تلك المواقع. الأمر الذي يتطلب مساندتها والوقوف إلى جوارها، وهو ما تسعى إلى تحقيقه القيادة السياسية من خلال توفير حد أدنى من المقاعد في مجلس النواب عن ما يعرف بنظام الكوتا .

إن قضية تولي المرأة المناصب العامة( ومنها عضوية مجلس النواب) تتحدد نتيجة تفاعل ثلاثة عوامل ، الأول قانوني : والذي يتمثل بالنصوص القانونية التي تسوي أو تفرق بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة ،

والثاني قضائي يتمثل بموقف القضاء من السلطة التقديرية للإدارة بشأن التفرقة ما بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة ومدى إقراره أو تقييده لهذه السلطة ووضع الضوابط لها ،والثالث عامل اجتماعي سياسي يتمثل بمدى تهيؤ المجتمع وتقبله اجتماعيا وسياسيا لعمل المرأة بصفة عامة ، ولعدم أفضلية الرجل على المرأة بصفة خاصة. والملاحظ إن العامل الأخير قد يجعل من النصوص القانونية والأحكام القضائية مجرد هياكل لا روح فيها، عندما يسبق التطور القانوني في المجتمع التطور الاجتماعي والسياسي عندها تغدو النصوص القانونية، بلا شرعية اجتماعية، وعندها تفقد قيمتها الفعلية.
لا يوجد من يتوهم أن الحل الوحيد لقضية التمثيل البرلماني للمرأة الأردنية يكمن في تخصيص المقاعد ، لأن معنى هذا أن كل من هو غير قادر من الرجال على النزال الانتخابي لسبب أو لآخر يحتاج بدوره إلى حصص تخصص له، فالأمر ليس على هذا النحو من التسطيح؟؟

دور المرأة الأردنية في مجلس النواب أيا ما كانت انتماءاتها حيوي وجوهري في عملية التشريع والرقابة لأنها تعبر عن آلام ومشاكل الأسرة الأردنية مثل كل مجتمع له مشاكله بالضرورة ، وذلك بحكم أنها أم وربة منزل وتمثل نصف المجتمع .
مع الاعتراف بأن التجربة تمثل نوعاً من التمييز الايجابي، فليس فيها بالضرورة الحتمية خرقاً لمبدأ المساواة الذي هو ليس مبدأ مطلقا ، وذلك بالنظر لظروف المرأة الأردنية والتي تجعل وضعها الواقعي مخالفاً لوضع الرجل مما يقتضى تشجيعها ودفعها وتحفيزها.

هناك تجارب لهذا النظام في دول أخرى( أكثر من 27 دولة في العام) وحتى في فرنسا كقلعة من قلاع النظام الديمقراطي هناك من ينادى بقوة الأخذ بنظام «الكوتا» للمرأة الفرنسية لضعف تمثيلها نسبياً لدرجة عدم التوازن الشديد بالمقارنة للنواب من الرجال.

أن نظام الكوتا لا يخالف الدستور،فلا يوجد تعارض ما بين نص المادة (6) من الدستور والتي تنص على: (الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات، وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين) ، و المادة (22) من الدستور والتي تنص على(1. لكل أردني حق في تولى المناصب العامة بالشروط المعينة بالقوانين والأنظمة.2. التعيين في الوظائف العامة من دائمة و مؤقتة في الدولة و الإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفاءات و المؤهلات ). والمادة (67) من الدستور والتي تنص على( يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفاقا لقانون الانتخاب…)

وذلك للأسباب و المبررات التالية:

أ. يمكن تحقيق وضمان الشرعية الدستورية لنظام «الكوتا» الحالي للمرأة الأردنية في مجلس النواب من خلال مطلع المادة (67) من الدستور و التي تنص على (يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفاقا لقانون الانتخاب ) ويجوز أن يأخذ القانون(قانون الانتخاب) بنظام يجمع بين النظام الفردى ونظام القوائم الحزبية بأية نسبة بينهما يحددها . كما يجوز أن يتضمن حداً أدنى لمشاركة المرأة في مجلس النواب .

ب. أن النصوص الدستورية يجب أن تفسر بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله بما يقيم بينها التوافق بالنأي بها عن التعارض.

ت. أن الأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض ، وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي.

ث. أن التعارض أو التناقض بين النصوص و المبادئ الدستورية قد يكون تعارضاً ظاهرياً، وقد يكون تعارضاً حقيقياً ، وفي حالة وجود تعارض حقيقي فإن الأفضل هو الأخذ بقاعدة إعمال فكرة التوفيق بين النصوص المتعارضة، وقد صدرت أحكام عديدة عن المحكمة الدستورية العليا المصرية تبنت نفس الفكرة وهي التوفيق أو التوازن بين الحقوق الأساسية، مؤكدة على أن نصوص الدستور يكمل بعضها بعضا دون تصادمها أو تنافرها أو تهادمها لبعضها ولكنها تتكامل .وفي ذلك تقرر أن « نصوص الدستور لا تتصادم أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة ، ويتعين دوما أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل بل تتجانس معانيها وتتظافر توجهاتها ، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها يفترض العمل بها في مجموعها وشروط ذلك اتساقها وترابطها والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضموناً ذاتياً ولا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينفيها أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها متساندا معها مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها)).

ج. إذا كان المقصود من مبدأ المساواة أمام القانون هو خضوع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقا للهدف الذي توخاه القانون، فان هذا المبدأ يتحقق بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة أو بسبب يستند إلى المصلحة العامة إذا كان ذلك كله متفقاً مع الهدف الذي توخاه القانون.،فالمساواة هي المساواة القانونية وليست المساواة الحسابية، بمعنى أن من حق كل مواطن أن يحصل على ذات المعاملة إذا استوفى الشروط المقررة، وبالتالي فإن المساواة في المعاملة مشروطة بالمساواة في توافر الشروط ، ومن ثم فإن من حق المشرع أن يقيد التمتع بحق معين بتوافر حد أدنى من الشروط الجسدية كالطول أو العرض أو حدة الإبصار مثلا .

ح. أن المشرع يملك سلطة تقديرية واسعة في مجال تنظيم الحقوق وتحديد مجال الحريات التي تقبل تحديد الأطر والضبط وهي الغالب من الحريات بشرط ألا تنفصل تلك النصوص التي يقوم بوضعها عن الأغراض المخصصة لها وأن تكون مستنده إلى أسس موضوعية لا تحكمية ،فمن حق المشرع أن يضع تمييزاً معينا لفئة معينة طالما كان هذا التمييز مستنداً إلى واقع صحيح .فالتمييز الإيجابي الذي يمنح المشرع بمقتضاه ميزة قانونية لفئة من الأشخاص تواجه مصاعب تحد من قدرتها على ممارسة الحقوق والحريات التي أعترف لها بها الدستور على قدم المساواة مع باقي الفئات ، ويهدف المشرع من وراء هذا التمييز في المعاملة القانونية إلى معالجة عدم المساواة الفعلية بين الأفراد وتحقيق العدالة فيما بينهم.

خ. لقد أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر على أن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص لا يحظران بشكل مطلق جميع صور التمييز بين الأفراد ، وأنهما لا يتطلبان تحقيق مساواة حسابية كاملة فيما بينهم ، وإنما يحظران فقط صور التمييز القائمة على التحكم التي لا تقوم على أسس منطقية، والتي تؤدي إلى تطبيق قواعد قانونية مختلفة على الأشخاص الذين ينتمون إلى مركز قانوني واحد .

د. إذا كان الدستور والقانون قد أعطى للمرأة حقها في الترشيح للانتخابات مع باقي الفئات،و إذا كانت التجربة السياسية الأردنية تؤكد أنه من العسير الدفع بتمثيل للمرأة في البرلمان دون استخدام « الكوتا « ، وإذا كانت جميع الأحزاب السياسية عاجزة عن تحقيق ذلك ، فإن الأمر يتطلب تبرير نظام « الكوتا « حتى ولو بصفة مؤقتة حتى تصبح الظروف السياسية مهيأة أمام الناخبين لاختيار المرشح دون التعصب لجنس على حساب آخر ، مع تهيئة كافة الظروف في العملية الانتخابية لاختيار الأفضل دون وجود معوقات تمنع النساء من الوصول إلى المقاعد البرلمانية، لحين تهيئة هذه الظروف تصبح « الكوتا « حلاً مؤقتا أو كمرحلة انتقالية.
لذلك نوصي المشرع الأردني(في تعديله لقانون الانتخاب الحالي) إن يقصر هذه التجربة(نظام الكوتا) على فصلين تشريعيين فقط (المقبل وما يليه)، حتى لا يساعد نظام الكوتا على التباطؤ في أوساط النساء للسعي والمثابرة من أجل نيل حقوقهن، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، اعتقد أن هذه الفترة الزمنية (مع الفترات السابقة) كافية لمساندة المرأة حتى تثبت المرأة كفاءتها وجدارتها في هذا المواقع.

وأخيرا، نقول إن الأهم لدينا في نظامنا السياسي الآن مشكلة أخرى ، وهى إعادة الهيبة والثقة لأسلوب ونظام الانتخاب في الأردن بما ينهى حالة عدم الثقة لدى كثير من المواطنين في نزاهة وسلامة عملية الانتخاب. ونأمل أن تأتي التعديلات الدستورية ثمارها في إعادة الهيبة والثقة لأسلوب ونظام الانتخاب من خلال إيجاد الهيئة المستقلة للانتخابات .

المراجع

1. د. أحمد فتحي سرور – مبدأ المساواة في القضاء الدستوري . مقال منشور بمجلة الدستورية – السنة الأولى العدد الثاني ابريل 2003 .
2. د. محمد رفعت عبد الوهاب ، الحقوق السياسية للمرأة ، بحث منشور في مجلة الحقوق ، جامعة الإسكندرية ، ع1و2 ، ديسمبر، 2010 .
3. د. رمضان بطيخ ، المشاركة السياسة للمرأة المصرية- تصويتا وترشيحا، بحث منشور في مجلة الحقوق ، جامعة الإسكندرية ، ع1و2 ، ديسمبر، 2010 .
4. د. محمد فوزي، الكوتا النسائية في المجالس البرلمانية ، بحث منشور في مجلة الحقوق ، جامعة الإسكندرية ، ع1و2 ، ديسمبر، 2010 .
5. د. عبد العزيز سالمان – الحق في المساواة. مقال منشور بمجلة الدستورية . السنة السادسة . العدد الرابع عشر . أكتوبر 2008.
6. د . سليمان الطماوي : النظم السياسية والقانون الدستوري – دار الفكر العربي 1988.
7. د. يسري العصار، ب التمييز الإيجابي ومدى اتفاقه مع الدستور ، بحث منشور في مجلة الدستورية العدد الخامس السنة الثانية – إبريل 2004 .
8. حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 123 لسنة 15ق دستورية جلسة 5 فبراير 1994 ، جـ6 ص140 ، وحكمها في القضية رقم 15 لسنة 18ق دستورية جلسة 2 يناير 1999 . جـ9 ص133.