مناقشة قانونية حول المسؤولية القضائية

الغاية من القضاء إقامة العدل ، ولاشك ان القضاء مسئولية شاقة ، أساسها البحث والتنقيب عن الحق لدمغ الباطل ، والفصل في دماء وأموال وأعراض الناس ، لذلك يرتقي القاضي منصة العدالة ويحتل مكانة شريفه في مجتمعه ، باعتباره قدوة حسنة وانه من الواجب على المجتمع احترام القضاء وأحكامه ، ليسود العدل الذي هو أساس الملك .

القاضي بحكم طبيعة عمله لا يمكن ان يرضي كل الخصوم ، لان الخصم الذي يخسر دعواه لن يكون راضيا على القاضي ، لذلك كفل القانون للخصم حق الطعن بالحكم وكذلك حق التظلم من قرارات النيابة أمام القضاء ، أما غير ذلك فان القضاء يطهر نفسه بنفسه .

انطلاقا من ذلك نقول ( لا تقاضي القاضي حتى لا تقضي على القضاء ) .

والحقيقة ان العدالة تتولد في أعماق النفس ثم تكمن في ضمير القاضي ، والقاضي العادل المؤمن بالله يستطيع إظهارها مها كانت النصوص والوقائع مبهمة أو غامضة

فالقضاء يرتكز على الأخلاق الحميدة والضمير الحي للقاضي ، وهو ما يسمى بـ(روح القانون) بالإضافة إلى أسس وقواعد مكتوبة محددة سلفا تطبق على كافة الخصوم نستعرض هنا بعضا منها .

مبدأ حياد القاضي ويعني :

ألا يكون القاضي ميال لأي خصم عادلا في التعامل معهم وان يساوي فيما بينهم .

ألا يكون للقاضي مصلحة في الدعوى التي ينظرها حتى لا يكون هو الخصم والحكم

ألا يكون للقاضي رأي مسبق في الدعوى التي ينظرها .

ألا يقضي القاضي بعلمه الشخصي حتى لا يجمع بين صفتي الحكم والشاهد .

ألا يخل القاضي بحق الدفاع والمواجهة بين الخصوم .

يمتنع القاضي عن الحكم في الحالات التالية :

إذا كان جائعا أو عطشانا .

إذا كان غاضبا أو مهموما .

إذا كان موجعا أو حانقا ( أي بوله محتقن ) .

إذا كان مريضا أو حزينا .

مكارم الأخلاق في القاضي العادل :

الفطنة والعلم والثقة والحزم .

ان يكون ورعا مخلصا في نيته لله في طلب القضاء بالحق .

ان يكون غنيا غير محتاج لمال غيره وغير مدين لأحد .

ان يكون حليما فان الحلم دليل على الصبر والعلم .

ان يكون معروف النسب لانه لا هيبة لمجهول النسب .

الا يكون مشاكسا مخاصما يدعى ويدعى عليه لكثرة خلافاته .

ان يتشاور مع غيره من أهل العلم الثقات .

الا يكون مغرورا يتباهى بالجاه والمال والعلم .

ان يكون مؤدبا جميل المظهر وقورا لا يضحك إلا تبسما .

ان يترفع عن صغائر الأمور ومجالسة العامة .

لا يقبل الهدايا والخصومات على السلع والعروض المجانية .

ان يساوي التعامل بين الخصوم ولا يعبس في وجه احدهم .

الجهل القضائي .. كارثة :

ان يجلس القاضي على منصة القضاء وهو يعاني الجهل .. كارثة .

ان عدم إلمام القاضي بفنون وعلوم الرسالة التي يحملها .. كارثة .

ان عدم تحلى القاضي بمكارم الأخلاق التي يزدان بها كل قاضي .. كارثة .

لذلك يقول هيوز القاضي في محكمة العدل الدولية :

( ان القاضي غير الكفء هو شر بلية يمكن ان يصاب بها المجتمع ، ذلك لانه ان كان في وسعك ان تمتنع عن التعامل مع أي تاجر لا يروق لك فان هذا ليس هو الشأن مع القاضي .. فانك تقف أمامه مضطرا يتصرف في حاضرك ومستقبلك ولا مندوحة لك ان تبسط حججك أمامه .. وما أسوا المصير الذي ينتظرك على يديه اذا كانت تنقصه الكفاية في الخلق أو العلم أو في كلاهما .. ومهما يكن حسن النية فان ذلك لا يعوضك شيئا يكون قد أصابك من ضرر على يديه ) مجلة المحاماة المصرية (س68ع5و6) .

الفطنة القضائية :

يقول الأستاذ كالمندري :

( انني أحب القاضي الذي يحدق النظر في عيني حين مرافعتي ، فهو يشرفني بما يبديه من محاولة التغلغل إلى أعماق نفسي بحثا عن الحقيقة في ما وراء كلماتي وقد يكون التجاء القاضي الى مثل هذه الطريقة ليس إلا محاولة بارعة منه لتعرية نفسي والبحث عما فيها من إيمان صادق بما أقول ، ولكن اتجاهه هذا على أية حال يزيدني اطمئنانا الى صدق رغبته في كشف الحقيقة ، كما أحب القاضي الذي يقاطعني أثناء المرافعة افليست وظيفتي هي مساعدته على تحري وجه الحق ؟ )

ولاشك ان هذا سلوكا محمودا ان يتفاعل القاضي مع المحامي لإظهار وجه الحق في الدعوى فنجد بعض القضاة يناقش المحامي في القضية ، أو يوجه المرافعة إلى جزئيات معينة ، أو يطلب من المحامي ان يتكلم عن الشهود مثلا أو الاعتراف أو عن الدليل الفني ، ولاشك ان هذا يساعد على بيان الحقيقة ، ويحفظ الوقت الثمين للعدالة .

قاعة المحكمة ليست غرفة نوم :

خاطب احد القضاة دكتور في الجامعة قائلا له قل لطلابك :

( ان قاعة المحكمة ليست مسرحا لاستعراض المواهب والقدرات ، وانها ليست واجهة محل تجاري للإعلان عن بضاعتك ، وانها ليست قاعة محاضرات ، وانها ليست حفلة استقبال او صالون يتبادل فيه الزوار المجاملات ، وانها ليست صالة مبارزة )

فرد عليه الدكتور : وسأقول لهم أيضا بان قاعة المحكمة ليست غرفة نوم ) .

ظاهرة تسول الأحكام :

يتصرف بعض المحامين مع القضاة باحترام مبتذل ، او قل بصريح العبارة بنفاق مفضوح ، وبتملق مصطنع ، يظهر بصورة استعطاف واستجداء ، فيبدوا المحامي وكأنه يتسول الحكم من القاضي ، ان شاء منحه وان شاء منعه ، وكأن الأمر يتوقف على نسبة العطف والشفقة في قلب القاضي ، بما يتناقض والاحترام الحقيقي المتبادل بين الطرفين ، إلى أولائك نقول ما هكذا تكون الصنعة.

القضاء في القران :

قال تعالى :

وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (58) النساء

وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) المائدة

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)النساء

إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الانعام

ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) الانعام

قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) ص

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ص

القضاء في السنة :

( القضاة ثلاثة ، قاضيان في النار وقاض في الجنة ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو للنار ) حديث شريف

( ان الله مع القاضي ما لم يجر ، فإذا جار تخلى عنه و لزمه الشيطان ) حديث شريف

( يد الله مع القاضي حين يقضي ) حديث شريف

( يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة العذاب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ) حديث شريف

( من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين ) حديث شريف

( لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان ) حديث شريف

( قلت : يا رسول الله ! ألا تستعملني ؟ قال : فضرب بيده على منكبي . ثم قال ( يا أبا ذر ! إنك ضعيف . وإنها أمانة . وإنها يوم القيامة ، خزي وندامة . إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) حديث شريف .

( إن المقسطين ، عند الله ، على منابر من نور . عن يمين الرحمن عز وجل . وكلتا يديه يمين ؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) حديث شريف

( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) حديث شريف

( لا حسد إلا في اثنين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يعمل بها ويعلمها ) حديث شريف

( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء فقال إن الله تعالى سيهدي قلبك ويثبت لسانك إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء قال فما شككت في قضاء بعد ) حديث شريف

( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) حديث شريف

( عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم وإليه الحكم فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبد الله قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح قال: فأنت أبو شريح ) حديث شريف .

( من أعان على باطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ، ومن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليذله أذل الله رقبته يوم القيامة –أو قال : إلى يوم القيامة– مع ما يدخر له من خزي يوم القيامة ، وسلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه ، ومن استعمل رجلا وهو يجد غيره خيرا منه وأعلم منه بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ، ومن ولي من أمر المسلمين شيئا لم ينظر الله له في حاجة حتى ينظر في حاجاتهم ، ويؤدي إليهم حقوقهم ، ومن أكل درهم ربا كان عليه مثل إثم ست وثلاثين زنية في الإسلام ، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ) حديث شريف .

( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) حديث شريف .

( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ) حديث شريف .

أدعية مستحبة قبل المرافعة :

( الله اني أعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من البخل والجبن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ) حديث شريف .

( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير ، رحمن الدنيا والآخرة تعطيها من تشاء وتمنعها من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ) حديث شريف .

( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) حديث شريف .

( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي رب زدني علما ) حديث شريف .