عرض رسالة دكتوراه بعنوان:الضبطية القضائية في المملكة العربية السعودية”اختصاصاتها في مرحلتي الاستدلال والتحقيق” “دراسة مقارنة”
للباحث/ شارع بن نايف الغويري
أعد العرض
الرائد/ عبدالحفيظ بن عبدالله المالكي
مدير تحرير مجلة البحوث الأمنية
نشر في العدد (29) من مجلة البحوث الأمنية – ذو الحجة 1425هـ

مقدمة
الدراسة التي بين أيدينا بعنوان: الضبطية القضائية في المملكة العربية السعودية: اختصاصاتها في مرحلتي الاستدلال والتحقيق “دراسة مقارنة” قدمت عام 1424هـ الموافق 2003م لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق من قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق في جامعة القاهرة ـ تقع في 336 صفحة ـ من إعداد الباحث/ شارع بن نايف الغويري؛ عضو هيئة التدريس بقسم العلوم الجنائية، في كلية الملك فهد الأمنية. وقد أرجع الباحث سبب اختياره لهذا الموضوع إلى حاجة المكتبة العربية عموماً، والمكتبة السعودية خصوصا لمثل هذه الدراسة، خاصة بعد صدور نظام الإجراءات الجزائية السعودي بقرار مجلس الوزراء رقم 200 ، وتاريخ 14/7/1422هـ المتوّج بالمرسوم الملكي رقم م/39 في 28/7/1422هـ، بالإضافة إلى محاولة تسليط الضوء على السلطات التي يتمتع بها مأموروا الضبط القضائي “رجال الضبط الجنائي” في مرحلة التحقيق الابتدائي بمعناه الواسع؛ لعلهم يستفيدون من الاطلاع عليها، خاصة مع عرض الباحث للدور المنوط بأقرانهم في القانون المقارن بمزاياه ومثالبه، مما قد يساعد على الارتقاء بالدور الذي يقومون به، إضافة إلى توفير دراسة موضوعية متخصصة، قد يطلع عليها المنظِّم الوطني مما قد يسهم في التطور نحو الأفضل في هذا المجال.
منهج الدراسة
نهج الباحث في إجراء الدراسة الأسلوب الوصفي التحليلي لنصوص المواد القانونية (النظامية) الحاكمة لهذا الموضوع في نظام الإجراءات الجزائية السعودي، مقارنة بالقانونين المصري والفرنسي كأنموذج للقانون اللاتيني من جهة؛ وبالقانون الإنجلوأمريكي كأنموذج للقانون الأنجلوسكسوني من جهة أخرى، وذلك في محاولة لفهم أبعادها وقصد المشرع منها، من خلال تمحيصها بموضوعية لاستجلاء حقيقتها وتحديد موقفه تجاهها، كلما وجد مبرراً لذلك.
أهمية موضوع الدراسة
في هذه الدراسة يقرر الباحث أن التطور التشريعي في المجتمعات البشرية قاطبة قد عرف الكثير من الجرائم والعقوبات؛ في الوقت الذي كشف فيه عن حقوق أساسية للإنسان في مواجهة سلطات الدولة، ولذلك تسعى السياسة الجنائية المعاصرة إلى إقامة نوع من التوازن بين اعتبارات تحقيق العدالة والأمن وضمانات الحرية، ففي تلك الاعتبارات تكمن مصلحة المجتمع بأسره، وتشكل الحرية حقاً للفرد باعتبارها حالة أصيلة يولد عليها الإنسان، ومن ذلك تتضح أهمية نظام الإجراءات الجزائية، باعتباره أحد أدوات السياسة الجنائية للوصول إلى الحقيقة التي تعد غاية العدالة الجنائية، من خلال سعيه إلى مراعاة مصلحتين، مصلحة المجتمع في الإسراع بتوقيع جزاء عادل على مرتكب الجريمة اقتصاصاً لإخلاله بنظام وأمن المجتمع، والأخرى مصلحة الفرد (المتهم) في كفالة حقه في الدفاع عن نفسه، وتمكنه من إثبات براءته، وحفظ كرامته. أي إقامة نوع من التوازن بين مصلحتين تبدوان متعارضتين دون ميل أو شطط بإحداهما على حساب الأخرى، وبقدر نجاح هذا القانون في التوفيق بينهما تكون مثاليته.
ويرى الباحث أن من بين الأجهزة العاملة على إقامة ذلك النوع من التوازن من خلال ما تسهم به من عون لقضاء الحكم في النهوض بمهامه وتطبيق النصوص ذات الصلة، جهاز الضبطية القضائية، أو ما يعرف في المملكة العربية السعودية بالضبط الجنائي، الذي يختص أساساً بوظيفة تمهيدية سابقة على مرحلتي التحقيق والمحاكمة، تهدف إلى اكتشاف الجرائم، وجمع المادة الحاوية لأدلة الدعوى ودلائل إثبات الاتهام، وضبط مرتكبها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات، ويطلق على المرحلة التي تباشر فيها هذه الوظيفة مرحلة جمع الاستدلالات.
وإذا كان هذا هو الاختصاص الأصيل لمأمور الضبط القضائي “رجل الضبط الجنائي”، فإنه قد مُنح ـ بصفة استثنائية بموجب النظام ـ الحق في القيام ببعض الإجراءات التي تختص بمباشرتها أصلاً سلطة التحقيق، والتي فيها مساس بحريات الأفراد وحرماتهم، وذلك في حالة التلبس بالجريمة وحالة الندب للتحقيق. وقد مُنح مأمور الضبط القضائي “رجل الضبط الجنائي” سلطات استثنائية بالتحقيق الابتدائي لعدة اعتبارات، لعل من أهمها أنه في حالة التلبس بالجريمة، تكون هناك حالة استعجال تتطلب اتخاذ ما يلزم من إجراءات بأسرع وقت ممكن تقتضيها مصلحة المجتمع، علاوة على أن ظهور الأدلة والمتهم متلبس بالجريمة، يستبعد معه الافتئات على الحريات الشخصية. كما أن حاجة السلطة المختصة بالتحقيق أصلاً إلى توفير الوقت والجهد للنهوض بأعبائها ومسئولياتها الجسام، جعلت لها الحق في الاستعانة به وندبه للقيام ببعض الإجراءات تحت إشرافها ولحسابها. ونظراً لأهمية الدور الملقى على كاهل مأمور الضبط القضائي “رجل الضبط الجنائي” وحيويته في ذات الوقت، فقد اقتضى الأمر وضع تنظيم لعمل الجهاز الذي يتصف بصفته، مما يوضح اختصاصه، والقواعد المتعين عليه مباشرته وفقاً لها.
تقسيم الدراسة
على ضوء ما سبق؛ قام الباحث بتقسيم الدراسة إلى أبواب ثلاثة، خصص التمهيدي منها للوقوف على الضبطية القضائية من خلال التمييز بين الضبطية الإدارية، والضبطية القضائية من جهة، وعن صفة الضبطية القضائية من جهة أخرى. أما الباب الأول فموضوعه الاختصاصات الأصلية لمأمور الضبط القضائي، سواء ما أرتبط منها بوصفه أحد رجال الضبط الإداري أصلاً، أو ما كان متصلا بوصفه المميز من بين رجال الضبط الإداري والمتمثلة في الاختصاصات الممنوحة له في مرحلة الاستدلال. وينصب الباب الثاني على دراسة الاختصاصات الاستثنائية لمأمور الضبط القضائي والتي مصدرها حالة التلبس بالجريمة، وما إذا ندب للقيام بإجراء من إجراءات التحقيق من قبل سلطة التحقيق الأصلية. ثم اختتم الباحث دراسته بأهم النتائج التي توصل إليها، وما يراه من توصيات، كما سيأتي بيانه في سياق هذا العرض.
الباب التمهيدي
في الباب التمهيدي تحدث الباحث عن الضبطية القضائية من خلال فصلين؛ خصص الأول منهما لإلقاء الضوء على الضبطية الإدارية والضبطية القضائية؛ حيث يرى أن الفقه عند دراسته لوظائف الدولة الحديثة تجاه الجريمة يميز بين وظيفتين متباينتين، هما وظيفة الضبط الإداري ووظيفة الضبط القضائي، ولكل منهما نشاطه المتميز عن الآخر، فالوظيفة الأولى تدور حول منع الجريمة باتخاذ التدابير الأمنية اللازمة للوقاية منها، وتتجه الثانية نحو تعقبها بعد وقوعها، بالبحث عن مرتكبها، وجمع الاستدلالات اللازمة لمباشرة التحقيق في الدعوى الجنائية. وفي هذا الفصل عرف الباحث الضبطية الإدارية من خلال بيان مفهوم الضبط الإداري وتعريفه، وأهدافه وطبيعته وخصائصه. كما تحدث عن أهمية التمييز بين الضبط الإداري والضبط القضائي، وبيان المعيارين الفقهي والقضائي للتمييز بينهما.
أما الفصل الثاني من الباب التمهيدي فقد جعله الباحث لبيان ماهية الضبطية القضائية من خلال التعريف بمفهوم الضبط القضائي وأغراضه وخصائصه، وضوابط اختصاص مأمور الضبط القضائي، سواء الاختصاص النوعي العام أو الاختصاص النوعي المحدد لمأمور الضبط القضائي، ثم الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي من جهة ضوابط تحديده، والخروج على قواعد الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي، حيث يرى الباحث أنه يستدل على مفهوم الضبط القضائي من خلال الوظيفة التي يقوم بها، والمتمثلة في البحث عن الجرائم ومرتكبيها، وجمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق الابتدائي بمعناه الفني، ولا تتجسد هذه الوظيفة في الواقع إلا بصدد جريمة ما وقعت بالفعل بغية الوصول إلى الاقتصاص من فاعلها، أي أنها مهمة لا تبدأ إلا بعدما تقع الجريمة، مما يجعلها تختلف عن مهمة الضبط الإداري التي تتمثل في مجموعة إجراءات مانعة للجريمة.
الباب الأول
جاء الباب الأول من الدراسة بعنوان “الاختصاصات الأصلية لمأمور الضبط القضائي” وفيه يرى الباحث أن مأمور الضبط القضائي يباشر مهامه الرئيسية الاعتيادية بصفتين لا يمكن فصلهما عن بعضهما دونما تحليل لطبيعة العمل الذي يقوم به، فهو من جهة يباشر مهمته في المحافظة على النظام العام في المجتمع بصفته الإدارية، ويتخذ من الإجراءات ما يكفل ذلك دون تعسف أو شطط، وقد تختلط هذه الإجراءات لأول وهلة مع إجراءات التحقيق التي لا يملكها، ومن جهة أخرى يقوم مأمور الضبط القضائي بمهام تميزه عن غيره من رجال السلطة العامة، وتتمثل هذه المهام في الاختصاصات الممنوحة له في مرحلة الاستدلال، سواء كانت في هيئة واجبات مفروضة عليه أم كانت في هيئة سلطات مخولة له في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل الدعوى الجنائية، والتي تدخل في معنى التحقيق الابتدائي بمعناه الواسع.
وبناء على ذلك فقد قسّم الباحث الباب الأول من دراسته إلى فصلين جاء الأول بعنوان “مباشرة مأمور الضبط القضائي لمهامه محافظة على النظام العام”، والفصل الثاني بعنوان “اختصاصات مأمور الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال” وقد تحدث في الفصل الأول عن استيقاف الأشخاص والتحفظ عليهم من خلال بيان استيقاف الأشخاص كإجراء تحر، موضحا مفهوم الاستيقاف المشروع، والتمييز بين الاستيقاف والقبض، وكذلك التحفظ على الأشخاص كإجراء استدلال، مبينا مفهوم التحفظ على الأشخاص، والتمييز بين التحفظ على الأشخاص والقبض. ثم تحدث عن دخول الأماكن والتفتيش ذي الطبيعة الخاصة، من حيث مدى حق مأمور الضبط القضائي في دخول المساكن، والضرورة كمبرر لدخول المسكن، ورضا صاحب المسكن بدخوله، ثم دخول الأماكن العامة والتفتيش ذي الطبيعة الخاصة، ودخول الأماكن العامة على سبيل الاستدلال، والتفتيش كإجراء استدلال.
أما الفصل الثاني “اختصاصات مأمور الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال” فقد تحدث فيه الباحث عن واجبات مأمور الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال، وشمل ذلك قبول التبليغات والشكاوي، وإجراء التحريات اللازمة لكشف الجرائم، وجمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق، وتحرير محاضر جمع الاستدلالات. ثم تحدث عن سلطات مأمور الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال؛ من حيث سلطة مأمور الضبط القضائي في سماع الشهود، وسؤال المتهم. وقد خلص الباحث إلى أن السلطة المخولة لمأمور الضبط القضائي في سؤال المتهم تقتصر على مجرد الاستفسار منه عما نسب إليه دون طرح أسئلة تفصيلية دقيقة أو محاولة استدراجه للإيقاع به، أو مواجهته بأي دليل كان ضده، لأن ذلك كله خارج عن نطاق مرحلة الاستدلال. ثم بيّن الباحث بعد ذلك سلطة مأمور الضبط القضائي في التحفظ على مكان الواقعة وندب الخبراء، حيث يرى أن مأمور الضبط القضائي قد منح بعض السلطات اللازمة لقيامه بواجباته كمختص بأعمال الاستدلال، ومن بين هذه السلطات أن له المحافظة على مكان الجريمة بما يكفل الحفاظ على ما قد يكون على مسرحها من أدلة، وله ندب الخبراء من أطباء وغيرهم للحصول على معلومات ذات طابع فني لا يملك القيام بها بنفسه.
الباب الثاني
جاء الباب الثاني من الدراسة بعنوان “الاختصاصات الاستثنائية لمأمور الضبط القضائي” وقد قسّمه الباحث إلى فصلين خصّص الأول منهما للحديث عن التلبس كمصدر لاختصاص مأمور الضبط القضائي بالتحقيق، وجعل الفصل الثاني للحديث عن الندب كمصدر لاختصاص مأمور الضبط القضائي بالتحقيق، وهنا يبين الباحث أن مأمور الضبط القضائي يختص بمهمتين أولاهما تتمثل في وظيفته كرجل ضبط إداري من خلال الدور الذي يقوم به محافظة على النظام العام، والأخرى وظيفة تمهيدية تسبق مرحلة التحقيق بمعناه الفني، هدفها الكشف عن الجرائم، وجمع ما يلزم من أدلة، وضبط مرتكبيها، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات. وتسمى هذه المرحلة مرحلة جمع الاستدلالات. وإذا كان هذه هو الاختصاص الأصلي لمأمور الضبط القضائي؛ فإن النظام قد أجاز له استثناء مباشرة بعض إجراءات التحقيق التي تختص بها أصلا سلطة التحقيق، كإجراءات القبض والتفتيش، وذلك في أحوال التلبس بالجريمة، وكذلك عندما يوعز إليه القيام بإجراء أو أكثر من قبل السلطة المختصة بالتحقيق في حالة الندب للتحقيق. ويرجع هذا الاستثناء في هذه الأحوال إلى أن إجراءات التحقيق أساسا من اختصاص سلطة التحقيق التي راعى المنظِّم في اختيار القائمين بها شروطا تتناسب مع خطورة الدور الذي يقومون به، وأهمها التأهيل لإدارة التحقيق، غير أن المنظِّم لم يلتزم بهذا الأصل على إطلاقه، فخرج عليه في بعض الحالات نزولا عند حكم الضرورة. ولما كانت الضرورة تقدّر بقدرها فقد حرص المنظّم على حصر هذا الاستثناء في الأحوال الاضطرارية، وأحاطه بضوابط محددة بما يضمن ممارسته في أضيق الحدود، بحيث لا يجوز التوسع فيها، أو القياس عليها صيانة للحقوق والحريات.
وفي ذات السياق تحدّث الباحث عن حالات التلبس بالجريمة، سواء التلبس الحقيقي “الفعلي” أو التلبس الاعتباري “الحكمي” ، وشروط صحة التلبس بالجريمة، من حيث مشاهدة مأمور الضبط القضائي بنفسه حالة التلبس، وشرعية مشاهدة مأمور الضبط القضائي بنفسه حالة التلبس، وبيان سلطات مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس، سواء من جهة ضوابط سلطة مأمور الضبط القضائي بالقبض على المتهم في حالة التلبس، أو من حيث أثر توافر ضوابط سلطة مأمور الضبط القضائي بالقبض. ثم انتقل بعد ذلك لبيان سلطة مأمور الضبط القضائي بالتفتيش في حالة التلبس، سواء كان الأمر يتعلق بتفتيش الأشخاص أو تفتيش المساكن.
أما الفصل الثاني من الباب الثاني فقد خصصه الباحث للحديث عن الندب كمصدر لاختصاص مأمور الضبط القضائي بالتحقيق؛ وفيه يؤكد أن اختصاص مأمور الضبط القضائي يقتصر أصلا على أعمال الاستدلال دون أعمال التحقيق الابتدائي بمعناه الفني الذي تستأثر بها سلطة التحقيق دون غيرها؛ ومع ذلك فقد أجاز النظام لسلطة التحقيق الاستعانة بمأمور الضبط القضائي للقيام بإجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق باسمها ولحسابها وتحت إشرافها. وهذا الإجراء يعرف بالندب للتحقيق، والذي يصبح بموجبه مأمور الضبط القضائي مختصا بأعمال التحقيق الابتدائي استثناء. ولذلك تحدث الباحث في هذا الفصل عن ماهية الندب للتحقيق، وطبيعته ومبرراته، ثم الضوابط العامة للندب للتحقيق. وعن الشروط العامة لصحة الندب للتحقيق، والشروط الخاصة بصحة أمر الندب ذاته، والآثار القانونية للندب للتحقيق من جهة تقيّد المندوب بحدود التكليف، وتقيّد المندوب بالنطاق الزمني للقرار.
أهم نتائج الدراسة
بعد أن انتهى الباحث من دراسته حول الضبطية القضائية في المملكة العربية السعودية، واختصاصاتها في مرحلتي الاستدلال والتحقيق، مقارنة بما هو عليه واقع الحال في القانون المقارن ممثلا في القانون الفرنسي والمصري من جهة والقانون الأنجلوأمريكي من جهة أخرى؛ توصل إلى النتائج التالية:
خلا نظام الإجراءات الجزائية السعودي من النص الصريح على الاختصاص النوعي لمأمور الضبط القضائي، سواء العام منه أو الخاص، على أن الواقع العملي ينبئ عن وجود هذا الفرق في نوع الاختصاص.
لم يصرح نظام الإجراءات الجزائية السعودي بالنص على جواز خروج مأمور الضبط القضائي عن حدود اختصاصه المكاني، مع غياب دور القضاء الشرعي في المملكة عن المساهمة في إرساء قواعد قانونية شرعية إجرائية، خلافاً لمحاكم القانون في القانون المقارن، كمحاكم النقض مثلاً.
لم ينص نظام الإجراءات الجزائية السعودي على الاستيقاف المشروع للأشخاص، مع غياب دور القضاء المنوه عنه في الفقرة السابقة.
خلا نظام الإجراءات الجزائية السعودي من النص الصريح على إجراء التحفظ على الأشخاص وإن وجد ما يشير إليه في مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام.
إن مأمور الضبط القضائي ـ بصفته من رجال السلطة العامة في المملكة العربية السعودية ـ يملك حق دخول مسكن غير المتهم في حالة مطاردة متهم (متعد) كحالة ضرورة، وهذا لا اعتراض عليه. غير أن ما قد يختلط معه هو تعقب متهم بقصد تنفيذ أمر بالقبض عليه، وهو ما لا يجسد حالة الضرورة.
لم يميز المنظم السعودي في حالة التلبس بين الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف وغيرها من الجرائم التي لا توجب التوقيف، مما يعني غياب أحد الضوابط الهامة لنهوض الاختصاص الاستثنائي لمأمور الضبط القضائي بالتحقيق والمؤسس على حالة التلبس.
الفترة الزمنية التي تستمر فيها الجريمة متلبسا بها ـ خصوصاً في حالة التلبس الحكمي ـ غير محددة بدقة.
أعطى نظام الإجراءات الجزائية السعودي لمأمور الضبط القضائي الحق في تفتيش منزل المتهم في حالة التلبس دونما بيان لدرجة جسامة الجريمة، وكذلك تفتيش شخص غير المتهم على الرغم من وضوح نصوص المواد المنظمة لذلك من ذات النظام.
لا يوجد في نظام الإجراءات الجزائية السعودي ما يمنع من ندب مأمور الضبط القضائي للقيام بعمل أو أكثر من أعمال التحقيق الابتدائي مع محام، ناهيك عن خلو نظام المحاماة السعودي من النص على ضمانات الدفاع، والمتمثلة في حماية السر المهني للمحامي.
نهج المنظم السعودي ما سار عليه كل من المشرعين المصري والفرنسي، بعدم النص الصريح على أمد محدد لأمر الندب، خلافاً لما أخذ به القانون الأنجلوأمريكي.
التوصيات
تأسيسا على النتائج السابقة اختتم الباحث الدراسة بالتوصيات التالية:
يوصى الباحث بضرورة النص صراحة في صلب نظام الإجراءات الجزائية السعودي على الاختصاص النوعي لمأمور الضبط القضائي العام منه والخاص، فما دام الواقع العملي يشهد مثل هذا التمييز فما الضير من وضوح ذلك بنص النظام؟.
يوصي الباحث بضرورة النص الصريح على جواز خروج مأمور الضبط القضائي عن حدود اختصاصه المكاني في أحوال الاستعجال، خاصة في ظل اقتصار دور المحاكم الموقرة في المملكة العربية السعودية مقارنة بقضاء القانون المقارن على الفصل في الموضوع.
يهيب الباحث بالمنظم السعودي أن ينص على الاستيقاف المشروع للأشخاص، خاصة مع اقتصار دور المحاكم السعودية على الفصل في الموضوع وإحجامها عن الإسهام في إرساء قواعد إجرائية، كما هي عليه الحال في القضاء المقارن.
لما في التحفظ على الأشخاص من مساس بالحرية الشخصية من جهة، وحاجة الواقع الأمني إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء من جهة أخرى، خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة ومواجهة الإرهاب، يوصي الباحث بالنص الصريح على هذا الإجراء في نظام الإجراءات الجزائية السعودي.
يوصي الباحث بعدم الخلط بين المطاردة الساخنة لمعتد بقصد القبض عليه ـ التي تبرر دخول مسكن الغير وفقاً لنص المادة (41) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي ـ وبين تنفيذ أمر القبض على متهم، فالأخير لا تنطبق عليه أحكام المادة المذكورة، ويلزم لدخول المسكن لتنفيذه استصدار أمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام، ويكفل وضوح هذا الفارق بين الصورتين تنظيم دورات مشتركة بين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ومأموري الضبط القضائي لشرح نظام الإجراءات الجزائية وأحكامه.
يوصي الباحث بضرورة تحديد العقوبة الواجبة التطبيق على ما يخالف أحكام المادة (32) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، سواء أكانت عقوبة بدنية أم مالية، غاية الأمر هو ضرورة التقيد بمبدأ الشرعية الجنائية، فلا عقوبة ولا جريمة إلا بناء على نص، وذلك تقيداً بالنظام الأساسي للحكم، خاصة في المادة (38) منه، فحيث تم تحديد السلوك المحظور وجب تحديد العقوبة الملائمة.
يوصي الباحث بضرورة النص على ضابط جسامة الجريمة في حالة التلبس وضرورة إدراكها بوضوح تام، خاصة في حالة التلبس الحكمي (الاعتباري) وتحديداً في صورتها الثانية والمتمثلة في مشاهدة أدلة الجريمة. فلفظ “بوقت قريب” مدعاة لنسبية التقدير، مما يجعله محل اختلاف بين مأمور ضبط قضائي وآخر كل حسب خبرته وثقافته. لذا يقترح الباحث تحديد هذه المدة بأربع وعشرين ساعة من لحظة ارتكاب الجريمة.
يوصي الباحث بإعادة النظر في صياغة المادة (43) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي بحيث تصبح كالتالي: “يجوز لرجل الضبط الجنائي في حالة التلبس بجريمة من الجرائم الموجبة للتوقيف، أن يفتش منزل المتهم ويضبط ما فيه من الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة، إذا اتضح من أمارات قوية أنها موجودة فيه”. وفيما يتعلق بغير المتهم يرى الباحث أن تفتيشه أو تفتيش مسكنه مقصور على سلطة التحقيق الأصلية أو بأمرها، وذلك وفقاً لنصوص المواد: (42)،(54)،(80)،(81) من ذات النظام.
التحقيق مع محام يجب أن يكون بمعرفة المحقق المختص دون غيره. لذا يوصي الباحث بعدم جواز ندب مأمور الضبط القضائي للقيام بأي عمل من أعمال التحقيق الابتدائي مع محام، وذلك دعماً لضمانات الدفاع.
يوصي الباحث بضرورة تحديد أمد زمني معين لأمر الندب بحيث لا يتجاوز سبعة أيام من تاريخ صدوره، وذلك حتى لا يكون هذا الأمر سيفاً مصلتا على رؤوس العباد من جهة، ولكي يدرك كل من النادب والمندوب أهمية الإسراع بتنفيذ مقتضاه بما يخدم مصلحة العدالة، وأمن المجتمع من جهة أخرى.