مقال يوضح مدى فعالية قوانين الاستثمار وأفق إدارة الحالة العراقية

بعد التغيير السياسي الذي حصل عام 2003 وما رافقه من فعاليات سياسية متعددة انعكست على قطاعات الدولة كافة، الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وجاء في الدستور الدائم لجمهورية العراق لعام 2005 ان الدولة تكفل تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة وينظم ذلك بقانون (م/26) من الدستور والمادة (27/أولاً) من الدستور نصت (للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن) بناءاً على ذلك صدرت قوانين خاصة بالاستثمار وإدارة الحالة العراقية، ويلاحظ ان تلك القوانين قد شرعت على عجل وفي ظروف غير طبيعية صاحبت الإدارة في اعمالها، نسجل عليها الملاحظات الآتية نتطلع لسلطات الدولة العراقية ذات الصلة المبادرة الى معالجتها تحقيقاً للصالح العام:

1- الاستثمار حالة عالمية في إدارة النشاط الاقتصادي لتنمية الدول من خلال انتقال الأموال عبر الدول للاستثما ر وبناءً على ذلك صدر قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 والمنشور في الجريدة الرسمية في 17/1/2007 والذي حدد مدة الاستثمار (50) سنة قابلة للتجديد تصبح (100) سنة (م/11) من القانون أعلاه ويضمن القانون أعلاه للمستثمر عدم المصادرة والتأميم (م/12) منه وامتيازات أخرى، وان فكرة التأميم هو ان أي مشروع او مرفق يديره القطاع الخاص يتلكأ في أداء دوره في النشاط الاقتصادي المعين تقوم الدولة بوضع اليد عليه وإدارة المشروع أو المرفق بعد دفع قيمته الى المالك وفق تقدير عادل، وتتولى الدولة إدارته كما حصل في تأميم قناة السويس مثلاً، وبذلك يظهر ان أي خطأ في إبرام عقد الاستثمار في ظل الفساد المالي والإداري والحماية السياسية للأشخاص الذي يحصل حالياً يصبح عدم إمكان الرجوع عنه وتعديل العقد وبذلك يكون النشاط الذي يغطيه الاستثمار الأجنبي هو الذي يقود البلاد والإدارة بيده والامتيازات التي أعطاها القانون كبيرة جداً وخارج السيطرة العراقية في المستقبل، هذا من جهة ومن جهة أخرى القانون العراقي للاستثمار المذكور أعلاه لم يعالج حالة الاستملاك لمقتضيات المصلحة العامة، ولم يساير القوانين العربية للاستثمار، فمثلاً قانون الاستثمار الأردني رقم (68) لسنة 2003 المادة (13) منه، عالجت الاستملاك لمقتضيات المصلحة العامة، وكذلك قانون الاستثمار اليمني المعدل المرقم (22) لسنة 1991 المادة (13/أ) منه، عالجت جواز نزع ملكية عقارات المشروع كلها أو بعضها للمنفعة العامة وفقاً للقانون وبحكم قضائي، وهذا نقص تشريعي في القانون العراقي يمس الحق الـوطني، يجب معالجته كــي تنظم عقود الاستثمار بموجبه بعد تعديل القانون ليصبح جميع أطراف التعاقد على علم بالالتزامات المتقابلة القانونية والتعاقدية والتزام الادارة بها.

2- دخل العراق للوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA) وصادق على ذلك بموجب القانون رقم (29) لسنة 2007 والمنشور في الجريدة الرسمية في 20/8/2007، وان هذا الدخول قد وضع العراق في التزام دولي خطير في ظل الظروف الحالية للعراق، إذ ان أي تعاقد مع أي مستثمر سوف يكون تحت طائلة أحكام الاتفاقية أعلاه، حيث ان الوكالة أعلاه ضمنت للمستثمر التأميم ومثيلاته وضمانات أخرى على الدولة المضيفة للاستثمار الالتزام بها (مادة/11) من الاتفاقية ولوجود الفساد المالي والإداري وعدم كفاءة بعض المسؤولين يؤدي الى ارتهان مقدرات العراق للأطراف الأجنبية، وأكدت ذلك الاتفاقية الشاملة لإطار التعاون الستراتيجي الشامل مع أمريكا التي أكدت على الاستثمار وتفعيل ذلك، في القسم الخامس منها (التعاون في مجال الاقتصاد والطاقة) الفقرات (1، 2، 5، 7، 10) منها التي وقعت ومررت تحت ظل اتفاقية انسحاب القوات المشمولة بالاستفتاء من دون اتفاقية التعاون الشامل ونشرتا بالجريدة الرسمية كل واحدة بقانون خاص بها يوم 24/12/2008 بالقانونين رقم (51) و(52) لسنة 2008 ونافذة من 1/1/2009 وهذا يؤيد تخوفنا، فمثلاً عند الكشف عن إخفاق معين في عقود الاستثمار بعد عدة سنوات من إبرامها لا يمكن للحكومة العراقية حينها الرجوع طبقاً لمبدأ توارث الالتزامات وقواعد المعاهدات وفق اتفاقية فيينا للمعاهدات لسنة 1969 والعراق طرفاً فيها، وعند إصرار الحكومة على تعديل العقود أو التأميم سوف تكون الحكومة العراقية ملزمة بدفع المستحقات لما تبقى من مدة العقد التي غالباً ما تكون طويلة لمصلحة الأجنبي وتكون الحكومة أمام مستحيل وهو ارتهان لمقدرات البلاد بناءً على أمور مختلفة ظروفها وملابساتها لتحقيق هذا الهدف، فلابد من التأني في إبرام عقود الاستثمار، وتأتي بعد عجز الإمكانات العراقية عن تنفيذ ذلك وبلدنا غني يحتاج الى إدارة وطنية حــريصة ومتبصرة ولديها الرؤيا البعيدة للالتزامات التي فيها طرف أجنبي، والدول الأجنبية لديها الوسائل لمتابعة مفاوضيها في حسن أداء مهامهم، اما العراق فغير ذلك لظروف مختلفة ومتعددة.

3- صدر قانون المصافي (قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام رقم (64) لسنة 2007) ونشر في الجريدة الرسمية في 18/2/2008 الذي سمح للقطاع الخاص المحلي والأجنبي بإنشاء مصافي للنفط (م/2) من القانون ويتمتع المشروع بامتيازات المناطق الحرة- الإدارة للمستثمرم/9 من القانون ومدة التعاقد (40) سنة قابلة للتمديد (م/12) من القانون وحسابات الجدوى الاقتصادية للمستثمر تكون من مصلحته لأعلى مدة كون خزين العراق النفطي المقدر حالياً عمره (100) سنة قادمة وهي ثروة ناضبة والدول الأجنبية المتقدمة الكبرى احتياطيها قليل بالسنوات، وتلتزم وزارة النفط بتجهيز المستثمر بالنفط الخام وفق طاقة المصفى التشغيلية والأسعار التي يبيع بها العراق (م/5) من القانون وحيث ان الأسعار العالمية للنفط الخام في هبوط وفق قواعد الاحتكار الدولي لأسواق النفط الخام الذي تقوم به الشركات متعددة الجنسية الاحتكارية، ويجهز المصفى بالنفط الخام بالأنابيب (م/6) من القانون وليس من الحقول النفطية القريبة من المصفى لضمان تجهيز المصفى بالنفط الخام حيثما يوجد نفط في العراق والقانون أعطى الحق للمستثمر بتحديد أسعار منتجاته وبيعها داخل العراق وفي الأسواق العالمية وفق قواعد السوق الحرة (م/10) من القانون وبهذا أصبح المستثمر شريك للعراق في ثروته النفطية يتصرف بها وفق مصالح المستثمر طيلة مدة الاستثمار، ومن نتائج ذلك انه سوف يزيد من هبوط أسعار النفط الخام لزيادة العرض النفطي على الطلب، وهو ضد مصلحة العراق ويؤدي الى تحطيم منظمة أوبك، منظمة الدول المصدرة للنفط الخام التي تحدد سقف إنتاج لكل عضو فيها من النفط المصدر ومنها العراق لضمان مستوى ملائم من السعر للدولة المنتجة والمستهلك، وبذلك يفقد السيطرة على الأسعار العالمية، سيما العراق من الدول المؤسسة لمنظمة أوبك عام 1959.

ومن جهة أخرى ما هي المصلحة من إنشاء مصافٍ بأموال أجنبية أو خاصة وهي ثــروة طبيعية ملك الشعب العراقي (م/111) من الدستور، الا يجب علينا ان نعطي هكذا مشاريع في أولوياتنا الاقتصادية لقيام هكذا مشاريع للاستثمار الحكومي ويكون العائد للبلاد واستثمار العوائد في التنمية والاستثمار للأجيال المقبلة، سيما ان النفط الخام ثروة ناضبة وغير متجددة فلماذا هذا التعجل في استنفاذها، كما ان النفط الخام ليس طاقة فقط وانما يستخدم في مختلف الصناعات الغذائية والكيمياوية الأخرى التي تدر على البلاد موارد في أمس الحاجة اليها، والدول الكبرى تفكر في بدائل الطاقة للتقدم العلمي الحاصل لديها، والعراق لازال في بداية الطريق في هذا المجال ويحتاج الى مدة لتجميع وبناء قدراته البشرية والمادية الأخرى في هذا المجال، مما يتطلب الإفادة من مخزون النفط الخام العراقي لأطول مدة ممكنة وأعطى قانون المصافي المذكور أعلاه للمحافظات والأقاليم منح إجازات للشركات المستثمرة في إنشاء المصافي، وحالياً وقعت هيئة استثمار بابل مذكرة تفاهم مع الجانب الصيني لإنشاء مصفى وفق القانون أعلاه في منطقة جرف الصخر بطاقة (140) الف برميل، وأيضاً محافظات ذي قار والديوانية وميسان والنجف وغيرها متجهه بنفس الاتجاه مع الشركات الأجنبية وفق أحكام قانون الاستثمار محل البحث، وان التعاقد وفق القانون أعلاه سوف يضع العراق في موقع سيئ جداً للأسباب المذكورة أعلاه، صحيح ان هيئة الاستثمار تطبق القانون ولكن القانون فيه ثغرات تمس الحق الوطني وعلى الحكومة إحاطة هيئات الاستثمار علماً بالالتزامات الدولية المترتبة على ذلك وأيضاً على الحكومة معالجة القصور الوارد فيه لتعديله أو إلغاءه من الأساس، سيما ان القانون المدني العراقي حدد الفوائد القانونية لمحل الالتزام بالعقود للمسائل المدنية 4% والتجارية 5% وسعر برميل النفط الخام حالياً بمعدل (40-50) دولار للبرميل ومعدل سعر مشتقات النفط (250) دولار للبرميل تقريباً في أوروبا والخسارة واضحة وليس في مصلحة العراق تنفيذ قانون المصافي بشكله الحالي، كما ان العراق لديه إمكانات فنية ضخمة جداً في مجال إنشاء المصافي يمكن الإفادة منها والدليل ما عرضته قناة العراقية الفضائية في برنامج النفط والمستقبل فــي الثامن من شباط الحالي 2009 الساعة 6:30 ليلاً المتضمن قيام الشركة العامة لمصافي الوسط (الدورة) بالكوادر العراقية المتخصصة والشركات العامة المدنية والميكانيكية والفنية بإضافة وحدات تصفية لمصفى الدورة لتوسيع إنتاجه من (110) الاف برميل يومياً عام 2005 الى (210) الف برميل يومياً نهاية عام 2008، الا يعتبر هذا انجاز وطني على الحكومة تبنيه وتطويره للاكتفاء المحلي والتصدير، فضلاً عن ان قانون تشجيع الاستثمار السوداني لسنة 1999م تعديل لسنة 2003م سمح للقطاع العام الاستثمار وهو ذات ما ندعو اليه وهو عدم اعطاء الاستثمار في المصافي للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، لتوفر الإمكانات كما في الحالة أعلاه محل البحث سوى مصلحة بعض الجهات الداخلية والخارجية التي تريد ان تسيطر على أموال الشعب العراقي والتي هي في ذمة القادة والمسؤولين الحاليين.

4- المشكلة العراقية ليست سياسية فقط وانما إدارية فلابد من وضع ضوابط صارمة لإشغال مواقع المسؤولية الإدارية المختلفة ولكل المستويات بالكفاءة والخبرة والنزاهة وعدم تقديم العامل السياسي عليهما، فالعراق لديه كفاءات عظيمة وكبيرة في المجالات العلمية والصناعية والطبية وإدارة المشاريع والاختصاصات الأخرى تعمل في بلدان العالم المختلفة وتقدم إمكاناتها لها، والتي تركت العراق للعامل الأمني أحياناً ولعدم الرعاية أحياناً أخرى من السلطات الحكومية المختلفة، ولتوقف المؤسسات التي كانت تعمل فيها تلك الكفاءات ما جعلت الظروف أفضل للعمل في المؤسسات في الدول الأجنبية ومنها العربية التي وفرتها لهم واستقطبتهم، وكان حرياً بوزارة الخارجية العراقية من خلال سفاراتها وممثلياتها ووزارة التخطيط والوزارات الأخرى وأجهزة الإعلام والاتصال المختلفة بالتنسيق فيما بينها والتعرف على الكوادر العراقية وبناء قاعدة معلومات وطنية للكفاءات العراقية في الداخل والخارج واستقطابهم لبناء العراق وليس للاعتماد على العامل الأجنبي الذي همه الإفادة القصوى من نشاطه ويؤدي لاستنزاف القدرات العراقية عملياً، وبنفس الوقت يـــؤدي من حيث النتيجة للمساس بالاستقلال الاقتصادي والسياسي لترابطهما والتداخل السلبي في العلاقات الدولية، والعراق ليس كدولة الإمارات العربية المتحدة مع احترامنا لها التي كانت مجتمعاً بدوياً بدائياً في بداية السبعينيات من القرن الماضي ويضرب بها المثل حالياً في تجربة الاستثمار الخارجي لديهم، اذ كثير من العراقيين ذوي الاختصاصات المتقدمة يعملون في التنمية في الإمارات، والعراق ليس مثلها وذلك لإمكاناته البشرية ومؤسساته العلمية، والثروة التي أعطانا الله تعالى جل وعلا التي علينا ان نحميها ونطورها لتوفر الإمكانات المحلية لذلك، وتنمية القطاع العام وتطويره الذي هو ملك الشعب، ويؤكد ديننا الحنيف ذلك، والخلل الذي حدث في أداء القطاع العام ليس في خطأ المبدأ وإنما الخطأ في الإدارات القائمة عليه التي لم تتوفر فيها الكفاءة والنزاهة والعلمية المطلوبة لدائرة هكذا قطاع، ألم يكن من أهداف الإسلام هو تحرير الإنسان من أخيه الإنسان ويكون ذلك من خلال قيادة القطاع العام للإدارة والتنمية. من خلال ما تقدم يظهر جلياً الثغرات التشريعية واضحة لا لبس فيها يتوجب معالجتها عملاً بأحكام الدستور الدائم الذي هو القائد والموجه لكل التشريعات.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت