تطوير عمل التحقيق بما يتناسب مع مفاهيم الدستور العراقي

القاضي زهير كاظم عبود

يحكم إجراءات العملية التحقيقية في العراق النصوص الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 123 لسنة 1971 المعدل ، وهذا القانون صدر في الرابع من شباط 1971 وأصبح نافذ المفعول بتاريخ الرابع من آذار 1971 ، حين كان العراق تحت ظل الدستور المؤقت ، وقبل ذاك كان العمل يجري وفق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية البغدادي في العام 1919 .

وبعد أن صدر الدستور العراقي وأصبحت نصوصه نافذة وملزمة ، صار من اللازم تطوير العملية التحقيقية بما تتناسب مع نصوص الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور العراقي ، وبما تنسجم مع مفهوم استقلال السلطة القضائية ، والارتقاء بالعمل التحقيقي وفقا للمعايير الجادة التي جاء بها الدستور والتي تتطلبها دعائم دولة القانون ، بالإضافة الى الارتقاء بالأساليب والإجراءات التحقيقية وفقا للتطور الحاصل على الأدلة الجنائية ، وبما يواجه الهجمة الإرهابية التي يتعرض لها شعب العراق وسلطته الشرعية بما لايخل بأي شكل بالقواعد العامة لحقوق الإنسان وأسس ومعايير القانون الدولي والإنساني .

أن الأساليب والوسائل غالبا ما تتطور وتتغير تبعا لتطور الزمن وتغير الحاجة والظروف ، ومن الطبيعي أن تتغير الأساليب والوسائل في الإجراءات الجزائية وفي أصول المحاكمات تبعا لذلك ، ولا يقتصر الأمر على مجاراة الأنظمة الجزائية في العالم ، حيث أن الحاجة والظرف الذي يمر به العراق في ظل التغيرات الدستورية والقانونية تتطلب عكس تلك الظروف وفقا لحاجتنا من خلال الواقع العملي ، وبما يتناسب مع ترتيب أوضاعنا القانونية والاجتماعية وبما لايخل ولايتناقض مع الأسس الدستورية والثوابت الوطنية ، من أجل الوصول الى خطوات ثابتة وعملية في طريق تأسيس دولة القانون .

أن الأصل أن يكفل الدستور العراقي في المادة ( 15) منه حق الفرد في الحياة والأمن والحرية ، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها أو حجبها إلا وفقا للقانون ، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة ، وهذه الكفالة للحقوق تسري على جميع العراقيين دون استثناء ، ودون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ، وتأتي هذه الكفالة ضمن الحقوق المدنية التي أكدها الدستور باعتباره القانون الأسمى والأعلى في العراق .

بالإضافة لما أشارت له مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي أكدت على حق الإنسان في التمتع بالحريات العامة ، والمبادئ القانونية التي أكدت براءة المتهم حتى تثبت إدانته ، ولهذا فقد أكدت الفقرة أولا /ب من المادة 37 من الدستور انه لايجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي . كما أكدت الفقرة الأولى من المادة ( 37 ) من الدستور أيضا على أن حرية الإنسان وكرامته مصونتان . حيث أن الأصل أن يضمن الدستور والقانون حرية الإنسان وعدم تقييدها ، وحماية تلك الحرية ، إلا أن هناك حالات محددة تخرج عن الإطار العام الذي حدده الدستور يتم اللجوء إليها وسلوكها وفقا للضوابط القانونية التي حددها القانون ، وهذا الخروج المبرر تقوم به حصرا سلطة التحقيق المختصة وفقا للقانون .

غير أن القانون نظم الطرق القانونية التي يجوز فيها للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة متمثلة بالقاضي المختص ، أن يلجأ الى تقييد تلك الحرية مؤقتا ، لاعتبارات حددها في سبيل التوصل الى الحقيقة في القضايا التحقيقية المكلف بانجازها والمعروضة عليه ، مع الاعتبار لإتباع إجراءات خاصة بصدد ما يفرضه الدستور أو الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي من حصانة لبعض الأشخاص المتمتعين بالحصانة التي يخولهم إياها الدستور العراقي أو القانون الدولي العام وفقا للأصول .

إن تأسيس دولة القانون وترسيخ مبادئ العدالة الجنائية تعتبر من أهم ركائز المُجتمع الديمُقراطي، والمقصود بالدولة التي تعتمد القانون ، هي السلطة الأمينة على تطبيق مبدأ سيادة القانون باحترام حقوق الإنسان في المجتمع ، والالتزام بتطبيق النصوص الدستورية بشكل عام و الخاصة في باب الحقوق والحريات ، واحترام تلك الحقوق اللصيقة بالفرد منذ ولادته وحتى وفاته ، ولا يُمكن حِرماًنه مِن جوهرها لأي سببٍ. ، إلا وفقا للقوانين كما أن هذه الحريات غير قابِلة للتصرُف والانتهاك من قبل السلطة ، فهي ليست عطيةٍ أو هِبةٍ من الدولة، وبالتالي يتعين على السلطة باعتبارها جزء من الدولة ، أن تراعي التطبيق المتساوي والأمين للنصوص القانونية تأسيسا لمبدأ المساواة التي نص عليها الدستور ، حيث ساوى الدستور العراقي بين المواطنين أمام القانون دون تمييز ، وتحقيقا لتأسيس أرضية وقاعدة لدولة القانون ، وأيضا حماية للمجتمع من أي تعسف أو خرق أو تجاوز على حقوق وحرمانه من التمتع بها .

مع الاعتبار أن للسلطة أحيانا وفي حالات محددة أن تقوم بتقييد أو التجاوز على تلك الحرية في حالات استثنائية ترد حصريا في نصوص الدستور وقانون أصول المحاكمات الجزائية ، وهذا الأمر لاينحصر في الدستور والقوانين العراقية ، إنما يمكن أن يكون مبدأ عام تلجأ إليه غالبية دول العالم وقوانينها . نظم قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ضمن أحكام الفصل الثاني من الباب الخامس الإجراءات القانونية التي تلازم عملية القبض على المتهم كأجراء من إجراءات طرق الإجبار على الحضور أمام سلطة التحقيق .والقبض يعني التقييد والإمساك وإجبار الشخص على الحضور أمام سلطة التحقيق وتقييد حريته بهدف استجوابه ، ووضعه تحت تصرف تلك السلطة مدة قصيرة ، ومن ثم إصدار القرار القانوني بصدد أطلاق سراحه أو توقيفه من قبل تلك السلطة القضائية المخولة قانونا . وغالبا ما يكون أمر القبض الصادر من المحكمة مكتوبا من الجهة التي قررت إصداره وهي الجهة ذات الاختصاص ، حيث يتضمن الأمر موجها الى أعضاء السلطة التنفيذية بالتخويل لتنفيذ أمر القبض الصادر بحق متهم محدد بالاسم والعنوان ، ويتم تنفيذ الأمر ولو أدى ذلك الى استعمال القوة في سبيل أتمام القبض جبرا بحق المتهم ، ويعتبر أمر القبض من الإجراءات الاحتياطية التي تخالف الضمانات التي وفرها الدستور للفرد ، باعتبار أن الحرية الشخصية مكفولة ، غير أن المشرع نفسه وضع ضمانات كافية لصيانة هذه الحرية ، باعتباره يرفع عنها غطاء الحماية ( مؤقتا ) في حال وجود اتهام بارتكاب جريمة تم ارتكابها على الحق العام أو على شخص آخر له نفس الحماية في الدستور والقانون .

حيث لم يجوز القانون القبض إلا في حالات محددة سنأتي على ذكرها لاحقا ، بالإضافة الى أن المشرع نفسه ومن أجل حماية الفرد من التعسف في استعمال القانون من قبل السلطة التنفيذية ، نص على عقوبات في متن قانون العقوبات العراقي النافذ ، ضمها باب تجاوز الموظفين حدود وظائفهم في المواد من 322- 341 عقوبات .

ويذكر أن نص المادة 322 من قانون العقوبات تعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه أو حجزه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون . وتكون العقوبة السجن مدة لاتزيد على عشرة سنين أو الحبس إذا وقعت الجريمة من شخص تزيا بدون حق بزي رسمي أو اتصف بصفة كاذبة أو أبرز أمرا مزورا مدعيا صدوره من سلطة تملك حق إصداره . والمتمعن في النص الدستوري والقانوني يجد أن الأصل هو ضمان حرية الإنسان ، وان تقييد هذه الحرية في حالات محددة مقيد أيضا وفقا للقانون ، وضوابط القانون حددها النص بمقتضى أمر صادر من ( قاضي ) أو ( محكمة ) أو ( في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ) ، وعليه لايجوز القبض على الإنسان في غير الحالات المنصوص عليها قانونا ، بالإضافة الى معاقبة كل من يتعسف أو يتجاوز على هذه الحقوق . . الأصل أنهُ لا يجوز إلقاء القبض على الشخص أو احتجازه دون رغبته أو عزله عن الآخرين لما في ذلك من تقييد للحق في الحُرية. إلا أن حق المُجتمع في مُعاقبة مُرتكبي الجرائِم يرتبط بتقييد بعض تِلك الحقوق ، بالإضافة الى ما تتطلبه ظروف القضية التحقيقية . إن احتجاز الأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال جنائية إلى حين محاكمتهم هو من الأمور التي يجب أن تتم في أضيق الحدود مُراعاًة لحقوق المتهم . إن هذه القاعدة تتفق مع مبدأ افتراض البراءة إلى حين ثبوت الإدانة. مع توفر الأدلة ، بيد أن هُناك حالات يجوز فيها للسلطات أن تلجأ الى تقييد حرية الشخص إذا كان هُناك ما يُشير إلى احتمال فِرارهُ ، أو عندما يكون في إخلاء سبيله خطر يُهدد الغير ، أو يمكن أن يهدد حياته في أحيان أخرى ، أو يمكن أن يؤثر على الشهود أو يُعرِض أدلة الدعوى للخطر من خلال وجود متهمين آخرين لم يتم القبض عليهم . وفي سبيل تنظيم وسائل وسبل القبض على المتهم فقد وضع القانون شروط توجبها المواد ويشترط توفرها في لأوامر القبض الصادرة حتى يمكن اعتبارها صحيحة معتبرة قانونا ، ومنها ما نصت عليها المادة 93 من الأصول الجزائية ، والتي أوجبت أن يشتمل أمر القبض على أ سم المتهم الصحيح والواضح ولقبه المتعارف عليه وهو يته وأوصافه وعلاماته الفارقة بقدر الإمكان ، مع ذكر محل إقامته ومهنته التي عرف بها ، بالإضافة الى المادة القانونية التي تشكل الجريمة المتهم بها وتاريخ صدور الأمر بالقبض ، بالإضافة الى ذكر أية معلومات أو ملاحظات يدونها القاضي أو المحكمة في سبيل تسهيل عملية الاستدلال على المتهم ، كما يمكن للقاضي بمقتضى نص المادة 95 من الأصول الجزائية أن يدون في الأمر الصادر وجوب إطلاق سراح المقبوض عليه إذا قدم تعهدا كتابيا بالحضور في الوقت المعين مقترنا بكفالة يقدر مبلغها القاضي ، او حتى بدون كفالة أو بتعهد مقترن بإيداع المبلغ الذي يعينه القاضي في صندوق المحكمة ، ويختم الأمر بختم المحكمة ويوقع بتوقيع القاضي أو المحكمة التي أصدرته ، ويتضمن أمر القبض بالإضافة لما ذكر أمرا الى تكليف أعضاء الضبط القضائي وأفراد الشرطة بالقبض على المتهم المذكور وإرغامه على الحضور أمام سلطة التحقيق. ووفقا لنص المادة 98 من قانون أصول المحاكمات الجزائية يحق للقاضي أن يأمر بالقبض على أي شخص ارتكب جريمة في حضوره . كما يمكن للقاضي أن يقوم بالموافقة على قيام الشرطة في منطقة عمله بتنفيذ أمر القبض الصادر من قاض آخر خارج منطقة الاختصاص المكاني ، تسهيلا لتنفيذ أمر القبض ويقوم بالأمر بتسفيره في اقرب فرصة ممكنة الى المحكمة التي أصدرت أمر القبض .

ومن شروط أمر القبض أن يقترن بصدور قرار قضائي من القاضي على الأوراق التحقيقية الخاصة بالقضية ، يتضمن إصدار أمر بالقبض على المتهم وفق المادة القانونية التي ينسبها قاضي المحكمة سواء كان قاضيا منفردا أو محكمة تتشكل من عدة قضاة .
وبالنظر لجسامة الأفعال الإجرامية التي ارتكبت بحق العراقيين في الفترة المنصرمة ، وبالنظر لتداول المجرمين والمتهمين ألقاب وكنى يتسترون بها عن حقيقة أسماؤهم ، فقد أصدرت محاكم التحقيق أوامر بالقبض على تلك الأسماء بدلالة المشتكين أو أهالي المجني عليهم ، وأجاز بعض فقهاء قانون الأصول صحة صدور مثل تلك الأوامر بالقبض مع كونها ناقصة باعتبار إنها يمكن أن توصل الى حقيقة المتهم وتسهل عملية القبض عليه ، وفي كل الأحوال فأن أمر تدقيق هذا الأمر منوط بقاضي التحقيق الذي يتوجب عرض الأمر عليه في أقرب فرصة ممكنة للتثبت من علاقة المتهم المذكور بالقضية موضوع التحقيق .

أن المادة 94 من قانون الأصول أوجبت على القائم بتنفيذ أمر القبض أن يقوم بإطلاع الشخص الذي صدر أمر القبض بحقه على ورقة أمر القبض ، وان يقوم بتفهيمه مضمونها وما تضمنته من معلومات ، ومن ثم القبض عليه وعرض أمره على الجهة القضائية التي أصدرت أمر القبض ، أو أقرب جهة قضائية أخرى لتقرير مصيره مؤقتا ريثما يتم تأمين إيصاله الى الجهة التي أصدرت أمرا بالقبض عليه لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه .

كما أن أوامر القبض الصادرة بحق المتهمين سارية المفعول في جميع أنحاء العراق الفيدرالي ، وهي واجبة التنفيذ ممن وجه إليهم ، وفي سبيل ذلك ينبغي دراسة شكل التنسيق بين السلطة القضائية الاتحادية وبين سلطات القضاء في الأقاليم وفي المحافظات التي لاترتبط بإقليم ، حول آلية تنفيذ أوامر القبض الصادرة بحق المتهمين .

وتبقى تلك الأوامر سارية المفعول ولا يبطل مفعولها إلا بصدور مذكرة من نفس الجهة التي أصدرتها أو من قبل جهة أعلى منها قضائيا كأن تكون محكمة الجنايات التي تتبعها المحكمة أو القاضي الذي أصدر المذكرة أو بصدور من محكمة التمييز الاتحادية بصدور قرار بنقض قرار قاضي التحقيق أو المحكمة التي أصدرت مذكرة التوقيف .

ووفقا لهذا لايمكن لمحكمتين متساويتين أن تلغي مذكرة احدهما الأخرى ، كما لايمكن لقاضي أن يلغي أمر بالقبض صادر من قاض آخر دون عرض الأمر على الأخير وموافقته على تخويله بالإجراء القانوني المناسب ، على أنه يمكن للقاضي الذي أصدر الأمر بالقبض أن يخول القاضي الأخر إمكانية إخلاء سبيل المتهم بكفالة وفقا لما ذكر آنفا في المادة 95 من الأصول الجزائية ، سواء بكتابة ذلك في أمر القبض أو بقرار على الأوراق التحقيقية الخاصة بالمتهم .

غير أن هناك حالات محددة أوردها القانون حصرا يمكن معها لأي شخص ولو بغير أذن من السلطات المختصة أن يقبض على أي متهم بجناية أو جنحة في حالات هي :
1- إذا كانت الجريمة التي ارتكبها المتهم مشهودة .
2- إذا كان المتهم قد فر بعد القبض عليه قانونا
3- إذا كان قد حكم عليه غيابا بعقوبة مقيدة للحرية
وفي حالة محددة أخرى يمكن لأي شخص ولو بغير أمر من السلطة القضائية المختصة أن يقبض على كل من وجد في ( محل عام ) ( وفي حالة سكر بين واختلال ) ( وأحدث شغبا ) ( أو كان فاقدا صوابه ) حيث يقوم بتسليمه الى اقرب مركز للشرطة .
ومنحت المادة 103 من القانون الحق لأفراد الشرطة أو أعضاء الضبط القضائي ألقبض على أي من الأشخاص :
1- كل شخص صدر أمر بالقبض عليه من سلطة مختصة .
2- كل شخص كان حاملا سلاحا ظاهرا أو مخبأ خلافا لأحكام القانون .
3- كل شخص ظن لأسباب معقولة انه ارتكب جناية أو جنحة عمديه ولم يكن له محل إقامة معين .
4- كل من تعرض لأحد أعضاء الضبط القضائي أو أي مكلف بخدمة عامة في أداء واجبه .

وخص الدستور العراق عضو مجلس النواب بمقتضى نص الفقرة ب من المادة 63 منه بالحصانة الدستورية التي لم تجوز إلقاء القبض على عضو المجلس خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية ، وفي حال صدور أمر بالقبض بحقه تطلب المحكمة من المجلس رفع الحصانة عنه ، حيث يتم النظر في أمر رفع الحصانة بموافقة الأغلبية المطلقة أو إذا تم ضبط العضو متلبسا بالجرم المشهود في جناية .

كما لايجوز إلقاء القبض على عضو المجلس خارج مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه ، أو إذا تم ضبطه متلبسا بالجرم المشهود في جناية .

وإذا كان التوقيف إجراءا احترازيا فأنه ليس فقط تقييدا لحرية المتهم ، إنما يشكل ضررا ماديا ومعنويا جميعنا ندرك جسامته ، فإذا تم إخلاء سبيل المتهم لبراءته من التهمة أو حتى لعدم كفاية الأدلة المتوفرة لأحالته على المحكمة المختصة ، فأن الأمر يجعل المتهم متضررا لايمكن أن يتحمل الضرر وحده تحت زعم أن التحقيق يستوجب توقيفه ، مالم تكن هناك آلية تتخطى الروتين وتتجاوز السعي وراء المطالبة لدرء الضرر الحاصل .

نحن بحاجة اليوم الى نص قانوني يضمن تعويضا ماديا متناسبا للمتهم الذي تم توقيفه مدة من الزمن ثم صدر القرار من محكمة التحقيق بالإفراج عنه لأي سبب من الأسباب التي أوردتها فقرات المادة 130 من الأصول ، وان الدستور الذي نص في الفقرة حادي عشر من المادة 19 على انتداب المحكمة محاميا للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه وعلى نفقة الدولة ، بالتأكيد يضمن حق الإنسان الذي تضرر ماديا ومعنويا جراء توقيفه وصدر القرار بالإفراج عنه .

وكان قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 123 لسنة 1971 المعدل أشار في الفقرة الثانية من المادة 47 منه على أمكانية وحق المخبر في قضايا الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الأخرى المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت أن يطلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهدا ، وللقاضي أن يثبت ذلك مع خلاصة الأخبار في سجل خاص يعد لهذا الغرض ويقوم بأجراء التحقيق وفق الأصول مستفيدا من المعلومات التي تضمنها الأخبار دون بيان هوية المخبر في الأوراق التحقيقية . أن الشهادة في أي دور من أدوار التحقيق أو المحاكمة تعتبر من الأدلة التي تعتمدها المحكمة في الحكم ، علما بان الشهادة المنفردة لاتكفي سببا للحكم مالم تؤيد بقرينة أو أدلة أخرى مقنعة للمحكمة ، ولها سلطة تقديرية في تقدير تلك الشهادة ، وهذه الشهادة يتم تدوينها خطيا من قبل الشخص القائم بالتحقيق ومن قبل قاضي التحقيق وفق الأصول ، ويتم توقيعها من قبل المخبر أو الشاهد نفسه بالإضافة الى توقيع الجهة التي قامت بالتحقيق .

وإزاء مواجهة الهجمة الإرهابية التي اجتاحت مناطق عزيزة من العراق ، وبناء على الظروف التي تستدعي حماية المخبر ، من خلال تقديم الشهادات والإخباريات التي تكشف عن نشاط وشخصيات ترتكب الجرائم الخطيرة ، وتمارس الأعمال الإرهابية التي تروع الناس ويحكم عملها قانون مكافحة الإرهاب ، تلك الشهادات تفيد التحقيق وتساعد الجهات التنفيذية التي تلاحق تلك المجموعات الإجرامية التي تمارس الجريمة بكل إشكالها ومهما كانت أسبابها ، وتحدد الأوكار التي تأوي إليها تلك المجموعات الإرهابية ، وكان للمخبر السري دورا مهما في تسهيل العمليات التحقيقية والقبض على الجناة ، والدلالة على تلك الأوكار والمجموعات ، وكان حرص المواطنين في التعاون مع الأجهزة الأمنية المختصة من أجل استتباب الأمن وعودة القانون إلى تلك المناطق التي أشاعت فيها تلك المجموعات الإرهاب ، وانتشرت فيها الزمر المجرمة من تنظيمات القاعدة التي تعتمد الجريمة أسلوبا ، وحولت حياة الناس الطيبين فيها الى جحيم وقلق ، بألأضافة الى انتشار الوعي الوطني والقانوني في ترسيخ دعائم دولة القانون التي يسعى إليها الجميع ، بالإضافة إلى الوعي القانوني ولجوء المواطن للتعاون مع أجهزة الدولة لتأمين وبسط القانون والعودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية في تلك المدن والقصبات .

إن التوسع في عملية اعتماد المخبرين السريين كأساس يتم أعتماد وبناء الأدلة الجنائية عليه ينتج وضعا سلبيا وردود أفعال تسيء الى رصانة التحقيق وسلامة الإجراءات الجزائية المعتمدة ، بالإضافة الى أن تكريس العمل بالمخبر السري يفتح أمامنا بابا يمكن من خلاله استغلاله بشكل من قبل بعض النفوس المريضة والمغرضين أو حتى من الجهات التي تتعاون مع المجموعات الإرهابية نفسها ، وبذلك يمكن أن تسيء تعسفا لأبرياء وتساهم في ظلم مواطنين تحت عباءة المخبر السري .

أن المخبر السري يؤدي الشهادة في كل الأحوال ، إذ تعتبر أفادته المدونة أمام المحقق وأمام قاضي التحقيق المختص من الشهادات ، وأن تطلب الأمر بناء على طلبه وموافقة قاضي التحقيق أن يتم اعتباره مخبرا سريا ويتم حجب هويته وأسمه في تلك الشهادة ،لأسباب وظروف تستدعي أن تكون الشهادة سرية ويقتنع بها قاضي التحقيق ، مع أن قاضي التحقيق يقوم بتدوين تلك الشهادة والهوية في السجل الخاص بالمخبرين السريين داخل المحكمة ، ويتم تطبيق كافة مستلزمات الشهادة وفقا للقانون ، ويتم تحليفه اليمين القانونية أمام قاضي التحقيق ، بالنظر للدور الكبير والمهم في أثبات الدعوى الجزائية ، وتعد شهادة المخبر السري من شهادات الإثبات التي يتم تدوينها و ترفق بأوراق القضية التحقيقية ويترتب عليها آثار قانونية مهمة وكبيرة .

وغالبا ما يتقدم المخبر السري بالشهادة في الجنايات الخطيرة ، لذا فهي بالتأكيد من الشهادات الخطيرة التي تستوجب من قاضي التحقيق أن يصدر أمرا بالقبض على المتهم للتثبت والتحقق من تلك التهمة التي أشار إليها المخبر السري في شهادته ، وغالبا ما يعتمد القضاة على تلك الشهادات بشكل أولي في بناء القضية التحقيقية ، وبعد تنفيذ أمر القبض على المتهم فأن قاضي التحقيق يكون ملزما بتوقيفه لاستكمال التحقيق وفق الأصول ، بالإضافة الى أن نص المادة 109/ب من الأصول يلزم قاضي التحقيق بتوقيف المتهم في جرائم الإرهاب والقتل والجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام ، ثم يبدأ بجمع الأدلة الأخرى ، وأمام معوقات في العمل التحقيقي يمتد زمن طويل يكون فيه المتهم موقوفا على ذمة القضية التحقيقية ، حيث أن الأساليب التقليدية والروتين يحكم المخاطبات والاتصالات بين مراكز الشرطة ومكاتب التحقيق ، ويعيق السرعة في تنفيذ قرارات القاضي لانجاز واستكمال القضية التحقيقية ، ولايكون أمام قاضي التحقيق سوى تمديد توقيف المتهم انتظارا لاستكمال نواقص القضية التحقيقية ، فأن توفرت تلك الأدلة بعد هذه الفترة غير القصيرة أحال القاضي القضية والمتهم على المحكمة الجنائية المختصة ، وحين يجد القاضي أن الأدلة التي توفرت في القضية لاتكفي للإحالة ، أو أن الأدلة القانونية التي توفرت لاترقى لمنزلة الدليل الكافي لإحالة المتهم على محكمة الجنايات المختصة ، فأن القاضي يصدر قرارا بالإفراج عن المتهم وأخلاء سبيله من التوقيف ولكن بعد أن قضى ذلك المتهم تلك الفترة الطويلة والعصيبة في التوقيف .

خلال تلك الفترة التي يتم فيها توقيف المتهم وحجز حريته يتعرض حتما لتوقفه عن العمل وتوقف مصدر رزق عائلته وحرمان أهله وعياله من وجوده معهم ، وانقطاعه عن الدوام أن كان موظفا أو عاملا ، بالإضافة إلى معاناته المعنوية والنظرة الاجتماعية المزرية إزاء اتهامه بما لم يقم به من فعل تحمل من جرائها التوقيف والاتهام .

أن الأمر يبدو أكثر تقبلا لو أن الهدف الأساسي في شهادة المخبر السري كان مبنيا على سلامة النية وحسن الطوية والموقف الوطني والتجرد من القصد ، ويكون أكثر تقبلا لو كانت شهادة المخبر السري تشير الى وقائع مادية تفيد التحقيق وتحد من العمليات الإرهابية ، غير أن الخطورة تكمن في النية المبيتة التي يستغلها المخبر السري في القصد السيئ للإيقاع بالمتهم والإساءة إليه والسعي لحجز حريته وإيقاع الأذى عليه للانتقام منه والتشفي منه بهذا الأخبار ، وأحيانا يسعى المخبر السري الى الإيقاع بمن يختلف معه لشتى الأسباب متقبلا وراغبا في النتائج التي ترتبها تلك الشهادة ، مستغلا الثقة التي وفرتها الظروف الطارئة والاعتماد الذي وضعه القضاء على ذمة وضمير المخبر السري .

أن مسألة تقليب الأخبار السري وتدقيقه عملية دقيقة ، تخضع لنباهة وقابلية قاضي التحقيق والمحكمة المختصة ، وفقا لما يتمتع به القاضي من خبرة وحنكة وتجربة قضائية لمعرفة مدى صدق المخبر وجدية الشهادة ، والقضاء في هذه الحال هو الفيصل في تقدير جدية تلك الشهادات للمخبرين السريين ، خصوصا وان القضاء مستقل بموجب نظرية الفصل بين السلطات الذي اعتمدها الدستور العراقي ، وأن القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة ، لذا فأن الأمر متروك في تقدير الشهادة وما تضمنته من وقائع وعلاقة المخبر بالمتهمين الى القاضي ، تتطلب القضية تفعيل الحكمة القضائية والخبرة القضائية لتقدير ما إذا كان الأمر يتطلب استكمال الأدلة والتثبت من صدقية الشكوى والأخبار ، قبل إصدار القاضي قرارا بالقبض على المتهم وتوقيفه .

وتبرز معاناة قضاة التحقيق في تصديق أقوال المخبر السري التي أدلى بها أمام السلطات التحقيقية ، حيث تبقى القضية التحقيقية قيد التحقيق ( والمتهم موقوفا ) على نتيجة حضور المخبر السري لتصديق أقواله قضائيا أمام قاضي التحقيق ، وبالرغم من التأكيدات المتكررة والمستمرة لتأمين إحضار المخبر السري أمام القضاء ، وغالبا تلجأ الجهات التحقيقية الى الإشارة برحيل المخبر السري عن المنطقة الى منطقة مجهولة ، أو إنها لاتعرف العنوان الصحيح للمخبر السري لعدم تدوينه مع شهادته ، أو أن تلجأ الى عدم الرد على الجهات التحقيقية رغم التأكيدات المتكررة ، وإزاء تلك المعوقات أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق تعميما صادرا من رئيس المجلس بعدد 849/مكتب /2007 في 25/10/2007 ومؤكد بالتعميم المرقم 62/مكتب / 2008 في 14/1/2008 يؤكد فيه في حال عدم حضور المخبر السري عند التبليغ ولأكثر من مرة دون عذر مشروع أمكانية اعتبار الأمر قرينة للوصول الى الحقيقة .

ويقع على عاتق القضاة التعمق لمعرفة الأسباب والدوافع الحقيقة للمخبر السري في أعطاء المعلومات وطلبه أخفاء هويته ، بالإضافة الى وجوب التثبت من مصداقية المعلومات التي يدلي بها المخبر وعلاقته بالمتهمين ، بالنظر لما يترتب على تلك الشهادة من إجراءات ونتائج خطيرة ، وبعد إن لمسنا بجدية سيادة القانون وانحسار المجموعات الإجرامية التي تمارس الإرهاب يتطلب الأمر من قضاة التحقيق السعي بالانسجام مع الظروف الراهنة كما عهدناهم دوما في السعي لتأكيد ليس فقط حيادية واستقلال القضاء ، إنما حياديته وقدرته على تحقيق العدالة التي يسعى الجميع الى تحقيقها ، وأن تتم مراجعة الملفات التحقيقية بجهد مضاعف وتدقيق الأدلة التي تضمها تلك الملفات ، حرصا على إنجاز القضايا التي تضم الأدلة التي توفرت وتكفي للإحالة لأحالتها بأسرع وقت ممكن على المحاكم المختصة ، والإفراج عمن لاتتوفر الأدلة ضده أو أن الأدلة التي توفرت لاتكفي للإحالة ، ومن بين أهم الدلائل شهادة المخبر السري الذي يستوجب الأمر أن يتيقن القضاء العراقي من صحة تلك الشهادة ومعرفة من أدلى بها وإخضاعه لليمين التي استوجبها القانون ، وإخفاء هويته في سجل المخبرين ، حتى يمكن الاطمئنان الى تلك الشهادة لتكون سببا من أسباب الحكم العادل .

كما أن الأساس الذي دفع المشرع لزيادة ضمانات المتهم في دور التحقيق ، بتوكيل محام للدفاع عنه ضمن نص الفقرة ب من المادة 123 انسجاما مع نص المادة 144 من الأصول في الجنايات يتطلب شيء من الجدية والحرص من المحامي المنتدب ، غير أن الواقع العملي يشير إلى عكس ذلك ، حيث يكون توكيل المحامي المنتدب آليا وهامشيا وإكمالا تقليديا لشروط النص ، في حين أن الأمر يتعلق بحقوق المتهم ، ويتعلق بدور المحامي في تلك المرحلة المهمة من القضية التحقيقية وتفاعل المحامي المنتدب مع حقوق موكله وقضيته وأن كان منتدبا والأجور التي يحددها القانون والتي تتحملها خزينة الدولة رمزية ، وهذا الأمر بحاجة الى دراسة مشتركة بين مجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين للارتقاء بعملية الانتداب بما يحقق نتائجها التي دفعت المشرع لشمول المتهم في دوري التحقيق والمحاكمة بضمانات عديدة إضافة لما كان القانون يوفرها للمتهم سابقا ، من بينها حق الصمت الذي ينبغي تفعيلة وفقا لما ينسجم مع عملية الثقافة القانونية المطلوبة اليوم ، وضرورة نشر الوعي القانوني بين الناس ، خصوصا وان الدستور الذي نص في الفقرة حادي عشر من المادة 19 على انتداب المحكمة محاميا للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه وتحميل الخزينة لأجور المحامي يعطي شيء من الجدية في إحاطة المتهم بعدد من الضمانات التي يوفرها له الدستور العراقي ضمن باب الحقوق المدنية .

وعملية الارتقاء بمستوى التحقيق في العراق يتطلب جهازا تنفيذيا واعيا متخصصا في العمل متسلحا بالعلمية والدورات القانونية والعملية في معرفة التطوير الحاصل على أساليب التحقيق في العالم وتطوير البحث ووسائل الكشف عن الأدلة الجنائية ، بديلا عن الأساليب التقليدية التي لم يزل المحقق متمسكا بها دون إيجاد البديل أو البحث عن الوسائل والسبل التي تساهم وتشارك في تطوير العمل . لم يزل قاضي التحقيق والمحقق يعتمدان آلية جامدة في متابعة القضية التحقيقية ، وتطبيق ميكانيكي للأساليب التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية ،ومسار العملية التحقيقية في القضايا الجزائية قديم لم يطرأ عليه أي تطوير ، ويسير العمل بطريقة كلاسيكية دون إعمال العقل وأسس التطور التقني والعلمي الذي يحصل في العالم ، ويتقيد المحقق بالكتابة على الورق خطيا ، واعتماد الكتب والمخاطبات المرسلة عبر البريد ، دون إدخال الكمبيوتر والمراسلات الالكترونية ، ودون أعتماد أساليب حديثة ومتطورة في تثبيت وقائع القضايا التحقيقية ، ويقينا أن تلك الأساليب المتبعة في العمل هي ذاتها التي كانت متبعة منذ بدء العمل في التشريعات الجزائية بعد قيام الحكم الملكي في العراق ، حتى أن الواقع العملي يشير الى مخالفة قانونية واسعة في العديد من القضايا التحقيقية التي تطول بها فترة توقيف المتهم حيث تتجاوز المدة التي أشارت لها الفقرة من المادة 109 من الأصول الجزائية التي لم تجوز زيادة مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ، وان لايزيد بأي حال من الأحوال على ستة اشهر وإذا اقتضى الحال تمديد التوقيف أكثر من ستة اشهر فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لاتتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة او تقرر إطلاق سراحه بكفالة او بدونها مع مراعاة حالة المتهم بجريمة معاقبا عليها بالإعدام . مع إن النص الوارد في المادة الثانية عشر من الدستور أوجب عرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لاتتجاوز أربعا وعشرين ساعة من حين القبض عليه ، وهذا النص الدستوري متطابق مع نص المادة 123من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، إلا أن نص الجملة الأخيرة من النص الدستوري التي لم تجوز تمديد توقيف المتهم إلا ( مرة واحدة ) وللمدة ذاتها لاينسجم عمليا مع واقع الحال ، ولا يجد له مجالا للتطبيق في القضايا التحقيقية التي تعرض اليوم على قضاة التحقيق في العراق ، حيث يتم تمديد توقيف المتهم مددا طويلة وفقا لمتطلبات العمل في أنجاز القضية التحقيقية من قبل المحقق في المكتب المشرف على القضية .

أن تشخيص معوقات العمل في التحقيق لايتم بتطبيق النصوص الواردة في القوانين الإجرائية فقط ، ولافي سرعة إنجاز القضية التحقيقية المعروضة على القاضي ، مالم يتم مصاحبة ذلك تطوير لأساليب العمل ولعقلية المحقق وخبرة وقدرة قاضي التحقيق ، لذا ينبغي تسليح المحقق بثقافة قانونية ولو بالحدود الدنيا لمعرفة الحقوق والقوانين وحقوق الإنسان ، بالإضافة إلى اعتماد الوسائل التقنية الحديثة في خزن المعلومات وتوثيق القضايا التحقيقية ، وربط الدورات الملزمة للقائم بالتحقيق لمعرفة الأسس والأساليب ، وعدم غلق مجالات الإبداع والتطوير لدى المحقق ، وإيجاد صيغة من التنسيق والأشراف لمجلس القضاء الأعلى على تلك المؤسسات التنفيذية العاملة في التحقيق والتي تقوم بدورها بتطبيق قرارات القضاة ، والتنسيق لتطوير قدرات قضاة التحقيق في المعاهد الجنائية الدولية والدورات المهنية في الاختصاص .

بالإضافة الى عملية مراجعة وتدقيق للقوانين التي تم تشريعها في المرحلة السابقة ، والتي لم تعد تنسجم مع الدستور ودولة القانون ، وليس لها محل في الدولة الاتحادية الديمقراطية ، ولهذا لابد من البدء بتنمية التعليم القضائي والاهتمام بعقد المؤتمرات التي تبحث وتعالج قضية الإصلاح الواجب على النصوص القانونية ، وعكس الواقع العملي من خلال إشراك المحققين وقضاة التحقيق ومحاكم الجنايات في هذه المؤتمرات ، حتى يمكن أن نرتقي بالقضية التحقيقية الى مستوى من العمل والأهمية والسرعة في الانجاز بما يليق بالإنسان العراقي وبما يرتقي بالأساليب التي تظهر قيمة قدرة المحقق والقاضي على الوصول الى الأدلة الجنائية بأساليب لاتخل بالقانون ولاتمس آدمية المتهم وتنجح في أيجاد صيغ من التنسيق والانسجام والثقة بين المحقق وبين القاضي .وتشجيع الاندفاع باتجاه التطوير والبحث سعيا نحو تأسيس قواعد قانونية من خلال عمليات الاستنباط والاستنتاج والتقصي الدؤوب وصولا لتحقيق العدالة في القرار والأحكام .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت