ان اثبات الواقعة امام القاضي يستلزم شروطا معينة في تلك الواقعة حتى يكون بمقدور قاضي الموضوع ان يمارس عمله في الاثبات بصددها، وهذا ما اشارت اليه المادة (10)* من قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 بالنص على انه: (يجب ان تكون الواقعة المراد اثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزاً قبولها). ان الامر يتطلب قبل بيان هذه الشروط ان نبين وجه الفرق بين شروط طرق الاثبات، وشروط الواقعة محل الاثبات، فكون القانون يجيز الاثبات بدليل كالكتابة فهذه المسألة تتعلق بشروط طرق الاثبات، وكون القانون لا يجيز اثبات واقعة معينة لاعتبارات تتعلق بالنظام العام او لانها غير منتجة في الدعوى المرفوعة أمام مجلس القضاء فهذه شروط اذا لم تتوفر لا يجوز اثبات الواقعة ولو كانت طرق الاثبات المستخدمة في اثباتها مما يجوز القانون اثبات مثلها بها، اما شروط الواقعة القانونية(1). محل الاثبات فهي تعني كل واقعة كانت طبيعية أي بفعل الطبيعة كالصاعقة مثلا او بشرية أراديه كالتصرف القانوني العقد والارادة المنفردة او تكون غير ارادية كالعمل غير المشروع فكل واقعة يترتب عليها اثار قانونية كالبيع والرهن والايجار وغيرها من الوقائع(2)، يتوجب على الخصم ان يبين الوقائع التي يطلب اثباتها بالشهادة وان يسمي الشهود، فاذا رأت المحكمة ان تلك الوقائع منتجة وجائز اثباتها بشهادة الشهود قررت استماعهم وليس للقاضي ان يستمع من تلقاء نفسه ومن دون ان يتخذ قراراً بذلك ومن دون ان يطلب من الخصم وقبل ان يسميهم ويبين تلك الوقائع المطلوب اثباتها(3)، ان اثبات حصول الواقعة يجب ان تكون متعلقة بالدعوى نفسها وتؤدي الى نتيجة الحسم، هذا يعني ان الوقائع المؤثرة في نتائج النزاع ينبغي اثباتها بالوسائل المعينة في القانون، ولا يصح الركون في اثباتها الى الاستدلال المجرد من أي دليل(4)

ومن الوقائع التي يجوز قبولها قانونا مثلا لو ادعى ايسر بانه قد اشترى داراً من خالد وانه ممتنع عن نقل ملكية الدار من خلال تسجيله باسم المشتري ايسر في دائرة التسجيل العقاري المختصة وقدم خالد دفوعه بانه قام بنقل ملكية الدار باسم ابن المشتري ايسر فان هذا الدفع غير مقبول لكونه يعتبر غير متعلق باصل الدعوى لان تحويل ملكية الدار يجب ان يتم باسم المدعي (المشتري) وهو أيسر، الا اذا هو طلب هو ان ينقل ملكية الدار باسم ابنه بنص صريح وواضح على العقد المبرم بينهما او أي دليل كتابي اخر(5). ان الواقعة القانونية المراد اثباتها قد تكون ايجابية او سلبية، وهي في كلتا الحالتين يجب ان تكون محددة، لان الواقعة غير المحددة* لا يستطاع اثباتها، كذلك يجب ان تكون الواقعة المراد اثباتها متعلقة بالدعوى أي متصلة بموضوع الدعوى، وهذا الشرط يعتبر متوفرا اذا انصب الاثبات على الواقعة التي هي فعلا مصدر الحق، كما اذا تمسك المعترض بعقد القرض للمطالبة بسداد الدين؛ فان الواقعة في هذه الحالة لا يمكن الا ان تكون متعلقة بالحق المطالب به (6)، اذا تبين لقاضي الموضوع ان الوقائع المدعي بها من الخصوم غير محددة بوضوح كان له رفض طلب الاثبات المقدم بشأنها فتقدير صحة الدعوى يدخل ضمن اختصاص السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض او التمييز(7)، ولا يكفي ان تكون الواقعة متعلقة بالحق المطالب به، وانما يجب ان تكون منتجة في الاثبات، او بتعبير اخر ان يتوافر بها احد عناصر الاقناع ولو لم تكن حاسمة في حل النزاع(8). وما يستلزم ايضا في الواقعة القانونية المراد اثباتها ان لا تكون الواقعة مستحيلة او ان يكون في القانون ما يحرم اثباته(9)، والاستحالة التي تمنع من الاثبات قد تكون استحالة مادية كمن يدعي انه ابن شخص اصغر منه سنا، وقد تكون الاستحالة بسبب اطلاق الواقعة أي بسبب عدم تحديدها كمن يدعي انه مالك بعقد من دون ان يبين ماهية هذا العقد هل هو عقد بيع ام هبة او أي عقد اخر من العقود الناقلة للملكية وقد تعود الاستحالة لحكم القانون نزولا على مقتضيات المصلحة العامة المتمثلة بالنظام العام والآداب، كإثبات دين القمار، او بيع في تركة انسان على قيد الحياة، او اثبات علاقة جنسية غير مشروعة، كما لا يجوز للخصم اثبات عدم صحة حكم صادر من محكمة لكونه يؤدي الى زعزعة صحة الاحكام الصادرة من المحاكم ذات الصلاحية المحددة قانوناً وعدم استقرار احكامها الصادرة من قبلها(10). اما بخصوص شروط صحة الدليل او شروط طرق الاثبات بالامكان تلخيصها بالشروط التالية:

ان يكون هنالك حق متنازع عليه، عرض امام القضاء، للفصل فيه أي ان تكون الواقعة محددة قانوناً، منصوص عليها قانونا ينقصها الدليل الذي يثبت وجودها.

ان يكون الدليل من بين ادلة الاثبات التي حددها القانون او التي اعطى فيها سلطة تقديرية لاستنباطها من اجل اثبات الحق المتنازع عليه(11).

يجب اقامة الدليل في سوح القضاء (مجلس القضاء)، وان يكون معروض للمناقشة من قبل الخصوم وفق الضوابط التي حددها قانون الاثبات في المادة (9) بالنص على انه: (للقاضي ان يأمر ايا من الخصوم بتقديم دليل الاثبات الذي يكون بحوزته فان امتنع عن تقديمه جاز اعتبار امتناعه حجة عليهلان الاثبات القضائي وسيلة لغاية. اما الغاية من هذا الاثبات، فهي الكشف عن حقيقة قانونية يتوقف عليها تقرير او ترتيب اثر قانوني هو في المسائل المدنية والتجارية حق متنازع عليه، وفي المسائل الجنائية عقوبة جزائية او اجراء أمني وقائي. كما اوضحت المادة (14) من قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 على انه يتطلب الامر دعوة الخصم لحضور اجراءات الاثبات، ويجوز ان يتخذ الاجراء في غيابه اذا كان قد تبلغ وتختلف عن الحضور بغير عذر مشروع. لا يجوز للقاضي ان يأخذ بدليل قدمه احد الخصوم او شخص اخر من غير ان تتاح لمن وجه هذا الدليل ضده فرصة مناقشته وادحاضه، كذلك لا يحتج على الخصم بدليل قام في قضية اخرى لم يكن طرفا فيها(12).

يجب ان يكون الدليل تم الحصول عليه من خلال اتباع الاجراءات القانونية الصحيحة للدعوى المنتجة للحكم، أي ان اجراءات الحصول على أي دليل متوقفة مع ما منصوص عليه قانونا، كعدم الحصول على اقرار المقر باعتباره من ادلة الاثبات عن طريق الاكراه او التهديد باستخدام القوة او ما شابه ذلك(13).

_________________

* تقابلها المادة (2) من قانون الاثبات المصري رقم 25 لسنة 1968؛ م(3) قانون الاثبات (البينات) السوري رقم 359 لسنة 1947؛ م(4) من قانون البينات الاردني رقم (30) لسنة 1952.

1- د. ادم وهيب النداوي، شرح قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979، ط1، بغداد 1984، ص37.

2- السنهوري، الوسيط، ج2، ص63؛ د. سليمان مرقس، اصول الاثبات في المواد المدنية، ط2، المطبعة العالمية، مصر، 1952، ص11.

3- نقض سوري رقم 1025 في 26/12/1978، مجلة المحامون السورية، نقابة المحامين السورية، العدد (3) لسنة 1979، ص92.

4-تمييز عراقي رقم 1078 ، ح، 1954، ص23، عبد الرحمن العلام، المبادئ القضائية، القسم المدني لاحكام محكمة التمييز ، مطبعة العاني، بغداد، 1957.

5- حسين عبد الهادي البياع المحامي، شرح قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979، ط1، مطبعة الاقتصاد، بغداد، 1986، ص19، ص20.

* يرى بعض اساتذة القانون (ادوار عيد، قواعد الاثبات في القضايا المدنية والتجارية، ج1، مطبعة النشر، بيروت 1961، ص85): ان على الخصوم الادلاء بالوقائع التي يسندون مطالبهم اليها؛ كما يذهب الاستاذ (جلال العدوي، مبادئ الاثبات في المسائل المدنية، ص90): الى استبعاد ما يراه الفقه من ان تكون الواقعة غير المحددة الا بالاقرار واليمين، فانه يمكن بالتالي ويجوز اثبات مثل هذه الواقعة بهذين الدليلين من ادلة الاثبات ومن حيث ان الواقعة غير المحددة يجوز اثباتها بالاقرار واليمين، فانه لا يجوز ان نشترط لقبول الواقعة في الاثبات ان تكون واقعة محددة ومن حيث ان الواقعة غير المحددة لا يجوز اثباتها الا بالاقرار واليمين لانه يستحيل اثباتها بغير هذين الدليلين من ادلة الاثبات، فان حسبنا ان نشترط ان تكون الواقعة غير مستحيلة الاثبات بالدليل الذي يراد اثباته.

6- د. محمد حسن قاسم، الاثبات في المواد المدنية والتجارية ، ط1، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت2001، ص64؛ د. انور سلطان، قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، ط1، 1984، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت ، ص60.

7 – قرار تمييزي لبناني 14/1/1955، مجموعة باز –3- ص62، رقم ص46.

8- د. آدم وهيب النداوي- شرح قانون الاثبات، ص39، ص46.

9- د. انور سلطان، قواعد الاثبات في المواد المدنية و التجارية، ط1، الدار الجامعة للطباعة و النشر، بيروت ، ص30.

10- توفيق فرج الصدة، قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1983، ص53؛ احمد ابو الوفاء، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، الدار الجامعة للطباعة و النشر، بيروت، 1983، ص62؛ د. ادم وهيب النداوي، شرح قانون البينات والاجراء الاردني، ط1، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الاردن، 1998، ص35.

11- تمييز عراقي رقم 99، ص، 1956 في 27/2/1956، العلام، المبادئ القضائية، ص24.

12- تمييز عراقي رقم 1763 ، ص،964 في 29/11/1964، قضاء محكمة تمييز العراق – المجلد الاول، لسنة 1964، مطبعة الادارة المحلية، 1968، ص4؛ الموسوعة الذهبية لاحكام محكمة النقض المصرية، 24/5/1963، ص86-100.

13- توفيق فرج الصدة، قواعد توفيق فرج الصده، قواعد الاثبات في المواد المدنية و التجارية، مؤسسه الثقافية الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1982، ص3؛ د. سليمان مرقس، اصول الاثبات في المواد المدنية، ط2، المطبعة العالمية، مصر، 1953، ص36.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .