بواسطة باحث قانوني
جرائم الخطف

إذا كان الإنسان يفقد كيانه بإزهاق روحه ، فإنه يفقد وجوده بفقدانه لحريته الشخصية التي هي أساس الحريات جميعاً ، بل هي الهدف الأسمى الذي تحافظ عليه السلطة في أي دولة عادلة .

هذه الحرية قد تتعرض للضياع أو الفقد قسراً على يد معتد آثم من أحد أفراد الناس أو متكبر جبار من رجال السلطة ، سواء أكان بالخطف أم بالقبض غير المشروع أم بالحجز غير المشروع ، وفي هذه الحالات تظهر الحماية الجزائية لحرية الإنسان بتجريم هذه السلوكيات .

وتتنوع صور الخطف على أساس الدوافع إلى ارتكابها ، وقد تطورت هذه الجريمة في العصر الحديث في غاياتها وأساليبها ، فنجد خطف الأطفال من وليهم الشرعي وخطف الفتيان والفتيات بهدف تحقيق رغبة جنسية أو للابتزاز المالي أو خطف الكبار بهدف القتل أو الإيذاء أو الحجز . كما ظهرت على المستوى الدولي في الآونة الأخيرة من خلال عمليات القرصنة التي تتم على سواحل الصومال .

وسنتناول في هذا البحث بيان المقصود بالخطف وركنا جريمة الخطف والجزاء الجنائي المقرر لها ؛ وذلك على نحو ما هو تالٍ : ـ

المبحث الأول : ماهية الخطف .

أولا : مفهوم الخطف في اللغة .

جاء في المعجم الوجيز أن الخطف يعني : جذب الشيء وأخذه بسرعة ، واستلبه واختلسه . ويقال : خطف البرق البصر : ذهب به ، وخطف السمع : استرقه. وأخطف السهم : أخطأ . والخاطوف ما تختطف به الشيء (ج) خواطيف . الخطاف : الكثير الخطف يقال : لص خطاف [2] .

وقد جاءت كلمة الخطف في العديد من الآيات القرآنية لتعبر عن معنى الأخذ على سبيل السرعة فقال تعالى : ﴿ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب﴾ [3] .

وقال U : ﴿ أولم يروا أنا جعلنا حرما آمناً ويتخطف الناس من حولهم ﴾ [4].

ثانياً : مفهوم الخطف في القانون الفلسطيني .

عرف المشرع الفلسطيني الخطف بالنص على أنه : ” يقال أن شخصاً خطف شخصاً آخر إذا أرغمه بالقوة أو حرضه بأية وسيلة من وسائل الخداع على مغادرة أي مكان ” [5] .

كما عرف الخطف من فلسطين بالنص على أنه : ” يقال بأن شخصاً خطف شخصاً آخر من فلسطين إذا نقله إلى ما وراء حدود فلسطين بغير رضاه أو بغير رضى من له حق الولاية عليه بحكم القانون ” [6] .

فالمشرع الفلسطيني يفرق بين نوعين من الخطف : الأول : الخطف المحلي والذي ينحصر نطاقه داخل الحدود الفلسطينية . والآخر : الخطف الدولي والذي يترتب عليه نقل المخطوف إلى خارج الإقليم الفلسطيني .

وقد عرف بعض الفقهاء الخطف بأنه : انتزاع شخص من بيئته ونقله إلى بيئة أخرى ، حيث يخفى فيها عمن له حق المحافظة على شخصه ” [7] .

أما مشروع قانون العقوبات الفلسطيني فقد عرفه بأنه : ” نقل شخص بالتحايل أو الإكراه أو التهديد من المكان الموجود فيه إلى مكان آخر ” [8] .

وبالتالي فجريمة الخطف مهما تعددت صورها واختلفت أغراضها ، فهي تمس السلامة البدنية للأشخاص وحريتهم وتهدد أمنهم . وتقع بسلوك إجرامي يفترض الانتزاع بالقوة أو بالتهديد باستعمالها أو باستعمال أي وسيلة من وسائل الغش والخداع والحيلة لسلب إرادة المخطوف وحمله على الانتقال إلى مكان آخر غير المتواجد فيه .

ثالثً : تمييز جريمة الخطف عن جريمة الحجز غير المشروع .

تشترك جريمتا الخطف والحجز غير المشروع في كافة العناصر والأركان المادية والمعنوية الواجب توافرها فيهما إلا أن العنصر المميز بينهما هو حضور المجني عليه للمكان ، ففي الخطف يكون بالقوة أو بالحيلة ، أما في الحجز فإنه يحضر بإرادته إلى المكان الذي تقع فيه الجريمة .

وفي حادثة عرضت على القضاء الفلسطيني تتلخص وقائعها أن رجلان من العريش قدما إلى فلسطين طلباً للحصول على دين لهما في ذمة (ع. ر.) من قرية (خزاعة) قدره ثمانية جنيهات وستين قرشاً وبينما هما في طريقهما العام المؤدي إلى تلك القرية اعترضهما شخص ظهر أنه متوتر بسبب حادث قتل حصل لأخيه نتيجة مداهمة سيارة له كان يسوقها أحد العرايشة ؛ قاصداً بذلك أن يتعرف عليهما لاحتمال أن يكونا هما أصحاب الدم . وعلى حد قول أحد الشهود : إن هذا الشخص قال لهما تفضلوا يا شباب عندي ، فقبلا دعواه . ولما ساءت النية بينه وبينهما عندما طلب هويتهما ، وعندما طلب أيضاً أن يخبراه عن أي شخص يعرفهما في هذه الجهة ، وظهرت معارضتهما له ، فقد أشهر عليهما مسدسه ، وقد تبين أن هذا الشخص هو المتهم الأول (م. د.) ، فسارا معه إلى حيث أمرهما ، وفي أثناء الطريق لحق بهما المتهم الثاني والثالث ، وأمروهما بدخول حاكورة لهم ، وقال لهم المتهم الأول (تشاهدوا) بمعنى استعدوا للموت . كما أن المتهم الثالث أحضر قنبلة يدوية من نوع (ملز) من بين الصبر ، وهنا وقع الاعتداء على المجني عليهما ، واستعمل المتهم الأول مسدسه بأن وضع فوهته على رأس أحدهما وحرك زناده ، ولكن الطلقة لم تنطلق ، والمتهم الثاني سحب عليهما السكين التي كانت معه ، والثالث حاول إلقاء القنبلة عليهما ، ولكنه لم يتمكن لأن أحد المجني عليهما مسكه من يده ، ولمناسبة الاستغاثة منها حضر بعض الأفراد والبوليس ، وتمكنوا من خلاصهما بعد إصابة أحدهما بجلوط سطحية في الرقبة ، وتقرر له علاج أسبوعاً للشفاء .

وكانت نقطة البحث التي عرضت على محكمة الاستئناف العليا هي : هل الحادث ينطوي على جريمة الخطف أم جريمة الحبس غير المشروع ؟

وقررت المحكمة أن جريمة الخطف المقررة في المادتين (254 ، 256) من قانون العقوبات هي التي تنطبق على هذه الواقعة ؛ لأن هذين الشخصين كانا في طريقهما العادي ، وألزما على مغادرة المكان العام ، وظهرت نية من ألزمهما على مغادرة هذا المكان عندما تبينت المحكمة أن هناك مسدساً كان محشواً بالرصاص من طلقات عدة وتصويبه إلى رأس المجني عليه ، وعدم انفجار الرصاصة لسبب خارج عن إرادة المتهم ، كما تبينت أيضاً من إلزامهما بدخول الحاكورة أن هؤلاء الأشخاص الخطرين على الأمن كانوا يعلمون أن في الحاكورة قنبلة يدوية ، وأرادوا أيضاً أن يستعملوها ، ولكنهم منعوا من استعمالها بأمر خارج عن إرادتهم أيضاً ؛ لذلك قررت المحكمة تعديل وصف التهمة الأولى لتكون الخطف بقصد القتل المعاقب عليهما بالمادتين (254 ، 256) من قانون العقوبات الفلسطيني .

هذا وقد خالف أحد قضاة المحكمة العليا هذا الحكم الصادر بالأغلبية بقوله : إن السبب الذي حمل المحكمة المركزية على تعديل التهمة الأولى وهي الخطف بقصد القتل إلى تهمة الحبس غير المشروع ؛ ولأنها اعتبرت أن إيقاف المتهم الأول للمجني عليهما وسؤاله عن بطاقة هويتهما ، وأمره لهما بالسير معه وضربه والآخرين لهما وإدخالهما في حاكورة المتهم ، وإشهار المسدس عليهما ، وحمل المتهم الثالث القنبلة لا يكفي هذا للقول بأنهم كانوا ينوون قتل المجني عليهما ، إذ كان لديهم من الوقت ما يتسع قبل مجيء الفازعين لتنفيذ غايتهم لو كان لديهم فعلاً نية القتل خاصة وأنهم مسلحون بمسدس وسكين وقنبلة .

وبعد فحص البينة التي استمعت إليها المحكمة المركزية ومطالعة شهادات المجني عليهما المعطاة أمام قاضي التحقيق ، والذين لم يحضروا إلى المحكمة المركزية أثناء المحاكمة بحجة أنهما غير موجودين في العريش رأي القاضي صاحب الرأي المخالف أن النتيجة التي وصلت إليها المحكمة المركزية من أن البينة لا تثبت تهمة الخطف بقصد القتل هي سليمة ؛ ذلك أن المتهم الأول ورفاقه كانوا موجودين في الحاكورة بطبيعة الحال يشتغلون في الزراعة ، فمر عنهم المجني عليهما صدفة وسمعهم يشيرون إليه بأنه أخ الشخص الذي دهس من قبل بعض الأشخاص من العريش ، وكان يرافق المجني عليهما وقتئذ شخص من أهالي القرية يدعى (ع. ق.) ، فذهب إليهما ، وجعل يبحث معهما عن الخبر ، وأراد أن يتحقق من شخصيتهما ، فطلب بطاقتي هويتهما ، والذي يظهر بأنهما امتنعا عن إعطائه المعلومات اللازمة أو أنهما أعطياه معلومات غير كافية ، فأخذهما إلى الحاكورة خاصته التي كان موجود بها قبل حضورهما ، واستمر في البحث معهما ، وهددهما وضربهما بالاشتراك مع رفاقه ، وكل ذلك للوصول إلى غايته ، وهي الحصول على المعلومات الكافية عن مقتل أخيه ؛ حتى أن وصل إلى محل الحادث بعض الأشخاص الذين سمعوا الصراخ ، فاقتادوهم جميعاً إلى بيت الحاج (م. د.) حيث جاء البوليس .

وأضاف أنه بالرجوع إلى الفصل الثامن والعشرين المختص في الجرائم التي تقع على الحرية الشخصية ، فإن المقصود بالخطف هو خطف الشخص إما من فلسطين إلى ما وراء حدودها أو خطفه إلى مكان ناء غير معلوم بعيد عن أعين الناس كما هو قصد الشارع . ومنه ثم يظهر أن الشارع قسم الخطف إلى قسمين خارج الحدود وداخل الحدود ؛ ولذلك فإن الخطف لا بد وأن يكون إلى محل ليس في متناول الناس بالطريقة العادية الطبيعية ، والاهتداء إليه ، وليس من السهل الاهتداء إلى المخطوف ، إذ عرف الخطف من فلسطين بأخذه إلى ما وراء الحدود ، وقصد بذلك أن لا يكون في متناول الأفراد العاديين ، ويصعب عليهم الوصول إليه ؛ ولذلك فالخطف ضمن حدود فلسطين يجب أن يكون إلى محل يتعادل مع الخطف إلى خارج حدود البلاد .

أما تحويل اتجاه المجني عليهما إلى حاكورة قريبة للطريق تبعد مقدار مائة متراً عن مسجد يفرض أن يكون غاصاً بالمصلين ؛ لأن الوقت كان وقت العصر وبعيدة ثلاثمائة متراً عن المحلات المأهولة بالسكان الذين يمكنهم أن يروا الأشخاص الموجودين فيها كما هو واضح من بعض شهادات الشهود ، فلا يمكن أن يكون خطفاً بالمعني المقصود في المادة (254) ، ولا يمكن أن يكون أيضاً من نوع الخطف بقصد القتل ؛ لأن النيابة تعترف في سرد وقائع التهمة الرابعة أن المتهم الأول أشهر على المجني عليهما المسدس بعد الخطف ، وأطلق منه عياراً نارياً ، ولم تنفجر الرصاصة بعد الخطف أيضاً ؛ ولذلك فلا يمكن أن يكون هنالك خطفاً بالقوة وبقصد القتل ؛ لأن مجرد تحريك الزناد وإطلاق العيار الناري الذي لم ينفجر لا يثبت تهمة الخطف بقصد القتل .

وأردف أن تلك الواقعة أقرب لمحاولة القتل منها للخطف بقصد القتل ، ولكن البينة لا تثبت لا هذه ولا تلك ؛ لأن في تهمة محاولة القتل يتوجب إثبات عناصر التعمد [9] ، وفي تهمة الخطف بقصد القتل يتوجب إثبات أن المحل الذي خطف إليه المجني عليهما محلاً نائياً غير معلوم لأحد ؛ ليتيسر إلى المتهم الذي ينوي القتل تنفيذ غايته بعيداً عن أعين الناس ، وهذا وحده يكفي لإثبات الخطف بقصد القتل ؛ حتى ولو لم يحرك المتهم الزناد ؛ لأن مجرد أخذه إلى المحل البعيد عن أعين الناس، والغير معلوم إليهم يثبت بأن الخطف كان للقتل أو تعريض حياة المخطوف لخطر القتل . ولو لم يكن هذا هو قصد الشارع ، فلا معنى لاستعمال كلمة الخطف وكان الأولى أن يستعمل كلمة مخففة عن هذه الكلمة .

واستطرد أن الحادث في هذه القضية كان آنياً لم يسبقه تدبير أو التفكير فيه ، إذ إن المجني عليهما قد مرا عن المتهمين بطريق الصدفة ، ولم يكونوا ليعلموا بقدومهما، ولو أن المجني عليهما لم يلفتوا نظر المتهم الأول بالتحدث عن أخيه المقتول والإشارة إليه لما علم عنهما شيئاً ، ولما اهتم بأمرهما وانتهى الأمر بسلام ، ووصلا إلى الجهة التي يقصدونها ، وأن مجرد كون المحل الذي سيق المجني عليهما إليه قريباً من المحلات المأهولة بالسكان بدليل أن المجني عليهما بمجرد أن رفعا صوتهما صارخين جاءهم الفازعين ؛ الأمر الذي يخرج هذه التهمة من نطاق الخطف بقصد القتل .

وأن من واجبات محكمة الاستئناف أن تحاول التوفيق بين الأحكام [10] . وأن لها حق تعديل الحكم عندما يظهر أن الحكم كان غير مشروع أو مستند إلى مبادئ خاطئة[11]. وأن مجرد كون الحكم خفيف أو أنه غير كاف لا يحمل محكمة الاستئناف لزيادته عندما لا يكون هنالك أسباباً خاصة [12] ، وبينما إنها تتردد دائماً في التدخل في الحكم لما فيه ضرر المتهم ، إلا أنه عندما يكون الحكم خفيف جداً بالنسبة إلى نوع التهمة ، وقيمة الأموال يحق لها أن تتدخل وتزيد العقوبة ، ولا يجوز لها أن تزيد العقوبة لمجرد أنها لو نظرت الدعوى بالابتداء لفرضت عقوبة أشد [13] .

وأضاف أن المحكمة الابتدائية اعتبرت التهمة الأولى منطبقة على المادة (262) من قانون العقوبات الفلسطيني التي نصت على أن : ” كل من قبض على شخص آخر أو حجزه بوجه غير مشروع ، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة أو بغرامة قدرها خمسون جنيهاً ، وإذا كان قد أوقع القبض غير المشروع على ذلك الشخص بادعائه زوراً بأنه يشغل وظيفة رسمية أو بأنه يحمل مذكرة قانونية بالقبض عليه ، يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات ” .

ومع أن المتهمين لم يستأنفوا هذا الحكم فإن هذه التهمة لا تثبتها البينة ؛ لأنه لم يكن هناك حجزاً بالمعني القانوني خاصة وأن الحجز الذي وقع للمجني عليهما كان للفترة التي جرى فيها البحث معهما عن حادث قتل أخ المتهم الأول في (العريش) ، وأن مجرد حجز المجني عليهما عن الاستمرار في سيرهما ـ بينما بدون المرور في هذا الطريق يستطيع الوصول إلى الجهة التي يقصدانها ـ لا يعتبر من نوع الحبس أو الحجز[14] . وعندما تعجز النيابة عن إثبات الحبس ، فلها إثبات الاعتداء خاصة وأن وقائع القضية من هذه الناحية لا تثبت أكثر من تهمة الاعتداء .

وللأسباب المذكورة اتجه صاحب الرأي المخالف صوب القول : إنه لا داعي للتشديد ، وليس للتشديد ما يبرره ورد الاستئناف المتقدم من النيابة ، والاكتفاء بالعقوبة التي فرضتها المحكمة الابتدائية [15] .

المبحث الثاني : ركنا جريمة الخطف

لكل جريمة ركنين رئيسين يمثلان الإطار العام الذي يلزم توافره في كل جريمة ، وهناك بعض الجرائم تحتاج إلى ركن خاص أو أكثر بمثابة عناصر تدخل في تكوينها وهما في جريمة الخطف : الركن المادي والركن المعنوي ، فإذا انتفى أحدها ، فلا يقوم للجريمة قائمة من جهة التشريع الجزائي ، وسنتولى في هذا المبحث دراسة هذين الركنين على نحو ما هو تالٍ : ـ

المطلب الأول : الركن المادي .

الركن المادي هو القاسم المشترك بين كافة الجرائم ، فإذا لم تتخذ الأفكار والمعتقدات الداخلية لشخص ما مظهراً خارجياً ملموساً ، فإنه لن يترتب عليها أية أضرار بالمصالح التي يحميها التشريع الجزائي ، ولا ينتج عنها تهديد للنظام العام ، وتنتفي عنها من ثم علة التجريم والجزاء ؛ ذلك أن الإيمان بفكرة مؤثمة أو التصميم عليها لا يخرجها من مجالها ، ولا يرقى بها إلى مرتبة الأعمال الخارجية التي تستحق التأثيم .

ولا يتصور أن يرتكب جريمة الخطف إلا الإنسان ولا تقع إلا على إنسان ؛ لأنها لا تعدو أن تكون سلوكاً بشرياً إرادياً يعتد به القانون ، والركن المادي لهذه الجريمة له عناصر ثلاثة هي : السلوك الإجرامي والنتيجة وعلاقة السببية ، وهو ما سنتناوله بالتحليل على نحو ما هو تالٍ : ـ

الفرع الأول : السلوك الإجرامي .

يشترط في جريمة الخطف أن يكون محلها إنساناً حياً وقت اقتراف الجريمة ، فلا تقع إلا إذا كان المجني عليه إنساناً ، فإذا انتفت هذه الصفة في محل الاعتداء لا تقع جريمة الخطف ، وإن جاز معاقبة الجاني عن جريمة أخرى : كمن يأخذ حيوان جاره بدون رضاه ، وبقصد حرمانه منه حرماناً مطلقاً ، ففي هذه الحالة تقوم جريمة السرقة لا الخطف ، وكذلك من يأخذ جثة ميت ويحجزها في بيته ، فلا يسأل عن جريمة الخطف، وإن جاز سؤاله عن جريمة إخفاء الجثة .

ويقوم السلوك الإجرامي في جريمة الخطف في القانون الفلسطيني بوسيلة من وسيلتين : الأولى : الخطف بالقوة ، والأخرى : الخطف بالخداع ؛ ينتج عن أي منهما أو كلاهما معاً انتزاع المخطوف من المكان المتواجد فيها ونقله إلى مكان آخر غير الذي اختطف منه :

أولاً : الخطف بالقوة .

يقصد بالقوة استعمال العنف أو التهديد باستعماله مع المخطوف أو مع غيره بأي درجة من درجاته بهدف التأثير عليه ليستجيب لرغبة الخاطف في نقله من مكان تواجده إلى مكان آخر رغماً عنه ، ومهما كان قدره طالما أن فيه مساساً بسلامة البدن ، ويستوي أن يكون ذلك العنف قد سبب ألماً للمتهم أم لم يسبب شيئاً من ذلك القبيل .

فتتحقق جريمة الخطف بإتيان الجاني سلوكاً يتخذ صورة انتزاع المجني عليه من مكان تواجده ونقله عنوة إلى مكان آخر ، وقد يستعمل في سبيل ذلك وسيلة من وسيلتين :

الأولى : الوسائل البدينة ، حيث يستعملها الجاني لسلب إرادة المجني عليه : كالاعتداء عليه بالضرب ، وانتزاعه بالقوة من مكانه ، أو باستعمال مخدر ونقله وهو فاقد الوعي إلى مكان آخر . ومن الأمثلة كذلك : إمساك المجني عليها من يدها ، ومحاولة جذبها لكي تضطر لقبول ما يمليه عليها الجاني من أخذها معه إلى بيته .

ولا يشترط لتوافر القوة أن تكون قد استعملت الوسائل المادية بدرجة معينة ، بل يكفي أن يكون السلوك قد حصل ضد إرادة المجني عليه أياً كانت درجة القوة المستعملة في الجريمة .

الأخرى : الوسائل النفسية ، يقصد بها تهديد المجني عليه بأي وجه من الوجوه إن لم يذعن للأمر بمغادرة المكان إلى المحل الذي يختاره الجاني . ومن أمثلتها : تهديد المجني عليها باستعمال السلاح أو بإفشاء سر من أسرارها ، ولذا قضي أن المتهم قد حاز صوراً مشينة للمجني عليها ، وطلب منها الحضور لتسلمها، ولما حضرت لاستلامها في الموعد المحدد ـ خوفاً على سمعتها ـ طلب منها المتهم الصعود إلى سيارته لتسليمها الصور ، وبدلاً من ذلك قادها إلى طريق جانبي منحرفاً بها فجأة إلى مكان غير مأهول ، وأمرها مهدداً إياها بنزع ملابسها الخارجية وسروالها ، وقام بهتك عرضها بما يكفي للقول بتوافر جريمة الخطف [16] .

هذا ويأخذ حكم القوة استغلال حالة المجني عليه التي لا تمكنه من المقاومة، أو حرية الاختيار كحمل الجاني لطفل إبان نومه ، أو حمل المجني عليها وهي في حالة فقد للوعي أو تخدير أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي [17] .

وقد قضت محكمة النقض أن ركن القوة في جناية المواقعة التي يتحقق باقترانها بجريمة الخطف الظرف المشدد يتوافر كلما كان الفعل المكون لها قد وقع بغير رضاء من المجني عليها سواء باستعمال المتهم في سبيل تنفيذ مقصده من وسائل القوة أم التهديد أم غير ذلك ؛ مما يؤثر في المجني عليها ، فيعدمها الإرادة ، ويقعدها عن المقاومة [18] . وأن الخطف يعد متحققاً فيه عنصر الإكراه أو التحايل إذا كان المخطوف لم يبلغ درجة التمييز بسبب حداثة سنه [19] .

ثانياً : الخطف بالخداع .

يقصد بالخداع في جريمة الخطف الغش والتدليس والإيهام والحيلة باستعمال وسيلة من وسائل الخداع من شأنها سلب إرادة المجني عليه وحمله على الاستجابة لطلبات الجاني .

فلا يشترط المشرع حصول السلوك الإجرامي في الخطف بالقوة فقط بل يتحقق ، ولو كان المجني عليه قد تبع الجاني بإرادته ؛ متى استخدم الجاني وسيلة من وسائل الخداع لكي يجعله يتتبعه ، أي يتطلب الشارع وجود تدخل شخصي من جانب الجاني ، فلا تتحقق الجريمة إذا كان المجني عليه قد هرب من منزل عائلته ، وأقام لدى الجاني في منزله بإرادته.

ولا يعتبر خداعاً الكذب المجرد الذي يخلو من استعمال وسائل الغش والإيهام والحيلة ، بل لا بد أن يكون الكذب مصحوباً ببعض الأفعال أو المظاهر التي تؤيده بحيث يمكن بواسطتها خداع المجني عليه والتأثير على إرادته [20] .

ولذا قضت محكمة النقض : ” إن القانون في المادة (288) إذ غلظ العقاب إذا وقع الخطف بالإكراه أو التحيل ، فجعله أزيد من ضعف عقاب الجريمة التي لا يتوافر فيها أي من هذين الظرفين ، وإذ سوى بين الظرفين المذكورين في الأثر من حيث تغليظ العقاب ، فقد دل بذلك على أن التحيل الذي قصده لا يكفى فيه الكلام الخالي عن استعمال طرق الغش والإيهام بل يجب فيه اصطناع الخدع الذي من شأنه أن يؤثر في إرادة من وقع عليه . فإذا كان ما استعمله الخاطف من الوسائل لا يعدو الأقوال المجردة التي لا تبلغ حد التدليس ، ولا ترتفع إلى صف الطرق الاحتيالية المنصوص عليها في مادة النصب ، فإن ما وقع منه لا ينطبق على المادة (288) المذكورة بل ينطبق على المادة (289) [21] ” ، أي جناية الخطف بدون تحايل أو إكراه ” .

وليس من الضروري أن يقع الخداع على ذات المجني عليه بل يكتفى بأن يقع على من يكون المجني عليه في كفالته ؛ متى كان هذا التحايل قد مكن الجاني من خطف المجني عليه ؛ ولذا قضت محكمة النقض أنه : ” يكفى لقيام ركن التحيل – في جريمة خطف الأطفال- أن يقع على من يكون المجني عليه في كفالته ، وليس من الضروري أن يقع على المجني عليه نفسه متى كان هذا التحايل قد مكن الجاني من خطف المجني عليه . وإذن فمتى كان الحكم قد استظهر أن التحيل وقع على إدارة المدرسة الخاصة التي كان يتلقى فيها المجني عليه دروسه ، وأنه حصل من شخص إنتحل شخصية والد المجني عليه وإتصل أولاً بكاتب المدرسة ، وأخبره بوفاة جدة المجني عليه ، وطلب إليه أن يأذن له بالخروج للسفر مع عائلته للبلدة ، ولما استبطأ خروج المجني عليه اتصل بناظر المدرسة ، وكرر ذات الرواية مبدياً التأثر والألم من عدم خروج المجني عليه ، فخدع الناظر بتلك الحيلة ، وأذن للمجني عليه بالخروج الذي وجد الطاعن ينتظره أمام باب المدرسة بسيارة أقله بها إلى البلدة التي أخفاه فيها ؛ متى كان ذلك ، فإن ركن التحيل يكون متوافراً ” [22] .

هذا وقد يجتمع الخداع والقوة معاً في سلب إرادة المخطوف ، ومثاله : أن يبدأ الجاني بممارسة الخداع مع المجني عليه بادعائه أنه ضابط شرطة مكلف باستدعائه للتحقيق أمام النيابة العامة ، فإذا صعد معه في السيارة ، ثم وصل به إلى منطقة نائية ، وهدده بالقتل إن لم يستمر في التعاون معه ، وضربه حتى يستكمل مشروعه الإجرامي ثم وصل به إلى مكان خطفه ، فقد تحققت الصورتان معاً .

ومهما يكن الأمر فإن الفصل في مدى توافر الخداع أو القوة هو من صميم عمل محكمة الموضوع تحت إشراف المحكمة الاستئنافية بغير معقب عليها من محكمة النقض ما دام استدلالها سائغاً ، ولذا قضت محكمة النقض أن : ” تقدير توافر ركن التحليل والإكراه في جريمتي الخطف والمواقعة مسألة موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب مادام استدلالها سليماً . فلها أن تستخلص من الوقائع التي شملها التحقيق ، ومن أقوال الشهود حصول هذا التحيل وذلك الإكراه ” [23] .

هذا وجدير بالذكر أن جرائم الخطف تعتبر من الجرائم المركبة بحيث تكون مقترنة دائماً بجرائم أخرى قد تكون هي الغرض الرئيس من وراء الخطف : كما لو كان الهدف من الخطف مواقعة المجني عليها مواقعة غير مشروعة أو لقتل المجني عليه أو للحصول على مال من والد الضحية وغير ذلك من الجرائم التي تصاحب الخطف ، فإذا نسب إلى الجاني أنه قام بخطف المجني عليها ، ثم قام بعد ذلك بإلحاق الأذى بها وتهديدها ، ومن ثم اغتصابها ، فإننا نكون أمام عدد من الجرائم لا جريمة واحدة .

ولقد قضت محكمة الاستئناف العليا الفلسطينية في حادثة تخلص وقائعها في أن المتهم وشقيقه (لم يستأنف) هاجما المجني عليها وأمها ، وجريا ورائهما يحمل كل منهما سيفاً يريدان اللحاق بهما ؛ وذلك لإجبار أولاهما على متابعتهما ابتغاء أن يتزوج المتهم بها غصباً ، وقد دانته محكمة أول درجة بتهمة الخطف عن هذه الواقعة .

وحيث إنه عن التهمة الأولى سالفة الذكر فإن المحكمة قد جانبت الصواب فيما خلصت إليه من واقعة ؛ ذلك أن هذه الواقعة لا تتوافر فيها أركان جريمة الخطف خلافاً للمادتين (254 ، 258) من قانون العقوبات ؛ لأن المادة الأخيرة تشترط أن يهدف الخاطف إلى تعريض المجني عليه لأذى بليغ أو المواقعة غير المشروعة أو مزاولة البغاء أو لأجل أن يقضي معه شخص آخر وطراً غير طبيعي . ولما كان ما تيقنته محكمة أول درجة عن هدف المستأنف من فعلته لا ينطوي تحت إحدى الغايات المبينة على وجه صريح بالمادة (258) عقوبات ، كما لا يمكن أن يعتبر أذى بليغاً بالمعنى الذي أبانت عنه المادة الخامسة من قانون العقوبات ، فإن إنزال حكم المادتين (254 ، 258) عقوبات على الواقعة في غير محله .

وحيث إن ما أتاه المتهم إنما ينطبق على حكم المادتين (248 ، 249) عقوبات باعتبار أن الواقعة التي ثبتت قبله هي أنه تابع المجني عليها مشهراً سيفه ، ومهدداً إياها بالاعتداء ، فذلك منه عدوان عليها غير مشروع قد نجم عنه إزعاجها [24] .

وهذا يعني أنه بالرغم من اعتبار الجرائم المقترنة التي يرتكبها الجاني بعد الخطف جرائم مستقلة عن الخطف ، إلا أنه لا محل لإسناد هذه الوقائع الأخيرة للمتهم في خصوص جريمة الخطف بوصف أنها جرائم مستقلة بل يكتفى باعتبارها من عناصر جريمة الخطف التي يدان بها المتهم . ولذا قضي أنه : ” وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من ظروف الدعوى وأدلتها أن المطعون ضده الأول خطف المجني عليها بالتحايل بالاتفاق مع المطعون ضده الثاني ، وقاما بهتك عرضها بغير رضاها وسرقا الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة لها بطريق الإكراه باستعمال المطواة المضبوطة ، وانتهى في منطق سليم إلى أن الجرائم الخمس المسندة إلى المطعون ضدهما وليدة نشاط إجرامي واحد ، ومرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ؛ الأمر الذي يوجب اعتبارها كلها جريمة واحدة ، والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها ، وهى جريمة الخطف ، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون ، ويضحى منعى النيابة في هذا الشأن غير سديد ” [25] .

هذا وكما أن للخطف غرض آخر ينتويه الجاني بعد اقترافه جريمة الخطف ، فقد يسبقها جريمة أو جرائم أخرى تكون مقدمة للخطف ، ومن ذلك : السطو على بيت سكن بقصد ارتكاب جناية الخطف . وفي هذا قضت محكمة الاستئناف العليا الفلسطينية أن واقعة الدعوى تتلخص في أن المتهم الثاني اتفق مع المتهم الأول قبل الحادث بشهرين للحضور إلى خان يونس لأخذ المجني عليها من زوجها الذي تزوجته دون علمه ، وفي يوم الحادث قاما بالذهاب نهاراً إلى بيت المجني عليه ، وعادا إلى خان يونس وبقيا بها إلى الساعة التاسعة مساءً للقيام بخطف المجني عليها ، وتسلقا حائط المنزل وفتحا باب الحجرة ، فلم يجدا المجني عليهما ، فاعتقدا أنهما في الدار الشرقية الملاصقة للبيت ، فقاما بتسلق حائط هذا البيت ، ودخلا إلى بيت اتضح أنه بيت (ر. ش.) ، فاستيقظ صاحبه من نومه وأمسك بالمتهم الثاني إلا أن المتهم الأول قام بطعنه عدة طعنات (بشبرية) كانت معه ليتمكنا من الفرار ، وعلى صراخ زوجة المصاب وغيرها من النساء حضر البوليس وألقي القبض على المتهم الثاني ، ولم يتمكن من القبض على الأول الذي ألقي القبض عليه لاحقاً .

ومن حيث إن الدفاع عن المتهمين قد دفع بالنسبة للتهمة الأولى بأنه على فرض صحة قصد المتهم ارتكاب جريمة الخطف ، فإن الجريمة تعتبر مستحيلة نظراً لأن المجني عليهما لم يكونا بالدار ، وكانا قد غادراها منذ خمسة أيام ، فلم يكن من الممكن القيام بالفعل الذي كانوا ينوون القيام به . وحيث إن قانون العقوبات الفلسطيني في مادته (30/3) لم تأخذ باستحالة القصد ؛ ونصت على أنه لا عبرة إذا لم يكن في الإمكان ارتكاب الجرم بالفعل بسبب ظروف كان يجهلها المجرم .

ومن حيث إنه من الثابت من أقوال المتهم الثاني والشهود انه كان في نية المتهم خطف شقيقته من زوجها فسطا على دار ع. ثم تابع عملية السطو ، فدخل دار (ر. ش.) لتحقيق غرضه إلا أن غرضه لم يتحقق نظراً لعدم وجود شقيقته وزوجها ، ومغادرتهما للدار قبل ذلك ، فإن المحكمة لا ترى وجهاً لهذا الدفع وترى رفضه [26] .

الفرع الثاني : النتيجة الإجرامية .

النتيجة الإجرامية هي الأثر الذي يترتب علي السلوك الإجرامي فعلاً أم تركاً ، وهي الضرر المتجسد الذي يقع على المصلحة التي يحميها الشارع .

وهي كعنصر في الركن المادي للجريمة لا يعتد بها إلا إذا كان يتجسد فيها صفات هذا الركن من مظهر خارجي أو كيان مادي محسوس في العالم الخارجي ؛ ولهذا فإن الاتجاه المادي يفضل الاتجاه القانوني .

وعليه فإن كل سلوك إنساني يسفر عن تغيير في المحيط الخارجي ، أي إن له نتائج كبرت أم صغرت ، غير أن هذه النتائج لا يعتد بها القانون دوماً [27] ، وحينما يعتد المشرع بالنتائج الطبيعية للسلوك ـ سواء أكان فعلاً أم تركاً ـ فإنها تغدو جزءاً من المكونات القانونية للجريمة ، بحيث إنه لا يمكن القول : بأن الجريمة قد تمت إلا إذا تحققت النتيجة [28] .

ويترتب على ذلك أن الجرائم من جهة النتيجة الإجرامية تنقسم إلى نوعين : الأول : الجرائم المادية [29]، والآخر : الجرائم المعنوية [30] .

وهذا معناه أن الشارع كما قد يتطلب لقيام الجريمة تامة ، حدوث تغيير في العالم الخارجي كأثر للسلوك ، قد لا يتطلب لقيام الركن المادي للجريمة التامة أي تغيير في العالم الخارجي . وهذا معناه : أنه يستوي لديه أن يحدث في الكون الخارجي تغيير فعلي أو ألا يحدث شيء من ذلك القبيل [31] .

والنتيجة في جريمة الخطف على هذا النحو تتمثل في إبعاد المجني عليه عن مكان تواجده رغماً عنه إلى مكان آخر ، فهي تفترض نتيجة في مدلولها المادي هو الضرر الفعلي الذي يصيب الإنسان في حريته ، وتهديد أمنه بالاعتداء عليه في نفس أو عرض أو مال ، فبالنظر إلى سلوك الجاني فيها نجد أنه لا يتم إلا بنشاط يحقق الحرمان من الحرية ، فيكون تقييد الحرية وما يترتب عليها من معاناة بدينة ونفسية هو الضرر الذي لأجله جرم ذلك السلوك . ومن ثم تكون جريمة الخطف من جرائم الضرر لا جرائم الخطر . ومن ثم لا يكتفى لقيامها التهديد بوقوع هذا الضرر فقط بل يتطلب الشارع لاكتمال أركانها أن يصيب الضرر المجني عليه سواء في حريته أم في نفسه أم في عرضه أم في ماله .

وتعبر جريمة الخطف من الجرائم المستمرة وهي الجرائم التي يكون السلوك الإجرامي فيها قابلاً لأن يوسم بأنه حالة جزائية مستمرة فترة من الزمن . وفيها يتدخل الجاني بإرادته للإبقاء على سلوكه الإجرامي فترة طويلة حتى تصبح حالة قائمة تكون هي المقصودة بالتجريم [32] . فإذا نظرنا إلى العناصر المكونة لجريمة الخطف لوجدنا أن السلوك المكون لها يتكون من عنصرين : الأول : انتزاع المجني عليه من المكان المتواجد فيه . والآخر : نقل المجني عليه إلى مكان آخر . فيمتد تحقق هذه العناصر المادية فترة زمنية معين طالما لم يتوقف الجاني عن ممارسة سلوكه الإجرامي وهو (إبعاد المجني عليه) . وطالما كانت إرادته مسيطرة على ماديات الجريمة خلال ذلك الزمان ، فتعتبر جريمة الخطف متوافرة في كل لحظة تمر على المجني عليه في المكان المخطوف فيها [33] ، ولا تنتهي إلا بانتهاء حالة الاستمرار ، أي بإطلاق سراح المجني عليه من مكان حجزه .

ومن ثم إذا ثبت للمحكمة أن المجني عليه انتقل مع المتهم إلى المكان المنقول فيه بحريته وإرادته دون استعمال القوة أو الخداع من قبل المتهم فقد حقت البراءة له ، وهذا ما أكده القضاء الفلسطيني ففي حادثة تتلخص وقائعها في أن أحد المهاجرين ببلدة (تل الريش) أبلغ حاكم رفح بأن الصاغ (أ. خ.) وتابعه احتالا على ابنته وخطفاها كي ينقلاها بطريق السكة الحديدة إلى مصر ، بيد إن رجال جوازات السفر بمكتب القنطرة كشفوا أنها لا تحمل جواز سفر ، فمنعوا سفرها ، وأعادوها إلى بلدتها . وأن الجندي المتهم احتال على المجني عليها كي تصحبه لحمل صندوق (كوكاكولا) حتى أوصلها إلى سيارة يستقلها أحد ضباط الجيش ومعه سيدة ، وطلب إليها وضع الصندوق بداخل السيارة ، وما أن ولجتها تنفيذاً لأمره حتى سارت بها السيارة . ولما حاولت أن تنزل منها منعها ركابها حتى بلغت بها مدينة العريش ، وهناك أمضت ليلتها ، فلما أصبحت اركبوها القطار المتجه إلى مصر ، وعند القنطرة شاهدها أحد الموظفين وهي تبكي فارتاب في أمرها وأنزلها رغم أن الضابط والسيدة التي معه زعما أنها خادمة لهما .

وقد رأت المحكمة في رواية المجني عليها ما ينبو عن السائغ المعقول ، ويتجافى مع الثابت من البينات ، إذ إنه من المستبعد أن يقدم المتهم على خطف المجني عليها ـ وهي تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً ـ جهراً وفي وضح النهار وفي حضرة أختها . وأن يفلح في حملها حملاً على ارتقاء السيارة رغم ممانعتها دون أن يثير ما يلفت الأنظار إليه .

ولا يقبل عقلاً أن تمضي المجني عليها الليل في مدينة مأهولة : كالعريش قبل رحيلها إلى القاهرة ، فلا تحاول أن تستغيث أحداً ، وهي في طريقها إلى الدار التي نزلت بها أو في الطريق منها إلى المحطة ، وأن تركب القطار ، وتبقى به من محطة العريش إلى محطة القنطرة دون أن تسعى على أي وجه من الوجوه إلى الإفلات من أسرها ، ولقد كان في وسعها أن تمتنع عن ركوب القطار ، وأن تلوذ بالمسئولين بمحطة العريش، ثم كان لها أن تستغيث بركاب القطار ومستخدميه طوال الفترة بين قيام القطار من العريش وبلوغه القنطرة ؛ ذلك أن الثابت من روايتها أنها لم تكشف عن دعواها إلا عندما تبين رجال جوازات السفر أنها لا تحمل جوازاً بسفرها من فلسطين إلى القاهرة .

وحيث إن هذه الريبة تنفي الدليل بما يهدره ، ويجعل بينة الاتهام قبله غير خلقة الركون إليها ، ومن ثم يكون الحكم المستأنف في غير محله ويتعين إلغاؤه وبراءة المتهم [34] .

* محاولة الخطف .

يقصد بالمحاولة الإجرامية ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذها بخطوة ملموسة ، ولكن لم تقع لظروف لا دخل لإرادة ونية الجاني فيها . وقد عرفها المشرع الفلسطيني بقوله : ” يعتبر الشخص بأنه حاول ارتكاب الجرم إذا ما شرع في تنفيذ نيته على ارتكاب ذلك الجرم باستعمال وسائل تؤدي إلى وقوعه ، وأظهر نيته هذه بفعل من الأفعال الظاهرة ، ولكنه لم يتمكن من تنفيذ نيته إلى حد إيقاع الجرم ” [35] .

وعرفها القانون في الضفة الغربية بقوله : ” الشروع هو البدء في تنفيذ فعل من الأفعال الظاهرة المؤدية إلى ارتكاب جناية أو جنحة ، فإذا لم يتمكن الفاعل من إتمام الأفعال اللازمة لحصول تلك الجناية أو الجنحة لحيلولة أسباب لا دخل لإرادته فيها عوقب … ” [36] .

وبالرغم من أن المشرع الفلسطيني قد استوجب لقيام تلك المرحلة اتخاذ خطوات ملموسة في سبيل تنفيذ الجريمة ؛ تبقى الصعوبة العملية بتحديد المراد بتلك الخطوات الملموسة ، والتي تتحول معها الأفعال التحضيرية إلى أفعال تنفيذ مجرمة . فالمحاولة الإجرامية جريمة ناقصة بسبب عدم اكتمال الركن المادي ، والعنصر الذي يتخلف فيه ويجعل الجريمة في حالة محاولة هو النتيجة الإجرامية [37] .

فمتى بدأ الجاني في تنفيذ الجريمة ، فإن المحاولة الإجرامية تتحقق فيها ، وبالتالي يستوجب الأمر مجازاة مرتكبها [38] . فهي تفترض أن الجاني قد حقق من الركن المادي عنصر السلوك الذي كان يقصد منه تحقيق النتيجة ؛ لكنها تخلفت ، فلم يفض السلوك إليها بسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه [39] .

وبناءً عليه فإن المحاولة في جريمة الخطف تتحقق بكل سلوك يشكل بدءً في التنفيذ إذا لم يصل الجاني إلى تحقيق النتيجة الإجرامية ، وهي إبعاد المجني عليه إلى مكان آخر غير المكان الذي كان متواجداً فيه وقت الواقعة : كما لو حاول الجاني جذب المجني عليها من يدها عنوة لكي تذهب معه ليقضي معها وطراً ، ولكنها قاومته فلم يتمكن منها . وكذلك إذا جذبها من يديها ونقلها عنوة بسيارته وسار بها متجهاً إلى مكان مقفر ، وفي الطريق تمكنت من إلقاء نفسها من السيارة وفرت من المكان ، فإن المحاولة أيضاً تتحقق بسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه وهو هروب المجني عليها .

وهذا يعني ضرورة أن يتمكن الجاني من السيطرة على المجني عليه، ونقله إلى المكان المعد لحجزه فيها ، أي سيطرة الجاني على المجني عليه في المكان المنقول إليه حتى تعتبر جريمة الخطف تامة ، أما إذا لم يتمكن الجاني من إبعاد المجني عليه عند بدء عملية الخطف أو خلالها ، فإننا نكون أمام محاولة الخطف [40].

ويجب على محكمة الموضوع أن تبين في قرار الإدانة توافر أركان المحاولة الإجرامية ، والأدلة على ثبوتها ، وإلا كان حكمها معيباً .

الفرع الثالث : علاقة السببية .

علاقة السببية تعني أن يكون السلوك الإجرامي سواء أكان فعلاً أم تركاً هو الذي أفضى إلى تحقق النتيجة الإجرامية التي يتطلبها التشريع في أنموذج الجريمة ، بمعنى : إثبات أن النتيجة ما كانت لتحدث في العالم الخارجي ما لم يتم ارتكاب فعل معين أو ترك عمل معين [41] . ومن هنا تبدو الأهمية القانونية لها ، فهي من عناصر الركن المادي في الجرائم المادية ، وتحققها شرط أساس من شروط المسئولية الجزائية عنها [42] ، فإذا أمكن إسناد النتيجة إلى السلوك ، اكتمل الركن المادي للجريمة وتحققت بالتالي المسئولية الجزائية إذا اكتملت الأركان الأخرى للجريمة ، أما إذا انتفت علاقة السببية بين السلوك والنتيجة بأن كان تحققها لا يرجع إلى سلوك الجاني ؛ فلا يمكن أن تقوم مسئوليته عن الجريمة التامة .

وعليه ، فإن توافر أو انتفاء علاقة السببية يكون في الجرائم التي يتطلب المشرع في أنموذجها تحقق نتيجة إجرامية مادية ، يستوي بعد ذلك أن يكون تحقق النتيجة بسبب فعل من الجاني ، أم بسبب ترك ترتب عليه النتيجة الإجرامية . أما إذا كانت الجريمة معنوية التي يكتفي المشرع لقيام ركنها المادي ارتكاب السلوك ذاته ، فلا يكون هناك مجال للبحث في علاقة السببية [43] .

وعلى ضوء ذلك ، فيجب أن تكون واقعة إبعاد المجني عليه عن مكان تواجده نتيجة السلوك المادي للجاني ، فإذا حضرت المجني عليها إلى منزل المتهم بناء على اتفاق سابق بينهما ، وعند وصولها إلى بيته قام باغتصابها ، فإننا لا نكون إلا أمام جريمة الاغتصاب ؛ لأن حضورها كان بإرادتها .

وكذلك لو أن سائق أجرة قام بنقل الطفل المجني عليه إلى مكان ما بناءً على طلب من والده ، وتبين أن الطفل في حضانة أمه ، ولم يكن السائق يعلم بذلك ، فلا تقوم في حقه جريمة الخطف ، وإن سئل الوالد عنها ، واعتبر السائق في هذا الحالة الفاعل المعنوي وهو الشخص الذي يسخر غيره (المنفذ المادي) في تنفيذ جريمته ، فيكون الغير بمثابة أداة يستعين بها الفاعل المعنوي في تحقيق العناصر التي تقوم بها الجريمة ، وهو ما يطلق عليه في القانون المقارن (الفاعل بالواسطة أو الفاعل غير المباشر) .

المطلب الثاني : الركن المعنوي لجريمة الخطف .

يتمثل الركن المعنوي لجريمة الخطف في العناصر النفسية لمادياتها ، وتعتبر الإرادة أهم هذه العناصر ، ولا تكفي أي إرادة للقول بتوافره ، بل يلزم أن تكون إرادة آثمة أو ما يعبر عنه بالإرادة الإجرامية .

والركن المعنوي ضروري لقيام الجريمة قانوناً ، فلا يكفي مجرد توافر الركن المادي ، بل يلزم أن تكون الماديات التي يتكون منها لها انعكاس في نفسية الجاني ، أي : يجب أن توجد علاقة نفسية بين السلوك الإجرامي ونتائجه ، وبين الجاني الذي صدر عنه هذا السلوك .

وهذه العلاقة النفسية هي التي يعبر عنها بالركن المعنوي ، فالقاعدة أن لا جريمة بدون ركن معنوي ، ولا شك أن جوهر الركن الأخير هو القصد الإجرامي . ويتمثل في جريمة الخطف بتعمد الجاني انتزاع المخطوف من بيئته وقطع صلته بذويه مهما كان غرضه من ذلك [44] .

وعليه يكفى لتحقق جريمة الخطف أن يكون المتهم قد تعمد إبعاد المخطوف عن ذويه الذين لهم حق رعايته . ولا ينفى المسئولية عنه أن يكون قد ارتكب فعلته على مرأى من الناس ، أو أودع المخطوف عند أشخاص معلومين ، أو مدفوعاً إليها بغرض معين [45] .

ويتخذ الركن المعنوي في جريمة الخطف صورة القصد الإجرامي ، والذي يتكون من عنصري : العلم والإرادة ، وهو ما سنتولى بيانه على نحو ما هو تالٍ : ـ

أولاً : العلم .

القاعدة في التشريع الفلسطيني أنه لكي يتوافر العلم الذي يقوم به القصد الإجرامي إلى جانب الإرادة ، يتعين أن يحيط الجاني علماً بجميع العناصر القانونية للجريمة ، فإذا انتفى العلم بأحدها بسبب الجهل أو الغلط ؛ انتفى القصد بدوره [46] .

فيجب أن ينصب العلم على كافة عناصر الواقعة المادية التي نص عليها التشريع ، أي : كافة مراحل السلوك فعلاً أم تركاً ، كما يشمل علاقة السببية بين السلوك والنتيجة .

ويجب أن يعلم الخاطف بموضوع الحق المعتدى عليه ، إذ إن للحق موضوع يتعين أن تتوافر خصائص معينة فيه ؛ كي يصلح محلاً للحق وموضوعاً للاعتداء الذي يناله .

ويرجع انتفاء العلم إلى تصور مغلوط للواقع قام في ذهن الجاني ، فيعتقد أن سلوكه لا يرد على محل مطلقاً أو على غير إنسان ، فلا يتوافر القصد الإجرامي في الخطف إلا إذا علم مرتكبه أن سلوكه ينصب على جسد إنسان حي ، فإذا اعتقد أنه جماد أو حيوان أو جثة ميت ، فلا يتوافر القصد الإجرامي اللازم في جريمة الخطف .

ويجب أن يعلم الجاني بصلاحية سلوكه لإحداث الاعتداء على موضوع الحق ، وأن يتوقع النتيجة التي تنجم عن هذا الاعتداء ، فالسائق الذي يكلفه صاحب مكتب السفريات بنقل بعض الأشخاص من مدينة غزة إلى بيارة في بيت حانون معتقداً أنهم ركاب عاديين ، لا يتوافر لديه القصد الإجرامي إذا تبين من بعد أن أولئك الأشخاص مخطوفين من قبل صاحب المكتب.

ثانياً : الإرادة .

الأصل في الجرائم أنها تعكس تكويناً مركباً باعتبار أن قوامها تزامناً بين يد اتصل الإثم بعملها وعقل واعٍ خالطها ليهيمن عليها محدداً خطاها ، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها ، ليكون القصد الإجرامي ركناً في الجريمة مكملاً لركنها المادي ، ومتلائماً مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها .

فالإرادة العنصر الثاني للقصد الإجرامي ، وهي عبارة عن قوة نفسية توجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع [47] ، أي : نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون . فالإرادة يجب أن تنصرف إلى كل من السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية بالنسبة للجرائم المادية أو إلى السلوك الإجرامي فقط بالنسبة للجرائم المعنوية .

وبناء عليه فإنه لكي يكون القصد الإجرامي متوافراً في الخطف يلزم أن يوجه الخاطف إرادته إلى القيام بالسلوك المادي المكون للجريمة وإلى نتيجته ، ويتحقق ذلك بانتزاع المخطوف من مكان تواجده ، وإبعاده إلى مكان آخر ، فإذا شاهد المتهمون المجني عليهما تسيران في الطريق العام ، واتجهت إرادتهم إلى القيام باصطحابهما لكي يقضوا معهما وطراً ، حيث نزل المتهمان الأول والثاني من السيارة وطلبا منهما أن تركبا معهم ، ولما رفضتا ذلك قاما بتهديدهما بالسلاح ، وقاما بانتزاع المجني عليها الأولى من الطريق ، ووضعاها في السيارة عنوة دون أن يفلحا مع الأخرى التي لاذت بالفرار ، ومن ثم ما فعله المتهمون من انتزاع لإحدى المجني عليهما من مكان سيرها من الطريق ووضعها في السيارة وما ترتب على ذلك من تقييد لحريتها ما يتحقق به معنى الخطف ، وبالتالي تكون المنازعة من قبل الدفاع بانتفاء القصد الإجرامي أمراً يرفضه واقع الدعوى ومادياتها [48] .

هذا والقاعدة أن القصد الإجرامي في التشريعات الوضعية أسوة بالشريعة الإسلامية يرتبط بالغرض لا بالباعث أو الغاية ، حيث نص المشرع الفلسطيني على أنه: ” لا عبرة للدافع الذي يحمل الشخص على ارتكاب فعل أو ترك أو على عقد النية على ارتكابه ، بقدر ما يتعلق ذلك بالمسئولية الجزائية ، إلا إذا ورد النص صراحة على غير ذلك ” [49] .

ونص المشرع في الضفة الغربية على أنه : ” لا يكون الدافع عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون ” [50] . ويترتب على ذلك أن الباعث مهما كان شريفاً كصون المخطوف من الفساد السائد في بيئته أو غير شريف : كحمل المخطوف على التسول أو ابتزاز المال من أهله أو حمل أهل المخطوفة على قبول الزواج منها لا ينفي القصد الإجرامي ، ولا ينفي تبعاً لذلك الجريمة ، ولا يحول في النهاية دون توقيع عقوبتها ، وإن كان التشريع يعتد به باعتباره قصداً خاصاً في بعض الجرائم.

وفي هذا قضت محكمة النقض أنه : ” يجب لتوفر القصد الجنائي في جريمة الخطف أن يكون الجاني قد تعمد قطع صلة المجني عليه بأهله قطعاً جدياً . ولا اعتداد بالباعث في الحكم على الجريمة من حيث الوجود أو العدم ، إذ لا مانع يمنع من توفر جريمة الخطف متى استكملت أركانها القانونية ولو كان غرض الجاني الاعتداء على عرض الطفل المخطوف ” [51] .

فالباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها ، فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة [52] . وإن كان يمكن أن يكون موضع تقدير من المحكمة عند تقدير العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى ، أو عند أخذ المتهم بالرأفة أو عند الأمر بوقف تنفيذها [53] .

وجدير بالذكر أن القصد الإجرامي في جريمة الخطف أمر داخلي يضمره الجاني ويطويه في نفسه [54] ؛ ولذا فإنه يستحيل إثباته بطريق مباشر . وسبيل القاضي لمعرفته والتأكد من توافره هو الاستدلال عليه من المظاهر الخارجية التي تكشف عنه وتظهره . ويستعين القاضي في هذا الخصوص بالسلوكيات التي صدرت عن الجاني والظروف الخارجية التي أحاطت بها [55] .

وهذا يعني أن استخلاص القصد الإجرامي مسألة موضوعية بحتة تخضع لتقدير قاضي الأساس تحت إشراف المحكمة الاستئنافية بحسب ما يقوم لديه من الدلائل، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك طالما أن استخلاصه كان سائغاً [56] .

[1] قاضي بمحكمة البداية بغزة ، أول من حصل في قطاع غزة على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي من جامعة القاهرة عام 2005م وكان أول رئيس للمكتب الفني للنائب العام ، وله العديد من المؤلفات البحوث في القانون الجنائي والقانون الجنائي الدولي ويحاضر في الجامعات الفلسطينية منذ عام 2001م .

[2] المعجم الوجيز ، مصدر سابق ، ص 203 .

[3] الآية (10) من سورة الصافات .

[4] الآية (67) من سورة العنكبوت .

[5] راجع المادة (254) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936م .

[6] راجع المادة (252) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936م .

[7] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الطبعة الرابعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991م ، ص 702 .

[8] راجع : المادة (288) من مشروع قانون العقوبات الفلسطيني لسنة 2003م .

[9] وذلك كما نص على ذلك قرار محكمة الاستئناف العليا رقم (86/43) جزاء .

[10] وذلك كما نص على ذلك قرارها رقم (111/42 ، سلانط ص 155) .

[11] وذلك كما نص على ذلك قرار محكمة الاستئناف بغزة (46/45 ، سلانط ص 150) .

[12] وذلك كما نص على ذلك قرارها رقم (15/39 ، سلانط ص 154) .

[13] انظر ص (69) من كتاب سلانط .

[14] انظر أرشبولد ، ص 1300 .

[15] استئناف عليا جزاء فلسطيني رقم (58/ 52) ، جلسة 13 /8/1952م ، مجموعة مختارة من أحكام محكمة الاستئناف العليا ، المستشار / وليد الحايك ، الجزء السادس عشر ، ص 43 .

[16] نقض جنائي مصري رقم (384) لسنة 56 ق ، جلسة 29 /5/ 1986م ، س 37 ، ص 609 .

[17] د. طارق سرور ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003م ، ص 317 .

[18] نقض جنائي مصري رقم (18953) لسنة 64 ق ، جلسة 9 /10/ 1996م ، س 47 ، ص 951 .

[19] نقض جنائي مصري رقم (352) لسنة 15 ق ، جلسة 2 /4/ 1945م ، س 6 ع ، ص 680 .

[20] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1991م ، ص 708 .

[21] نقض جنائي مصري رقم (1154) لسنة 12 ق ، جلسة 15/6/ 1942م ، س 5 ع ، ص 678 .

[22] نقض جنائي مصري رقم (870) لسنة 23 ق ، جلسة 22 /6/ 1953م ، س 4 ، ص 1003 .

[23] نقض جنائي مصري رقم (18953) لسنة 64 ق ، جلسة 9 /10/ 1996م ، س 47 ، ص 951 .

[24] استئناف عليا جزاء فلسطيني رقم (66/53) ، جلسة 17 /10/ 1953م ، مصدر سابق ، الجزء السادس عشر ، ص 108 .

[25] نقض جنائي مصري رقم (19120) لسنة 66 ق ، جلسة 1/ 12/ 1998م ، س 49 ، ص 1353 .

[26] استئناف عليا جزاء فلسطيني رقمي (38 ، 40 / 58) ، جلسة 11/1/1959م ، مصدر سابق ، الجزء السابع عشر، ص 80 .

[27] Voir G. Stefani, G. Levasseur, B. Bouloc, Droit Pénal Général, Edition Dalloz, Paris, 1997.P. 193

[28] د. محمود نجيب حسني ، علاقة السببية في قانون العقوبات ، منشورات نادي القضاة ، القاهرة ، 1984م، ص 44 وما بعدها .

[29] يطلق على تلك الجرائم (الجرائم ذات النتيجة) أو (جرائم الضرر) وهي التي يتطلب أنموذجها القانوني تحقق نتيجة إجرامية معينة .

[30] يطلق عليها (جرائم السلوك المجرد) أو (جرائم الخطر) .

[31] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم العام ، مصدر سابق ، ص 431 .

[32] د. عبد الرءوف مهدي ، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية ، منشورات نادي القضاة ، القاهرة ، 2003م ، ص 906.

[33] د. طارق سرور ، قانون العقوبات ، مصدر سابق ، ص 302 .

[34] استئناف عليا جزاء فلسطيني رقم (44/53) ، جلسة 20 / 7 / 1953م ، مصدر سابق ، الجزء السادس عشر ، ص 97.

[35] راجع تعريف المحاولة في قوانين العقوبات : المادة (30 / 1) فلسطيني والمادة (34) إماراتي والمادة (68) أردني والمادة (36) بحريني والمادة (30) جزائري والمادة (70 / أ) الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية والمادة (121 ـ 5) فرنسي والمادة (18) يمني والمادة (200) لبناني والمادة (59) ليبي والمادة ( 45 ) مصري والمادة (114) مغربي والمادة (19) سوداني والمادة (199) سوري والمادة (85) عماني والمادة (30) عراقي والمادة (28) قطري والمادة (59) تونسي .

Article (30) of the Palestinian penal code states that : (1) A person is deemed to attempt to commit an offence when he begins to put his intention to commit the offence into execution by means adapted to its fulfillment, and manifests his intention by some overt act, but does not fulfil his intention to such an extent as to commit the offence.

[36] راجع : المادة (68) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م .

[37] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم العام ، مصدر سابق ، ص 437 .

– M. Rassat. Op. Cit. P.345. W. Schabas, An Introduction To The International Op. Cit. P.82.

[38] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم العام ، مصدر سابق ، ص 441 .

– G. Stefani et G. Levasseur et B. Bouloc, Op. Cit. P. 199.

[39] Voir G. Stefani, G. Levasseur، B. Bouloc، Op. Cit. P. 197.

[40] قضت محكمة النقض أن : ” إن جريمة الشروع في خطف أنثى تبلغ سنها أكثر من ست عشرة سنة كاملة بالإكراه المنصوص عليها في المواد 45 ، 46 ، 290 من قانون العقوبات تتحقق بمحاولة انتزاع هذه الأنثى و أبعادها عن المكان الذي وقع فيه محاولة الخطف أياً كان هذا المكان بقصد العبث بها وذلك عن طريق استعمال أية وسائل مادية أو أدبية من شأنها سلب إراداتها ” . نقض جنائي مصري رقم (2314) لسنة 54 ق ، جلسة 6 /1/ 1985م ، س 36 ، ص 52.

[41] د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، الطبعة العاشرة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1983م ، ص 286 .

[42] د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، الطبعة الرابعة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1977م ، ص 293 .

[43] د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، مصدر سابق ، ص 474 .

[44] نقض جنائي مصري رقم (235) لسنة 22 ق ، جلسة 13 /3/ 1952م ، س 3 ، ص 660 .

[45] نقض جنائي مصري رقم (1154) لسنة 12 ق ، جلسة 15 /6/ 1942م ، س 5 ع ، ص 678 .

[46] Voir S. Glaser, Infraction International, Op. Cit. PP. 120-121. W. Schabas, An Introduction To The International Criminal Court, Op. Cit. PP. 85-86.

[47] ويجب أن تكون الإرادة مختارة أي : لديها القدرة على المفاضلة بين دوافع السلوك بين الإقدام على ما هو مباح ، والإحجام عما هو محظور . راجع : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، مصدر سابق ، ص 633 .

[48] نقض جنائي مصري رقم (5189) لسنة 68 ق ، جلسة 8/ 11/ 1998م ، س 49 ، ص 1227 .

[49] راجع : المادة (11/3) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم (74) لسنة 1936م .

[50] راجع : المادة (67/2) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م .

[51] نقض جنائي مصري رقم (6) لسنة 2 ق ، جلسة 16/11/ 1931م ، س 2 ع ، ص 354 .

[52] نقض جنائي مصري رقم (24855) لسنة 64 ق ، جلسة 10/ 3/ 1997م ، س 48 ، ص 320 .

[53] راجع : المادة (193) من قانون العقوبات اللبناني .

[54] راجع : استئناف عليا جزاء فلسطيني رقم ( 32 / 65 ) ، جلسة 26 /7/ 1965م ، مصدر سابق ، الجزء التاسع عشر ، ص 92 . وانظر : نقض جزائي فلسطيني ، رقم 257 / 2004م جلسة 16 /6/ 2004م (غير منشور) .

[55] د. محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، مصدر سابق ، ص 446 .

[56] نقض جنائي مصري رقم (2127) لسنة 49 ق ، جلسة 19/3/1980م ، س 31 ، ص 429 .

مقال حول: جرائم – جريمة الخطف حسب القانون

شارك المقالة

1 تعليق

  1. ما هو حكم من قام بخطف فتاة وهي بكامل أرادتها ومتفقةة تماما مع الششاب من اجل الجواز لأن عائلة الفتاة في عاداتهم وتقاليدهم لا يريدون أي شخص ألا من أن يكون من نفس بلدهم .
    آرجو الرد وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.