التقادم الصرفي :

التقادم عبارة عن وسيلة لانقضاء الالتزام في حالة اتخاذ الدائن والمدين موقفاً سلبياً خلال مدة معينة، ويتمثل موقف الدائن في تقاعسه عن المطالبة بحقوقه، وموقف المدين يتمثل في عدم الوفاء. والقاعدة أن الالتزامات تتقادم بمضي خمسة عشر سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون يقرر مدة أخرى للتقادم )المادة ٣٧٤ مدني مصري) وقد أورد القانون التجاري نصاً خاصاً يقرر مدة أخرى للتقادم فيما يتعلق بدعاوى الشركات التجارية(1) حيث جعل مدة التقادم خمس سنوات من تاريخ انتهاء مدة الشركة إذا كانت مشهرة أو من تاريخ إعلان الاتفاق المتضمن فسخ الشركة. وقد نص قانون التجارة المصري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ على تقادم خاص بالأوراق التجارية، فقد نصت المادة ٤٦٥ من هذا القانون على أن :

١- تتقادم الدعاوى الناشئة عن الكمبيالة تجاه قابلها بمضي ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق.

٢- وتتقادم دعاوى الحامل قبل المظهرين وقبل الساحب بمضي سنة من تاريخ الاحتجاج المحرر في الميعاد القانوني أو من تاريخ الاستحقاق إذا اشتملت الكمبيالة على شرط الرجوع بلا مصاريف.

٣- وتتقادم دعاوى المظهرين قبل بعضهم البعض وقبل الساحب بمضي ستة أشهر من اليوم الذي أوفى فيه المظهر الكمبيالة أو من يوم إقامة الدعوى عليه.

كما نصت المادة ٤٣٧ من قانون التجارة على أن ” ينقضي التزام الكفيل المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة ٤٢٢ والمادتين ٤٣٥ ،٤٣٣ من هذا القانون بمضي ثلاث سنوات إذا لم تحصل خلالها مطالبة أو دعوى”. والحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين التقادم الصرفي وسقوط حق الحامل المهمل، حيث أن التقادم لا يستفيد منه إلا الملتزمون الذين لا يجوز لهم التمسك بإهمال الحامل(2)، مثل الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء والمسحوب عليه القابل لأنه هو المدين الأصلي في الكمبيالة، كما يستفيد الملتزمون الموقعون على الكمبيالة من التقادم في الحالة التي لا يكون من حقهم التمسك بالسقوط لأن الحامل قام بالإجراءات التي قررها قانون الصرف في مواعيدها او لأن الكمبيالة اشتملت على شرط الرجوع بلا مصاريف. وقد أسس المشرع التجاري التقادم الصرفي على قرينة الوفاء، حيث ان سكوت الدائن المدة المحددة دون أن يطالب بحقه يعد قرينة على أنه قد استوفى حقه وذلك حتى تستقر المراكز القانونية.

__________________

1- راجع المادة ٦٥ من القانون التجاري الصادر عام ١٨٨٣ م، حيث أبقى المشرع في القانون الجاري الصادر برقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م على الفصل الأول من الباب الثاني والخاص بشركات الأشخاص، وذلك لحين صدور قانون موحد للشركات.

2- علي حسن يونس – الأوراق التجارية طبعة ١٩٩٨ م، المكتبة القانونية ، ص ٢١٧.

نطاق التقادم الصرفي :

يتحدد نطاق التقادم الصرفي من ناحية الأوراق والدعاوى الخاضعة له.

أولاً: الأوراق الخاضعة للتقادم الصرفي :

يتضح من نص المادة ) ٤٦٥ تجاري مصري) أن التقادم الصرفي يسرى على الدعاوى الناشئة عن الكمبيالة، كما يسري هذا التقادم على الدعاوى الناشئة عن السند لأمر، لأن المادة ٤٧٠ من القانون التجاري والخاصة ببيان أحكام السند لأمر نصت على أن “تسري على السند لأمر أحكام الكمبيالة بالقدر الذي لا يتعارض فيه مع ماهيته”، ومن بين هذه الأحكام المحال عليها أحكام التقادم. أما بخصوص الشيك فإن المشرع في قانون التجارة قد وضع أحكاماً متميزة لتقادم الدعاوى الناشئة عن الشيك في المادتين ) ٥٣٢ ،٥٣١ (.

ثانياً: الدعاوى التي تخضع للتقادم الصرفي :

تنص المادة ٤٦٥ من قانون التجارة المصري على أن “تتقادم الدعاوى الناشئة عن الكمبيالة تجاه قابلها بمضي ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق…”. يتضح من ذلك أن الدعاوى التي تخضع للتقادم الصرفي هي الدعاوى الصرفية التي تنشأ عن الكمبيالة دون غيرها من الدعاوى، أي أن الدعاوى غير الصرفية التي تنشأ بمناسبة الكمبيالة فإنها لا تخضع للتقادم الصرفي وإنما للتقادم العادي مثل دعوى الحامل على المسحوب عليه غير القابل مطالباً بمقابل الوفاء، ودعوى الساحب على المسحوب عليه باسترداده مقابل الوفاء، ودعوى المسحوب عليه الذي وقع على المكشوف مطالباً الساحب بقيمة ما أوفاه. والدعاوى التي يرفعا الموقعين على الكمبيالة استناداً إلى العلاقات الأصلية بينهما، والدعاوى التي يرفعها الضامنون الاحتياطيون على من تدخلوا لضمانهم طبقاً للقواعد العامة على أساس العلاقة الأصلية بينهم كدعوى الفضالة أو الوكالة ولكن ذلك لا يمنع حقهم في رفع الدعوى الصرفية عند رجوعهم على من تدخلوا لضمانهم في حالة الوفاء بقيمة الكمبيالة للحامل. ولكن تخضع للتقادم الصرفي الدعاوى الصرفية التي تنشأ مباشرة عن الكمبيالة مثل الدعوى التي يرفعها الحامل في مواجهة المسحوب عليه القابل أو في مواجهة الساحب أو في مواجهة الملتزمين بالكمبيالة عند رجوعه عليهم، كذلك الدعوى التي يرفعها الموفى الاحتياطي أو الكفيل كما ذكرنا على الضامنين له في الكمبيالة عند وفائه للحامل ورجوعه عليهم. وذهبت محكمة النقض إلى أن (1) التقادم الصرفي لا يسري إلا على الدعاوى الصرفية التي تنشأ مباشرة عن الورقة التجارية ويرتد مصدرها إلى توقيع المدين عليها، وأن الدعاوى غير الصرفية التي تنشأ بمناسبة الورقة التجارية تخضع للتقادم العادي وبناء على ذلك فإن دعوى المظهر ضد المظهر إليه تظهيراً توكيلياً بمقتضى الوكالة تخضع للتقادم العادي وفقاً للقواعد العامة”. وذهبت أيضاً محكمة النقض إلى أن(2) إقامة الدعوى ابتداء للمطالبة بقيمة الكمبيالة فحسب دون ناتج تصفية الحساب الجاري المقولة بأنها يتضمنها أثره خضوع الدعوى لأحكام وقواعد الدعاوى الصرفية بما فيها تقادم الحق في المطالبة”.

_______________

1- طعن رقم ٤٥٢/49ق جلسة ١١/2/1985م، وأيضاً طعن رقم ٢٦٨ لسنة ٤٧ ق جلسة ١6/2/ذ987م وطعن رقم ٤٣٠ لسنة ٥٢ ق جلسة ٢٣ فبراير ١٩٨٧ م

2- الطعن رقم ٥٥٣ لسنة ٥٦ ق جلسة8/11/1993م .

أثار التقادم الصرفي :

الدفع بالتقادم :

يتم التمسك بالتقادم من قبل المدين في صورة دفع يتمسك به المدين عند رفع الدعوى للمطالبة بقيمة الكمبيالة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين أو طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة في التمسك بهذا الدفع. ويجوز التمسك بالتقادم في أي حالة كانت عليها الدعوى ولو أمام المحكمة الاستثنائية (المادة ٣٨٧/2مدني مصري) ويجوز للمدين التنازل عن التمسك بالدفع بالتقادم بعد ثبوت الحق فيه ويجوز التنازل ولو ضمنياً، أما قبل ثبوت الحق فيه فلا يجوز ذلك. لذلك يجب فيمن يصدر منه هذا التنازل توافر أهلية التبرع لأن هذا التنازل يعتبر من قبل التبرع (1) ويترتب على الدفع انقضاء الالتزام الصرفي، ولكن يبقى في ذمة المدين التزام طبيعي )المادة ٣٨٦ مدني( ، فإذا قام المدين بالوفاء اختياراً رغم انقضاء الالتزام الصرفي بالتقادم فإنه لا يستطيع أن يسترد ما أداه. ولا يترتب على انقضاء الدين الصرفي بالتقادم انقضاء الدين الأصلي في العلاقة المباشرة بين الملتزمين بالكمبيالة ما لم يكن انقضى هو الآخر بسبب من أسباب الانقضاء وفقاً للقواعد العامة. ولكن يجب ملاحظة أن انقضاء الدين الصرفي بالتقادم بالنسبة للملتزم المدعي عليه لا يترتب عليه انقضاؤه بالنسبة إلى الملتزمين الآخرين المتضامنين معه الذين لم توجه إليهم الدعوى. فيجوز للحامل مقاضاة هؤلاء الملتزمين على أن يكون لكل منهم الدفع بالتقادم إن كانت مدته قد اكتملت بالنسبة إليه.

قرينة الوفاء :

قلنا أن تقادم الالتزام الصرفي يقوم على قرينة الوفاء، حيث افترض المشرع أن سكوت الحامل مدة التقادم قرينة على أنه استوفى دينه، حيث أنه من غير المألوف في المعاملات التجارية أن يتراخى الدائن في المطالبة بحقه مدة التقادم إلا إذا كان قد استوفاه، لذلك لا يجوز للمدين أن يتمسك بالتقادم في مواجهة الدائن إذا صدر منه ما يفيد قيامه بالوفاء بقيمة الدين.

_____________________

1- محسن شفيق، المطول في الاورق التجارية، ص ٣٧٨.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .