للتغرير معان ثلاث، معنى لغوي بينه أهل اللغة، واصطلاحي بينه الفقهاء، وقانوني بنص القانون الوضعي، لغرض الإحاطة بهذه المعاني سنقسم هذا الموضوع على وفق الآتي:

أولاً: التغرير لغةً.

التغرير مأخوذ من الفعل غر : غرر ، يغره، غرا، وغرورا ، وغًرة،(1) وقد ورد التغرير على عدة معان وكما يلي:

الخداع: غرر يغره ، غراً وغروراً، وغًرة، خدعه وأطعمه بالباطل(2) وجاء في قوله تعالى)) يا أيُّها الانسان ماغرك بربك الكريم ))(3) أي ما خدعك وسول لك حتى اضعت ماوجب عليك (4)

الخطر: حيث قيل الغرر: الخطر، ونهى رسول الله )صلى الله علية واله وسلم )عن بيع الغرر وهو مثل السمك في الماء والطير في الهواء .(5)

الغفلة: قيل الغًرة: الغفلة، والغار: الغافل،(6) تقول منه اغتررت يا رجل، واغتره: أي أتاه على غفلة منه (7)

وقيل الغرر مايكون مجهل العاقبة لايدري ايكون ام لا(8)

وورد بمعنى الشيطان، حيث قيل الغرور الشيطان(9) ومنه قوله تعالى: ))وَلَايَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (((10)

وأخيرا ورد التغرير على معنى حمل النفس على الغرر(11) وازاء هذه التعريفات اللغوية للتغرير يتضح لنا أن التغرير هو: الخداع والجهل بالأمور.

ثانياً: التغرير اصطلاحاً.

نظرية التغرير هي الأبرز في الفقه الإسلامي منها عن نظرية الغلط، كون التغرير بخلاف الغلط ليس أمراً نفسياً يقتصر على شخص من وقع فيه بل يتخذ وسائل مادية )إيجابية( من السهل إثباتها، وقد عرف التغرير بتعريفات عدة منها:

* حمل المتعاقد على معاوضة بطريقة باطلة تجعله يظن أنها في مصلحته وترغبه فيها والواقع غير ما يظن ((12).

* إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد .(13)

* إغراء المتعاقد وخديعته ليأخذ المعقود عليه وهو يعتقد أنه قد أخذه بأقل من قيمته أو أن به فوائد كثيرة أشتراه من أجلها بينما الواقع غيرذلك (14).

* استعمال الطرق الاحتيالية لحمل الشخص على التعاقد ظناً منه أن العقد في مصلحته مع أن الواقع خلاف ذلك(15) هو استخدام احد العاقدين أساليب خداع فعلية أو قولية لإيهام العاقد الأخر غير الواقع وحمله على إبرام العقد)16) يبدو بعد التأمل في التعريفات المذكورة سابقا بعض الملاحظات كالمتمثلة في الآتي:

أ- أهم ملاحظة يتوجب لفت النظر لها، هي أن التعريفات السابقة وردت عامة، فلم يرد تعريف بخصوص التغرير في الزواج كالخلع.

إن بعض هذه التعريفات قد حصرت التغرير في التغرير الحاصل في عقد البيع، ومن ذلك ما ورد في التعريفين (3،1)

ب- اقتصار بعضها على نوعين من أنواع التغرير دون النوع الثالث، حيث اقتصر كل من التعريفين )5،4) على نوعي التغرير القولي والفعلي أي الذي يتخذ فيه التغرير الموقف الاسلوب الإيجابي دون أن يتطرقا إلى التغرير الذي يحصل نتيجة الكتمان أي بمجرد اتخاذ الموقف السلبي.

ج- نرى أن التعريف (2) وافق الصواب بورودهً عاما شاملا جامعا ومانعا لكل أنواع التغرير الذي من الممكن أن يقع به أحد المتعاقدين، دون اقتصاره على عقد دون غيره، فقد يكون عقد بيع أو زواج أو خلع وغيره.

وبدورنا نتفق معه لكونه أقرب التعريفات للمعنى الذي نبتغيه من التغرير في الزواج كالخلع.

ثالثاً: التغرير قانوناً.

لم يرد في القانون المدني العراقي ما يشير إلى تعريف التغرير، ويحمد المشرع العراقي على ذلك وكل التعريفات اختصاص الفقهاء كالشراح لا القانون، ووافق المشرع العراقي في ذلك كلا من المشرعين المغربي والقطري. بينما نجد أن المادة 143 م القانون المدني الأردني نصت على أن )التغرير هو أن يخدع احد العاقدين الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به لغيره(، كالمشرع في ذلك وافق تعريفات الفقهاء المحدثين(17) ومما تجدر الإشارة إليه هو عدم ورود تعريف خاص للتغرير في الزواج والخلع عند الفقهاء القدامى والمعاصرين، وكذلك الحال في نصوص القوانين الوضعية محل مقارنة . وبدورنا يمكننا تعريف التغرير في ازواج والخلع بانه ( ايقاع احد المتعاقدين ( الزوج او الزوجة او وليهما ) في غلط يدفعه الى عقد الزواج او الخلع والذي ما كان ليبرمه لغيره ).

شرح التعريف:

)إيقاع أحد المتعاقدين(مصطلح إيقاع ورد شامل لكل أنواع التغرير سواء القولي أو الفعلي أم مجرد الكتمان. )في غلط(: فالمتعاقد الذي كان ضحية التغرير لم يكن على علم بحقيقة المعقود عليه بناء على التغرير الواقع عليه من المتعاقد الآخر، وهذه نقطة الفصل بين التغرير والغلط. )يدفعه إلى عقد الزواج أو الخلع(: حيث اقتصر التغرير في هذه الجزئية على التغرير الحاصل في عقد الزواج والخلع، حيث إن قبول المتعاقد على عقد الزواج أو الخلع جاء نتيجة التغرير الذي وقع به. )والذي ما كان ليبرمه لغيره(: هذا دليل لأثر التغرير على عقدي الزواج أو الخلع، فالتغرير أوقع بالمغرر به ودفعه إلى التعاقد، ولولا هذا التغرير لما أقبل العاقد على عقد الزواج أو الخلع. علما أن التغرير مثلما يقع من أحد المتعاقدين قد يقع من الغير، بشرط علم أحد المتعاقدين به والموافقة عليه، فقد يقع من الأولياء وغيرهم .

__________________

1- محمد بن مكرم الأفريقي المصري ابن منظور، لسان العرب، ج 37 ، دار الحديثٌ، القاهرة، بلا سنة نشر، ص 3233

2- مجد الدينٌ الفيروز آبادي، القاموس المحيطٌ، ط 2، دار إحياٌء التراث العربي ،ً 2003 ، ص 418 صالح العلي الصالح، أمينٌة الشيخٌ، المعجم الصافي في اللغة العربيةٌ، مطبعة المشرق الأوسط، . الرياٌض، بلا سنة نشر، ص 458

3- سورة الانفطار/ الآيةٌ6

4- محمد مرتضى الزبيدٌي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 3، ط 1، دار الكتب العربيةٌ، . بيرٌوت، بلا سنة نشر، ص 443

5- محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الكتاب العرب ،ً بيرٌوت، بلا سنة نشر، ص 472 471

6- احمد المقري الفيوٌمي ،ً المصباح المنير رٌ في غريبٌ الشرح الكبيرٌ للرفاعي ، ج 2، ط 1، دار الكتب العلميةٌ، بيرٌوت، 1994 ص 445 444

7- إسماعيلٌ بن حماد الجوهري، ج 2، ص 768 *****.

8- علي بن محمد علي الجرجاني ،ً كتاب الفروع للجرجاني ،ً دار الكتاب العرب ،ً بيرٌوت، 2002. ص 68

9- محمد بن أبي بكر الرازي، مصدر سابق، ص 472 471

10- سورة لقمان / الآيةٌ 33

11- محمد بن أبي بكر الرازي، مصدر سابق، ص 472 ؛ إسماعيلٌ بن حماد الجوهري، مصدر . سابق، ج 2، ص 768

12- عل الخفيفٌ، مختصر أحكام المعاملات الشرعيةٌ،ط 4، مطبعة السنة المحمديةٌ، القاهرة، . 1952 ، ص 139

13- د. عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، ج 1، دار المعارف، مصر، 1976 ، ص 146

14- محمد سلام مدكور، التشريعٌ الإسلامي ،ً ط 2، بلا مكان نشر، 1959 ، ص 516

15- عبد الكريمٌ زيدٌان، المدخل لدراسة الشريعٌة الإسلاميةٌ، ط 3، مطبعة العان ،ً بغداد، 1967 ،ص 356.

16- د. كفاح عبد القادر الصُوري، التغريرٌ وأثره في العقود، ط 1، دار الفكر، عمان، 2007 م، ص46

17- د. كفاح عبد القادر الصوري، مصدر سابق، ص 47.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .