التصدي للانهاء الانضباطي للعلاقة الوظيفية في مصر

لا تقف قدرة الموظف على التصدي لقرار انهاء علاقته الوظيفية عند حدود التظلم منه فاذا رفض تظلمه حقيقة (بقرار اداري صريح) او حكما (بانقضاء المدة المحددة للبت في التظلم) يمكنه طرق باب القضاء وذلك بالطعن في القرار امام المحكمة الادارية المختصة ومن ثم امام مجلس الدولة الفرنسي. اما المدة المحددة للطعن في الانهاء الانضباطي للعلاقة الوظيفية فهي شهران من تاريخ اعلان القرار او نشره(1).

وقد اصبح للمحاكم الادارية في فرنسا اختصاص عام بحيث يمكن الطعن امامها بالالغاء والتعويض منذ التعديل الذي تم بالمرسوم الصادر في 30/9/1953 والذي اطلق على مجالس التاديب اسم المحاكم الادارية ، وبذلك ينعقد اختصاص هذه المحاكم في نظر الطعن بقرار انهاء العلاقة الوظيفية انضباطيا الا اذا كان الذي انهيت خدمته من المعينين بمرسوم جمهوري حيث يفصل مجلس الدولة الفرنسي في الطعون التي ترفع من قبلهم كمحكمة اول واخر درجة فضلا عن اختصاصه في نظر الطعون في احكام المحاكم الادارية بوصفه محكمة استئناف.(2) حيث يمكن الطعن في حكم المحكمة الادارية خلال شهرين من تاريخ التبلغ به امام مجلس الدولة.(3)

وللقضاء الاداري في فرنسا ممثلا بالمحاكم الادارية ومجلس الدولة سلطة الغاء القرار الاداري او الحكم الاداري الصادر بانهاء العلاقة الوظيفية في حالة مخالفته للمشروعية.(4) فقد الغى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 28/4/1976 في قضية (Grogenet) حكم المحكمة الادارية في مدينة فرساي الصادر بتاريخ 26/12/1974 الذي رفض طلب الغاء القرار الصادر بفصل الطاعن (Grogenet) والذي لم يتضمن أي سبب اثباتا للراي الذي ابداه في مجال التاديب.(5)

كما الغى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في 17/11/1982 حكما للمحكمة الادارية في باريس كان قد صدر في 15/4/1981 ولم يلغ قرار وزير الداخلية الصادر في 1/6/1977 بعزل الطاعن (Kairenge) من وظائفه دون حرمان من المعاش حيث تبين لمجلس الدولة ان قرار الوزير لم يكن مسببا كما لم يسبب قرار مجلس التاديب بشكل كاف.(6) وفي قضية اخرى رفضت محكمة (Orleans) الادارية الغاء قرار العزل الصادر بحق موظفة كانت تشغل وظيفة سكرتيرة في بلدية صغيرة لاتهامها بالاهمال والتاخر في ايصال الردود على المكالمات الرسمية وعدم التحفظ على علاقاتها المهنية. الا ان مجلس الدولة قرر الغاء عقوبة العزل لانه وجد ان هذه الاخطاء لا تبرر عقوبة العزل التي تعد اشد انواع العقوبات.(7)

وهكذا نجد ان القضاء الاداري في فرنسا لم تقتصر رقابته على كون العقوبة الانضباطية لا تخالف مبدا الشرعية (لا عقوبة الا بنص) فحسب بل امتدت لفحص ملاءمة العقوبة للجريمة الانضباطية المرتكبة، فسلطة التاديب ليست حرة في ترتيب الاثر على الموظف الذي يرتكب جريمة انضباطية بما في ذلك العقوبات التي تنهي العلاقة الوظيفية وانما هي مقيدة بمشروعية هذه العقوبة في وجوب ان تكون من بين العقوبات التي خولها القانون فرضها من جهة وتناسبها مع الجريمة المرتكبة من جهة ثانية ومن الامثلة الاخرى على ذلك ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي في قضية (Lebon) الذي كان يعمل مدرسا في اكاديمية تولوز حيث عوقب بالعزل لقيامه بتوجيه حركات فاضحة واشارات مشينة إلى الفتيات اللاتي يدرسن في فصله وقد انتهى مجلس الدولة الفرنسي إلى ان هذا الفعل خطا يبرر العزل وان العقوبة غير مشوبة باي خطا في التقدير.(8) ولابد لنا من الاشارة إلى ان المدرسين هم من بين الفئات التي احاطها المشرع بحماية تجاه سلطة الادارة في التاديب تختلف عن تلك التي يتمتع بها عموم الموظفين فاناط مساءلتهم (المدرسين) بمجالس تاديب سبقت الاشارة اليها.

ويجوز الطعن في قرارات هذه المجالس استئنافاً امام المجلس الاعلى للتعليم الوطني الذي تخضع قراراته للطعن بالنقض امام مجلس الدولة(9). وهكذا يتضح لنا ان مجلس الدولة الفرنسي يختص بالنظر في طعون الموظفين المعينين بمرسوم جمهوري كمحكمة اول وآخر درجة كما يختص بالنظر كقاضي استئناف في الطعن باحكام المحاكم الادارية فضلا عن اختصاصه في نظر الطعن بالنقض في القرارات ذات الصفة القضائية التي لا يجوز استئنافها كالتي يصدرها المجلس الاعلى للقضاء والمجالس التاديبية لهيئات التدريس. هذا وقد ايد جانب من الفقه في فرنسا توسيع حدود رقابة القضاء لتكون رقابة ملاءمة بعد ان كانت رقابة مشروعية فقط فيما انتقده جانب اخر.(10)

____________________

1- د. رمزي طه الشاعر/ تدرج البطلان في القرارات الادارية/ دار النهضة العربية 1968 ص344.

2- رسالتنا للماجستير/ ص91-92.

3- د. عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر/ الضمانات التاديبية في الوظيفة العامة/ دار النهضة العربية/ القاهرة 1979 ص547.

4- د. سعيد عبد المنعم الحكيم/ الرقابة على اعمال الادارة في الشريعة الاسلامية والنظم المعاصرة/ دار الفكر العربي/ ط1/ 1971 ص499.

5- نقلا عن د. علي جمعة محارب: التاديب الاداري في الوظيفة العامة، دراسة مقارنة/ رسالة دكتوراه/ جامعة عين شمس 1986ص327.

6- مشار اليه في المصدر نفسه ص327.

7- حكم المجلس الصادر في 7/11/1979. ص330.

8- حكم المجلس الصادر في 9/6/1978.اشار اليه في المصدر نفسه ص329 ولمزيد من التفاصيل يراجع د. ماهر صالح علاوي الجبوري/ غلط الادارة البين في تقدير الوقائع معياره ورقابة القضاء عليه/ بحث منشور في مجلة العلوم القانونية/ ع1 و2/جامعة بغداد 1990 ص188 وما بعدها.

9- د. محمد جودت الملط: المسؤولية التاديبية للموظف العام/ دار النهضة العربية/ القاهرة 1967 ص347.

10- لمزيد من التفاصيل راجع د.ماهر صالح علاوي الجبوري/ رقابة مجلس الانضباط العام على تناسب المحل مع السبب في العقوبة الانضباطية/ بحث مقدم إلى الندوة العلمية لكلية النهرين (صدام سابقا) للحقوق/1992 ص6 وما بعدها. وحنان محمد مطلك القيسي/ الرقابة القضائية على الملاءمة بين المخالفة والعقوبة في القرارات التاديبية/ رسالة ماجستير/ جامعة بغداد 1994 ص64-65.