التكييف اصطلاحاً هو تحديد طبيعة موضوع النزاع واعطائه الوصف القانوني الملائم(1). فالتكييف القانوني لحالة المفاجأة بالزنى يعني تحديد الوصف القانوني السليم الذي يلائم طبيعتها وتعيين مكانها في القانون. عندما يفاجأ الزوج أو المحرم بتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع الشريك فأنه “يفاجأ بما يؤذي شرفه ويطول اعتباره فتتملكه حالة الغضب والهياج النفسي متأثراً بهول ما شاهده فتضيق حريته في الاختيار الأمر الذي يدفعه إلى الاعتداء على الزانية وشريكها في الزنى“(2)، فالفاعل مجرم ولكنه معذور لدرجة ما لأنه يفعل فعله تحت تأثير ثورة الغضب العاصفة التي تضعف سيطرته الذاتية على عواطفه(3)، وتنقص سيطرته على إرادته فتغدو إرادة مندفعة هوجاء ومن شأن ذلك أن ينقص صلاحيته للمسؤولية الجنائية(4). ويتضح أن المفاجأة بالزنى عذر يخفف عقوبة الجريمة المرتكبة حال هذه المفاجأة. فالمشرع العراقي قد عاقب مرتكب جريمة القتل أو الإيذاء حال المفاجأة بالزنى بالحبس(5) مدة لا تزيد على ثلاث سنوات بموجب المادة (409) عقوبات، في حين أن عقوبة جريمة القتل العمد هي السجن المؤبد أو المؤقت(6) (المادة /405) عقوبات، وعقوبة جريمة الاعتداء المفضي إلى موت (المادة/410) منه أو إلى عاهة مستديمة (المادة/412) منه هي السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة.

وبذلك يتضح بأن القانون لم يجعل الحق في تخفيف العقاب للمحكمة كما هو الحال في الظروف القضائية المخففة(7)، وأنما حدد العقوبة بالنص. كما يفهم بأن سبب تخفيف العقوبة في النص هو عذر الاستفزاز الخطير وأن لم ينص على ذلك صراحة(8)، فالجريمة التي تقع تحت تأثير الاستفزاز تعد أقل خطورة وجسامة من جريمة الشخص الذي يرتكبها بدون استفزاز(9). ولذلك فأن القانون يعاقب على الجريمة المرتكبة حال المفاجأة بالزنى بعقوبة خفيفة والسبب في هذا التخفيف هو ما تحدثه المفاجأة بالزنى من حالة الانفعال الطبيعي في نفس الزوج عند مشاهدته لتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى أو الوجود في فراش واحد مع الشريك فيقدم على ارتكاب جريمة القتل أو الاعتداء المفضي إلى موت أو إلى عاهة مستديمة رغم أنها جرائم توصف بأنها من نوع الجنايات(10)، ومع ذلك فأن القانون يعاقبه بإحدى العقوبات المقررة للجنح(11).

ويترتب على طبيعة المفاجأة بالزنى كعذر مخفف بعض النتائج، فمن جهة تعد المفاجأة بالزنى عذر قانوني مخفف للعقاب بسبب النص عليه في القانون وبالتالي فهو ملزم للمحكمة لأنه ورد على سبيل الحصر، إذ أن الاعذار تقع في نطاق مبدأ الشرعية(12)، ولا عذر من غير نص مثله في ذلك مثل المبدأ الدستوري القائل بأن لا عقوبة من غير نص، وهو بهذا الوصف يكتسب صفة الالزام أي أن القضاء به واجب على المحكمة(13) عند توفر شروطه. ومن جهة أخرى، أن صفة الزوج أو المحرم أساسية في قيام العذر، فأن شخصية العذر تكون مسألة لا شك فيها(14)، أي أنه عذر شخصي بحت لا يستفيد منه الا الزوج أو المحرم(15)، ولا يتعدى إلى سواهما ممن لا تتوفر فيهم إحدى هاتين الصفتين، إذ أنه في حالة توافر اعذار شخصية مخففة من العقاب في حق أحد المساهمين –فاعلاً أو شريكا- في ارتكاب الجريمة فلا يتعدى اثرها إلى غير من تعلقت به (المادة /52) عقوبات)، كمفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنى(16).

يتضح مما تقدم بأن المشرع العراقي قد عّد من حالة مفاجأة الزوج لزوجته أو مفاجأة الرجل إحدى محارمه متلبسة بارتكاب فعل الزنى، سبباً يؤدي، في حالة توفر شروطه إلى تطبيق عقوبة الحبس التي لا تزيد على ثلاث سنوات دون تطبيق عقوبة جريمة القتل أو الاعتداء المفضي إلى موت أو إلى عاهة مستديمة بحسب الأحوال. وبذلك يكون المشرع قد عّد هذه الحالة عذراً مخففاً خاصاً للعقوبة(17)، فالأعذار المخففة نوعان، أعذار مخففة عامة وأعذار مخففة خاصة. والأخيرة يسري أثرها على جرائم معينة محددة بذاتها. والنصوص المقررة لهذه الأعذار ترد في القسم الخاص من قانون العقوبات الذي يضم الأحكام الخاصة بكل جريمة على حدة ولهذه الأعذار صورتين: في الصورة الأولى يحدد المشرع العذر المخفف مع تعيين العقوبة المخففة المقررة له (المادة/409 عقوبات عراقي، 237عقوبات مصري). وفي الصورة الثانية يحدد المشرع العذر المخفف دون تعيين العقوبة المخففة المقررة له تاركاً تعيينها طبقاً لنفس الضوابط المقررة لتعيين العقوبة المخففة للأعذار المخففة العامة (المادة /462) عقوبات عراقي(18).

_________________

1- ينظر محمد صالح القويزي، التكييف، مجلة القضاء، نقابة المحامين في العراق، ع1 و2، س56، مطبعة شركة الانعام للطباعة المحدودة، بغداد، 2002، ص47.

2- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مرجع سابق، ص168.

3- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة الزمان، بغداد، 1992،ص456.

4- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام، بيروت، 1968، ص761.

5- الحبس في قانون العقوبات العراقي أما شديداً لا تقل مدته عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وعلى المحكمة ان تحكم بالحبس الشديد كلما كانت مدة الحبس المحكوم بها اكثر من سنة(المادة/88) منه. وأما بسيطاً لا تقل مدته عن اربع وعشرين ساعة ولا تزيد على سنة واحدة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (المادة / 89) منه.

6- نصت المادة (87) عقوبات عراقي على أنه (السجن هو ايداع المحكوم عليه في إحدى المنشآت العقابية المخصصة قانوناً لهذا الغرض لمدة عشرين سنة أن كان مؤبداً والمدد المبينة في الحكم أن كان مؤقتاً. ومدة السجن المؤقت أكثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة ما لـم ينص القانون على خلاف ذلك…).

7- الظروف القضائية المخففة هي عناصر أو وقائع عرضية تبعية تضعف من جسامة الجريمة وتكشف عن ضآلة خطورة فاعلها وتستتبع تخفيف العقوبة إلى أقل من حدها الأدنى أو الحكم بتدبير يناسب تلك الخطورة. وأن القاضي هو الذي يتولى استظهارها ويتمتع في هذا الصدد بسلطة تقديرية. ينظر د. حسنين ابراهيم صالح عبيد، النظرية العامة للظروف المخففة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1970، ص144 وما بعدها.

8- ينظر مصطفى مجدي هرجه، التعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه والقانون، القسم الخاص، الكتاب الثاني، ط1، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1988، ص315.

9- ينظر د. عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، المطبعة العالمية، القاهرة، 1967، ص287.

10- الجناية: هي الجريمة المعاقب عليها بالاعدام أو السجن المؤبد أو بالسجن أكثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة (المادة /25) عقوبات عراقي.

11- الجنحة: هي الجريمة المعاقب عليها بإحدى العقوبتين التاليتين:

1.الحبس الشديد او البسيط اكثر من ثلاثة اشهر إلى خمس سنوات.

2.الغرامة. (المادة/26) عقوبات عراقي.

12- ينظر فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 1978، ص135.

13- ينظر عبد الستار البزركان، العذر القانوني والظرف القضائي، مجلة القضاء، نقابة المحامين في العراق، ع1، س45، مطبعة الشعب، بغداد، 1990، ص41.

14- ينظر د. جلال ثروت، نظرية القسم الخاص، ج1، جرائم الاعتداء على الأشخاص، الدار الجامعية، القاهرة، بلا سنة طبع، ص261.

15- ينظر د. عادل سيد فهيم، النظرية العامة للمسؤولية الجنائية عن جرائم الأشخاص والأموال، ج1، جرائم الأشخاص، مطبعة حداد، البصرة – العراق، 1967-1968، ص209.

16- ينظر د. سامي النصراوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ط1، ج1، الجريمة، مطبعة دار السلام، بغداد، 1977، ص282.

17- ينظر د. ضاري خليل محمود، تفاوت الحماية الجنائية بين المرأة والرجل في قانون العقوبات المقارن والشريعة الإسلامية، دراسة قانونية اجتماعية، مطبعة الحافظ، بغداد، 1990، ص38.

18- ينظر د. أكرم نشأت ابراهيم، السياسة الجنائية، مرجع سابق، ص96.

المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .