(محل الالتزام التجاري هو ما يتعهد به المدين أو هو الأداء الذي يجب علي المدين – الملتزم في معاملة تجارية – القيام به، ومحل الالتزام أو يكون امتناعا عن عمل Prestation التجاري قد يكون أداء عمل ويلاحظ أن إعطاء شيء لا يعدو أن ،dation أو إعطاء شئ abstentionيكون عملاً،) ومن ثم لا يخطئ من يقول أن محل التزام عمل أو امتناع عن عمل(1) ومحل الالتزام يجب أن يستوفي شروطاً ثلاثة هي شرط الإمكان وشرط التعيين وشرط المشروعية(2)

وشرط الإمكان يفيد ضرورة أن يكون في الإمكان القيام بالعمل المتفق علي القيام به، فإذا كان القيام به مستحيلاً كان الالتزام غير موجود، إذ لا التزام بمستحيل ٠والمقصود بالاستحالة في خصوص شرط الإمكان هو الاستحالة المطلقة وغير صحيح أن الاستحالة لا تكون مطلقة إلا إذا كان يستحيل على أي إنسان القيام بالأمر المتعهد به أو أنها تعتبر نسبية لمجرد أن شخصاً آخر غير المدين يستطيع القيام بهذا الأمر فالمعيار لدينا هو الرجل المعتاد، فالصحيح أن الأمر يعد مستحيلاً استحالة مطلقة إذا كان لا يستطيع أحد القيام به أو كان لا يستطيعه الرجل المعتاد ٠ وإذا وجد في مثل ظروف المدين الخارجية المنظورة، أي أن المقصود باشتراط أن تكون الاستحالة مطلقة هو ثبوت هذه الاستحالة بناء علي تقديرها تقديراً موضوعياً أي بمعيار الرجل العادي إذا وجد في ظروف مماثلة للظروف الخارجية التي تم فيها التعهد(3) فإذا كان محل الالتزام التجاري مستحيلاً علي المدين شخصياً ولكنه غير مستحيل بالنسبة إلي رجل عادي في مثل ظروف المدين الخارجية كانت هذه الاستحالة نسبية ولم تكف لاعتبار المحل غير ممكن وبالتالي لا يمنع من قيام الالتزام(4) فالتعهد بنقل مئات الأطنان من السلع في مدة محدودة قد يعتبر محله مستحيلاً استحالة مطلقة إذا كان المتعهد حمالاً بسيطاً أو صاحب عربة يد لا يملك غيرها من وسائل النقل ولا تدل ظروفه الخارجية علي إمكانية الاستعانة بمن يملكون وسائل النقل الكبيرة، ولكنه يعد أمراً ممكناً بالنسبة إلى شركات النقل الكبيرة التي تملك سيارات النقل الضخمة وتستعمل السكك الحديدية، فإذا كان المتعهد في هذا المثل من الفريق الأول وقع العقد باطلاً لاستحالة محلة استحالة مطلقة، أما إذا كان من الفريق الثاني، وقع العقد صحيحاً لعدم استحالة محله(5) ولا يدخل في معني الاستحالة كون الشيء الذي يلتزم به الشخص غير موجود في الحال ما دام وجوده ممكناً في المستقبل، فمن الممكن أن يرد ، التعامل علي الأشياء المستقبلية شريطة أن يكون هذا الشيء قابلاً للوجود(6) كصاحب المصنع أو التاجر الذي يشتري محصول أرض زراعية قبل أن ينبت الزرع أو ثمار الشجر قبل أن تظهر أما شرط تعيين المحل فإنه يفيد أنه إذا لم يكن محل الالتزام معيناً بذاته وجب أن يكون معيناً بنوعه ومقداره وإلا كان الالتزام باطلاً، ويكفي أن يكون المحل معنياً بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما استطاع به تعيين مقداره، وإذا لم يتفق المتعاقدين علي درجة الشيء من حيث جودته ولم يكن استخلاص ذلك من العرف أو من ظرف آخر التزم المدين بأن يسلم شيئاً من صنف متوسط(7) غير أنه في العقود التجارية لا يشترط أن ينص في العقد علي التعيين بالشكل المتقدم، وإنما يكفي أن يتضمن العقد الأسس التي تؤدي إلي تعيين الشئ مستقبلاً ٠

وشرط مشروعية محل الالتزام التجاري يقصد به أنه يشترط في Licite الالتزام بعمل أو بامتناع عن عمل أن يكون محله جائزاً أي مشروعاً وإلا كان باطلاً وإذا كان محل الالتزام إعطاء شئ فإن هذا الشيء يجب أن يكون مما يجوز التعامل فيه ٠ هذا فيما يتعلق بالأحكام العامة لمحل الالتزام التجاري، أما فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بمحل الالتزام التجاري والتي جاء بها المشرع في قانون التجارة المصري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ فهي ما نصت عليه المادة ٥٣ والمادة ٥٤ تجاري ٠ فقد نصت المادة ٥٣ من قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ علي أنه “ إذا كان محل الالتزام التجاري تسليم شئ خلال موسم معين أو فصل من فصول السنة وجب الرجوع إلي العرف السائد في مكان التسليم لتعيين الوقت الذي يجب أن يتم فيه، فإذا لم يوجد عرف وجب أن يتم التسليم في وقت مناسب قبل نهاية الموسم أو الفصل، ويعتبر العرف السائد في مكان التسليم فيما يتعلق بكيفية قياس البضائع أو وزنها أو عدها أو كيلها متمماً للعقد ما لم يتفق علي غير ذلك” ٠

يتضح من ذلك أنه إذا كان محل الالتزام التجاري تسليم شئ، فإن الأصل أن يتم التسليم من حيث المكان والزمان وفقاً لما اتفق عليه المتعاقدين في العقد، فإذا لم يوجد هذا الاتفاق فإن المشرع التجاري قرر أن يتم التسليم وفقاً لما يقضي به العرف واعتد المشرع بالعرف السائد في مكان التسليم وليس أي مكان آخر كمكان إبرام العقد مثلاً ٠ فإذا كان عقد البيع تم في القاهرة وتم الاتفاق علي تسليم الشئ في أسوان أو بورسعيد أو الإسكندرية وجب الرجوع إلي العرف السائد في مكان التسليم لتحديد وقت التسليم وإذا كان البيع من بيوع التسليم في ميناء القيام أي F.O.B ” أو البيع ” فوب C.I.F ” في ميناء الشحن مثل البيع ” سيف أو كاف اتبع العرف السائد في مصر إذا تم شحن البضاعة من مصر باعتبارها مكان التسليم، وإذا كان البيع من بيوع التسليم في ميناء الوصول اتبع العرف السائد في بلد وصول المبيع سواء كانت بلداً أجنبياً أو مصر(8) وإذا لم يوجد عرف يحدد وقت التسليم وجب أن يتم التسليم في وقت مناسب قبل نهاية الموسم أو الفصل، فإذا كان هناك اتفاق بين تاجر ومصنع يلتزم بموجبه هذا الأخير علي توريد ملابس صيفية لموسم الصيف فيكون الميعاد المناسب للتسليم هو أول الموسم وليس آخر الموسم، وكذلك إذا تم الاتفاق علي توريد زهور بمناسبة عيد معين فإنه يجب التسليم قبل بداية العيد وليس بعد انتهائه، (ويمكن القول بأنه إذا لم يوجد عرف يحدد ميعاد التسليم فإن المشرع يعتد بالميعاد المناسب)9) والعرف السائد في مكان التسليم هو الذي يعتد به المشرع أيضاً لبيان كيفية قياس البضاعة أو وزنها أو عدها أو كيلها، واعتبر المشرع هذا العرف مكملاً للعقد، إلا إذا اتفق علي غير ذلك ٠ هذا كله إذا كان محل الالتزام التجاري تسليم شئ، أما إذا كان محل الالتزام التجاري القيام بعمل، فإن المشرع التجاري نص في المادة ٥٤ من قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ علي أنه ” إذا كان محل الالتزام أداء عمل وجب أن يبذل فيه المدين عناية التاجر العادي ” مما لا شك فيه أن معيار التاجر العادي يتميز عن معيار الشخص العادي الذي كان يأخذ به المشرع قبل صدور قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ، والذي كان مطبقاً أيضاً علي المعاملات المدنية، ذلك أن التاجر المعتاد هو شخص أكثر دراية بطبيعة التعامل التجاري من الشخص المعتاد كما أنه أكثر خبرة ودراية وقدرة علي اكتساب المعلومات التي تتعلق بمحل الالتزام وهذا يمكنه من حسن التصرف بما لا يعرض نفسه أو المتعاملين معه للضرر ٠ بل إن المشرع التجاري ذهب أبعد من ذلك فيما يتعلق بالتزامات الشركات التي تعمل في مجال الأوراق المالية، حيث تطلب المشرع أن تبذل الشركة عناية التاجر الحريص، فقد نصت المادة ٢١٤ من اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم ٩٥ لسنة ١٩٢٢ المعدلة بالقرار رقم ٣٩ لسنة ١٩٩٨ علي أنه تلتزم الشركة بمزاولة النشاط المرخص لها به وفقاً لأحكام القانون واللائحة والقرارات الصادرة تنفيذاً لهما وللشروط والضوابط الصادر علي أساسها الترخيص وبمراعاة الأعراف التجارية في هذا الشأن ومبادئ الأمانة والعدالة والمساواة والحرص علي مصالح العملاء والتي تلتزم الشركة في تحقيقها عناية الرجل الحريص(10).

____________________

1- تنص المادة ٩٨ من القانون المدني المصري على أنه ” إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحاً بالقبول، فإن العقد يعتبر قد تم، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب .

٢- ويعتبر السكوت عن الرد قبولاً، إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب اذا التعامل، أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه. والجدير بالملاحظة أن هذا النص المدني يكاد ينحصر مجال تطبيقه في المعاملات . التجارية – راجع د ٠ سميحة القليوبي – شرح قانون التجارة المصري – ص ١١ هامش ١.

3- د . عبد الرازق السنهوري – الوسيط فى شرح القانون المدني، ج ٢ – نظرية الالتزام بوجه عام، المجلد الأول – الإثبات – ط ٢-1982– بند ٢١٣ .

4- د . أحمد حشمت أبو ستيت – بند ٢٠٣ ص ١٩١ .

5- د .سليمان مرقص أصول الإثبات الجزء الأول بند ١٣٧ ص ١٨٠ أيضاً د ٠ أحمد شرف الدين، الدليل القانونى لتوظيف الأموال – بند ٢٠٠ ، ص ٢٤٧

6- سليمان مرقص المرجع السابق – ص ١٨٠ وأيضاً د ٠ عبد الرازق السنهورى – الوسيط فى شرح القانون المدنى – ج ١ – ص ٣٨٤

7- د ٠ سليمان مرقص – المرجع السابق ص ١٨١ .

8- راجع المادة ١٣٣ من القانون المدني .

9- راجع د ٠ سليمان مرقس، المرجع السابق، ص ١٩٣ ، د ٠ عبد الرازق لسنهوري – الوسيط – ج ١ – المرجع السابق – ص ٣٨٩ ، د . حشمت أبو. ستيت – المرجع السابق – ص 197.

10- مزيداً من التفاصيل عن البيوع البحرية، راجع د ٠ على جمال الدين عوض – الاعتمادات المستندية – طبعة ١٩٨١ وللمؤلف مقال بعنوان ” دور المستندات فى تنفيذ البيع البحرى بمجلة الاقتصاد والقانون العدد ٣ لسنة ٣٠ مارس ١٩٦٠ ، وراجع أيضاً د سميحة القليوبى – القانون البحرى – دار النهضة العربية ١٩٨٣ – ص ٢٤٨ وما بعدها ٠

11- د . رضا عبيد – بحث عن النظرية العامة للالتزامات التجارية – مقدم للمؤتمر العلمي الثاني للقوانين المصريين فى الفترة1-2/6/2000-ص15.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .