تنحصر هذه الدراسة في نطاق الضرائب المباشرة في العراق ، لذا يعد من الطبيعي معرفة أنواع الضرائب المباشرة في العراق … على نحو سريع بغية حصر هذه الدراسة في اطارها الصحيح . تؤلف ضرائب الدخل والعقار والعرصات الضرائب المباشرة في العراق(1). لذا ينبغي استعراض كل نوع على حدة وعلى نحو سريع(2).

أولاً : ضريبة الدخل(3).

فرض المشرع العراقي ضريبة على الدخل أو على المصادر التي تتخذ من الدخل وعاءً لها عند اكتسابه أو تحققه لصالح المكلف ، من دون أن يفرق بين الدخل الدوري الذي يمتاز بالتكرار أو الديمومة والثبات وبين الدخل الاستثنائي ، فأي مصدر يحقق للمكلف دخلاً يكون باثره ذلك الدخل خاضع من الضريبة ، وبهذا يكون المشرع قد اخذ بالمفهوم الواسع للدخل(4). ولكن يثور السؤال حول أي معيار تم اعتماده لعد هذه الضريبة من الضرائب المباشرة ؟ يبدو أن المشرع العراقي اعتمد المعيار الإداري(5). بيد أن بقية المعايير لا تبدو بعيدة عن واقع ضريبة الدخل ، فالبنسبة إلى معيار ثبات المادة الخاضعة للضريبة فأنه متحقق كون ضريبة الدخل تفرض على الدخل الناجم للمكلف خلال السنة المالية، أما بالنسبة إلى معيار راجعية الضريبة فانه قد يتحقق في بعض صور الضريبة على الدخل ومنها الضريبة على رواتب العمال وأجورهم ، أما بالنسبة إلى معيار المقدرة التكليفية فانه يبدو جلياً أن ضريبة الدخل تعتمد الوصول إلى الدخل الصافي أي الدخل المتبقـي بعد طرح ما يكون قد تحمله المكلف من أعباء شخصية – السماحات – أو أعباء مالية لانتاج الدخل – التنزيلات – .

ثانياً : ضريبة العقار(6).

تفرض ضريبة العقار على إيراد المكلف أو دخله المتأتي من عقاراته خلال السنة ، أما ما أطلقه البعض من أن الضريبة الأساسية لضريبة العقار تفرض على ذات العقار وليس على الدخل الناجم منه(7). لا يستقيم مع ما اتفق عليه الفقه المالي(8). الذي نسير في ركبه خصوصاً أننا نستند في تأييدنا له إلى نص الفقرة ( التاسعة ) من المادة ( الأولى ) من قانون ضريبة العقار رقم (162) لسنة 1959 التي تؤكد أن محل فرض ضريبة العقار هو دخل المكلف التي تعرفه بأنه ” مجموع الايـراد السنوي الناجم من العقارات … ” سيما أن الواقعة المنشئة لضريبة العقار هي استئجار العقار أو حصول صاحب العقار على الإيراد السنوي للعقار . وبين مؤيد لاستقلال هذه الضريبة عن ضريبة الدخل ومطالب لدمجها(9). اسوة بالتشريعين المصري(10). والأردني(11). يرى جانب من الفقه خطأ التسمية التي تطلق على هذه الضريبة ويرى بان من الأوفـق تسميتها بالضريبة على العقارات المبينة(12). ويثار التساؤل عن المعيار الذي يمكن ان يعتمد لعد هذه الضريبة من الضرائب المباشرة ؟ يميل رأي الى ان المشرع العراقي تبنى المعيار الاداري مستدلاً في ذلك بالمادة (21) من قانون ضريبة العقار رقم (162) لسنة 1959(13). وإذا كنا نؤيد ما ذهب إليه الرأي المتقدم ، إلا أننا نرى أن باقي المعايير يمكن أن نجدها متوفرة عند فرض ضريبة العقار ، فبالنسبة إلى معيار ثبات المادة الخاضعة للضريبة نجده متمثلاً بالعقار الذي يملكه المكلف أو الذي يضع عليه يده أو متولي الوقف ثابت ويدر دخلاً إليه خلال السنة(14)، أما بالنسبة إلى معيار راجعية الضريبة فيمكن للمكلف أن يحول ما يخضع إليه من ضريبة إلى المستأجر من خلال رفع الاجرة ، أما بخصوص مراعاة المقدرة التكليفية للمكلف فأننا نتفق مع من قال ان ضريبة العقار لا تراعي الظروف الشخصية للمكلف(15). بيد أن المشرع عمل على طرح مقدار من الايراد السنوي للمكلف قبل فرض الضريبة الاضافية وما هذا الاجراء سوى مراعاة لما يواجهه المكلف من أعباء(16).

ثالثاً : ضريبة العرصات(17).

حاول جانب من الفقه تعريف ضريبة العرصات بأنها ” الضريبة المفروضة سنوياً على القيمة المقدرة للعرصة التي يملكها المكلف في العراق والواقعة في المناطق المحددة قانوناً عدا ما استثني منها قانوناً(18). في حين عرفها آخرون بأنها ” الضريبة على رأس المـال العقاري غير المستغل اقتصادياً”(19). وهكذا فان ضريبة العرصات تفرض على قيمة الأرض الصالحة للبناء بيد أن مالكها لم يستغلها ويستثمرها لأي سبب ، وذلك بغية القضاء على المضاربة في الأرض وتشجيع الحركة العمرانية وايجاد مورد مالي للدولة وهي من بعد تحقق العدالة في توزيع الأعباء المالية العامة(20). عموماً فان الفقه المالي يعدها ضريبة مباشرة كونها تفرض على قيمة العرصة ذاتها ولا تفرض على ما تنتجه العرصة من دخل(21). ويبدو لنا أن معيار ثبات المادة الخاضعة للضريبة هو المعيار المعتمد لعد هذه الضريبة ضريبة مباشرة .

____________________________

1- نص المشرع المصري صراحة على وصف هذه الضرائب – وإن حملت مسميات أخرى كما سيأتي لاحقاً – بالضرائب المباشرة انظر الفقرة (4) من المادة (67) والمادة (67) والمادة (158) من قانون الضرائب على الدخل المصري رقم (157) لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم (187) لسنة 1993 .

2- ألغي قانون ضريبة التركات المرقم (64) لسنة 1965 بموجب القانون رقم (22) لسنة 1994 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3532 في 17/10/1994 ، الا أن أحكامه بقيت نافذة على حالات الوفيات الواقعة خلال فترة نفاذه . وهذه الضرائب هي ابرز أنواع الضرائب المباشرة في انكلترا .. لمزيد من التفصيل انظر :

Ursulak . hicks ، M . A .، op . cit ، p 133 .

3- فرضت ضريبة الدخل بعد تأسيس الدولة العراقية بموجب القانون رقم (52) لسنة 1927 ، ثم تلاه القانون رقم (36) لسنة 1939 ، ثم تلاه القانون رقم (85) لسنة 1956 ، ثم تلاه القانون رقم (95) لسنة 1959 ، ثم تلاه القانون النافذ حالياً رقم (113) لسنة 1982 المعدل . علماً إنَ اغلب الفقه المالي في العراق قد تناول دراسة ضريبة الدخل ضمن اطار الضرائب المباشرة … انظر على سبيل المثال . د . هاشم الجعفري ، مصدر سابق ، ص 156 و د . عبد العال الصكبان ، الميزانية والضرائب المباشرة في العراق ، ط 1 ، مطبعة العاني – بغداد – ، 1967 ، ص 282 .

4- أيدنا موقف المشرع العراقي الموسع لمفهوم الدخل كونه الأقرب إلى العدالة الضريبة من جهة ، وزيادة حصيلة الضريبة من جهة ثانية ، لمزيد من التفصيل انظر علي هادي عطية الهلالي . تقدير الدخل وإخضاعه للضريبة في قانون ضريبة الدخل العراقي . رسالة ماجستير ، كلية القانون – جامعة بغداد ، 2001 ، ص 9 .

5- المادة (44) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل .

6- فرضت ضريبة العقار بعد تأسيس الدولة العراقية بموجب ضريبة المسقفات في 14/ حزيران / 1907 التي بقيت نافذة لغاية 1923 ، وحل محلها قانون ضريبة الأملاك لعام 1923 ، ثم تلاه قانون ضريبة الأملاك رقم (35) لسنة 1927 ، ثم تلاه قانون ضريبة الأملاك رقم (17) لسنة 1940 ، ثم تلاه قانون ضريبة العقار رقم (162) لسنة 1959 المعدل .

7- محمد جمال الذنيبات ، الضريبة على العقارات المبينة – دراسة مقارنة- ، رسالة ماجستير ، كلية القانون – جامعة بغداد ، 1998 ، ص 9 .

8- انظر على سبيل المثال : د. هاشم الجعفري ، مصدر سابق ، ص171 ، وكذلك هشام العمري ، الضرائب على الدخل ، مطبعة التعليم العالي / بغداد ، 1989 ، ص151 .

9- د . حكمت الحارس . السياسة الضريبية وتطور النظام الضريبي في العراق ، مطبعة وهدان الطالبة – مصر – ، بدون سنة نشر ، ص 520 .

10- انظر المادة (5) من قانون الضرائب على الدخل المصري رقم (157) لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم (187) لسنة 1993 .

11- انظر المادة (3) من قانون ضريبة الدخل الأردني رقم (57) لسنة 1985 المعدل .

12- عبد الرزاق عبد العزيز الصائغ . محاضرات في الضرائب العقارية في العراق . ط 2 ، 1986 ، ص 37 . وهي التسمية المعمول بها بكل من التشريعين المصري والأردني.

13- محمد جمال الذنيبات ، مصدر سابق ، ص 26 .

14- وما يؤيد هذا الرأي هو تفسير السلطة المالية الوارد في كتابها بالعدد 17649 في 26/5/1985 المؤيد بقرار ديوان ضريبة العقار 351 في 6/11/86 المنشور في الكتاب السنوي لسنة 1986 ، ص178 – 179 الذي تضمن : ” إن وعاء الضريبة هو العقار وليس المكلف لأن ضريبة العقار هي ضريبة عينية ، لذا يطالب المالك الحالي للعقار بالضريبة السابقة التي استحقت على صاحب الإجارة الطويلة ولم يتسنى تحصيلها منه “

15- د . هاشم الجعفري ، مصدر سابق ، ص 171 .

16- وصل هذا المقدار غير الخاضع للضريبة الإضافية إلى (750000) الف دينار بموجب التعديل الوارد بالقانون رقم (66) لسنة 2001 المنشور بالوقائع بالعدد 3890 في 6/8/2001.

17- مر تطبيق قوانين ضريبة العرصات بمراحلَ ثلاث الأولى بين 1/4/1940 حتى 31/3/1942 والثانية من 2/9/1947 حتى 31/3/1950 وهاتين الفقرتين حكمهما القانون الأول رقم 15 لسنة 1940 ، أما المرحلة الثالثة من 1/6/1962 حتى الوقت الحاضر خاضعة لأحكام القانون رقم 26 لسنة 1962 المعدل .

18- هاشم محمد صفوت العمري . الضرائب على رأس المال ، مطبعة التعليم العالي / بغداد ، 1989 ، ص 89 .

19- د . طاهر الجنابي . علم المالية العامة والتشريع المالي ، مصدر سابق ، ص 278 ، وبالمعنى نفسه انظر د . عبد الرؤوف الصافي (وآخرون) ، التشريعات المالية والتجارية ، مطبعة مؤسسة المعاهد الفنية ، 1985 ، ص 144 ، وكذلك د . حكمت الحارس ، مصدر سابق ، ص 186 – 187 .

20- انظر الأسباب الموجبة لقانون ضريبة العرصات رقم (26) لسنة 1962 المعدل .

21- هشام محمد صفوت العمري . الضرائب على رأس المال ، المصدر السابق ، ص 90 . وهذا هو أهم انتقاد يوجه إلى هذه الضريبة كونها تهدد وجود رؤوس الموال وتأسيسها وتعرضها للهلاك .. لمزيد من التفصيل انظر :

Edward ، S . corwin ، the constitution and what it means today ، new york ، 1963 ، p 79 .

المؤلف : علي هادي عطية الهلالي
الكتاب أو المصدر : تفسير قوانين الضرائب في العراق
الجزء والصفحة : ص38-21

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .