النظر في الطعون الانتخابية بعد تعديل الدستور الاردني

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين / الفصل في الطعون الانتخابية بعد تعديل الدستور

أصدرت محكمة استنئاف عمان قبل عدة أسابيع قرارها برد الطعن المقدم من أحد المرشحين في نتائج الانتخابات التكميلية الأخيرة التي جرت في محافظة الكرك (الدائرة الفرعية الخامسة) وذلك إثر سقوط عضوية النائب شريف الرواشدة لحمله الجنسية الكندية. إن أهمية هذا القرار تنبع في أنه يعد الأول من نوعه الذي تصدره محكمة الاستئناف بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي أسندت مهمة الفصل في صحة الطعون الانتخابية إلى القضاء النظامي وتحديدا إلى محكمة الاستئناف.

فقد تم تعديل المادة (71) من الدستور وذلك بسحب الاختصاص الدستوري في النظر بالطعون الانتخابية من مجلس النواب وإعطائها إلى القضاء النظامي ممثلا في محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته. فقد أعطت المادة (71) المعدلة من الدستور الحق لكل ناخب في الدائرة الانتخابية أن يقدم طعنا إلى محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته في دائرته الانتخابية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ نشر نتائج الانتخابات في الجريدة الرسمية يبين فيه أسباب طعنه, على أن تصدر محكمة الاستئناف قرارها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسجيل الطعن لديها وذلك إما برد الطعن أو قبوله موضوعا, وفي هذه الحالة تعلن اسم النائب الفائز, وتكون قراراتها نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن.

إن الغاية التي ابتغى المشرع الدستوري تحقيقها من تعديل المادة (71) بإخراج الاختصاص في نظر الطعون الانتخابية من مجلس النواب إلى القضاء النظامي هي إشباع غريزة العدالة عند الأفراد الطاعنين بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب وذلك من خلال إسناد مهمة الفصل في هذه الطعون إلى القضاء المستقل, وهو الأمر الذي لم يكن يحققه النص الدستوري السابق الذي كان يجعل من مجلس النواب الخصم والحكم في الطعون البرلمانية. كما أن وجود تيارات مختلفة داخل مجلس النواب كانت دائما ما تدفع المجلس إلى الفصل في الطعون الانتخابية على أسس حزبية أو إقليمية أو عرقية خاصة أنه كان يحق للنائب المطعون بصحة نيابته أن يحضر جلسات المجلس عند النظر في صحة نيابته, وأن يشترك في المناقشة شريطة أن يغادر الجلسة قبل التصويت على الطعن المقدم وذلك استنادا لأحكام المادة (34) من النظام الداخلي لمجلس النواب. هذا اضافة إلى أن إسناد مهمة الفصل في صحة عضوية النواب إلى مجلس النواب نفسه كان يشكل إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات وتغولا من السلطة التشريعية على السلطة القضائية على اعتبار أن الطعن في عضوية النائب ينطوي على منازعة ينبغي للفصل بها تطبيق أحكام الدستور والقانون عليها, وهو الأمر الذي يدخل في صميم عمل السلطة القضائية وليس السلطة التشريعية.

لذا فقد جاء تعديل المادة (71) من الدستور ليكرس مبدأ الولاية العامة للقضاء على جميع المنازعات وذلك من خلال اختيار محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته للنظر في الطعون التي تقدم بصحة نيابة الفائز عن تلك الدائرة الانتخابية.

إلا أنه ما يؤخذ على التعديل الدستوري الأخير أنه قد منح الاختصاص في الطعون الانتخابية إلى القضاء النظامي وليس للقضاء الإداري. فقد كنا نتمنى على المشرع الدستوري أن يخرج هذا النوع من المنازعات من ولاية القضاء النظامي, وأن يقرر الاختصاص فيها إلى القضاء الإداري نظرا للطبيعة الإدارية للطعون الانتخابية. فالقضاء الإداري هو أكثر قدرة من القضاء العادي على تطبيق قواعد القانون العام ونظرياته المختلفة والتي تحكم موضوع الطعن في صحة عضوية النائب بعد الانتخاب, خاصة مع التعديلات الدستورية الأخيرة التي جعلت القضاء الإداري في الأردن على درجتين.

كما أن منح الاختصاص للقضاء الإداري في الفصل في الطعون الانتخابية بدلا من محاكم الاستئناف من شأنه أن يوحد القرارات والاجتهادات القضائية حول المنازعات المتعلقة بموضوع الانتخابات والطعون التي تقدم في صحة عضوية النائب. فإسناد مهمة الفصل بالطعون الانتخابية إلى محاكم الاستئناف الثلاث المنتشرة في الأردن من شأنه أن يؤدي إلى تعدد في التفسير التشريعي وفي فهم القانون وتطبيقه بصورة مختلفة في ظل غياب جهة قضائية عليا تراقب على قرارات محاكم الاستئناف, وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إهدار مبادئ العدالة نظرا للاختلاف المتوقع في الاجتهاد القضائي بين محاكم الاستئناف في الأردن. هذا اضافة إلى أن قضاة القضاء الإداري لديهم من الخبرة والكفاءة القانونية التي اكتسبوها أثناء سنوات العمل في السلك القضائي ما يؤهلهم إلى النهوض بمهمة الفصل في المنازعات الانتخابية بشكل أفضل من قضاة محاكم الاستئناف.

ومن الانتقادات الأخرى التي يمكن توجيهها للنص الدستوري المعدل, أنه قد جعل القرار الصادر عن محاكم الاستئناف في الطعن بصحة عضوية النائب قطعيا ولا يجوز الطعن به بأي من طرق الطعن العادية أو غير العادية, وهو الأمر الذي يشكل إنكارا للعدالة ولحق الطاعن في التقاضي على درجتين. إن الغريب في الأمر أن يسحب المشرع الدستوري اختصاص الطعون الانتخابية من مجلس النواب الذي يمثل جهة غير قضائية لا تحقق أبسط قواعد العدالة من حيث التقاضي على درجتين, وأن يقرره للقضاء النظامي مع إنكار الحق بالطعن بالقرار الصادر إلى محكمة أعلى. فالأصل أن يقرر المشرع الدستوري لكل من الطاعن والنائب المطعون بصحة نيابته الحق في أن يطعن بالقرار الصادر عن محكمة الاستنئاف بقبول الطعن موضوعا وإعلان بطلان نيابة النائب المطعون بصحة نيابته أو رد الطعن المقدم لعدم قانونية من حيث الشكل أو الموضوع.

وما يؤكد ضرورة أن يكون القرار الصادر عن محكمة الاستنئناف في الطعون الانتخابية قابلا للطعن والمراجعة من جهة قضائية أعلى أن المشرع الدستوري ولأول مرة قد منح القضاء النظامي ممثلا بمحكمة الاستئناف التي تنظر في الطعون الانتخابية الحق في إعلان بطلان الانتخاب في الدائرة التي تعلق الطعن بها إذا ما تبين لها نتيجة نظرها في الطعن المقدم إليها أن إجراءات الانتخاب في تلك الدائرة لا تتفق وأحكام القانون وذلك استنادا لأحكام المادة (71/5) من الدستور. فمثل هذا الحكم الصادر عن المحكمة قد تجاوز نطاق تطبيقه وحجيته كلا من الطاعن والمطعون بصحة نيابته إلى جميع النواب الذين تم انتخابهم عن تلك الدائرة الانتخابية التي تقرر إعلان بطلان نتائج الانتخاب فيها, مما يبرر منهم الحق في الطعن بذلك القرار أمام جهة قضائية عليا.

إن المشرع الدستوري قد كان موفقا في التعديل الدستوري الأخير فقط فيما يتعلق بسحب الاختصاص في نظر الطعون الانتخابية من مجلس النواب ومنحه للقضاء, إلا أنه لم يكن موفقا في الجهة القضائية التي أسند إليها حق الفصل في صحة الطعون الانتخابية, وفي القواعد الإجرائية الأخرى فيما يتعلق بنهائية وقطعية القرار الصادر عن الجهة القضائية, حيث تقتضي مبادئ العدالة والمعايير الدولية للمحاكمة العادلة أن يتم إخضاعها لرقابة جهة قضائية أعلى وذلك بهدف إشباع غريزة العدالة عند المتقاضين.