أراء قانونية حول دستورية مشروع قانون الكسب غير المشروع

نظرات حول دستورية مشروع قانون الكسب غير المشروع .. كتابها الدكتور نوفان العجارمة
كتب: د. نوفان العجارمة – في سابقة طيبه ينوي مجلس النواب التقدم بمشروع قانون يسمى قانون (الكسب غير المشروع) والذي يعرف على الساحة الأردنية بقانون (من أين لك هذا ؟)، ولاشك أن إقرار مثل هذا القانون من شانه أن يعزز مفهوم المساءلة والمحاسبة و يصب في جهود الدولة الأردنية في مكافحة آفة الفساد، لاسيما المالي منه.

إن إقرار بعض مواد هذا القانون سوف تثير جدلاً قانونياً واسعاً بشان مدى أتفقها أو اختلافها مع الدستور الأردني، وقد نبه إلى هذا الأمر الزميل الفاضل الدكتور فياض القضاة في مقال مطول له نشرت على موقع عمون الالكتروني، منوها إلى حكم محكمة النقض المصرية الذي صدر في عام 2004، والذي انتهى إلى دعم دستورية بعض مواد هذا القانون (قانون الكسب غير المشروع المصري لسنة 1975).

وعليه، وسوف نسلط الضوء في هذا المقال على هذه المسألة، منبهين بان الجدل القانوني سوف يكون حول مدى إمكانية إلزام الشخص الخاضع لقانون الكسب غير المشروع (إثبات الزيادة غير معقولة في ثروته والتي لا تتناسب مع دخله) فهل يجوز ذلك ؟؟ أم أن عبء إثبات أركان الجريمة وارتكابها من قبل المتهم يكون على عاتق النيابة العامة وحدها استنادا إلى قرينة البراءة المفترضة في القانون الجزائي والتي نصت عليها المادة (101) من الدستور الأردني بالقول “المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي”.

نستطيع القول بان إيراد مثل هذا النص ليس فيه مخالفة للأصل الدستوري المقرر في المادة (101) من الدستور الأردني، للأسباب والحجج القانونية التالية:

1. أن نصوص قانون الكسب غير المشروع لم توضع بشكل تعسفي ، بل يمهد لها المشرع (بأن يفترض البراءة افتراضا)، ثم ينقل عبء الإثبات على الخاضع لحكم القانون (الموظف) في إثبات ما هو ثابت أصلا وفرضا، حيث يمهد المشرع لهذه القرينة القانونية بأن يستوجب –وكما هو الحال في قانون إشهار الذمة المالية- على الموظف لأحكام القانون تقديم إقرارات ثلاث ، أولها : عند بداية خدمته ، ثم الإقرار الدوري ، ثم إقرار نهاية الخدمة.

2. الأصل أن هذه الإقرارات حجة على المقر بما دون فيها ، فإن طرأت زيادة عليها فان على الموظف أن يثبت مصدرها ، فالمشرع نقل عبء الإثبات إلى (الموظف) بعد أن ثبت لديه عكس ما هو ثابت أصلا وفرضا بإقرار هذا الموظف ، وعلى (الموظف) إثبات ما يخالفه بحسبانه مدعيا بخلافه.

3. المشرع لم يرتق بهذه القرينة إلى القرائن القانونية القاطعة التي لا يجوز إثبات ما يخالفها ، بل جعلها قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها، ويجوز للموظف أن يثبت بكافة طرق الإثبات مصدر ما طرأ من زيادة على ثروته التي قدرها بنفسه ابتداء وبغير تدخل من المشرع في ذلك التقدير، وهذا لا يعتبر قلبا لعبء الإثبات.

4. لا يجوز أن ننكر على المشرع وضعه للقرائن القانونية، فالقول بخلاف ذلك لا ساس له من القانون، وكلام مردود، فهذا أمر يقدره المشرع وحده ، فضلا على أن المشرع لم يضع هذه القرينة بالنسبة للكسب غير المشروع ، بل يضعها حين يقدر أن هذه القرينة مما تلائم و قواعد الإثبات ، وحسبنا أن نشير إلى قانون العقوبات المصري حيث اعتبر المشرع كل تاجر حكم بإفلاسه مقصر متى كانت مصروفاته الشخصية أو مصاريف منزله مصاريف باهظة وهى قرينة تناهض أصل البراءة بمفهوم الحكم ، ولم ينكر القضاء الحق على المشرع بوضعه مثل هذا النص.

5. كما اخذ المشرع الأردني بالقرينة القانونية في المادة (6) من قانون إشهار الذمة المالية لسنة 2006 و التي جاءت بالقول: (( كل مال، منقول أو غير منقول، منفعة أو حق منفعة يحصل عليه أي شخص تسري عليه أحكام هذا القانون، لنفسه أو لغيره، بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة، وإذا طرأت زيادة على ماله أو على مال أولاده القصر بعد توليه الوظيفة أو قيام الصفة وكانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز هذا الشخص عن إثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة فتعتبر ناتجة من استغلال الوظيفة أو الصفة)).

6. أن القول بأن الإدانة في جريمة الكسب غير المشروع مبناها فقط عجز المتهم عن إثبات مصدر مشروع للثروة، هو قول غير دقيق لأن الأسلوب المتبع هو إقامة أركان الجريمة عبر أدلة مختلفة تستظهر أركان الجريمة. فإذا قامت هذه الأدلة وعجز المتهم عن إثبات مصدر الزيادة، قامت الجريمة .

7. أن قانون الكسب غير الشروع هو قانون خاص أستثني فئة بعينها وهم الموظفون العموميون وهم المهيمنون علي مقدرات الشعب و أمواله ، وحيث أن الخاص يقيد العام فأن الاستثناء الوارد بقانون الكسب غير المشروع له ما يبرره من مقتضيات الصالح العام و الذي يحافظ به علي الأموال العامة التي هي ملكا لأفراد الشعب وهو الأمر الذي ألزم المسئولين بتقديم إقرارات الذمة المالية عن كل سنة حتى يتبين الزيادة التي تطرأ على ذمته.

8. مما يؤكد ذلك أن نصوص قانون العقوبات الأردني ميزت مابين الشخص العادي و الموظف في أكثر مناسبة، حيث اعتبر اعتداء الموظف على المال العام (اختلاسا) و لم يسميه سرقه ،و الاعتداء الموظف العام ظرف مشدد ، و عقوبة الذم والقدح الموجه إلى الموظف العام تختلف عن غيره، ودون أن يعتبر هذا الحكم إخلالا بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور؟؟

9. أن معظم التشريعات التي نظمت الكسب غير المشروع قد أقامت قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع بسبب استغلال الموظف لوظيفته، إذا طرأت زيادة في ثروة هذا الموظف لا تتناسب مع موارده، ويجوز إقامة الدليل في القضايا الجزائية بكافة طرق الإثبات ، بما في ذلك القرائن . وبالطبع فان هذه القرينة تتطلب من النيابة العامة تقديم الدليل على وجود زيادة غير معقولة في دخل الموظف أو من في حكمه لا تتناسب مع دخله الوظيفي المعروف للنيابة، ومعظم التشريعات التي نظمت الكسب غير المشروع نصت على وجود شكوى تقوم النيابة العامة على اثرها بتحويل هذا الموظف للمحكمة المختصة ، لان النيابة ترجح الشك ، وعلى المشتكى عليه أثناء المحكمة عليه أن يقدم ما يناقض هذا الدليل.

10. أن قضاء محكمة النقض المصرية أقر بحق المشرع في وضع القرائن القانونية عامة ، وفى سلامة القرينة المقررة بالمادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لسنة 1975 ، فالثابت من قضاء محكمة النقض بجلسة 27/12/1965 في الطعن رقم 1356 لسنة 35 ق ((…. أنه اعتبر عجز الموظف عن إثبات ما يملكه قرينة مقبولة على أن الزيادة في ماله إنما حصلت في استغلاله لوظيفة هي بذاتها من نوع الوظائف التي تتيح هذا الاستغلال …))، ولم تر المحكمة عدم دستورية المادة المشار إليها؟

11. أن قضاء الإداري و الدستوري متواتراً بأن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما يكفل الحق في تدفق المعلومات وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة الحريصين على متابعة جوانبها السلبية.

المحامي الدكتور نوفان العجارمة
أستاذ القانون الإداري و الدستوري المشارك